فهرس الكتاب

مكتبة العقائد الإمامية

 

المهندس محمد عبد الحفيظ

* مصر ـ مواليد عام (1955م)

* اعتنق التشيع عام (1983م)

 

كيف كانت البداية؟

معرفة الإمام:

فإذا عرفنا مواصفات الإمام فكيف يمكننا معرفته، بالنص؟ أم بالشورى؟. ومن هنا اختلف المسلمون فجمهور السنة على أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم ينص على أحد من أصحابه بالقيادة وجعل ذلك شورى بينهم، والشيعة تقول: إن القيادة مسؤولية لا يمكن أن يهملها النبي (صلى الله عليه وآله) إذا لا بد لكل ملك من ولي عهد ولكل رئيس من نائب ولا شك أنه (صلى الله عليه وآله) أعرف بمن تجتمع فيه الشروط والمؤهلات فلماذا يتركها لغيره وهو أعرف منهم؟

ثم إن الخليفة أبا بكر لما حضرته الوفاة استخلف الخليفة الناس عمر ولم يحصر الخلافة في جماعة على أن يكون شورى بينهم كما فعل الخليفة الثاني عمر الذي حصر الخلافة في ستة على أن يكون شورى بينهم، فلماذا لم يسكتا عن موضوع الخلافة، لم يهملا أمرها؟ لأن الخلافة قيادة تتعلق بها مصالح الإسلام والمسلمين. ولا يصح أن يسكت عنها. فلماذا حصراها في شخص أو جماعة خاصة؟ لأن عامة الناس لا يعرفون المؤهلات المعتبرة عندهم وإنما يعرفها من سبقت له نفس المسؤولية؟ فإذا كان الخليفتان يهتمان بهذه الدرجة بمصلحة الإسلام والمسلمين أيصح أن يهمل النبي (صلى الله عليه وآله) هذه المسؤولية؟ وهو الذي إذا خرج من المدينة عاصمته - أمر عليها أميراً وإذا أرسل جيشاً جعل عليه قائداً.

والتاريخ ينص على اهتمام النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بمصلحة الإسلام والمسلمين حتى آخر لحظة من حياته المباركة ففي صحيح البخاري (المجلد 6/11 طبعة 1378) في باب مرض النبي ووفاته ما نصه:

(قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله (صلى الله عليه وآله) وجعه فقال: ائتوالي أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي (صلى الله عليه وآله) تنازع. فقالوا: ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يرددون عليه، فقال: فالذي أنا في خير مما تدعونني إليه وأوصاهم بثلاث، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها).

هل أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) ؟

ما كان النبي (صلى الله عليه وآله) يترك مصلحة الإسلام والمسلمين وهو القائل: (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)، فهل ترك أمر الخلافة وما يترتب عليه من مصير الأمة والدين من دون إبداء رأيه الواضح والصريح فيها؟. ثم هؤلاء المسلمون الذين كانوا يسألون النبي (صلى الله عليه وآله) عن كل شيء في حياتهم الخاصة والعامة ألم يسألوه عمن يخلفه من بعده وهم يتلون الكتاب الكريم: (إنك ميت وإنهم ميتون).

ومن وجهة نظر الشيعة يكون الجواب بالإثبات وهو أن النبي أوصى لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) لخصال تجمعت في شخصه من كفاح في الإسلام فهو الذي لم يعبد صنماً، وناصر النبي صبياً، وفتى وشيخاً، وجهاده المتواصل في كل الغزوات ما عدا غزوة تبوك، وعلمه الغزير بالكتاب والسنة واستمرار ملازمته (صلى الله عليه وآله) الذي يقول (عليه السلام) عن ذلك: (كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه) فهذه صفات اختص بها أو كان له الحظ الأوفى وخاصة العلم وآثاره الفكرية كثيرة في التراث الإسلامي وحتى اليوم وقد جاء في الاستيعاب (3/41104 تحقيق علي محمد البيجاوي) باستناده: (قلت لعطاء: أكان في أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) أحد أعلم من علي؟ قال: لا. والله ما أعلمه).

