الصفحة 493

مع الدكتور الموسوي و"التصحيح"


التقيتُ مجموعة من الشباب المثقّف في بيت أخ تربطني به وشائج القرابة والصبا في ضواحي باريس، بمناسبة وليمة أقامها لمولد ابنه الذي رزقه الله بعد طول انتظار، ودار الحديث بيننا عن الشيعة والسنّة، وكان الجميع ـ وأغلبهم من الجزائريين المتحمّسين للثورة الإسلامية ـ ينتقدون الشيعة ويردّدون تلك الأساطير المعروفة، واختلفوا فيما بينهم بين مؤيد منصف يقول بأنّ الشيعة إخوتنا في الدّين، ومناهض له يصف الشيعة بكلّ ضلالة ويفضّل عليهم النصارى.

ولمّا تعمّقنا في البحث والاستدلال، كان بعضهم يهزأ منّي ويقول بأنّني من المغرورين الذين بهرتهم الثورة الإيرانية، وحاول صديقي إقناعهم بأنّني باحث كبير، وأطراني أمام الحاضرين، وقال بأنّني مؤلّف كتب عديدة في هذه المواضيع.

ولكن أحدهم قال بأنّ لديه الحجّة التي ليس بعدها حجّة، وسكت الجميع، وتساءلت عن هذه الحجّة، فطلب منّي الانتظار بضع دقائق، وذهب مُسرعاً إلى بيته المجاور ورجع يحمل بين يديه كتاب "الشيعة والتصحيح" للدكتور موسى الموسوي، وضحكت عندما رأيت الكتاب وقلت: أهذه هي الحجّة التي ليس بعدها حجّة؟ التفت إلى الحاضرين وقال:

هذا من أكبر علماء الشيعة، وهو مرجع من مراجعهم، وله شهادة في

الصفحة 494
الاجتهاد وأبوه وجدّه من أكبر علمائهم، ولكنّه عرف الحقّ ونبذ التشيع، وأصبح من أهل السنّة والجماعة.

وأنا واثقٌ من أن الأخ (ويقصدني) لو يقرأ هذا الكتاب لما دافع عن الشيعة أبداً، ولعرف خفاياهم وانحرافاتهم.

وضحكتُ مرّة أُخرى وقلت له: وحتّى تعرفَ أنّي قرأتُه قراءة باحث، فسأعطيك أمام الحاضرين الحجّة التي ليس بعدها حجّة من الكتاب نفسه الذي جئت به!

قال مع الحاضرين بلهفة: هات نسمع منك.

قلت: أنا لا أتذكّر رقم الصفحة، ولكن أعرف العنوان وأذكره جيّداً وهو: أقوال أئمة الشيعة في الخلفاء الراشدين.

قال: وما في ذلك؟

قلت: ابحث عنه واقرأه أمام الحاضرين وبعدها سأبين لك الحجّة.

وأخرج الفقرة وقرأها أمام الحاضرين، وملخّصها أنّ الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كان يفتخر بانتسابه لأبي بكر "الصديق"، فيقول: "أولدني أبو بكر مرّتين" والذين رووا هذه الروايات يروون أيضاً بأنّ الإمام الصادق كان يطعن في أبي بكر من جهة أُخرى.

ويعلّق الدكتور الموسوي على هذا بقوله: "فهل يُعقلُ أن يفتخر الإمام الصادق بجدّه من جهة، ويطعن فيه جهة أُخرى؟ إن مثل هذا الكلام قد يصدر من السوقي الجاهل، ولكنّه لا يصدر من إمام".

وتساءل الجميع: ما الحجّة في هذا؟! وقالوا: إنه كلام معقول ومنطقي.


الصفحة 495
قلتُ: إنّ الدكتور الموسوي استنتج من قول الإمام الصادق: "أولدني أبو بكر مرّتين" بأنّه يفتخر بجدّه، مع أنّه ليس في هذه العبارة ما يوحي بالمدح والثناء على أبي بكر، ومع أنّ الصادق ليس هو حفيد مباشر لأبي بكر، وإنّما لأنّ أمّه جدّها أبو بكر، ومع العلم بأنّ الصادق ولد بعد وفاة أبي بكر بسبعين عاماً فلم يره أبداً.

