مقدّمة المركز


الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، حبيب قلوبنا، أبي القاسم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين، واللعنة الدائمة الموبّدة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

نحمدك اللهمّ ونشكرك أن جعلتنا من أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، والسائرين على نهجهم القويم، والمتبرّئين من أعدائهم والناصبين لهم البغض والعداء.

لم يكن من ضمن برنامجنا العلمي في "مركز الأبحاث العقائدية" إعادة طبع الكتب التي تمّ طبعها ونشرها لعدّة مرّات، خصوصاً كتب الدكتور التيجانى التي تتنافس في طبعها ونشرها مراكز علميّة كثيرة ومؤسسات ثقافية عديدة، إذ طبعت طبعات متعدّدة وترجمت إلى عدّة لغات عالمية.

والذي جعلنا نُقدم على إعادة طباعتها، وتصحيح الأخطاء المطبعية التي وجدت في الطبعات السابقة منها، بل إصلاح بعض الهفوات العلميّة التي وقع فيها المؤلّف، واستخراج كافة الأقوال الفقهية وغيرها والأحاديث الشريفة وبيان صفاتها التوثيقية ـ وإن كان هذا العمل بحدّ ذاته يستحقّ التقدير ـ هو الإجابة على الشبهات والردود التي أثارها بعض علماء السنّة حول كتب الدكتور التيجاني الذي وصفوه بشخصية خيالية اختلقها بعض علماء الشيعة

الصفحة 10
للتشنيع على المذهب السنّي، فقد جمعنا كتبهم فكانت خمسة كتب هي:

(1) "كشف الجاني محمّد التيجاني" لعثمان بن محمّد الخميس، والظاهر أنّه أوّل من تصدّى للردّ على الدكتور التيجاني، إذ أنّ الطبعة الثانية لهذا الكتاب صدرت عن مؤسسة الفجر في لندن سنة 1411هـ، والطبعة الثالثة صدرت عن دار الأمل في القاهرة وكتب عليها "طبعة مزيدة منقّحة".

وبما أنّ الطبعتين الأُولى والثانية كانت عبارة عن كتيب صغير، لذلك اضطرّ الخميس في طبعته الثالثة أن ينقل من كتاب "الانتصار" ـ الذي يأتي الحديث عنه برقم 2 ـ ثلاث وأربعين صفحة، وذلك من أجل زيادة صفحات كتابه، علماً بأنّه في كتابه هذا الذي يقع في مائتين صفحة تقريباً يحاول الردّ على كتب الدكتور التيجاني الأربعة وهي: "ثمّ اهتديت" و "فاسألوا أهل الذكر" و "لأكون مع الصادقين" و "الشيعة هم أهل السنّة".

(2) "الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماويّ الضالّ" للدكتور إبراهيم بن عامر الرحيلي، صدرت طبعته الأُولى سنة 1418هـ عن مكتبة الغرباء الأثرية في المدينة المنوّرة، وكان المؤلّف ينوي الردّ على كتب الدكتور التيجاني الأربعة التي ذكرناها سابقاً، إلاّ أنّ الذي صدر هو القسم الأوّل منه فقط، وهو ردّ على كتاب "ثمّ اهتديت".

(3) "منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلامية، مع دراسة لبعض الكتب المذهبيّة وسبل التقريب" لأبي الحسن محيي الدين الحسني، انتهى من تأليفه في الأوّل من رجب سنة 1417هـ، صدر عن مطبعة المدينة في بغداد، وهو ردّ على كتاب الدكتور التيجاني "لأكون مع الصادقين" فقط.

(4) "النشاط الشيعي الإمامي أو الاستنساخ العقدي، التيجاني السماوي نموذجاً"، للزبير دحان، صدر سنة 1423هـ ضمن سلسلة نقد المعتقد

الصفحة 11
برقم 1، وهو ردّ على كتاب "المراجعات" للسيد عبد الحسين شرف الدين، وكتب الدكتور التيجاني.

(5) "بل ضللتَ" لخالد العسقلاني، صدر سنة 1424هـ عن دار المحدّثين للطباعة والنشر، الطبعة الثانية، وهو ردّ على كتاب الدكتور التيجاني "ثمّ اهتديت".

