نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السابع عشر

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السابع عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب

ص 303

بوضوح على عموم المنازل، وإن فرض عدم مجرد الإستثناء فيه. فثبت - والحمد لله - أن ما ذكره (الدهلوي) تبعا لأئمته - أعني التفتازاني، والقوشجي، والكابلي - في هذا الإستثناء، أعني: إلا أنه لا نبي بعدي . وزعمهم أنه إستثناء غير متصل بل منقطع، مندفع حتى بعد تسليم الإنقطاع، لكفاية صحة الإستثناء في دلالة لفظ المنزلة على العموم، ولا حاجة إلى إثبات الإستثناء المتصل.

ص 304

الرد على دعوى أن الإستثناء في هذا الحديث منقطع

 قوله: والإستثناء هنا منقطع بالضرورة لفظا ومعنى. أقول: أولا: إن (الدهلوي) يدعي أن الإستثناء في هذا الحديث منقطع، وهو بعد لم يثبت انقطاع الإستخلاف!! وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على تشتت باله واختلال أحواله!! بين هذه الدعوى ومعيار العموم وثانيا: قد عرفت أن صحة الإستثناء معيار العموم، وأن (الدهلوي) يعترف بهذه القاعدة، فكان على (الدهلوي) أن يتكلم في صحة الإستثناء المتصل، لا أن يكتفي بإنكار وجود الإستثناء المتصل، إذ عدم كون الإستثناء الموجود متصلا - لو فرض فرضا باطلا - لا يضر المستدل ولا ينفع المجيب، لأن الكلام إنما هو في صحة الإستثناء، و(الدهلوي) عاجز عن التكلم في هذه الناحية بشيء... والعجب من صلافة هذا الرجل، كيف يدعي في الباب الحادي عشر من كتابه وجود الأوهام في دلائل علمائنا الكرام، وهو يرتكب هذه الأوهام الطريفة والأغلاط اللطيفة، في فهم القواعد المشهورة والقوانين المعروفة التي ليس فيها أي إعضال وإشكال؟! والأعجب منه، إنه ينسب - في الباب المذكور - إلى علماء الشيعة الوقوع في وهم أخذ ما بالقوة مكان ما بالفعل، ويمثل لذلك بحديث المنزلة، مع أنه

ص 305

بنفسه قد أخذ هنا ما بالفعل مكان ما بالقوة، حيث جعل وجود الإستثناء - وهو بالفعل - مكان صحة الإستثناء وهو بالقوة. وأما نسبة ما ذكر إلى علماء الإمامية، فسيأتي دفعها فيما بعد بوجوه. قوله: أما لفظا، فلأن: إلا أنه لا نبي بعدي جملة خبرية، فلا يمكن استثناؤها من منازل هارون، وتكون هذه الجملة بعد تأويلها إلى المفرد بدخول إن في حكم إلا عدم النبوة، ومعلوم أن عدم النبوة لم يكن من منازل هارون حتى يصح استثناؤه. الأصل في هذه الدعوى هو التفتازاني أقول: ولا يخفى أن الأصل في دعوى انقطاع الإستثناء في الحديث - على ما يظهر من التتبع - هو سعد الدين التفتازاني، فإنه قال: وليس الإستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك: إلا النبوة، بل منقطع بمعنى لكن، على ما لا يخفى على أهل العربية، فلا يدل على العموم. كيف؟ ومن منازله الأخوة في النسب ولم تثبت لعلي، اللهم إلا أن يقال إنها بمنزلة المستثنى، لظهور انتفائها (1). وتبعه القوشجي حيث قال: وليس الإستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة، بمنزلة قولك إلا النبوة، بل هو منقطع بمعنى لكن، فلا يدل على العموم، كيف ومن منازله الأخوة

(هامش)

(1) شرح المقاصد 5 / 275. (*)

ص 306

في النسب ولم تثبت لعلي رضي الله تعالى عنه. اللهم إلا أن يقال إنها بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها (1). ومنهما أخذ الكابلي، لكنه أسقط من الكلام قولهما: إلا أن يقال... وهذه عبارته: والإستثناء ليس إخراجا لبعض أفراد المنزلة، بل منقطع بمنزلة غير، وهو غير عزيز في الكتاب والسنة، ولا يدل على العموم، فإن من منازل هارون من موسى الاخوة في النسب، ولم يثبت ذلك لعلي (2). وقلدهم (الدهلوي)... ولكنه لو كان له أقل خبرة بالقواعد العلمية، وأقل ممارسة للكتب الفقهية والأصولية، لما وقع في هذا الوهم الذي وقع فيه غيره... لا يجوز الحمل على الإنقطاع إلا عند تعذر الإتصال وذلك، لأن مما تقرر عند المحققين وتسالموا عليه، عدم جواز حمل الإستثناء على الإنقطاع إلا عند تعذر الإتصال، وإليك نصوص بعض عباراتهم في ذلك: قال ابن الحاجب: الإستثناء في المنقطع قيل: حقيقة، وقيل: مجاز، وعلى الحقيقة قيل: متواطئ، وقيل: مشترك. ولابد لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو في المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه، مثل: ما زاد إلا ما نقص. ولأن المتصل أظهر، لم يحمله علماء الأمصار على المنقطع إلا عند تعذره، ومن ثم قالوا في: له عندي مائة درهم إلا ثوبا، وشبهه: إلا قيمة ثوب (3). وقال عضد الدين الإيجي بشرحه: واعلم أن الحق أن المتصل أظهر، فلا

(هامش)

(1) شرح التجريد: 370. (2) الصواقع الموبقة - مخطوط. (3) المختصر في علم الاصول 2 / 132. (*)

ص 307

يكون مشتركا، ولا للمشترك، بل حقيقة فيه ومجازا في المنقطع، فلذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلا عند تعذر المتصل، حتى عدلوا للحمل على المتصل عن الظاهر وخالفوه، ومن ثم قالوا في قوله: له عندي مائة درهم إلا ثوبا، وله علي إبل إلا شاة معناه: إلا قيمة ثوب أو قيمة شاة، فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متصلا، ولو كان في المنقطع ظاهرا لم يرتكبوا مخالفة ظاهر حذرا عنه . وقال البهاري: أداة الإستثناء مجاز في المنقطع، وقيل حقيقة، فقيل: مشترك، وقيل: متواطئ، أي وضعت لمعنى فيها وضعا واحدا. لنا: إن المتصل أظهر، فلا يتبادر من نحو: جاء القوم إلا إرادة إخراج البعض، فلا يكون مشتركا ولا للمشترك، ومن ثمة لم يحمله علماء الأمصار عليه ما أمكن المتصل ولو بتأويل، فحملوا: له علي ألف إلا كرا على قيمته (1). وقال عبد العزيز البخاري: وقال [الشافعي] في رجل قال: لفلان علي ألف درهم إلا ثوبا: إن الإستثناء صحيح، ويسقط من الألف قدر قيمة الثوب، لأن معناه إلا ثوبا فإنه ليس علي من الألف، لأنه ليس بيانا إلا هكذا. ثم الدليل المعارض - وهو الإستثناء - واجب العمل بقدر الإمكان، إذ لو لم يعمل به صار لغوا، والأصل في كلام العاقل أن لا يكون كذلك، فإن كان المستثنى من جنس المستثنى منه يمكن إثبات المعارضة في عين المستثنى، والإمكان ههنا في أن يجعل نفيا لقدر قيمة الثوب لا لعينه، فيجب العمل به كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - في قول الرجل: لفلان علي ألف إلا كرا حنطة: إنه يصرف إلى قيمة الكر، تصحيحا للإستثناء بقدر الإمكان. قال: ولو كان الكلام عبارة عما وراء المستثنى كما قلتم ينبغي أن يلزمه الألف كاملا، لأن

(هامش)

(1) مسلم الثبوت 1 / 316 هامش المستصفى. (*)

ص 308

مع وجوب الألف عليه نحن نعلم أنه لا كر عليه، فكيف يجعل هذا عبارة عما وراء المستثنى، والكلام لم يتناول المستثنى أصلا، فظهر أن الطريق فيه ما قلنا . ثم قال البخاري في الجواب عن استدلال الشافعي نقلا عن أصحابه: وكذا صحة الإستثناء في قوله: علي ألف إلا ثوبا. ليست مبنية على أن الإستثناء معارضة أيضا، بل هي مبنية على أن الإستثناء المتصل حقيقة، والإستثناء المنقطع مجاز، فمهما أمكن حمل الإستثناء على الحقيقة وجب حمله عليها، إذ الأصل في الكلام هو الحقيقة، ومعلوم أنه لابد في الإستثناء المتصل من المجانسة، فوجب صرف الإستثناء إلى القيمة ليثبت المجانسة ويتحقق الإستخراج كما هو حقيقة، ألا ترى أنه لا يمكن جعله معارضة إلا بهذا الطريق، إذ لا بد من اتحاد المحل أيضا. وإذا وجب رد الثوب إلى القيمة تصحيحا للإستثناء لا ضرورة إلى جعله معارضة، بل يجعل عبارة عما وراء المستثنى (1). وقال البخاري أيضا: قوله: وقوله تعالى: *(إلا الذين تابوا)* إستثناء منقطع. ذهب بعض مشايخنا منهم القاضي الإمام أبو زيد إلى أن هذا إستثناء منقطع، وتقريره من وجهين... وذهب أكثرهم إلى أنه إستثناء متصل، لأن الحمل على الحقيقة واجب مهما أمكن، فجعلوه استثناء حال بدلالة الثنيا، فإنها تقتضي المجانسة، وحملوا الصدر على عموم الأحوال، أي: أضمروا فيه الأحوال فقالوا: التقدير أولئك هم الفاسقون في جميع الأحوال، أي حال المشافهة والغيبة، وحضور القاضي وحضور الناس وغيبتهم، وحال الثبات والإصرار على القذف وحال الرجوع والتوبة... .