قالوا: لم نفهم قصْدك من كلّ هذا؟!

قُلتُ: ما رأيكم في من يفتخر بجدّه المباشر والدُ أبيه، ويقول بأنّه أعلم أهل زمانه ولم يعرف التاريخ مثله، ثمّ يقول بأنّه درس وتأدّب على يديه، فهل يُعقلُ أنْ يطعنَ فيه بعد ذلك، وهل يقبلُ عاقلٌ أنْ يفتخر بشخص من جهة ثمّ يكفّره من جهة أخرى؟!

فقالوا جميعاً: لا يُعقلُ ولا يكون ذلك أبداً.

فقلتُ: إقرأ إذاً ما جاء فيه أوّل صفحة من هذا الكتاب الذي بين يديك، فسترى بأنّ الدكتور الموسوي هو ذلك الرجل.

فقرأ: "ولدتُ وترعرعت في بيت الزعامة الكبرى للطائفة الشيعية، ودرستُ وتأدّبتُ على يد أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبرى وحتى هذا اليوم، وهو جدّنا الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الذي قيل فيه: "أنسى من قبله وأتعب من بعده".

قلتُ: الحمدُ لله الذي أظهر الحجّة على لسان الموسوي نفسه، وقد حكم على نفسه بنفسه إذ قال فيما قرأتم: هل يعقل أن يفتخر بجدّه من جهة ويطعن فيه من جهة أُخرى؟ وحكم بأنّ هذا لا يصدر إلاّ من السُّوقي الجاهل.


الصفحة 496
وإنّ الذي يصف جدّه بهذه الأوصاف العظيمة التي لم تتوفّر لغيره من أفذاذ العلماء، ويدّعي بأنّه تأدّب على يديه وأخذ دروسه وعلومه منه، لا يكفّره بعد ذلك ويطعن في عقيدته، إلاّ إذا كان سوقياً جاهلا.

وأطرق الجميع رؤوسهم، وابتهج صديقي صاحب البيت قائلا: ألم أقل لكم إنّ الأخ التيجاني باحث موضوعي ومنطقي؟

وفكّر صاحب الكتاب الذي كان يرعدُ ويزبد وقال: يا أخي ربّما عرف الحقّ الدكتور الموسوي بعدما كبر وتعلّم فسبحان الله، طلب العلم من المهد إلى اللّحد!

وأجبتُ: لو كان الأمر كما تقول لوجب على الدكتور أن يتبرّأ من جدّه، ومن أُستاذه أيضاً الذي أعطاه شهادة الاجتهاد، لا أن يفتخر بهما ويحتجّ بشهادتهما، وهو يكتب في نفس الوقت تكفيرهما من حيث لا يشعر.

ولو اردتُ أن أُناقشكم في كلّ المواضيع التي كتبها لأريتكم العجب العجاب.

وانتهى ذلك اللقاء بعد توضيحات وشروح عن واقع تلك الإشكالات، وكانت له نتائج إيجابية بحمد الله إذ استبصر منهم ثلاثة بعد قراءة كُتبي.

وإنّي أنتهزُ هذه الفُرصة لأقدّم للقرّاء الكرام بعض الصفحات التي كتبتُها في هذا الموضوع على عجالة; لأنّ كتاب "الشيعة والتصحيح" له تأثير في الأوساط التي يتواجد فيها الوهابيون، وبما أنّ هؤلاء لهم من الأموال والنفوذ في بعض المناطق، فقد يؤثّرون في بعض الشباب من المسلمين الذين لا يعرفون الشيعة، فيخدعوهم بهذا الكتاب، ويمنعونهم من الوصول إلى

الصفحة 497
الأبحاث المفيدة، ومن ثمّ يقيمون أمامهم حاجزاً للوصول إلى الحقيقة المنشودة.

