الصفحة 267
كما أنّهم حاولوا منع دفن الإمام محمّد بن جرير الطبري صاحب التفسير الكبير والمؤرّخ العظيم لا لشيء إلاّ لأنّه صحَّح حديث غدير خم "من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه" وجمع رواياته من طرق متعدّدة، بلغت حدّ التواتر.

قال ابن كثير: وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه حديث الطير المشوي(1).

وذكره أيضاً ابن حجر في لسان الميزان فقال: هو الإمام الجليل والمفسِّر، ثقة، صادق، فيه تشيّع يسير وموالاة لا تضرّ(2).

____________

1- البداية والنهاية لابن كثير 11: 167.

2- لسان الميزان لابن حجر 5: 100 في ترجمة ابن جرير الطبري.


الصفحة 268
وهذا المحدِّث الكبير الإمام النسائي، وهو صاحب أحد الصحاح الستّ عند "أهل السنّة"، عندما كتب كتاب الفضائل في أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، سألوه عن فضائل معاوية، فقال: لا أعرف له فضيلة إلاّ "لا أشبع الله بطنه"، فضربوه على مذاكيره حتى غُشي عليه ونقل ومات من ذلك.

كما يحدّثنا ابن كثير في تاريخه عن حوادث سنة 363هـ التي وقعت في بغداد بين الشيعة و"أهل السنّة والجماعة" بمناسبة يوم عاشوراء، قال:

إنّ جماعة من "أهل السنّة" أركبوا امرأة سمّوها عائشة، وتسمّى بعضهم بطلحة، وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي (عليه السلام)، فقتل بسب ذلك خلق كثير(1).

وهذا بالضبط ما يقع اليوم في الهند فإنّ "أهل السنّة والجماعة" يهجمون على الشيعة في يوم عاشوراء ليمنعوهم من موكب التعزية، فيُقتل بسبب ذلك خلق كثير من المسلمين الأبرياء.

وبعد هذا العرض يتبيّن لنا بوضوح بأنّ النواصب الذين عادوا عليّاً (عليه السلام) وحاربوا أهل البيت (عليهم السلام)، هم الذين سمّوا أنفسهم بـ "أهل السنّة والجماعة"، وقد عرفنا ماذا يقصدون بالسنّة، وماذا يقصدون بالجماعة.

ومن البديهي أنّ من كان عدوّاً لعترة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو عدوّ لجدّهم رسول الله، ومن كان عدوّاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو عدو الله.

ومن البديهي أيضاً أنّ عدو الله ورسوله وأهل بيته ليس هو من عباد

____________

1- البداية والنهاية لابن كثير 11: 312.


الصفحة 269
الرحمان، وليس هو من أهل السنّة، إلاّ أن تكون سنّة الشيطان هي المقصودة.

أمّا سنّة الرحمان فهي مودّة الله ورسوله وأهل البيت وموالاتهم والسير على هديهم، قال تعالى: {قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(1).

فأين معاوية من عليّ، وأين أئمة الضلال من أئمة الهدى، وأين "أهل السنّة والجماعة" من الشيعة الأبرار؟

{هَـذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}(2).

صدق الله العلي العظيم

____________

1- الشورى: 23.

2- آل عمران: 138.


الصفحة 270

الصفحة 271

تحريف أهل السنّة والجماعة كيفية الصلاة على محمّد وآله


تمعَّن ـ رعاك الله ـ في هذا الفصل فإنّك ستعرف خفايا "أهل السنّة والجماعة" إلى أيّ مدى وصل بهم الحقد على عترة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يتركوا شيئاً من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) إلاّ وحرَّفوه.

من ذلك الصلاة على محمّد وآل محمّد التي نزل بها القرآن الكريم، فقد أخرج البخاري ومسلم وكلّ المحدّثين من "أهل السنّة والجماعة" بأنّ الصحابة جاؤوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نزل قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}(1) فقالوا: يا رسول الله، عرفنا كيف نسلّم عليك، ولم نعرف كيف نصلي عليك؟!

فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "قولوا: اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنّك حميد مجيد.."(2).

وزاد بعضهم قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ولا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء"، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: "أن تقولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وتسكتوا، وإن الله كامل لا يقبل إلاّ الكامل"(3).