(هامش)

(1) كشف الأسرار في شرح البزدوي 3 / 250 - 251. (*)

ص 309

قال: قوله: وكذلك قوله تعالى: *(إلا أن يعفون)* أي: ومثل قوله تعالى: *(إلا الذين تابوا)* قوله عز وجل: *(إلا أن يعفون)*، فإنه استثناء حال أيضا، إذ لا يمكن استخراج العفو الذي هو حالهن عن نصف المفروض حقيقة، لعدم المجانسة، فيحمل الصدر على عموم الأحوال، أي: لهن نصف ما فرضتم، أو عليكم نصف ما فرضتم في جميع الأحوال، أي: في حال الطلب والسكوت، وحال الكبر والصغر، والجنون والإفاقة، إلا في حالة العفو، إذا كانت العافية من أهله، بأن كانت عاقلة بالغة، فكان تكلما بالباقي نظرا إلى عموم الأحوال... . قال: قوله: وكذلك. أي ومثل قوله تعالى: *(إلا أن يعفون)* قوله عليه الصلاة والسلام: إلا سواء بسواء. فإنه استثناء حال أيضا، لأن حمل الكلام على الحقيقة واجب ما أمكن، ولا يمكن استخراج المساواة من الطعام، فيحمل الصدر على عموم الأحوال، فصار كأنه قيل: لا تبيعوا الطعام بالطعام في جميع الأحوال من المفاضلة والمجازفة والمساواة إلا في حالة المساواة، ولا يتحقق هذه الأحوال إلا في الكثير... فإن قيل: لا نسلم أن هذا إستثناء متصل، بل هو إستثناء منقطع، لاستحالة استخراج المساواة التي هي معنى من العين، فيكون معناه: لكن إن جعلتموها سواء فبيعوا أحدهما بالآخر، فيبقى الصدر متناولا للقليل والكثير. وقولكم: العمل بالحقيقة أولى، مسلم، ولكن إذا لم يتضمن بالعمل بها مجازا آخر وقد تضمن ههنا، لأنه لا يمكن حمله على الحقيقة إلا بإضمار الأحوال في صدر الكلام، والإضمار من أبواب المجاز... قلنا: حمل الكلام على الحقيقة واجب، فلا يجوز حمله على المنقطع الذي هو مجاز من غير ضرورة. وقولهم: حمله على الحقيقة يتضمن مجازا آخر. قلنا: قد قام الدليل على هذا المجاز وهو الإضمار، فوجب العمل به. فأما

ص 310

المجاز الذي ذكرتم فلم يقم عليه دليل، فترجحت الحقيقة عليه... فثبت أن حمله على المتصل مع الإضمار أولى من حمله على المنقطع... (1). رجوع إلا أنه لا نبي بعدي إلى الإتصال بوجهين: إذا عرفت أن الأصل في الإستثناء هو الإتصال وهو الحقيقة فيه، وأنه لا يجوز حمله على الإنقطاع إلا عند تعذر الإتصال، فاعلم أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث: إلا أنه لا نبي بعدي يرجع إلى الإستثناء المتصل بوجهين: 1 - الأصل فيه: إلا النبوة لأنه لا نبي بعدي الأول: أن نقول إن الأصل في الحديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة لأنه لا نبي بعدي فحذف لفظ النبوة الذي هو المستثنى في الحقيقة وقامت العلة مقام المعلول... كما حذف لفظ القيمة في الأمثلة المتقدمة في كلمات الأئمة، وأقيم لفظ ثوبا أو شاة أو كرا مقامه. والوجه في حذف لفظ النبوة هو: إيثار الإيجاز، ولا يخفى حسن الإيجاز على العارف بأساليب الكلام والماهر في علم المعاني: قال السكاكي: والعلم في الإيجاز قوله علت كلمته: *(في القصاص حياة)* وإصابته المحز بفضله على ما كان عندهم أوجز كلام في هذا المعنى، وذلك قولهم: القتل أنفى للقتل. ومن الإيجاز قوله تعالى *(هدى للمتقين)* ذهابا إلى أن المعنى: هدى للضالين الصائرين إلى التقوى بعد الضلال، لما أن

(هامش)

(1) كشف الاسرار في شرح أصول البزدوي 3 / 262 - 265. (*)

ص 311

الهدى أي الهداية إنما يكون للضال لا للمهتدي. ووجه حسنه قصد المجاز المستفيض نوعه، وهو وصف الشيء بما يؤول إليه، والتوصل به إلى تصدير أولى الزهراوين بذكر أولياء الله. وقوله: *(فغشيهم من اليم ما غشيهم)* أظهر من أن يخفى حاله في الوجازة، نظرا إلى ما ناب عنه. وكذا قوله: *(ولا ينبئك مثل خبير)*. وانظر إلى الفاء التي تسمى فاء فصيحة في قوله: *(فتوبوا إلى بارئكم)* *(فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم)* كيف أفادت: فامتثلتم فتاب عليكم. وفي قوله: *(فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت)* مفيدة: فضرب فانفجرت. وتأمل قوله: *(فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى)* أليس يفيد فضربوه فحيي فقلنا كذلك يحيى الله الموتى! وقدر صاحب الكشاف رحمه الله أصل قوله: *(ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله)* نظرا إلى الواو في وقالا : ولقد آتينا داود وسليمان علما فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة وقالا الحمد لله. ويحتمل عندي: أنه أخبر تعالى عما صنع بهما وأخبر عما قالا، كأنه قال: نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد، تفويضا استفادة ترتب الحمد على إيتاء العلم إلى فهم السامع، مثله في قم يدعوك بدل قم فإنه يدعوك. وإنه فن من البلاغة لطيف المسلك. ومن أمثلة الإختصار: قوله: *(فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا)* بطي أبحت لكم الغنائم بدلالة فاء التسبيب في فكلوا . وقوله: *(فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم)* بطي إن افتخرتم بقتلهم فلم تقتلوهم أنتم فعدوا عن الإفتخار لدلالة الفاء في فلم. وكذا قوله: *(فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون)* إذ المعنى: إذا كان ذلك فما هي إلا زجرة واحدة. وكذا قوله: *(فالله هو الولي)* تقديره: إن

ص 312

أرادوا وليا بحق فالله هو الولي بالحق لا ولي سواه. وكذا قوله: *(يا عباد الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)* أصله: فإن لم يتأت أن تخلصوا العبادة لي في أرض فإياي في غيرها فاعبدون، أي فاخلصوها في غيرها، فحذف الشرط وعوض عنه تقديم المفعول، مع إرادة الإختصاص بالتقديم. وقوله: *(كلا فاذهبا بآياتنا)* أي: ارتدعا عن خوف قتلهم، فاذهبا أي: فاذهب أنت وأخوك بدلالة كلا على المطوي. وقوله: *(وإذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم)* أصله: إذ يلقون أقلامهم ينظرون، ليعلموا أيهم يكفل مريم لدلالة أيهم على ذاك بوساطة علم النحو. وقوله: *(ليحق الحق ويبطل الباطل)* المراد: ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ما فعل. وكذا قوله: *(ولنجعله آية للناس)* أصل الكلام: ولنجعله آية فعلنا ما فعلنا. وكذا قوله: *(ليدخل الله في رحمته من يشاء)* أي لأجل الإدخال في الرحمة كان الكف ومنع التعذيب. وقوله: *(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا)* إذا لم يفسر الحمل بمنع الأمانة والغدر، وأريد التفسير الثاني وهو تحمل التكليف كان أصل الكلام: وحملها الإنسان ثم خاس به منبها عليه بقوله *(إنه كان ظلوما جهولا)* الذي هو توبيخ للإنسان على ما عليه من الظلم والجهل في الغالب. وقوله: *(أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا)* تتمته ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذفت لدلالة: *(فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء)*... (1). أقول: فالعجب من التفتازاني الإمام في علمي الأصول والبلاغة... كيف يغضي

(هامش)

(1) مفتاح العلوم: 277 - 279. (*)

ص 313

طرفه عن قاعدة وجوب حمل الإستثناء على حقيقته وهو الإتصال، وعدم جواز حمله على المنقطع الذي هو مجاز؟ وعما تقرر لدى علماء الأمصار من إرجاع الإستثناء إلى المتصل ولو بارتكاب الإضمار وصرف الكلام عن ظاهره؟ مع أن هذه القاعدة التي مشى عليها كافة العلماء مذكورة في (المختصر) و(شرح العضدي)، وأن التفتازاني نفسه شرحها وأوضحها في (شرحه على شرح العضدي)!! حيث قال ما نصه: قوله: واعلم أن الحق... إشارة إلى الدليل على كونه مجازا في المنقطع، وذلك لأن المتصل هو المتبادر إلى الفهم، فلا يكون الإستثناء يعني صيغته مشتركا لفظا ولا موضوعا للقدر المشترك بين المتصل والمنقطع، إذ ليس أحد معاني المشترك أو أفراد المتواطي أولى بالظهور والمتبادر عند قطع النظر عن عارض شهرة أو كثرة ملاحظة أو نحو ذلك (1). فالتفتازاني يوافق العضدي في أن الإستثناء حقيقة في المتصل، وأن المتصل مقدم على المنقطع، وأنه يجب حمل الإستثناء على المتصل ولو بارتكاب الإضمار والصرف عن الظاهر... مضافا إلى أنه يمدح كتاب المختصر وشرح العضدي ويصفهما بالأوصاف الجليلة... ففي (كشف الظنون): وشرح العلامة سعد الدين التفتازاني المتوفى سنة 791 أوله: الحمد لله الذي وفقنا للوصول إلى منتهى اصول الشريعة. الخ. قال: إن المختصر يجري من كتب الاصول مجرى الفرات، ومن الكتب الحكمية مثل الدرة من الحصى والواسطة من العقد. الخ. وكذلك شرح العلامة المحقق عضد الدين، وهو يجري من الشروح مجرى العذب الفرات من البحر الاجاج بين عين الحياة، لم ير مثله في زبر الأولين، ولم يسمع

(هامش)

(1) شرح مختصر الاصول 2 / 132. الهامش. (*)

ص 314

بما يوازيه أو يدانيه... (1). وأيضا، فقد نص التفتازاني في (شرح التنقيح) على أن الإستثناء حقيقة في المتصل ومجاز في المنقطع... وهذه عبارته: قوله: مسألة المستثنى إن كان بعض المستثنى منه فالإستثناء متصل وإلا فمنقطع. ولفظ الإستثناء والمستثنى حقيقة عرفية في القسمين على سبيل الإشتراك. وأما صيغة الإستثناء فحقيقة في المتصل ومجاز في المنقطع، لأنها موضوعة للإخراج ولا إخراج في المنقطع، وكلام المصنف رحمه الله محمول على أن الإستثناء أي الصيغة التي يطلق عليها هذا اللفظ مجاز في المنقطع، فإن لفظ الإستثناء يطلق على فعل المتكلم وعلى المستثنى وعلى نفس الصيغة (2). فلماذا ينكرون ما يقررونه إذا احتج به الإمامية؟! 2 - إن إلا أنه لا نبي بعدي محمول على إلا النبوة الثاني: أن نقول: إن إلا أنه لا نبي بعدي محمول على إلا النبوة بقاعدة الحمل على المعنى، والوجه في كون الجملة بمعنى إلا النبوة أنه متى كانت النبوة مطلقا منتفية بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنبوة أمير المؤمنين عليه السلام أيضا بعده منتفية، فيكون إلا النبوة لازم إلا أنه لا نبي بعدي ... فكان قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه لا نبي بعدي من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم... وأما القاعدة المذكورة فمن القواعد المعروفة المشهورة كذلك: قال السيوطي: الحمل على المعنى: قال في الخصائص: إعلم أن هذا

(هامش)

(1) كشف الظنون 2 / 1853. (2) التلويح في كشف حقائق التنقيح، خاتمة الركن الثاني من القسم الأول باب البيان. (*)

