* لبنان - حمانا
* مواليد عام (1969م)
* اعتنق التشيع عام (1998م)
* مسيحي اعتنق التشيع
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف:
الحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء
والمرسلين، شفيع الذنوب وطيب القلوب، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آل بيته
الطاهرين وصحبه الأخيار الميامين.
إن الوحدة العقائدية بين البشر عموماً، والإسلام والمسيحية خصوصاً، حلم
يسعى لتحقيقه كل ذي فكر وقلم، ولكن ما هي الأساس التي تجعل من هذا الهدف
واقعاً ملموساً؟
إن الحوار هو السبيل الوحيد للوصول إلى مثل هذا المبتغى السامي، ولا بد
من استخدام المسلمات المتوفرة لدى الطرفين. ومن البديهي أن يكون الكتاب
المقدس مسلماً عند النصارى كما هو حال القرآن الكريم عند المسلمين، وعليه لا
يمكن الحوار أن يقوم إلا حصر هذين الكتابين الإلهيين في أصلهما.
ومن الضروري أيضاً أن يخرج المتحاورون من مستنقع التعصب والعصبية إلى
شاطئ الأمان المتمثل بالتجرد المطلق واتساع الأفق والنظر إلى الأولويات
والأهداف النبيلة التي نسعى إليها من خلال هذا الحوار.
وقد ألزمنا أنفسنا بهذه القواعد في كتابنا هذا، آملين من الطرف المقابل
بأن يتمتع بالروح الحوارية عينها كي تثمر الجهود وتنضج فيحين موعد القطاف
المنتظر.
وعليه فإننا نتوجه بالطلب إلى إخواننا من النصارى بالرضوخ إلى حكم العقل
الذي أقرته الحجة المدونة في هذا الكتاب، فقد استنبطنا الإسلام ورسوله من
الكتاب المقدس الحالي مما يلزم النصارى باتباع الإسلام كعقيدة سواء بعنوان
التحول إليه أم بعنوان الالتزام بنصوص الكتاب المقدس الحقيقي في حال توفره.
وقد دعا القرآن الكريم إلى الحوار مع النصارى في عدة مواضع أبرزها ما
جاء في آل عمران 64 حيث نقرأ: (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا
وبينكم ألا نعبد إلا الله) وبالإضافة إلى الحوار أمرنا (وقولوا آمنا بالذي
أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) (العنكبوت: 46).
ومن المؤسف أن لا نرى اليوم على الساحة أي بوادر للحوار وفي المقابل
نواجه عائق الهجومية والتفريق، ومن هنا فعلى المسلمين والمسيحيين أن يتحاوروا
عن (علم وهدى وكتاب منير) فالحوار فيما بنيهم يجب أن يكون دون خيانة للحقيقة،
وان يجمع ولا يفرق، وان ييسر ولا يعسر فقد: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله
النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما
اختلفوا فيه) (البقرة: 213) هدانا الله جميعاً إلى ما فيه خيرنا وصلاحنا.
الفصل الأول
البحث عن الله تعالى ومقاصده
لطالما كان البحث عن حقيقة وجود الله عز وجل، الهدف الأسمى لدى الإنسان
منذ إطلالته الأولى على الحياة الدنيا ويتناسب ذلك مع واقع خلقه على فطرة
الله تعالى حيث نقرأ في سورة الروم 30: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا
تبديل لخلق الله).
فالتساؤل عن الله والبحث عن مقاصده أمر تكويني، ينبع من الأعماق دون قصد
أو إرادة، ولكن ما هي العوامل التي تبعد المخلوق عن خالقه وتكبت هذه الفطرة؟
إن ما يكبت الفطرة ويسيطر عليها هو المجتمع الذي ننشأ فيه، ولذلك نجد كل
مولود يعتنق معتقد ومذهب مربيه، فترى اليهودي يدافع عن اليهودية ويرى في عزير
أنه (الله)، وينطبق ذلك أيضاً على النصارى الذين يدافعون بشراسة عن النظرية
التي أورثهم إياها الفيلسوف المشهور أفلاطون بشأن التثليث فيجدون الله تعالى
ذو ثلاثة شخصيات أو أقانيم كما وجده آباؤهم الأولون.
ولكن هل يمكن اعتبار هذا المقياس في مسألة المعرفة وما هي المقاييس
المشتركة بين المسيحية والإسلام للوصول إلى معرفة الله؟
المقياس الأول:
يستعين الإسلام لمعرفة الله وكافة الأحكام الدينية الموافقة لإرادته
بثلاثة أدوات لكل منها مجال يختص ه ويستعين الكتاب المقدس بذات الأدوات كطرق
لمعرفة الله تعالى.
1- الحس: ومن أبرز الحواس المستعملة في هذا المجال السمع والبصر، وقد
ورد عن ذلك في القرآن الكريم: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً
وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) (النحل: 78).
والشكر يعني التطبيق الصحيح لما توصل إليه العبد عن طريق السمع والبصر،
الطريقة الأولى للتمييز بين الحق والباطل.
السمع والبصر وسيلتان للمعرفة في الكتاب المقدس.
ورد في سفر الأمثال 20: 12 (معيار فمعيار مكيال فمكيال.. الولد أيضاً
يعرف بأفعاله هل عمله نقي ومستقيم الأذن السامعة والعين الباصرة الرب صنعهما
كلتيهما... يوجد ذهب وكثرة لآلئ أما شفاه المعرفة فمتاع ثمين).
ويقول صاحب المزمور في كتابه 95: 9: (اختبروني أبصروا أيضاً فعلي).
وعليه تكون الطريقة التي يتبعها الإسلام في تحديد الصواب والخطأ في
عينها التي يقرها الكتاب المقدس في نصوصه.
ومن البديهي أن نعلم أن الذي يرى الحق ويبتعد عنه سوف يصاب بعمى البصيرة
وهذه هي إرادة الشيطان التي بينها بولس في 2كو: 4: 4 حيث نقرأ (الذين فيهم
إله هذا الدهر (الشيطان) قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة مجد
الإنجيل). مقارنة مع سورة البقرة: 6 والتي تنص: (إن الذين كفروا سواء عليهم
أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).
2- العقل: وهو يكتشف الحقيقة في مجالات محدودة منطلقاً من البديهيات
النظرية والعملية كما أن القرآن يعتبره مصدراً من مصادر المعرفة كما تشير
إليه الآية التي أشرنا في الصفحة السابقة وقد عرف بالأفئدة. وقد عرف العقل
كحجة في الكتاب المقدس وكوسيلة لمعرفة الله في عدة أماكن منها.
تثنية 32: 28 و29: (إنهم أمة عديمة الرأي ولا بصيرة فيهم لو عقلوا
لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم) إذاً فالعقل الفطري وسيلة للمعرفة والعملي وسيلة
للخلاص في الآخرة.
وقد أمر العهد الجديد باستعمال العقل كوسيلة للتأكد من الأمور حيث قال:
(فليتيقن كل واحد في عقله) رومية 14: 5.
وهكذا تتم كلمات بولس الواردة في رسالته إلى تيطس2: 12 حيث نقرأ (لأنه
قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات
العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر)..
ولا يمكن أن يعرف الله عز وجل من خلال النظر والسمع بل يعرف بالعقل كما
ينص الكتاب المقدس إذ نقرأ في رومية 1: 12.
(إذا معرفة الله ظاهرة فيهم لأن لله أظهرها لهم لأن أموره غير المنظورة
ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنهم بلا
عذر لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم
وأظلم قلبهم الغبي وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء وأبدلوا مجد الله
الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان (المسيح) الذي يفنى)...
3- الوحي: (الذي هو وسيلة لارتباط ثلة ممتازة ومميزة من البشر بعالم
الغيب) (كتاب العقيدة الإسلامية ص15).
وقد قال سبحانه عن الوحي في محكم تنزيله: (وما كان لبشر أن يكلمه الله
إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحى بإذنه من يشاء إنه علي
حكيم).
ولذلك كان من الواجب على كل مكلف أن يستعمل الوسائل للوصول إلى المعرفة
في أي مجال أو صوب ولا يمكن لنا أن نستفيد من الوسيلة الثالثة (الوحي) كونها
تختص بالأنبياء.
وقد استعمل الوحي كوسيلة ارتباط بين الأنبياء والله تعالى في الكتاب
المقدس حيث نقرأ في رسالة بطرس الثانية: 1: 21:
لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم بها أناس الله القديسون
مسوقين من الروح القدس) والأسلوب الذي يربط هذه الثلة الطاهرة بالروح القدس
هو الوحي حيث نقرأ في تيموثاوس الثانية: 3: 16: (كل الكتاب هو موحى به من
الله ونافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان
الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح)..
الخلاصة: إن كيفية الوصول إلى المعرفة أمر لا بد من الحصول عليه وله
وسائله الخاصة وطرقه الثابتة وقد بينا في هذا الفصل كيف يمكن أن نصل إلى
معرفة الله تعالى ومقاصده من خلال الكتابين الإلهيين القرآن والكتاب المقدس
مثبتين بذلك الوحدة فيما بينهما على الأقل في هذا المضمار، وإن وجد ما يخالف
هذه النظرية المثبتة فهو قطعاً مدسوس وليس من وحي الله تعالى، لأن التناقض في
الوحي نقص ولا يجوز أن ينسب إلى المولى جل وعلا.
