8 ـ عمير بن ضابئ:

كسر ضلعين من أضلاع الخليفة عثمان بعد مقتله، وقد عده ابن حجر العسقلاني هو وأبيه من الصحابة قال في الإصابة 3: 403 ت 425 في ترجمة ضابئ بن الحارث: ".. له إدراك، وجنى جناية في خلافة عثمان، فحبسه، فجاء ابنه عميرة بن ضابئ فأراد الفتك بعثمان، ثمّ جبن عنه..

لما قتل عثمان وثب عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعين من أضلاعه، فلمّا قدم الحجاج الكوفة أميراً ندب الناس إلى قتال الخوارج، وأمر منادياً فنادى: من أقام بعد ثلاث قتل، فجاءه بعد ثلاثة عمير بن ضابئ، وهو شيخ كبير، فقال: إنّي لا حراك بي ولي ولد أشب منّي فاجزه بدلاً منّي، فأجابه الحجاج لذلك، فقال له عنبسة بن سعيد بن العاص: هذا عمير بن ضابئ القائل كذا، وأنشده الشعر، فأمر به فضرب عنقه وكان الحجاج قال له: ما حملك على ما فعلت بعثمان؟

قال: حبس أبي وهو شيخ كبير!

فقال: هلا بعثت أيّها الشيخ إلى عثمان بديلاً..

قلت: من يكون شيخاً في زمن عثمان، ويكون له ابن شيخ كبير في أوّل ولاية الحجاج يكون له إدراك لا محالة" وارجع إلى ترجمته في المصادر الأُخرى.

9 ـ عمرو بن بديل بن ورقاء:

قال ابن حجر في الإصابة 4: 499 ت 5792: "عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، قال الطبراني: له صحبة، وهو أحد من جاء مصر في أثر عثمان".

وقال الدكتور حسن فرحان المالكي في كتابه نحو إنقاذ التاريخ 148 في معرض كلامه عن الخارجين على عثمان: "كذلك نعرف لابناء بديل بن ورقاء رضي الله عنهم صحبتهم، وهم من الخارجين" أي على عثمان.

وقال الطبري في تاريخه 3: 402: "..وكان أهل مصر الذين ساروا إلى عثمان ستمائة رجل على أربعة الوية، لها رؤوس أربع مع كلّ رجل منهم لواء، وكان اجماع أمرهم جميعاً إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي، من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)..".

وقال ابن شبة النميري في تاريخه 4: 1308: ".. حدثني جهيم قال: أنا شاهد، دخل عليه عمرو بن بديل الخزاعي والتجيبي يطعنه أحدهما بمشقص في أوداجه، وعلاه الآخر بالسيف فقتلاه".

وقال ابن كثير في البداية والنهاية 7: 191: "ونشأ بمصر طائفة من أبناء الصحابة يؤلبون الناس على حربه والانكار عليه، وكان عظم ذلك مسنداً إلى محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن أبي حذيفة، حتّى استنفروا نحواً من ستمائة راكب يذهبون إلى المدينة في صفة معتمرين في شهر رجب لينكروا على عثمان فساروا إليه تحت أربع رفاق وأمر الجميع إلى عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي..".

10 ـ كنانة بن بشر:

قال ابن حجر في الاصابة 5: 486 ت 7517: "كنانة بن بشر بن غياث بن عوف ابن حارثة بن قتيرة... التجيبي.

قال ابن يونس: شهد فتح مصر، وقتل بفلسطين سنة ست وثلاثين، وكان ممّن قتل عثمان، وإنّما ذكرته لأنّ الذهبي ذكر عبد الرحمن بن ملجم لأنّه له ادراكاً، وينبغي أن ينزه عنهما كتاب الصحابة".

وفي عمدة القارئ للعيني 5: 231 قال: ".. وقال ابن وضاح: إمام الفتنة هو عبد الرحمن بن عديس البلوي، وهو الذي جلب على عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ أهل مصر.

وقال ابن الجوزي: وقد صلى كنانة بن بشر أحد رؤوس الخوارج بالناس ـ أيضاً ـ، وكان هؤلاء لما هجموا على المدينة كان عثمان يخرج فيصلي بالناس شهراً، ثُمّ خرج يوماً فحصبوه حتّى وقع على المنبر ولم يستطع الصلاة يومئذ، فصلى بهم أبو إمامة بن سهل بن حنيف فمنعوه، فصلى بهم عبد الرحمن بن عديس تارة، وكنانة بن بشر تارة".

وفي الطبقات الكبرى لابن سعد 3: 73: ".. إنّ محمّد بن أبي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة، وهو يقرأ المصحف، سورة البقرة، فتقدمهم محمّد بن أبي بكر، فأخذ بلحية عثمان، فقال: قد أخزاك الله يا نعثل!

فقال عثمان: لست بنعثل، ولكن عبد الله وأمير المؤمنين.

فقال محمّد: ما أغنى عنك معاوية وفلان؟!

فقال عثمان: يابن أخي، دع عنك لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه!

فقال محمّد: ما أريد بل أشدّ من قبضي على لحيتك!

فقال عثمان: استنصر الله عليك، واستعين به، ثُمّ طعن جبينه بمشقص في يده، ورفع كنانة بن بشر بن عتاب مشاقص كانت في يده فوجأ بها أصل أذن عثمان، فمضت حتّى دخلت في حلقه ثُمّ علاه بالسيف حتّى قتله"

وارجع أيضاً إلى تاريخ ابن عساكر 39: 409، والطبري 3: 423، وتاريخ الإسلام للذهبي 3: 456، والبداية والنهاية لابن كثير 7: 207.

11 ـ جرول أو جرو بن مالك:

قال في الاصابة 1: 580 ت 1132: "جرول أو جرو بن مالك بن عمر بن عويمر.. الأنصاري.

ذكره ابن الكلبي، وأن بسر بن ارطأة هدم دار ولده زرارة بن جرول بالمدينة لما غزاها من قبل معاوية في أواخر خلافة علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ، لأنّه كان ممّن أعان على عثمان ...".

12 ـ محمّد بن أبي حذيفة:

قال ابن حجر في الاصابة 6: 10 ت 7783: "محمّد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة..

ولد بأرض الحبشة، وكان ابوه من السابقين الأولين، وهو مشهور بكنيته..

وذكره الواقدي فيمن كان يكنى أبا القاسم واسمه محمّد من الصحابة واستشهد أبوه أبو حذيفة باليمامة، فضم عثمان محمّداً هذا إليه وربّاه، فلمّا كبر واستخلف عثمان استأذنه في التوجه إلى مصر، فأذن له، فكان من أشدّ الناس تأليباً عليه..

وفي نسخة بن مالك فوثب محمّد بن أبي حذيفة على عقبة فأخرجه من مصر وذلك في شوال، ودعا إلى خلع عثمان، وأسعر البلاد وحرضّ الناس على عثمان.