ص 315

الشرح غور من العربية بعيد، ومذهب نازح فسيح، وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثورا ومنظوما، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك. فمن تذكير المؤنث قوله تعالى: *(فلما رآى الشمس بازغة قال هذا ربي)* أي هذا الشخص. *(فمن جاءه موعظة من ربه)* لأن الموعظة والوعظ واحد. *(إن رحمة الله قريب من المحسنين)* أراد بالرحمة هنا المطر. ومن تأنيث المذكر قراءة من قرأ: تلتقطه بعض السيارة. وقولهم: ذهبت بعض أصابعه. انث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى، وبعض الأصابع إصبعا... ومن باب الواحد والجماعة قولهم: هو أحسن الصبيان وأجمله. أفرد الضمير لأن هذا موضع يكثر فيه الواحد، كقولك: هو أحسن فتى في الناس... وقال تعالى: *(ومن الشياطين من يغوصون له)* فحمل على المعنى. وقال تعالى: *(من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه)* فأفرد على لفظ من ثم جمع من بعد. والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدا. منه قوله تعالى: *(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه)* ثم قال: *(أو كالذي مر على قرية)* قيل فيه: إنه محمول على المعنى، حتى كأنه قال: أرأيت كالذي حاج إبراهيم، أو كالذي مر على قرية، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك... وكذا قوله: علفتها تبنا وماء باردا. أي: وسقيتها ماء... ومنه باب واسع لطيف ظريف وهو: اتصال الفعل بحرف ليس مما يتعدى به، لأنه في معنى فعل يتعدى به، كقوله تعالى: *(احل لكم ليلة الصيام الرفث إلى

ص 316

نسائكم)* لما كان في معنى الإفضاء عداه بإلى. ومثله قول الفرزدق: قد قتل الله زيادا عني. لأنه في معنى صرفه. وقال الزمخشري: من المحمول على المعنى قولهم: حسبك يتم الناس. ولذا جزم به كما يجزم بالأمر، لأنه بمعنى اكفف. وقولهم: اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه، لأنه بمعنى ليتق الله امرؤ وليفعل خيرا. وقال أبو علي الفارسي في التذكرة: إذا كانوا قد حملوا الكلام في النفي على المعنى دون اللفظ حيث لو حمل على اللفظ لم يؤد إلى اختلال معنى ولا فساد فيه، وذلك نحو قولهم: شر أهر ذا ناب، وشيء جاء بك، وقوله: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي. وقولهم: قل أحد إلا يقول ذاك. وقولهم: نشدتك الله إلا فعلت. وكل هذا محمول على المعنى، ولو حمل على اللفظ لم يؤد إلى فساد والتباس، فأن يحمل على المعنى حيث يؤدي إلى الإلتباس يكون واجبا، فمن ثم نفى سيبويه قوله: مررت بزيد وعمرو، إذا مر بهما مرورين، ما مررت بزيد ولا بعمرو فنفى على المعنى دون اللفظ. وكذلك قوله: ضربت زيدا أو عمرا ما ضربت واحدا منهما، لأنه لو قال: ما ضربت زيدا أو عمرا أمكن أن يظن أن المعنى ما ضربتهما. ولما كان قوله: ما مررت بزيد وعمرو لو نفي على اللفظ لا يمكن أن يكون مرورا واحدا، فنفاه بتكرير الفعل ليتخلص من هذا المعنى، كذلك جمع قوله مررت بزيد أو عمرو ما مررت بواحد منهما، ليتخلص من المعنى الذي ذكرنا (1). قال السيوطي: وقال ابن هشام في المغني: قد يعطى الشيء حكم ما أشبهه في معناه أو في لفظه أو فيهما... (2).

(هامش)

(1) الأشباه والنظائر للسيوطي 2 / 114 - 115. (2) الأشباه والنظائر 2 / 183. (*)

ص 317

وقال نجم الأئمة رضي الدين الإسترابادي: وقد يجري لفظة أبى وما تصرف منها مجرى النفي. قال تعالى: *(فأبى أكثر الناس إلا كفورا)* *(ويأبى الله إلا أن يتم نوره)* والمفرغ لا يجري في الموجب إلا نارا. فعلى هذا يجوز نحو: أبى القوم أن يأتوني إلا زيد. إذ حيث يجوز المفرغ يجوز الإبدال، وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر كما جاء في الشواذ: فشربوا منه إلا قليل، أي لم يطيعوه إلا قليل (1). وقال في: انيخت فألقت بلدة فوق بلدة * قليل بها الأصوات إلا بغامها يجوز في البيت أن يكون الإستثناء وما بعدها بدلا من الأصوات، لأن في قليل معنى النفي كما ذكرنا (2). لا يصح الإستثناء المنقطع في الحديث لعدم شرطه وبعد ملاحظة هذه التصريحات وأمثالها، لا يستبعد العاقل الفاضل جواز حمل قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه لا نبي بعدي على إلا النبوة ... لأن تلك العبارات صريحة في أن الحمل على المعنى من الأساليب اللطيفة الشائعة في كلام العرب. وبغض النظر عن ذلك، فإنه لا يخفى على مهرة كلام العرب وحذاق فنون العربية عدم جواز الإستثناء المنقطع في هذا المقام أصلا... إذ بناء عليه يكون إلا أنه لا نبي بعدي بمعنى إلا عدم النبوة فيكون تقدير الحديث أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا عدم النبوة ... ومن المعلوم أن لا مخالفة لعدم النبوة

(هامش)

(1) شرح الكافية في النحو 1 / 232. (2) شرح الكافية في النحو 1 / 247. (*)

ص 318

مع الحكم السابق أصلا، فلا يكون الإستثناء منقطعا حينئذ، لما تقرر عند أئمة العربية والاصول من اشتراط وجود مخالفة بوجه من الوجوه في صحة الإستثناء المنقطع...: قال ابن الحاجب: ولا بد لصحته من مخالفة في نفي الحكم أو المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه... . وقال العضد الإيجي: واعلم أنه لا بد لصحة الإستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه، وقد يكون بأن ينفى من المستثنى الحكم الذي يثبت للمستثنى منه نحو جاءني القوم إلا حمارا، فقد نفينا المجئ عن الحمار بعد ما أثبتناه للقوم، وقد يكون بأن يكون المستثنى نفسه حكما آخر مخالفا للمستثنى منه بوجه، مثل: ما زاد إلا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالف للزيادة. وكذا: ما نفع إلا ما ضر. ولا يقال: ما جاءني زيد إلا أن الجوهر الفرد حق. إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين. وبالجملة: فإنه مقدر ب‍ لكن فكما تجب فيه مخالفة إما تحقيقا مثل: ما ضربني زيد لكن ضربني عمرو، وإما تقديرا مثل: ما ضربني لكن أكرمني، فكذا هنا (1). إذن، يكون حال: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا عدم النبوة حال: ما جاءني زيد إلا أن الجوهر الفرد حق في عدم الصحة، لعدم مخالفة بوجه من الوجوه بين عدم النبوة وبين ثبوت منزلة هارون لأمير المؤمنين عليهما السلام على تقدير عدم عموم المنزلة... فثبت أن حمل إنه لا نبي بعدي في الكلام النبوي على عدم النبوة، واستثنائه من أنت مني بمنزلة هارون من موسى يخرجه عن الرزانة والمتانة، والعياذ بالله من ذلك...

(هامش)

(1) شرح المختصر للعضدي 2 / 132. (*)

ص 319

فالعجب من التفتازاني دعواه الإنقطاع في الإستثناء في الحديث الشريف، مع وقوفه على ما ذكره العضدي في اعتبار الشرط المذكور في الإنقطاع، وموافقته له في شرحه لكلماته، كما كان منه في مسألة لزوم حمل الإستثناء على الإتصال ولو بالتزام الحذف، حيث وافق العضدي في هذه المسألة، ثم خالف ذلك في شرح المقاصد، في معنى الحديث الشريف!! وإذا كان هذا حال التفتازاني - وهو من أعلام محققي القوم في العربية والأصول - فما ظنك بمثل الكابلي و(الدهلوي)؟! ولا يخفى أن القطب الشيرازي أيضا ينص على اعتبار الشرط المذكور في الإستثناء المنقطع، ويصرح بأن عليه اتفاق الكل، وهذه عبارته: ... وإذا عرفت ذلك، فاعلم أن الكل اتفقوا على أنه لابد لصحته [أي لصحة الإستثناء المنقطع] من مقاربة المتصل في مخالفته، إما في نفي الحكم مثل: ما جاءني زيد إلا عمرو، أو في كون المستثنى حكما آخر له مخالفة بوجه ما مع المستثنى منه مثل: ما زاد إلا ما نقص، وما نفع إلا ما ضر، مثله في لكن لأنها لا تقدر بها. وإلى هذا الإتفاق استروح من ذهب إلى أنه مجاز في المنقطع وقال: لو لم يكن مجازا فيه لم يشترط مقاربته للحقيقة (1). وإلى هنا ظهر: أن حمل الإستثناء إلا أنه لا نبي بعدي على الإستثناء المنقطع، وزعم أن المراد منه استثناء عدم النبوة لا استثناء النبوة... مخالف للإجماع واتفاق العلماء... فما ذكره التفتازاني والقوشجي والكابلي و(الدهلوي) باطل مردود...