وهؤلاء المعترضون جعلوا حجّتهم على الشيعة كتاب "الشيعة والتصحيح" للدكتور موسى الموسوي الذي طبع بالملايين، وَوُزِّع مجّاناً في أوساط الشباب المثقّف من طرف سلطات معروفة، عرف الخاصّ والعامُّ أهدافها ومراميها.

وقد ظنّ هؤلاء المساكين أنّهم فَنّدوا مذهب الشيعة الإمامية بطبع الكتاب ونشره; لأنّ مؤلفه "آية الله" الموسوي وهو من الشيعة لتكون الحجّة من باب: وشهد شاهد من أهلها.

وغفل هؤلاء المساكين عن عدّة أُمور لم يحسبوا لها حساباً، ولم يقدّروا نتائجها العكسيّة التي عادت عليهم بالوبال.

وإنّي شخصياً لا أكلّف نفسي شيئاً من الوقت للردّ على أكاذيب الدكتور موسى الموسوي التي ملأ بها كتابه، وأعتقدُ أنّ في كتابي "مع الصادقين" ردّاً مقنعاً على مفترياته، مع أنّه كتب قبل كتابه بوقت قصير، ولم يكن مضمونه إلاّ إظهار معتقدات الشيعة التي ترتكز كلّها على القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الصحيحة، وإجماع المسلمين بمن فيهم "أهل السنّة والجماعة"، فلم نمرّ على عقيدة واحدة من عقائدهم إلاّ وأثبتناها في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

فتبيّن بذلك أنّ كلام الدكتور موسى الموسوي هراءٌ وافتراء لا يقوم على دليل علمي ولا منطق إسلامي، وهو طعن على "أهل السنّة" قبل الشيعة.


الصفحة 498
وتبيّن أيضاً بأنّ الذين روّجوا له كتابه لا يعرفون من حقائق الإسلام شيئاً، وكشفوا بذلك عن عوراتهم وجهلهم.

وكلّ ما انتقده مدّعي "التصحيح" من عقائد الشيعة، وشنّع به عليهم موجود بحمد الله في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

فالعيبُ ليس على الشيعة، وإنّما العيب على موسى الموسوي وعلى "أهل السنّة والجماعة" الذين لا يعرفون ما يوجد في صحاحهم ومسانيدهم.

فالقول بالإمامة والنصّ على اثني عشر خليفة كلّهم من قريش، ليس هو من اختراعات الشيعة، وهو موجود في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

والقول بالمهدي وأنّه من العترة الطّاهرة يملأ الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ليس هو من اختراعات الشيعة إنّما هو موجود في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

والقول بأنّ الإمام علي بن أبي طالب هو وصىّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس من اختراعات الشيعة، وهو موجود في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

والقول بالتقيّة والعمل بها ليس هو من اختراعات الشيعة، وقد نزل بها القرآن، وأثبتتها السنّة النبويّة، وكلّ ذلك موجود في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

والقول بزواج المتعة وأنّها حلال ليس هو من اختراعات الشيعة، وإنّما أحلّها الله ورسولُه وحرّمها عمر، كما هو ثابتٌ في كتب وصحاح "أهل السنّة والجماعة".


الصفحة 499
والقول بوجوب الخُمس في مكاسب الأرباح ليس هو من اختراعات الشيعة، وإنّما أوجبه كتاب الله وسنّة رسوله يشهد بذلك صحاح "أهل السنّة والجماعة".

أمّا زيارة مراقد الأئمة فليس مختصاً بالشيعة، فأهل السنّة والجماعة يزورون مراقد الأولياء والصالحين، بل ويقيمون لهم مراسم وأفراحاً موسميّة.

والقول بالبداء، وأنّ اللّه يمحو ما يشاء ويثبت، ليس هو من خيال الشيعة، بل هو ثابتٌ في صحيح البخاري.

