الصفحة 230
إليهم وتوصمهم بالنصب والبغض لأهل البيت النبوي، وقد عرف المسلمون كلهم بأن بغض علي من أكبر علامات النفاق.

عند ذلك اضطروا للقول بخلافة علي وألحقوه بركب الراشدين وتظاهروا بمحبة أهل البيت زوراً وبهتاناً.

وهل من سائل يسأل أبن عرم، لماذا اختلف المسلمون كلهم أو جلهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيمن يستحق الخلافة ومن هو أولى بها فاختلفوا في علي وأبي بكر فقط ولم يكن لأبيه عرم ولا بان عفان سوق رائجة في ذلك العهد ؟

وهل من سائل يسأل ابن عمر، إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرك على رأيك، فلا يعدل بأبي بكر أحدا ثم عثمان، فلماذا ولى عليهم قبل وفاته بيومين شايا لا نبات بعارضيه اصغر منك سناً وأمرهم بالسير تحت إمرته وقيادته ؟ أتراه يهجر كما قال أبوك ؟

وهل من سائل يسأل ابن عمر، لماذا قال المهاجرون والأنصار غداة بيعة أبي بكر لفاطمة الزهراء: والله لو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما كنا نعدل به أحداً، وهو اعتراف من كبار الصحابة بأنهم لا يعدلون بعلي أحداً، لولا ما سبقت بيعتهم التي سموها فلتة. فما هي قيمة رأي عبد الله بن عمر المراهق المغرور الذي لا يعرف كيف يطلق زوجته من آراء كبار الصحابة ؟

وأخيراً هل من سائل يسأل عبد الله بن عمر، لماذا اختار جل الصحابة علي بن أبي طالب للخلافة بعد مقتل عمر وقدموه على عثمان، لولا رفضه شرط ابن عوف في الحكم بسنة الشيخين(1) .

ولكن عبد الله بن عمر تأثر بأبيه، فقد عاشر خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان وهو يرى علي بن أبي طالب مبعداً، ليس له في الجماعة مجلس ولا في الحكومة منصب وقد تحولت عنه وجوه الثاس بعد وفاة ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم وزوجته سيدة النساء وليس عنده ما يطمع الناس فيه.

____________

(1) تاريخ الطبري ج 5 ص 40، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 104 تاريخ ابن قتيبة وكذلك مسند أحمد ج 1 ص 75.

الصفحة 231

ولا شك في أن عبد الله بن عمر كان أقرب الناس لأبيه فكان يسمع آراءه ويعرف أصدقاءه وأعداءه، فشب على ذلك البغض والحقد والكراهية لعلي خاصة ولأهل البيت عامة وترعرع وكبر على ذلك، حتى إذا رأى يوماً علياً وقد بايعه المهاجرون والأنصار بعد مقتل عثمان، فكبر ذلك عليه ولم يتحمله وأظهر المكنون من حقده الدفين فرفض أن يبايع إمام المتقين وولي المؤمنين ولم يتحمل البقاء في المدينة فخرج إلى مكة مدعيا العمرة.

ونرى بعد ذلك عبد الله بن عمر يعمل كل ما في وسعه لتثبيط الناس وفك عزائمهم ليحجموا عن نصرة الحق ومقاتلة الفئة الباغية التي أمر الله بمقاتلتها حتى تفيء إلى أمر الله. فكان من الخاذلين الأولين لإمام زمانه المفترض الطاعة.

وبعد مقتل الإمام علي وتغلب معاوية على الإمام الحسن بن علي وانتزاع الخلافة منه، خطب معاوية في الناس قائلا: «إني لم أقاتلكم لتصلوا أو تصوموا وتحجوا ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك».

نرى عبد الله بن عمر يسارع عند ذلك إلى بيعة معاوية بدعوى أن الناس اجتمعوا عليه بعد ما كانوا متفرقين !

وأنا أعتقد بأنه هو الذي سمى ذلك العام بعام الجماعة فهو وأتباعه من بني أمية أصبحوا «أهل السنة والجماعة» من ذلك الوقت وحتى قيام الساعة.

وهل من سائل يسأل ابن عمر ومن يقول بمقالته من «أهل السنة والجماعة» متى حصل الإجماع على خليفة في التاريخ كالذي حصل لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؟

فخلافة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها وقد تخلف عنها كثير من الصحابة.

وخلافة عمر كانت بدون مشورة بل بعهد من أبي بكر ولم يكن للصحابة فيها رأي ولا قول ولا عمل.

وخلافة عثمان كانت بالثلاثة الذين اختارهم عمر بل تمت باستبداد عبد الرحمان بن عوف وحده.

الصفحة 232

أما خلافة علي فكانت ببيعة المهاجرين والأنصار له بدون فرض ولا إكراه، وكتب ببيعته إلى الآفاق كلهم إلا معاوية من الشام(1) .

وكان من المفروض على ابن عمر و «أهل السنة والجماعة» أن يقتلوا معاوية بن أبي سفيان الذي شق عصا الطاعة وطلب الخلافة لنفسه، وذلك حسب الروايات التي أخرجوها في صحاحهم من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما(2) .

وقال صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في صحيح مسلم وغيره: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر»(3) .

ولكن عبد الله بن عمر عكس الآية تماماً وبدلاً من الامتثال لحديث النبي وأواره ومقاتلة معاوية وقتله لأنه نازع خليفة المسلمين وأشعل نار الفتنة، نراه يمتنع عن بيعة علي التي أجمع عليها المسلمون ويبايع معاوية الذي شق عصا الطاعة ونازع الإمام وقتل الأبرياء وتسب في فتنة بقيت آثارها إلى اليوم.

ولذلك أعتقد بأن عبد الله بن عمر قد شارك معاوية في كل ما ارتكبه من جرائم وموبقات وآثام، لأنه شيد ملكه وأعانه على التسلط والاستيلاء على الخلافة التي حرمها الله ورسوله على الطلقاء وأبناء الطلقاء، كما ورد ذلك في الحديث الشريف.

ولم يكتف عبد الله بن عمر بذلك فحسب، بل سارع لبيعة يزيد بن معاوية، يزيد الخمور والفجور والكفر والفسوق الطليق ابن الطليق واللعين ابن اللعين.

وإذا كان عمر بن الخطاب كما ذكره ابن سعد في طبقاته يقول: «لا تصلح الخلافة لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح»(4) ، فكيف يخالف عبد الله أباه

____________

(1) ابن حجر في فتح الباري ج 7 ص 586.

(2) صحيح مسلم ج 6 ص 23 مستدرك الحاكم ج 2 ص 156، سسن البيهقي ج 8 ص 144.

(3) صحيح مسلم وسنن البيهقي وسنن ابن ماجه.

(4) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 248.

الصفحة 233
في هذا المبدأ الذي سطره من قبل، وإذا كان عبد الله بن عمر بخالف كتاب الله وسنة رسوله في أمر الخلافة فلا نستغرب أن يعمل بعكس رأي أبيه.