(هامش)

(1) شرح مختصر ابن الحاجب - مسائل الإستثناء. (*)

ص 320

الحديث بلفظ إلا النبوة فالحمد لله الذي وفقنا لبيان بطلان دعواهم على أساس القواعد المقررة في الكتب العلمية، وعلى لسان كبار أئمتهم في الاصول وعلوم العربية... وظهر أن الإستثناء في الحديث الشريف متصل، وأنه لا بد من أن يكون متصلا، وأنه لا يصح حمله على الإنقطاع، لوجوب حمل الإستثناء دائما على الإتصال ما أمكن، ولعدم وجود شرط الإستثناء المنقطع في هذا الحديث... فإن كان هناك ريب مما ذكرنا في قلوب أهل الزيغ، فإنا نثبت اتصال هذا الإستثناء من كلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه... ليتضح أن حمل إلا أنه لا نبي بعدي على عدم النبوة دون إلا النبوة رد صريح على من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى!! فإليك ذلك: قال ابن كثير: قال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، ثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها: أن عليا خرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول: أتخلفني مع الخوالف؟! فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة. إسناده صحيح ولم يخرجوه (1). وقال سبط ابن الجوزي: وقد أخرج الإمام أحمد هذا الحديث في كتاب الفضائل الذي صنفه لأمير المؤمنين: أخبرنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود البزار، قال: أنبأ أبو الفضل محمد ابن ناصر السلمي، أنبأ أبو الحسن المبارك بن عبد الجبار الصيرفي، أنبأ أبو

(هامش)

(1) البداية والنهاية 7 / 341. (*)

ص 321

طاهر محمد بن علي بن محمد بن يوسف، أنبأ أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة عن أبي بردة قال: خرج علي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع وهو يبكي ويقول: خلفتني مع الخوالف! ما أحب أن تخرج في وجه إلا وأنا معك. فقال صلى الله عليه وسلم: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة وأنت خليفتي (1). وفي كتاب (المناقب): حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا سليمان بن بلال قال: حدثنا جعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها سعد: إن عليا خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي ويقول: أتخلفني مع الخوالف؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة (2). وقال النسائي: أنبأنا زكريا بن يحيى قال: أنبأنا أبو مصعب عن الدراوردي، عن صفوان، عن سعيد بن المسيب: أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة (3). أخبرني زكريا بن يحيى قال: أنبأنا أبو مصعب، عن الدراوردي، عن هشام بن هاشم، عن سعيد بن المسيب، عن سعد قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، خرج علي يتبعه، فبكى وقال: يا رسول الله أتتركني

(هامش)

(1) تذكرة الخواص: 28. (2) فضائل أمير المؤمنين عليه السلام: 86 رقم 128. (3) الخصائص للنسائي: 68 رقم 46. (*)

ص 322

مع الخوالف؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا علي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة (1). وقال النسائي: أخبرني زكريا بن يحيى قال: أنبأنا أبو مصعب، عن الدراوردي، عن الجعيد، عن عائشة، عن أبيها: إن عليا خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جاء ثنية الوداع يود غزوة تبوك وعلي يشتكي ويقول: أتخلفني مع الخوالف؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة (2). وذكر المولوي ولي الله اللكهنوي حديث المنزلة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، حيث رواه عن البخاري، ثم قال: وأخرج النسائي في الخصائص بطرق متعددة... فرواه عنه عن سعد بن أبي وقاص باللفظ المذكور (3). ورواه الخطيب الخوارزمي بسنده عن جابر فقال: أخبرنا صمصام الأئمة أبو عفان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي بخوارزم قال: أخبرنا عماد الدين أبو بكر محمد بن الحسن النسفي قال: حدثنا أبو القاسم ميمون بن علي الميموني قال: حدثنا الشيخ أبو محمد إسماعيل بن الحسين بن علي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه قال: حدثنا أبو الحسين علي بن الحسن بن عبدة قال: حدثنا إبراهيم بن سلام المكي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن حزام ابن عثمان، عن ابني جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن مضطجعون في المسجد

(هامش)

(1) الخصائص للنسائي: 69 رقم 47. (2) الخصائص للنسائي: 74 رقم 55. (3) مرآة المؤمنين - مخطوط. (*)

ص 323

- وفي يده عسيب رطب - فقال: ترقدون في المسجد!! فقلنا: أجفلنا وأجفل علي معنا. فقال النبي عليه السلام: تعال يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة!! والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه رجالا كما يذاد البعير الضال عن الماء، بعصا لك من عوسج، كأني أنظر إلى مقامك من حوضي (1). ورواه ابن عساكر بإسناده عن حزام بن عثمان... باللفظ المذكور... (2) أقول: ففي هذا الحديث الذي رواه أحمد والنسائي والخوارزمي وسبط ابن الجوزي وابن كثير إلا النبوة بدلا عن إلا أنه لا نبي بعدي وقد نص ابن كثير على صحته... فظهر: أن المراد من إلا أنه لا نبي بعدي أينما ورد هو إلا النبوة ... فالإستثناء متصل وليس بمنقطع... وتبين أن (الدهلوي) و(الكابلي) ومن ماثلهما بمعزل عن الفحص والتحقيق والتتبع في الكتب وطرق الأحاديث وألفاظها... وأنهم يتكلمون حسبما تمليه عليهم هواجسهم النفسانية، ودواعيهم الظلمانية، وتعصباتهم الشيطانية، ضد أمير المؤمنين وفضائله ومناقبه!! ومع ذلك يدعون جهل الإمامية وقصورهم عن فهم حقائق الأحاديث النبوية...!! وظهر سقوط قول التفتازاني ومن تبعه من أنه ليس الإستثناء المذكور

(هامش)

(1) المناقب الخوارزمي: 109 رقم 116. (2) تاريخ دمشق 42 / 139. (*)

ص 324

إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك إلا النبوة !! لأنهم قد أنكروا لفظا ورد في أحاديث عديدة نص بعض أكابر حفاظهم على صحتها... تنصيص العلماء على اتصال الإستثناء في الحديث وكما ثبت - ولله الحمد - بطلان دعوى انقطاع الإستثناء، حسب الأحاديث العديدة المعتبرة، الصريحة في كون المستثنى هو النبوة وأن إلا أنه لا نبي بعدي بمنزلة إلا النبوة ... كذلك يثبت بطلانها على ضوء كلمات المحققين الكبار من أهل السنة: يقول الشيخ محمد بن طلحة الشافعي: فتلخيص منزلة هارون من موسى أنه كان أخاه ووزيره وعضده وشريكه في النبوة، وخليفته على قومه عند سفره، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا منه بهذه المنزلة، وأثبتها له إلا النبوة فإنه صلى الله عليه وسلم استثناها في آخر الحديث بقوله: غير أنه لا نبي بعدي . فبقي ما عدا النبوة المستثناة ثابتا لعلي، من كونه أخاه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك. وهذه من المعارج الشراف ومدارج الإزلاف، فقد دل الحديث بمنطوقه ومفهومه على ثبوت هذه المزية العلية لعلي. وهو حديث متفق على صحته (1). فانظر إلى قوله: وقد جعل رسول الله عليا بهذه المنزلة وأثبتها له إلا النبوة ثم أعاد الضمير في إستثناها إلى النبوة ، وأن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: غير أنه لا نبي بعدي إستثناء للنبوة لا عدم النبوة، ثم أكد في آخر كلامه ما ذكره أولا إذ قال: فبقي ما عدا النبوة المستثناة ثابتا لعلي .

(هامش)

(1) مطالب السؤول 1 / 53 و54. (*)

ص 325

ويقول الشيخ نور الدين ابن الصباغ المالكي: ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي، فلا بد أولا من كشف سر المنزلة التي لهارون من موسى، وذلك إن القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نطق بأن موسى عليه السلام سأل ربه عز وجل فقال: *(واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري)* وإن الله عز وجل أجابه إلى مسئوله، وأجناه من شجرة دعائه ثمرة سؤله فقال عز من قائل: *(قد أوتيت سؤلك يا موسى)* وقال عز وجل: *(ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا)* وقال الله: *(سنشد عضدك بأخيك)*. فظهر: أن منزلة هارون من موسى عليه السلام منزلة الوزير... فتلخيص منزلة هارون من موسى صلوات الله عليهما: أنه كان أخاه ووزيره وعضده في النبوة، وخليفته على قومه عند سفره. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا منه بهذه المنزلة إلا النبوة ، فإنه صلى الله عليه وسلم إستثناها بقوله: غير أنه لا نبي بعدي . فعلي أخوه ووزيره وعضده وخليفته على أهله عند سفره إلى تبوك (1). ويقول محمد بن إسماعيل الأمير: ولا يخفى: أن هذه منزلة شريفة ورتبة علية منيفة، فإنه قد كان هارون عضد موسى الذي شد الله به أزره، ووزيره وخليفته على قومه، حين ذهب لمناجاة ربه. وبالجملة: لم يكن أحد من موسى عليه السلام بمنزلة هارون عليه السلام، وهو الذي سأل الله تعالى أن يشد به أزره ويشركه في أمره، كما سأل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أسماء بنت عميس، وأجاب الله نبيه موسى عليه السلام بقوله: *(سنشد

(هامش)

(1) الفصول المهمة: 43 - 44. (*)

ص 326

عضدك بأخيك)* الآية، كما أجاب نبينا صلى الله عليه وسلم بإرساله جبرئيل عليه السلام بإجابته كما في حديث أسماء بنت عميس. فقد شابه الوصي عليه السلام هارون في سؤال النبيين الكريمين عليهما السلام، وفي إجابة الرب سبحانه وتعالى، وتم التشبيه بتنزيله منه صلى الله عليه وسلم منزلة هارون من الكليم، ولم يستثن سوى النبوة لختم الله بابها برسوله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء. وهذه فضيلة اختص الله تعالى بها ورسوله الوصي عليه السلام، لما يشاركه فيها أحد غيره (1). إتصال الإستثناء في كلام شراح الحديث بل إن كلمات أعلام المحققين من شراح الحديث، ظاهرة في أن هذا الإستثناء عندهم متصل لا منقطع: يقول الطيبي: معنى الحديث: أنت متصل بي، نازل مني بمنزلة هارون من موسى. وفيه تشبيه مبهم بينه بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي. فعرف أن الإتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوة، بل من جهة ما دونها وهو الخلافة (2). أقول: فلو كان قوله: إلا أنه لا نبي بعدي إستثناء منقطعا، لم يكن مبينا للإجمال ورافعا للإبهام، لوضوح أن الإستثناء المنقطع لا علاقة له بما قبله... فالإستثناء متصل، ولذا كان بيانا للتشبيه المبهم...

(هامش)

(1) الروضة الندية في شرح التحفة العلوية: 54. (2) شرح المصابيح - باب مناقب علي من كتاب المناقب - مخطوط. (*)

ص 327

وقول الطيبي: فعرف أن الإتصال... صريح في أن هذا الإستثناء بيان لمعنى الإتصال المذكور، ولولا اتصال الإستثناء لما تم البيان... وأيضا قوله: بل من جهة ما دونها وهو الخلافة صريح في أن الإستثناء إنما هو لحصر الإتصال المذكور في الخلافة، ولا ريب في أن الإستثناء إذا كان منقطعا لم يكن للحصر المذكور وجه أبدا. ويقول الشمس العلقمي: وفيه تشبيه. ووجه التشبيه مبهم، لم يفهم أنه رضي الله عنه فيما شبهه به، فبين بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي أن اتصاله به ليس من جهة النبوة، فبقي الإتصال من جهة الخلافة، لأنها تلي النبوة في المرتبة... (1). وهذه العبارة تفيد ما ذكرناه كما تقدم... ويقول القسطلاني: وبين بقوله: إلا أنه ليس نبي بعدي. وفي نسخة: لا نبي بعدي. أن اتصاله به ليس من جهة النبوة، فبقي الإتصال من جهة الخلافة (2). وهذا واضح الدلالة على اتصال الإستثناء بالتقريب المذكور... ويقول المناوي: علي مني بمنزلة هارون من أخيه موسى. يعني: متصل بي ونازل مني بمنزلة هارون من أخيه، حين خلفه في قومه، إلا أنه لا نبي بعدي، ينزل بشرع ناسخ. نفى الإتصال به من جهة النبوة. فبقي من جهة الخلافة، لأنها تليها في الرتبة... (3).

