الصفحة 93

الشيعة في نظر " أهل السنّة "


إذا استثْنينا بعض العلماء المعاصرين الذين أنصفوا في كتاباتهم عن الشيعة بما تفرضه عليهم الأخلاق الإسلامية، فإنّ الأغلبية الساحقة منهم قديماً وحديثاً لا زالوا يكتبون عن الشيعة بعقلية الأمويين الحاقدين، فتراهم في كلّ واد يهيمون ويقولون ما لا يفقَهون، ويسبّون ويشتمون، ويتقوّلون افتراء وبهتاناً على شيعة آل البيت ما هم منه براء، ويكفّرونهم وينبذونهم بالألقاب، اقتداءً بسلفهم الصالح معاوية وأضرابه، الذين استولوا على الخلافة الإسلامية بالقوة والقهر، والمكر والدّهاء، والخيانة والنفاق.

فمرّة يكتبون بأنّ الشيعة هي فرقة من تأسيس عبد الله بن سبأ اليهودي، ومرّة يكتبون بأنّهم من أصل المجوس، وأنّهم روافض قبّحهم الله، وأنّهم أخطر على الإسلام من اليهود والنصارى، ومرّة يكتبون بأنّهم منافقون لأنّهم يعملون بالتّقية، وأنّهم إباحيون يبيحون نكاح المحارم، ويحلّلون المتعة وهي زنا، والبعض يكتب بأنّ لهم قرآناً غير قرآننا، وأنّهم يعبدون علياً والأئمة من بنيه، ويبغضون محمّداً وجبريل، وأنّهم وأنّهم...

ولا يمرُّ عامٌ إلاّ ويطلع علينا كتاب أو مجموعة كتب من أُولئك العلماء الذين يتزعّمون "أهل السنّة والجماعة" بزعمهم، وكلّه تكفير واستهانة بالشيعة.

وليس لهم في ذلك مبرر ولا دافع إلاّ إرضاء أسيادهم الذين لهم مصلحة

الصفحة 94
في تمزيق الأُمّة وتفريقها والعمل على إبادتها، كما ليس لهم فيما يكتبون من حجّة ولا دليل، سوى التعصّب الأعمى، والحقد الدّفين، والجهل المقيت، وتقليد السلف بدون تمحيص ولا بحث ولا بيّنة، فهم كالببّغاء يعيدون ما يسمعون، ويستنسخون ما كتبه النواصب من أذناب الأمويين، والذين لا يزالون يعيشون على مدح وتمجيد يزيد بن معاوية(1).

فلا نستغربُ من أُولئك الممجدّين ليزيد بن معاوية أن يسبّوا ويكفّروا أعداء يزيد هذا.

وإذا كان سلفهم الصالح، يزيد وأبوه معاوية يغدقون على أتباعهم ومن تشيّع لهم الذهب والفضة، ويشترون بها ضمائرهم في الماضي، فإنّ ملايين الدولارات، والقصور الفخمة في لندن وباريس والتي ملئتْ بزرق العين، من الشقراوات، والخمر المصفّى; لقادرة على شراء ضمائرهم ودينهم وأوطانهم في الحاضر.

ولو كان هؤلاء يتبعون السنّة النبويّة ـ كما يزعمون ـ لتعلّموا من أخلاقه العالية (صلى الله عليه وآله وسلم) احترام الغير ولو خالفهم في العقيدة.

ألم تقل السنّة النبويّة: "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً"(2)، و"المسلم للمسلم كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له

____________

1- فقد نشرت وزارة المعارف للمملكة العربية السعودية كتاباً بعنوان: "حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية". وهذا الكتاب انتخبته وزارة المعارف للتدريس في مدارسها الرسمية (المؤلّف).

2- صحيح البخاري 1: 123 (كتاب الصلاة، باب الحلف والجلوس في المسجد)، باختلاف.


الصفحة 95
سائر الجسد بالسهر والحمّى"(1)، ألم يصرّح النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ "سباب المسلم فسوق وقتاله كفرٌ"(2).

فلو كان هؤلاء الكتّاب المدّعون أنّهم من "أهل السنّة والجماعة" يعرفون السنّة النبويّة، لما سمحتْ لهم نفوسهم بتكفير من يشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحجّ البيت الحرام، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.

