ردّ معاوية على محمّد بن أبي بكر
من معاوية بن صخر إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر.
سلام على أهل طاعة الله.
أما بعد:
فقد أتاني كتابك، تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه، وما أصفى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع كلام كثير ألَّفته ووضعته لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف.
ذكرك فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونصرته له ومواساته إياه في كلّ هول وخوف، فكان احتجاجك عليَّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك، فأحمد رباً صرف هذا الفضل عنك وجعله لغيرك.
فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبينا نعرف حقّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا، فلمّا اختار الله لنبيّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده، وأتمّ له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجّته، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ; كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه حقّه وخالفه على أمره، على ذلك اتفقا واتسقا.
ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم، ثمّ إنّه بايعهما وسلم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما،
فخذ حذرك يا بن أبي بكر، فسترى وبال أمرك، وقس شبرك بفترك تقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال حلمُهُ، و لا تلين على قسر قناته، ولا يدرك ذو مدى أناته.
أبوك مهَّد له مهاده، وبنى ملكه وشاده، فإن يك ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، وإن يكن جوراً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا، ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلّمنا إليه، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعبْ أباك بما بدالك أو دع، والسلام على من أناب ورجع من غوايته وتاب(1).
ونستنتج من هذا الردّ بأنّ معاوية لا ينكر فضائل علي بن أبي طالب ومزاياه، ولكنّه تجرّأ عليه احتذاء بأبي بكر وعمر، ولولاهما لما استصغر شأن عليّ (عليه السلام)، ولا تقدّم عليه أحد من الناس، كما يعترف معاوية بأنّ أبا بكر هو الذي مهَّد لبني أُميّة، وهو الذي بنى ملكهم وشاده.
ونفهم من هذه الرسالة بأنّ معاوية لم يقتدِ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يهتدِ بهديه، عندما اعترف بأنّ عثمان هدى بهدي أبي بكر وعمر وسار بسيرتهما.
____________
1- مروج الذهب للمسعودي 3: 12، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 189، أنساب الأشراف: 396.
ولتعميم الفائدة لا بأس بذكر الرسالة التي ردَّ بها يزيد بن معاوية على ابن عمر، وهي على اختصارها ترمي نفس المرمى.
فقد أخرج البلاذري في تاريخه قال:
لمّا قتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، كتب عبد الله بن عمر رسالة الى يزيد بن معاوية جاء فيها:
أمّا بعد، فقد عظمت الرزّية، وجلَّت المصيبة، وحدث في الإسلام حدث عظيم، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب إليه يزيد:
أمّا بعد، يا أحمق، فإنّا جئنا إلى بيوت منجدة، وفرش ممهدة، ووسائد منضدة، فقاتلنا عنها. فإن يكن الحقّ لنا فعن حقّنا قاتلنا، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنَّ هذا، واستأثر بالحقّ عليه أهله(1).
وفي ردّ معاوية على ابن أبي بكر، كما في رد يزيد على ابن عمر، نجد نفس المنطق ونفس الاحتجاج، وهو لعمري أمر ضروري يقرّه الوجدان، و يدركه كلّ عاقل، ولا يحتاج في الحقيقة إلى شهادة معاوية وابنه يزيد.
فلولا استبداد أبي بكر وعمر على عليّ، لما وقع ما وقع في الأُمّة
____________
1- بحار الأنوار 45: 328 عن البلاذري.
ولو وليها بعد وفاته سيّدا شباب أهل الجنّة الإمام الحسن والإمام الحسين، وأولادهم المعصومين بقية الأئمة (عليهم السلام)، لتواصلت خلافة الراشدين ثلاثة قرون، ولم يكن بعدها للكافرين والمنافقين والملحدين تأثير ولا وجود، ولكانت الأرض غير الأرض والعباد غير العباد، فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.
يبقي هناك دائماً اعتراض من بعض "أهل السنّة والجماعة" على هذا الاحتمال وذلك من وجهين:
الأوّل: إنّهم يقولون بأنّ ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده، ولو أراد الله أن يقود المسلمين عليّ والأئمة من ولده (عليهم السلام) لكان ذلك، وهم يردّدون دائماً "الخير فيما اختاره الله".
