الصفحة 306
عند ذلك استسلمتُ لمبدأ الشورى وقلت لهم ولأستاذهم:

هل لكم أن تقنعوا حكومة جلالة الملك عندكم بمبدأ الشورى حتّى يتنازل عن عرشه، ويقتدي بسلفكم الصّالح، ويترك للمسلمين في الجزيرة العربية حريّة اختيار رئيساً لهم، وما أظنّه يفعل ذلك، فآباؤه وأجداده لم يملكوا الخلافة فحسب، بل والجزيرة العربية أيضاً أصبحت من ممتلكاتهم حتّى أطلقوا على أرض الحجاز كلّها اسم المملكة السعودية.

وعندئذ تكلّم سيّدهم العالم ليقول: نحن لا شغل لنا في السياسة، ونحن في بيت الله الذي أمر أن يذكر فيه اسمه وأن تقام فيه الصّلوات.

قلت: وكذلك لطلب العلم.

قال: نعم وهو كذلك، نحن نعلّم الشباب هنا.

قلتُ: كنّا في بحث علمي!

قال: لقد أفسدتَه بالسياسة.

خرجتُ مع مرافقي، وأنا أتحسّر على شباب المسلمين الذين استولت الوهّابية على أفكارهم بكلّ الطّرق، فأصبحوا حرباً على آبائهم، وكلّهم من معتنقي المذهب الشافعي، وهو أقرب المذاهب إلى أهل البيت على ما أعتقد.

وكان للشيوخ احترام ووقارٌ لدى المثقفين وغير المثقفين، باعتبار أنّ أغلبهم من السّادة المنحدرين من السّلالة الطّاهرة، فجاء الوهابيون للشباب واستغلّوا فقرهم، فأغروهم بالأموال والإمكانيات الماديّة، وقلبوا نظرتهم بأنّ ما يفعلونه من احترام للسّادة هو شرك بالله; لأنّه تقديس للبشر، فأصبح

الصفحة 307
الأبناء نقمة على الآباء، وهذا ما يحدثُ في كثير من البلدان الإسلاميّة في أفريقيا للأسف.

ونعود لوفاة أبي بكر لنجد أنّه وقبل موته ندم على ما اقترفت يداه، فقد نقل ابن قتيبة في تاريخ الخلفاء قوله: "أجل والله ما آسى إلاّ على ثلاث فعلتهن ليتني كنتُ تركتهنَّ: فليتني تركتُ بيت علي، وفي رواية لم أكشف بيت فاطمة عن شيء، وإن كانوا قد أعلنوا علىّ الحـرب، وليتني يوم سـقيفة بني ساعدة كنتُ ضربتُ على يد أحد الرجلين أبي عبيدة أو عمر، فكان هو الأمير وكنتُ أنا الوزير، وليتني حين أتيتُ ذي الفجاءة السلمي أسيراً أني قتلتُه ذبيحاً أو أطلقته نجيحاً، ولم أكن أحرقُته بالنار"(1).

ونحن نُضيف: ليتك يا أبا بكر لم تظلم الزهراء، ولم تؤذها، ولم تغضبها، وليتك ندِمتَ قبل موتها وأرضيتها، هذا بخصوص بيت علي الذي كشفتَهُ وأبحتَ حرقَهُ.

أما بخصوص الخلافة فليتك تركتَ صاحبيك وعضديك أبا عبيدة وعمر، وضربت على يد صاحبها الشرعي الذي استخلفه صاحب الرسالة، فكان هو الأمير، إذن لكان العالم اليوم غير ما نشاهده، ولكان دين الله هو الذي يسود الكرة الأرضية، كما وعد الله ووعده حقّ.

وأمّا بخصوص الفجاءة السلمي الذي أحرقته بالنّار، فيا ليتك لم تحرق السّنن النبويّة الّتي جمعتها، ولكنت تعلّمت منها الأحكام التشريعية

____________

1- تاريخ الطبري 2: 619، تاريخ دمشق 30: 420، الإمامة والسياسة 1: 36، تاريخ اليعقوبي 2: 137، ط دار صادر، باختلاف في الألفاظ.


الصفحة 308
الصحيحة، وما التجأت إلى الاجتهاد بالرأي.