وبما أنّهم أتباع السنّة الأموية والقريشية، فهم يتكلّمون ويكتبون بالعقلية الجاهلية، والأفكار القبليّة، والنعرات العنصرية، فالشيء من مأتاه لايستغربُ، وكلّ إناء بالذّي فيه ينضح.

ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في الذكر الحكيم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَة سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}(3)؟

فإن كانوا من أهل السنّة حقّاً، فلينادوا إخوانهم من الشيعة إلى كلمة سواء بينهم.

وإذا كان الإسلام ينادي أعداءه من اليهود والنصارى إلى كلمة سواء للتفاهم والتآخي، فكيف بمن يعبدون إلهاً واحداً، ونبيّهم واحدٌ، وكتابهم واحدٌ، وقبلتهم واحدة، ومصيرهم واحدٌ؟!

____________

1- صحيح البخاري 7: 77 (كتاب الآداب، باب الساعي على المساكين)، باختلاف.

2- صحيح البخاري 1: 17 (كتاب الإيمان، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله).

3- آل عمران: 64.


الصفحة 96
فلماذا لا ينادي علماء "أهل السنّة" إخوانهم من علماء الشيعة، ويجلسون معهم حول طاولة البحث، ويجادلونهم بالتي هي أحسن، ويصلحون عقائدهم إن كانت فاسدة كما يزعمون؟

لماذا لا يعقدون مؤتمراً إسلامياً يجمع علماء الفريقين، وتطرحُ فيه كلّ المسائل الخلافية على مسمع ومرأى من كلّ المسلمين، حتّى يعرفوا وجه الصواب من الكذب والبهتان؟

وخصوصاً وأن "أهل السنّة والجماعة" يمثّلون ثلاثة أرباع المسلمين في العالم، ولهم من الإمكانات المادّية والنفوذ لدى الحكومات ما يجعل ذلك عندهم سهلا ميسوراً إذ يملكون الأقمار الصناعية؟!

ولأنّ "أهل السنّة والجماعة" لا يعملون لمثل هذا أبداً، ولا يريدون المواجهة العلمية التي ينادي بها كتاب الله المجيد بقوله:

{ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ }(1).

{ هَلْ عِندَكُمْ مَنْ عِلْم فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }(2).

ولذلك تراهم دائماً يلجأون إلى السبّ والشتم والتكفير والبهت والافتراء، وهم يعرفون بأنّ الحجّة والدليل مع خصومهم الشيعة.

وأعتقد بأنّهم يخافون أن يتشيّع أكثر المسلمين إذا كشفت الحقائق، كما وقع بالفعل لبعض العلماء الأزهريين في مصر الذين سمحوا لأنفسهم

____________

1- البقرة: 111.

2- الأنعام: 148.


الصفحة 97
بالبحث عن الحقّ، فأدركوه واستبصروا ونبذوا ما كانوا عليه من عقيدة "السلف الصالح".

فالعلماء من "أهل السنّة والجماعة" يُدركون هذا الخطر الذي يهدّد كيانهم بالذّوبان، فإذا أعيتهم الحيلة وصل الأمر بالبعض منهم أن حرّم على أتباعه ومقلّديه أن يجلسوا مع الشيعة أو يجادلوهم، أو يتزوّجوا منهم أو يزوّجوهم، أو يأكلوا من ذبائحهم.

ويُفهم من موقفهم هذا بأنّهم أبعد ما يكونون عن السنّة النبويّة، وهم أقرب ما يكونون من سنّة بني أُميّة الذين عملوا بكلّ جهودهم على إضلال الأُمّة المحمّدية بأيّ ثمن; لأنّ قلوبهم لم تخشع لذكر الله وما نزل من الحقّ، ودخلوا في الإسلام وهم كارهون.

وهذا ما عبّر عنه إمامهم معاوية بن أبي سفيان الذي قتل خيار الصحابة من أجل الوصول إلى الحكم فقط، فقد قال في أول خطبة له:

"إنّي لم أقاتلكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا، وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون"(1).

وصدق الله إذ يقول: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}(2).

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16: 14.

2- النمل: 34.