عملنا في هذا الكتاب

(1) قراءة نصّ الكتاب بشكل دقيق، ثمّ تقطيع عباراته إلى عدّة فقرات متناسقة، واستعمال علامات الترقيم حسبما تقتضيه الطرق الفنيّة لتحقيق الكتب.

(2) استخراج كلّ ما يحتاج إلى استخراج: من آيات قرآنيّة كريمة، وأقوال فقهيّة وكلاميّة وتأريخيّة وغيرها، وأحاديث شريفة، وأشعار وغيرها، كلّ ذلك من مصادرها الرئيسيّة.

(3) بيان صفات الأحاديث الشريفة التي استدلّ بها المؤلّف، وتمييز الصحيح عن غيره، استناداً إلى آراء كبار علماء المسلمين من الفريقين; ليقف القارئ على صحّة كلام المؤلّف وزيف ادّعاء المخالف له.

(4) إبقاء تعليقات المؤلّف التي كانت في الطبعة السابقة كما كانت، وتمييزها عن عملنا بإضافة كلمة "المؤلّف" في آخرها.

(5) إذا ذكر المؤلّف مصدراً أو مصدرين لكلامه أو للقول أو الحديث الذي يستدلّ به، فإننّا نضيف لها مصادر أُخرى معتبرة عند عامّة المسلمين، ليقف القارئ على حقيقة الأمر.

(6) قمنا بردّ الشبهات التي أثارها عثمان الخميس في كتابه "كشف

الصفحة 12
الجاني محمّد التيجاني" على هذا الكتاب الذي بين أيدينا، وبيّنا زيف ادّعاء الخميس وقلّة اطّلاعه على التاريخ، وكيفيّة محاولته لإضلال الرأي العامّ بإدّعاءات واهية لا أساس لها، بل محاولته بتر حديث الدكتور التيجاني، وهذه مغالطات يلجأ إليها الضعفاء.

كذلك قمنا بردّ الإشكالات التي وجهها أبو الحسن محيي الدين الحسني في كتابه "منهج أهل البيت في مفهوم المذاهب الإسلاميّة" على خصوص هذا الكتاب، وهي في الواقع إشكالات واهية تنمّ عن تعصبّ أعمى بعيداً عن روح النقاش والتفاهم الحرّ الذي يسعى صاحبه للوصول إلى الحقيقة.

وأشرنا أيضاً إلى المناظرة العقائدية التي جرت سنة 1423هـ في قناة "المستقلة" بين بعض الوهابيّة وبعض أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، والذي كان للدكتور التيجاني دور مهم فيها.

شكر وتقدير

ختاماً فإننا نتقدّم بجزيل الشكر والتقدير لكافة الإخوة الأعزاء في "مركز الأبحاث العقائدية" الذين ساهموا في إحياء هذا الأثر وإخراجه بهذه الحلّة القشيبة، وأخص بالذكر السيّد هاشم الميلاني الذي ساهم في استخراج بعض المصادر، والشيخ لؤي المنصوري الذي أخذ على عاتقه عملية الاستخراج كاملةً وردّ الشبهات والإشكالات التي وجّهت لهذا الكتاب، فجزاهم الله جميعاً خير الجزاء، وجعله في ميزان أعمالهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.


مـحمّد الحسّون   
مركز الأبحاث العقائدية
3 صفر 1427 هـ 


الصفحة 13

مقدّمة المؤلّف للطبعة المحقّقة


بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيّدنا محمّد، وعلى آله الطيبيّن الطاهرين المعصومين.