الفصل الثاني
الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في التوراة والإنجيل
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وأزكى الصلاة وأتم
التسليم، عن سيد الأنبياء والمرسلين شفيع الذنوب وطبيب القلوب، أبي القاسم
المصطفى محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأخيار الميامين أما
بعد..
لقد رفضت الكنيسة المسيحية منذ فجر الإسلام، فكرة بعث رسول الله (صلى
الله عليه وآله) بالنبوة والرسالة الإلهية المباركة، ولطالما كانت الأسباب
غامضة. إذ لم يحاول رجال الدين المسيحيون أن يبحثوا بتعمق في هذا الجانب، أو
حتى أن يفسحوا المجال للحوار البناء في هذا المضمار.
والآن بعد مرور حوالي أربعة عشر قرناً ونيف، أصبحت الأمة الإسلامية
واقعاً فارضاً لنفسه على جميع الأديان والفرق الأخرى، ورسالة إصلاحية لا
يستهان بها وبنتائجها، لها قواعدها ونواميسها ومعتقداتها الخاصة والمستقلة،
والتي تحض على الخير وتنهى عن الشر والعدوان فتحارب أهله لحماية المستضعفين،
وتأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر.
وهذا دليل قاطع على وحي وألوهية الرسالة الإسلامية وكمالها، وتأكيد جازم
على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وعلى صدق ما أتى به من إرشادات ومفاهيم.
وانطلاقاً من هذا الواقع، ارتأينا نحن وأحد الرهبان الأجلاء أن نفتح
باباً منظماً للحوار البناء، على أن نضع دوماً الهدف الأسمى (كشف الحقيقة)
نصب أعيننا.
ومن مواضيعنا المطروحة للمباحثة والمناقشة الموضوعية (نظرة المسيحية إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وقد استعملنا أسلوب السائل والمجيب لاختصار
الوقت والمسافة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الحوار:
المضيف: لقد تشرفت بحضوركم إلى منزلي المتواضع وأن من المقدرين لبحوثكم
ونشاطاتكم، في مجال إيواء الرعية المسيحية تحت جناح الدين والمحبة، ولسعيكم
الدائم بنية صافية للتقريب بين المجتمعين المسيحي والإسلامي.
ومن هذا المنطلق الطيب أتجرأ وأسأل، لماذا يرفض المسيحيون فكرة بعث رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وعلى ماذا يستندون في ادعائهم بأنه ليس بنبي أو
رسول؟
الراهب: لقد تشرفت بدوري بلقائنا هذا، وأتمنى أن نكون واقعيين في
حوارنا، وان لا ينحاز أحدنا إلى طرف دون الآخر فنقع في فخ التعصب. ومن
البديهي أن تعلم المسيحية وتركز على الكتاب المقدس في مواقفها وأحكامها بأي
مضمار أو شأن، ولقد رفضت الرسول محمد لأن الكتاب المقدس يؤكد على عدم مجيء أي
نبي بعد المسيح حيث نقرأ في إنجيل متى 7: 15 إلى 2..
(احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من
داخل ذئاب خاطفة من ثمارهم تعرفونهم كل شجرة جيدة تصنع من أثماراً رديئة وأما
الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً جيدة... إذا من ثمارهم تعرفونهم)..
وهذا تحذير واضح وطلب نهائي بعدم اتخاذ أو تصديق الأنبياء الذين سيظهرون
بعد المسيح.
المضيف: لقد فسرتم هذا النص بأسلوب يتلاءم مع رفضكم لرسول الله (صلى
الله عليه وآله) ، ولو أردتم الحقيقة لوجدتم أن المسيح (عليه السلام) يحذر
فقط من الأنبياء الكذبة وبالتالي يعطي مواصفات لهم كمقياس للتفريق فيما
بينهم، ومجرد وضع هذا المقياس دليل على مجيء الصالحين والطالحين، الصادقين
والكاذبين، وقد وردت ثمار كل منهما في الكتاب المقدس وهي على قسمين:
1- أعمال الجسد: حيث نقرأ: (أعمال الجسد.. هي زنى عهارة نجاسة دعارة
عبادة أوثان سحر عداوة شقاق خصام غيرة سخط تحزب بدعة حسد قتل سكر بطر وأمثال
هذه... والذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله).
2- ثمار الروح: (روح الرسالة النبوية الشريفة) فهي: (محبة فرح سلام طول
أناة لطف صلاح إيمان ووداعة وتعفف)..
فأي الصفات برأيكم تنطبق على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى
الإسلام كشريعة لا كاتباع.
الراهب: إننا لا ندعي أن رسولكم يحمل مثل هذه الصفات الدنيئة (أعمال
الجسد) لكننا نفترض ونقول إنه كان زاهداً مصلحاً مؤمناً تأثر بالشريعة
الموسوية التي أتاه بها جده إسماعيل، فأراد أن يظهر للناس إمكانية قيام العدل
بدل الظلم والعلم والعمل بما يرضي الله بدل الجاهلية فابتدع دين أسماه
الإسلام بنية حسنة وقصد شريف. وقد جزم الكتاب المقدس بعدم مجيء أي رسول بعد
المسيح بدليل أوضح من الذي علقتم عليه إذ نقرأ: (لأنه يوجد إله واحد وسيط
واحد بين الله والناس والإنسان يسوع المسيح) تيماوثاوس 2: 15.
المضيف: لقد أمر المسيح (عليه السلام) وتلاميذه بحسب نص الكتاب المقدس
بامتحان الرسالات والأنبياء لا برفضها وهذا دليل على مجيء من هم على صواب ومن
هم على خطأ ووضع الميزان للتمييز بينهم حيث نقرأ في إنجيل يوحنا 4: 1 - 3:
(أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح (رسالة وحي) بل امتحنوا الأرواح
(الأنبياء) هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم، بهذا
تعرفون روح الله (رسول الله) كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد
فهو من الله وكل روح لا يعترف أنه جاء في الجسد فليس من الله وهذا هو روح ضد
المسيح الذي سمعتم أنه يأتي والآن هو في العالم).
إن هذا النص يعتبر دليلاً على إمكانية بعث رسول آخر بعد المسيح (عليه
السلام) بل تأكيد على حصول ذلك والشرط! هو أن يعترف هذا النبي بأن المسيح قد
جاء بالجسد، وهذا ما يعلمه الإسلام في محكم تنزيل الله إذ نقرأ في سورة
المائدة الآية 75: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمة
صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون) ومما
لا شك فيه أن الذي يأكل الطعام كان موجوداً بالجسد.
وهكذا يكون الكتاب المقدس قد وقع على وثيقة القرآن الكريم عندما وضع هذا
الشرط كقاعدة للتفريق والتمييز بين الرسالات الإلهية الصادقة، وبين الرسالات
البشرية الكاذبة الواهمة.. ولمعرفة النبي المرسل من الدخيل الدجال.
الراهب: بغض النظر عن التفسير الحرفي المقدم من قبلكم، فإني أعتقد أن
لهذه الآيات تفاسير مجازية وقد تدل على الروح القدس الذي رافق الأخوة
التلاميذ منذ بداية عملهم الكرازي، ولا تعني بالضرورة إمكانية المجيء بنبوة
أو رسالة أخرى وقد حذر المسيح من الأنبياء الذين سيأتون بعده حيث قال: (لأنه
سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة وسيعطون آيات عظيمة (كالقرآن) وعجائب
(كالإسراء والمعراج) حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً ها أنا قد سبقت
فأخبرتكم) متى 24: 24.
ولن نسمح للشيطان بخداعنا أبداً بظهوره أمامنا على شبه ملاك نور (1كو:
11: 14) فلو شاء المسيح أن يعلم بمجيء نبي بعده لما قال أنه الوسيط الوحيد
بين الله والناس، ولكان الكتاب المقدس متضمناً للتعاليم والنبوات الدالة على
ذلك وهذا ما لم يحصل أبداً..
المضيف: لقد كان الأنبياء كل على حد وسطاء بين الله والناس كل في عصره
ذلك كونهم يحملون الرسالة الإلهية لأتباعهم، والمسيح (عليه السلام) عندما قال
بأنه الوسيط الوحيد كان يقصد بلا أدنى شك، الزمان الذي أرسل فيه ولم يشتمل
قوله هذا المستقبل.
وأما بخصوص النبوات عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الكتاب المقدس
وضمن تعاليم المسيح (عليه السلام) فهي كثيرة، علماً أنها لا تظهر للجميع
باستثناء من نور الله تعالى بصره وبصيرته، فالشيطان قد (أعمى أذهان غير
المؤمنين لئلا تضيء لهم إثارة مجد الإنجيل) 2كو: 4: 4 ومن هذه النبوات نذكر
ما يلي:
كيف ينبأ الكتاب المقدس بالرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ؟
ورد في إنجيل يوحنا 1: 25 و26: (وكان المرسلون من الفريسيين فسألوه
وقالوا له (أي يوحنا) فما بالك تعمد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي
فأجابهم يوحنا قائلاً أنا أعمد بالماء ولكن في وسطكم قائم... الذي لا أستحق
أن أحل سيور حذائه)..