وأخرج من طريق الليثي عن عبد الكريم بن الحارث الحضرمي: أن أبي حذيفة كان يكتب الكتب على السنة أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الطعن على عثمان، كان يأخذ الرواحل فيحصرها ثُمّ يأخذ الرجال الذين يريد أن يبعث بذلك معهم، فيجعلهم على ظهور بيت في الحر، فيستقبلون بوجوههم الشمس ليلوحهم تلويح المسافر، ثمّ يأمرهم أن يخرجوا إلى طريق المدينة، ثُمّ يرسلوا رسلاً يخبروا بقدومهم، فيأمر بتلقيهم فاذا أتو الناس قالوا لهم: ليس عندنا خبر الخبر في الكتب فيتلقاهم ابن أبي حذيفة ومعه الناس فيقول لهم الرسل: عليكم بالمسجد، فيقرأ عليهم الكتب من أُمهات المؤمنين; إنّا نشكوا إليكم يا أهل الإسلام كذا وكذا من الطعن على عثمان، فيضج أهل المسجد بالبكاء..

وذكر خليفة بن خياط في تاريخه أنّ عليّاً لما ولي الخلافة أقرّ محمّد بن أبي حذيفة على امرة مصر، ثمّ ولاها محمّد بن أبي بكر".

وارجع إلى الاستيعاب لابن عبد البرّ 3: 1369، والطبقات الكبرى لابن سعد 3: 84 ، وتاريخ مدينة دمشق 29: 41، وسير أعلام النبلاء للذهبي 3: 480، والاعلام للزركلي 6: 79، وأنساب الأشراف للبلاذري: 387، وتاريخ الطبري 3: 341، والكامل في التاريخ لابن الاثير 3: 118، وتاريخ الإسلام للذهبي 3: 53، الوافي بالوفيات للصفدي 2: 243.

13 ـ عبد الرحمن بن عديس البلوي:

قال ابن حجر في الاصابة 4: 281 ت 5179: "عبد الرحمن بن عديس.. البلوي.

قال ابن سعد: صحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسمع منه، وشهد فتح مصر، وكان فيمن سار إلى عثمان.

وقال ابن البرقي والبغوي وغيرهما: كان ممّن بايع تحت الشجرة.

وقال ابن يونس: بايع تحت الشجرة، وشهد فتح مصر، واختط بها، وكان من الفرسان، ثمّ كان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان في الفتنة..

كان ابن عديس ممن أخره معاوية في الرهن، فسجنه بفلسطين فهربوا من السجن، فأدرك فارس ابن عديس، فأراد قتله، فقال له ابن عديس: ويحك اتقِ الله في دمي فإنّي من أصحاب الشجرة؟!

قال: الشجر بالجبل كثير فقتله..".

وفي عمدة القارئ للعيني 5: 231: ".. وقال ابن وضاح: إمام الفتنة هو عبد الرحمن بن عديس البلوي، وهو الذي جلب على عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ أهل مصر..".

وارجع إلى الاستيعاب لابن عبد البرّ، وتاريخ مدينة دمشق 12: 253، تاريخ خليفة بن الخياط: 124، الثقات لابن حبان 2: 256، اكمال الاكمال لابن ماكولا 7: 44، أسد الغابة لابن الاثير 3: 309، الاعلام للزركلي 3: 316، تاريخ المدينة لابن شبة 3: 1125، تاريخ الطبري 3: 385، الكامل في التاريخ 3: 161، تاريخ الإسلام للذهبي 3: 438، البداية والنهاية لابن كثير 7: 191، تاريخ ابن خلدون 2: 146 ق1.

14 ـ زاهر بن الاسود بن حجاج بن قيس الاسلمي:

قال ابن حجر في الاصابة 2: 451 ت 2784: "كان من أصحاب الشجرة، وسكن الكوفة..

قال محمّد بن إسحاق كان من أصحاب عمرو بن الحمق يعني لما كان بمصر.."، وذكر نحوه ابن سعد في الطبقات 4: 319، وأسد الغابة لابن الاثير 2: 192، وتهذيب التهذيب لابن حجر 3: 363.

هذه بعض أسماء الصحابة الذين خرجوا على عثمان، وهم من المشاهير المعروفين، وبعضهم ممّن أيد خلافة عثمان بعد موت عمر وأوصله إلى سدة الخلافة، وهو عبد الرحمن بن عوف.

فإذن يثبت من كلام عثمان نفسه، ومن كلمات الصحابة، ومن تراجم بعضهم أنّ الذين ثأروا على الخليفة عثمان هم الصحابة، فألبوا الناس ضده، وحركوا المجتمع الإسلامي عليه سواء المدني أو الكوفي أو المصري، وبعد ذلك اجتمعوا عليه إلى أن اردوه قتيلاً، ونبذ في العراء ثلاثة أيّام يمنعون من دفنه والتقرب إليه حتّى استنجدوا بعلي (عليه السلام) ومن ثمّ أجازوهم دفنه لكن ليس في مقابر المسلمين، بل في (حش كوكب) مقبرة اليهود.

أخرج الطبري في تاريخه 4: 412 عن أبي بشر العابدي قال: "نبذ عثمان (رضي الله عنه)ثلاثة أيّام لا يدفن، ثمّ إنّ حكيم بن حزام القرشي، ثمّ أحد بني أسد بن عبد العزى، وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كلّما علياً في دفنه، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل، وأذن لهم، فلمّا سمعوا بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله، وهم يريدون به حائطاً بالمدينة، يقال له: حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم، فلمّا خرج به على الناس رجموا سريره، وهموا بطرحه، فبلغ ذلك علياً، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفوه عنه، ففعلوا، فانطلق حتّى دفن (رضي الله عنه) في حش كوكب، فلمّا ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتّى أفضى به إلى البقيع، فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتّى اتصل ذلك بمقابر المسلمين".

وقال ابن كثير في البداية والنهاية 7: 135: "كانت مدة حصار عثمان (رضي الله عنه) في داره أربعين يوماً على المشهور، وقيل: كانت بضعاً وأربعين يوماً، وقال الشعبي: كانت ثنتين وعشرين ليلة..

وأما موضع قبره فلا خلاف أنّه دفن في حش كوكب، شرقي البقيع، وقد بنى عليه زمن بني أمية قبة عظيمة، وهي باقية إلى اليوم.

وذكر الواقدي أنه لما وضع ليصلي عليه ـ عند مصلّى الجنائز ـ أراد بعض الأنصار أن يمنعهم من ذلك، فقال أبو جهم بن حذيفة: ادفنوه فقد صلى الله وملائكته، ثمّ قالوا: لا يدفن في البقيع، ادفنوه وراء حائط، فدفنوه شرقي البقيع تحت نخلاً هناك..

وقد اعتنى معاوية في أيّام امارته بقبر عثمان، رفع الجدار بينه وبين البقيع، وأمرّ الناس ان يدفنوا موتاهم حوله حتّى اتصلت بمقابر المسلمين".