ثم هل لنا أن نسأل عبد الله بن عمر: أي إجماع وقع على بيعة يزيد بن معاوية وقد نبذه صلحاء الأمة وبقية المهاجرين والأنصار ومنهم سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وكل من سار معهم ورأى رأيهم ؟

والمعروف أنه هو نفسه كان من المعارضين لبيعة يزيد في البداية ولكن معاوية عرف كيف يستميله فأرسل إليه مائة ألف درهم فقبلها، فلما ذكر له البيعة لابنه يزيد قال ابن عمر: هذا ما أراد ؟ إن ديني إذن علي لرخيص(2) .

نعم لقد باع عبد الله بن عمر دينه بثمن رخيص كما شهد بذلك على نفسه، وهرب من بيعة إمام المتقين وأسرع لبيعة إمام الباغين معاوية وإمام الفاسقين يزيد، وكما تحمل أوزار تلك الجرائم التي سببها حكم معاوية الظالم، فإنه يتحمل بلا شك أوزار جرائم يزيد وعلى رأسها انتهاك حرمة رسول الله وقتل ريحانته سيد شباب أهل الجنة وعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصالحين من أبناء الأمة الذين قتلهم في كربلاء وفي وقعة الحرة.

ولم يكتف عبد الله بن عمر بهذا الحد من البيعة إلى يزيد فحسب بل عمل على حمل الناس عليها وردهم إلهيا وخوف كل من تحدثه نفسه بالخروج عليها.

فقد أخرج البخاري في صحيحه وغيره من المحدثين بأن عبد الله بن عمر جمع ولده وحشمه ومواليه ـ وذلك عندما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ـ فقال لهم: إنا بايعنا هذا الرجل على بيعة الله ورسوله(1) وإني سمعت رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال: هذه غدرة فلان،

____________

(1) أنساب الأشراف للبلاذري ج 5 ص 31 والاستيعاب لابن عبد البر ج 2 ص 396 وأسد الغابة، ج 3 ص289.

(2) هل أمر الله ورسوله ببيعة الفساق والمجرمين ؟ أم أنه أمر ببيعة أوليائه الصالحين فقال: «إنما وليكن الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون» ؟

الصفحة 234
وإن من أعظم الغدر بعد الإشراك بالله أن يبايع رجل رجلاً على بيع الله ورسوله ثم ينكث بيعته(1) ولا يخلعن أحد منكم ولا يشرفن أحد منكم في هذا الأمر فيكون صيلماً بيني وبينه(2) .

ولقد قوي بطش يزيد بموالاة عبد الله بن عمر له وتحريضه الناس على بيعته، فجهز جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة من أكابر الفاسقين وأمره بالسير إلى مدينة الرسول وأباح له أن يفعل فهيما ما يشاء فقتل عشرة آلاف من الصحابة وسبى نساءهم وأموالهم وقتل سبعمائة من حفاظ القرآن على ما يذكره البلاذري، وهتك الحرمات من الحرائر المسلمات حتى ولدن من سفاح أكثر من ألف مولود، وأخذ منهم البيعة على أنهم كلهم عبيد لسيده يزيد.

أفلم يكن عبد الله بن عمر شريكه في كل ذلك إذ عمل على دعمه وتأييده ؟ أترك الاستنتاج في ذلك إلى الباحثين !

ولم يقف عبد الله بن عمر عند هذا الحد بل تعداه إلى بيعة مروان بن الحكم الوزغ اللعينن الفاجر الذي حارب عليا وقتل طلحة وفعل الأفاعيل، من حرق بيت الله الحرام ورميها بالمجانيق حتى هدم ركنها، وقتل فيها عبد الله بن الزبير، وأعمال أخرى يندى لذكرها الجبين.

ثم يذهب ابن عمر في البيعة أشواطاً ويذهب إلى بيعة الحجاج بن يوسف الثقفي الزنديق الأكبر الذي كان يستهزئ بالقرآن ويقول ما هو إلا رجز الأعراب، ويفضل على رسول الله سيده عبد الملك بن مروان، الحجاج الذي عرف بوائقه الخاص والعام حتى قال المؤرخون بأنه انتقض كل أركان الإسلام.

ذكر الحافظ بن عساكر في تاريخه أن رجلين أختلفا في الحجاج قال أحدهما: هو كافر، وقال الثاني: بل هو مؤمن ضال، ولما تعاندا سألا الشعبي عنه

____________

(1) ليت ابن عمر قال هذا لطلحة والزبير اللذان نكثا بيعتهما لعلي وحارباه وليست «أهل السنة والجماعة» عملوا بهذا الحديث في تقسيم الرجال ! وإذا كان نكث البيعة من أعظم الكباير الذي تأتي بعد الإشراك، فما هي مصير طلحة والزبير اللذين لم ينكثا البيعة ققط ولكنهما هتكا الأعراض وقتلا الأبرياء ونهبا الأموال وخانا العهد ؟ ؟ ؟

(2) صحيح البخاري ج1 ص166، مسند أحمد ج2 ص96، سنن البيهقي ج8 ص159.

الصفحة 235
فقال: إنه مؤمن بالجبت والطاغوت وكافر بالله العظيم(1) .

هذا الحجاج المجرم المنتهك لما حرم الله والذي يذكر المؤرخون بأنه أسرف ي القتل والتعذيب والتمثيل بصلحاء الأمة والمخلصين وخصوصاً منهم شيعة آل محمد، فإنهم لاقوا منه ما لم يلاقوه من غيره.

يقول ابن قتيبة في تاريخه بأن الحجاج قتل في يوم أحد بضع وسبعين ألفاً حتى سالت الدماء إلى باب المسجد وإلى السكك(2) .

ويقول الترمذي في صحيحه: أحصى ما قتل الحجاج صراً فوجد مائة وعشرون ألفا(3) .

ويقول ابن عساكر في تاريخه بعد ذكر من قتلهم الحجاج: ووجد في سجنه بعد موته ثمانون ألفاً منهم ثلاثون ألف امرأة(4) .

وكان الحجاج يشبه نفسه برب العزة والجلالة فإذا مر قرب السجن وسمع نداء المسجونين واستغاثتهم له يقول لهم: إخسأوا فيها ولا تكلموني.

هذا الحجاج الذي تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل وفاته فقال: إن في ثقيف كذاباً ومبيراً. والغريب أن راوي هذا الحديث هو عبد الله بن عمر نفسه(5) !

نعم لقد ترك عبد الله بن عمر بيعة خير البشر بعد النبي ولم ينصره ولم يصل وراءه، فأذله الله سبحانه وذهب إلى الحجاج يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: «من مات وليست في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية». فاحتقره الحجاج اللعين وأعطاه رجله قائلاً: إن يدي مشغولة فبايعه، وكان يصلي خلف الحجاج الزنديق وخلف واليه نجدة بن عامر رأس الخوارج(6) .

ولا شك بأن عبد الله بن عمر اختار الصلاة وراء هؤلاء لأنهم كانوا مشهورين

____________

(1) تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 81.

(2) تاريخ الخلفاء لابن قتيبة ج 2 ص 26.