ومن هنا كانت فكرة (الوصية) وإن الكفاءة للقيادة إنما يعرفها من سبقت له نفس المسؤولية فيجب أن ينص النبي (صلى الله عليه وآله) على الخليفة من بعده والإمام من بعده وهكذا قال الإمام الباقر (صلى الله عليه وآله) : يعرف الإمام بالنص عليه من الله تعالى ونصبه علماً للناس حتى يكون عليهم حجة، وقد نصب رسول الله علياً (عليه السلام) وعرف الناس باسمه وعينه لهم ويجيب ويبتدأ إن سكت الناس) ونصوص الإمام في علي (عليه السلام) كثيرة وقد كثر النقاش حولها بين الفريقين ونذكر ثلاثة منها:

(النص الأول): حديث المنزلة فقد روى الفريقان بأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما خرج لغزوة تبوك في السنة التاسعة خلف علياً (عليه السلام) ، وقال (صلى الله عليه وآله) له: (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) كما في صحيح مسلم (7/120 طبعة محمد صبيح) وفي صحيح البخاري (5/24 طبعة دار الشعب) ومصادرها كثيرة بزيادة (لا نبي بعدي) وكذا سنن الترمذي 2/301.

فقد جعل النبي (صلى الله عليه وآله) علياً من نفسه منزلة هارون من موسى، وبعد الفحص عن منزلة هارون في القرآن الكريم نجدها كالآتي:

1- الخلافة: قال تعالى: (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين). الأعراف: 142.

2- الوزارة: ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي أشدد به أزري) .

3- الشركة في الأمر: (واشركه في أمري... قال قد أوتيت سؤلك يا موسى) (طه: 36).

وكذلك يكون النبي (صلى الله عليه وآله) قد نص على المنازل المذكورة لعلي (عليه السلام) حيث جعله منزلة هارون وهو (صلى الله عليه وآله) لا ينطق عن الهوى.

(النص الثاني): حديث الثقلين وقد رواها الفريقان: (قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا خطيباً ثم قال: أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم الثقلين، أولهما: كتاب الله فيه الهدي والنور، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي...) كما في صحيح مسلم (7/122 طبعة محمد علي صبيح باب فضائل علي).

ويبقى سؤال: من هم أهل بيت النبي؟ وللإجابة على ذلك نكتفي بما نقله مسلم في صحيحه بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال: (دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال اللهم هؤلاء أهلي)، (صحيح مسلم 7/121).

وهذا التأكيد طبيعي فإن أهل البيت أدرى بما في البيت - كما يقول المثل - وكذلك نجد في طول التاريخ الإسلامي قد ضحى أهل البيت العلوي بدمائهم في سبيل إحياء الدين وكانت مواقفهم من أروع المواقف الإسلامية الخالدة.

(النص الثالث): حديث الغدير وغدير خم موضع في طريق مكة. المدينة استوقف النبي بعد حجة الوداع عام وفاته وهو في رجوعه إلى المدينة جموع الحجاج والحديث كما في رواية أحمد بن حنبل بإسناده عن زيد بن أرقم: (نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بواد يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير قال فخطبنا وظلل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بثوب على شجرة سمرة من الشمس فقال (صلى الله عليه وآله) ألستم تعلمون أولستم تشهدون إني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى. قال (صلى الله عليه وآله) فمن كنت مولاه فإن علياً مولاه اللهم عاد من عاداه ووال من والاه) (المسند 4/372هـ‍‍. طبعه دار صادر 1389 بيروت).

ويقول ابن حجر الهيثمي /974هـ‍‍. في شأن الحديث في كتابه الصواعق المحرقة /40 طبعة سنة 1375 القاهرة، (إنه حديث صحيح لا مريه فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقة كثيرة جداً ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما توزع أيام خلافته وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ولا التفات لمن قدح في صحته ولا لمن رده بأن علياً كان باليمن لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي (صلى الله عليه وآله) وقول بعضهم أن زيادة (اللهم وال من والاه) موضوع مردود فقد ورد ذلك من درق جمع الذهبي كثيراً منها) انتهى ولا يختلف رأيه هذا وهو عالم سني عن رأي الشيعة في حديث الغدير.

والحديث ظاهر المعنى فإن المولى هنا الأولى بالتصرف ولهذا السبب هنأوا علياً (عليه السلام) بهذه الولاية ولفظ (المولى) يأتي في اللغة أيضاً بمعنى (العبد وابن العم والجار والناصر) ولكن لا مناسبة هنا سوى المعنى الأول فإن النسب والجوار والنصرة كلها أمور ثابتة. وليست مختصة بعلي بن أبي طالب كما لا يفتقر إلى هذا التأكيد كما في قوله (صلى الله عليه وآله) (ألست أولى بكل مؤمن نفسه؟).