أما بعد، فإنّي أتقدّم لمركز الأبحاث العقائديّة في قم المقدسّة ـ تحت إشراف المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيّد علي السيستاني أطال الله عمره الشريف في صحة وعافية ليستفيد المسلمون من علومه وبركاته ـ بالشكر الجزيل، كما وأشكر إدارة المركز وعلى رأسها سماحة السيّد جواد الشهرستاني، وكذلك الشيخ الجليل فارس الحسّون(1)، والعاملين معهم في مجال البحث والتحقيق، والذين بذلوا وقتاً ثميناً وجهداً كبيراً في دراسة وتنقية كتبي الأربعة: (ثمّ اهتديت) و (مع الصادقين) كذلك (فاسألوا أهل الذكر) و (الشيعة هم أهل السنّة)، وقد أوقفوني على بعض الهفوات

____________

1- كتبتُ هذه المقدّمة حينما كان الشيخ فارس الحسّون حيّاً، إلاّ أنّه انتقل إلى رحمة الله تعالى قبل إكمال هذا العمل، فأخذ أخوه الشيخ محمّد الحسّون على عاتقه إدارة المركز وإكمال أعماله، فقام بمراجعة هذا الكتاب مراجعة علميّة وتهيئته للطبع، فله من الله الأجر والثواب ومنّي جزيل الشكر والتقدير "المؤلّف".


الصفحة 14
والأغلاط التي لا يخلو منها إلاّ كتاب الله; ليصّح قوله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(1)، وليتبيّن لكلّ كاتب ومؤلّف مهما بلغت عنايته أنّه بشرٌ محدود القدرات وفي حاجة إلى المراجعة، فإنّي اُلفت انتباه القرّاء الكرام إلى تنقيح بعض المصادر التي وقع فيها الاشتباه، إمّا لسهو أو لإهمال أو لأغلاط مطبعية، لتكون هذه الكتب الأربعة المذكورة في حُلّة جديدة ومُنقّحة بدون تغيير المتون ولا تبديل الكلمات.

وهذه الخدمات الجليلة التي يعجز عنها الإنسان بمفرده قام بها مركز الأبحاث العقائديّة عبر مجموعة من أعضائه العاملين والمحقّقين ليكون دائماً عمل الجماعة محموداً أو مقدّماً على عمل الأفراد، فإنّي أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا جميعاً لخدمة دينه العظيم، ويجعلنا من خَدَمة هذا المذهب الشريف مذهب الحقّ المتمثّل في اتّباع محمّد وأهل بيته الأطهار، الذين جعلهم الله سبحانه أئمة الهدى ومصابيح الدجى وسفينة النجاة لمن ركبها، وإنّي باسمي واسم جميع القراء وجميع المسلمين نشكر مرّة أخرى مركز الأبحاث العقائديّة على الجهود التي قام ويقوم بها لإنارة السبيل وهداية الباحثين.


الفقير لرحمة ربّه       
الدكتور محمّد التيجاني السّماوي
2 جمادى الأول / 1424   

____________

1- النساء: 82.


الصفحة 15

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرحمان الرحيم، قاهر الجبّارين والمتكبّرين، ناصر المظلومين والمستضعفين، المتفضّل على عباده أجمعين من المؤمنين والكافرين والمشركين والملحدين، المنعم على خلقه كلّهم بالهداية والرعاية والتكريم، قال جلّ وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِير مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً}(1).

والحمدُ لله الذي أسْجَدَ لنا ملائكته المقرّبين، ومن أبى أصبح من الملاعين، الحمدُ لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمدُ لله الذي عبّد لنا الطريق، ومهّد لنا السبيل لنصل بعنايته وتحت ظلّ عبادته إلى مراتب الكمال العليّة، وأنار لنا الظلام، وأوضح لنا الحقيقة بالحجج القويّة والبراهين الجليّة، وأرسل لنا رُسُلا منّا تتلو علينا آياته، وتخرجنا من الظلمات إلى النور، وتنقذنا من الضلالة العميّة، وجعل لنا العقل إماماً قائماً نهتدي به كلمّا شكّت حواسنا في أمر مُبهم أو قضيّة.

والصلاة والسلام، والبركات والتحيّات على المبعوث رحمة للإنسانية، سيّدنا ومولانا وقائدنا محمّد بن عبد الله، خاتم الرسل وسيّد البشريّة، صاحب الفضيلة والوسيلة والدرجة الرفيعة، صاحب المقام المحمود، واليوم

____________

1- الإسراء: 70.


الصفحة 16
الموعود، والشفاعة المقبولة، والخلق العظيم.