(3) صحيح الترمذي ج 9 ص 64.

(4) تاريخ ابن عساكر ج 4 ص 80.

(5) صحيح الترمذي ج 9 ص 64 ومسند أحمد بن حنبل ج 2 ص 91.

(6) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 4 ص 110 والمحلى لابن حزم ج 4 ص 213.

الصفحة 236
بشتم ولعن علي بعد كلا صلاة. فكان ابن عمر يشفي غليله ويروي حقده الدفين وهو يسمع ذلك فيرتاح قلبه ويهدأ روعه.

ولذلك نجد مذهب «أهل السنة والجماعة» يفتون بالصلاة وراء البر والفاجر، وراء المؤمن والفاسق وذلك استناداً لما فعله سيدهم وفقيه مذهبهم عبد الله بن عمر في صلاته وراء الحجاج الزنديق والخارجي نجدة بن عامر.

أما ما قاله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ن فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً(1) . فيضرب به عرض الجدار.

وليست هذه الخصال الأربعة ـ حفظ القرآن، وحفظ السنة، وقدم الهجرة، وقدم الإسلام ـ ولا واحدة منهن توجد في هؤلاء الذين بايعهم ابن عمر وصلى بإمامتهم لا معاوية ولا يزيد ولا مروان ولا الحجاج ولا نجدة الخارجي.

وهذه طبعاً من السن النبوية التي خالفها عبد الله بن عمر وضرب بها عرض الجدار وعمل بعكسها تماماً إذ أنه ترك سيد العترة الطاهرة علياً الذي اجتمعت فيه كل هذه الخصال وأكثر منها فنبذه وراء ظهره ويمم وجهه شطر الفساق والخوارج والملحدين أعداء الله ورسوله واقتدى بصلاتهم !

وكم لعبد الله بن عمر فقيه «أهل السنة والجماعة» من مخالفات لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولو شئنا لجمعنا في ذلك كتاباً مستقلاً، ولكن يكفينا ذكر بعض الأمثلة من كتبهم وصحاجهم حتى تكون حجتنا بالغة.

خلاف عبد الله بن عمر للكتاب والسنة:

قال الله تعالى في كتابه العزيز: «فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله» (الحجرات: 9) وقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي أنت تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين».

فيخالف عبد الله بن عمر نصوص القرآن والسنة النبوية كما يخالف إجماع

____________

(1) صحيح مسلم ج 2 ص 133، صحيح الترمذي ج 6 ص 34، سسن أبي داود ج 1 ص 96.

الصفحة 237
الأمة من المهاجرين والأنصار الذين قاتلوا مع أمير المؤمنين، ويقول برأيه: لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب(1) .

كما ذكر ابن حجر بأن عبد الله بن عمر كان من رأيه ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة(2) .

عجيب والله أمر عبد الله بن عمر الذي يرى الحق مع طائفة ويرى الباطل مع الأخرى ثم لايتحرك لنصرة الحق على الباطل ولا لردع الباطل حتى يفئ إلى أمر الله، ويصلي وراء الغالب ولو كان باطلاً ! وهو ما وقع فعلاً من ابن عمر.

فقد تغلب معاوية وقهر الأمة وتولى عليها رغم أنفها فجاء ابن عمر فبايعه وصلى خلفه رغم ما فعله معاوية من جرائم ويواثق تفوق التصور ولا تخفى على ابن عمر.

وقد تغلب أهل الباطل من أئمة الجور بكثرتهم على أهل الحق وهم أئمة أهل البيت فأبعدوا وقام الطلقاء والفساق والمجرمون الضالون يحكمون الأمة بالقوة والقهر.

فترك ابن عمر الحق بكامله فلم يسجل له التاريخ صحبة ولا مودة لأهل البيت وقد عاصر منهم خمسة أئمة، فلم يصل وراء واحد منهم، ولو يرو عن واحد منهم حديثاً ولم يحدث ولم يعترف لواحد منهم بفضل ولا فضيلة.

وقد عرفنا ـ في فصل الأئمة الاثني عشر من هذا الكتاب ـ رأيه في الخلفاء الاثني عشر على حد زعمه فقد صحح خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد والسفاح وسلام والمنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب، قال: هؤلاء الاثنا عشر كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله(3) .

فهل ترى في هؤلاء واحداً من أئمة الهدى من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم سفينة النجاة وأعدال القرآن ؟ !

____________

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص110.

(2) فتح الباري لابن حجر ص 39.

(3) تاريخ السيوطي ـ كنز العمال ـ تاريخ ابن عساكر والذهبي، ولمعرفة المصادر بالأرقام يراجع فصل الخلفاء الاثني عشر عند أهل السنة من الكاب.

الصفحة 238

ولذلك فإنك لا ترى لهم وجوداً عند «أهل السنة والجماعة» ولا يوجد في قائمة أئمتهم وخلفائهم الذين يقتدون بهم واحد من أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

هذه حال عبد الله بن عمر في مخالفة الكتاب والسنة، أما جهله بهما فحدث ولا حرج.

فمنه جهله بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للنساء إذا كن محرمات أن يلبسن الخفين، وكان ابن عمر يفتي بحرمة ذلك(1) .

ومنها أنه كان يكري مزارعه على عهد رسول الله وعهد أبي بكر وعمر وعثمان معاوية حتى حدثه أحد الصحابة في آخر خلافة معاوية بأن رسول الله حرمه(2) .

نعم هذا هو فقيه «أهل السنة والجماعة» لا يعرف حرمة كراء المزارع، ولا شك بأنه كان يفتي بجواز ذلك طوال هذه المدة المذكورة من عهد النبي إلى آخر خلافة معاوية قرابة خمسين عاماً.

ومنها ما أنكرته عليه عائشة من فتواه بأن القبلة توجب الوضوء، أو فتواه بأن الميت يعذب ببكاء الحي عليه، وكذلك في أذان الصبح وفي قوله بأن الشهر تسعة وعشرون يوماً، كما عارضته في عذة مسائل أخرى.

ومنها ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما: قيل لبعد الله بن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من تبع جنازة فله قيراط من الأجر.

فقال ابن عمر: اكثر أبو هريرة علينا، فصدقت عائشة أبا هريرة وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوله، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في فراريط كثيرة(3) .

وتكفينا شهادة عمر بن الخطاب في ابنه عبد الله عندما قال له أحد المتملقين، وهو على فراش الموت: إستخلف عبد الله بن عمر، فقال له: كيف استخلف عليهم من لا يعرف كيف يطلق زوجته ؟

____________

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 289، سنن البيهقي ج 5 ص 25، مسند أحمد ج 2 ص 29.

(2) صحيح اليخاري وصحيح مسلم ج 5 ص 21.

(3) صحيح البخاري في كتاب الجنائز باب فضل اتباع الجنائز.

الصفحة 239

فهذا هو ابن عمر ولا أحد يعرفه أكثر من أبيه.