وأخيراً وأنت على فراش الموت ليتك إذا فكّرتَ في الاستخلاف، أرجعت الحقّ إلى نصابه إلى من كان محلّه منها محلّ القطب من الرّحى، فأنت أعلم النّاس بفضله وفضائله، وزهده وعلمه وتقواه، وأنّه كان كنفس النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخصوصاً أنّه سلّم لك الأمر، ولم يناجزك حفاظاً على الإسلام، فكان حريّاً بك أن تنصح لأُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتختار لها من يصلح شأنها، ويلمّ شعثها، ويوصلها إلى ذروة المجد.

وندعو الله سبحانه وتعالى أن يغفر لك ذنوبك، ويُرْضي عنك فاطمة وأباها، وزوجها وبنيها، فقد أغضبت بضعة المصطفى، والله يغضبُ لغضبها ويرضى لرضاها، كما وأنّ من من آذى فاطمة فقد آذى أباها بنصّ حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ}(1).

ونعوذ بالله من غضب الله، ونسأله أن يرضى عنّا وعن جميع المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات.

عمر بن الخطّاب يعارض كتاب الله باجتهاده

إنّ للخليفة الثاني عمر تاريخاً حافلا من اجتهاده مُقابل النّصوص الصريحة من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة.

وأهل السنّة يجعلون ذلك من مفاخره ومناقبه التي يمدحونه لأجلها، والمنصِفُون منهم يلتمسون لذلك أعذاراً وتأويلات باردة لا يقبلُها عقل ولا

____________

1- التوبة: 61.


الصفحة 309
منطق، وإلاّ كيف يكون من يعارض كتاب الله وسنّة نبيّه من المجتهدين، والله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِيناً}(1).

وقال عزّ من قائل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ}(2).

وأخرج البخاري في صحيحه كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة، في باب ما يذكرُ من ذمِّ الرأي وتكلّف القياس ولا تقفُ ولا تقل ما ليس لك به علم، قال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّ الله لا ينزعُ العلم بعد أن أعطاهمُوه انتزاعاً، ولكن ينتزعُه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناسٌ جُهّالٌ يُسْتَفتونَ فيُفتُون برأيهم فيُضِلُّون ويَضِلُّونَ(3).

كما أخرج البخاري في صحيحه من نفس الكتاب في الباب الذي يليه: "ما كان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يُسْئَلُ ممّا لم يُنزَلُ عليه الوحيُ فيقول: لا أدري، أو لم يُجب حتّى ينزلُ عليه الوحيُ، ولم يقلْ برأي ولا قياس، لقوله تعالى: {بِمَا أرَاكَ اللّهُ}(4).

وقد قال العلماء قديماً وحديثاً قولا واحداً: إنّه من قال في كتاب الله

____________

1- الأحزاب: 36.

2- المائدة: 44 - 45 ـ 47.

3- صحيح البخاري 8: 148.

4- المصدر السابق.


الصفحة 310
برأيه فقد كفر، وهذا بديهي من خلال الآيات المحكمات، ومن خلال أقوال وأفعال الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

فكيف تُنسَى هذه القاعدة إذا ما تعلّق الأمر بعمر بن الخطّاب أو بأحد الصّحابة أو أحد أئمة المذاهب الأربعة، فيصبحُ القول بالرّأي في معارضة أحكام الله اجتهاداً، يؤجر عليه صاحبه أجراً واحداً إن أخطأ، وأجران إن أصاب؟!

ولقائل أن يقول: إنّ هذا ما اتّفقت عليه الأُمّة الإسلامية قاطبة سنّة وشيعة للحديث النّبوي الشريف الوارد عندهم.

أقول: هذا صحيح ولكن اختلفوا في موضوع الاجتهاد، فالشيعة يوجبون الاجتهاد في ما لم يرد بشأنه حكم من الله أو من رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أمّا أهل السنّة فلا يتقيّدون بهذا، واقتداءً بالخلفاء والسّلف الصالح عندهم لا يرون بأساً في الاجتهاد مقابل النّصوص.

وقد أورد العلاّمة السيّد شرف الدّين الموسوي في كتابه "النصّ والاجتهاد" أكثر من مائة مورد خالف فيه الصّحابة وعلى رأسهم الخلفاء الثلاثة النّصوص الصريحة من القرآن والسنّة، فعلى الباحثين مطالعة ذلك الكتّاب.