(هامش)

(1) الكوكب المنير في شرح الجامع الصغير - مخطوط - حرف العين. (2) ارشاد الساري 6 / 451. (3) التيسير في شرح الجامع الصغير - حرف العين. (*)

ص 328

ويقول العزيزي بشرحه كذلك: ... نفى الإتصال به من جهة النبوة، فبقي الإتصال من جهة الخلافة... (1). إتصال الإستثناء في كلام والد الدهلوي وتلميذه وقد لا يكتفي أولياء (الدهلوي) والمتعصبون بما ذكرنا، حتى نأتي لهم بشواهد من كلمات والده، وبعض أصحاب والده، وتلميذ (الدهلوي) نفسه... فلنذكر هذه الكلمات علهم ينتهوا عما يقولون ويذعنوا بالحق ويخضعوا للحقيقة: قال ولي الله الدهلوي: ومنها: حديث المنزلة، ومدلوله هو التشبيه بهارون واستثناء النبوة. يعني إن هارون اجتمعت فيه ثلاث خصال: كونه من أهل بيت موسى، وكونه خليفة له عند خروجه إلى جانب الطور، وكونه نبيا. والمرتضى كان من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان خليفته على المدينة في غزوة تبوك، ولم يكن نبيا. وما أطال فيه المتكلمون في عد المنازل، فلا يوافق المعقول والمنقول (2). فهذه عبارة والد الدهلوي... فما الذي حمل (الدهلوي) على مخالفة والده ومتابعة التفتازاني وغيره، غير التعصب والعناد؟!... وعلى ما ذكره ولي الله مشى تلميذه القاضي سناء الله حيث قال: وعلى تقدير الشمول نقول: إن منزلة هارون كانت منحصرة في أمرين،

(هامش)

(1) السراج المنير في شرح الجامع الصغير - حرف العين. (2) قرة العينين في تفضيل الشيخين. القسم الثاني من المسلك الثالث. (*)

ص 329

الإستخلاف مدة غيبته، لأنه استثنى النبوة، فلم يبق إلا الإستخلاف مدة الغيبة (1). وهذا صريح كذلك في كون الإستثناء متصلا، وأن المستثنى هو النبوة لا عدم النبوة . والطريف: أن تلميذ (الدهلوي) يتبع ولي الله وسناء الله، ويخالف شيخه (الدهلوي)... ذاك هو الفاضل الرشيد الدهلوي، فإنه يقول: وخرج السيد المحقق - قدس سره - في حاشية المشكاة بشرح حديث المنزلة أن قوله: أنت مني بمنزلة هارون من موسى تشبيه مبهم، ويبينه الإستثناء: إلا أنه لا نبي بعدي. يعني: إن عليا المرتضى متصل برسول الله في جميع الفضائل عدا النبوة. وهذه عبارته قدس سره: يعني أنت متصل بي ونازل مني بمنزلة هارون من موسى. وفيه تشبيه، ووجه الشبه مبهم، لم يفهم أنه رضي الله عنه بما شبهه صلوات الله عليه وسلم، فبين بقوله: إلا أنه لا نبي بعدي أن اتصاله ليس من جهة النبوة. انتهى ما أردنا نقله. وعلى هذا التقدير لا يكون الإستثناء إلا أنه لا نبي بعدي لدفع شبه، بل لتفسير المبهم (2). إتصال الإستثناء في كلام الكابلي فثبتت - والحمد لله - أن الإستثناء في الحديث متصل لا منقطع... وبه صرح: ابن طلحة، وابن الصباغ، والأمير، والطيبي، والشريف الجرجاني، والقسطلاني، والمناوي، والعلقمي، والعزيزي، وولي الله، وثناء الله، والرشيد الدهلوي...

(هامش)

(1) السيف المسلول - مبحث حديث المنزلة. (2) إيضاح لطافة المقال - مخطوط. (*)

ص 330

وهل يكفي هذا المقدار لإفحام المتعصبين وإسكات المكابرين؟

... وهل يكفي هذا المقدار لاعتراف أولياء (الدهلوي) بتعصبه الباطل بمتابعته للمبطلين، وعناده للحق الذي أذعن به أبوه وتلميذه؟ فإن لم يكن كافيا فلنورد عبارة الكابلي، التي نص فيها بما هو الحق وصرح فيها بالحقيقة... فقال: ... ولأن منزلة هارون من موسى كانت منحصرة في أمرين: الإستخلاف مدة غيبته، وشركته في النبوة، ولما استثنى منهما الثانية بقيت الاولى... (1). فلماذا خالف (الدهلوي) الكابلي في هذا الموضع، وكتابه (التحفة) منتحل من (الصواقع) كما هو معلوم؟! وهذه العبارة من الكابلي كافية للرد على الكابلي نفسه، فإنها تناقض ما ادعاه في صدرها وتدفعه، وإليك عبارته كاملة: والإستثناء ليس إخراجا لبعض أفراد المنزلة، بل منقطع بمنزلة غير، وهو غير عزيز في الكتاب والسنة، ولا يدل على العموم، فإن من منازل هارون من موسى الاخوة في النسب، ولم يثبت ذلك لعلي. وقوله: اخلفني في قومي لا عموم له، إذ ليس في اللفظ ما يدل على الشمول. ولأن منزلة هارون من موسى كانت منحصرة في أمرين: الإستخلاف مدة غيبته وشركته في النبوة. ولما استثنى منهما الثانية بقيت الأولى . فقوله: ولما استثنى... دليل قطعي على كون الإستثناء متصلا، إذ لا يمكن استثناء النبوة إلا بأن يكون إلا أنه لا نبي بعدي في حكم إلا النبوة ، وإذا كان كذلك كان الإستثناء متصلا بالضرورة، وبطل قوله: بل منقطع .

(هامش)

(1) الصواقع الموبقة - مخطوط. (*)

ص 331

قوله: وأما معنى فلأن من منازل هارون كونه أكبر سنا، ومنها: كونه أفصح لسانا من موسى، ومنها: كونه شريكا له في النبوة، ومنها: كونه أخا له في النسب. وهذه المنازل غير ثابتة لعلي إجماعا . رد التمسك بانتفاء الأخوة النسبية لاثبات الانقطاع أقول: أولا: إن الأصل في هذا الكلام هو التفتازاني، ومنه أخذ القوشجي... وأورده الكابلي... ومنه أخذ (الدهلوي)... لكن (الدهلوي) وشيخه حرفا كلام التفتازاني والقوشجي... لأنهما أخذا منهما الإشكال وتمسكا به، وأسقطا من كلامهما ما ذكراه في الجواب عن الإشكال... وهذا نص عبارة التفتازاني: ليس الإستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك: إلا النبوة، بل هو منقطع بمعنى لكن، فلا يدل على العموم كما لا يخفى على أهل العربية. كيف؟ ومن منازله الأخوة في النسب ولم تثبت لعلي رضي الله عنه. اللهم إلا أن يقال إنها بمنزلة المستثنى، لظهور انتفائها (1). ونص عبارة القوشجي: وليس الإستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك: إلا النبوة، بل منقطع بمعنى لكن. فلا يدل على العموم. كيف؟ ومن منازله الأخوة

(هامش)

(1) شرح المقاصد 5 / 275. (*)

ص 332

في النسب ولم تثبت لعلي رضي الله عنه. اللهم إلا أن يقال: إنها بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها (1). فانظر إلى عبارة الكابلي: والإستثناء ليس إخراجا لبعض أفراد المنزلة، بل منقطع بمنزلة غير، وهو غير عزيز في الكتاب والسنة، ولا يدل على العموم، فإن من منازل هارون من موسى الاخوة في النسب، ولم يثبت ذلك لعلي (2). وإذا كان هذا حال الكابلي، فما ظنك (بالدهلوي) الذي دأب على استراق هفوات الكابلي؟!... نعم، إنهم يرتكبون هذه التحريفات الشنيعة حتى في كلمات أئمتهم، بغية الرد على الحق وأهله... لكنهم خائبون خاسرون... وثانيا: قال القاضي عضد الدين في الجواب عن حديث المنزلة: الجواب منع صحة الحديث، بل المراد استخلافه على قومه في قوله: *(اخلفني في قومي)* لا استخلافه على المدينة. ولا يلزم دوامه بعد وفاته، ولا يكون عدم دوامه عزلا له، ولا عزله إذا انتقل إلى مرتبة أعلى - وهو الإستقلال بالنبوة - منفرا. كيف؟ والظاهر متروك، لأن من منازل هارون كونه أخا ونبيا (3). أقول: لقد ترك القاضي الإيجي ظاهر الحديث، لأن من منازل هارون كونه أخا

(هامش)

(1) شرح التجريد: 370. (2) الصواقع الموبقة - مخطوط. (3) المواقف في علم الكلام: 406. (*)

ص 333

ونبيا، وفي هذا دلالة صريحة على أن ظاهر الحديث عموم المنازل، لكن القاضي ترك هذا الظاهر بسبب انتفاء الاخوة النسبية والنبوة، وهذا صريح في إبطال توهم دلالة انتفاء الاخوة والنبوة على انقطاع الإستثناء الذي زعمه (الدهلوي). لأن انتفاء ذلك إن كان دالا على الإنقطاع، لم يكن ظاهر الحديث عموم المنازل، ولم يكن انتفاء الاخوة والنبوة سببا لترك الظاهر، فإن سببية الأمرين لترك الظاهر دليل على تحقق هذا الترك، والترك دليل على تحقق الظاهر، وتحققه ينافي دعوى انقطاع الإستثناء بالضرورة. فثبت من اعتراف القاضي الإيجي اتصال الإستثناء في الحديث، وأن لفظ المنزلة فيه يدل على عموم المنزلة، وخروج بعض المنازل لا ينافي اتصال الإستثناء والدلالة على عموم المنزلة، بل غاية الأمر - بزعم القاضي - دلالة خروج الاخوة والنبوة على أنه عام مخصوص... وسيأتي جواب هذا الزعم فيما بعد إن شاء الله تعالى. وثالثا: قال الشريف الجرجاني بشرح قول العضد: كيف والظاهر متروك ما نصه: أي وإن فرض أن الحديث يعم المنازل كان عاما مخصوصا، لأن من منازل هارون كونه أخا نسبيا ونبيا... (1). يفيد هذا الكلام - وإن اشتمل على تأويل في عبارة العضد بصرف كلمة الظاهر متروك عما تدل عليه جزما، وإرجاعها إلى الفرض - أن مراد صاحب (المواقف) من الظاهر ظهور دلالة الحديث على عموم المنازل... فيبطل مزعوم (الدهلوي).

