قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): "لا تكونوا سبّابين ولا لعّانين، ولكن قولوا: كان من فعلهم كذا وكذا لتكون أبلغ في الحجّة"(1).
قول أهل الذكر بخصوص أهل البيت (عليهم السلام)
يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو سيّد العترة:
"تا لله لقد عَلِمتُ تبليغ الرسالات، وإتمام العدَاتِ، وتمامَ الكلماتِ، وعندنا أهلَ البيت أبوابُ الحِكَم وضياء الأمْرِ"(2).
"أين الذين زعموا أنهم الرّاسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا، أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستعطى الهُدى، ويُستجلى العمى، إنّ الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاّة من غيرهم"(3).
"نحنُ الشّعار والأصحابُ، والخزنَة والأبوابُ، لا تُؤْتَى البيوتُ إلاّ من أبوابها، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً"، ثمّ يذكر أهل البيت فيقول: فيهم كرائمُ القرآن، وهم كنوزِ الرحمن، إن نطقوا صدقوا، وإن صمتوا لم يُسبقُوا"(4).
____________
1- نهج البلاغة2: 185، الخطبة: 206، والمؤلّف نقله بالمضمون.
2- نهج البلاغة1: 233، الخطبة: 120.
3- المصدر نفسه2: 27، الخطبة: 144.
4- المصدر نفسه22: 44، الخطبة: 154.
"عِتْرتُه خيرُ العترْ، وأُسرتُه خيرُ الأُسرْ، وشجرتهُ خير الشّجر، نبتت في حرم، وبسقتْ في كرم، لها فروع طوال، وثمرة لا تُنال"(2).
"نحنُ شجرةُ النّبوة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ناصرنا ومُحبّنا ينتظر الرحمة، وعدوّنا ومبغضنا ينتظر السطوة"(3).
"نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، وحزبنا حزب الله عزّ وجلّ، والفئة الباغية حزب الشيطان، ومن سوّى بيننا وبين عدوّنا فليس منّا"(4).
"فأين تذهبون وأنّى تؤفكون؟ والأعلام قائمةٌ، والآياتُ واضحةٌ، والمنارُ منصوبةٌ، فأين يُتاهُ بكم، بل كيف تعمهون وبينكم عترةُ نبيّكم، وهم أزمّة الحقّ، وأعلام الدّين، وألْسنةُ الصّدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، ورِدُوهم ورود الهيم العطاشِ.
____________
1- المصدر نفسه2: 232، الخطبة: 239.
2- المصدر نفسه1: 185، الخطبة: 94.
3- المصدر نفسه1: 215، الخطبة: 109.
4- بشارة المصطفى: 204 رقم 28، البحار 23: 106، ينابيع المودة، للحنفي 2: 376، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 459.
"أنظروا أهل بيت نبيّكم فألزموا سمتهم، وأتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى، ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا"(2).
هذه أقوال الإمام علي (عليه السلام) بخصوص العترة الطاهرة الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
ولو تتّبعنا أقوال الأئمة من بنيه (عليهم السلام)، والذين خطوا في النّاس، أمثال الإمام الحسن، والإمام الحسين، وزين العابدين وجعفر الصّادق، والإمام الرضا (عليهم السلام) أجمعين، لوجدناهم يقولون نفس الكلام، ويرمون نفس المرمى، ويرشدون الناس في كلّ عصر ومصر إلى كتاب الله وعترة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لينقذوهم من الضّلالة، ويدخلوهم في الهداية.
أضف إلى ذلك بأنّ التاريخ خير شاهد على عصمة أهل البيت، فلم يسجّل لهم إلاّ العلم، والتقوى، والورع، والزهد، والجود، والكرم، والحلم، والمغفرة، وكلّ عمل يحبّه الله ورسولهُ (صلى الله عليه وآله وسلم).
____________
1- نهج البلاغة1: 154، الخطبة: 87.
2- المصدر نفسه1: 189، الخطبة: 97.
ولكلّ هذا فلا ينبغي لمسلم أن يخلط أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرّجس، وطهّرهم تطهيراً، والذين أدخلهم الرسول معه تحت الكساء، بنساء النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم).
ألا ترى أنّ أئمة المحدّثين أمثال مسلم، والبخاري، والترمذي، والإمام أحمد، والنسائي، وغيرهم عندما يخرجون أحاديث الفضائل في كتبهم وصحاحهم يفصلون فضائل أهل البيت عمّن سواهم من نساء النبىّ؟!
كما جاء في "صحيح مسلم" في باب فضائل علي بن أبي طالب قوله عن زيد بن أرقم: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ألا وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين: أحدهما كتابُ الله عزّ وجلّ هو حبلُ الله، من اتّبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة" ثمّ قال: "وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي".
فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال: "لا، وأيمُ اللّهِ إنّ المرأة تكُونُ مع الرجُلِ العصْر من الدّهر ثمْ يطلّقها فترجِعُ إلى أبيها وقومِها، أهل بيته أصْلُهُ وعَصَبَتُهُ الذينَ حُرِمُوا الصدقَةَ بعدَهَ"(1).
كما جاءتْ شهادة البخاري ومسلم في أنّ عائشة من آل أبي بكر
____________
1- صحيح مسلم 7: 123، باب فضائل علي بن أبي طالب.
فلماذا هذا الإصرار من بعض المعاندين الذين يُحاولون بكلّ ثمن إحياء الفتنة، وتقليب الحقائق التي لا شكّ فيها، فيسبّون الشيعة لا لشيء إلاّ لأنّهم لا يعترفون لأُمّ المؤمنين بهذه الفضيلة؟! فلماذا لا يسبّون صحاحهم وعلماءهم الذين أخرجوا نساء النبي بأجمعهن من أهل البيت؟!
{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّـقُوا اللّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيداً * يُصْلِـحْ لَكُمْ أعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِـعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}(2).
____________
1- البخاري 1: 86، كتاب التيمّم، باب التيمم. ومسلم 1: 191، كتاب التيمّم، باب التيمّم.
2- الأحزاب: 70 ـ 71.
الفصل الرابع
في ما يتعلّق بالصّحابة عامّة
إنّ كلّ الأحكام التشريعية والعقائد الإسلامية جاءتنا عن طريق الصحابة، فليس هناك أحد يدّعي أنّه يعبدُ الله من خلال الكتاب والسنّة إلاّ وكان الصحابة هم الواسطة لإيصال هذين المصدرين الأساسيّين إلى كلّ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
وبما أنّ الصّحابة اختلفوا بعد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتفرّقوا، وتسابّوا وتلاعنوا، وتقاتلوا حتّى قتل بعضهم بعضاً(1)، فلا يمكن والحال هذه أن نأخُذَ عنهم الأحكام بدون نقاش ولا نقد ولا تمحيص ولا اعتراض، كما لا يمكن أن نحكم لهم أو عليهم بدون معرفة أحوالهم وقراءة تاريخهم، وما فعلوه في حياة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، ونمحّص المُحقّ من المُبطل، والمؤمن من الفاسق، والمخلص من المنافق، ونعرف المنقلبين من الشّاكرين.
وأهل السنّة عامّة، وبكلّ أسف لا يسمحون بذلك، ويمنعون بكلّ شدّة
____________
1- بل تعدّى الأمر إلى أكثر من ذلك ولم يقف عنده، فقد كفّر بعضهم البعض، وهذا ما أقرّ به ابن تيمية الحراني إذ قال في مجموعة فتاويه الكبرى 4: 267: "..وأمّا علي فأبغضه وسبّه أو كفّره الخوارج وكثير من بني أُمية وشيعتهم الّذين قاتلوه وسبّوه... وأمّا شيعة علي الّذين شايعوه بعد التحكيم وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم فكان بينهما من التقابل وتلاعن بعضهم وتكافر بعضهم ما كان..".
والسّؤال الذي يطرحُ على أهل السنّة والجماعة هو: هل في نقد الصّحابة وتجريحهم خروج عن الإسلام أو مخالفةً للكتاب والسنّة؟
وإجابةً على هذا السّؤال لا بدّ لي من استعراض أعمال وأقوال بعض الصحابة في حياة النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعد وفاته، من خلال ما ذكره علماء أهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم وتواريخهم، مقتصراً عليهم دون ذكر أيّ كتاب من كتب الشيعة; لأنّ هؤلاء موقفهم من بعض الصّحابة معروف، ولا يتطلّب مزيداً من التوضيح.
وحتّى أرفع الالتباس لكي لا أترك للخصم حجّة يحتجّ بها عليَّ، أقول: إنّه عندما نتكلّم في هذا الفصل عن الصّحابة فالمقصود هو البعض منهم وليس جميعهم، وقد يكون هذا البعض أكثريّة أو أقلّية، فهذا ما سنعرفه من خلال البحث إن شاء الله تعالى; لأنّ كثيراً من المشاغبين يتّهموننا بأنّنا ضدّ الصّحابة! وأنّنا نشتم الصّحابة ونسبّهم!! ليؤثّروا بذلك على السّامعين، ويقطعوا بذلك الطريق على الباحثين.