الصفحة 98

الصفحة 99

" أهل السنّة والجماعة " في نظر الشيعة


إذا استثنينا بعض المتعصبين من عوام الشيعة الذين ينظرون إلى "أهل السنّة والجماعة" بأنّهم كلّهم من النواصب(1)، فإنّ الأغلبية الساحقة من علمائهم قديماً وحديثاً لا زالوا يعتقدون بأنّ إخوانهم من "أهل السنّة والجماعة" هم ضحايا الدّس والمكر الأموي; لأنّهم أحسنوا الظنّ "بالسّلف الصالح" واقتدوا بهم بدون بحث ولا تمحيص، فأضلوهم عن الصراط المستقيم، وأبعدوهم عن الثقلين (كتاب الله والعترة الطاهرة) الذين يعصمان المتمسّك بهما من الضلالة ويضمنان له الهداية.

فتراهم كثيراً ما يكتبون للدّفاع عن أنفسهم وللتعريف بمعتقداتهم، داعين للإنصاف ولتوحيد الكلمة مع إخوانهم من "أهل السنّة والجماعة".

وقد جاب بعض علماء الشيعة في الأقطار والأمصار باحثين عن الأساليب الكفيلة لتأسيس دور وجمعيات إسلامية للتقريب بين المذاهب ومحاولة جمع الشمل.

ويمّم آخرون منهم وجهتهم صوب الأزهر الشريف منارة العلم والمعرفة عند "أهل السنّة"، وتقابلوا مع علمائه وجادلوهم بالتي هي أحسن، وعملوا على إزالة الأحقاد، كما فعل الإمام شرف الدين الموسوي عند لقائه بالإمام

____________

1- النواصب جمع ناصبي: وهم الذين ناصبوا العداء لأهل البيت النبوي وحاربوهم وقتلوهم وتتبّعوهم أمواتاً فنبشوا قبورهم (المؤلّف).


الصفحة 100
سليم الدين البشري، وكان من نتيجة ذلك اللقاء والمراسلات ولادة الكتاب القيم المسمّى بـ "المراجعات"، والذي كان له الدور الكبير في تقريب وجهات النظر عند المسلمين.

كما أنّ جهود أُولئك العلماء من الشيعة كُلّلتْ بالنجاح في مصر، فأصدر الإمام محمود شلتوت مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت فتواه الجريئة في جواز التعبّد بالمذهب الشيعي الجعفري، وأصبح الفقه الشيعي الجعفري من المواد التي تدرس بالأزهر الشريف.

هذا، ودأب الشيعة وعلماؤهم بالخصوص على التعريف بأئمة أهل البيت الطّاهرين، وبالمذهب الجعفري الذي يُمثّل الإسلام بكلّ معانيه، وكتبوا في ذلك المجلّدات والمقالات، وعقدوا لذلك الندوات، وخصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عُقدتْ مؤتمرات عديدة في طهران باسم الوحدة الإسلامية، وباسم التقريب بين المذاهب، وكلّها دعوات صادقة لنبذ العداء والأحقاد، ولبثّ روح الإخوة الإسلامية، واحترام المسلمين بعضهم لبعض.

وفي كلّ عام يدعو مؤتمر الوحدة الإسلامية علماء ومفكّرين من الشيعة والسنّة، فيعيشون أُسبوعاً كاملا تحت ظلّ الإخوّة الصادقة، فيأكلون ويشربون، ويصلّون ويدعون، ويتبادلون الآراء والأفكار، ويعطون ويأخذون.

ولو لم يكن لتلك المؤتمرات دورٌ إلاّ تأليف القلوب، وتقريب المسلمين بعضهم من بعض ليتعارفوا، وتزول الأحقاد لكان فيها الخير الكثير والفضل العميم، ولسوف تؤتى أُكلها بعد حين، إن شاء الله ربّ العالمين.

وأنتَ إذا دخلت إلى أيّ بيت من بيوت الشيعة العاديين فضلا عن بيوت

الصفحة 101
العلماء والمثقفين، فسوف تجد فيه مكتبة تضمّ إلى جانب مؤلّفات الشيعة جانباً كبيراً من مؤلّفات "أهل السنّة والجماعة" على عكس "أهل السنّة والجماعة" فقد لا تجد عند علمائهم كتاباً شيعياً واحداً إلاّ نادراً.