وفي الاستيعاب لابي عمر 3: 1047 قال: "لما قتل عثمان (رضي الله عنه) القي على المزبلة ثلاثة أيّام، فلمّا كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلاً فيهم حويطب بن عبد العزى، وحكيم بن حزام، وعبد الله بن الزبير فاحتملوه، فلمّا صاروا به إلى المقبرة ليدفنوه، ناداهم قوم من بني مازن; والله لأن دفنتموه هنا لنخبرن الناس غداً، فاحتملوه، وكان على باب، وإن رأسه على الباب ليقول: طق طق، حتّى صاروا به إلى حش كوكب، فاحتفروا له.."، ومثله في تهذيب الكمال للمزي 19: 457.

ومن شاء فليرجع إلى طبقات ابن سعد 3: 77، أنساب الاشراف 83 ، الكامل لابن الاثير 3: 180، صفة الصفوة 1: 117، السيرة الحلبية 2: 85 ، تاريخ الخميس 2: 565، وفاء الوفاء للسمهودي 2: 99، تاريخ مدينة دمشق 39: 516، أُسد الغابة 1: 75، الاصابة لابن حجر 1: 566، معجم البلدان 2: 262، تاريخ المدينة لابن شبة 1: 112.

أما الصحابة الذين منعوا من دفن عثمان فهم: جبلة بن عمرو بن أوس، أسلم بن بحيرة، أسلم بن أوس الانصاري. انظر ترجمتهم في كتب التراجم كالطبقات والاصابة والاستيعاب وأسد الغابة وغيرها.

قال العلامة الاميني في الغدير 9: 214 بعد ذكر حصر الخليفة عثمان ومقتله وموضع دفنه: "إنّ هاهنا صحيفة غامضة، أقف تجاهها موقف السادر، لا تطاوعني النفس على الركون إلى أيّ من شقي الاحتمال الذين يخالجان في الصدر، وذلك: إنّ ما ارتكب من الخليفة من التضيق عليه، وقتله بتلكم الصورة المشددة، ثمّ ما نيل منه بعد القتل من المنع عن تجهيزه وتغسيله ودفنه والصلاة عليه، والوقيعة فيه بالسباب المقذع، وتحقيره برمي جنازته بالحجارة وكسر اضلاعه، يستدعي اما فسق الصحابة أجمع; فانّهم كانوا بين مباشر لهاتيك الأحوال، وبين خاذل للمودي به، وبين مؤلب عليه، إلى مثبط عنه، إلى راض بما فعلوا، إلى مجند لتلكم الاهوال، وكان يرن في مسامعهم قوله تعالى: (لاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)، وقوله تعالى: (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْس أَوْ فَسَاد فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)، وقوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً).

وما جاء في ذلك من السنة أكثر، وما يؤثر عن نبي العظمة (صلى الله عليه وآله وسلم) من وجوب دفن موتى المؤمنين وتغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم، وإنّ حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّاً، فالقوم إن كانوا متعمدين في مخالفة هذه النصوص فهم فساق، إن لم نقل إنّهم مراق عن الدين بخروجهم على الامام المفترض طاعته.

أو أنّ هذه الأحوال تستدعي انحراف الخليقة عن الطريق المثلى، وأنّ القوم اعتقدوا بخروجه عن مصاديق تلكم الأوامر والنواهي المؤكدة التي تطابق عليها الكتاب والسنّة.

وليس من السهل الهين النجوع إلى أيّ من طرفيّ التهديد.

أمّا الصحابة فكُلّهم عدول عند القوم يركن اليهم ويحتج باقوالهم وأفعالهم، ويوثق بإيمانهم، وقد كهربتهم صحبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخرج درن نفوسهم، وكان في المعمة منهم بقايا العشرة المبشرة كطلحة والزبير، ولطلحة خاصّة فظاظات حول ذلك البلاد، إلى أُناس آخرين من ذوي المآثر نظراء; عمار بن ياسر، ومالك الاشتر، وعبد الله بن بديل، وكان بين ظهرانيهم إمام المسلمين أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وهو المرموق يومئذ للخلافة، وقد انثنت إليه الخناصر، والأُمة أطوع له من الظل لذيه.

افتراه والحالة هذه سكت عن تلكم الفظائع وهو مطل عليها من كثب وهو أعلم الناس بنواميس الشريعة، وأهداهم إلى طريقها المهيع، وهو يعلم أن من المحظور ارتكابها؟ لاها الله.

أو أنه (عليه السلام) أخذ الحياد في ذلك المأزق الحرج، وهو مستبيح للحياد أو لمّا يعلمون به؟ أنا لا أدري.

وليس من المستطاع القول بأنّ معظم الصحابة ما كانوا عالمين بتلكم الوقائع، أو أنّهم ما كانوا يحسبون أنّ الأمر يبلغ ذلك المبلغ، أو أنّهم كانوا غير راضين بهاتيك الأحدوثه، فإنّ الواقعة ما كانت مباغتة ولا غيلة حتّى يعزب عن أحد علمها، فإنّ الحوار استدام أكثر من شهرين، وطيلة هذه المدّة لم يكن طلبهم من الخليفة إلاّ الاقلاع عن أحداثه، أو التنازل عن عرش الخلافة، وكانوا يهددونه بالقتل إن لم يخضع لاحدى الطلبتين، وكانت نعرات القوم في ذلك تتموج بها الفضاء، وعقيرة عثمان في التوبة تارة وعدم التنازل أُخرى، وتخويفهم بمغبات القتل ثالثة تتسرب في فجوات الجو، فلو كان معظم الصحابة منحازين عن ذلك الرأي لكان في وسعهم تفريق الجمع بالقهر أو الموعظة، لكن بالرغم عمّا يزعم عليهم لم يؤثر عن أحد منهم ما يثبت ذلك أو يقرّ به، وما أسلفناه من الأحاديث الجمّة النامة عن معتقدات الصحابة في الخليفة وفي التوثب عليه تفند هذه المزعمة الفارغة، إنّ لم نقل إنّها تثبت ما يعلمه الكُلّ من الاجماع على مقت الخليفة والتصافق على ما نقموا عليه والرضا بما نيل منه، حتّى إنّ احداً لم يرو عنه أنه ساء نداء قاتله حين طاف بالمدينة ثلاثاً قائلاً: أنا قاتل نعثل".