وعلى آل بيته الطيّبين الطّاهرين، الذين أعلى الله مقامهم وجعلهم أمان الأُمّة من الهلكة، ومنقذي الملّة من الضلالة، ونجاة المؤمنين من الغرق، المتمسّك بحبل ولائهم مؤمن طيّب الولادة، والناكب عن صراطهم منافقٌ رديء الولادة، محبّهم ينتظر الرحمة، ومبغضهم ليس له إلاّ النقمة، لا يصلُ العبدُ إلى ربّه إلاّ من طريقهم، ولا يدخلُ إلاّ من بابهم.

ثمّ الرضوان على شيعتهم ومحبّيهم من الصحابة الأوّلين الذين بايعوهم على نصرة الدّين، وثبتوا معهم على العهد وكانوا من الشاكرين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين.

اللّهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلُّ بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين.

ربّ أشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي، واجعل كلّ مَنْ يقرأ كتابي يميل إلى الحقّ بإذنك، ويترك التعصّب بمنّك وإحسانك، فإنّك أنتَ الوحيد القادرُ على ذلك ولا يقدر عليه سواك.

فبعزّتك وجلالك وبقدرتك وكمالك، وبمحبّتك لعبادك افتح بصائر المؤمنين الموحّدين الذين آمنوا برسالة حبيبك محمّد على الحقّ الذي لا شكّ فيه، حتّى يهتدوا إليه بفضلك، ويعرفوا قيمة الأئمة من آل بيت نبيّك، ويتوحّدوا لإعلاء كلمة الدّين بالحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، والإخوّة الصادقة، فلقد عمّ الفساد في البرّ والبحر، ولولا الصبر الذي خلقته وألهمتنا إيّاهُ، لدَبَّ اليأسُ إلى قلوبنا ولأصبحنا من الخاسرين، لأنّه لا ييأسُ من

الصفحة 17
روح الله إلاّ القوم الكافرون، فاجعلنا اللّهمّ من الصابرين ولا تجعلنا من اليائسين.

اللّهمّ كن لوليِّك الحجّة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً، ودليلا وعيناً، حتّى تُسكنَه أرضكَ طوعاً، وتمتّعه فيها طويلا، واجعلنا من أنصاره وأعوانه، والمستشهدين بين يديه في طاعتك وسبيلك، إنّك أنت السميع العليم.

ربّنا لا تزغ قُلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لَدُنْكَ رحمةً إنّك أنتَ الوهّابُ.

ربّنا إنّك جامعُ الناس ليوم لا ريبَ فيه، إنّ الله لا يخلف الميعاد.

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وآله الطيبين الطّاهرين.


الصفحة 18

الصفحة 19

المقدّمة


الحمدُ لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين.

وبعد، لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "مِدادُ العلماء أفضلُ عند الله من دماء الشهداء"(1) كان لزاماً على كلّ عالم أو كاتب أن يكتب للناس مَا يراه صالحاً لهدايتهم، وإصلاح ذات بينهم، وجمع كلمتهم، واخراجهم من الظلمات إلى النور; لأنّ الإنسان إذا ما استُشهد في سبيل الله، وهي دعوة الحقّ من أجل إقامة العدل، فقد لا يتأثَّر به إلاّ الذي حضره، ولكنّ العالم الذي يُعلّم الناس ويكتب قد يتأثّر بعلمه كثير من القرّاء من أبناء جيله، ويبقى كتابه مناراً للأجيال اللاحقة جيلا بعد جيل إلى أن يرث الله الأرض ومَنْ عليها، فكلّ شيء تنقصه النفقة إلاّ العلم فإنّه يزكو بالإنفاق.

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لَئِن يهدي الله بك رجلا واحداً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس" أو "خير لك من الدنيا وما فيها"(2).

فكم من كاتب تُوفّي منذ قرون عديدة، وأصبحت عظامه رميماً، ولكنّ

____________

1- في الأمالي للطوسي: 521 وغيره من المصادر بلفظ: "إذا كان يوم القيامة، وُزن مداد العلماء بدماء الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء".

2- بحار الأنوار 32: 448، وفي مسند أحمد 5: 333 بلفظ: "خير لك من أن يكون لك حمر النعم".