ولذلك هم يجهلون حقائق الشيعة، ولا يعرفون إلاّ الأكاذيب التي يكتبها أعداؤهم.

كما أنّ الشيعي العادي تجده في أغلب الأحيان يعرف التاريخ الإسلامي بكلّ أدواره، وقد يحتفل بإحياء بعض ذكرياته.

أمّا العالم السُنّي تجده قليلا ما يهتم بالتاريخ، فهو يعتبره من المآسي التي لا يريد نبشها والاطّلاع عليها، بل يجب إهمالها وعدم النظر فيها، لأنّها تسيء الظن بـ "السلف الصالح".

وبما أنّه أقنع نفسه أو أوهمها بعدالة الصحابة أجمعين ونزاهتهم فلم يعد يتقبّل ما سجّله التاريخ عليهم.

لكلّ ذلك تراه لا يصمد للنقاش البنّاء الذي يقوم على الدليل والبرهان، فتراه إمّا يتهرّب من البحث لعلمه مسبقاً بأنّه مغلوب، وإمّا أن يتغلّب على عواطفه وميوله ويقحم نفسه في البحث، فيصبح ثائراً على كلّ معتقداته، ويتشيّع لأهل بيت المصطفى.

فالشيعة هم أهل السنّة النبويّة; لأنّ إمامهم الأوّل بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) هو علي ابن أبي طالب (عليه السلام) الذي يعيش ويتنفّس بالسنّة النبويّة، أنظر إليه وقد جاؤوه ليبايعوه بالخلافة على أن يحكم بسيرة الشيخين، فقال: "لا أحكمُ إلاّ بكتاب الله وسنّة رسوله"، فلا حاجة لعلي في الخلافة إن كانت على حساب السنّة النبويّة، فهو القائل: "والله لهي [ يعني نعليه ] أحب إليّ من إمرتكم إلاّ

الصفحة 102
أن أُقيم حقاً أو أدفع باطلاً"(1).

وقال ابنه الإمام الحسين (عليه السلام) قولته المشهورة التي بقيت ترنّ في مسمع الدهر: "إن كان دين محمّد لا يستقيم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني"(2).

ولهذا فإنّ الشيعة ينظرون إلى إخوانهم من "أهل السنّة والجماعة" بنظر العطف والحنان، وكأنّهم يريدون لهم الهداية والنجاة; لأنّ ثمن الهداية عندهم حسب ما جاءت به الروايات الصحيحة خير من الدنيا وما فيها.

فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) للإمام عليّ عندما بعثه لفتح خيبر: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، فإن قالوها فقد عُصِمَ منك دماؤهم وأموالهم وحسابهم على الله، لئن يهدي الله بك رجلا واحداً خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس، أو خير لك من أن يكون لك حمر النعم"(3).

وكما كان همّ عليّ بن أبي طالب الوحيد هو هداية الناس والرجوع بهم إلى كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكذلك شيعتهُ اليوم همّهم أن يدفعوا عن أنفسهم كلّ التهم والأكاذيب، وأن يعرّفوا إخوانهم من "أهل السنّة" بحقائق أهل البيت (عليهم السلام)، وبالتّالي يهدوهم إلى سواء السبيل.

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْء وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ}(4).

____________

1- نهج البلاغة 1: 80، الخطبة: 33.

2- أعيان الشيعة 1: 581، في ترجمة الإمام الحسين (عليه السلام)، واعتبره لسان حال.

3- صحيح مسلم 7: 122 (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي (رضي الله عنه))، صحيح البخاري 5: 77، (كتاب المغازي، باب غزوة خيبر)، باختلاف.

4- يوسف: 111.


الصفحة 103

التعريف بأئمّة الشيّعة


لقد انقطع الشيعة للأئمة الاثني عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ ابنه الحسين، ثمّ التسعة المعصومون من ذرّية الحسين ومن نسله.

وقد نصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على هؤلاء الأئمة في العديد من المرّات تصريحاً وتلميحاً، وقد ذكرهم بأسمائهم في بعض الروايات التي أخرجها الشيعة، والبعض من علماء "السنّة".

وقد يعترض البعض من "أهل السنّة" على هذه الروايات مُستغرباً كيف يتكلّم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أُمور غيبيّة ما زالت في طي العدم؟ وقد جاء في القرآن قوله: {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}(1).