الثاني: إنّهم يقولون: لو تولّى علي الخلافة مباشرة بعد النبيّ، وأعقبه الحسن والحسين لأصبحت الخلافة وراثية يرثها الأبناء على الأباء، وهذا لا يقرّه الإسلام الذي ترك الأمر شورى بين الناس.
وإجابة على ذلك و لرفع الالتباس نقول:
أوّلا: ليس هناك دليل واحد على أنّ ما وقع هو الذي اختاره الله وأراده،
____________
1- لأنّ أبا بكر وعثمان توفّوا في حياة الإمام علي (المؤلّف).
وكذلك قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُواْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ }(2).
وكذلك قوله تعالى: { مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً }(3).
وقوله: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }(4).
وكلّ هذه الآيات البيّنات تفيد بأنّ الانحراف سواء كان على مستوى الأفراد أو الجماعات أو الأُمم، هو من عند أنفسهم وليس من عند الله.
ومن السنّة النبويّة مثلا: قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "تركت فيكم كتاب الله وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً"، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): "هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً"، وقوله: "ستفترق أُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة". وكلّ هذه الأحاديث الشريفة تفيد بأنّ ضلالة الأُمّة كانت بسبب انحراف الأُمّة، وعدم قبولها لما اختاره الله لها.
ثانياً: هب إنّ الخلافة الإسلامية كانت بالوراثة، فليست هي الوراثة التي
____________
1- الأعراف: 96.
2- المائدة: 66.
3- النساء: 147.
4- الرعد: 11.
مع أنّ قولهم بأنّ الإسلام لا يقرّ الوراثة وإنّما ترك الأمر شورى، هو مغالطة لا يقرّها الواقع والتاريخ، فقد وقعوا بالضبط في النظام الوارثي الممقوت، ولم يتولّ على الأُمّة بعد علي (عليه السلام) إلاّ الظالمين الغاصبين الذين أورثوها لأبنائهم الفسقة رغم أنف الأُمّة.
فأيّهما الأفضل أن يتوارثها الفساق الذين يحكمون بأهوائهم ولا يخضعون إلاّ لشهواتهم؟ أو يتوارثها الأئمة الطاهرين الذين اصطفاهم الله وأذهب عنهم الرجس، وأورثهم علم الكتاب ليحكموا بين الناس بالحق، ويهدوهم سواء السبيل، ويدخلوهم جنات النعيم، من باب قول الله: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ}(2)؟
وما أظنّ العاقل يختار إلاّ الثاني إن كان من المسلمين! وما دمنا الآن نقول بالأمر الواقع ولا يفيدنا التحسّر على ما فات، فلنعد إلى الموضوع فنقول:
____________
1- الأنبياء: 73.
2- النمل: 16.
ولولا أنّهما مهَّدا لمعاوية، ومكَّنا له في البلاد حتى بقي والياً في الشام وحدها أكثر من عشرين عاماً ولم يعزل أبداً، ونال معاوية هيبة، وأوطأ رقاب الناس حتى دانوا له بكلّ ما يريد، ثمّ جعل الخلافة لابنه من بعده الذي وجد ـ كما صرّح بنفسه ـ بيوتاً منجدة، وفرشاً ممهدة، ووسائد منضدة، فمن الطبيعي أن يقاتل من أجلها، وأن يقتل ريحانة النبيّ ولا يبالي، فقد رضع بغض أهل البيت في حليب أُمّه ميسون، وترعرع في حجر أبيه على سبهم ولعنهم، فلا غرابة أن يصدر منه الذي صدر أو أكثر من ذلك.
وقد اعترف بعض الشعراء بهذه الحقيقة إذ يقول:
لولا حدودٌ صوارم | أمضى مضاربها الخليفة |
لنشرت من أسرار آل | محمّد جملا ظريفة |
وأريتكم أنّ الحسين | أُصيب يوم السقيفة |
ويفهم الباحث المتتبّع بأنّ دولة بني أُميّة كلّها قامت بفضل أبي بكر وعمر، وكذلك دولة بني العباس وغيرها من الدول، ولذلك نجد هؤلاء قد بذلوا كلّ ما في وسعهم للتنويه بأبي بكر وعمر، وخلق الفضائل لهم وإثبات أحقيتهم في الخلافة، لأنّهم أدركوا بأنّ شرعيّتهم في الخلافة لا تتمّ إلاّ بتصحيح خلافتهما والقول بعدالتهما.