والقول بجمع الصَّلاتين في غير ضرورة ليس هو من اختراع الشيعة، بل هو ما جاء في القرآن الكريم وفعله الرسول العظيم، كما هو ثابتٌ في صحاح "أهل السنّة والجماعة".

والقول بوجوب السجود على التُّراب وعلى الأرض ليس هو من اختراعات الشيعة، بل هو فعل سيّد المرسلين وخاتم النبيّين، يشهد بذلك صحاح "أهل السنّة والجماعة".

وما عدا ذلك من الأقوال التي ذكرها الدكتور موسى الموسوي، والتي لا يقصد من ورائها إلاّ التهويل والتهريج كدعاية تحريف القرآن، فـ "أهل السنّة والجماعة" أولى بهذه التهمة من الشيعة، كما أوضحنا ذلك في كتاب "مع الصادقين".

والخُلاصة: إنّ كتاب "التصحيح" الذي ألّفه الدكتور الموسوي، كلّه يتناقض مع كتاب الله وسنّة رسول الله، وإجماع المسلمين، وما أوجبه العقل السليم.


الصفحة 500
فكثير مِمّا أنكره الموسوي هو من ضروريات الدّين التي نزل بها الذكر الحكيم، وأمر بها الرسول العظيم، وأجمع عليها كلّ المسلمين، والمنكر لها كافر بإجماع المسلمين.

فإن كان يقصد بـ "التصحيح" إبدال تلك العقائد وتلك الأحكام، فقد كفر وخرج من ربقة الإسلام، وعلى المسلمين كافة أن يقاوموه.

وإن كان يقصد بـ "التصحيح" إبدال عقائده الشخصية التي يُعاني من مركّباتها، والتي يظهر منها أنّه لم يعرف من الشيعة شيئاً، ولعلّه نقم عليهم إذ حمّلهم مسؤولية قتل والده الذي ذُبِـحَ كالكبش (كما يقول هو في صفحة 5 من كتابه) على يد مجرم في لبوس رجل الدّين.

فنشأ من صغره بتلك العقدة ناقماً على الشيعة بدون ذنب اقترفوه، وحوَّل وجهه شطر "أهل السنّة والجماعة" وشاركهم في الحقد والبغض لأتباع أهل البيت، بدون الانتماء إليهم، فبقيَ مذبذباً لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فلم يعرف من الشيعة غير ما يردّده أعداؤهم من الأكاذيب، ولم يعرف من "أهل السنّة والجماعة" غير صلاة الجمعة والجماعة (إن كان يحضرها).

فإذا كان هذا هو المقصود بالتصحيح، فما عليه إلاّ تصحيح عقائده الفاسدة التي خالف بها إجماع الأُمّة.

وإذا كان الدكتور موسى الموسوي قد نشأ وترعرع حسب ما يدّعي (في الصفحة الخامسة من كتابه) ودرس وتأدّب على يد أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيّع منذ الغيبة الكبرى وحتى هذا اليوم، وهو جدّه الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الذي قيل فيه: "أنسى من قبله وأتعب من

الصفحة 501
بعده"، فلماذا لم يحفظ دروسه، ولم يتأدّب بآدابه، ولم يقتدِ بهديه و ينهل من علمه، بل نراه في كتابه يهزأ ويسخر من عقائد جدّه الإمام الأكبر والزعيم الديني الأوحد الذي عرفه تاريخ الشيعة؟!

فدلّ بذلك على أنّه عاقّ لوالديه، بل تعدّى عقوقه إلى تكفير جدّه وأبويه، وإذا كان الشيعة في نظر الموسوي كافرين فزعيمهم وقائدهم الأكبر إلى الكفر هو جدّه (حاشاه) أقرب.

وإنّه من العار الذي ليس بعده عار أن يجهل الحفيد موسى ما كتبه جدّه أبو الحسن الموسوي (رحمه الله) في كتابه وسيلة النَجاة، ثمّ يدّعي بأنّه درس وتأدّب على يديه.