ورد هذا النص في وسط قصة التمهيد لمجيء المسيح (عليه السلام) من قبل
المكلف بذلك يوحنا المعمدان وقد أتى إليه الفريسيون بعد تلك الضجة التي نتجت
عن دعوته ليسائلوه، فقالوا له كيف تعمد إن لم تكن أنت المسيح ولا إيليا ولا
النبي؟
والسؤال الذي يطرح نفسه من هو هذا النبي الذي ينتظره اليهود؟
فإيليا هو نفسه يوحنا المعمدان بحسب ما ورد في إنجيل متى 7: 12 و13 وقد
جاء بحسب الترتيب قبل المسيح (عليه السلام) ، والمسيح كان الممهد له من قبل
إيليا. فمن هو المقصود بالنبي والذي يأتي ثالثاً بحسب ترتيب الرواية
الإنجيلية؟
لا شك أنه طرف ثالث يأتي بعد المسيح (عليه السلام) وهو المذكور في نبوات
العهد القديم. إنه من سلالة إسماعيل (عليه السلام) والذي أقريتم به منذ قليل
عندما وصفتم رسول الله بأنه متأثر به في السؤال الماضي وقد ورد ذكره في سفر
التثنية 33: 1 - 3: حيث نقرأ.
(وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله نبي إسرائيل قبل موته فقال
جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران... وعن يمينه نار
شريعة لهم).
من الملفت للنظر ذكر ثلاثة أماكن يأتي منها نور الله وهي:
أولاً: سيناء: وتقع في مصر أرض بني يعقوب منشأ الرسالة الإلهية الأولى
الناموس الموسوي (التوراة).
ثانياً: سعير: وهي في أرض فلسطين موطن المسيح (عليه السلام) وقد فاقت
قوتها الأولى إذ يقول: إنه أشرق منها بينما جاء فقط من سيناء.
ثالثاً: جبل فاران: وهو من أسماء الجزيرة العربية موطن النبي محمد (صلى
الله عليه وآله) والظهور فيها هو الأتم إذ يقول: إن نور الله قد تلألأ منها
والتلألؤ هو أفضل درجات الجلاء والوضوح والظهور.
ولكن كيف نستطيع أن نظهر أوجه الربط بين إسماعيل (عليه السلام) والرسول
محمد وأرض فاران؟
من المعلوم في التاريخ أن الرسول (صلى الله عليه وآله) يعود بنسله إلى
جده إسماعيل (عليه السلام) وقد ذكرته التوراة قبل بعثه بآلاف السنين حيث نقرأ
في سفر التكوين 16: 7 إلى 11: (يا هاجر جارية ساراي من أين أتيت وإلى أين
تذهبين فقالت أنا هاربة من وجه مولاتي ساراي فقال لها الملاك ارجعي إلى
مولاتك... وقال لها ملاك الرب تكثيراً أكثر نسلك فلا يعد من الكثرة... ها أنت
حبلى فتلدين ابناً وتدعين اسمه إسماعيل لأن الرب قد سمع لمذلتك).
لقد كان لإبراهيم (عليه السلام) ابنان إسماعيل وإسحاق وقد وعد الله
تعالى أباهما بأن يجعل له منهما نسلاً مباركاً ويخرج منهما أمم قوية فتلعب
دورها في إيصال الرسالة الإلهية إلى الناس حيث نقرأ في سفر التكوين 21: 13:
(لأنه بإسحاق يدعى لك نسلاً وابن الجارية أيضاً اجعله أمة لأنه نسلك).
ولكن ما هي علاقة إسماعيل (عليه السلام) بأرض فاران؟
هذا ما يبينه لنا نص التكوين 21: 17 إلى 20 حيث نقرأ: (ونادى ملاك الله
هاجر من السماء... لا تخافي لأن الله قد سمع لصوت الغلام حيث هو قومي احملي
الغلام وشدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة... وكان الله مع الغلام وكان ينمو
رامي قوس وسكن في برية فاران).
إذاً ففاران هي مسكن إسماعيل (عليه السلام) ومنها سوف يخرج خاتم النبيين
متلألئاً بالرسالة النبوية الشريفة ومن سلالة هذا النبي يخرج اثني عشر رئيساً
يكونون أمة عظيمة حيث نقرأ في سفر التكوين 17: 20.
(وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً
اثني عشر رئيساً يلد واجعله أمة كبيرة).
وهذا ما حدث فعلاً فقد خرج للرسول محمد من ذريته اثني عشر إماماً
معصوماً وهم أركان الأمة الإسلامية التي تمثل أمة عظيمة دون أدنى شك وهكذا
يصبح الحجر الذي رفضه اليهود قد أصبح رأس الزاوية كما هو مدون في مزمور 118:
22 و23.
صفات الرسول محمد في الكتاب المقدس:
ورد في أشعياء 42: 1 إلى 4: (هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به
نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع
صوته).
وهذا ما تثبته كتب السيرة والأخلاق، وهذا ما قاله الرسول محمد في غالب
الأحاديث المتواترة ومنها أن الرسول بعث ليتمم مكارم الأخلاق.
ومن صفاته (صلى الله عليه وآله) أنه صادق أمين كما هو مدون في إنجيل متى
24: 45 حيث نقرأ في نبوة أطلقها المسيح (عليه السلام) عنه: (اسهروا إذاً
لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم... فمن هو العبد الأمين الحكيم الذي
أقامه سيده (الله) على خدمه ليعطيهم الطعام (الروحي) في حينه طوبى لذلك العبد
الذي إذا جاء سيده يجده يفعل ذلك الحق أقول لكم إنه يقيمه على جميع أمواله
(أنبيائه)).
ومن المعلوم في كتب التاريخ أنه لم يلقب أحدهم بالأمين حتى أصبح ينادى
بهذا اللقب بدلاً عن اسمه سوى الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) ، ولم يخرج
نبي بعد المسيح (عليه السلام) برسالة تعتبر طعاماً روحياً غير محمد الذي أخرج
التوحيد في حينه بعد أن انتشر الشرك ابتداء من القرن الرابع حتى بعثته.
وقد حدد الكتاب المقدس نوعية هذا الطعام حيث قال في إنجيل يوحنا 14: 26
بأن المسيح سوف يرسل من بعده المعزي (محمد) (أما المعزي... الذي سيرسله الأب
باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بما قلته لكم).
إذاً الطعام الذي سيحمله الرسول محمد إلى الناس هو تعاليم تشبع جوعهم
لمعرفة الله وتروي عطشهم نحو الحق بعد أن عم الضلال.
ومن أبرز النبوات الدالة على الرسول محمد ما ورد في يوحنا 14: 16 حيث
نقرأ: (إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب إلى الأب فيعطيكم معزياً
آخر ليمكث معكم إلى الأبد).
وتعبير معزياً آخر دليل على كونه كالمسيح نبي فالمسيح هو المعزي الأول
ومحمد هو المعزي الآخر الذي يأتي بعده.
جاء في سفر الرؤيا 19: 11: (اسجد لله فإن شهادة يسوع (التي ألقاها على
الناس) هي روح النبوة ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى
أميناً وصادقاً وبالعدل يحكم ويحارب).
وفي هذا النص عدة صفات لا تنطبق سوى على الرسول محمد (صلى الله عليه
وآله) .
1- أنه يدعى أميناً وصادقاً وهذا ما لم يدع به أحد في التاريخ سوى محمد
(صلى الله عليه وآله) .
2- أنه يحارب الكفر ويجعل العدل الإلهي قائماً دون رهبة وهذا ما قام به
محمد (صلى الله عليه وآله) ، مقابل الرسالة المسالمة التي جاء بها المسيح
(عليه السلام) .
3- أن نبوات رؤيا يوحنا تتحدث عن فترة ما بعد المسيح (عليه السلام) مما
يستلزم تطبيقها على الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه.
الخلاصة: بات واضحاً أن الكتاب المقدس يقر بمجيء الرسول محمد (صلى الله
عليه وآله) مما يجعل الوحدة العقائدية في هذا المضمار واقعاً وما على النصارى
إلا أن يطبقوا كتابهم ويؤمنوا بما أقره، والنتيجة أن الكتاب المقدس قد أقر
حتى الآن الشهادتين وهما: (أشهد أن لا إله إلا الله - وأشهد أن محمداً رسول
الله) كما بينا في الكتاب السابق عن التوحيد في الكتاب المقدس.
والحمد لله رب العالمين.
النساء بين القرآن والإنجيل:
المرأة في القرن العشرين مشاكلها ومطامحها
على ضوء الكتاب المقدس والقرآن الكريم
مقارنة مع الحلول المتوفرة في المجتمع العلماني
الرجال والنساء ما هي الفوارق بينهما؟
منذ إطلالة الوجود البشري يتشارك الرجال والنساء كوكب الأرض، وقد أنشئوا
عائلات وعملوا واجتهدوا في كافة المجالات، العلمية والاجتماعية منها
والسياسية، وتمتعوا بأوقات طيبة كما احتملوا المتاعب والمشقات معاً، ورغم هذا
جرت معاملة النساء بخلاف الرجال في معظم الأماكن وأغلب الحقبات التاريخية.