وقال الباحث الإسلامي حسن فرحان المالكي في كتابه نحو انقاذ التاريخ الإسلامي 148 ـ 149: " .. فالخارجون على عثمان أصناف كثيرة وليسوا متفقين في الاهداف (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى)، مع جزمنا بأنّهم على باطل، وأنّ عثمان (رضي الله عنه) على حق، لكن في الوقت نفسه لعبد الرحمن بن عديس البلوي (رضي الله عنه) صحبته وبيعته تحت الشجرة، وهو من الخارجين على عثمان، ونعرف للأشتر مالك بن حارث النخعي حقه وتدينه وندمه وكراهيته لمقتل عثمان، وهو من الخارجين، لكنه أعتزل عنهم آخر الامر، فلم يكن من محاصري عثمان يوم مقتله وقد ندم، كلّ هذا بأسانيد صحيحة وليس هنا مجال ذكرها، كذلك نعرف لابناء بديل بن ورقاء ـ رضي الله عنهم ـ صحبتهم، وهم من الخارجين، ونعرف لعمرو بن الحمق الخزاعي (رضي الله عنه) صحبته وهجرته، وهو من الخارجين.

والعجب فيمن يعذر معاوية في الخروج على علي (رضي الله عنه) ولا يعذر عبد الرحمن بن عديس البلوي في الخروج على عثمان ـ رضي الله عنهما ـ؟! مع أنّ عبد الرحمن بن عديس أفضل من معاوية، فهو من أصحاب بيعة الرضوان الذين شهد لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالجنّة، أما معاوية فلم يكن أسلم يومئذ، ولا عمرو بن العاص، ولا كلّ أهل الشام الذين حاربوا علياً بصفين، فابن عديس خير منهم، جميعاً ومع هذا نجد المؤرخين يتهمون ابن عديس ـ تبعاً لسيف بن عمر ـ بأنّه من السبئية، سبحان الله !! أصحاب رسول الله سبئية؟! أصحاب بيعة الرضوان سبئية؟!".


الصفحة 551

الصفحة 552

الصفحة 553

الصفحة 554

الصفحة 555

الصفحة 556

الصفحة 557

الصفحة 558

الصفحة 559

الصفحة 560

الصفحة 561

الصفحة 562

الصفحة 563

الصفحة 564

الصفحة 565

الصفحة 566

الصفحة 567

سبحان الله، كيف يقال لنا أنه قتل مظلوماً، وأن الذين قتلوه ليسوا مسلمين(1)، وهذه القضية هي الأخرى كقضية فاطمة وأبي بكر، فأمّا أن يكون

____________

1- بل لاحظنا أنّهم يسمونهم خوارج قال في عمدة القارئ 5: 231: "... وقال ابن وضاح إمام الفتنة هو عبد الرحمن بن عديس البلوي.."، وقال البيهقي: "وبلغني عن محمّد بن يحيى الذهلي أنّه قال: عبد الرحمن البلوي هو رأس الفتنة لا يحلّ أن يحدث عنه بشيء..." امتاع الاسماع للمقريزي 13: 209، تاريخ الإسلام 3:532.

وفي تفسير الجلالين 1: 467: ".. وأوّل من كفر به قتلة عثمان (رضي الله عنه)، فصاروا يقتلون بعد أن كانوا إخواناً".

وفي تفسير النسفي 3: 155: "قالوا: أوّل من كفر هذه النعمة قتلة عثمان (رضي الله عنه)..".

وفي شرح سنن ابن ماجه 1: 11: "12 ـ فأراد المنافقون.. الخ فيه دليل على أن قتلة عثمان كانوا منافقين، إما في الإيمان، وإما في الأعمال..".

وقال ابن كثير في البداية والنهاية 7: 270: ".. ووصلت النبال إلى هودج أُم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ، فجعلت تنادي: الله الله! يا بني اذكروا يوم الحساب، ورفعت يدها تدعو على أولئك النفر من قتلة عثمان، فضج الناس معها بالدعاء، حتّى بلغت الضجة إلى علي فقال: ما هذا؟

فقالوا: أُم المؤمنين تدعو على قتلة عثمان وأشياعهم.

فقال: اللّهم العن قتلة عثمان.."، وأرجع أيضاً إلى تاريخ دمشق لابن عساكر 25: 111، وتاريخ المدينة لابن شبة النميري 4: 1261، وتاريخ الطبري 3: 523، والكامل في التاريخ 3: 245، وامتاع الاسماع للمقريزي 13: 244.

وقال ابن تيمية في منهاج السنة في رده على العلامة الحلي 4: 322: "أما قوله: (ان المسلمين أجمعوا على قتل عثمان)

جوابه من وجوه:

احدها: أن يقال ـ أولاً ـ هذا من أظهر الكذب وأبينه; فإنّ جماهير المسلمين لم يأمروا بقتله ولا شاركوا في قتله، ولا رضوا بقتله.

أما أوّلاً: فلأنّ أكثر المسلمين لم يكونوا بالمدينة، بل كانوا بمكة واليمن والشام والكوفة والبصرة ومصر وخراسان، وأهل المدينة بعض المسلمين.

واما ثانياً: فلأنّ خيار المسلمين لم يدخل واحد منهم في دم عثمان، ولا قتل ولا أمر بقتله وإنّما قتله طائفة من المفسدين في الأرض، من أوباش القبائل وأهل الفتن".


الصفحة 568

عثمان مظلوماً وعند ذلك نحكم على الصحابة الذين قتلوه أو شاركوا في قتله بأنّهم قتلة مجرمون; لأنّهم قتلوا خليفة المسلمين ظلماً وعدواناً، وتتبعوا جنازته يحصبونها بالحجارة وأهانوه حيّاً وميتاً، أو أنّ هؤلاء الصحابة استباحوا قتل عثمان لما اقترفه من أفعال تتنافى مع الإسلام، كما جاء ذلك في كتب التاريخ، وليس هناك احتمال وسط إلاّ إذا كذّبنا التاريخ وأخذنا بالتمويه "بأنّ المصريين ـ وهم ـ كفرة هم الذين قتلوه".

وفي كلا الاحتمالين نفيٌ قاطع لمقولة عدالة الصحابة أجمعين دون استثناء، فأمّا أن يكون عثمان غير عادل أو يكون قتلته غير عدول، وكلّهم من الصحابة، وبذلك تبطل دعوانا، وتبقى دعوى شيعة أهل البيت القائلين بعدالة البعض منهم دون الآخر.


الصفحة 569

الصفحة 570

حرب الجمل


الصفحة 571

الصفحة 572

حرب الجمل

ونتسأل عن حرب الجمل التي أشعلت نارها أم المؤمنين عائشة، إذ كانت هي التي قادتها بنفسها، فكيف تخرج أم المؤمنين عائشة من بيتها التي أمرها الله بالاستقرار فيه بقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}(1)؟!

ونسأل بأيّ حق استباحت أم المؤمنين قتال خليفة المسلمين عليّ بن أبي طالب، وهو وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة؟!

وكالعادة وبكل بساطة يجيبنا علماؤنا: بأنّها لا تحب الإمام(2) عليّاً، لأنّه

____________

1- سورة الأحزاب: 33.

قال ابن حجر في فتح الباري 13: 49 "وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال: قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل: أما بعد هذا المسير من العهد الذي عهد اليكم، يشير إلى قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ)

فقالت: أبو اليقظان،

قال: نعم.