ونكتفي بهذه النصوص الثلاثة وللمزيد يراجع كتب العقائد والمناقب.

عدد الأئمة (عليهم السلام) :

روى الشيخ الكليني /119هـ‍‍، نصوص الإمامة من كل إمام على إمام الذي يليه في الكافي (1/292) بالإضافة إلى النصوص الإجمالية عن النبي (صلى الله عليه وآله) بحصر الخلافة في اثني عشر فقط ففي صحيح البخاري (9/101 آخر باب الأحكام مطابع دار الشعب القاهرة) بإسناد عن جابر بن سمرة قال: (سمعنا النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: يكون اثني عشر أميراً... كلهم من قريش) وأحاديث غيره.

وفي صحيح مسلم (6/3 كتاب الإمارة طبعة محمد علي صبيح القاهرة) بإسناده (عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي منهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفي علي قال، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلهم من قريش.

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي (ص10 ط القاهرة سنة 1383هـ‍‍) عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يزال هذا الأمر عزيزاً ينصرون على من ناواهم عليه اثني عشر خليفة كلهم من قريش. أخرجه الشيخان وغيرهما وله طرق وألفاظ، ثم ذكر الوجوه المروية تفصيلاً.

فمن هؤلاء الاثني عشر؟ الذين تنحصر فيهم الخلافة من بعد النبي مباشرة حتى الثاني عشر منهم واضح أن الخلافة السياسية لا تنحصر بعدد خاص إذ أنها ضرورة دائمة في الحديث القيادة الروحية وقد تنظم إليها السياسية وهذه القيادة يمكن حصرها في عدد خاص، دون غيرها.

إذاً فمن هؤلاء؟ ونظرة فاحصة في التاريخ توقفنا على أن هؤلاء ليسوا أصحاب الخلافة بالشورى فإنهم أربعة أشخاص ولا الخلافة الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو العثمانية لأنها أكثر عدداً من اثني عشر ولا الخليط من الجميع لما قام بينهم من حروب ومطاحنات وسفك دماء.

قال الشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة (ص373 طبعة 1311: (لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء الأربعة من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ولا يمكن حمله على الملوك الأموية لزيادتهم عن اثني عشر) ونقل السيوطي في تاريخ الخلفاء (ص10 طبعة القاهرة سنة 1383هـ‍‍): (إن المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم) ثم عددهم الخلفاء الأربعة والحسن وبعض الأمويين والعباسيين ثم قال السيوطي: (وبقي الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل بيت محمد).

وقال القاضي روزبهان: (وأما محمله على الأئمة الاثني عشر فإن أريد بالخلافة وراثة العلم والمعرفة وإيضاح الحجة والقيام بإتمام منصب النبوة فلا مانع من الصحة ويجوز هذا الحمل بل يحسم) وهذا الكلام يطابق ما لم يسجل أئمة روحيين أفضل من أهل بيت النبوة وموضع الرسالة. ومهبط والفلاح في الآخرة - وهم كالآتي:

1- الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولد 13 رجب/ 23 ق. هـ‍‍ توفي 21/ رمضان/ 40 هـ‍‍ ومرقده في النجف الأشرف.

2- الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ولد 5/ رمضان/ 3هـ‍‍. توفي 7/صفر/ 50هـ‍‍. ومرقده في البقيع - المدينة المنورة.

3- الإمام الحسين الشهيد (عليه السلام) ولد 3/ شعبان/ 3هـ‍‍. استشهد 10/ محرم/ 61هـ‍ ومرقده في كربلاء المقدسة.

4- الإمام علي بن الحسين الشهيد (عليه السلام) ولد 5/شعبان/ 38هـ‍. توفي /25/محرم/ 95هـ‍. ومرقده في المدينة المنورة.

5- الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) ولد 20/رجب/ 57هـ‍. وتوفي 8/ذي الحجة/ 114هـ‍ ومرقده في المدينة المنورة.

6- الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ولد 17/ ربيع الأول/ 80هـ‍. توفي 25/ شوال هـ‍ ومرقده في المدينة المنورة.

7- الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) ولد 7/صفر/ 128هـ‍. توفي 25/ رجب/ 183هـ‍. ومرقده في الكاظمية - العراق.

8- الإمام محمد بن موسى الرضا (عليه السلام) ولد 17/ ذي الحجة/ 153هـ‍. توفي 30/ صفر/ 203هـ‍. ومرقده في مشهد - إيران.

9- الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) ولد 10/رجب/ 190هـ‍. توفي 30/ ذي القعدة/ في الكاظمية - العراق.

10- الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) ولد 15/ ذي الحجة/ 214هـ‍. توفي 3/ رجب/ 254هـ‍. ومرقده في سامراء العراق.

11- الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام) ولد 4/ ربيع الثاني/ 231هـ‍. توفي 8/ ربيع الأول/ 260 ومرقده في سامراء العراق.

12- الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ولد 15/ شعبان/ 255هـ‍. وهو النبي خضر وإلياس (ع) أحياء بإرادة الله وهو على كل شيء قدير وهو المهدي الموعود والحجة المنتظر.

ليست العقيدة بالمهدي المنتظر (عليه السلام) عقيدة مختصة بالشيعة بل هي عقيدة إسلامية يعتقد بها جمهور علماء المسلمين - سنة وشيعة - وهم يتفقون على أنه من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وإنه يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً - قال ابن حجر في كتابه (الصواعق المحرقة):، (ص160 طبعة القاهرة سنة 1375هـ‍). في أحاديث المهدي ما نصه:

(ومن ذلك ما أخرجه مسلم وداود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة) وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله فيه رجلاً من عترتي) - وفي رواية - (رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً) وفي رواية لمن عدا الأخير - (لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتى يملك رجل من أهل بيتي - يواطئ اسمه اسمي) وفي هامش الصفحة (163) ما نصه (أحاديث المهدي كثيرة متواترة ألف فيها كثير من الحفاظ منهم أبو نعيم وقد جميع السيوطي ما ذكره أبو نعيم وزاد عليه في (العرف الوردي في أخبار المهدي) وللمؤلف ابن حجر فيه كتاب المختصر في علامة المهدي المنتظر).

وهذا مما اتفقت عليه كلمة المسلمين والخلاف - في أنه هل ولد بالفعل؟ أم أنه لم يولد بعد؟ وجمهور السنة على الثاني والشيعة على الأول والشبهة الوحيدة التي تعتبر أساس الإنكار هي مسألة طول العمر وإن ذلك ممتنع عادة فكيف يعيش الإنسان هذه المدة الطويلة وغيرها من الشبهات راجعة إليها - وقد بالغ بعض المؤلفين في هذه الشبهة حتى اعتبر (المهدوية) يوتيبية في حين أن أشباه ذلك واقع في التاريخ بنص القرآن الكريم وإن ذلك كله واقع تحت قدرة الله تعالى الذي على كل شيء قدير.

وقد قال تعالى في نوح النبي: (ولقد أرسلنا نوحاً على قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) (العنكبوت: 14).

وقال تعالى في أصحاب الكهف: (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً) (الكهف: 25).

وقال تعالى في عزير النبي: (أو كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت؟ قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) (البقرة: 259).

تلك هي قدرة الله التي تفوق كل قدرة تلك القدرة التي جعلت النبي عيسى (عليه السلام) حياً حتى اليوم، قال تعالى فيه: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) (النساء: 157).

هي قادرة أيضاً على تطويل العمر أكثر من المتعارف وهو على كل شيء قدير فالمهدي المنتظر (عليه السلام) حي بقدرة الله كحياة عيسى (عليه السلام) إذ ثبت بالدليل والسنة الصحيحة - وعلى الأقل في نظر المعتقد - عن النبي (صلى الله عليه وآله) فلا مجال لإنكارها إذ هو إما إنكار لقدرة الله تعالى أو إنكار للسنة النبوية.

وهذا جمهور المسلمين يعتقدون بحياة النبي الخضر (عليه السلام) وهو أكثر عمراً من الحجة (عليه السلام) فقد جاء في هامش الصواعق المحرقة (ص223 طبعة القاهرة سنة 1375) ما نصه: ذكر النووي في تهذيب الأسماء أن أكثر العلماء مقرين على أن الخضر حي موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به والأخذ عنه وسؤاله وجوابه ووجوده. المواضع الشريفة ومواطن الخير أكثر من أن يحصى وأشهر من أن يذكر).