(هامش)

(1) شرح المواقف 8 / 363. (*)

ص 334

رد التمسك بانتفاء النبوة لإثبات الإنقطاع

 وأما التمسك - بانتفاء شركة أمير المؤمنين عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النبوة - لإثبات إنقطاع الإستثناء، فمن غرائب الإستدلالات... أما أولا: فلأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: إلا أنه لا نبي بعدي المروي في الصحيحين وغيرهما، دليل على نفي النبوة عن أمير المؤمنين عليه السلام... وقال أبو شكور السلمي: وأما من قال: إن عليا كان شريكا في النبوة، احتجوا بقوله عليه السلام حيث قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. ثم هارون كان نبيا، فكذلك علي وجب أن يكون نبيا. الجواب: قلنا: إن تمام الخبر إلى أن قال: إلا أنه لا نبي بعدي. وأما قوله: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى. أراد به القرابة والخلافة غير النبوة (1). وإذا كان إستثناء النبوة موجودا في نفس الحديث، لم يحسن القدح في دلالته على عموم المنازل بانتفاء النبوة، فإن هذا لا يصدر من عاقل فضلا عن عالم... إنه نظير أن يقال بعدم دلالة جاءني القوم إلا زيد على العموم لخروج زيد... وهل ذلك إلا سفسطة!! فالعجب من (الدهلوي)، يحمل استثناء النبوة الصريح في الدلالة على العموم على الإستثناء المنقطع... خلافا للأحاديث الصريحة المذكور فيها لفظ إلا النبوة ، وشقاقا لإفادات أكابرهم الأعيان ووالده البارع في هذا الشان...

(هامش)

(1) التمهيد في بيان التوحيد، الباب الحادي عشر، القول الثاني: في خلافة أبي بكر. (*)

ص 335

ثم يزيد على ذلك دعوى دلالة عدم نبوة أمير المؤمنين على عدم عموم المنازل في الحديث!! وأما ثانيا: فلأن هذا التمسك ينافي كلمات أكابر أئمة قومه... وذلك: لأن القاضي عضد الدين - بعد أن اعترف بظهور الحديث في العموم - قال: الظاهر متروك، لأن من منازل هارون كونه أخا ونبيا أي: وكلا الأمرين منتفيان في أمير المؤمنين عليه السلام، فالعموم منتف... لكن تمسكه بالأمرين لنفي العموم مندفع بتصريحات كبار الأئمة المحققين... أما الأول - وهو انتفاء الأخوة النسبية - فقد عرفت جوابه من كلمات التفتازاني والقوشجي... وأما الثاني وهو انتفاء النبوة، فجوابه ظاهر من عبارة الشريف الجرجاني حيث قال بشرحه: كيف؟ والظاهر متروك. أي: وإن فرض أن الحديث يعم المنازل، كان عاما مخصوصا، لأن من منازل هارون كونه أخا نسبيا ونبيا، والعام المخصوص ليس حجة في الباقي أو حجيته ضعيفة، ولو ترك قوله نبيا لكان أولى (1). أقول: أي: إن قول العضد نبيا في غير محله... ووجه ذلك: إنه لما كان استثناء النبوة موجودا في نص الحديث، فلا يلزم من انتفاء النبوة عن أمير المؤمنين عليه السلام تخصيص في المستثنى منه العام، بل يبقى المستثنى منه على عمومه، كما هو معلوم لدى أهل العلم... فظهر سقوط تمسك (الدهلوي) بانتفاء الأخوة النسبية من كلام التفتازاني

(هامش)

(1) شرح المواقف 8 / 363. (*)

ص 336

والقوشجي، وسقوط تمسكه بانتفاء النبوة من كلام الشريف الجرجاني... وهؤلاء أعلام علماء طائفته في مختلف العلوم. وأما ثالثا: ففي جملة من طرق الحديث: إلا أنك لست بنبي رواه: أحمد بن حنبل، والحاكم، والنسائي، وغيرهم... فاستثناء النبوة وانتفاؤها عن أمير المؤمنين عليه السلام موجود بصراحة في ألفاظ الحديث... فأين المخصص لعموم المنزلة؟!

ص 337

رد التمسك بانتفاء الأكبرية والأفصحية لإثبات الإنقطاع

 وأما تمسكه بانتفاء الأكبرية في السن، والأفصحية في اللسان، فأوهن مما تقدم: 1 - على ضوء كلمات العلماء في معنى الحديث (1) إن جوابه ظاهر من كلام القوشجي والتفتازاني أيضا.... لأنه كما كانت الأخوة النسبية في حكم المستثنى لظهور انتفائها غير القادح في عموم المنازل الثابت للمستثنى منه، كذلك انتفاء كبر السن والأفصحية... لا يقدح في العموم، لظهور هذا الإنتفاء وكون الأمرين لذلك في حكم المستثنى... وعلى الجملة، فإن انتفاء هذين الأمرين - كانتفاء الأخوة - غير قادح في عموم المنزلة فضلا عن أن يكون مثبتا لانقطاع الإستثناء... (2) على أن صريح ولي الله الدهلوي هو: إن التنزيل بمنزلة هارون من موسى نوع من التشبيه، والمعتبر في التشبيه هو المشابهة في الأوصاف المشهورة المذكورة على الألسنة... وقد جعلها ثلاثة وهي: الخلافة مدة الغيبة، وكونه من أهل البيت، والنبوة... هكذا قال ولي الله الدهلوي في البحث حول هذا الحديث، وجواب إستدلال الإمامية به (1)... وهو أيضا وجه آخر على بطلان توهم ولده (الدهلوي) دخول الأكبرية في السن والأفصحية في اللسان بل الأخوة

(هامش)

(1) إزالة الخفا - المقصد الأول من المسلك الأول، مبحث حديث المنزلة. (*)

ص 338

النسبية... في منازل هارون عليه السلام... ولو تدبرت في كلام ولي الله الدهلوي وجدته دالا على مطلوب الإمامية... لضرورة كون وجوب الإتباع والإطاعة و العصمة و الأفضلية من أبرز الصفات المشهورة لهارون عليه السلام في الامة الموسوية... فكذلك سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام... في الامة المحمدية... (3) أما القاضي سناء الله تلميذ والد (الدهلوي)، فحصر منازل هارون عليه السلام في أمرين هما: الإستخلاف والنبوة... وقد تقدمت عبارته... فليس الأخوة النسبية ولا الأكبرية في السن ولا الأفصحية في اللسان... من منازل هارون... حتى يكون انتفاؤها عن أمير المؤمنين عليه السلام قادحا في عموم المنزلة... وهذا وجه آخر لسقوط توهم (الدهلوي)... (4) وكما خالف (الدهلوي) والده وتلميذ والده... فقد خالف شيخه المنتحل كتابه... فالكابلي خص منزلة هارون وحصرها في الأمرين: الإستخلاف والنبوة... كما علمت سابقا... فخالفه في هذا المقام، بجعل الأكبرية في السن والاخوة النسبية والأفصحية في اللسان... من المنازل، كما خالفه من قبل، بدعوى أن إلا أنه لا نبي بعدي في حكم إلا عدم النبوة ، مع أن عبارة الكابلي صريحة في أنها بحكم إلا النبوة ... فهذا الموضع أيضا من المواضع التي خالف (الدهلوي) فيها والده وكبار مشايخه وأئمة قومه... وهناك مواضع أخرى سننبه عليها إن شاء الله تعالى...

ص 339

المراد من المنازل الفضائل النفسانية

 (5) إن المراد من المنازل التي أثبتها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهارون عليه السلام، هي الفضائل النفسانية والمقامات المعنوية... فإن عليها - لا على غيرها - مدار التفضيل والتقديم، وبها يحصل القرب عند الله والثواب منه... وهي الملاك والمناط في الإصطفاء للنبوة والخلافة والإمامة... وهي الصفات المختصة بأهل الإيمان، ولا حظ لأهل الكفر بشيء منها... وأما الاخوة النسبية، والأكبرية في السن، والأفصحية في اللسان، وأمثالها - وإن كانت فضائل - فلا تقتضي التقدم والترجيح، وليست المعيار في الإصطفاء للنبوة والإمامة... وإن هذا المطلب الذي ذكرناه من الوضوح بمكان... وهو المتبادر من الأحاديث والأخبار الواردة في هذا الشأن... وقد تعرض له والد (الدهلوي) وشرحه، وأقام عليه الدليل والبرهان... في كتابه (ازالة الخفا) فراجعه (1). وهذا الموضع أيضا من المواضع التي خالف فيها (الدهلوي) أباه... على ضوء ما قاله علماء الأدب في أحكام الإستثناء (6) وإنه يندفع التمسك بانتفاء الأخوة والأكبرية والأفصحية... لإثبات انقطاع الإستثناء في الحديث الشريف... بما قرره المحققون من النحاة وعلماء البلاغة والاصول من أحكام الإستثناء... ونحن نستشهد هنا ببعض الكلمات، ونبين وجه اندفاع تلك التمسكات: قال ابن الحاجب بشرح قول الزمخشري: وإذا قلت: ما مررت بأحد إلا

(هامش)

(1) إزالة الخفا - المقصد الأول من المسلك الأول، مبحث حديث المنزلة. (*)

ص 340

زيد خير منه. فكان ما بعد إلا جملة ابتدائية واقعة صفة لأحد، وإلا لغو في اللفظ، معطية في المعنى فائدتها، جاعلة زيدا خيرا من جميع من مررت بهم قال: هذا راجع إلى الإستثناء المفرغ باعتبار الصفات، لأن التفريغ في الصفات وغيرها. قال الله تعالى: *(وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون)* وحكم الجملة والمفرد واحد في الصحة، فعلى هذا تقول: ما جاء في أحد إلا قائم. وما جاء في أحد إلا أبوه قائم. وكل ذلك مستقيم. فإن قيل: معنى الإستثناء المفرغ نفي الحكم عن كل ما عدا المستثنى. وهذا لا يستقيم في الصفة في: ما جاءني أحد إلا راكب. إذ لم تنف جميع الصفات حتى لا يكون عالما ولا حيا مما لا يستقيم أن ينفك عنه. فالجواب من وجهين: أحدهما: إن الصفات لا ينتفي منها إلا ما يمكن انتفاؤه مما يضاد المثبت، لأنه قد علم أن جميع الصفات لا يصح انتفاؤها، وإنما الغرض نفي ما يضاد المذكور بعد إلا. ولما كان ذلك معلوما اغتفر استعماله بلفظ النفي والإثبات المفيد للحصر. الثاني: أن يقال: إن هذا الكلام يرد جوابا لمن ينفي تلك الصفة، فيجاب على قصد المبالغة والرد جوابا لمن يناقض ما قاله، لغرض إظهار إثبات تلك الصفة ووضوحها وإظهارها دون غيرها (1). أقول: ونحن نقول في هذا المقام - كما قال ابن الحاجب في الجواب الأول - إن الغرض من إثبات عموم المنزلة إثبات المنازل الممكن إثباتها، ولما كان معلوما عدم إمكان إثبات الأفصحية والأكبرية والاخوة النسبية، لم يضر خروج هذه

(هامش)

(1) شرح المفصل، فصل المنصوب على الاستثناء من مباحث المنصوبات. (*)