قالت: والله إنّك ما علمت لقوّال بالحق،

قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك" وهو في الكامل في التاريخ 3:258، وامتاع الاسماع للمقريزي 13:250.

2- بغض عائشة لعلي (عليه السلام) ورد في روايات أهل السنة بأسانيد صحيحة، ففي ارواء الغليل 1: 177 في قصة خروج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الاخير للصلاة: "ثمّ إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العبّاس لصلاة الظهر..

وقال عبيد الله: فدخلت على عبد الله بن عبّاس فقال: الا اُعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

قال: هات.

فعرضت عليه حديثها فما أنكر فيه شيئاً، غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العبّاس؟

قلت: لا.

قال: هو علي بن ابي طالب.."

قال الشيخ العلامة الالباني في تعليقته على الارواء: "رواه البخاري 1/179، ومسلم 2/20 ـ 21، وكذا أبو عوانة 2/112 ـ 113، ورواه أحمد 6/228 مختصراً وزاد في آخره:

"ولكن عائشة لا تطيب له نفساً" وسنده صحيح"

وكذلك روي في الطبقات الكبرى لابن سعد 2: 232، بزيادة اللفظ الأخير.

وفي مجمع الزوائد للهيثمي 7: 234: "عن أبي رافع: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي بن أبي طالب: سيكون بينك وبين عائشة أمرٌ.

قال: أنا يا رسول الله؟

قال: نعم.

قال: أنا أشقاهم يا رسول الله؟

قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها

رواه أحمد والبزار والطبري ورجاله ثقات".


الصفحة 573

أشار على رسول الله بتطليقها في حادثة الإفك.

ويريد هؤلاء إقناعنا بأنّ هذه الحادثة ـ إن صحّت ـ ، وهي إشارة علي على النبي بتطليقها كافية بأن تعصي أمر ربّها، وتهتك ستراً ضربه عليها رسول الله، وتركب جملا نهاها رسول الله أن تركبه، وحذّرها أن تنبحها كلاب الحوأب(1)، وتقطع المسافات البعيدة من المدينة إلى مكة ومنها إلى البصرة،

____________

1- في الاستيعاب لابن عبد البر 4: 1885 قال: "... قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أيتكن صاحبة الجمل الأدئب، يقتل حولها قتلى كثير وتنجو بعدما كادت" وهذا الحديث من أعلام نبوته، وعصام بن قدامة ثقة، وسائر الاسناد أشهر من أن يحتاج لذكره"

وقال ابن حجر في الفتح 13: 55: ".. فلما قتل عثمان، وكان يعلى قدم حاجاً فاعان طلحة والزبير بأربعمائة الف، وحمل سبعين رجلاً من قريش، واشترى لعائشة جملاً يقال له عسكر بثمانين ديناراً، ومن طريق عاصم بن كليب عن أبيه قال: قال علي: أتدرون بمن بليت أوع الناس في الناس عائشة، وأشدّ الناس الزبير، وأدهى الناس طلحة، وأيسر الناس يعلى بن أمية..

ومن طريق قيس بن أبي حازم قال: لما أقبلت عائشة فنزلت بعض مياه بني عامر نبحت عليها كلاب.

فقالت: أيّ ماءً هذا؟

قالوا: الحوأب. بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها همزة ثُمّ موحده.

قالت: ما أظنني إلاّ راجعة!

فقال لها بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم!

فقالت: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لها ذات يوم: "كيف بأحداكنّ تنبح عليها كلاب الحوأب"، وأخرج هذا أحمد وأبو يعلى والبزار، وصححه ابن حبّان والحاكم، وسنده على شرط الصحيح..

ومن طريق عصام بن قدامه عن عكرمة عن ابن عبّاس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لنسائه: "أيتكنّ صاحبة الجمل الأدبب.. تخرج حتّى تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن شمالها قتلى كثير وتنجو بعدما كادت". وهذا رواه البزار ورجاله ثقات.

وأخرج البزار من طريق زيد بن وهب قال: بينا نحن حول حذيفة إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟

قلنا: يا أبا عبد الله فكيف نصنع إذا أدركنا ذلك؟

قال: انظروا إلى الفرقة التي تدعو إلى أمرّ علي بن أبي طالب فإنّها على الهدى.

وأخرج الطبراني من طريق محمّد بن قيس قال: ذكر لعائشة يوم الجمل، قالت: الناس يقولون يوم الجمل؟

قالوا: نعم.

قالت: وددت إنّي جلست كما جلس غيري فكان أحب إلي من أن أكون ولدت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة، كُلّهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام..

وأخرج إسحاق بن راهويه من طريق سالم المرادي، سمعت الحسن يقول: لما قدم علي البصرة في أمر طلحة وأصحابه، قام قيس بن عباد وعبد الله بن الكواء فقالا له: أخبرنا عن مسيرك هذا؟

فذكر حديثاً طويلاً في مبايعته أبا بكر ثُمّ عمر ثُمّ عثمان ثمّ ذكر طلحة والزبير فقال: بايعاني بالمدينة وخالفاني بالبصرة، ولو أنّ رجلاً ممّن بايع أبا بكر خالفه لقاتلناه وكذلك عمر.

وأخرج أحمد والبزار بسند حسن من حديث أبي رافع أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لعلي بن أبي طالب: "إنّه سيكون بينك وبين عائشة أمرٌ.

قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله!

قال: لا، ولكن اذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها.

وأخرج أبو بكر بن أبي شبة من طريق عمر بن الهيخع..

عن أبي بكرة وقيل له: ما منعك أن تقاتل مع أهل البصرة يوم الجمل؟

فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "يخرج قوم هلكى لا يفلحون قائدهم امرأة في الجنّة"، فكأن أبا بكرة أشار إلى هذا الحديث فامتنع من القتال معهم، ثُمّ استصوب رأيه في ذلك الترك لما رأى غلبة علي.

وقد أخرج الترمذي والنسائي الحديث المذكور من طريق حميد الطويل عن الحسن البصري عن أبي بكرة بلفظ عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر الحديث، قال: فلما قدمت عائشة ذكرت ذلك فعصمني الله.

وأخرج عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن أنّ عائشة أرسلت إلى أبي بكرة فقال: إنّكِ لام، وإنّ حقك لعظيم، ولكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "لن يفلح قوم تملكهم امرأة".

وفي مستدرك الحاكم 3: 332 بسنده عن أم سلمة قالت: "ذكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)خروج بعض أُمهات المؤمنين، فضحكت عائشة فقال: "انظري يا حميراء أن لا تكون أنت"، ثمّ التفت إلى علي فقال: "إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها" وصححه.

وفي مستدرك الحاكم 4: 471 في كتاب الفتن: "..عن خثيمة بن عبد الرحمن قال: كنّا عند حذيفة (رضي الله عنه) فقال بعضنا حدثنا يا أبا عبد الله ما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!