وأما الأحاديث المكذوبة التي خدم بها سيده معاوية فكثيرة جداً ونذكر منها على سبيل المثال قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية ثم قال من الغد يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلع معاوية، ثم قال من الغد مثل ذلك فطلع معاوية.

وقوله: لما نزلت آية الكرسي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية: أكتبها، فقال معاوية: مالي يكتبها إن كتبتها ؟ قال: لا يقرأها أحد إلا كتب لك أجرها.

وأنا لا أدري لماذا لم يلحق «أهل السنة والجماعة» سيدهم معاوية كاتب الوحي بالعشرة المبشرين بالجنة وسيدهم ابن عمر يؤكد ثلاث مرات، وفي ثلاثة أيام متوالية أن معاوية من أهل الجنة، وإذا كان الناس يبعثون يوم القيامة حفاة عراة فإن معاوية أفضل مهم جميعاً إذ يبعث وعليه رداء من نور الإيمان !! إقرأ واعجب !!

هذا هو عبد الله بن عمر وهذا مبلغه من العلم وهذا فقهه وخلافه للكتاب والسنة النبوية، وهذا هو عداؤه لأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين من عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا هو ولاؤه وتزلفه لأعداء الله ورسوله وأعداء الإنسانية.

فهل يتبصر «أهل السنة والجماعة» اليوم بهذه الحقائق ويعلمون بأن السنة المحمدية لا توجد إلا عند أتباع العترة الطاهرة وهم الشيعة الإمامية ؟

«ولا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون» (الحشر: 20).

صدق الله العلي العظيم

12 ـ عبد الله بن الزبير:

أبوه الزبير بن العوام الذي قتل في حرب الجمل وتسمى في السنة النبوية حرب الناكثين، وأمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، وخالته عائشة أم المؤمنين بنت أبي بكر وزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أكبر المناوئين للإمام علي (عليه السلام) والمبغضين له.

الصفحة 240

ولعله كان يفتخر بخلافة جده أبي بكر وبخالته عائشة فورث منهما ذلك الحق وشب عليه. فكان الإمام علي (عليه السلام) يقول للزبير: قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرق بيننا وبينك.

والمشهور في التاريخ أنه كان في حرب الجمل من العناصر البارزة والقادة المباشرين، حتى أن عائشة قدمته ليؤم الناس في الصلاة بعدما عزلت طلحة والزبير لأنهما اختلفا ورغب كل واحد منهما فيها.

ويقال أيضاً إنه هو الذي جاء لخالته عائشة بخمسين رجلاً يشهدون زوراً بأن المكان ليس بـ (ماء الحوأب) فواصلت معهم طريقها.

وعبد الله هو الذي عبر أباه بالجبن واتهمه بالخوف لما عزم على اعتزال المعركة بعدما ذكره الإمام علي (عليه السلام) بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإعلامه بأنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، حتى أن أباه ـ لما كثر هو تعييره ـ قال له: مالك أخزاك الله من ولد ما أشأمك(1) .

ويقال: إنه ما زال يعير أباه ويهيجه حتى حمل على جيش علي فقتل، وبهذا يصدق عليه قول أبيه «(ما أشأمك من ولد».

وهذه هي الرواية التي اخترناها لأنها أقرب للواقع ولنفسية الزبير الحاقدة وابنه عبد الله ابن السوء. فلا يمكن للزبير أن ينسحب من المعركة بتلك السهولة ويترك وراءه طلحة وأصحابه ومواليه وعبيده الذين جاء بهم إلى البصرة ويترك أم المؤمنين أخت زوجته وقد أشرفت على الهلاك، ولو سلمنا بأنه تركهم فهم لا يتركونه وبالخصوص ابنه عبد الله الذي عرفنا عزمه وشدة حزمه.

ويذكر المؤرخون بأن عبد الله بن الزبير كان يشتم علياً ويلعنه ويقول: جاءكم الوغد اللئيم ـ يقصد علياً (عليه السلام) ـ وخطب في أهل البصرة يستنفر الناس ويحرضهم على القتال فقال: أيها الناس إن علياً قتل الخليفة بالحق عثمان مظلوماً، ثم جهز الجيوش ليستولي عليكم ويأخذ مدينتكم، فكونوا رجالاً تطالبون بثأر خليفتكم، واحفظوا حريمكم وقاتلوا عن نسائكم

____________

(1) تاريخ أعلم وكذلك شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 170.

الصفحة 241
وذراريكم وأحسابكم وأنسابكم، ألا وإن علياً لا يرى في هذا الأمر أحداً سواه، والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم(1) .

وقد بلغ من بغضه لبني هاشم عامة ولعلي (عليه السلام) خاصة أنه ترك الصلاة على محمد أربعين جمعة ويقول: إنه لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها(2) .

وإذا كان حقده وبغضه يصل به إلى ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا لوم عليه ولا يستغرب منه أن يكذب على الناس ويتهم الإمام علياً (عليه السلام) ويرميه بكل قبيح، وقد سمعت خطبته في أهل البصرة وقوله لهم: والله لئن ظفر بكم ليهلكن دينكم ودنياكم.

إنه كذب مفضوح وبهتان عظيم من عبد الله بن الزبير الذي لا يعرف الحق إلى قلبه سبيلاً.

والشاهد على ذلك أن علي بن أبي طالب ظفر بهم وانتصر عليهم وأمر الإغلبية منهم وفيهم عبد الله بن الزبير نفسه ولكنه عفا عنهم جميعاً وأطلق سراحهم وأكرم عائشة بأن سترها وأرجعها إلى بيتها في المدينة، كما منع أصحابه من أحد الغنائم وسبي النساء والأطفال، والإجهاز على جريح، حتى سبب له ذلك تمرد بعض الجيش عليه والتشكيك في أمره.

فعلي (عليه السلام) هو محض السنة النبوية وهو العارف بكتاب الله ولا أحد يعرفه سواه، فقد ثارت ثائرة بعض المنافقين المندسين في جيشه وألبوا عليه، وقالوا: كيف يبيح لنا قتالهم ويحرم علينا سبي نسائهم ؟

واغتر بهذا القول كثير من المقاتلين غير أنه (سلام الله عليه) احتج عليهم بكتاب الله وقال لهم: إقترعوا على من يأخذ منكم أمه عائشه ! وعند ذلك أدركوا أنه على الحق فقالوا نستغفر الله لقد أصبت وأخطأنا.

فقول عبد الله بن الزبير كذب وبهتان مبين لأن بغضه لعلي (عليه السلام)

____________

(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 358 تاريخ المسعودي ج 5 ص 163.

(2) تاريخ اليعقوبي ج 3 ص 7، شرح نهج البلاغة ج 1 ص 385.

الصفحة 242
أعمى بصره وبصيرته وأخرجه عن الإيمان ولم يتب ابن الزبير بعد ذلك ولم يتخذ من تلك الحرب دروساً ومواعظ يستفيد منها.

كلا إنه قابل الحسنة بالسيئة وازداد حقده وبغضه لبني هاشم ولسيد العترة الطاهرة وعمل كل ما في وسعه لإطفاء نورهم والقضاء عليهم.