ولو غيرنا من كلام النووي إلى قوله (الخضر) بكلمة (الحجة بن الحسن) لكان ما تقوله الشيعة تماماً بلا أدنى تفاوت فإن الكلام في (الخضر) و(الحجة) واحد إذ كلاهما ثبت بالسنة النبوية الصحيحة - وعلى الأقل من وجهة نظر معتقديها - والاعتقاد بحياتهما امتداد للاعتقاد بقدرة الله تعالى الذي على كل شيء قدير.

ويبقى سؤال جدير بالملاحظة؟ هو أن غيبة الإمام تنافي وجوب الإمامة فإن الغرض من نصب الإمام إنما هو بيان أحكام الإسلام وتنفيذها؟ ومن هنا نشأ اتهام الشيعة بـ‍(اليوتيبية) والغيبية البعيدة عن واقع الحياة ولكنه اتهام ظالم - ذلك أن طائفة عاشت برهة طويلة من التاريخ واحتفظت بكيانها - رغم المضايقات - لا يمكنها أن تعيش بدون نظام غير صالح للتطبيق حيث طبق فعلاً في هذه الفترة من الزمن (ومن الناحية النظرية) هناك نظرية اللطف القائلة بأن (وجود (عليه السلام) لطف وتصرفه لطف آخر وغيبته هنا) كما تفصله كتب العقائد راجع الغيبة للنعماني والغيبة للطوسي وتجريد الاعتقاد لنصير الدين وأخيراً البرهان على وجود صاحب الزمان للسيد الأمين.

ومن الناحية العملية - باشرت المرجعية الدينية (الخاصة والعامة) في القيادة الفكرية أداء دورها العملي وحتى ظهور الحجة (عليه السلام) .

المرجعية الدينية:

بما أن القيادة الفكرية أمر ضروري في حياة المسلمين ولها مواصفاتها وشروطها المشروحة في الفقه - لذلك لم يخل تاريخ الشيعة في أي دور من الأدوار من مرجع ديني مهمته الرسالية الدينية حسب الملابسات والظروف ولهذه المرجعية دوران (الدور الأول) ويعبر عنه (الغيبة الصغرى) من سنة 260هـ‍ إلى 319هـ‍. وكانت المرجعية لأربعة أشخاص يعبر عنهم بـ‍(السفراء) والنواب كانت لهم نيابة خاصة عن الإمام (عليه السلام) وكان مركزهم ببغداد وهم:

1- أبو عمر وعثمان بن سعيد الأسدي العمري المتوفى/ 280هـ‍.

2- أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد الأسدي المتوفى/ 305هـ‍.

3- أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي المتوفى/ 326هـ‍.

4- أبو الحسين علي بن محمد الصيمري المتوفى/ 329هـ‍.

(الغيبة الثانية): ويعبر عنها بـ‍(الكبرى) وابتدأت بوفاة السفير الرابع الصيمري 329 وانتقلت القيادة الدينية إلى المرجعية في الافتاء والحكم منذ ذلك العهد حتى اليوم استناداً على الحديث عن حجة (عليه السلام) : (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).

وأيضاً (من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه) وأهم الشروط المعتبرة في شخصية المرجع الديني هي الحياة والعدالة والاجتهاد ويزيد الأكثر الأعلمية ولا يعتبر الانتساب إلى النبي إطلاقاً فكل من وجدت فيه الشروط عد أهلاً للمرجعية ويمكن معرفة المرجع بإحدى الطرق الثلاثة العلم أو شهادة عدلين أو الكاملة من شاء في حدود شروط المرجعية.

ولكن سرعان ما تنصهر المرجعية في شخصية واحدة تعلو بمرور الزمن على الشخصيات الأخرى لعوامل خاصة يكون أهمها المكانة العلمية والصفات الشخصية والخدمات الاجتماعية.