وإنّه من أكبر العار أن يعرف شابٌ تونسي يبعدُ عن النجف آلاف الكيلومترات كتاب وسيلة النجاة للإمام الأكبر أبي الحسن الموسوي الأصفهاني، ويهتدي إلى حقائق أهل البيت من خلاله، بينما لا يعرفه الحفيد الذي تربّى وترعرع في بيته وعلى يديه.

والذي كتبه الإمام الأكبر السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني (قدس سره) في وسيلة النجاة، نقضَه حفيده الدكتور موسى الموسوي وسخر منه واعتبره خروجاً عن الإسلام.

والمنطق يقول: إنْ كانتْ عقيدة الإمام الأكبر والزعيم الديني الذي ما عرف تاريخ الشيعة مثله (كما يعتقد حفيده) عقيدة صحيحة وسليمة، فعقيدة حفيده كفرٌ وضلال.

وإن كانت عقيدة الحفيد الدكتور موسى الموسوي هي السليمة

الصفحة 502
والصحيحة، فعقيدة جدّه هي الكفر والضلال، وفي هذه الحالة يجبُ عليه أن يتبرّأ منه ولا يفتخر بالانتماء إليه، ولا بالرجوع إلى التربية بين يديه، كما بدأ مقدّمة كتابه.

وبهذه الحجّة وبهذا المنطق أيضاً، يُضربُ بالشهادة العليا التي نالها موسى الموسوي من آل كاشف الغطاء عرض الجدار:

أوّلا: لأنّ الصورة التي أخرجها في كتابه على أنّها شهادة عُليا في الفقه الإسلامي (الاجتهاد) ليست إلاّ إجازة في الروايات، والتي يعطيها المراجع لأغلب الطلاّب، وأنا شخصياً عندي منها إجازتان: إحداهما لآية الله العظمى الإمام الخوئي في النجف، والثانية لآية الله العظمى المرعشي النجفي في قم.

فليست إجازة الرواية شهادة عليا في الفقه الإسلامي، كما يدّعي الدكتور موسى الموسوي للتمويه على العامة الذين لا يعرفون تنظيم ومراحل الدّراسة في الحوزات العلمية.

ثانياً: لأنّ حفيد الإمام الأكبر الذي يدّعي التصحيح قد خان الأمانة التي ائتمنه عليها أُستاذه ومعلّمه الذي يدّعي الموسوي أنّه وسمه برتبة الاجتهاد، إذ يقول المرحوم المرجع الديني الأعلى زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء في تلك الإجازة التي أخرج الموسوي صورة منها في كتابه: "وقد أجزتُ له لأهليّته أن يروي عنّي ما صحّتْ لي روايته من مشائخي العظام وأساتذتي الكرام...".

وقد رأينا الموسوي يفنّد ويسخر من كلّ ما رواه المرجع الديني الأعلى زعيم الحوزة العلمية آل كاشف الغطاء عن مشائخه العظام وأساتذته الكرام

الصفحة 503
في كتابه "أصل الشيعة وأُصولها" والذي ذكر فيه كلّ معتقدات الشيعة وأحكامهم، فأين كتاب "الشيعة والتصحيح" الذي ألّفه التلميذ الخائن من كتاب "أصل الشيعة وأُصولها" الذي ألّفه المرجع الأعلى كاشف الغطاء؟!

فإذا كان كاشف الغطاء هو المرجع الدّيني الأعلى، وزعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف، كما يعترف الموسوي في الصفحة 158 من كتابه، وإذا كان الموسوي يفتخر علينا بالشهادة العليا التي نالها من حضرته قبل ثلاثين عاماً، فلماذا يسخر ـ الموسوي التلميذ الصغير ـ من معتقدات أُستاذه العظيم الذي علّمه وأعطاه شهادة عليا على حدّ زعمه؟

فإن كان المرجع الديني الأعلى، وزعيم الحوزة العلمية الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء على حقّ ومعتقداته صحيحه، فالموسوي على باطل ومعتقداته كلّها فاسدة.