فقد روى المؤرخون بأنه وبعد مقتل الإمام علي (عليه السلام) قام يدعو لنفسه بإمارة المؤمنين والتف بعض الناس وقويت شوكته، فعمل على سجن محمد بن الحنفية، ولد الإمام علي (عليه السلام) وكذلك الحسن بن علي ومعهم سبعة عشر رجلاً من بني هاشم وأراد أن يحرقهم بالنار فجمع على باب الحبس حطباً كثيراً وأضرم عليهم النار، ولولا وصول جيش المختار في الوقت المناسب فأطفأ النار واستنقذهم لبلغ فيهم ابن الزبير مراده(1) .

وبعث إليه مروان بن الحكم جيشاً بقيادة الحجاج فحاصره وقتله وصلبه في الحرم.

وهكذا انتهت حياة عبد الله بن الزبير كما انتهت حياة أبيه من قبل، كل منهما أبح الدنيا وحرص على الإمارة وأراد البيعة لنفسه وقاتل من أجلها وهلك وأهلك ومات مقتولاً دونها ولم يبلغ مناه.

ولعبد الله بن الزبير أراء في الفقه أيضاً وهي رد فعل منه لمخالفة فقه أهل البيت الذين يبغضهم، ومن أشهرها قوله بحرمة زواج المتعة.

فقد قال مرة لعبد الله بن عباس: يا أعمى البصر لئن فعلتها لأرجمنك بالحجارة.

ورد عليه ابن عباس: أنا أعمى البصر، أما أنت فأعمى البصيرة، وإذا اردت معرفة حلية المتعة فاسأل عنها أمك !(2) .

____________

(1) تاريخ المسعودي ج 5 ص 185 شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج 4 ص 487.

(2) أعمى البصر لأن عبد الله بن عباس كف بصره في كبره، ,أما قوله: فاسأل عنها أمك فيقال إن الزبير تزوج أسماء بزواج متعة وإن عبد الله نفسه ولد من المتعة، ويقال إن عبد الله رجع إلى أمه فقالت له: ألم أنهك عن ابن عباس فهو أعلم الناس بمثالب العرب.

الصفحة 243

ولا نريد الإطالة في هذا الموضوع الذي كثر فيه الكلام، وإنما أردنا إبراز مخالفة ابن الزبير لأهل البيت في كل شيء حتى في الأمور الفقهية التي ليس له فيها قدم راسخة.

وقد ذهب كل هؤلاء بخيرهم وشرهم وتركوا الأمة المنكوبة تمخر في بحر من الدماء وتغرق في بحر الضلالة، والأغلبية منهم لا يعرفون الحق من الباطل، وقد صرح بذلك طلحة والزبير وكذلك سعد بن أبي وقاص.

ولكن الوحيد الذي كان على بينة من ربه ولم يشك في الحق طرفة عين، هو علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) الذي كان يدور الحق معه حيث توجه ودار.

فهنياً لمن أتبعه واقتدى به، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت يا علي وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة(1) .

«فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون» (يونس: 35).

صدق الله العلي العظيم

____________

(1) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي في سورة البينة.

الصفحة 244

السنة النبوية لا تخالف القرآن عند الشيعة

بعد البحث والتنقيب في عقيدة الطرفين من الشيعة و «أهل السنة والجماعة» وجدنا بأن الشيعة يرجعون في كل أحكامهم الفقهية إلى كتاب الله والسنة النبوية لا غير.

ثم هم يرتبون القرآن في المرتبة الأولى والسنة النبوية في المرتبة الثانية، ونعني بذلك أنهم يخضعون السنة للمراقبة ويعرضونها على كتاب الله العزيز، فما وافق بذلك أنهم يخضعون السنة للمراقبة ويعرضونها على كتاب الله العزيز، فما وافق منها كتاب الله قبلوه وعملوا به وما خالف كتاب الله تركوه ولم يقيموا له وزناً(1) .

والشيعة يرجعون في ذلك إلى ما قرره أئمة أهل البيت (عليهم السلام) رواية عن جدهم رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال: إذا جاءكم حديث عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافق كتاب الله فاعملوا به وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار.

وقد قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عدة مرات: «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف».

وقال في أصول الكافي بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس بمنى فقال: «أيها الناس ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم عني يخالف كتاب الله فلم أقله».

____________

(1) هذا هو لعمري المنطق السليم الذي يقطع الطريق على كل المحدثين الذين اشتهروا بتدليس الحديث ونسبته للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو منه برئ.

الصفحة 245

وعلى هذا الأساس المتين بنى الشيعة الإمامية فقههم وعقائدهم، فمهما بلغ الحديث من صحة الإسناد فلابد أن يزنوه بهذا الميزان ويعرضوه على الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

والشيعة الإمامية هي الفرقة الوحيدة بين الفرق الإسلامية الأخرى التي اشترطت هذا الشرط، وبالخصوص في باب تتعارض فيه الروايات والأخبار.

قال الشيخ المفيد في كتابه المسمى بـ «تصحيح الاعقتاد»: «وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح الأخبار وسقيمها فما قضى به فهو الحق دون سواه».

وبناء على هذا الشرط، وهو عرض الحديث على كتاب الله تعالى تميز الشيعة عن «أهل السنة والجماعة» في كثير من الأحكام الفقهية وكذلك في كثير من العقائد.

والباحث يجد في كل أحكام الشيعة وعقائدهم مصداقاً في كتاب الله، خلافاً لما هو عند «أهل السنة والجماعة» فالمتتبع قد يجد عندهم عقائد وأحكاماً تخالف صريح القرآن الكريم، ستعرف ذلك وسنوافيك ببعض الأدلة على ذلك قريباً إن شاء الله.

وبناء على ذلك يفهم المتتبع أيضاً بأن الشيعة لم يصححوا أي كتاب من كتب الحديث عندهم أو يعطوه قدسية تجعله بمثابة القرآن، كما هو الحال عند «أهل السنة والجماعة» الذين يصححون كل الأحاديث التي رواها البخاري ومسلم، رغم أن فيهما مئات الأحاديث التي تتناقض مع كتاب الله.

ويكفيك أن تعرف بأن كتاب الكافي عند الشيعة رغم جلالة قدر مؤلفه محمد بن يعقوب الكليني وتبحره في علم الحديث إلا أن علماء الشيعة لم يدعوا يوماً بأن ما جمعه كله صحيح بل هناك من علمائهم من طرح أكثر من نصفه وقال بعدم صحتها، بل إن مؤلف (الكافي) لا يقول بصحة كل الأحاديث التي جمعها في الكتاب.

الصفحة 246

ولعل كل ذلك ناتج عن سيرة الخلفاء عند كل فرقة منهم، فـ «أهل السنة والجماعة» اقتدوا بأئمة يجهلون أحكام القرآن والسنة، أو يعرفونها ولكنهم اجتهدوا بآرائم، وخالفوا تلك النصوص لعدة أسباب أوضحنا البعض منها في أبحاث سابقة.