وهكذا تعتبر الشيعة الإمامية طائفة إسلامية لها استقلالها الفكري في حدود التشريع الإسلامي تؤمن بالله رباً وبمحمد (صلى الله عليه وآله) نبياً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبالكعبة قبلة وبالأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) أئمة روحيين وقادة وهم مستودع السنة النبوية تتسلسل رواياتهم في العقيدة والشريعة إلى النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهم أهل بيت النبوة و(أهل البيت أدرى بما في البيت) وهذا ما يؤكده الإمام الصادق (عليه السلام) قول الله عز وجل) وهذا ما يشير إليه الشاعر بقوله:

ووال أناساً قولهم وحديثهم روى      جدنا عن جبرئيل عن الباري

وهكذا نجد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يطبقوا شريعة الله وسنة جدهم النبي (صلى الله عليه وآله) المروية بطرقهم - التي هي أقرب الطرق ومن هنا نستنتج القول بأن السنة النبوية تلازم التشيع فكل من استن بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصحيحة فهو متشيع وكل شايع أهل لبيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو مستن بسنته (صلى الله عليه وآله) وما فرق المسلمين فرقاً متناحرة سوى الأطماع والأهواء والبدع أعاذ الله المسلمين شرها.

هذا خلاصة مذهب الإمام جعفر الصادق في الأصول الخمسة وهي العقائد الأساسية للمذهب الجعفري.

وهناك عقائد أخرى يرجع إليها وطالب التفصيل يراجع حولها في الكتب الأخرى المذكورة.

أود أن أختم هذا الفصل بعقيدة المذهب الجعفري في آباء رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

قال الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381هـ‍:

باب الاعتقاد في آباء النبي:

قال (رض): (اعتقادنا فيهم أنهم مسلمون من آدم (عليه السلام) إلى أبيه عبد الله (عليه السلام) ، وإن أبا طالب (عليه السلام) كان مسلماً وأمه آمنة بنت وهب كانت مسلمة، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) : (أخرج من سفاح من لدن آدم (عليه السلام) . وقد روي أن عبد المطلب (عليه السلام) كان حجة وأبا طالب (عليه السلام) كان وصيه).

أبو طالب:

يشهد التاريخ بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يصل أي ضرر مباشر في حياة عمه أبي طالب لأنه كان يحميه من شر الأعداء ولما توفي عمه أبو طالب توالت أنواع الأذى حتى سمي عام وفاته بعام الحزن، ومن هنا حاول الأمويون اتهام أبي طالب بالكفر بالرغم من تلك المواقف المشرفة في الدفاع عن النبي التي لا يمكن أن تصدر من كارهٍ وقد تصدى علماء المذهب الجعفري لبيان الحقيقة في كتب كثيرة منها كتاب إيمان أبي طالب المعروف (بالحجة على تكفير أبي طالب) تأليف الإمام شمس الدين ابن علي فخار بن معد الموسوي المتوفى سنة 630هـ‍ تحقيق السيد محمد بحر العلوم مطبعة النهضة بغداد طبع سنة 1384هـ‍ سنة 1965م.

وينقل المؤلف أحاديث كثيرة في إيمان أبي طالب بإسناده عن الإمام الصادق ما لفظه:

(.. عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم، عن مسمع كردين عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هبط علي جبرئيل، فقال لي يا محمد: إن الله عز وجل مشفعك في ستة: بطن حملتك، آمنة بنت وهب، وصلب أنزلك، عبد الله بن المطلب، وحجر كفلك، أبو طالب، وبيت آواك، عبد المطلب وأخ كان لك في الجاهلية - قيل: يا رسول الله وما كان فعله؟ قال: كان سخياً يطعم الطعام، ويجود بالنوال - وثدي أرضعك، حليمة بنت أبي ذؤيب.

وأيضاً قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: يا محمد إن الله تعالى يقرئك السلام، ويقول لك: إني قد حرمت النار على صلب أنزلك، وعلى بطن حملك، وحجر كفلك، فقال: يا جبرئيل من تكون ذلك؟ فقال: أما الصلب الذي أنزلك فصلب عبد الله بن عبد المطلب، وأما البطن الذي حملك، وفاطمة بنت أسد.

وعبد بن مناف بن عبد المطلب هو: أبو طالب - رضي الله عنه - فكيف يحرم الله النار على هؤلاء المذكورين وهم به مشركون، وبوحدانيته كافرون، والله تعالى يقول: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).

فتأمل هداك الله هذه الأخبار، فإنها دلالة على أن القوم لله تعالى عارفون، وبوحدانيته مؤمنون انتهى.