وهذا بديهي عند العقلاء الذين عرفوا الحقّ، وأنت ترى إلى يومنا هذا أنّ بعض الدول الإسلاميّة يحكمها ملوك ليس لهم من الفضل أو الفضيلة شيء، سوى أنّهم أولاد ملوك وسلاطين وأُمراء، كما كان يزيد أميراً لأنّ والده معاوية كان ملكاً وملك الأُمّة بالقوّة والقهر.
فلا يعقل أن يحبّ ملوك السعودية وأُمراؤها أهل البيت ومن تشيّع لهم.
كما لا يعقل أن يبغض ملوك السعودية وأُمراؤهم معاوية ويزيد، وما سنّ لهم دستور ولاية العهد غيرهما، وبدستور معاوية ويزيد وكلّ أُمراء بني أُميّة وبني العباس يستمدّ الملوك المعاصرون شرعيّتهم وبقاءهم.
ومن هنا أيضاً جاء تقديس الخلفاء الثلاثة، وتفضيلهم والقول بعدالتهم والدفاع عنهم، وعدم السماح بنقدهم أو التكلّم فيهم; لأنّهم أساس كلّ الحكومات التي وجدت وستوجد من يوم السقيفة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ويفهم على هذا الأساس أيضاً لماذا اختاروا لأنفسهم اسم "أهل السنّة والجماعة"، ولغيرهم اسم الروافض أو الزنادقة; لأنّ عليّاً وأهل بيته (عليهم السلام) وشيعته رفضوا خلافتهم ولم يبايعوهم، واحتجوا عليهم في كلّ مناسبة، فعمل الحكّام على انتقاصهم، وتصغير شأنهم وتحقيرهم، وسبهم ولعنهم، وقتلهم وتشريدهم.
وإذا لقي أهل البيت ـ الذين تعلّق أجر الرسالة في القرآن بمودّتهم ـ هذه
فالذي والى عليّاً وشايعه هو صاحب بدعة وفتنة، والذي والى معاوية وشايعه هو صاحب سنّة وجماعة.
والحمدُ لله الذي وهبنا من العقل ما نميّز به الحقّ من الباطل، والنور من الظلمات، والأبيض من الأسود، إنّ ربّي على صراط مستقيم.
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِع مَنْ فِي الْقُبُورِ}(1).
____________
1- فاطر: 19 ـ 22.
الصحابة عند شيعة أهل البيت
وإذا بحثنا موضوع الصحابة بتجرّد وبدون عواطف، نجد أنّ الشيعة أنزلوهم بمنازل القرآن والسنّة النبويّة وما أوجبه العقل، فلم يكفّروهم بمجموعهم كما فعل الغلاة، ولم يقولوا بعدالتهم جميعاً كما فعل "أهل السنّة والجماعة".
يقول الإمام شرف الدين الموسوي في هذا الموضوع: "إنّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه أوسط الآراء، إذ لم نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفَّروهم جميعاً، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثّقوهم جميعاً، فإنّ الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم قالوا بكفر الصحابة كافّة، وقال "أهل السنّة" بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ أو رآه من المسلمين مطلقاً، واحتجوا بحديث (كلّ من دبَّ أو درج منهم أجمعين أكتعين).
أمّا نحن وإن كانت الصحبة بمجرّدها عندنا فضيلة جليلة، لكنّها بما هي من حيث هي غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتجّ بعدولهم، ونتولاهم في الدنيا والآخرة.
أما البغاة على الوصي وأخي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر أهل الجرائم، كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء، وابن عقبة، وابن أرطأة وأمثالهم، فلا كرامة لهم ولا وزن لحديثهم، ومجهول الحال نتوقّف فيه حتى نتبيّن أمره.
وما أشدّ إنكارهم علينا حين يروننا نردّ حديث كثير من الصحابة مصرّحين بجرحهم، أو بكونهم مجهولي الحال، عملا بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة.
وبهذا ظنّوا الظنون، فاتهمونا بما اتهمونا رجماً بالغيب، وتهافتاً على الجهل، ولو ثابت إليهم أحلامهم، ورجعوا إلى قواعد العلم; لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا دليل عليها، ولو تدبّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحوناً بذكر المنافقين منهم، وحسبك منه سورة التوبة والأحزاب..."(1) إنتهى كلام شرف الدين.