وإجابة على ذلك نقول: بأنّ هذه الآية الكريمة لا تنفي عن الرسول علمه بالغيب مطلقاً، إنّما جاءت ردّاً على المشركين الذين طلبوا منه أنْ يُعلمهم عن قيام الساعة، وموعد الساعة قد اختصّ الله سبحانه بعلمه.

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: { عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُول... }(2).

وفي هذا دلالة على أنّه سبحانه يُطلعُ على غيبه رُسلَه الذين اصطفاهم،

____________

1- الأعراف: 188.

2- الجن: 26 ـ 27.


الصفحة 104
ومن ذلك مثلاً قول يوسف (عليه السلام) لأصحابه في السجن: { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي... }(1).

وكقوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْماً}(2). حكاية عن الخضر الذي التقى بموسى، وعلّمه من علم الغيب ما لم يستطع عليه صبراً.

والمسلمون شيعة وسنّة لم يختلفوا في أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلمُ الغيب، وقد سجّلتْ سيرته الكثير من الأخبار بالغيب كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ويح عمّار تقتله الفئة الباغية"(3).

وقوله لعلي: "أشقى الآخرين الذي يضربك على رأسك فيخضب لحيتك"(4).

وقوله: "إنّ ابني الحسن يصلح الله به فئتين عظيمتين"(5).

____________

1- يوسف: 37.

2- الكهف: 65.

3- مسند أحمد 3: 91 وصرّح محقق الكتاب العلاّمة أحمد شاكر بصحته، صحيح البخاري 3: 207 (كتاب الجهاد والسير، باب من قاتل لتكون كلمة اللّه هي العليا)، وقريب منه في صحيح مسلم 8: 186 (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل)، المستدرك للحاكم 2: 149.

4- تاريخ دمشق 42: 547، مسند أبي يعلى 1: 377، المعجم الكبير 8: 38، باختلاف.

5- سنن أبي داود 2: 405 ح4662، المعجم الكبير للطبراني 3: 34، صحيح البخاري 8: 98 (كتاب الفتن، باب قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للحسن بن علي: إنّ ابني هذا لسيّد).


الصفحة 105
وكقوله لأبي ذرّ بأنّه سيموت وحيداً طريداً، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة، ومنها حديثه المشهور الذي أخرجه البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين والذي جاء فيه: "الأئمة من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش"(1)

____________

1- بهذا اللفظ في كفاية الأثر للخزاز القمي: 27، ورد بألفاظ مختلفة في كلّ من: صحيح البخاري 8: 127 (كتاب الأحكام، باب بيعة النساء)، صحيح مسلم 6: 3 (كتاب الامارة، باب الناس تبع لقريش)، سنن أبي داود 2: 309 ح4280، سنن الترمذي 3: 340، المستدرك 3: 618، وغيرها.

ولا يخفى أنّ الحديث لا يدلّ على لزوم تصدّي هؤلاء الاثني عشر للحكم الظاهري، فلا يقدح فيه عدم جريان أحكام بعض الأئمة (عليهم السلام) في الظاهر، ولهذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) مشيراً إلى الحسنين: "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا"، فالحديث يدلّ على أنّ أمر الناس سيكون ماضياً والإسلام سيكون عزيزاً إذا وليهم اثنا عشر خليفة، فما دام لم يليهم هؤلاء لم يكونوا أعزّاء بل أصيبوا طيلة حياتهم ومنذ وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا بأنواع الفتن والمحن، وهذا نظير قوله تعالى: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً) فبما أنّهم لم يستقيموا لم يسقوا، وبما أنّ المسلمين لم يتمسّكوا بهؤلاء الاثني عشر لم يكونوا أعزّاء.

ثمّ إنّ هذا الحديث من المعاجز النبويّة ومن الأُمور الغيبية التي أخبر بها نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد أثبتها الرواة ورووها قبل اكتمال عدد الأئمة (عليهم السلام) فلا يحتمل فيها الوضع من قبل الشيعة، ولا يقدح في تمسّكنا به افتراق بعض الشيعة، فإنّ الضلال له أسباب ودوافع مختلفة منها المعاندة، قال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ)، فافتراق بعض الشيعة وانحرافهم عن الصراط المستقيم لا يدلّ على عدم صحة تمسّكنا بهذا الحديث.