ففي بعض الأحيان جرى الاعتناء بهن وحمايتهن وغالباً ما اعتبرن مجرد
مقتنيات أو جرى احتقارهن بصفتهن أدنى فلمَ هذا التناقض؟
وضع تشارلز داروين نظرية كون النساء أدنى ذكاء من الرجال. ومعاصر غوستاف
لو بون اعتبرهن من أدنى أشكال التطور البشري، وقلة من المسلمين نسبت للإمام
علي (عليه السلام) أنه احتقر المرأة لجهلهم لحقيقة الكلام الصادر عنه وعدم
معرفتهم بما وراء ذلك من حقائق فقد استندوا إلى الخطبة الشهيرة التي تنص:
(معاشرة النساء إن النساء نواقص الإيمان نواقص العقول نواقص الحظوظ فأما
نقصان الإيمان فقعودهن عن الصلاة في أيام حيضهن وأما نقصان عقولهن فشهادة
امرأتين كشهادة رجل واحد وأما نقصان حظوظهن فنصيب امرأتين كنصيب رجل واحد
فاحذر خيارهن الخ).
ونؤكد أن هذه الخطبة المباركة لا تحتوي أبداً على ما يوحي بإنزال مرتبة
المرأة أو ينقص من عقلها ولا يسند إليها ضعفاً بل قوة فقد بين الإمام أن
تكليف المرأة أسهل من تكليف الرجل المسلم، وهذا امتياز أعطاها إياه الله
لوجود فروقات تكوينية من تركيبة الجسد ونحوه، وقد بين ذلك الشهيد مطهري في
كتابه الشهير نظام حقوق المرأة في الإسلام، بعد مناقشته بأسلوب فلسفي بحت
بالإضافة إلى الأدلة العقائدية الثابتة من الكتاب والحديث الشريف ولسنا هنا
في صدد نقاشها.
ومع ذلك فإن النساء والرجال يختلفون، فما هو وجه الاختلاف؟ وهل يعني هذا
أن أحدهم أدنى من الآخر؟
الفوارق الجسدية (التكوينية):
إن بعض الفوارق الجسدية بين الرجال والنساء تبدو ظاهرة، فقد جرى إعداد
المرأة من حيث تكوينها لتكون أماً، وكون الرجال وأعدوا ليكونوا آباء، وتركيب
أجسادهم يعكس هذه الحقيقة، ولكن ثمة فوارق أخرى بينهما أبرزها...
أ) في كل بلد تقريباً تحيا النساء حتى سن متقدمة أكثر من الرجال، وقد
أثبتت الإحصاءات المتكررة أنه ومنذ أجيال عديدة يجري الحبل بـ130 فتى مقابل
100 فتاة وبعد تسعة أشهر، فإن عدداً من أجنة الذكور يفوق أجنة الإناث يخفق في
البقاء حياً.
بحيث يولد 106، فتيان مقابل كل مائة فتاة وما إن يشبوا حتى تكون الفتيات
قد تجاوزن الفتيان عدداً وهناك أيضاً عوامل عديدة تجعل من النساء أكثر من
الرجال أبرزها مشاركة الرجال في الجهاد والحرب دون النساء وقيادة السيارات
والعمل الخطر من قبل الرجال بنسبة تفوق التسعون بالمائة للرجال مقابل عشرة
بالمائة للإناث.
ب) لدى الرجال الرياضيين خصوصاً أكتاف وأذرع عضلية أكبر وأكثر ولديهم
كذلك أرجل أضخم وأقوى، وقلوب ورئات أكبر وهكذا يتفوق الرجال على النساء
إنجازاً في معظم السباقات وفي نفس الميدان مقابلاً تتمتع النساء الرياضيات
بالعضلات البطنية القوية بقدر تلك التي للرجال ومع أن النساء يفرزن العرق
بغزارة أقل إلا أن غددهم العرقية أفضل توزيعاً وإفرازهن العرق أكثر فعالية
وهذا يساعدهن على الاحتمال؛ ويزودهن بالمخزون الدهني في الجسم مع قابلية أكبر
وقدرة أعظم على الطفو على الماء، ولذلك تهيمن النساء على رياضة السباحة
للمسافات الطويلة؛ ومن الفوارق المدعاة بدون دليل نذكر ما يلي:
أ) الاختلاف الفكري:
هل يفكر الرجال بخلاف النساء؟ هذا موضوع بالغ الحساسية، وكثيرين يشعرون
أن أفكاراً خاطئة في هذا المجال قد أدت إلى ظلم النساء، ومع ذلك يعتقد كم
هائل من الباحثين بوجود فوارق..
تغدو الفتيات أكثر مهارة بأيديهن من الفتيان وينطقن في وقت أبكر وبطلاقة
أكثر، ويصبحن أفضل في اللغات وهن غالباً أفضل في الحفظ والتفكير البديهي
والمعلوم أن النساء تعالج العمل التفصيلي والترتيب بفعالية أكثر من الرجال.
وينمو الفتيان ليصبحوا أفضل في الرياضيات، والتفكير التحليلي والتفقه والغوص
في خضم المسائل العقائدية والعلمية، وهم أفضل كذلك في التنظيم الفضائي ونفاذ
البصيرة حيث تشعر وفرة من النساء أنهن لا يستطعن ضبط عواطفهن كالرجال رغم أن
بعضهم ينكر هذا الواقع.
نعم ليست هذه الفوارق دقيقة وصارمة بالطبع فثمة رجالاً بارعون في
الأعمال اليدوية والترتيبية واللغات، وثمة نساء يتفوقن في الرياضيات وكل من
يراقب ممرضة أثناء حادثة طارئة كلفت بها يعلم أن العواطف لا تتحكم كلياً
بالنساء فكثيرات يعملن برباطة جأش وفعالية تحت الضغط وبالمقابل كم من الرجال
ذوي رباطة جأش وصلابة سيما في المواقف الجهادية البطولية وأغلبهم منطقيون
ويضبطون أنفسهم على الدوام في المواقف الصعبة ترى ما هو سبب هذه الفوارق؟
يشعر كثيرون أننا صنعنا على نحو مختلف داخلياً وخارجياً أيضاً، وقد
أثبتت الاختبارات أن المرأة تملك من العاطفة والحنان أضعاف ما يملكه الرجل
العادي غالباً، والرجل يحمل من القسوة المطلوبة والرزانة واحتمال الأمور على
عدة محامل قبل البت بها أكثر من النساء، وأعتقد أن هذا فضل من الله تعالى على
البشرية، فقد وضع كل عناصر ومقومات الأمومة في المرأة لتربي الجيل الصاعد
بصبر بما يرضي الله عز وجل فيتناسب ذلك مع ضعف الطفل المولود حديثاً.
وللبيئة التي يحيا بها الفرد تأثير بالغ عليه، مما يجعله وارثاً لما
فيها من عادات شائعة وتقاليد ثابتة، وهنا يكمن دور المرأة التي تحمل
المسؤولية الأعظم وهي حماية أطفالها من التأثيرات السلبية الناتجة عن
المعاشرات الرديئة وغير المحددة والمدروسة والتي غالباً ما تؤدي إلى تفكك
العائلة وخرابها.
ولا شك أنها إن استطاعت أن تعمل في أي مضمار اجتماعي كان أو سياسي دون
التأثير على تكليفها الأساسي، فهذا أمر محبذ ومقبول لدى جميع الأديان، ولا
يوجد بتاتاً أي حصر لحرية المرأة في هذا المجال.
ولكن الفوارق موجودة قطعاً ولا يمكن لأحد أن يخفيها أو ينفي وجودها
ويقول العلماء أن هرمونات الذكر أو الأنثى تجعل دماغ الشخص لا جسده فقط يعمل
بطريقة رجولية أو أنوثية ويصر آخرون على أن الفوارق بين النساء والرجال إنما
تحددها طريقة ترعرع الفتيان والفتيات.. الخ.
والنتيجة معاملة غير مسؤولة للنساء في أغلب البلدان فكثيراً ما جرى
استغلالهن وقيدت حريتهن إلى حد كبير. فلنبحث في بعض الأمثلة.
النساء واقعاً أناس في المرتبة الثانية:
قبل وقت ليس بطويل مثل رجل أمام المحكمة في بلد آسيوي يدعي المساواة
الشرعية بين الرجل والمرأة، واتهم بقتل زوجته الزانية، ووجد مذنباً.
العقاب؟ حكم مع وقف التنفيذ.
وبعد ذلك بفترة وجيزة مثلت ربة منزل في المحكمة عينها وأمام القاضي
نفسه، واتهمت بقتل زوجها لأنه يعاشر العديد من النساء الأخريات، فوجدت مذنبة
وحوكمت بخمسة عشر سنة في السجن.
وتتذمر الكثير من النساء عند النظر إليهن كمواطنات من الرتبة الثانية
دون الحقوق والحصانات والاعتبارات ذاتها التي ينالها الرجل، والحقيقة هي أن
النساء في أغلب البلدان لا يجري تقييمهن وتقديرهن كالرجال وما ورد آنفاً إنما
هو مثال على ذلك وثمة أمثلة كثيرة ومنها هذا التقرير المحزن في الهند، ثاني
بلد مكتظ بالسكان في العالم.
(وليس غير شائع اليوم أن نسمع عن أطفال جرى التخلي عنهم في مصارف مياه
المدينة، وفي الأدغال أو خارج هيكل أو مأوى أطفال أو كنيسة. ومقابل كل طفل
صبي يهجر، هنالك خمسة أطفال إناث. وتبلغ الممرضات المتمرسات في المستشفيات
العامة أن الرغبة في التخلص من الأطفال الإناث باتت عارمة إلى حد أنه يلزم
إكراه بعض الأمهات على إطعامهن بل إنها تدفع الآباء في بعض الأحيان إلى قتل
الأطفال الإناث).