الصفحة 20
أفكاره وعلومه بقيت من خلال كتابه الذي قد يُطبَعُ مئات المرّات عبر الأجيال، فيستلهم الناسُ منه الهداية والتوفيق.

وإذا كان الشهيد حيّاً عند ربّه يُرزق، فكذلك العالم الذي كان سبباً في هداية الناس، فهو حيٌّ عند ربّه وعند العباد يذكرونه بأحسن ذكر، ويدعون له ويستغفرون.

أمّا أنا فلستُ من العلماء ولا أدّعي ذلك لنفسي، وأعوذ بالله من الأنانيّة، بل أنا من خدّام العلماء والباحثين في فضلاتهم، واللاحسين من بقاياهم، والمتّبعين خُطاهم كما يتبع الخادمُ سيّدَهُ.

ولمّا ألهمني الله لكتابة "ثمّ أهتديتُ" ولقيتُ تشجيعاً من عديد من القرّاء والباحثين، ثمّ أردفته بالكتاب الثاني "لأكون مع الصادقين" والذي لقيَ هو الآخر قبولا حسناً، ممّا شجّعني على مواصلة البحث والتنقيب، فكتبتُ الكتاب الثالث "فاسألوا أهل الذكر" دفاعاً عن الإسلام وعن نبيّ الإسلام لإزالة الشُّبهات التي أُلصِقت بحضرته المقدّسة، وكشف المؤامرة التي دُبّرت ضدّه وضدّ أهل بيته الأطهار.

وتلقّيتُ رسائل كثيرة من كلّ أنحاء العالم العربي والإسلامي، تحملُ في طياتها عبارات الودّ والولاء والمحبّة والإخاء، كما دُعيتُ لحضور العديد من المؤتمرات الفكريّة في أنحاء العالم والتي تُقيمها المؤسّسات الإسلامية، فحضرتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الجمهورية الإسلامية، وفي بريطانيا، وفي الهند والباكستان، وفي كينيا وغرب إفريقيا والسويد.

وكلّما التقيت مجموعة من الشباب المثقَّف ومن رجال الفكر، وجدت لديهم إعجاباً وتعطُّشاً لمزيد من المعرفة، فيسألون هل من مزيد، وهل هناك

الصفحة 21
كتابٌ جديد؟

فحمدتُ الله وشكرته على هذا التوفيق، وطلبت منه مزيداً من العناية والهداية، واستعنت به على هذا الكتاب الذي أضعه بين يدي المسلمين الباحثين، والذي يدور في فلك الكتب الثلاثة السابقة، عسى أن ينتفع به بعض المثقّفين والباحثين عن الحقّ، ليعلموا أنّ الفرقة المستهدفة والتي تُسمّى بـ "الشيعة الإماميّة" هي الفرقة الناجية، وأنّهم ـ أي الشيعة ـ هم أهل السنّة الحقيقيّة، وأقصد بالسنّة الحقيقية السنّة المحمّديّة التي صدع بها نبيّ الإسلام بوحي من ربّ العالمين.

فهو لا ينطقُ عن الهوى إن هو إلاّ وحيٌ يوحى، وسأُبيّن للقرّاء الكرام بأنّ الاصطلاح الذي اتّفق عليه مناوئوا الشيعة وخصومهم، وتسمّوا بـ "أهل السنّة والجماعة" ما هي في الحقيقة إلاّ سنّة مزعومة سمّوها هم وآباؤهم، ما أنزل الله بها من سلطان، والنبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) منها بريء.

فكم كُذبَ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! وكم مُنِعَتْ أحاديثُه وأقواله وأفعاله أن تصل إلى المسلمين بحجّة الخوف من اختلاطها بكلام الله، وهي حجّة واهية كبيتِ العنكبوت!! وكم من أحاديث صحيحة أصبحت في سلّة المهملات ولا يُقام لها وزن ولا يُعبأ بها؟! وكم من أوهام وخزعبلات أصبحت من بعده أحكاماً تنسبُ إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

وكم من شخصيّات وضيعة يشهد التاريخ بخسّتها وحقارتها، أصبحتْ بعده سادة وقادة تقود الأُمّة، ويُلتمس لأخطائها الأعذار والتأويلات!