في حين أنّنا نتنزّه عن سبّ الصّحابة وشتمهم، بل ونترضّى على الصّحابة المخلصين الذين سمّاهم القرآن بـ (الشاكرين)، ونتبرّأ من المنقلبين على الأعقاب الذين ارتدّوا على أدبارهم بعد النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتسبّبوا في ضلالة أغلب المسلمين، وحتّى هؤلاء لا نسبّهم ولا نشتمهم، وإنّما كلّ ما في الأمر أنّنا نكشف أفعالهم التي ذكرها المؤرّخون والمحدّثون ليتجلّى الحقّ
وإذا كان القرآن الكريم ـ وهو كلام الله الذي لا يستحي من الحقّ ـ هو الذي فتح لنا هذا الباب، وأعلمنا بأنّ من الصّحابة منافقين، ومنهم الفاسقين، ومنهم الظّالمين، ومنهم المكذّبين، ومنهم المشركين، ومنهم المنقلبين، ومنهم الذين يؤذون الله ورسوله.
وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى، ولا تأخذه في الله لومة لائم، هو الذي فتح لنا هذا الباب، وأعلمنا بأنّ من الصّحابة مرتدّين، ومنهم المارقين، والناكثين، والقاسطين، ومنهم من يدخل النّار ولا تنفعه الصُّحبة، بل تكون عليه حجّة قد تضاعفُ عذابه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
فكيف والحال هذه يشهد بها كتاب الله الحكيم، وسنّة رسوله العظيم؟!! ومع ذلك يريد أهل السنّة منع المسلمين من التكلّم والنّقاش في الصّحابة; لئلاّ ينكشف الحقّ، ويعرف المسلمون أولياء الله فيوالونهم، كما يعرفون أعداء الله ورسوله فيعادونهم.
كنت يوماً في العاصمة التونسية داخل مسجد عظيم من مساجدها، وبعد أداء فريضة الصّلاة جلس الإمامُ وسط حلقة من المصلّين، وبدأ درسه بالتّنديد والتكفير لأولئك الذين يشتمون أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واسترسل في حديثه قائلا:
إيّاكم من الذين يتكلّمون في أعراض الصّحابة بدعوى البحث العلمي والوصول لمعرفة الحقّ، فأُولئك عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين،
وقاطعه أحدُ المستبصرين كان يصحبني قائلا: هذا الحديث غير صحيح، وهو مكذوب على رسول الله!
وثارت ثائرة الإمام وبعض الحاضرين، والتفتوا إلينا منكرين مشمئزّين، فتداركتُ الموقف متلطّفاً مع الإمام وقلت له: يا سيّدي الشيخ الجليل، ما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في القرآن قوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أفَإنْ مَاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ}(1)؟
وما هو ذنب المسلم الذي يقرأ في "صحيح البخاري"، وفي "صحيح مسلم" قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: "سيؤخذ بكم يوم القيامة إلى ذات الشمال، فأقول: إلى أين؟ فيقالُ: إلى النّار والله، فأقول: يا ربّ هؤلاء أصحابي، فيقال: إنّك لا تدري ما احدثوا من بعدك، إنّهم لا يزالوا مرتدّين منذُ فارقتهم، فأقولُ: سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي، ولا أرى يخلصُ منهم إلاّ مثل همل النّعم"(2).
وكان الجميع يستمعون إلىَّ في صمت رهيب، وسألني بعضُهم إن كنت
____________
1- آل عمران: 144.
2- صحيح البخاري 7: 209، كتاب الرقاف، باب الحوض، وكتاب الفتن، صحيح مسلم 7: 66، كتاب الفضائل، باب إثبات حوض نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم).
ولمّا عرف الإمام تأثيري في الحاضرين من خلال حفظي للأحاديث التي رويتها، قال في هدوء: نحن قرأنا على مشايخنا رحمهم الله تعالى بأنّ الفتنة نائمة، فلعن الله من أيقظها.
فقلت: يا سيّدي الفتنة عمرها ما نامتْ، ولكنّا نحنُ النّائمون، والذي يستيقظ منّا ويفتح عينيه ليعرف الحقّ تتهمونه بأنّه أيقظ الفتنة!! وعلى كلّ حال فإنّ المسلمين مطالبون باتّباع كتاب الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا بما يقوله مشايخنا الذين يترضّون على معاوية ويزيد وابن العاص.
وقاطعني الإمام قائـلا: وهل أنتَ لا تترضّى عن سـيّدنا معاوية رضي الله عنه وأرضاه، كاتب الوحي؟
قلت: هذا موضوع يطول شرحه، وإذا أردتَ معرفة رأيي في ذلك، فأنا أهديك كتابي "ثم اهتديت" لعلّه يوقظك من نومك، ويفتحُ عينيك على بعض الحقائق.