(الهند هذا اليوم في 1/5/1997).
ويروى أنه ينظر إلى الفتيات في تلك البلدان كعائق اقتصادي، فتزويجهن
يكلف مالاً وافراً.
ولكن السؤال من هو الملام على هذا الواقع؟
يتهم أغلب الناس من العامة الدين بأنه المسبب الأول والأخير لهذه
المعاملة، وهذا ناشئ عن سوء التصرف من قبل بعض رجال الدين.
وبالنظر إلى الواقع فهنالك في المقابل ثلة من المؤمنين ذات مستوى أسمى
وأرقى فبتطبيقهم لنصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة استطاعوا أن يتحرروا من
عادات الجاهلية التي تنادي بإذلال النساء واستعبادهنّ.
إن اللوم يقع في الدرجة الأولى على من يدعون التحضر فالأفكار التقليدية
بأن بعض الأعمال يختص القيام بها بالرجال وسواها متعلق بالنساء ولذلك مع
الجهل بالمتطلبات الدينية وكيفية المعاملة المطلوبة على ضوئها، يرتبك رجال
كثيرون عند اضطرارهم للمساعدة في عمل منزلي خشية الهزء بهم.
وللعالم المصري نصيبه من اللوم فهو الذي ينتج الضغوط التي تسبب إصابة
سيدات الأعمال أو رجال الأعمال بالقروح فالعالم الحاضر أنتج بدعة (الحرية
الجنسية) وروجها، فتخدع من خلالها الفتيات اللواتي يخشين قول لا.
وبغض النظر عن الفساد الأدبي والتحرش الجنسي أثناء العمل فإن العالم
العصري يضع النساء أمام خيار من اثنين يعتبران أقوى رغبتان قويتان وهما:
1- إرضاء الله باتباع ما يأمر به العقل والدين.
2- إرضاء الذات والمجتمع المتحضر بالرضوخ للعاطفة والغرور وحب الذات
والدنيا.
والسؤال هو هل من آراء مساعدة إزاء هذه الخيارات؟
نعم فلننظر إلى بعض الأمثلة..
تقول امرأة مسيحية مؤمنة عالمة في الكتاب المقدس (أو مسلمة عارفة للقرآن
والسنة). إنه من البديهي أن تكون الأجرة متساوية عندما تتشابه الكفاءات، ولا
بد أن يعمل كل منهما (الرجل والمرأة) بكد وجدية.
وتستطيع أن تفهم سبب شعور بعض النساء بمرارة، لأنها ترى الأمور بشكل
مختلف. وبالنسبة إليها ليس الأجرة التي تكسبها هي الشيء الأهم في الحياة ولا
بد أن تنظر إلى العمل لواحد من سببين.
1- إنها تحتاج إلى المال فتعمل لكسبه بهذا الهدف.
2- أو أن تعمل على أمر تشعر أنه يستأهل جهدها.
وفي الحالة الأولى على فرض كونها تكسب ما يكفي حاجاتها، أو إن وجد من
يعيلها كالأب أو الزوج فلا بد أن تكتفي بذلك إذ تعلم موقف الكتاب من الطامعين
بكثرة المال والغنى وهو القائل: (وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون
في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك لأن محبة
المال أصل كل الشرور الذي إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم
بأوجاع كثيرة وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا واتبع البر والتقوى
والإيمان والمحبة والصبر والوداعة جاهد جهاد الإيمان الحسن وأمسك بالحياة
الأبدية التي إليها دعيت أيضاً) 1تي: 6: 9 إلى 12.
وهذا مطابق بمراميه لما جاء في القرآن الكريم حيث نقرأ في سورة النساء
94 و95: (يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن
ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم
كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا
* لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة
وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً).
مع ما ورد في سورة غافر 82: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان
عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وأثاروا في الأرض فما أغنى
عنهم ما كانوا يكسبون).
وعوضاً عن جمع المال وتخزينه أمرنا الله تعالى بأن نجاهد في سبيله به
وبأنفسنا في كافة الكتب السماوية حيث نقرأ في سورة الصف 10 - 11: (يأيها
الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم * تؤمنون بالله ورسوله
وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
مقارنة مع نص الإنجيل في متى 6: 19 عن المسيح (عليه السلام) أنه قال:
(لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون
ويسرقون بل أكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا
ينقب السارقون ويسرقون لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضاً... والعدد 24
لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما أن يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم
الواحد ويحتقر الآخر لا تقدرون أن تخدموا الله والمال لذلك أقول لكم لا
تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا لأجسادكم بما تلبسون).
وعليه. فعندما تقارنين نفسك مع الآخرين فإنك تجدين دوماً من هي بحال
أفضل منك على الصعيدين الدنيوي والآخروي، اطمحي للتمثل بمن هم أفضل منك تقوى
وخشوع، ولا تهتمي لمن هم أفضل منك مالاً وحلية وعتاداً فإنهم الخاسرين وأنت
الفائزة.
ويساعد على حيازة تفكير مادي سليم أن تنظر إلى من هم أدنى منك ثراء
وأسوأ حالاً، وبعد المقارنة لن يعود للمال في نظرك أية أهمية فتطلبين الهدف
الثاني وهو أن يستحق عملك الجهد المبذول، كمساعدة محتاج أو إصلاح ذات البين
أو تثقيف الأخريات في الدين وإرشادهم إلى الدرب القويم الخ..
اقتراح بعض الحلول لتخطي الأزمات النفسية الناتجة عن العرف ووسوسة
الشيطان:
الأزواج والعمل المنزلي:
إن مساعدة الرجل في الأعمال المنزلية أمر يرفضه أغلب أزواج هذا الجيل،
وهذا الشعور يعود إلى البيئة التي نشأ بها هذا الرجل، ففي البلدان التي يحتل
السلام لا تخرج عادة، إلى العمل ومن الطبيعي أن تقوم النساء بكامل العمل
المنزلي، وقد عايش أبناء هؤلاء هذا الواقع ونموهم على هذا النمط جعلهم
يتوقعون ذات التصرف من زوجاتهم، وهذا على الأرجح سبب شعور وفرة من رجال اليوم
بالغرابة في تأدية العمل المنزلي.
ولكن التعاون أمر محبذ ومطلوب، لا ينقص من احترام الرجل للمرأة أو
المرأة للرجل، بل على العكس فهو ينمي التواضع لدى أرباب البيوت ويربي الأولاد
على هذه الطبيعة الطيبة، شرط أن يكون هذا التعاون منسقاً.
مثلاً:
المؤمن الذي يرتضي لغيره ما يرتضيه لنفسه، لا يستطيع أن يسترخي على كرسي
مريح بينما يرى زوجته التي أصبحت مرهقة طوال اليوم تعمل في المنزل دون أن
يحاول مساعدتها.
وفي المقابل لا يمكن للمرأة المؤمنة أن تطلب من زوجها وهو منهك القوى
جراء عمله في مجال صعب أن يساعدها في المنزل على حساب عمله الذي يعتاش
وعائلته من راتبه.
ولذلك كان لا بد من التفاهم والإدراك وعدم الانسياق وراء الشعارات التي
لا تأخذ بعين الاعتبار الظروف والحالات الفردية والقاعدة في الرسالات الإلهية
هي ما ورد في أفسس 5: 22 إلى 27.
(أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن
المسيح أو رأس الكنيسة... لكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن
في كل شيء (يرضي الله تعالى)... كذلك على الرجال أن يحبوا نسائهم كأجسادهم..
وأما أنتم كأفراد فليحب كل واحد امرأته كنفسه وأما المرأة فلتحب رجلها).
ونصيحة القرآن الكريم شبيهة بفحواها ومعناها حيث نقرأ في سورة النساء 32
إلى 34: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا
وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً *
ولكل جعلنا مولى مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فأتوهم
نصيبهم إن الله كان على كل شيء شهيداً * الرجال قوامون على النساء بما فضل
الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب
بما حفظ الله والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن
أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً).
وهكذا تكون الكتب السماوية قد حددت تكليف المرأة والرجل وليس في ذلك
تفضيلاً لطرف على الآخر إلا بما وهبه الله تعالى من حق.
انتفاء السعادة بين الزوجين مشكلة لها حل في الكتب السماوية:
إن السعادة الحقيقية بين الزوجين لا يمكن إيجادها عبثاً، فلا بد من توفر
المقومات لها. مثلاً:
كيف يسعد من سار على درب الشيطان وانغمس بالخطيئة والشر، وليس هنالك من
يردعه أو يبعده عن ارتكاب الفواحش، فإن لم يتملك المرء إيمان بالله والرسالة
الإلهية لينتج عنها عمل صالح يورثه السعادة فكيف له أن يسعد.
ولا يمكن للإنسان أن يطلب السعادة إلا من خلال الرضوخ للكتب المقدسة
وتعاليمها والتي تنص على طلب مشيئة الله تعالى أولاً حيث نقرأ في متى 6: 10:
(أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك لتكن مشيئتك كما في السماء
كذلك على الأرض).
وبوضعنا مشيئة الله تعالى نصب أعيننا نتخطى الحواجز والمطبات التي زرعها
الشيطان في دروبنا لإبعادنا عن السعادة الحقيقية.