ص 341

الصفات بعموم المنزلة. ونقول - كما قال في الجواب الثاني -: إن خروج هذه الصفات الثلاثة غير قادح في العموم، إذ الغرض من هذه المنازل العامة منزلة الخلافة وافتراض الطاعة والعصمة والأفضلية، ولما كان الغرض إثبات هذه الصفات ووضوحها وإظهارها دون غيرها، لم يضر انتفاء الأفصحية والأكبرية والاخوة النسبية بعموم المنزلة... وقال الجامي بشرح الكافية: ويعرب أي المستثنى على حسب العوامل، أي بما يقتضيه العامل من الرفع والنصب والجر، إذا كان المستثنى منه غير مذكور، ويختص ذلك المستثنى باسم المفرغ، لأنه فرغ له العامل عن المستثنى منه، فالمراد بالمفرغ المفرغ له، كما يراد بالمشترك المشترك فيه. وهو أي والحال أن المستثنى واقع في غير الكلام الموجب، واشترط ذلك ليفيد فائدة صحيحة مثل: ما ضربني إلا زيد، إذ يصح أن لا يضرب المتكلم أحد إلا زيد، بخلاف: ضربني إلا زيد، إذ لا يصح أن يضرب كل أحد المتكلم إلا زيد، إلا أن يستقيم المعنى، بأن يكون الحكم مما يصح أن يثبت على سبيل العموم، نحو قولك: كل حيوان يحرك فكه الأسفل عند المضغ إلا التمساح، أو يكون هناك قرينة دالة على أن المراد بالمستثنى منه بعض معين يدخل فيه المستثنى قطعا، مثل: قرأت إلا يوم كذا، أي أوقعت القراءة كل يوم إلا يوم كذا. لظهور أنه لا يريد المتكلم جميع أيام الدنيا بل أيام الاسبوع أو الشهر أو مثل ذلك... (1). أقول: وعليه: فكما لا يضر خروج بعض الأيام بصحة قولك: قرأت إلا يوم كذا،

(هامش)

(1) الفوائد الضيائية: 102 مبحث المستثنى. (*)

ص 342

وبالعموم الذي يدل عليه المستثنى منه... كذلك لا يضر بعموم المنزلة في الحديث خروج بعض الأفراد غير المتبادرة من المنازل... ولو كان انتفاء بعض المنازل دليلا على انقطاع الإستثناء لزم أن يكون الإستثناء في مثل: قرأت إلا يوم كذا استثناءا منقطعا لا متصلا، لوضوح خروج أيام كثيرة، وهل ذلك إلا أضحوكة؟! وقال ابن الحاجب في (منتهى السئول): والغرض من الإستثناء من الأحكام العامة المقدرة لا من المحكوم هو: إثبات الحكم على التحقيق. وكان أصله إما على معنى المبالغة، كأن قائلا قال: ما زيد عالما، فقيل: ما زيد إلا عالم. وإما على معنى أن ذلك آكدها . وقال أيضا: الإستثناء من الإثبات نفي وبالعكس، خلافا لأبي حنيفة. لنا: النقل. وأيضا: لو لم يكن لم يكن لا إله إلا هو توحيدا. قالوا: لو كان للزم من لا علم إلا بحياة و لا صلاة إلا بطهور ثبوت العلم والصلاة بمجردهما. قلنا: ليس مخرجا من العلم والصلاة، فإن اختار تقدير الصلاة بطهور اطرد، وإن اختار لا صلاة بوجه إلا بذلك فلا يلزم من الشرط المشروط... وإنما الإشكال في النفي الأعم في مثله، وفي مثل: ما زيد إلا قائم. إذ لا يستقيم نفي جميع الصفات المعتبرة. وأجيب بأمرين: أحدهما: إن الغرض المبالغة بذلك. والآخر: إنه آكدها. والقول بأنه منقطع بعيد، لأنه مفرغ، وكل مفرغ متصل لأنه من تمامه (1). أقول: فعلى هذا، يكون عموم المنزلة - مع انتفاء الأفصحية والأكبرية والاخوة

(هامش)

(1) المختصر في علم الاصول - بشرح العضدي 2 / 142. (*)

ص 343

النسبية - بحاله، لأن غيرها آكد، وهو الخلافة وافتراض الطاعة والعصمة والأفضلية، أو لأن الغرض المبالغة... وقال القزويني: القصر حقيقي وغير حقيقي، وكل منهما نوعان: قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف. والأول من الحقيقي نحو: ما زيد إلا كاتب. إذا اريد أنه لا يتصف بغيرها، وهو لا يكاد يوجد، لتعذر الإحاطة بصفات الشيء. والثاني كثير نحو: ما في الدار إلا زيد. وقد يقصد به المبالغة، لعدم الإعتداد بغير المذكور (1). وقد أوضحه التفتازاني في شرحه (المطول) (2). أقول: ولا مانع من تطبيق هذا الذي ذكروه، على الإستثناء في الحديث الشريف... فيبطل شبهة (الدهلوي)... على ضوء حديث: لا تشد الرحال إلا... وما قاله المحدثون (7) أخرج البخاري: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى (3). وأخرجه: مسلم، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة، وأحمد... وغيرهم. ولا ريب في أن الإستثناء في هذا الحديث متصل، لأنه مفرغ، وكل

(هامش)

(1) تلخيص المفتاح. (2) المطول في شرح تلخيص المفتاح: 204 - 205. (3) صحيح البخاري 2 / 76. (*)

ص 344

استثناء مفرغ متصل، كما صرح به ابن الحاجب وغيره... ولا ريب في جواز شد الرحال إلى غير هذه المساجد... ولذا أعضل معنى هذا الحديث على كبار المحققين، ولجأوا إلى تأويله على بعض الوجوه... لئلا يلزم منه حرمة السفر إلى غير تلك المساجد من المساجد والمشاهد... قال ولي الدين أبو زرعة العراقي في (شرح تقريب الأسانيد): ويدل على أنه ليس المراد إلا اختصاص هذه المساجد بفضل الصلاة فيها، وأن ذلك لم يرد في سائر الأسفار: قوله في حديث أبي سعيد المتقدم: لا ينبغي للمصلي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير كذا وكذا. فبين أن المراد شد الرحال إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة، لا كل سفر، والله أعلم . وقد ألف بعض أعلامهم في خصوص تأويل هذا الحديث رسالة خاصة سماها: منتهى المقال في شرح حديث شد الرحال). وتلخص: أن خروج بعض أفراد المستثنى منه بدلالة دليل أو قيام قرينة لا يستلزم الإنقطاع في الإستثناء... 2 - على ضوء قوله تعالى: *(قل لا أجد...)* وما قاله المفسرون (8) قال الله عز وجل: *(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا اهل لغير الله به)*(1). في هذه الآية استثناء، وهو استثناء متصل بلا ريب، والحال أن الأشياء المحرمة غير ما ذكر فيها كثيرة، فكما أن خروج الأشياء الأخرى من تحت

(هامش)

(1) سورة الأنعام: 6، الآية 145. (*)

ص 345

الحكم المستثنى منه - لقيام الأدلة على خروجها - لا يقدح في اتصال الإستثناء، فكذلك فيما نحن فيه. أما أن هناك أشياء أخرى من المطعومات محرمة، فهذا غني عن الدليل والبيان، فإنه مما أجمع عليه أهل الإسلام، وإلا لزم القول بحلية كثير من المحرمات القطعية كالنجاسات غير المذكورة في الآية مثل الخمر والمني، وكالمتنجسات والمستنقذرات، فإنه - وإن قال مالك بحلية الكلب وسائر الحيوانات المحرمة غير الخنزير - لم يخالف أحد في حرمة الخمر وسائر النجاسات... ومن هنا ذكر الرازي تأويلات عديدة لإخراج الخمر وغيره - وإن صحح مذهب مالك في الكلب - وهذا كلامه في تفسير الآية الكريمة: المسألة الثانية: لما بين الله تعالى أن التحريم والتحليل لا يثبت إلا بالوحي قال: *(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه)* أي: على آكل يأكله. وذكر هذا ليظهر أن المراد منه هو بيان ما يحل ويحرم من المأكولات. ثم ذكر أمورا أربعة... وكان هذا مبالغة في بيان أنه لا يحرم إلا هذه الأربعة... فثبت أن الشريعة من أولها إلى آخرها كانت مستقرة على هذا الحكم وعلى هذا الحصر. فإن قال قائل: فيلزمكم في التزام هذا الحصر تحليل النجاسات والمستقذرات، ويلزم عليه أيضا تحليل الخمر. وأيضا: فيلزمكم تحليل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، مع أن الله تعالى حكم بتحريمها. قلنا: هذا لا يلزمنا من وجوه: الأول: إنه تعالى قال في هذه الآية *(أو لحم خنزير فإنه رجس)* ومعناه: إنه تعالى إنما حرم لحم الخنزير لكونه نجسا، فهذا يقتضي أن النجاسة علة لتحريم الأكل، فوجب أن يكون كل نجس فإنه

ص 346

يحرم أكله، وإذا كان هذا مذكورا في الآية كان السؤال ساقطا. والثاني: إنه تعالى قال في آية أخرى: *(ويحرم عليهم الخبائث)* وذلك يقتضي تحريم كل الخبائث، والنجاسات خبائث، فوجب القول بتحريمها. والثالث: إن الامة مجمعة على حرمة تناول النجاسات، فهب أنا التزمنا تخصيص هذه السورة بدلالة النقل المتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم في باب النجاسات، فوجب أن يبقى ما سواها على وفق الأصل، تمسكا بعموم كتاب الله تعالى في الآية المكية والآية المدنية، فهذا أصل مقرر كامل في باب ما يحل ويحرم من المطعومات. وأما الخمر فالجواب عنه: أنها نجسة فتكون من الرجس، فتدخل تحت قوله: *(فإنه رجس)* وتحت قوله: *(ويحرم عليهم الخبائث)* وأيضا: ثبت تخصيصه بالنقل المتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم في تحريمه. وبقوله تعالى: *(فاجتنبوه)* وبقوله: *(وإثمهما أكبر من نفعهما)* والعام المخصوص حجة في غير محل التخصيص، فتبقى هذه الآية فيما عداها حجة. وأما قوله: يلزم تحليل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة. فالجواب عنه من وجوه: أولها: أنها ميتات، فكانت داخلة تحت هذه الآية. وثانيها: أنا نخصص عموم هذه الآية بتلك الآية. وثالثها: أن نقول: إنها إن كانت ميتة دخلت تحت هذه الآية، وإن لم تكن ميتة فنخصصها بتلك الآية (1). أقول: فكما أن أشياء كثيرة غير داخلة في المستثنى منه في الآية الكريمة وأن الآية - مع ذلك - باقية على عمومها فيما عدا تلك الأشياء، كذلك الحديث

(هامش)

(1) تفسير الرازي 13 / 219 - 220. (*)