وكم من شخصيّات رفيعة يشهد التاريخُ بسُمُوِّها وشرف منبتها، أصبحتْ بعدَه مهملةٌ لا يعبأُ بها ولا يُلتفتُ إليها، بل تُكفّرُ وتُلعنُ من أجل مواقفها

الصفحة 22
النبيلة!! وكم من أسماء برّاقة جذّابة تُخفي وراءها الكفر والضلال! وكم من قبور تُزار وأصحابها من أهل النار!!

وقد عبَّر ربّ العزّة والجلالة عن كلّ ذلك بأحسن تعبير، فقال: {وَمِنَ الناسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الخِصامِ * وَإِذا تَوَلّى سَعى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ * وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ المِهادُ}(1).

ولعلّي لستُ مبالغاً إذا عملتُ بالحكمة القائلة: "لو عكستَ لأصبتَ"، وعلى الباحث المحقّق أن لا يأخذ الأشياء على ما هي عليه بأنّها من المُسلّمات، بل عليه أن يعْكسها ويشكّك فيها في أغلب الأحيان، ليصل إلى الحقيقة المطموسة التي لعبتْ فيها السياسة كلّ أدوارها.

وعليه أن لا يغتَرَّ بالمظاهر ولا بكثرة العدد، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ }(2).

فقد يَلبسُ الباطلُ لباس الحقّ للتمويه والتضليل، وقد ينجحُ في أغلب الأحيان لبساطة عقول الناس أو لحسن ظنّهم به، وقد ينتصرُ الباطلُ أحياناً لوجود أنصار مؤيّدين لَهُ، فما على الحقّ إلاّ الصبر وانتظار وعد الله بأن يزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً.

وأكبر مثل على ذلك ما حكاه القرآن الكريم في قصّة يعقوب وأولاده، إذ { وَجاؤُوا أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ * قالُوا يا أَبَانَا إِنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ

____________

1- البقرة: 204 ـ 206.

2- الأنعام: 116.


الصفحة 23
مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِن لَنا وَلَوْ كُنّا صادِقِينَ }(1).

وكان من المفروض لو كانوا أهل الصدق أن يقولوا: "وما أنتَ بمؤمن لنا لأنّا كاذبون".

فما كان من سيّدنا يعقوب، وهو نبيُّ الله يُوحَى إليه، إلاّ أن استسلم إلى باطلهم واستعان بالله على الصبر الجميل رغم علمه بأنّهم كاذبون، قال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}(2).

وماذا عساه أنْ يفعل أكثر من ذلك، وهو يواجه أحَدَ عشر رجلا اتّفقوا كلّهم على كلمة واحدة، ومثّلوا مسرحيّة القميص والدّم، وكلّهم يبكون على أخيهم المفقود.

فهل يكشف يعقوب كذبهم ويدحض باطلهم، ويُسارع إلى الجبّ ليخرج ابنه الصغير الحبيب لقلبه، ثمّ يُعاقبهم على فعلتهم الشنيعة؟

كلاَّ، إنّ ذلك فعل الجاهلين الذين لا يهتدون بحكمة الله، أمّا يعقوب فهو نبيّ يتصرّف تصرُّف الحكماء العلماء، وقد قال الله في شأنه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْم لِما عَلَّمْناهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَمُونَ}(3).

فما كان من علمه وحكمته إلاّ أن تولّى عنهم وقال: {يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}(4).

ولو تصرّف يعقوبُ مع أبنائه كما قدّمنا بأن أخرج ابنه من الجبّ،

____________

1- يوسف: 16 ـ 17.

2- يوسف: 18.

3- يوسف: 68.

4- يوسف: 84.


الصفحة 24
وعنّفهم على كذبهم، وعاقبهم على جريمتهم لاشتدّ بُغضهم لأخيهم، ولوصل بهم الأمر إلى اغتيال أبيهم، وربّما عبروا عن ذلك بقولهم لأبيهم: {قَالُواْ تَاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}(1).

ومن كلّ هذا نستنتجُ بأنّ السكوت في بعض الأوقات مستحبٌّ إذا كان في معارضة الباطل مفسدة أو هلاك، أو كان في السكوت عن الحقّ مصلحة عامة ولو آجلة.