____________

1- الأحزاب: 56.

2- صحيح البخاري 4: 118 (باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً })، صحيح مسلم 2: 16 (كتاب الصلاة، باب كيفية الصلاة على النبيّ).

3- نحوه الصواعق المحرقة 2: 430، الآية الثانية من الآيات الواردة فيهم (عليهم السلام).


الصفحة 272
ممّا حدا بالإمام الشافعي أن يقول ويصرّح بأنّ الذي لا يصلّي على أهل البيت لا يقبل الله صلاته.

وفي سنن الدارقطني بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من صلّى صلاة لم يصلِّ فيها عليَّ ولا على أهل بيتي لم تقبل صلاته"(1).

وأخرج ابن حجر في صواعقه قال: أخرج الديلمي أن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "الدعاء محجوب حتى يصلّ على محمّد وأهل بيته"(2).

كما أخرج الطبراني في الأوسط عن عليّ (عليه السلام) قال: "كلّ دعاء محجوب حتى يُصلَّى على محمّد وآل محمّد"(3).

وبعدما عرفنا من صحاح "أهل السنّة والجماعة" كيفيّة الصلاة على محمّد وآل محمّد، وعرفنا أيضاً بأنّ الله لا يقبل صلاة عبد إذا لم يصلِّ فيها على محمّد وآل محمّد، كما وأنّ دعاء المسلم محجوب حتى يصلّي على محمّد وآل محمّد.

وإنّها لعمري فضيلة عظيمة ومنقبة جليلة، فضَّلَتْ أهل البيت على سائر البشر، فبهم يتقرَّب المسلم إلى ربّه.

ولكنّ "أهل السنّة والجماعة" غاظهم أن يتركوا هذه الفضيلة لأهل البيت وأحسوا بخطورتها، إذ إنّ أبا بكر وعمر وعثمان وكلّ الصحابة مهما قيل

____________

1- سنن الدارقطني 1: 348.

2- الصواعق المحرقة لابن حجر 2: 434، الآية الثانية.

3- المعجم الأوسط للطبراني 1: 220، عنه مجمع الزوائد 10: 160 وقال: رجاله ثقات، كنز العمال 2: 269 ح3988.


الصفحة 273
فيهم من فضائل مكذوبة ومناقب مزعومة، فإنّهم لا يبلغون هذه المنزلة ولا يطاولون هذه المنقبة; لأنّهم وبأجمعهم لا يقبل الله صلاتهم إذا لم يتقربوا إلى الله بالصلاة على علي بن أبي طالب بعد محمّد لأنّه سيّد العترة كما لا يخفى; فعمدوا إلى تحريفها بإضافة جزء من عندهم لم يأمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرفعوا بذلك مكانة أسيادهم من الصحابة، كما عمدوا على بترها من القرن الأوّل، فإذا ما كتبوا كتاباً تراه خال من الصلاة الكاملة، وعند ذكرهم لاسم محمّد أو النبيّ أو رسول الله يكتبون فقط، صلى الله عليه وسلّم بدون ذكر آل محمّد.

وإذا تكلَّمت اليوم مع أحدهم وقلت له: صلِّ على محمّد، فسيجيبك صلّى الله عليه وسلّم بدون ذكر الآل حتى إنّ بعضهم يلفلفها لفاً، فلا تسمع منه إلاّ (صلّ وسلم).

أمّا إذا سألت أيّ شيعي عربي كان أو فارسي أن يصلّي على محمّد فسيقول: اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد.

وقد جاء في كتب "أهل السنّة والجماعة" قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): قولوا: اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد بصيغة الحاضر والمستقبل وبصيغة الدعاء والطلب منه سبحانه.

ولكنّهم مع ذلك يكتفون بعبارة صلّى الله عليه وسلّم بصيغة الماضي الإخباري وبدون ذكر الآل.

وقد حاول زعيم "أهل السنّة والجماعة" معاوية بن أبي سفيان أن يمحو

الصفحة 274
ذكر محمّد من الأذان(1).

فلا غرابة أن يعمد أتباعه ومقلِّدوه على بتر الصلاة وتحريفها، ولو قدروا على حذفها لفعلوا، ولكن هيهات هيهات.