ص 347

الشريف... خروج بعض الأشياء عن جملة المنازل المثبتة لأمير المؤمنين عليه السلام، قام الدليل من العرف أو النقل على خروجها، لا يوجب بطلان اتصال الإستثناء وعدم عموم الحديث في غير ما أخرجه الدليل... وعلى الجملة، فقد سقط تمسكات (الدهلوي) واستدلالاته على انقطاع الإستثناء في الحديث الشريف... ومن هنا نرى ابن حجر المكي لا يتمسك بتلك الأمور لنفي دلالة لفظ المنزلة على العموم، وإنما يدعي تخصيص هذا العموم على تقدير تسليمه فيقول: سلمنا أن الحديث يعم المنازل كلها، لكنه عام مخصوص، إذ من منازل هارون كونه أخا ونبيا، والعام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة، على الخلاف فيه (1). فانظر إلى الفرق بين الإستدلالين!! لكن ما ذكره ابن حجر المكي، تبعا للقاضي العضد - من جهة انتفاء النبوة - سخيف، وقد أوضح الشريف الجرجاني وهنه، وما ذكره - من جهة انتفاء الاخوة - مندفع بما تقدم من أن المراد بالمنازل هو المنازل المشهورة المعروفة المثبتة للأفضلية الدينية والمختصة بأهل الإيمان، فانتفاء الاخوة النسبية غير مانع عن دلالة لفظ المنزلة على العموم... فالعام غير مخصوص... الرد على ابن حجر في حكم العام المخصوص وما ذكره من أن العام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة فالجواب عنه: إن العام المخصوص حجة بإجماع الصحابة والسلف، وإنكار

(هامش)

(1) الصواعق المحرقة: 73. (*)

ص 348

حجيته مكابرة محضة... نص على ذلك المحققون من أهل السنة: قال عبد العزيز البخاري: قوله: إجماع السلف على الإحتجاج بالعموم. أي: بالعام الذي خص منه، فإن فاطمة إحتجت على أبي بكر رضي الله عنهما في ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم بعموم قوله تعالى: *(يوصيكم الله في أولادكم)* الآية. مع أن الكافر والقاتل وغيرهما خصوا منه، ولم ينكر أحد من الصحابة احتجاجها به مع ظهوره وشهرته، بل عدل أبو بكر في حرمانها إلى الإحتجاج بقوله عليه الصلاة والسلام: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة. وعلي رضي الله عنه احتج على جواز الجمع بين الاختين بملك اليمين بقوله تعالى: *(أو ما ملكت أيمانكم)* وقال: أحلتهما آية مع كون الأخوات والبنات مخصوصة منه. وكان ذلك مشهورا فيما بين الصحابة، ولم يوجد له نكير، وكذا الإحتجاج بالعمومات المخصوص منها مشهور بين الصحابة ومن بعدهم، بحيث يعد إنكاره من المكابرة، فكان إجماعا (1). أقول: ولو كان العام المخصوص غير حجة أو حجة ضعيفة، لزم عدم حجية قوله تعالى: *(الله خالق كل شيء)* أو كونه حجة ضعيفة، لوقوع التخصيص في هذه الآية أيضا. وكذا في قوله عز وجل: *(ولله على الناس حج البيت)*، لأن لفظ الناس عام يتناول الصبيان والمجانين أيضا، وهم خارجون عن المراد قطعا، فيلزم أن تكون هذه الآية كذلك حجة ضعيفة أو لا حجة... وكذا غيرهما من

(هامش)

(1) كشف الأسرار في شرح اصول البزدوي 1 / 628. (*)

ص 349

الآيات الكريمة، وهي كثيرة... وقال البيضاوي في بيان المخصصات من المتصل والمنفصل: والمنفصل ثلاثة: الأول العقل، كقوله: *(الله خالق كل شيء)* والثاني: الحس، مثل *(وأوتيت من كل شيء)* الثالث: الدليل السمعي . قال شارحه الفرغاني: والمخصص للعام المنفصل عنه، وهو ما لا يتعلق به تعلقا لفظيا ثلاثة أقسام: لأن الدليل المنفصل إما سمعي شرعي أو لا. والثاني إما أن يكون عقليا أو حسيا. القسم الأول: وهو ما يكون مخصص العام العقل، وتخصيصه إياه قد يكون بالبداهية كقوله: *(الله خالق كل شيء)* فالشئ عام يتناوله ذاته، ويعلم ضرورة أنه ليس خالقا لذاته، وقد يكون بالنظر كقوله تعالى: *(ولله على الناس حج البيت)* فإن لفظ الناس متناول للصبيان والمجانين، مع أنهم ليسوا المرادين بنظر العقل، لانتفاء شرط التكليف في حقهم وهو الفهم. القسم الثاني: ما يكون مخصص العام الحس، مثل قوله: *(وأوتيت من كل شيء)* فإن الشيء عام يتناول السماء والأرض والشمس والقمر والعرش والكرسي مثلا. والحس يخصصه، إذ يعلم حسا أنها لم تؤت من هذه المذكورات شيئا (1). وقال السيوطي في ذكر أحكام العام المخصوص: وأما المخصوص فأمثلته في القرآن كثيرة جدا، وهي أكثر من المنسوخ، إذ ما من عام فيه إلا وقد خص. ثم المخصص له إما متصل وإما منفصل... والمنفصل آية أخرى في محل آخر، أو حديث، أو إجماع، أو قياس. فمن أمثلة ما خص بالقرآن: قوله تعالى: *(والمطلقات يتربصن بأنفسهن

(هامش)

(1) شرح المنهاج للعبري الفرغاني - الفصل الثالث: في المخصص، من الباب الثالث: في العموم والخصوص - مخطوط. (*)

ص 350

ثلاثة قروء)* خص بقوله: *(إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها)* وبقوله: *(وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن)*... ومن أمثلة ما خص بالحديث: قوله تعالى: *(وأحل الله البيع)* خص منه البيوع الفاسدة - وهي كثيرة - بالسنة... ومن أمثلة ما خص بالإجماع: آية المواريث. خص منه الرقيق، فلا يرث بالإجماع. ذكره مكي. ومن أمثلة ما خص بالقياس: آية الزنا: *(فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة)* خص منها العبد بالقياس على الأمة المنصوصة في قوله: *(فعليهن نصف ما على المحصنات)* المخصص لعموم الآية. ذكره مكي أيضا (1). أقول: فلو صح ما وقع فيه ابن حجر من التوهم، لزم أن تكون هذه الآيات الكثيرة المخصصة حججا ضعيفة أو غير حجة، فيكون استدلال أهل الإسلام بتلك الآيات على المسائل الشرعية والأحكام الدينية المستفادة منها في غاية الوهن. ومعاذ الله من ذلك. قوله: فلو جعلنا الإستثناء متصلا، وحملنا المنزلة على العموم، لزم الكذب في كلام المعصوم .

(هامش)

(1) الإتقان في علوم القرآن 3 / 53 - 55. (*)

ص 351

أقول: قد تبين - ولله الحمد - أن الإستثناء متصل، ولفظ المنزلة محمول على العموم، وأن خروج بعض الأفراد غير المتبادرة غير ضائر... نعم لقد قامت الأدلة السديدة والبراهين العديدة على أن الإستثناء في هذا الحديث الشريف متصل غير منقطع، وأن ذلك صريح رواية أحمد والنسائي وغيرهما من الأعلام، حيث رووا الحديث بلفظ إلا النبوة بدلا عن إلا أنه لا نبي بعدي ... فلو كان (الدهلوي) صادقا في دعوى لزوم الكذب في كلام المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم، فبماذا يجيب عن تلكم الدلائل الكثيرة والبراهين العديدة الباهرة؟ ثم إن استدلال (الدهلوي) بانتفاء كبر السن غيره مما ذكر، على إبطال عموم المنزلة - وإلا لزم الكذب في كلام المعصوم - يشبه تماما احتجاج ولجاج عبد الله بن الزبعرى الكافر، واعتراضه على قوله تعالى: *(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم)*(1)... قال عبد العزيز البخاري في بيان أدلة القائلين بجواز تأخير التخصيص: ومنها قوله تعالى: *(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم)* أي: حطبها. والحصب ما يحصب به، أي يرمى، يقال: حصبتهم السماء، إذا رمتهم بالحصباء، فعل بمعنى مفعول. وهذا عام لحقه خصوص متراخ أيضا، فإنه لما نزل، جاء عبد الله بن الزبعرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، أليس عيسى وعزير والملائكة قد عبدوا من دون الله، أفتراهم يعذبون في النار؟ فأنزل الله تعالى: *(إن الذين سبقت لهم منا الحسنى)* أي السعادة أو التوفيق للطاعة *(أولئك

(هامش)

(1) سورة الأنبياء: 21، الآية 98. (*)

ص 352

عنها)* أي عن النار *(مبعدون)*. فأجاب: بأنا لا نسلم أن في ذلك تخصيصا، إذ لا بد له من دخول المخصوص تحت العموم لولا المخصص، وأولئك لم يدخلوا في هذا العام... لاختصاص ما بما لا يعقل. على أن الخطاب كان لأهل مكة وأنهم كانوا عبدة الأوثان، وما كان فيهم من عبد عيسى والملائكة، فلم يكن الكلام متناولا لهم. ولا يقال: لو لم يدخلوا لما أوردهم ابن الزبعرى نقضا على الآية وهو من الفصحاء، ولرد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يسكت عن تخطئته. لأنا نقول: لعل سؤال ابن الزبعرى كان بناء على ظنه أن ما ظاهرة فيمن يعقل أو مستعملة فيه مجازا، كما استعملت في قوله: *(وما خلق الذكر والانثى)* *(ولا أنتم عابدون ما أعبد)* وقد اتفق على وروده بمعنى الذي المتناول للعقلاء، على أنه أخطأ، لأنها ظاهرة فيما لا يعقل، والأصل في الكلام هو الحقيقة. وأما عدم رد الرسول عليه الصلاة والسلام فغير مسلم، لما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال لابن الزبعرى لما ذكر ما ذكر ردا عليه: ما أجهلك بلغة قومك! أما علمت أن ما لما لا يعقل و من لمن يعقل. هكذا ذكر في شرح أصول الفقه لابن الحاجب (1). وبنفس البيان المذكور لدفع اعتراض ابن الزبعرى، ندفع الإشكال في الإستدلال بالحديث الشريف، ونقول بأن المراد من المنازل هي المنازل المثبتة للفضيلة، والتي ليس لغير أهل الإيمان منها نصيب، ولهذا لم يكن عموم المنزلة شاملا من أول الأمر لكبر السن والأخوة النسبية والأفصحية... فالإعتراض بانتفائها مندفع، كاعتراض ابن الزبعرى الكافر بانتفاء حكم الآية في حق عيسى وعزير والملائكة...

(هامش)

(1) كشف الأسرار في شرح اصول البزدوي 3 / 229 - 230. (*)

 

الصفحة السابقة الصفحة التالية

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار الجزء السابع عشر

فهرسة الكتاب

فهرس الكتب