ويقول الدكتور حامد حفني داود، أُستاذ كرسي الأدب العربي، ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس بالقاهرة: "أمّا الشيعة فيرون أنّ الصحابة كغيرهم تماماً، لا فرق بينهم وبين من جاء بعدهم من المسلمين إلى يوم القيامة، وذلك من حيث خضوعهم لميزان واحد هو ميزان العدالة الذي توزن به أفعال الصحابة، كما توزن به أفعال من جاء بعدهم من الأجيال،
____________
1- أجوبة مسائل جار الله: 14.
ومنهم العدول، وهم الذين أحسنوا الصحبة لعلي بعد انتقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الرفيق الأعلى.
ومنهم المجتهد المصيب، و منهم المجتهد المخطئ، ومنهم الفاسق، ومنهم الزنديق وهو أقبح من الفاسق و أشدّ نكالا، ويدخل في دائرة الزنديق المنافقون والذين يعبدون الله على حرف، كما أنّ منهم الكفّار، وهم الذين لم يتوبوا من نفاقهم والذين ارتدّوا بعد الإسلام.
ومعنى هذا أنّ الشيعة ـ وهم شطر عظيم من أهل القبلة ـ يضعون جميع المسلمين في ميزان واحد، ولا يفرّقون بين صحابي وتابعي ومتأخّر، وأنّ الصحبة في ذاتها ليست حصانة يتحصّن بها من درجة الاعتقاد.
وعلى هذا الأساس المتين أباحوا لأنفسهم ـ اجتهاداً ـ نقد الصحابة، والبحث في درجة عدالتهم، كما أباحوا لأنفسهم الطعن في نفر من الصحابة أخلّوا بشروط الصحبة، وحادوا عن محبة آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم).
كيف لا، وقد قال الرسول الأعظم: "إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا; كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".
وعلى أساس من هذا الحديث ونحوه، يرون أنّ كثيراً من الصحابة خالفوا هذا الحديث باضطهادهم لآل محمّد، ولعنهم لبعض أفراد هذه العترة،
ذلك هو خلاصة رأي الشيعة في نفي صفة العدالة عن بعض الصحابة، وتلك هي الأسباب العلميّة الواقعيّة التي بنوا عليها حججهم".
هذا ويعترف الدكتور حامد حفني داود في موضع آخر بأنّ نقد الصحابة وتجريحهم ليس هو بدعاً من الشيعة وحدهم، إذ يقول: "وقديماً تعرَّض لها المعتزلة فيما تعرّضوا له من مسائل العقيدة، ولم يكتفوا في ما تعرّضوا له بعامّة الصحابة بل تعرّضوا للخلفاء أنفسهم، وكان لهم في ذلك خصوم ومؤيّدون.
وقد كان موضوع نقد الصحابة قاصراً في القرون الأُولى على الراسخين في العلم، وبخاصة علماء المعتزلة، وسبقهم في هذا الاتجاه رؤوس الشيعة وزعماؤهم المتعصبين لآل محمّد.
وسبق أن أشرت في غير هذا الموضع أنّ علماء الكلام وشيوخ المعتزلة كانوا عالة على زعماء الشيعة منذ القرن الهجري الأوّل، وعليه فقضيّة نقد الصحابة إنّما هي وليدة التشيّع لآل محمّد، ولكنّها كانت وليدة التشيّع لا لذات التشيّع، بل لأنّ المتشيّعين لآل محمّد عرفوا بتبحّرهم في علوم العقائد بسبب ما نهلوا من موارد أئمة آل البيت، وهم المصدر الأصيل والمعين الفياض الذي نهلت منه الثقافات الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى اليوم"(1).
____________
1- كتاب الصحابة في نظر الشيعة الإمامية لأسد حيدر، تقديم الدكتور حامد حفني: 7 وما بعدها.
وأنا أعتقد بأنّ الباحث عن الحقيقة لابدّ له من فتح باب النقد والتجريح، وإلاّ سيبقى محجوباً عنها، بالضبط "كأهل السنّة والجماعة" الذين بالغوا في القول بعدالة الصحابة وعدم البحث في أحوالهم، فبقوا بعيدين عن الحقّ إلى يومنا هذا.