قال: لو فعلت لرجمتموني!

قلنا: سبحان الله نحن نفعل ذلك؟!

قال: أرايتكم لو حدثتكم أنّ بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها، شديد بأسها صدقتم به؟!

قالوا: سبحان الله ومن يصدق بهذا؟!

ثمّ قال حذيفة: "أتتكم الحميراء في كتيبة يسوقها أعلاجها حيث تسوء وجوهكم" ثمّ قال فدخل مخدعاً".

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

ولاجل مخالفتها لأوامر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتسبب في ازهاق أرواح الآف المسلمين; طلبت منهم أن تدفن في البقيع، بعدما كانت تريد الدفن في بيتها، فعن قيس قال: "قالت عائشة، وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها، فقالت: إنّي أحدثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حدثاً، ادفنوني مع ازواجه، فدفت بالبقيع رضي الله عنها"، المستدرك على الصحيحين 4: 7 وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، وسير أعلام النبلاء للذهبي 2: 3.


الصفحة 574

الصفحة 575

الصفحة 576

وتستبيح قتل الأبرياء ومحاربة أمير المؤمنين والصحابة الذين بايعوه، وتتسبّب في قتل ألوف المسلمين كما ذكر ذلك المؤرخون(1)، كلّ ذلك لأنّها لا تحب الإمام عليّاً الذي أشار بتطليقها ومع ذلك لم يطلقها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلماذا كُلّ هذه الكراهية؟!

وقد سجّل المؤرخون لها مواقف عدائية للإمام علي لا يمكن تفسيرها، فقد كانت راجعة من مكة عندما أعلموها في الطريق بأنّ عثماناً قتل، ففرحت فرحاً شديداً، ولكنّها عندما علمت بأنّ الناس بايعوا عليّاً غضبت وقالت: وددت أن السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب، وقالت: ردّوني(2).

وبدأت تشعل نار الفتنة للثورة على عليّ الذي لا تريد ذكر اسمه، كما سجّله المؤرخون عليها.

أفلم تسمع أم المؤمنين قول الرسول (صلى الله عليه وآله): "بأن حبّ علي إيمان وبغضه نفاق" حتّى قال بعض الصحابة: "كنّا لا نعرف المنافقين إلاّ ببغضهم لعلي"(3).

أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي: "من كنت مولاه فعلي مولاه"(4)؟ !

____________

1- تاريخ الطبري 3: 463، والكامل لابن الاثير 3: 8 ، والبداية والنهاية لابن كثير 6: 238، في احداث سنة ست وثلاثين للهجرة، والوافي بالوفيات للصفدي 13: 80 ، وتاريخ الإسلام للذهبي 3: 485.

2- تاريخ الطبري 3: 477، الكامل لابن الأثير 3: 206.

3- سنن الترمذي 5: 298، الاكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي: 152، وقال: "إسناده ليس بجيد لاجل العبدي، وقد تابعه عليه عطية وأبو صالح عن أبي سعيد الخدري، والحديث صحيح لغيره"، وارجع الى المصادر التي أوردت الحديث.

4- هذا الحديث من الأحاديث المتواترة والمتسالم عليه بين الطرفين، فهو مروي بطرق كثيرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، نشير إلى بعضها:

اخرج النسائي في خصائصه: 71 ـ 72 عن زيد بن ارقم قوله: "لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثمّ قال: "كأني دعيت فأجبت، إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّها لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، ثمّ قال: "إنّ الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن".

ثمّ أخذ بيد علي فقال: "من كنت وليّه فهذا وليه، اللّهم وال من والاه، وعاد من عاداه".

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

فقال: ما كان في الدوحات احدٌ إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأذنيه".

وقد أخرجه الحاكم في المستدرك 3: 109 وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله".

وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 5: 228 وقال: "قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح".

وعن أبي الطفيل قال: جمع علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ الناس في الرحبة ثمّ قال لهم: أنشد الله كلّ امرئ سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام! فقام ثلاثون من الناس ـ وفي رواية: فقام ناس كثير ـ فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: "أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم"؟

قالوا: نعم يا رسول الله.

قال: "من كنت مولاه فهذا مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه".

قال: فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً; فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت عليّاً (رضي الله عنه)يقول: كذا وكذا؟

قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ذلك" أخرجه أحمد في المسند 4: 370، والنسائي في خصائص الامام علي: 72، وابن حبان في صحيحه 15: 376، والهيثمي في موارد الضمآن: 544، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 104 وقال عنه: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة"، والالباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 331 ح 1750 وقال عنه: "وإسناده صحيح على شرط البخاري".

وعن رباح بن الحارث قال: "جاء رهط إلى علي بالرحّبة، فقالوا: السّلام عليك يا مولانا!

قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرباً؟!

قالوا: سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول: "من كنت مولاه فإنّ هذا مولاه".

قال رباح: فلمّا مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟

قالوا: نفر من الانصار فيهم أبو أيوب الانصاري" أخرجه أحمد في المسند 5: 419، والطبراني في المعجم الكبير 4: 174، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 104 وقال عنه: "رواه أحمد والطبراني.. ورجال أحمد ثقات"، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 340 وقال عنه: "وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات".

وفي وقعة صفين للحافظ إبراهيم بن ديزل: 165 قال: "حدثنا يحيى بن سليمان الحيفي، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا الحسن بن الحكم النخعي، عن رباح بن الحارث النخعي، قال: كنت جالساً عند علي (عليه السلام) إذ قدم عليه قوم متلثمون فقالوا: السلام عليك يا مولانا!

فقال لهم: أولستم قوماً عرباً؟!

قالوا: بلى ولكنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله".

قال: فلقد رأيت علياً (عليه السلام) ضحك حتّى بدت نواجذه، ثمّ قال: اشهدوا.

ثمّ إنّ القوم مضوا إلى رحالهم، فتبعتهم فقلت لرجل منهم: من القوم؟

قالوا: نحن رهط من الأنصار، وذاك ـ يعنون رجلاً منهم ـ أبو أيوب صاحب منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

قال: فأتيته فصافحته".

وهذه الرواية سندها صحيح لوثاقة جميع رجال سندها.

وقد نقل الخبر ابن ابي الحديد في شرح النهج 3: 208، فراجع.

قال شمس الدين الجزري في أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب: 48: "هذا حديث حسن من هذا الوجه، صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر ايضاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم..".

وقال الشيخ الالباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4: 343 ح 1750 بعد تصحيحه للحديث: "وجملة القول: إنّ حديث الترجمة صحيح بشطريه ـ يعني من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه ـ، بل الاول منه متواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية"

إلى أن يقول: "إذا عرفت هذا فقد كان الواقع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة ـ في تقديري ـ من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها".