وقد تسمع اليوم في كلّ منبر من منابرهم وبالخصوص منابر الوهابية الصلاة المحرفة، فإمّا أنّهم يصلّون صلاة بتراء، وإذا ما اضطروا إلى إكمالها فإنّهم عندئذ يزيديون عليها لفظاً: وعلى أصحابه أجمعين، أو يقولون: وعلى أصحابه الطيبين الطاهرين، ويحوِّلون بذلك آية التطهير النازلة في أهل البيت إلى الصحابة; ليموِّهوا على عامة الناس بأنّ أهل البيت والصحابة في الفضل سواء.

وقد أخذوا علم التمويه والتحريف على فقيههم الأوّل، ومرشدهم الكبير عبد الله بن عمر الذي عرفنا بغضه لأهل البيت.

فقد أخرج مالك في الموطأ أنّ عبد الله بن عمر كان يقف على قبر النبيّ، فيصلّي على النبيّ وعلى أبي بكر وعلى عمر(2).

وأنت أيّها الباحث إذا تأمّلت في الواقع، فإنّك لا تجد لهذه الزيادة من الصلاة على الصحابة أصلا لا في الكتاب ولا في السنّة النبويّة، وإنّما أمر الكتاب والسنّة بالصلاة على محمّد وآل محمّد، والأمر هو موجه للصحابة قبل غيرهم من المكلّفين.

وإنّك لا تجد هذه الزيادة إلاّ عند "أهل السنّة والجماعة" فكم لهم من

____________

1- راجع في ذلك كتاب "فأسألوا أهل الذكر".

2- الموطأ: 183 ح68، باب 22 فيما جاء في الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم).


الصفحة 275
بدعة في الدين ابتدعوها وسمّوها سنّة، وهم يريدون من ورائها طمس فضيلة أو ستر حقيقة. {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1).

وبهذا يتبيّن لنا أيضاً من هم أهل السنّة الحقيقيين من الأدعياء المزيفين.

____________

1- الصف: 8.


الصفحة 276

الصفحة 277

أكاذيب تكشفها حقائق


نُريد أن نبيِّن في هذا الفصل لكلّ عاقل حرّ ترك التعصّب ورفع الحجب والغشاوة عن بصره وبصيرته ليصل إلى الهداية والحقّ.

فنقول له بأنّ كلّ أقطاب "أهل السنّة والجماعة" وأئمتهم قد خالفوا صريح السنّة النبويّة ونبذوها وراء ظهورهم، وتركوها عامدين طائعين.

فلا يغترنّ مسلم بما يسمعه هنا وهناك من مدح وإطراء مزيف، لا يقوم على دليل واضح ولا برهان ساطع.

ونحن إذ نكشف عن هذه الحقائق لا نتقوّل عليهم، ولا نزيد شيئاً على ما ذكروه هم أنفسهم في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم، وقد ذكرنا البعض من هذه الحقائق في كتبنا السابقة، ومررنا عليها مرور الكرام، ولا بأس بذكرها بشيء من التفصيل هنا حتى تشرق شمس الهداية، وتتبدّد سحب الضلال، ويحلّ النور محلّ الظلام.

وقد قلنا في ما سبق بأنّ في الإعادة إفادة، وإذا ما تكرّرت الأحداث بأساليب متعدّد قد يستفيد منها القارئ أكثر; لأنّ القرّاء قد يستهويهم أُسلوب معين فيقرأونه بدون ملل، وقد تعلّمنا من القرآن الكريم هذا الأُسلوب الحكيم، فهو يقصّ علينا قصّة موسى وعيسى (عليهما السلام) في العديد من السور، وبأساليب متعدّدة يعضد بعضها بعضاً.

وسوف نأتي على ذكر الأئمة والأقطاب الذين يعتمدهم "أهل السنّة

الصفحة 278
والجماعة" ويعتبرونهم قمّة العلم والفقه، ويقدّمونهم على الأئمة الأطهار من آل بيت المصطفى المختار، مهملين بعض الصحابة الذين عرفوا لدى الخاصّ والعام من العلماء وغير العلماء بفسقهم وفجورهم وبعدهم عن روح الإسلام وأخلاقه، أمثال معاوية، وابنه يزيد(1)، وابن العاص، وابن مروان، وابن شعبة وغيرهم.