والقاعدة في الكتاب المقدس هي أن نعطي الطرف الآخر أكثر مما نأخذ منه
حيث نقرأ: (مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ) أعمال الرسل 20: 35.
والنتيجة أنه برضى الله تعالى تتحقق سعادة العبد.
نظرة الكتب المقدسة إلى النساء. نظرة تقدم أم احتقار؟
ورد في سفر التكوين 2: 23 مقارنة مع سورة الأعراف:
(فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ
مكانها لحماً وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم
فقال آدم، هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ
أخذت لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسداً واحداً).
مع الأعراف 189: (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن
إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن
أتينا صالحاً لنكونن من الشاكرين).
ونقرأ في رسالة بطرس الأولى 3: 7: (كذلكم أيها الرجال كونوا ساكنين بحسب
الفطنة مع الإناء النسائي كالأضعف معطين إياهن كرامة كالوارثات أيضاً معكم
نعمة الحياة لكي لا تعاق صلواتكم).
ملاحظة: عندما يدعو الرسول بولس النساء (الجنس الأضعف) فإنه لا يدعي
بأنهن أدنى عقلياً أو أدبياً لكنه يير إلى ضعف البنية والجسد لدى النساء
فالمرأة في زمنه ما لم تتلق الحماية من الرجل كانت عرضة للهجوم أو لسوء
المعاملة أو الحاجة المادية، وإن بدت حياة المرأة في عصرنا الراهن أسهل لكنها
ما زالت تعاني من نفس المخاطر وبالرغم من ازدياد فرص العمل لدى النساء إلا
أنهم غالباً ما يتقاضون أجراً منخفضاً.
واحترام المرأة كإناء أضعف يستلزم حمايتها والعناية بها واحترامها
وتأمين لوازمها وحاجياتها على قدر المستطاع والمؤمن يناقش الأمور مع زوجته
بلطف ومودة ولبقاة وكياسة وسعة أفق.
وفي حال المعاملة السيئة تنقطع الصلة مع الله تعالى مما يجعل من صلوات
هذا الشخص دون فائدة أو فعالية وقد قال المسيح (عليه السلام) أنه ينبغي على
المؤمن أن يسوي خلافه مع أخيه قبل أن يقدم على الصلاة وينطبق ذلك على العلاقة
الزوجية والروابط العائلية والأسرية.
(متى 5: 23 و24) مقارنة مع وصية القرآن الكريم في سورة النساء 1: (يأيها
الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً
كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم
رقيباً).
وفي سورة المجادلة نقرأ: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي
إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير).
وقاعدة الكتاب المقدس هي: (مما جمعه لا يفرقه إنسان) متى 19: 6.
هنالك الآلاف من المؤمنين يتمتعون بزيجات ناجحة ومانحة للاكتفاء وليس
نجاح الزواج والعيش بسعادة وليد صدفة فلا بد من توفر هذه العوامل:
1- احترام نظرة الله تعالى إلى الزواج من قبل الطرفين..
2- أن يسعى كل منهما إلى العيش وقفاً لمبادئ دينهم وأن يهدفوا إلى إرضاء
الله عز وجل فهو القريب من عباده والأعلم بحاجاتهم.
] ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوسُ به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل
الوريد).
مقارنة مع أشعياء 48: 17: (أنا الرب إلهك معلمك لتنتفع وأمشيك في طريق
تسلك فيه ليتك أصغيت لوصاياي فكان كنهر سلامك وبرك كلجج البحر).
ولذلك نرى أن ما يؤدي غالباً إلى سوء المعاملة والفشل في الزواج إنما هو
عدم التقيد بالمبادئ التي وضعها الله لإنجاح الزواج في الرسالات سواء في
المسيحية الحقيقية أو في الإسلام.
وفي أفضل الحالات نرى أن الزواج هو اتحاد فردين ناقصين، لهم عادات
وتقاليد في أغلب الأحيان متناقضة، وأفكارهم عادة تكون متضاربة والحل هو
بتطبيق ما جاء في 1كو 7: 10 إلى 11: (وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب
أن لا تفارق المرأة رجلها... ولا يترك الرجل امرأته).
فعلاً فقد رتب الزواج ليكون رباطاً دائماً فهو عبارة عن نذر يطلقه الرجل
لزوجته أمام الله تعالى ولا بد من الوفاء بالنذر كما تعلم الأديان السماوية
حيث نقرأ في الجامعة 5: 4:
(إذا نذرت نذراً لله فلا تتأخر عن الوفاء به لأنه لا ير بالجهال فاوف
بما نذرته).
مقارنة مع سورة الإنسان 7 و8 إذ نقرأ: (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان
شره مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً).
والزواج من أبرز النذور الأبدية التي يقدم عليها المؤمن، ولا بد من
الحفاظ عليه، وبهذا الاعتبار تسقط العوائق التي تواجه المتزوجين.
الاتصال قوام الزواج الناجح:
عندما سئل أحد محامي الطلاق عن السبب الأبرز للطلاق بين الأزواج أجاب:
هو العجز عن التكلم بصدق أحدهما مع الآخر، والكشف عن أفكارهم العميقة
ومعاملة كل منهما ورفيقه كأفضل صديق له. نعم فالمشورة والحوار وطلب المساعدة
هم الحل الأمثل للمشاكل الزوجية حيث يقول الكتاب المقدس:
(مقاصد بغير مشورة تبطل) أمثال 15: 22.
مقارنة مع سورة آل عمران 109: (ولله ما في السموات وما في الأرض وإلى
الله ترجع الأمور).
مع ما جاء في سورة الشورى 38: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة
وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
وعليه فإن الشورى والمناقشة عند وقوع الخلافات عامل إيجابي في حلها
وتخطيها إلى المودة والمحبة.
اختيار الزوج أو الزوجة وفق المعيار الإلهي:
يحذر الكتاب المقدس من الارتباط برفيق زواج لا يمتلك مقومات الإيمان فقد
يؤثر سلباً على رفيق زواجه فيبعد أحدهما الآخر عن الله تعالى وعبادته حيث
نقرأ في سفر الأمثال 2: 16 و17:
(لإنقاذك من المرأة الأجنبية من الغريبة المتملقة بكلامها التاركة أليف
صباها والناسية عهد إلهها لأن بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة كل من
دخل إليها لا يؤوب ولا يبلغون سبل الحياة حتى تسلك في طريق الصالحين وتحفظ
سبل الصديقين).
فحذار من الوقوع في شريك أو شريكة تحمل مثل هذه المواصفات التي تجعل من
حاملها بعيداً عن الله تعالى وحقه.
ومن أبرز مسببات المشاكل هو أن الرجال والنساء كثيراً ما تكون لهم
أساليب اتصال مختلفة فالنساء غالباً يرتاحون لمناقشة المشاعر في حين أن
الرجال عموماً يفضلون مناقشة الوقائع، وتميل النساء إلى إظهار التعاطف وتقديم
الدعم العاطفي بينما يميل الرجال إلى البحث عن الحلول وتقديمها ومع ذلك يوجد
سبيل للاتصال المثمر إذا صمم رفيقاً الزواج أن يكونا معاً (مسرعين في
الاستماع مبطئين في التكلم في الغضب) يعقوب 1: 19.
والخلاصة: بعد الحكم التي تم طرحها في الكتب المقدسة فلا بد من إدخال
عنصر الحكمة في أي حوار، بالإضافة إلى طلب الإرشاد الإلهي من أهل الخبرة. فمن
هم خارج الصراع والخلاف، أقدر على حله من الذين يخوضون به فيجمعون خيوط
المشكلة ويعيدوا حياكتها من جديد.
وعندما تتوفر المحبة تكون بمثابة رباط كامل للوحدة بين الأزواج ولا حاجة
للمزيد من الغوص في هذا الجانب فقليل من التنازل غالباً ما يؤدي إلى الوفاق.
وبعد أن استعرضنا الحقوق والواجبات دعونا نتأمل في بعض المطالب المشتركة
بين القرآن والإنجيل فيما يختص بلباس النساء المؤمنات.
لباس النساء بين القرآن والكتاب المقدس:
إن لباس نساء المسلمين معروف وشائع ولا حاجة لنا لنبينه ولكن السؤال
الأبرز هل يوافق الكتاب المقدس على هذا اللباس؟
إن اللباس المحتشم والذي لا يظهر تفاصيل جسد المرأة أمر من الله تعالى
وقد ورد ذكره في كافة الكتب السماوية سيما الكتاب المقدس حيث نقرأ في رسالة
بطرس الأول 3: 3 و4:
(ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ظفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس
الثياب بل إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد زينة الروح الوديع الهادئ
الذي هو قدام الله كثير الثمن).
نعم فلا يجوز للمؤمنات من أتباع الكتاب المقدس بأن يتزينوا لغير أزواجهن
ويرتدون اللباس المعري ليسببوا بفتنة وإغواء الرجال وقد جاء شبيه هذا التحذير
في 1تي 2: 9 و10 حيث نقرأ:
(وكذلك النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل ولا بظفائر أو ذهب
أو ملابس كثيرة الثمن بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة).