ثمّ إنّه لا يقال: "إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أبلغ الناس ولا يذكر الأعم وهو قوله: كلّهم من قريش، ويريد الأخص وهو عليّ وأولاده، فهذا خلاف البلاغة".

=>


الصفحة 106

____________

<=

لأنّنا نقول: أولا: ذكر العام وإرادة الخاص يكون قبيحاً فيما إذا لم تكن هناك قرائن متصلة أو منفصلة تعيّن المراد.

وهذه القرائن بحمد الله موجودة سواء كانت متصلة أو منفصلة، أما القرائن المتصلة فيدلّ على وجودها النظر في متن الحديث وما وقع والغوغاء بعد تكلّم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بحيث لم يسمع الراوي تمام الحديث، ولذا اضطرّ بالسؤال عن أبيه أو عمّه أو غيرهما ـ كما ورد في الأحاديث ـ فقد جاء في مسند أحمد 5: 93 "ثمّ تكلم بكلمة لم أفهمها وضجّ الناس" وفي لفظ الطبراني 2: 196 "ثمّ لغط الناس وتكلّموا فلم أفهم قوله بعد كلّهم" وفي المعجم أيضاً 2: 249 "ثمّ تكلّم بشيء لم أسمعه فزعم القوم أنّه قال: كلّهم من قريش" فهذه النصوص وغيرها ممّا تدلّ على وجود قرائن في الكلام حاول البعض إخفائها كما فعلوا فيما بعد عند مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) من لغطهم واختلافهم.

وفي لفظ كفاية الأثر للخزاز القمي ص106 هكذا جاء: "الأئمة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش، تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم" وهذا هو المعوّل عندنا.

وأمّا القرائن المنفصلة فهي كثيرة، منها حديث الثقلين، ومنها ما ورد عن عليّ (عليه السلام) كما في النهج الخطبة 142 حيث قال: "إنّ الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم".

أمّا ثانياً: لو فرضنا أنّ القرائن اللفظية انعدمت لكنّ العقل هو الحاكم هنا، وهو الذي يخصّص هذا العموم. قال الآمدي في الإحكام 2: 339: "مذهب الجمهور من العلماء جواز تخصيص العموم بالدليل العقلي... ودليل ذلك قوله تعالى: (اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيء) متناول بعموم لفظه لغة كلّ شيء مع أنّ ذاته وصفاته أشياء حقيقة وليس خالقاً لها... وكذلك قوله: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ...) فإنّ الصبي والمجنون من الناس حقيقة، وهما غير مرادين من العموم، بدلالة نظر العقل على امتناع تكليف من لا يفهم". فما نحن فيه من هذا القبيل، أي نتصرّف

=>


الصفحة 107

____________

<=

عن عموم اللفظ في الحديث بدلالة نظر العقل على امتناع تولّي من لا أهلية له بهذا المنصب; لأنّ الإمامة تلو النبوة واستمرار لها ولا ينالها إلاّ من كان بمرتبة النبيّ وبمنزلته علماً وورعاً وشجاعة وغيرها من الصفات، فيخرج من العموم بضرورة العقل كلّ من لم يكن بمنزلة النبيّ في جميع صفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) سوى نزول الوحي، وإن كان قرشياً، فلابدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من عترته; لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله، وكان علمهم متصلا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالوراثة واللّدنية.

ومن القرائن التي تشهد على أنّ المراد بالحديث هم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هو: إنّ الحديث صرّح بأنّ الدين عزيزاً ومنيعاً وأمر الناس قائماً ما وليهم هذا العدد، وإذا رجعنا إلى خلفاء أهل السنّة نجدهم في اضطراب كامل في التوفيق بين متن الحديث، وبين الواقع الخارجي، حيث إنّ هناك أكثر من اثني عشر خليفة أوّلا، وأنّ هؤلاء الخلفاء لم يكونوا عدولا وذلّ الدين في زمن بعضهم، فلأجل ذلك اضطربوا في كيفية التوفيق بين متن الحديث وما جرى في الواقع الخارجي من تولي الخلافة الإسلامية من لا ينطبق عليه شيء من مواصفات الحديث، قال ابن العربي في شرح سنن الترمذي: (فعددنا بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) اثني عشر أميراً فوجدنا: أبا بكر وعمر، وعثمان، وعلياً، والحسن، ومعاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمّد بن مروان، السفاح، فعد سبعاً وعشرين إلى عصره ـ ثمّ قال ـ: وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة: الخلفاء الأربعة وعمر بن العزيز، ولم أعلم للحديث معنىً) 9: 68.