وما دمنا في هذا الموضوع بالذّات، فلا بدّ لنا من إيراد بعض النّصوص التي خالف فيها عمر صريح النصّ، وذلك إمّا جهلا منه بالنّصوص، وهذا أمرٌ عجيبٌ!! لأنّ الجاهل ليس لَه أنْ يحكمَ فيحلّل ويحرّم من عند نفسه، قال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ

الصفحة 311
الكَذِبَ إنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}(1).

وليسَ للجاهِلِ أن يتقلّدَ منصب الخلافة لقيادة أُمّة بأكملها، قال تعالى: {أفَمَنْ يَهْدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(2).

وإمّا أنّه لا يجهل النّصوص ويَعرفُها، ولكنّه يتعمّد الاجتهاد لمصلحة اقتضاها الحال حسب رأيه الشخصي، لا يعد أهل السنّة هذا كفراً ومروقاً، كما لابدّ أن يكون جاهلا بوجود من يعرف الأحكام الصحيحة من معاصريه، وهذا باطل لمعرفته بإلمام علي (عليه السلام) بالكتاب والسنّة إلماماً تاماً، وإلاّ لما استفتاه في كثير من المعضلات حتى قال فيه: "لولا علي لهلك عمر"(3)، فلماذا يا تُرى لم يستفته في المسائل التي اجتهد فيها برأيه الذي يعرف قصوره؟

وأعتقد بأنّ المسلمين الأحرار يوافقون على هذا; لأنّ هذا النوع من الاجتهاد هو الذي أفسد العقيدة، وأفسد الأحكام وعطّلها، وتسبّب في اختلاف علماء الأُمّة، وتفريقها إلى الفرق والمذاهب المتعدّدة، ومن ثمّ النزاع والخصام، فالفشل وذهاب الرّيح والتخلّف المادّي والروحي.

ولنا أن نتصوّر حتّى بوجود أبي بكر وعمر على منصّة الخلافة وإزاحة

____________

1- النحل: 116.

2- يونس: 35.

3- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 152، فيض القدير للمناوي 4: 470، المناقب للخوارزمي: 81، ذخائر العقبى: 82، نظم درر السمطين: 130، ينابيع المودة 1: 216.


الصفحة 312
صاحبها الشرعي، نتصوّر لو أن أبا بكر وعمر جمعَا السنن النبويّة، وحفظاها في كتاب خاصّ بها، لوفّرا على أنفسهما وعلى الأُمة الخير العميم، ولما دخلت في السنّة النبويّة ما ليس منها، ولكان الإسلام بكتابه وسنّته واحداً، ملّة واحدة، وأُمّة واحدة، وعقيدة واحدة، ولكان لنا اليوم كلامٌ غير هذا.

أمّا وأنّ السّنن قد جُمعتْ وأُحرقتْ، ومنعت من التدوين ومن النّقل حتى شفوياً، فهذه هي الطّامة الكبرى، وهذه هي البائقة العُظمى، فلا حول ولا قوى إلاّ بالله العلي العظيم.

وإليك بعض النّصوص الصريحة التي اجتهد فيها عمر بن الخطّاب في مقابل القرآن:

(أ) يقول القرآن: {وَإنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أوْ عَلَى سَفَر أوْ جَاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِطِ أوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً}(1).

والمعروف في السنّة النبويّة بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علّم الصّحابة كيفية التيمّم، وبحضور عمر نفسه.

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التيمّم، في باب الصّعيد الطيّب وضوء المسلم يكفيه عن الماء. قال: عن عمران، قال: كنّا في سفر مع النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّا أسرينا حتّى إذا كنّا في آخر الليل وقعنا وقعةً ولا وقْعَةَ أَحْلَى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلاّ حرّ الشمس، وكان أوّل من استيقظ فلانٌ ثمّ فلانٌ يسمّيهم أبو رجاء فنسي عوفٌ ثمّ عمر بن الخطّاب الرّابع.

وكان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نامَ لم يُوقَظْ حتى يكون هو يستيقظ لأنّا لا ندري

____________

1- المائدة: 6.


الصفحة 313
ما يحدُثُ له في نومِهِ، فلمّا استيقظ عُمرُ ورأى ما أصاب النّاسَ وكان رجُلا جليداً، فكبّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يُكبّر ويرفَعُ صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا استيقظ شكوا إليه الذي أصَابهم، قال: لا خَيْرَ ولا يُضِيرُ ارتَحِلوا.