ولابدّ أن يُفهم من الحديث النبوي الشريف القائل: "الساكتُ عن الحقّ شيطانٌ أخرس" هذا المدلول الذي يتّفق مع العقل ومع كتاب الله المجيد.

ولو تتبعنا حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لوجدناه يسكتُ في كثير من الأوقات لمصلحة الإسلام والمسلمين، حسبما يُروى في الصحاح من السيرة النبويّة كصلح الحديبية وغيرها.

ورحم الله أمير المؤمنين عليّاً الذي سكت بعد وفاة ابن عمه ـ بأبي هو وأمّي ـ وقال في ذلك قولته المشهورة: "وطفقتُ أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذى وفي الحلق شجا..."(2).

ولو لم يسكت أبو الحسن عن حقّه في الخلافة، وقدّم في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين، لما كان للإسلام بعد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنْ يعيش أبداً على ما رسمه الله ورسوله.

____________

1- يوسف: 85.

2- نهج البلاغة 1: 31، الخطبة: 3.


الصفحة 25
وهذه هي الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس الذين يحتجّون علينا دائماً بصحّة خلافة أبي بكر وعمر لأنّ عليّاً سكتَ عنهما، ويضيفون كما يحلو لهم: "لو كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عيَّن عليّاً للخلافة بعده لما جاز له أن يسكتَ عنها لأنّها من حقّه، والساكت عن الحقّ شيطان أخرس" هذا ما يقولونه ويردّدونه.

وهذا لعمري هو الفهم الخاطئ للذي لا يعرف من الحقّ إلاّ الذي يتماشى مع ميوله وهواه، ولا يُدركُ الحكمة التي تتمخّضُ عن ذلك السكوت، والمصالح الآجلة التي لا تُقدّر بقيمة إذا ما قيستْ بالمصلحة العاجلة نتيجة الثورة على الباطل الذي له أنصارٌ ومؤيِّدون كثيرون.

وإذا كان سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الحديبية على الحقّ وقبوله بشروط قريش وباطل المشركين، حتى ثارتْ ثورة عمر بن الخطّاب فقال للرسول: "أولستَ نبيّ الله حقاً؟! أولسنا على الحقّ وهم على الباطل؟ فلماذا نعطي الدنيّة في ديننا؟"(1).

أقول: إذا كان سكوتُه (صلى الله عليه وآله وسلم) سلبياً بنظر عمر بن الخطّاب وأغلب الصحابة الذين حضروه، فإنّ الواقع يثبتُ بلا شكّ أنّه إيجابيّ لمصلحة الإسلام والمسلمين وإن لم تكن تلك المصلحة عاجلة، فقد ظهرت نتائجه الإيجابية بعد عام واحد، عند ما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكّة المكرّمة بدون حرب ولا مقاومة، ودخل الناسُ في دين الله أفواجاً، عند ذلك استدعى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمر بن الخطّاب، وأطلعه على نتائج سكوته على الحقّ والحكمة من وراء ذلك.

____________

1- مسند أبي يعلى 1: 365، صحيح ابن حبان 11: 244، البداية والنهاية 4: 200.


الصفحة 26
ونحن إذ نقدِّمُ هذه الاستدلالات للتعبير عن الواقع الذي لا مفرّ منه، ألا وهو انتصار الباطل على الحقّ إذا وُجِدَ لَه أنصارٌ ومؤيِّدون، فبالرغم من أنّ علياً مع الحقّ والحقّ معه يدور حيث دار، إلاّ أنّه لم يجد له أنصاراً ومؤيِّدون لمقاومة معاوية وباطله، ولأنّ هذا الأخير وجدَ أنصاراً كثيرين لمقاومة الحقّ ودحضه، فالناس عبيد الدنيا والدّين لعقٌ على ألسنتهم، فهم لا يحبّون الحقّ ويميلون مع الباطل، فالحقّ مرٌّ وصعبٌ، والباطل سهل ميسور.

وصدق الله العظيم إذ يقول: {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ}(1).

وانتصر باطل يزيد على حقّ الحسين لنفس الأسباب، كما انتصر باطل الحكّام الأمويين والعبّاسيين على حقّ الأئمّة من أهل البيت الذين استشهدوا كلّهم ساكتين لمصلحة الإسلام والمسلمين.