ولوجبت في بعض البلاد العربية والإسلامية لـ "أهل السنّة والجماعة" فسوف تجد لهؤلاء ذكراً وتمجيداً، وشوارع بأسمائهم، وكتباً في عبقرياتهم وحسن سياستهم وصحة خلافتهم.

ومع ذلك فنحن لا نضيع الوقت في الكتابة عنهم وكشف عوراتهم، فقد كفانا ذلك بعض الأحرار من المؤرّخين والمفكرّين.

ولكن سنتناول في هذا البحث أُولئك الأئمة الذين اشتهروا بالصلاح والعدل والزهد والتقوى، فكانوا عمدة "أهل السنّة والجماعة" حتى نتعرّف من قريب كيف أنّهم غيَّروا سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأحدثوا في هذه الأُمّة البدع التي سببت الفرقة والضلالة، وحطمت ذلك البناء الشامخ الذي شيّده رسول

____________

1- أخرج ابن سعد في طبقاته الكبرى 5: 66، عن عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بحجارة من السماء، إنّ رجلا ينكح الأُمهات والبنات والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليتُ لله فيه بلاءً حسناً.

نعم، هذا هو يزيد الخمور والفجور الذي قتل ريحانة الرسول ومعه العترة كلّهم، وأباح مدينة الرسول، ورغم ذلك فإنك تجد اليوم دولة إسلامية تكتب كتاباً عنوانه "حقائق عن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية"!!


الصفحة 279
الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقضى حياته كلّها عملا وجهاداً لصيانته وتثبيته.

وقد انتقيت من بين أقطاب "أهل السنّة والجماعة" اثني عشر شخصيّة، كان لها دور كبير في التأثير على سير الأحداث وتغيير معالم الدين، والمساهمة في تفريق الأُمّة وتشتيتها.


الصفحة 280

الصفحة 281

أئمة "أهل السنّة والجماعة" وأقطابهم


1 ـ أبو بكر بن أبي قحافة الخليفة الأوّل.

2 ـ عمر بن الخطّاب الخليفة الثاني.

3 ـ عثمان بن عفان الخليفة الثالث.

4 ـ طلحة بن عبيد الله.

5 ـ الزبير بن العوّام.

6 ـ سعد بن أبي وقاص.

7 ـ عبد الرحمان بن عوف.

8 ـ عائشة بنت أبي بكر "أُمّ المؤمنين".

9 ـ خالد بن الوليد.

10 ـ أبو هريرة الدوسي.

11 ـ عبد الله بن عمر.

12 ـ عبد الله بن الزبير.

فهؤلاء اثنا عشر شخصية اخترتهم من بين كثير من أقطاب "أهل السنّة والجماعة"; لكثرة ذكرهم وتمجيدهم والثناء عليهم، أو لكثرة رواياتهم وغزارة علمهم كما يزعمون. وسوف نتناول بالبحث الموجز لكلّ واحد منهم، ونبرز مخالفته للسنّة النبويّة إمّا عمداً أو جهلا; حتّى يتبيّن للباحث بأنّ "أهل السنّة والجماعة" يدّعون ما ليس لهم، ويتّبعون أهواءهم، زاعمين

الصفحة 282
بأنّهم على الحقّ وغيرهم على ضلال!

1 ـ أبو بكر (الصديق) ابن أبي قحافة:

لقد وافينا في بعض الأبحاث السابقة من كتبنا بأنّه جمع خمسمائة حديث للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحرقها بالنار، وخطب في الناس قائلا: لا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم القرآن، فأحلوا حلاله وحرّموا حرامه.

وقد ذكرنا أيضاً بأنّه خالف سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتابة الكتاب، وأيّد عمر في قوله: "إنّ رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله، يكفينا".

كما ضرب بنصوص النبيّ في استخلاف علي عرض الجدار، واغتصب الخلافة.

كما ترك سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في تأمير أُسامة عليه وسيره في جيشه.

كما ترك سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في إيذاء بضعته الزهراء وتحدّى غضبها.