فارتحل فسار غير بعيد، ثمّ نزلَ فدعَا بالوضوءِ فتوضَّأ ونودِيَ بالصّلاةِ فصَلَّى بالنّاس، فلمّا انفَتل من صلاته إذا هو برجُل معتزل لم يصلّ مع القوم، قال: ما منعك يا فلانٌ أنْ تُصَلِّيَ مع القوم؟ قال: أصابتني جنابةٌ ولا ماء! قال: عليك بالصّعيد فإنّه يكفيكَ...(1).

ولكنّ عمر يقول معارضة لكتاب الله وسنّة رسوله: من لم يجد الماء لا يُصلِّ.. وهذا مذهبه سجّله عليه أغلب المحدّثين. فقد أخرج مسلم في صحيحه ج1 من كتاب الطّهارة باب التيمّم: أنّ رجلا أتى عُمرَ فقالَ: إنّي أجنبت فلم أجد ماءً، فقال: لا تُصَلِّ(2)، فقال عمّار: أما تذكرُ يا أميرَ المؤمنين إذْ أنا وأنتَ في سَريَّة، فأجنَبنَا فلم نجدْ ماءً، فأمَّا أنت فلم تُصَلِّ وأمَّا أنَا فتمعَّكتُ في التراب وصلّيتُ، فقال النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّما كان يكفيكَ أنْ تضربَ بيديك الأرضَ، ثمّ تنفُخَ ثمّ تمسَحَ بهما وجْهَكَ وكفّيكَ، فقال عمر:

____________

1- صحيح البخاري 1: 88 كتاب التيمّم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء.

2- وفي جامع الأُصول 7: 293 ذيل حديث 5290 عن أبي داود أنّ عمر قال: "أمّا أنا فلم أكن اُصلّي حتى أجد الماء"! ولا ندري كم من الصلاة فاتته في حياته لجهله بالأحكام.


الصفحة 314
اتّق الله يا عمّار! قال: إن شِئْتَ لمْ أُحدِّثْ به(1).

____________

1- وزاد في بعض الروايات إضافة قول عمر: "بل نوليك ما توليت" فكأنّ عمر جعل عماراً مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً).

وقد حاول عثمان الخميس في كتابه كشف الجاني: ص136 إظهار المؤلّف بلباس المدلّس، كما هي عادته دائماً مع أنّه يجهل فن الحديث والرواية; لأنّ الرواية قد انتهت إلى ما نقله المؤلّف، ثمّ قال مسلم: قال الحكم وحدثنيه ابن عبد الرحمن.. فقال عمر: نوليك ما توليت. وهذه زيادة في الرواية أضافها الراوي.

وهذه الزيادة لا تصح; لأنّ الروايات التي وردت في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم نفسه تصرّح على لسان عبد الله بن مسعود أنّ عمر بن الخطّاب لم يقتنع بكلام عمّار بن ياسر، ولم يرتضه، فكيف بعد ذلك يوافق عمّار على التحدّث به وهو لم يقبله، ومعلوم من عمر أنّه منع الحديث الذي لا يعرفه، فما بالك بالحديث الذي رفضه!، وأيضاً طلب من أبي موسى أن يشهد معه شاهداً عندما حدّثه حديثاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الاستئذان، فلمّا أنكره عمر طالب أبا موسى بشاهد يشهد معه على أنّه سمع الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى إنّ أبا موسى ذهب يبحث عمّن يشهد معه، وإلاّ ضربه عمر، ولمّا شهد معه بعض الصحابة عند ذلك تخلّص من وطأة عمر، (البخاري 4: 430، ح7353).

وأمر تثبت عمر في الرواية معروف لديكم ومتسالم، فكيف يقبل عمر أن يحدّث عماراً مع عدم قناعته بالحديث؟! بل إنّ ما يوافق سيرة عمر وعمله من الروايات أنّ عمر لم يقبل بقول عمّار، وعدم قبوله يعني منعه من التحديث.

أضف إلى ذلك أنّ هذه الزيادة وإن كانت من ثقة، إلاّ أنّها تخالف الروايات الكثيرة التي رواها الثقات من أنّ عمر لم يقتنع بقول عمّار، ومعلوم أنّ عدم قناعة عمر تساوي رفضه للتحديث كما هو واضح.

وأنصح عثمان الخميس أن يطالع كتب علم الحديث البدائية كي يطّلع على هذا الفنّ، حتى يصلح أخطاءه الفظيعة في كتابه كشف الجاني وغيره.