وإن كان المرجع الدّيني الأعلى على باطل ومعتقداته غير صحيحة، فيسخر منها الموسوي ويُفندها، فيلزمه في هذه الحالة أن لا يكذب على الناس ويموّه بأنّ شهادته العليا في الفقه الإسلامي (الاجتهاد) قد حصل عليها من سماحته.

وإذا كانت معتقدات موسى الموسوي هي الصحيحة كما يدّعي هو في كتابه، فقد كفّر جدّه السيد أبا الحسن الموسوي الأصفهاني الذي يقول عنه هو نفسه بأنّه أكبر زعيم وقائد ديني عرفه تاريخ التشيع منذ الغيبة الكبرى وحتّى هذا اليوم.

كما كفّر أُستاذه ومانحه الشهادة العليا كاشف الغطاء، وكفّر ملايين الشيعة

الصفحة 504
من نشأتهم بعد السقيفة إلى يومنا هذا.

وإنّي كما عاهدتُ ربّي أن أتبيّن في الأمر قبل الحكم عليه، عندما قرأتُ كتاب موسى الموسوي "الشيعة والتصحيح" أقبلت عليه بكلّ جوارحي علّني أُدرك فيه ما فاتني وأكمل ما ينقصني، فإذا بي لا أجدُ فيه إلاّ الأكاذيب والتناقضات، وإنكار ما هو ثابت بنصّ القرآن، والاستهزاء بسنّة النبيّ ومخالفة إجماع المسلمين.

وأدركت أنّ الموسوي لم يكلّف نفسه قراءة صحيح البخاري فقط، والذي هو أصحُّ الكتب عند "أهل السنّة والجماعة"، والذي يريد الموسوي حسب "تصحيحه" أن ينضمّ إليهم الشيعة ويتركوا أوامر الله ورسوله، ولو قرأ هذا العالم الفذّ!! الذي حصل على الشهادة العليا في الفقه الإسلامي "الاجتهاد"، وعمره على ما يبدو عشرون عاماً ـ ما شاء الله يؤتي الحكمة مَن يشاء ـ لأنّه حصل بعدها على شهادة الدكتوراه في التشريع الإسلامي من جامعة طهران عام 1955، ولا تنسَ أنّه ولد في النجف الأشرف عام 1930، كما حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة باريس "السوربون" عام 1959.

أقول: لو كلّف نفسه قراءة صحيح البخاري فقط، وهو كتاب موثوق عند "أهل السنّة والجماعة"، لما وقع في هذه الورطة التي سوف لا يجد منها مخرجاً إلاّ بالتّوبة النصوحة والرجوع إلى الله، وإلاّ سوف لن تنفعه الشهادات العليا، ولا الألقاب الخلاّبة، ولا الأموال المبذولة التي تُصرف لتفريق المسلمين.


الصفحة 505
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ اللّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْض فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ}(1).

وعلى كلّ حال، فكتابه مليءٌ بالتناقُضات التي يتعثّرُ فيها كلّ باحث، وإذا كان الموسوي يرى في نفسه الكفاءة لتصحيح مذهب الشيعة في عقائدهم وأحكامهم، فأنا أدعوه لمقابلة تلفزيونيّة وندوة علميّة يحضرها مَن يشاء من الباحثين والمحقّقين; ليعرف الناس بعدها من هو المحتاج إلى التصحيح، وهو ما يدعو له القرآن الكريم وما وصل إليه الفكر الحرّ في أرقى المجتمعات، حتى يتبيّن المسلمون أمرهم، فلا يُكفّروا قوماً بجهالة ويصبحوا بعد ذلك نادمين.

{قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}(2).

بقيَ شيء واحد لابدّ لنا أن نُنصفَ فيه الدكتور الموسوي، وهو ما ذكره في "تصحيحه" في ثلاثة عناوين رئيسية:

1 ـ ضرب القامات في يوم عاشوراء(3).

____________

1- الأنفال: 36 ـ 37.