أما الشيعة فإنهم اقتدوا بأئمة العترة الطاهرة الذين هم عدل القرآن وترجمانه لا يخالفونه ولا يختلفون فيه.

«أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلانك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون» (هود: 17).

صدق الله العلي العظيم


الصفحة 247

السنة والقرآن عند «أهل السنة والجماعة»

بعد ما عرفنا بأن الشيعة الإمامية يقدمون القرآن علي السنة و يجعلونه القاضي عليها والمهيمن، ف " أهل هذا بأنهم سموا أنفسهم ب "أهل السنة" من أجل هذا المبدأ الذي ارتأوه، و إ لا لماذا لم يقولوا بأنهم أهل القرآن السنة و الجماعة" علي العكس تماماً يقدمون السنة علي القرآن و يجعلونها و مهيمنة عليه.

و نستنتج من و السنة و خصوصاً أنهم يروون في كتبهم بأن النبي قال: تركت فيكم كتاب الله و سنتي؟

ولأنهم أهملوا القرآن و جعلوه في المرتبة و تمسكوا بالسنة المزعومة و جعلوها في المرتبة الأولي، فهمنا من ذلك السبب الرئيسي لقولهم بأن السنة قاضية على القرآن. و هذا منهم أمر عجيب، و أعتقد بأنهم اضطروا إلى ذلك اضطراراً عندما وجدوا أنفسهم يقومون بأعمال مخالفة لما جاء في القرآن، و قد ألفوها بعدما فرضها عليهم الحكام الذين أطاعوهم. و لتبرير تلك الأعمال وضعوا لها أحاديث نسبوها للنبيصلى الله عليه وآله وسلم كذباً، و لما كانت تلك الأحاديث تتعارض مع أحكام القرآن، قالوا بأن السنة قاضية علي القرآن أو أنها تنسخ القرآن.

وأضرب لذلك مثلاً واضحاً يفعله المسلم مرات عديدة في كل يوم، ألا وهو الوضوء قبل الصلاة فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم و أرجلكم إلى الكعبين» (المائدة: 6)

الصفحة 248

ومهما قيل، و بقطع النظر عن قراءة النصب والجر وقد قدمنا بأن الفخر الرازي وهو من أشهر علماء "أهل السنة والجماعة" في اللغة العربية قال بوجوب المسح في القراءتين(1) .

وقال ابن حزم أيضاً: سواء قرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرؤوس أما علي اللفظ و إما على الوضع ولا يجوز غير ذلك.(2)

ولكن الفخر الرازي بعد اعترافه بأن القرآن نزل بوجوب المسح في القراءتين، نراه يتعصب لمذهبه السني، فقال: ولكن السنة جاءت بالمسح ناسخة للقرآن.(3)

وهذا المثل من السنة المزعومة القاضية على القرآن أو الناسخة له، يوجد له أمثلة كثيرة عند "أهل السنة والجماعة" فكم من حديث موضوع يبطلون به حكماً من أحكام الله بدعوى أن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم نسخه.

و نحن لو تمعنا قي آية الوضوء التي نزلت في سورة المائدة و إجماع المسلمين على أن سورة المائدة هي آخر ما نزل من القرآن و يقال: إنها نزلت قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشهرين فقط، فكيف و متى نسخ النبي حكم الوضوء يا ترى؟! وقد قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهل يعقل أنه و قبل شهرين من وفاته عندما نزل عليه قوله سبحانه: «وامسحوا برؤوسكم و أرجلكم» عمد إلى غسل رجليه معارضة لكتاب الله؟! إنه كلام لا يصدق.

ثم كيف يصدق الناس هذا النبي الذي يدعوهم لكتاب الله والعمل به قائلاً لهم: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ثم يعمل هو بعكسه؟! فهل هذا معقول أو يقلبه العقلاء؟ أم سيقول له المعارضون والمشركون والمنافقون: إذا كنت أنت تعمل بخلافه، فكيف تأمرنا نحن باتباعه؟! وسوف يجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنى ذلك نفسه محرجاً ولا يقدر علي دفع حجتهم، و لذلك نحن لا نصدق بهذا الادعاء الذي يرفضه النقل والعقل، و كل من له دراية بالكتاب والسنة لا يصدقه.

____________

(1) التفسير الكبير للفخراوي ج11 ص161.

(2) المحلى لابن حزم ج3 ص54.

(3) التفسير الكبير للفخر الرازي ج11 ص161.

الصفحة 249

ولكن "أهل السنة و الجماعة" والذين هم في الحقيقة حكام بني أمية و من جرى وراءهم كما عرفنا بذلك في أبحاث سابقة، عمدوا لوضع الأحاديث على لسان النبي ليصححوا بذلك آراء واجتهادات أئمة الضلالة و يكسبوها شرعية دينية أولاً، وليعللوا اجتهادات هؤلاء في مقابل النصوص بأن النبي نفسه قد اجتهد مقابل النصوص القرآنية و نسخ منها ما شاء، فيصبح بذلك أهل البدع يستمدون شرعيه مخالفتهم للنصوص اقتداء بالرسول كذباً و بهتاناً.

و قد قدمنا في بحث سابق بالأدلة و احجج القوية أن رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ما قال يوماً برأي ولا بقياس و إنما كان ينتظر نزول الوحي لقوله تعالى: (لتحكم بين الناس بما أراك الله)(1)

أليس هو القائل مبلغاً عن ربه: «و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» (يونس: 15). أولم يهدده ربه بأشد التهديد لو حاول أن يتقول على الله كلمة واحدة، فقال جل وعلا: «ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين» (الحاقة: 44-47)

فهذا هو القرآن، و هذا هو النبي الذي كان خلقه القرآن، و لكن "أهل السنة والجماعة"(2) ، ولشدة عداوتهم لعلي بن أبي طالب و أهل البيت (عليهم السلام)، كانوا يخالفونهم في كل شيء حتى أصبح شعارهم هو مخالفة علي و شيعته في كل شيء، حتى لو كانت سنة نبوية ثابتة عندهم(3) .

و لما كان المشهور عن الإمام علي (عليه السلام) الجهر بالبسملة حتى في الصلاة السرية من أجل إحياء النبوية، فقد عمل بعضهم علي القول

____________

(1) صحيح البخاري ج8 ص148، (النساء: 105).

(2) ونقصد بهم الأوائل الذين عاهدوا عليا و أولاجه من بعده والذين أسسوا مذهب «أهل السنة والجماعة.

(3) قد فصلنا القول في ذلك وأخرجنا تصريحاتهم من كتبهم و أقوال أئمتهم في كتاب «مع الصادقين» فليراجع.

الصفحة 250
بكراهتها في الصلاة، و كذلك بالنسبة للقبض والسدل و دعاء القنوت و غير ذلك من الأمور التي تخص الصلاة اليومية.

و لذلك كان أنس بن مالك يبكي و يقول: و الله ما أجد شيئاً مما أدركت عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: و هذه الصلاة؟ قال: لقد غيرتم فيها ما غيرتم,(1)

والغريب يشنعون على الشيعة إذا خالفوهم في أية مسألة فتصبح تلك الرحمة نقمة، ولا يقلبون إلا آراء أئمتهم مع أن أئمتهم لا يساوون أئمة العترة الطاهرة في علم ولا في عمل ولا في فضل ولا في شرف.