والسؤال هو ماذا تكسب المرأة التي تظهر محاسنها للآخرين؟ وهل تصيبها
خسارة ما إذا أخفت هذه المحاسن؟
قطعاً لا. بل تكسب رضى الله تعالى وتنصاع لمشيئته المدونة في الكتاب
المقدس ولكن قد تقول إحداهن أنا أريد أن يمدح الآخرين بجمالي.
نقول: جمال المرأة الذي يستحق المدح ليس في جسدها حيث نقرأ في سفر
الأمثال 31: 30:
(الحسن غش والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح) وعليه فإن
الكتاب المقدس يوافق الإسلام وكتابه في هذه المسألة (اللباس المحتشم) ولكن
لسائل أن يسأل:
هل يأمر الكتاب المقدس بغطاء الرأس أم أن ذلك مقتصر على القرآن الكريم؟
نجيب ونقول: نعم يأمر الكتاب المقدس بغطاء الرأس للنساء وهذا واضح من نص
1كو: 11: 3 إلى 5 حيث نقرأ:
(فأمدحكم أيها الأخوة على أنكم تذكرونني في كل شيء وتحفظون التعاليم كما
سلمتها إليكم ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح وأما رأس المرأة
فهو الرجل ورأس المسيح هو الله كل رجل يصلي أو يتنبأ وله على رأسه شيء يشين
رأسه وأما كل امرأة تصلي أن تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها
والمحلوقة شيء واحد بعينه إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها وإن كان
قبيحاً بالمرأة أن تقص أو تحلق فلتتغط).
وعليه ينبغي على المرأة أن تغطي رأسها بحجاب يخفي شعرها وليس هذا تخلفاً
كما يزعم بعض الجهلة بل امتثال للأوامر الإلهية المدونة في كافة الكتب
السماوية وأي محاولة للهروب من هذا الواقع تعتبر تهرباً وتقصيراً تجاه الدين
والإنسانية وإن صدرت عن رجال دين موقرين.
ولذلك ترى القرآن يصيح منادياً: (قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى
تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل
إليك من ربك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين).
ومن الملفت أن الله تعالى أنزل الحق مع كافة الأنبياء، ولكن اتباع هؤلاء
أبوا أن يطبقوا ما آتاهم الله من فضله، وهنالك العديد من الأحكام المشتركة
بشأن النساء وطهارتهن نأتي على ذكرها في موضع آخر.
الخنزير في الكتب السماوية:
مقارنة مع العلم الحديث:
لقد أثبت لعلم الحديث أنه ومن بين جميع الحيوانات اختص الخنزير بجرثومة
قاتلة، لا تموت وإن أحرقت بنار عادية، بل تحتاج إلى نسبة مئوية عالية من
الحرارة ليبطل مفعولها في الجسد.
والخنزير حيوان دنيء النفس، قذر لا يميز بين القذارة والنظافة، وكل من
راقبه وهو يأكل برازه وينغمس به، أقلع عن تناوله وإن كان من عاشقي لحمه.
فالخنزير يأكل النجس والطاهر دون تمييز، ويأكل الغائط سواء كان الأخير منه أو
من الإنسان، ويأكل الميتة من الحيوان بعد فسادها.
وقد اعتبر أقذر المخلوقات الحيوانية على الإطلاق ورغم ذلك يؤكل لحمه في
أكثر البلدان تحضراً فلماذا؟
يقول أحد الأدباء في الكنيسة المسيحية مجيباً: لأن الرسول بولس حلل
تناول لحوم جميع الحيوانات مما يدب عل الأرض حيث ورد في أعمال الرسل 10: 11
إلى 16.
(فجاع كثيراً واشتهى أن يأكل وبينما هم يهيئون له وقعت عليه غيبة فرأى
السماء مفتوحة وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة
على الأرض وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء وصار إليه
صوت قم يا بطرس اذبح وكل فقال بطرس كل يا رب لأني لم آكل قط شيئاً دنساً أو
نجساً فصار إليه أيضاً صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت وكان هذا على
ثلاث مسيات ثم ارتفع الإناء أيضاً إلى السماء).
يعتبر هذا النص بمثابة الحجة التي يستحل النصراني على أساسها تناوله
للمحرمات من اللحوم ولكن ما هي العوامل التي تثبت بطلان هذا النص؟
1- تنافيه وتعاليم الناموس الموسوي.
لقد ورد في إنجيل متى 5: 8 و9 عن المسيح أنه قال: (لا تظنوا أني جئت
لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن
تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس).
مما يؤكد على تأييد رسالة المسيح لرسالة موسى (عليه السلام) وعلى عدم
إمكان التعارض والتناقض بينهما.
ولكن لماذا لم يعلم المسيح (عليه السلام) بحلية تناول جميع الحيوانات
وأقدم عوضاً عن ذلك على تحريم الخنزير؟
ومن الذي حلل جميع الحيوانات لبطرس فيما حرمها الله؟
يجيب الكتاب المقدس قائلاً عن الذين يعلمون بما يخالف الشرع الإلهي:
(لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم إلى شبه رسل المسيح ولا
عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور فليس عظيماً إن كان خدامه
أيضاً يغيرون شكلهم كخدام للبر الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم).
ومع التسليم الموضعي بصحة ما نسب للمسيح بأنه جاء ليكمل الناموس لا
لينسخه ومقارنة مع التحذير الوارد أعلاه نستخلص أن الشيطان هو الذي ظهر لبولس
على شبه ملاك نور بعد ارتفاع المسيح إلى السماء ليخرب في العقيدة ويبدل في
المطالب فقد بعث نفسه ليضل الناس ولو أمكن المختارين أيضاً (2كو: 4: 4)
وللتأكد من حرمة الخنزير دعونا نتأمل في بعض النصوص.
تحريم الخنزير في الكتاب المقدس:
(وكلم الرب موسى وهارون قائلاً لهما كلما بني إسرائيل قائلين هذه هي
الحيوانات التي تأكلونها من جميع البهائم التي على الأرض كل ما شق ظلفاً
وقسمه ظلفين ويجتر من البهائم فإياه تأكلون إلا هذه فلا تأكلوها مما يجتر
ومما يشق الظلف... الوبر لأنه يجتر لكنه لا يشق ظلفاً فهو نجس لكم والأرنب
لأنه يجتر لكنه لا يشق ظلفاً فهو نجس لكم والخنزير لأنه يشق ظلفاً ويقسمه
ظلفين لكنه لا يجتر فهو نجس لكم من لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا إنها
نجسة لكم)...
وهذا نص تشريعي يحرم الخنزير والأرنب وسواها من الحيوانات التي تستحلها
الكنيسة وأتباعها. فهل يعقل أن يأتي الرسول بطرس ويجعل من الطعام النجس
والمحرم، طعاماً طاهراً ومحللاً؟
2- تثنية: 14: 8:
(والخنزير لأنه يشق الظلف ولكنه لا يجتر فهو نجس لكم)...
من هم أكلة لحم الخنزير وما هو مصيرهم في الكتاب المقدس الحالي؟
يقول أشعياء (عليه السلام) في سفره 66: 17:
(لأن الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل البشر يكثر قتلى الرب الذين
يقدسون ويطهرون أنفسهم في الجنات وراء واحد في الوسط آكلين لحم الخنزير
والرجس والجرذ يفنون معاً يقول الرب).
وفي هذا النص مسائل منها:
أولاً: الوعيد بالنار لمن يتناول لحم الخنزير ويطهره وهو نجس..
ثانياً: وضع لحم الخنزير ولحم الجرذ في مرتبة واحدة حيث قال: (آكلين لحم
الخنزير والرجس والجرذ) مما يظهر مدى قذارة الخنزير ولحمه.
وعليه فإني أتوجه إلى الذين يأكلون الخنزير، أن تخلوا عن هذه العادة
المحرمة، وتأملوا بماذا شبه الله تعالى لحم الخنزير. بلحم الجرذان الذي لا
تأكلوه ولو متم جوعاً على سبيل المثال.
وعن أشعياء (عليه السلام) أنه قال: (بسطت يدي طول النهار إلى شعب تمرد
سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره شعب يغيظني بوجهي دائماً يذبح في الجنات
ويبخر على الآجر يجلس في القبور ويبيت في المدافن يأكل لحم الخنزير وفي آنيته
مرق لحوم نجسة).. أشعياء 65: 2 - 5..
وقد استعمل الخنزير للدلالة على الأشرار في عهد المسيح (عليه السلام)
حيث نقرأ عنه أنه قال محذراً الناس من رمي أموالهم أمام الفريسيين..
(يا مرائي أخرج أولاً الخشبة التي في عينك وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج
القذى من عين أخيك لا تعطوا القدس للكلاب ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير
لئلا تدوسها بأرجلها وتلتفت فتمزقكم) متى: 7: 6.
وبحسب تفسير لجنة من علماء اللاهوت يقولون:
(كانت الخنازير حيوانات نجسة بحسب الشريعة في العهد القديم (تثنية 12:
8) وكان كل من يمس حيواناً نجساً يصبح نجساً طقسياً فلا يمكنه الذهاب إلى
الهيكل للعبادة إلى أن يتطهر من نجاسته ويقول الرب يسوع أننا يجب ألا نعهد
بالتعاليم المقدسة لشعب نجس أو غير مقدس فمن العبث أن تحاول تعليم مفاهيم
مقدسة لشعب لا يريد الإصغاء وكل ما يعمله هو أن يمزق ما تقول ولكن ليس معنى
هذا أن نكف عن تقديم كلمة الله لغير المؤمنين إذ علينا دائماً أن نكرز
بالإنجيل ولكن علينا أن نكون حكماء ولنا التمييز لمعرفة من نعلمهم حتى لا
نضيع وقتنا سدى) التفسير التطبيقي للكتاب المقدس صفحة 1892 الفقرة الأولى.