كما ترك سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حرب وقتل المسلمين الذين منعوه الزكاة.

كما ترك سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في حرقه الفجاءة السلمي، وقد نهى النبيّ عن ذلك.

كما ترك سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في منعه سهم المؤلفة قلوبهم واتّبع رأي عمر.

كما ترك سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في استخلافه عمر على المسلمين دون مشورتهم.

نعم، كلّ هذه المخالفات وغيرها لسنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) سجّلها صحاحُ "أهل السنّة والجماعة" ومؤرّخوهم، وطفحت بها كتب السير.


الصفحة 283
فإذا كانت السنّة النبويّة كما عرّفها العلماء: هي كلّ قول أو فعل أو إقرار لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد خالف أبو بكر السنّة بأجمعها من قول وفعل وتقرير.

  ومن القول مثلا: قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني"(1)، وقد ماتت فاطمة وهي غاضبة عليه، كما أخرج ذلك البخاري(2).

وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لعنَ الله من تخلّف عن جيش أُسامة"(3)، قاله عندما طعنوا في تأميره أُسامة، ورفضوا الخروج معه والالتحاق بجيشه، وقد تخلّف أبو بكر رغم كلّ ذلك متذرّعاً بالخلافة.

  ومن الفعل مثلا: ما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع المؤلّفة قلوبهم، إذ عاملهم بالحُسنى وأعطاهم سهماً من الزكاة بأمر من الله تعالى.

ولكنّ أبا بكر حرمهم من ذلك الحقّ الذي نصّ عليه القرآن وفعله النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نزولا على رغبة عمر بن الخطّاب الذي قال لهم: لا حاجة لنا فيكم.

  ومن الإقرار مثلا: ما أقرّه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتابة أحاديثه ونشرها بين الناس، ولكنّ أبا بكر أحرقها ومنع من نشرها والتحدّث بها.

أضف إلى ذلك أنّه كان يجهل كثيراً من أحكام القرآن الكريم، فقد سُئل عن الكلالة التي نزل بحكمها القرآن، فقال: إنّي سأقول فيها برأيي فإن يكُ

____________

1- صحيح البخاري 4: 210، باب مناقب قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2- صحيح البخاري 4: 42 باب فرض الخمس ولفظه: "فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت".

3- الملل والنحل للشهرستاني 1: 23.


الصفحة 284
صواباً فمن الله، وإن يك خطأ فهو منّي ومن الشيطان(1).

كيف لا تعجب من خليفة المسلمين الذي يُسأل عن حكم الكلالة التي أوضحها الله في كتابه وبينها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سنّته، فيترك الكتاب والسنّة ويقول فيها برأيه، ثمّ يعترف بأنّ الشيطان قد يستحوذ على رأيه، وهذا ليس بغريب على خليفة المسلمين أبي بكر، فقد قال غير مرّة: "إنّ لي شيطاناً يعتريني"(2).

وقد قرّر علماء الإسلام بأنّ من قال في كتاب الله برأيه فقد كفر، كما عرفنا بأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يقول برأي ولا بقياس.

أضف إلى ذلك أنّه كان يقول: "لا تحملوني على سنّة نبيّكم فإنّي لا أُطيقها"(3) فإذا كان أبو بكر لا يطيق سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يدّعي أتباعه وأنصاره أنّهم "أهل السنّة"؟!

ولعلّه لا يُطيقها لأنّها تذكّره بإنحرافه وبُعده عن صاحب الرسالة، وإلاّ كيف نُفسّر قول الله تعالى: { مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج }(4) وقوله: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }(5) وقوله: { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ

____________

1- سنن الدارمي 2: 366، السنن الكبرى للبيهقي 6: 223، تفسير ابن كثير 1: 470.

2- المصنّف لعبدالرزاق 11: 336 ح20701، كنز العمال 5: 590 ح14050، تاريخ دمشق 30: 303، البداية والنهاية 6: 334.

3- في مسند أحمد 1: 14 بلفظ: "ولئن أخذتموني بسنّة نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أطيقها"، وصرّح محقّق الكتاب العلاّمة أحمد محمّد شاكر بصحّته.

4- الحج: 78.

5- البقرة: 185.