و كما ذكرنا في "غسل الرجلين" و رغم أن كتبهم تشهى بأن المسح هو الذي نزل به القرآن و هو أيضاً سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2) ، و لكنهم لا يقبلون من الشيعة شيئاً من ذلك و يتهمونهم بتأويل القرآن و الخروج عن الدين.

والمثل الثاني الذي لا بد من ذكره أيضاً هو نكاح المتعة الذي نزل به القرآن و أقرته السنة النبوية، و لكنهم لتبرير اجتهاد عمر بن الخطاب الذي حرمه اختلقوا حديثاً مكذوباً نسبوه للنبيصلى الله عليه وآله وسلم و أخذوا يشنعون على الشيعة لإباحتهم هذا النكاح استناداً لما رواه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أضف إلى ذلك أن صحاحهم تشهد بأن الصحابة فعلوه في عهد رسول الله و عهد أبي بكر و شطر من عهد عمر قبل أن يحرمه. و يشهدون أيضاً بأن الصحابة اختلفوا فيه بين محلل و محرم.

و الأمثلة في هذه المواضيع - التي ينسخون فيها النص القرآني بحديث مكذوب - كثيرة جداً، و قد ضربنا منها والقصد هو رفع الستار عن مذهب "أهل السنة و الجماعة) و إطلاع القارئ بأنهم يقدمون الحديث على القرآن، و يقولون صراحة بأن السنة قاضية علي القرآن.

____________

(1) البخاري ج 1 ص 74

(2) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 ص 191

الصفحة 251

فهذا الإمام الفقيه عبد الله بن مسلم بن قتيبة محدث و فقيه "أهل السنة و الجماعة" متوفي سنة 276 هجرية يقول بصراحة: "السنة قاضية على الكتاب، و ليس الكتاب بقاض علي السنة"(1)

كما ذكر صاحب كتاب مقالات الإسلاميين نقلاً عن الإمام الأشعري و هو إمام "أهل السنة و الجماعة" في الأصول قوله: "إن السنة تنسخ القرآن و تقضي عليه، و أن القرآن لا ينسخ السنة و لا يقضي عليها"(2)

و ذكر ابن عبد البر بأن الإمام الأوزاعي و هو من كبار أئمة "أهل السنة و الجماعة"، قال: "إن القرآن أحوج إلي السنة من السنة إلى القرآن …"(3)

فإذا كانت هذه أقوالهم تشهد على عقيدتهم فمن الطبيعي جداً أن يتناقض هؤلاء مع ما يقوله أهل البيت من عرض كل حديث على كتاب الله و وزنه عليه لأن القرآن هو القاضي على السنة، و من الطبيعي أيضاً أن يرفضوا هذه الأحاديث و لا يعترفوا بها ولو رواها أئمة أهل البيت، لأنهم تنسف مذهبهم نسفاً.

فقد ذكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة بأن الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و هو قوله: إذا جاءكم الحديث عني فاعرضوه على كتاب الله، قال البيهقي: هذا حديث باطل لا يصح، و هو ينعكس على نفسه بالبطلان، فليس في القرآن دلالة على عرض الحديث على القرآن.

و صرح ابن عبد البر نقلاً عن عبد الرحمان بن مهدي بأن الحديث الذي روي عنهصلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق كتاب الله فأنا قلته، و إن خالف كتاب الله فلم أقله"، هذه الألفاظ لا تصح عنه عند أهل العلم. بصحيح انقل من سقيمه، و قال بأن هذا الحديث وضعه الزنادقة و الخوارج(4) .

____________

(1) سنن الدارمي ج 1 ص 145 و كذلك اين قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 199

(2) مقالات الإسلاميين ج 2 ص 251

(3) جامع البيان العلم ج 2 ص 234

(4) جامع بيان العلم ج 2 ص 233

الصفحة 252

أنظر إلى هذا التعصب الأعمى الذي لم يترك لهم سبيلاً للتحقيق العلمي و الخضوع للحق، فأصبحوا يسمون رواة هذا الحديث، و هم أئمة الهدى من العترة الطاهرة، بالزنادقة و الخوارج و يتهمونهم بوضع الحديث!

و هل لنا أن نسألهم، ما هو هدف الزنادقة و الخوارج من وضع هذا الحديث الذي يجعل كتاب الله - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه مرجعاً لكل شيء؟؟

و العاقل المنصف يميل إلى هؤلاء (الزنادقة و الخوارج!!) الذين يعظمون كتاب الله و يجعلونه في المرتبة الأولى للتشريع، أحسن له من الميل الي "أهل السنة و الجماعة" الذين يقضون علي كتاب الله بأحاديث مكذوبة و ينسخون أحكامه ببدع مزعومة.

(كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذباً «الكهف: 5»

فالذين يسمونهم زنادقة و خوارج هم أهل بين النبوة أئمة الهدى و مصابيح الدجى الذين وصفهم جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم أمان الأمة من الاختلاف فإذا خالقتهم قبيلة صارت حزب إبليس و ذنبهم الوحيد هو أنهم تمسكوابسنة جدهم و رفضوا ما سواها من البدع البكرية و العمرية و العثمانية و المعاوية و اليزيدية و المروانية و الأموية، و بما أن السلطة الحاكمة كانت و زنادقة و أن يحاربوهم و ينبذوهم، ألم يلعن علي و أهل البيت على منابرهم ثمانين عاماً؟؟ ألم يقتل الحسن بسمهم و الحسين و ذريته بسيوفهم؟؟

و دعنا من الرجوع إلى مأساة أهل البيت الذين لم تنته مظلمتهم بعد، ولنعد إلى هؤلاء الذين يسمون أنفسهم "أهل السنة و الجماعة" و الذين ينكرون حديث عرض السنة على القرآن، فلماذا لم يسموا أبا بكر "الصديق" من الخوارج أو من الزنادقة؟ و هو الذي أحرق الأحاديث و خطب في الناس قائلاً: "أنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، و الناس بعدكم أشد اختلافاً، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاَ، فمن سألكم فقولوا: بيننا و بينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله و حرموا حرامه"(1)

____________

(1) الذهبي في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 3

الصفحة 253

ألم يقدم أبو بكر القرآن علي السنة؟ بل جعله المصدر الوحيد و رفض السنة بدعوى أن الناس يخلفون فيها؟!

و لماذا لم يسموا عمر بن الخطاب من الخوارج أو من الزنادقة، و هو الذي رفض السنة النبوية من أول يوم عندما قال: حسبنا كتاب الله يكفينا، و قد أحرق هو أيضاً كل ما جمعه الصحابة من الأحاديث و السنن على عهده(1) و لم يقف عند ذلك الحد حتى نهى الصحابة عن إفشاء الحديث(2) .