وبذلك فإن الكنيسة المسيحية تكون قد اعترفت ضمنياً بنجاسة الخنزير وعدم
حلية لمسه وأكله.
ومن أبرز الحوادث المدونة في العهد الجديد ما ورد في إنجيل متى 8: 30
ومرقس 5: 11 ولوقا 8: 32 حيث نقرأ:
(ولما جاء (المسيح) إلى العير إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان
خارجان من القبور هائجان جداً حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق
وإذا هما قد صرخا قائلين ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أجئت إلى هنا قبل الوقت
لتعذبنا وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى فالشياطين طلبوا إليه
قائلين إن كنت تخرجنا فإذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير فخرجوا ومضوا إلى
قطيع الخنازير).
والملفت أن الشياطين ترغب بالسكن داخل هذه الحيوانات القذرة ومن المعلوم
أن الشياطين نجسة ولا يسكن النجس في الطاهر بتاتاً.
وعليه فإن الذين لا يستطيعون أن يطبقوا الوصايا الإلهية التي جاء المسيح
ليتممها هم كما يصفهم الكتاب المقدس (لأنه كان خير لو لم يعرفوا طريق البر من
أنهم بعد ما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم قد أصابهم ما في
المثل الصادق كلب قد عاد إلى قيئه وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحمأة)..
بعد بيان نظرة الكتاب المقدس إلى تحريم الخنزير دعونا نتأمل في موقف
الإسلام منه.
الخنزير في القرآن الكريم:
لقد اتفق المسلمون على نجاسة الخنزير وحرمة تناول لحمه في كافة كتب
الفقه والحديث فهنالك العديد من الأحاديث التي تثبت تحريم هذا اللحم وتنجيسه،
وقد ورد تحريمه في القرآن الكريم في عدة مواضع منها:
1- سورة البقرة: 173.
2- سورة المائدة: 3.
3- سورة النحل: 115.
حيث نقرأ فيها: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير
الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم).
وأنزل منزلة الرجس والنجس في سورة الأنعام: 145: (قل لا أجد في ما أوحي
إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير
فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور
رحيم).
ولذلك كان واجباً على الذين يريدون اتباع الحق المتمثل بالنبي محمد (صلى
الله عليه وآله) أن يكونوا: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه
مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم
فالذين آمنوا به وعززوه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم
المفلحون) صدق الله العلي العظيم.
بعد استعراض تحريم الكتاب المقدس والقرآن الكريم للحم الخنزير دعونا
نستوضح أسباب التحريم على ضوء العلم الحديث.
العلم الحديث ولحم الخنزير:
يقول الدكتور محمد كمال عبد العزيز في مؤلفه (لماذا حرم الله هذه
الأشياء).
لحم الخنزير. حرمه الله منذ الأمد الطويل ليكشف علم الناس منذ قليل أن
في لحمه ودمه وأمعائه دودة شديدة الخطورة وهي (الدودة الشريطية) التي تعيش في
فضلات الخنزير على هيئة أكياس والتي إذا أكلها الإنسان قد تسبب العديد من
الأمراض أبرزها:
1- انطلاق اليرقة إلى خارج جدار المعدة بعد ثقبه ووصولها إلى الدورة
الدموية، وعن طريقها إلى أي جزء من الجسم وأخطرها القلب والمخ..
2- فالأكياس التي تصل إلى العضلات ينشأ عنها آلام روماتزمية شديدة، وقد
تكون هذه عضلات اللسان، أو الحنجرة، أو عضلات الصدر أو الفكين أو الأذرع أو
الأرجل، أو عضلات البطين.
3- وينشأ عن تناول لحم الخنزير المليء بالدهون حالات مرضية مختلفة
أبرزها: تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم، والذبحة الصدرية، والتهاب المفاصل.
ومن عادات الخنزير السيئة أنه في طبعه لا يغار على أنثاه ولا يهتم إذا
ما أقامت علاقة جنسية مع غيره وقد أثبت العلم التجريبي الاختباري أن هذه
العادة تنتقل من الخنزير إلى آكل لحمه وفي ذلك قال الشاعر:
أرى كل قوم يحفظون حريمهم وليس لأصحاب الخنزير حريم
الخلاصة:
لم يحرم الله تعالى شيئاً على الإنسان، إلا بعد علمه تعالى بأنه مضر
ومهلك، وما أراد سبحانه لعباده سوى الراحة والسعادة. ولذلك حرم الخنزير في
كافة الكتب السماوية لعلمه تعالى بالنفس البشرية التي لا تقبل المشورة
بالطريق السهل.
فرغم الأمراض التي تنشأ عن تناول لحم الخنزير والتي لم يجد لها العلم
حتى اليوم دواء، وبالإضافة إلى تحريمها في الكتب السماوية تأكيداً على عدم
تناولها.
ترى الأغلبية الساحقة من أهل الكتاب السماوي، والذين يدعون العلم
والمعرفة يتعاطون هذا النوع من الأطعمة والمشروبات المحرمة. لماذا؟
لأنهم وكما يقول الكتاب المقدس عميان قادة عميان (لوقا 6: 39) ومن الذي
أعماهم يقول الكتاب المقدس: (الذين فيهم إله هذا الدهر (الشيطان) قد أعمى
أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة مجد الإنجيل) 2 كو: 4: 4..
فاتبع الحق دون سواه تصل إلى مرضاة الله
ولا تجزع ممن حولك فاللــــه يغيث من ناداه
خاتمة الكلام:
الحمد لله الذي بعث في كل قوم نذير، وجعل للمؤمنين كتاب حق منير، وبشر
بالنبي محمد قبل بعثه في التوراة والإنجيل، مقفلاً بذلك باب الهروب المبرر عن
الحق، وملقياً الحجة على كافة الخلق، فنعما للذين اتبعوا هداه إلى النجاة،
وويل لمن تمرد عليه وانساق إلى الهلاك.
منذ بداية رحلتنا في هذه السلسلة ونحن نسعى إلى المعرفة التي تؤدي إلى
الوحدة، ومن الأساليب المتبعة لدينا، أسلوب الدراسة الشاملة للكتب السماوية
دون تفريق أو تمييز، لكي نصل إلى الحقيقة بتجرد.
وبعد الدراسة المطولة للكتب المقدسة توصلنا إلى مجموعة حقائق ثابتة نرى
ضرورة تحتم إظهارها للآخرين علهم يجدون الحق الإلهي دون الغوص في مجال البحث
المتعب وكانت الخلاصة في هذه السلسلة.
وقد ألحقنا أفكارنا ونتائجنا التي توصلنا إليها بالسند من الكتب
السماوية إفساحاً بالمجال للقارئ العزيز ليتأكد من النصوص المنقولة. فنحن لا
نهدف إلى التجريح بتعاليم الكنيسة المسيحية وبكيانها، بل إلى إظهار الحقيقة
غير المبنية ضمن تعاليمها، إما سهواً أو عمداً.
وقد بينا في هذا الكتاب كيف يمكن للنصارى والمسلمين أن يتوحدوا على
الأقل في المواضيع المطروحة في سلسلتنا هذه، على أمل اللقاء في العدد القادم
مع عقائد أخرى موحدة بين الطرفين.
ولكن الواقع الملموس أن أغلب النصارى الذين يبحثون عن الحقيقة ليسوا
مستعدين لقبول ما يخالف عاداتهم وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم، فهم لا
يريدون التخلي عن هذه العادات لأن الكنيسة قد أقرتها.
والسؤال هل كان الرهبان في القرون الأولى كاملين لا يعتريهم نقص ولا
خطأ؟ وهل كانوا رسلاً من الله تعالى ليقروا عادات ومبادئ تخالف ما أنزل الله
على الأنبياء؟
قطعاً لا، فكيف نأخذ عنهم تاركين ما جاء به الوحي الإلهي وراء ظهورنا،
أو لا يعتبر مثل هذا العمل بعداً عن الواقع وتعتيماً على الحق.
فحذار من الوقوع في فخ إبليس الذي يسعى منذ خلق آدم إلى إبعاد البشر عن
الله عز وجل عن طريق العاطفة والخوف الذين يستغلهما وينميهما داخل النفوس
البشرية الضعيفة، فسوف نصل في نهاية المطاف إلى خط لا يمكننا الرجوع منه.
نأمل من المولى عز وجل أن يتقبل عملنا، وان ينير بصرنا وبصيرتنا لنرى من
خلالهما معاً الإيجابيات المتعلقة بالحوار مع إخواننا وأحبائنا من النصارى
المؤمنين.
والنداء الموجه إليكم. أن اتبعوا الكتاب المقدس وتعاليمه التي تؤكد على
مجيء الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وصحبه الأخيار، وتحولوا من البعد عنه
إلى ما هو أقرب تأملوا القرآن وطالعوه ثم قرروا إن كنتم تجدونه كتاب حق أم لا
ففي ذلك خلاص لكم ورحمة.