2- البقرة: 111.

3- إن الشيعة يمثّلون ما بين الربع إلى الثلث من عدد المسلمين في العالم، فإذا قلنا: إنّ عدد المسلمين الآن المليارد والنصف، فإن القدر المتيقّن يكون بالنسبة إلى عدد الشيعة أربعمائة مليون نفر.

=>


الصفحة 506
2 ـ الشهادة الثالثة (علي ولي الله).

3 ـ الإرهاب.

أمّا ضرب القامات والسّلاسل والزناجيل، فإنّه ليس من عقائد الشيعة ولا من الدّين وإّنما هو من أعمال العوام، ولا يختصُّ بالشيعة وحدهم، فهناك من أهل السنّة والجماعة، ومن الطريقة العيساوية المعروفة في كلّ شمال إفريقيا مَن يفعل أكثر من الشيعة، ولا يقصدون بها حزناً على الحسين، ولا على مصاب أهل البيت (عليهم السلام).

ونحن نُوافقُ الدكتور على تصحيحه، ونعمل معه لرفع هذه المظاهر عن كلّ المسلمين، مادام هناك من علماء الشيعة المخلصين مَن يحرّم ذلك ويسعى لإبطاله كما اعترف بذلك الموسوي نفسه.

أمّا الشهادة الثالثة (أشهد أنّ علياً ولي الله)، فإن الموسوي نفسه يعرف

____________

<=

وهنا نتساءل: كم عدد الشيعة في العالم الذين يخرجون الدماء من رؤوسهم وأبدانهم؟ هل عشرة آلاف؟ أو خمسون ألف؟ أو حتى مائة الف؟ وكم تكون نسبة المائة ألف بالقياس إلى الأربعمائة مليون نسمة؟!

فهل يحقّ أن ننسب إخراج الدماء من الرؤوس والأبدان إلى الشيعة، مع أنّه لا يفعله منهم الواحد من العشرة آلاف؟!

وهنا لا نريد أن نطعن بهذا أو أحد الشعائر الأُخرى، ولكن أردنا أن نبيّن النسبة أوّلا، وأنّ الفقهاء العظام تعاملوا مع هذه الظاهرة كسائر معاملتهم مع القضايا الخارجية، من عرضها على الكتاب والسنّة، وأنّ الأصل في الأفعال الإباحة، ما لم يرد نصّ أو دليل يحرّمه، والفقهاء قيّدوا الحلّية بعدم الضرر المعتدّ به، وإلاّ حرم، ويرجع في ذلك إلى العرف في تشخيص الضرر المعتدّ به.

وكما هو واضح ومعلوم، فإنّ كلّ مباح إذا قرن معه قصد القربة إلى الله تعالى وكانت النية خالصة، فإنّه سيكون مستحباً، ويثاب فاعله، ويدخل ضمن تعظيم الشعائر.


الصفحة 507
جيّداً بأنّ كلّ علماء الشيعة يقولون بأنّها ليست جزءاً من الأذان، بل إذا جيء بها بنية الوجوب أو بنية أنها جزءٌ من الأذان أو الإقامة بطل الأذان والإقامة، والموسوي يعرف جيّداً هذه الحقيقة، ولكنّه يروم التهريج بأيّة مفردة تخدم هدفه المريب.

أمّا الإرهاب فنحن نرفضه رفضاً تاماً كما يرفضه الدكتور الموسوي، ولكن كان على الدكتور الموسوي أن لا يلصق هذه التهمة الشنيعة بالشيعة، فموجة الإرهاب التي عُرِفَتْ في السنوات الأخيرة هي نتيجة حتمية للصراع القائم بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب، بين المستكبرين والمستضعفين، بين الغاصبين والمغصوبين.

ولماذا يربط الدكتور الموسوي أعمال الحشّاشين بالشيعة؟ والتاريخ يشهدُ أنّ الشيعة استُهدِفَتْ على مرّ التاريخ من كلّ الفرق، ومن كلّ الحكومات والمستعمرين، ومع ذلك كانوا يرفضون الإرهاب بكلّ أشكاله وألوانه.