وقال السيد محمد علي شرف الدين في ص71 من كتاب شيخ الأبطح عن سر التشكيك في إسلامه ما لفظه الآتي:

(أجل لم يكن النزاع في هذه المسألة معروفاً من قبل منازعة الإمام علي (عليه السلام) في أمور الخلافة حينما صارت إليه، والذي اعتقد ويعتقده كل من نظر في التاريخ والسير والأخبار وأمعن النظر بدقة، أن نزاع المسلمين في الإثبات والنفي في المسألة إنما هو وليد قيام معاوية وزملائه ضد الخلافة العلوية، وليد أسعارهم نيران الحرب والفتن عداوة لصالح أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وليد جهدهم في الليل والنهار في دحض كل فضيلة ومكرمة عنه، ولقد أبت نفوسهم إلا التشكيك بعنوان مناقب والد الإمام (عليه السلام) وحبيب النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) .

قال عبد القادر بن عمر البغدادي في كتابه خزانة الأدب:

و(أبو طالب) هو عم النبي (صلى الله عليه وآله) وناصره. ولد قبل النبي (صلى الله عليه وآله) بخمس وثلاثين سنة. ولما مات عبد المطلب وصى النبي (عليه السلام) إليه، فكفله وأحسن تربيته، وسافر به إلى الشام وهو شاب، وقام بنصرته وذب عنه من عاداه، ومدحه عدة مدائح.

واسمه عبد مناف على المشهور، واشتهر بكنيته، وقيل: اسمه عمران، وقيل: شيبة. قال الواقدي: وتوفي أبو طالب في النصف من شوال ففي السنة العاشرة من النبوة، وهو ابن بضع وثمانين سنة.

واختلف في إسلامه، قال ابن حجر: رأيت لعلي بن حمزة البصري جزءاً جمع فيه شعر أبي طالب، وزعم أنه كان مسلماً ومات على الإسلام، وأن الحشوية تزعم أنه مات كافراً، واستدل لدعواه بما لا دلالة فيه. انتهى.

ومن شعره قوله:

ودعـوتني وزعمت أنك صادق ولـقد صدقــــت وكنت قبل أمينـا

ولـقـــد عـلــمت بأن دين محمد مــن خـيـر أديــان الـبرية دينــا

وقد جاءت الأبيات في ديوان شيخ الأباطح أبي طالب جمع أبي هفان عبد الله بن أحمد المفهز ميرواية عفيف بن أسعد عن عثمان بن جنى تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم كالآتي:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوســــد فـي الـتـــراب دفــينا

فانفذ لأمرك ما عـلي غضـاضـة فـكــفـى بـنــا دنيا لديك وديـنـــا

ودعوتني وعلمت أنك صادق ولـقد صدقت وكنت قبـــــل أميـنــا

وعــرضت ديناً قد علمت بأنـه مـــن خـيــر أديـان الـبـرية ديـنـا

لــولا الـملامة أو حذاري سبة لـو جدتني سمحاً بـــذاك ضنينــا

أورد الأبيات برواية أخرى محمد خليل الخطيب في كتابة غاية المطالب في شرح ديوان أبي طالب ص176 ما لفظه الآتي مع شرح له:

وقال يدعو النبي أن يصدع بدعوته:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا

1- وسبها قريشاً رجت أبا طالب أن يكلمه ليكف عنه حينما ساءهم قوله فقال له: أبق علي وعلى نفسك.. واكفف عن قومك ما يكرهون من قولك فظن أنه خاذله فقال: يا عم لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه ثم لما ولى قال: يا بن أخي. امض على أمرك وافعل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبداً، وأنشأ الأبيات.

2- لن واقعة في جواب القسم ووقوعها فيه نادر، وأوسد مجهول وسدته الشيء: جعلته له وسادة، والمعنى لن يصلوا إليك حتى أموت.

فـصدع بأمرك مـا عليك غضاضة وابشـــر بـذاك، وقر منه عيـونا

ودعوتــــني، وزعـــــمت أنـــك ناصـح ولقد صدقت، وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا قــد عـلـمــت بأنـــه مــن خيــــر أديـــان البرية ديـنـا

لـولا الـمـلامة أو حـذارى سـبـــة لــــــوجــدتني سمحاً بذاك مبـيـنا

ومن أراد التوسع فليراجع كتاب (لماذا أنا جعفري؟) للمهندس المصري محمد عبد الحفيظ.