كما غاب الإمام الثاني عشر واختفى خوفاً من الباطل، وسكت حتّى يجد لنصرةِ الحقّ أعواناً ومؤيّدين، عند ذلك يأذن اللهُ له بالخروج لتكون ثورة الحقّ ضدّ الباطل عالمية، فيملأها عدلا وقسطاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجوراً، وبتعبير آخر: يملأها حقّاً بعد ما مُلِئَتْ بالباطل.

وبما أنّ أكثر الناس للحقّ كارهون فهم أنصار الباطل، ويبقى في الناس عدد قليل محبّ للحقّ، فلا ينتصرون على أهل الباطل إلاّ بإعانة الله لهم عن طريق المعجزات، وذلك ما سجّله كتاب الله الكريم في كلّ المعارك والحروب التي جمعتْ أهل الحقّ ضدّ أهل الباطل: {كَم مِّن فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}(2).

____________

1- المؤمنون: 70.

2- البقرة: 249.


الصفحة 27
فالذين يصبرون على الحقّ رغم قلّة أعوانه ينصرهم الله سبحانه بالمعجزات، فيبعث الملائكة المسوّمين يُقاتلون معهم، ولولا تدخّل الله مباشرة لما انتصر الحقّ على الباطل أبداً.

وها نحنُ نعيش اليوم هذه الحقيقة المؤلمة، والمؤمنون الصادقون أنصار الحقّ مغلوبون على أمرهم، ومقهورون مشرّدون ومنكوبون، بينما أنصار الباطل الذين يكفرون بالله يحكمون ويلعبون بمصير الشعوب وبأرواحهم، ولا يمكن للمؤمنين المستضعفين أن ينتصروا في معركتهم ضدّ الكافرين المستكبرين إلاّ بإعانة الله تعالى، ولذلك وردتْ الروايات بأنّ المعجزات ستظهر بظهور المهدي (عليه السلام).

وليستْ هذه دعوةً للركود والانتظار، كيف يصحّ ذلك وقد قدّمتُ آنفاً بأنّه لا يظهر إلاّ بوجود الأنصار والأعوان، ويكفي المؤمنين الصادقين أن يحملوا فكر الإسلام الصحيح المتمثِّل في ولاية أهل البيت ـ أعني بذلك التمسُّك بالثّقلين كتاب الله وعترة النبيّ ـ ليكونوا من أنصار وأعوان المهدي المنتظر (عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة وأزكى السلام).

أقول قولي هذا واستغفر الله إن كنت مُخطئاً على رأي الأكثرية من الناس، ومُصيباً على رأي الأقليّة منهم، فلا أُبالي بلوم الأكثرية، ولا أُباهي بمدح الأقلية ما دمت أبتغي رضى الله ورسوله، ورضى الأئمّة من أهل البيت (عليهم السلام).

أمّا رضى الناس فهو غاية لا تُدرك، لأنّ الناس لا يرضون إلاّ عمّا يعجبهم، ولا يميلون إلاّ مع أهوائهم، وأهواؤهم شتى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ

الصفحة 28
لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ... }(1).

وإذا كان أغلب الناس معرضين عن الحقّ، حتّى وصل بهم الأمر إلى قتل رُسُل الله معاندة للحقّ الذي لا يتماشى مع أهوائهم، قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}(2).

فلا غضاضة عليّ إنْ أُهنتُ أو لُعنتُ على لسان البعض منهم، الذين لم يتحمّلوا الحقّ الذي صدعتُ به في كُتُبي السابقة، وقد أعيتهم الحيلة في الردّ عليَّ بالحجّة والدليل العلمي، فلجأوا للسبّ والشتم كما هي عادة الجاهلين.

فلا ولن أخضع للمساومات ولا للترهيب والترغيب، وسأكون المدافع بلساني وقلمي عن رسول الله وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، عسى أن أحظى لديهم بالقبول فأكون من الفائزين، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلتُ وإليه أُنيب.


محمّد التيجاني السماوي التونسي

____________

1- المؤمنون: 71.

2- البقرة: 87.