ولماذا لا يتكلّم الموسوي عن إرهاب معاوية، وما قام به من اغتيالات في صفوف المسلمين حتى اغتال الإمام الحسن بالسمّ، وكان يغتال معارضيه من المؤمنين الصادقين بالسمّ ثمّ يقول: "إن لله جنوداً من عسل"(1).

وهل الحركات الإسلامية في العالم، والتي اتّصفتْ بالإرهاب في

____________

1- المصنّف للصنعاني 5: 46، الثقات لابن حيان 2: 298، سير أعلام النبلاء 4: 35.


الصفحة 508
فلسطين، وفي مصر والسُّودان، وفي تونس والجزائر وفي أفغانستان وغيرها في بلاد الغرب مثل الباسك والكورس وإيرلندا وغيرها من بلاد العالم، هل هؤلاء من الشيعة؟

وإذا كان الدكتور الموسوي يقصد بالإرهاب هو خطف الرهائن وتحويل الطائرات ونسفها، فإنّ المناضلين من الشعب الفلسطيني الذين شرّدتهم إسرائيل وطردتهم من بيوتهم، هم الذين اختطفوا الرهائن في ملعب مونيخ إبّان الألعاب الأولمبية لسنة 72، وقتلوا بعض المشاركين من الإسرائيليين، وحوّلوا بعض الطائرات ونسفوها، كلّ ذلك ليوقظوا ضمير العالم، ويعرّفوا بقضيّتهم ومظلمتهم التاريخية التي لم تعرف البشرية مثلها.

ويشهد الموسوي بأنّ هؤلاء ليسوا من الشيعة، وإذا كان الدكتور الموسوي يتأثّر بوكالات الأنباء الأجنبية التي تحاول جهدها إلصاق هذه التهمة بالشيعة من أجل المواقف السياسيّة والعداء المفرط للثورة الإسلامية، فإنّ هذه الأوساط تضع في قائمة الإرهاب الدولي كلاًّ من ليبيا وسوريا والعراق على رأس القائمة، وكلّ هؤلاء ليسوا من الشيعة ضرورةً.

فلماذا يخصّص الدكتور الموسوي الشيعة بالإرهاب في كتابه "الشيعة والتصحيح"؟ وهو نفسه يقول في صفحة 122 بأنّ الدولة الشيعية الإيرانية لا ولن تستطيع أن تتحدّث باسم الشيعة جميعاً، بل وحتى باسم الشيعة في إيران.

وإذا كان الأمر كذلك فعلى الدكتور تصحيح مفاهيمه.

وهكذا وبهذا نكون قد أنصفنا الدكتور الموسوي، وبيّنا الحقَّ من الباطل

الصفحة 509
والصحيح من السقيم.

وأثبتنا للقرّاء الكرام بأنّ عقائد الشيعة الإمامية كلّها صحيحة وسليمة; لأنّها وليدة القرآن الكريم والسنّة النبويّة.

وأنّ ما يحاوله المُغرضون والمشاغبون، أعداء الله ورسوله وأعداء الإسلام من اتهامات مُزيّفة وإشاعات باطلة; للطعن بعقائد المتمَسّكين بالعترة الطّاهرة; سيبوءُ بالفشل ويذهب جفاء، قال تعالي:

{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمّا ما يَنْفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثالَ}(1).

ونسأله سبحانه و تعالى أن يهدينا جميعاً، ويوفّقنا لما يحبّ ويرضى، ويلهمنا رشدنا، ويرفع مقته وغضبه عنّا، ويفرّج كربتنا بحضور الحجّة المنتظر، ويعجّل لنا ظهوره، إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.

وآخر دعوانا الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله الطيّبين الطّاهرين.


المذنب الذي لا يرجو إلاّ رحمة ربّه وشفاعة رسوله
محمّد التيجاني السماوي             

____________

1- الرعد: 17.