وتقبّل الإمام كلامي وهديّتي بشيء من التردّد، ولكنّه وبعد شهر واحد كتب إلىَّ رسالة لطيفة يحمد الله فيها أن هداه إلى صراطه المستقيم، وأظهر ولاءً وتعلّقاً بأهل البيت (عليهم السلام)، وطلبتُ منه نشر رسالته في الطبعة الثالثة لما فيها من معاني الودّ وصفاء الروح التي متى ما عرفتْ الحقّ تعلّقتْ به، وهي تعبّر عن حقيقة أكثر أهل السنّة الذين يميلون إلى الحقّ بمجرّد رفع السّتار.
ولكنّه طلب منّي كتم رسالته وعدم نشرها; لأنه لا بدّ له من الوقت
ونعود إلى موضوع الكلام في الصّحابة، لنكشف عن الحقيقة المُرّة التي سجّلها القرآن الحكيم، والسنّة النبوية الشريفة.
ولنبدأ بكلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو الحكم العدل، وهو القول الفصل، قال تعالى في بعض الصّحابة:
{وَمِنْ أهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذَاب عَظِيم}(1).
{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا}(2).
{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أخْلَفُوا اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}(3).
{الأعْرَابُ أشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأجْدَرُ ألا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(4).
{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِاليَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللّهُ
____________
1- التوبة: 101.
2- التوبة: 74.
3- التوبة: 75 ـ 77.
4- التوبة: 97.
{إذَا جَاءَكَ المُـنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إنَّ المُـنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أيْمَانَهُمْ جُـنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأنَّهُمْ آمَـنُوا ثُمَّ كَـفَرُوا فَطُبِـعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَـفْـقَهُونَ}(2).
{ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا اُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا اُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أنْ يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيداً * وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلَى مَا أنزَلَ اللّهُ وَإلَى الرَّسُولِ رَأيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَـيْفَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إنْ أرَدْنَا إلا إحْسَاناً وَتَوْفِيقاً}(3).
{إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللّهَ إلا قَلِيلا}(4).
{وَإذَا رَأيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجْسَامُهُمْ وَإنْ يَـقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أنَّى يُـؤْفَكُونَ}(5).
{قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ المُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالقَائِلِينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنَا وَلا يَأتُونَ البَأسَ إلا قَلِيلا * أشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإذَا جَاءَ الخَوْفُ رَأيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أعْيُـنُهُمْ كَالَّذِي
____________
1- البقرة: 8 ـ 10.
2- المنافقون: 1 ـ 3.
3- النساء: 60 ـ 62.
4- النساء: 142.
5- المنافقون: 4.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِـعُ إلَيْكَ حَتَّى إذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ اُوتُوا العِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً اُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّـبَعُوا أهْوَاءَهُمْ}(2).
{أمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لاَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَـتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القَوْلِ وَاللّهُ يَعْلَمُ أعْمَالَكُمْ}(3).
{سَيَـقُولُ لَكَ المُخَلَّـفُونَ مِنَ الأعْرَابِ شَغَـلَـتْنَا أمْوَالُـنَا وَأهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَـنَا يَـقُولُونَ بِألْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُـلُوبِهِمْ...}(4).
فهذه الآيات البيّنات من كتاب الله المجيد، وما بيّنته من نفاق البعض منهم الذين اندسّوا في صفوف الصّحابة المخلصين، حتّى غابت حقيقتهم عن صاحب الرسالة نفسه لولا وحي الله.
ولكن لنا دائماً من أهل السنّة اعتراضٌ على هذا، فهم يقولون: ما لنَا والمنافقين لعنهم الله، والصحابة ليسوا من هؤلاء! أو إنّ هؤلاء المنافقين ليسوا من الصحابة!! وإذا ما سألتهم مَنْ هؤلاء المنافقين الذين نزلت فيهم أكثر من مائة وخمسين آية في سورتي التوبة والمنافقون وغيرهما؟ فسيجيبون: هو عبد الله بن أُبي، بن أبي سلّول والجد بن القيس، وبعد هذين الرجلين لا يجدون اسماً آخر!
____________
1- الأحزاب: 18 ـ 19.
2- محمّد: 16.
3- محمّد: 29 ـ 30.
4- الفتح: 11.
وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علم ببعضهم، وعلّم أسماءهم إلى حُذيفة بن اليمان ـ كما تقولون ـ وأمره بكتمان أمرهم حتّى إنّ عمر بن الخطّاب أيام خلافته كان يسأل حذيفة عن نفسه، هل هو من أهل النّفاق؟ وهل أخبر النّبي باسمه؟ كما تروون ذلك في كتبكم(1).
وإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعطى للمنافقين علامةً يُعرفونَ بها، وهي
____________
1- إحياء علوم الدين للغزالي 1: 114 كتاب العلم، ويشهد له ـ أيضاً ـ أنّ أُم سلمة رضوان الله عليها كانت تحدّث بحديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "إنّ من أصحابي من لا يراني بعد موتي أن أفارقه.."، فلمّا سمع عمر بالحديث انطلق لاُمّ سلمة قائلاً: بالله منهم أنا، فقالت: لا، ولا أُبرئ أحداً بعدك.
مجمع الزوائد 9: 72 وصحّح سنده، مسند أحمد 6: 290.
قال العلاّمة المقبلي في معرض كلامه عن الصحابة والأفعال السيئة التي صدرت من بعضهم: ".إنّها أغلبية لا عامة وإنّه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو، بل والهوي! ويؤيّدون رأيهم بأنّ الصحابة إن هم إلاّ بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم، وممّا يرجع إلى الطبيعة البشرية...ويعززون حكمهم بمن كان منهم في عهده ـ صلوات الله عليه ـ من المنافقين والكاذبين، وبأنّ كثيراً منهم قد ارتدوا عن دينهم بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى.
بله ما وقع منهم من الحروب والفتن التي أهلكت الحرث والنسل ولا تزال آثارها، ولن تزال إلى اليوم وما بعد اليوم، وكأن رسول الله ـ صلوات الله عليه ـ قد رأى بعيني بصيرته النافذة ما سيقع من أصحابه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى فقال في حجة الوداع: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" العلم الشامخ: 92.
واقتضت حكمة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُعلّم حذيفة أسماءهم تارةً، ويُعطي للمسلمين علامتُهم تارة أُخرى، ليُقيم على النّاسِ الحجّة، فلا يقولوا بعدهَا: إنّا كنّا عن هذا غافلين.
ولا عبرة بما يقوله أهل السنّة اليوم: نحن نحبّ الإمام علي رضي الله عنه وكرّم الله وجهه، فنقول لهم: إنّه لا يجتمع في قلب مؤمن حبّ ولي الله وحبّ عدوّه! وقد قال الإمامُ علي نفسه: "ليس منّا من سوّى بيننا وبين أعدائنا"(2).
ثمّ إنّ القرآن الكريم عندما تكلّم عن الصحابة، تكلّم عنهم بعدّة أوصاف وعلاَمات ثابتة، وإذا استثنينا منهم الصحابة المخلصين الشاكرين، فإن البقيّة الباقية منهم وصفهم الذكر الحكيم بأنّهم: فاسقون، أو خائنون، أو متخاذلون، أو ناكثون، أو منقلبون، أو شاكّون في الله وفي رسوله، أو فارّون من الزحف، أو معاندون للحقّ، أو عاصون أوامر الله ورسوله، أو مثبّطون غيرهم عن
____________
1- صحيح مسلم 1: 61، فضائل الصحابة، باب مناقب علي بن أبي طالب، مسند أحمد 1: 95 وصرّح محقق الكتاب العلاّمة أحمد شاكر بصحته، سنن الترمذي 5: 306، السنن الكبرى للنسائي 5: 137 ح8487، مسند أبي يعلى 1: 251 وقد مرّ تخريجه سابقاً.
2- بشارة المصطفى: 204 ح28، البحار 23: 106.
ولنكتف بهذا القدر اليسير; لأنّ هناك آيات كثيرة لم نذكرها روماً للاختصار، ولكن لتعميم الفائدة لابدّ من ذكر بعض الآيات التي جاءت في ذمّ الصّحابة الذين اتصفوا بتلك الصّفات، ولكنّهم بفضل السّياسة أصبحوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد انقطاع الوحي كلّهم عدول أبصعين أجمعين، ولا يمكن لأحد من المسلمين أن يتكلّم في حقّهم بشيء من النقد والتجريح!!
القرآن الكريم يكشف حقائق بعض الصحابة
وحتّى لا يتوهّم معاندٌ في آيات المنافقين، ويحاول فصْلَهم عن الصّحابة، كما يقول بذلك أهل السنّة، فقد تعمّدنا سرد الآيات التي تخصّ المؤمنين.
فقد جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى:
{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الأرْضِ أرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إلا قَلِيلٌ * إلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً ألِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ}(1).
{يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللّهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذِلَّة عَلَى المُؤْمِنِينَ أعِزَّة عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلا يَخَافُونَ
____________
1- التوبة: 38 ـ 39.