و لماذا لم يسموا أم المؤمنين عائشة التي يؤخذ عنها نصف الدين بأنها من الخوارج و من الزنادقة، فهي التي اشتهرت بعرض الحديث على القرآن، فكانت كلما بلغها حديث لا تعرفه عرضته على كتاب الله و أنكرته إذا عارض القرآن.

فقد أنكرت على عمر بن الخطاب حديث: إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه، و قالت: حسبكم القرآن، فإنه يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى(3)

كما أنكرت حديث عبد الله بن عمر الذي روى بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام علي القليب و فيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال ثم التفت إلى أصحابه فقال: "إنهم ليسمعون ما أقول".

فكذبت عائشة أن يكون الأموات يسمعون و قالت: إنما قال رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم: "إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق"، ثم استشهدت على كذب الحديث بعرضه على القرآن فقرأت قوله سبحانه: "أنك لا تسمع الموتى" (النحل: 80) "و ما أنت بمسمع من في القبور" (فاطر: 22)(4)

و أنكرت أحاديث كثيرة كانت في كل مرة تعرضها على كتاب الله، فقالت لمن حدث بأن محمداً رأى ربه - لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن بها فقد كذب، من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم

____________

(1) كنز العمال ج 5 ص 237، و ابن كثير و الذهبي في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 5.

(2) الذهبي في تذكرة الحفاظ ج 1 ص 4.

(3) صحيح البخاري كتاب الجنائز باب قول النبي يعذب الميت ببعض بكاء أهله و كذلك صحيح مسلم، كتاب الجنائز باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه.

(4) صحيح البخاري و كذلك صحيح مسلم في كتاب الجنائز في نفس الباب السابق.

الصفحة 254
قرأت قوله تعالى: «لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هم اللطيف الخيبر» (الأنعام: 103)، و قرأت «و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا و حياُ أو من وراء حجاب» (الشوري: 51). و من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت قول الله: «و ما تدري نفس ماذا تكسب غداً» (لقمان:" 34) و من حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت قوله تعالى: «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك» (المائدة: 67).

كذبك كان ألو هريرة رواية أهل السنة عندهم، كان كثيراً ما يحدث الحديث ثم يقول: فاقرأوا إن شئتم قوله تعالى، فيعرض حديثه على كتاب الله حتى يصدقه المستمعون.

فلماذا لا يسمي "أهل السنة و الجماعة" كل هؤلاء من الخوارج و الزنادقة، فهم يعرضون الأحاديث التي يسمعونها علي كتاب الله و يكذبون ما خالف منها القرآن؟! إنهم لا يجرؤون علي ذلك، أما إذا تعلق الأمر بأئمة أهل البيت فإنهم لا يتورعون بأن يشتموهم بكل نقيصة ولا ذنب لهم سوى عرض الحديث على كتاب الله و إبطالها بأحاديث مكذوبة لأنهم يدركون تماماُ أنه لو عرضت أحاديثهم على كتاب الله فسوف لن يوافق كتاب الله على تسعة أعشار منها.

والعشر العاشر الذي يؤيده كتاب الله لأنه من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يؤولون بعضه على غير ما أراده الرسولصلى الله عليه وآله وسلم كتأويلهم حديث: (الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش"، و حديث: "تمسكوا بسنة الخلفاء الراشيدين بعدي"، و كقوله: " اختلاف أمتي رحمة"، و غيرها من الأحاديث الشريفة و التي يقصد بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أئمة العترة الطاهرة، ولكنهم صرفوها إلى خلفائهم الغاصبين و إلى بعض الصحابة المنقلبين.

و حتى الألقاب التي يضفونها على الصحابة كتسمية أبي بكر بـ "الصديق" و عمر بـ "الفاروق" و عثمان بـ"ذي النورين" و خالد بـ"سيف الله"، و الحال أن كل هذه الألقاب هي لعلي على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد قالصلى الله عليه وآله وسلم: "الصديقون ثلاثة، حبيب النجار مؤمن أل يس، وحز قيل مؤمن أل فرعون، و علي بن أبي

الصفحة 255
طالب(عليه السلام) و هو أفضلهم"(1)

و علي نفسه كان يقول: أنا الصديق الأكبر ولا يقولها بعدي إلا كذاب. و هو الفاروق الأعظم الذي فرق الله به الحق من الباطل(2) ، ألم يقل رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم بأن حبه إيمان و بغضه نفاق، و أن الحق يدور معه حيث دار؟

وأما ذو النورين(3) ، فهو (عليه السلام)، والد الحسن و الحسين (عليمها السلام) سيدي شباب أهل الجنة و هما نوران من صلب النبوة. و أما سيف الله فهو الذي قال فيه جبريل (عليه السلام) يوم أحد: "لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذوالفقار" و هو بحق سيف الله الذي سله على المشركين فقتل أبطالهم و جندل شجعانهم و هشم أنوفهم حتى أذعنوا للحق و هم كارهون، و هو سيف الله لأنه لم يهرب من معركة أبداً، و لم يخش من مبارزة قط. و هو الذي فتح خيبر و قد عجز عنها أكابر الصحابة و رجعوا منهزمين.

لقد قامت السياسة من أول خلاقة على عزله و تجريده من كل فضل و فضيلة، و لما معاوية للحكم ذهب أشواطاً بعيدة فعمل على لعن علي و انتقاصه، و على رفع شأن مناوئيه و نسب إليهم كل فضائله و ألقابه زوراً منه و بهتاناً، و من يقدر في ذلك العهد على تكذبيه أو معارضته؟ و قد وافقوه على سبه و لعنه والبراءة منه، و قد قلب أتباعه من "أهل السنة و الجماعة" كل الحقائق ظهراً على عقب، فأصبح عندهم المنكر معروفاً و المعروف منكراً، و أصبح علي و شيعته هم الزنادقة و الخوارج و الروافض فاستباحوا بذلك لعنهم و قتلهم، و أصبح أعداء الله و رسوله و أهل بيته هم "أهل السنة" فاقرأ واعجب، و إن كنت في شك من هذا فابحث و نقب.

«مثل الفريقين كالاً عمي والأصم و البصير و السميع هل يستويان مثلاً أفلا تذكرون» (هود: 24).

صدق الله العلي العظيم

____________

(1) شواهد التنزيل للحسكاني ج 2 ص 223، غاية المرام ص 417، الرياض النضرة ج 2 ص 202.

(2) تاريخ الطبري في إسلام علي، سنن ابن ماجه ج 1 ص 44، خصائص النسائي، مستدرك الحاكم ج 3 ص 112.

(3) يسمي "أهل السنة و الجماعة" عثمان بذي النورين و يعللون ذلك بأنه تزوج رقية وأم كلثوم بنتي النبي و الصحيح أنهما ربيبتاه، و على فرض أنهما بنتاه، فكيف تكونان نورين و لم يحدث النبي لهما بفضيلة واحدة و لماذا لا تكون فاطمة التي قال في حقها: سيدة نساء العالمين هي النور، و لماذا لم يسموا علياً "بذي النور" على هذا الأساس؟