وقال الشيخ السلفي الداني بن منير آل زهوي في تحقيقه لخصائص النسائي: 78: "فحديث الموالاة حديث صحيح ثابت، بل هو متواتر كما قال الالباني في الصحيحة (4/343).

أمّا قول ابن تيمية في المنهاج (4/104): "أنّه كذب مخالف للقواعد الحديثية" فهو مردود عليه..

أقول: من تتبع طرق هذا الحديث علم أنّها صحيحة كالشمس في أغلبها، ومنها الحسن، والضعيف فيها قليل، والحديث صحيح لا شكّ في ذلك كما مرّ".


الصفحة 577

الصفحة 578

الصفحة 579

أنّها لا شكّ سمعت كُلّ ذلك ولكنها لا تحبه ولا تذكر اسمه، بل إنّها لمّا سمعت بموته سجدت شكراً لله(1).

ودعني من كلّ هذا فأنا لا أريد البحث عن تاريخ أم المؤمنين عائشة، ولكن أريد الاستدلال على مخالفة كثير من الصحابة لمبادئ الإسلام، وتخلّفهم عن أوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويكفيني من فتنة أُم المؤمنين دليلا واحداً أجمع عليه المؤرخون، قالوا: لما جازت عائشة ماء الحواب ونبحتها كلابها، تذكرت تحذير زوجها رسول الله ونهيه إياها أن تكون هي صاحبة الجمل، فبكت وقالت: ردّوني، ردّوني.

ولكن طلحة والزبير جاءاها بخمسين رجلا جعلوا لهم جعلا، فأقسموا

____________

1- ذكر أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين: 27 سجودها عند سماعها مقتل عليّ، وذكر الطبري في التاريخ 4:115 وابن الأثير في الكامل 3:394 تمثلها بالبيت التالي عندسماعها مقتل علي (عليه السلام) :

فالقت عصاها واستقر بها النوى كما قرّ عينا بالاياب المسافر


الصفحة 580

بالله أن هذا ليس بماء الحوأب، فواصلت مسيرها حتّى البصرة، ويذكر المؤرخون أنّها أوّل شهادة زور في الإسلام(1).

دلّونا أيّها المسلمون يا أصحاب العقول النيّرة على حل لهذا الإشكال، أهؤلاء هم الصحابة الأجلاّء الذين نحكم نحن بعدالتهم، ونجعلهم أفضل البشر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)! فيشهدون شهادة الزور التي عدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الكبائر الموبقة التي تقود إلى النار.

ونفس السؤال نفسه يعود دائماً ويتكرر، أيّهم على الحقّ وأيّهم على الباطل، فإما أن يكون عليّ ومن معه ظالمين وعلى غير الحقّ، وإما أن تكون عائشة ومن معها وطلحة والزبير ومن معهم ظالمين وعلى غير الحقّ، وليس هناك احتمال ثالث.

والباحث المنصف لا أراه إلاّ مائلا لأحقيّة علي الذي يدور الحقّ معه حيث دار(2)، نابذاً فتنة (أم المؤمنين عائشة) وأتباعها الذين أوقدوا نارها، وما

____________

1- ذكر المسعودي في مروج الذهب 1: 647، وابن أبي الحديد في شرح النهج 9: 310، أنّ طلحة والزبير فعلوا هذا، وفي تاريخ اليعقوبي 2: 79 والطبري 3: 485، والامامة والسياسة لابن قتيبة 1: 82، والبداية والنهاية 7: 258، وأنساب الاشراف للبلاذري: 224، أنّ عبدالله بن الزبير هو الذي جاء بالشهود وحلف أنّه ليس بماء الحوأب.

2- أخرج أبو يعلى في مسنده 2: 318 عن ابي سعيد أنّ عليّاً مرّ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "الحقّ مع ذا الحقّ مع ذا"، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 42: 449، والمتقي الهندي في كنز العمال 1: 621، والهيثمي في مجمع الزوائد 7: 235 وقال عنه: "رواه أبو يعلى ورجاله ثقات".

وورد عن علي (عليه السلام) قوله: "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رحم الله عليّاً، اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار" أخرجه الترمذي في السنن 5: 297، وابن عساكر في تاريخ دمشق 30: 63، وابو يعلى في مسنده 1: 419، والطبراني في المعجم الاوسط 6: 95، والحاكم في المستدرك 3: 124 وصححه.

وقد صحح الحديث أبو منصور الشافعي في كتابه الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين: 86 ح 24، والسيوطي في الجامع الصغير كما ذكر المناوي في فيض القدير 4: 25.

وأرسله الفخر الرازي إرسال المسلمات فقال في تفسيره 1/205: "ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله (عليه السلام): اللّهم أدر الحقّ مع علي حيث دار".

وأخرج الخطيب في تاريخ بغداد 14: 322 بسنده إلى أبي ثابت مولى أبي ذر قال: "دخلت على أُم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر عليّاً فقالت: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: علي مع الحقّ والحقّ مع علي، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة"، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق 42: 449.

وورد عن سعيد بن ابي وقاص قال: إنّي سمعت رسول الله يقول: "علي مع الحقّ والحقّ مع علي حيث كان".

فقال له رجل (وهو معاوية): من سمع ذلك؟

قال سعد: قاله في بيت أُم سلمة، فأرسل إلى أُم سلمة فسألها، فقالت: قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتي.

فقال رجل لسعد: ما كنت عندي قط ألوم منك الآن.

فقال: ولم؟

قال: لو سمعت هذا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أزل خادماً لعلي حتّى أموت"

مجمع الزوائد للهيثمي 7: 235.


الصفحة 581

أطفأوها حتّى أكلت الأخضر واليابس، وبقيت آثارها إلى اليوم.

ولمزيد البحث وليطمئن قلبي أقول أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر، قال: لمّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر والحسن بن علي، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن فاجتمعنا إليه، فسمعت عماراً يقول: "إنّ عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنّها لزوجة نبيّكم في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إيّاه تطيعون أم هي"(1).

____________

1- صحيح البخاري 8 : 97، كتاب الفتن، ونحوه تاريخ دمشق لابن عساكر 43: 458، كنز العمال 13: 694 ح37777، البداية والنهاية8:101.


الصفحة 582

كما أخرج البخاري ـ أيضا ـ في كتاب الشروط باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، قال: قام النبي (صلى الله عليه وآله) خطيباً فأشار نحو مسكن عائشة، فقال: "ههنا الفتنة، ههنا الفتنة، ههنا الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان"(1).

كما أخرج البخاري في صحيحه عنها أشياء عجيبة وغريبة في سوء أدبها مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى ضربها أبوها فأسال دمها، وفي تظاهرها على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى هدّدها الله بالطلاق، وأن يبدله ربّه خيراً منها، وهذه قصص أخرى يطول شرحها.