وقال جلال الدين السيوطي: (وقد وجد من الاثني عشر: الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن

=>


الصفحة 108
وفي بعض الروايات "كلّهم من بني هاشم"(1).

وقد أثبتنا في الأبحاث السابقة من كتاب "مع الصادقين" وكتاب "فاسألوا أهل الذكر" بأنّ علماء السنّة أنفسهم أشاروا في صحاحهم ومسانيدهم إلى تلك الأحاديث الدّالة على إمامة الأئمة الاثني عشر وصحّحوها.

وإذا سأل سائل: لماذا تركوهم واقتدوا بغيرهم من ائمة المذاهب الأربعة، إذا كانوا يعترفون بتلك الأحاديث ويُصحّحونها؟!

____________

<=

يضم اليهم المهتدي من العباسيين.. وبقي المنتظران أحدهما المهدي، لأنه من آل بيت محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)). تاريخ الخلفاء: 12.

وقال ابن حجر في فتح الباري 13: 182: "قال ابن بطال عن الملهب: لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث يعني بشيء معيّن; فقوم قالوا: يكونون بتوالي امارتهم، وقوم قالوا: يكونون في زمن واحد كلّهم يدّعي الإمارة، قال: والذي يغلب على الظنّ أنّه عليه الصلاة والسلام أخبر بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد.. أنّه أراد أنّهم يكونون في زمن واحد).

ثمّ قال في 13: 184: (وقيل: إنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ وإن تتوالى أيامهم...).

فالملاحظ من الكلام في تفسير معنى الحديث الاضطراب والتفاوت الشاسع بين التمحلات والتأويلات المذكورة، نتيجة المفارقة الكبيرة بين متن الحديث المتضمن لعزة الدين ومنعته وقوته في زمن هؤلاء الخلفاء، وبين ما وقع خارجاً حيث كان المستولي على الخلافة الإسلامية في أغلب الأحيان متهتك بالدين، ومذل للمؤمنين وللنفس المحترمة وغيرها كمعاوية ويزيد ومروان الذي بوجودهم وقع الدين في ذلّة، والمسلمين في تقهقر عقدي وشرعي فكيف يكون من هذا حاله مصداقاً للحديث "الأئمة الاثني عشر"؟!!

ومن هذا التوضيح المقتضب يتضح أنّ ما ذكره عثمان الخميس في كتاب كشف الجاني: 197 ناشئ من النصب الذي يحمله على أهل البيت (عليهم السلام)، والنفس الأموية المشربة بدماء آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).

1- ينابيع المودة 2: 315 ح908 عن مودّة القربى.


الصفحة 109
والجواب هو: إنّ "السلف الصالح" كلّهم من أنصار الخلفاء الثلاثة الذين ولّدتهم السقيفة، أبو بكر وعمر وعثمان، فكان نفورهم من أهل البيت وعداؤهم للإمام علي وأولاده لابدّ منه، فعملوا كما قدّمنا على محق السنّة النبويّة وإبدالها باجتهاداتهم.

وسبب ذلك انقسام الأُمّة إلى فرقتين بعد وفاة الرسول مباشرة، فكان "السلف الصالح" ومن تبعهم ورأى رأيهم يمثّلون "أهل السنّة والجماعة"، وهم الأغلبية الساحقة في الأُمّة، وكان الأقلية القليلة علي وشيعته الذين تخلّفوا عن البيعة ولم يقبلوا بها، فأصبحوا من المنبوذين والمغضوب عليهم، وأطلَقوا عليهم اسم الروافض.

وبما أنّ "أهل السنّة والجماعة" هم الذين تحكّموا بمصير الأُمّة عبر القرون، فحكّام بني أُميّة كلّهم، وحكّام بني العباس كلّهم هم أنصار وأتباع مدرسة الخلافة التي أسسها أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية(1) ويزيد.

ولمّا فشل أمر الخلافة وذهبت هيبتُها، وأصبحت في أيدي المماليك والأعاجم، وسُمح بتدوين السنّة النبويّة، عند ذلك ظهرتْ تلكم الأحاديث التي عمل الأولون على طمسها وكتمانها، ولم يقدروا فيما بعد على محوها وتكذيبها، وبقيت تلك الأحاديث من الألغاز المحيرة عندهم; لأنّها تخالف الأمر الواقع الذي آمنوا به.

____________

1- لقد أغفلنا ذكر خلافة علي بن أبي طالب قصداً، لأنّ "أهل السنّة والجماعة" لم يكونوا يعترفون بها ـ كما قدّمنا ـ إلاّ في زمن أحمد بن حنبل. راجع فصل "أهل السنّة لا يعرفون السنّة النبويّة" في صفحات سابقة من هذا الكتاب (المؤلّف).


الصفحة 110
وحاول بعضهم التوفيق بين تلك الأحاديث وما هم عليه من العقيدة، فتظاهروا بمحبّة أهل البيت ومودّتهم، فتراهم كلّما ذكروا الإمام علياً يقولون رضي الله عنه وكرّم الله وجهه، حتى يتبين للناس بأنّهم ليسوا بأعداء لأهل البيت النبوي.

فلا يمكن لأيّ واحد من المسلمين حتى المنافقين منهم أنْ يظهِرَ عداءهُ لأهل البيت النبوي; لأنّ أعداء أهل البيت هم أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك يخرجهم من الإسلام كما لا يخفى.

والمفهوم من كلّ هذا بأنّهم في الحقيقة أعداء أهل البيت النبوي، ونقصد بهؤلاء "السلف الصالح" الذين تسمّوا أو سمّاهم أنصارهم بـ "أهل السنّة والجماعة"، والدليل أنّك تجدهم كلّهم يُقلدون المذاهب الأربعة الذين أوجدتهم السلطة الحاكمة ـ كما سنبيّنه عمّا قريب ـ وليس عندهم في أحكام الدين شيء يرجعون فيه لفقه أهل البيت، أو لأحد الأئمة الاثني عشر.

والحقيقة تفرضُ بأنّ الشيعة الإمامية هم أهل السنّة المحمّدية; لأنّهم تقيّدوا في كلّ أحكامهم الفقهية بأئمة أهل البيت، الذين توارثوا السنّة الصحيحة عن جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يدخلوا فيها الآراء والاجتهادات وأقوال العلماء.

وبقيَ الشيعة على مرّ العصور يتعبّدون بالنصوص، ويرفضون الاجتهاد في مقابل النصّ، كما يؤمنون بخلافة علي وبنيه; لأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نصّ على ذلك، فهم يسمّونهم خلفاء الرسول، ولو لم يصل منهم إلى الخلافة الفعلية إلاّ

الصفحة 111
علي، ويرفضون ولا يعترفون بالحكّام الذين تداولوا الخلافة من أولها إلى آخرها; لأنّ أساسها كان فلتةً وقى الله شرّها، ولأنّها قامت رفضاً وردّاً على الله ورسوله، وكلّ الذين جاؤوا بعدها هم عيال عليها، فلم يقم خليفة إلاّ بتعيين السابق له، أو بالقتال والتغلّب والقهر(1).

ولذلك اضطرّ "أهل السنّة والجماعة" للقول بإمامة البرّ والفاجر، لأنّهم قبِلوا بخلافة كلّ الحكّام حتى الفاسقين منهم.

وامتاز الشيعة الإمامية بالقول بوجوب عصمة الإمام، فلا تصحّ الإمامة الكبرى وقيادة الأُمّة إلاّ للإمام المعصوم، وليس في هذه الأُمّة بشر معصوم إلاّ الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهرهم تطهيراً.

____________

1- يُستثنى من ذلك فقط خلافة علي بن أبي طالب، فهو الوحيد الذي لم يتعيّن من قِبَل الذي سبقه، ولم يتسلّط عليها بالقهر والقوّة، بل بايعه المسلمون بكل حرّية وطواعية، بل ودعوه إليها بإصرار (المؤلّف).


الصفحة 112