وبعد كلّ هذا أتسأل: كيف استحقت عائشة كلّ هذا التقدير والاحترام من أهل السنة والجماعة، ألأنّها زوج النبي؟! فزوجاته كثيرات، وفيهن من هي أفضل من عائشة بتصريح النبي نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

____________

1- صحيح البخاري 4: 46، كتاب فرض الخمس، وفي صحيح مسلم 8 : 181، كتاب الفتن باب 16، وكذلك مسند أحمد 2: 23، واللفظ لمسلم: "خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان، يعني المشرق"، وفي رواية أُخرى عن صحيح مسلم 8 : 181، كتاب الفتن: "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام عند باب حفصة فقال بيده نحو المشرق: الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان". فما ورد في الرواية الأولى: "يعني المشرق" والثانية: "فقال بيده نحو المشرق" إنّما هو من استنباط الراوي وليس من النبي (صلى الله عليه وآله)، لأنّه (صلى الله عليه وآله) أشار إلى مسكن عائشة أو حفصة وقال: إنّ الفتنة من هاهنا، فنحن نأخذ الرواية وندع دراية الراوي للحديث.

ثُمّ هناك روايات أُخرى لم يرد فيها اسم عن عائشة أو حفصة، بل فيها مجرّد الاشارة إلى الشرق، فهذه الروايات المطلقة تحمل على تلك الروايات المقيّدة، ولو راموا ابقاءها على اطلاقها فإنّها ستشمل عائشة أيضاً باطلاقها، لأنها أوّل من أشعل الفتنة من المشرق، فشملها الحديث.

2- راجع فتح الباري لابن حجر 7: 116 كتاب مناقب الانصار باب 20 فيه ذكر أقوال العلماء في تفضيل خديجة على عائشة وسائر أمهات المؤمنين وقال: "زعم ابن العربي أنّه لا خلاف في أن خديجة أفضل من عائشة".

ولابن حجر اشارة لطيفة عند شرحه لحديث تبشير النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة ببيت في الجنّة، قال 7: 173: "وفي ذكر البيت معنى آخر، لأنّ مرجع أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)إليها، لما ثبت في تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) قالت أم سلمة: لمّا نزلت دعا النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة وعليّاً والحسن والحسين فجلّلهم بكساء فقال: "اللّهم هؤلاء أهل بيتي" ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة، لأنّ الحسنين من فاطمة وفاطمة بنتها، وعليّ نشأ في بيت خديجة وهو صغير، ثمّ تزوج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبوي إلى خديجة دون غيرها".


الصفحة 583

أم لأنها ابنة أبي بكر! أم لأنّها هي التي لعبت الدور الكبير في إنكار وصيّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام)، حتّى قالت عندما ذكروا عندها أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى لعلي، قالت: "من قاله، لقد رأيت النبي (صلى الله عليه وآله) وإنّي لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست فانخنث فمات فما شعرت، فكيف أوصى إلى علي"(1).

أم لأنّها حاربته حرباً لا هوادة فيها وأولاده من بعده، حتّى اعترضت جنازة الحسن سيد شباب أهل الجنة، ومنعت أن يدفن بجانب جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلة: "لا تدخلوا بيتي من لا أحب"(2)، ونسيت أو تجاهلت قول الرسول فيه وفي أخيه: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"(3)، أو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أحب الله من أحبهما وأبغض الله من أبغضهما"، أو قوله: "أنا

____________

1- صحيح البخاري 5: 143، كتاب المغازي، باب مرض النبي ووفاته.

2- راجع: الارشاد للشيخ المفيد 2: 18، كتاب التعجب للكراجكي: 56، الخرائج والجرائح للراوندي 1: 242، كشف الغمة 2: 208، البحار 44: 154، 157.

وانظر بالنسبة إلى امتناعها عن دفنه عند جدّه (صلى الله عليه وآله) تاريخ دمشق لابن عساكر 13: 293، أنساب الأشراف للبلاذري 3: 298، مقاتل الطالبيين لابي الفرج: 82، تاريخ أبي الفداء 1: 255، تاريخ اليعقوبي 2: 134.

3- مسند أحمد 3:3، 62، 64، 82، سنن الترمذي 5:221 ح3856، المستدرك للحاكم 3: 167، وقال: "هذا حديث قد صح من أوجه كثيرة وأنا أتعجب أنّهما لم يخرجاه" مجمع الزوائد 9: 182، نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 196، سير أعلام النبلاء للذهبي 5: 63، وقال النووي في شرح مسلم 16: 41: "وثبت أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بأنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة"، والمصنف لابن شيبة 7: 512، صحيح ابن حبّان 15: 411.


الصفحة 584

حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم"(1)، وغير ذلك كثير لست في معرض الكلام عنه... كيف لا وهما ريحانتاه من هذه الأمة.

ولا غرابة، فقد سَمِعتْ في حق عليّ أضعاف ذلك، ولكنها ورغم تحذير النبي (صلى الله عليه وآله) لها أبت إلاّ محاربته، وتأليب الناس عليه، وإنكار فضله وفضائله، ومن أجل ذلك أحبّها الأمويّون وأنزلوها تلك المنزلة العظيمة التي تقصر عنها المنازل، ورووا في فضلها ما ملأ المطامير، وسارت به الركبان، حتّى جعلوها المرجع الأكبر للأمة الإسلامية، لأنّ عندها وحدها نصف الدين.

ولعل نصف الدين الثاني خصّوا به أبا هريرة الذي روى لهم ما يشتهون، فقرّبوه وولّوه إمارة المدينة، وبنوا له قصر العقيق بعد ما كان معدماً، ولقّبوه براوية الإسلام، وبذلك سهل على بني أميّة أن يكون لهم دين كامل جديد، ليس فيه من كتاب الله وسنّة رسوله ألاّ ما تهواه أنفسهم، ويتقوّى به ملكهم وسلطانهم.

وخليق بهذا الدين أن يكون لعباً وهزواً مليئاً بالمتناقضات والخرافات، وبذلك طمست الحقائق، وحلّت محلها الظلمات، وقد حملوا الناس عليها وأغروهم إليها، حتّى أصبح دين الله عندهم مهزلة من المهازل، لا يقيمون له وزناً، ولا يخافون من الله كخوفهم من معاوية.

وعندما نسأل بعض علمائنا عن حرب معاوية لعلي، وقد بايعه المهاجرون والأنصار.. تلك الحرب الطاحنة التي سبّبت انقسام المسلمين إلى

____________

1- مسند أحمد بن حنبل 2: 442، سنن ابن ماجه 1: 52، سنن الترمذي 5: 360، المصنف لابن أبي شيبة 7: 512، صحيح ابن حبان 15: 434، المعجم الكبير للطبراني 3: 40، تاريخ بغداد 7: 144، تاريخ دمشق 3: 218، مستدرك الحاكم 3: 149 وقال: "هذا حديث حسن" وسكت عنه الذهبي في التلخيص، مشكاة المصابيح للتبريزي 3: 1735.