=>


الصفحة 315

____________

<=

وأمّا ما ذكره بقوله: "وهنا يجدر بنا أن نذكّر الشيعة العقلاء بموقف فاطمة عندما ذكّرها أبو بكر حديث رسول الله فعارضته وذلك في قصة فدك، فهل يتهمون فاطمة بمثل ما يتهمون به عمر"؟!

وهذا من عجائب الأُمور وذلك:

أوّلاً: إنّ حديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورّث..." رواه أبو بكر فقط دون غيره، بخلاف التيمّم من الجنابة، فقد رواه الكثير من الصحابة، ومعنى ذلك أمّا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبيّن هذا الأمر المهم لأهل بيته فضلا عن عامة المسلمين وخصّ به أبا بكر، وهذا لا يمكن قبوله في حق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

وثانياً: إنّ حديث أبي بكر يخالف القرآن الكريم، وما خالف القرآن الكريم لا يؤخذ به كما هو واضح لدى علماء السنّة، بخلاف حديث عمّار فإنّه يوافق القرآن، خصوصاً وأن عماراً ذكّر به عمر بعد أن تمّ جمع القرآن وفيه قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَر أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً...) المائدة: 6.

فكيف تقيس مسألة عمر مع مسألة فاطمة سلام الله عليها، مع أنّ الفارق يعرفه أقلّ طالب علم!!

لكن لا يبعد ذلك عن عمر بن الخطّاب، فإنّه يجهل الكثير من أحكام القرآن والسنّة النبوية المطهّرة... كما هو معلوم لديك.

وثالثاً: إنّ فاطمة سلام الله عليها سيّدة نساء العالمين، وأنّها بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّ الله يرضى لرضاها ويغضب لغضبها، فهل تطالب من هذه صفتها حقاً ليس لها؟!

وهل تغضب على أبي بكر ـ كما أخرج ذلك البخاري ومسلم ـ وتموت غاضبة عليهما لأجل حقّ منعه الله عنها ـ على فرض صدق أبي بكر ـ مع أنّ الله يغضب لغضبها؟! فما ذلك إلاّ تناقض في الحكمة الإلهية ـ والعياذ بالله ـ ومن ذلك يتضح أنّها طلبت حقّاً، وغضبت صدقاً، وأنّ اللذين منعاها إرثها، وهدداها بإحراق بيتها

=>


الصفحة 316
سبحان الله! لم يكتف عُمرُ بمعارضته للنّصوص الصريحة من الكتاب والسنّة، حتى يحاول منع الصّحابة من معارضته في رأيه، ويضطّر عمّار بن ياسر أن يعتذر للخليفة بقوله: "إن شئتَ لم أُحدثْ به".

وكيف لا أعجب ولا تعجبون من هذا الاجتهاد، وهذه المعارضة وهذا الإصرار على الرأي رغم شهادة الصّحابة بالنّصوص، فإنّ عمر لم يقتنع إلى أن مات وهو مصرٌ على هذا الاعتقاد، وقد أثر مذهبه هذا في كثير من الصحابة الذين كانوا يرون رأيه، بل ربّما كانوا يقدّمونه على رأي رسول الله.

فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الطّهارة، باب التيمّم من جزئه الأول صفحة 192 قال: عن شقيق: كنتُ جالساً مع عبد الله وأبي موسَى فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن أرأيت لو أنّ رجُلا أجْنبَ فلم يجدْ الماء شَهْراً كيف يَصْنَعُ بالصّلاةِ؟ فقال عبد الله: لا يتيمَّمُ وإنْ لم يجد الماءَ شهراً!

____________

<=

ما هما إلاّ من الذين غضب الله عليهم.

رابعاً: إنّ فاطمة سلام الله عليها، قد أشهدت زوجها وابناها وأم أيمن على أنّ فدك هبة، فرفض أبو بكر وردّ شهادتهم، وهنا لا يمكن الاستدلال بحديث (ما تركناه صدقة)، لأنّها طالبت بهبتها لا بتركة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ طالبت بتركة رسول الله، فقرأ عليها هذا الحديث، ثمّ بعد ذلك أعطى عمر صدقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المدينة إلى العباس وعلي!! وأعطى أرض فدك إلى عائشة باعتبار أنها لها!! وهذا كله تقدّم، وتبقى المسألة مضطربة وشائكة، وتبقى هذه المسألة وهي:

هل إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يورّث أم لا؟ وإذا كان نعم; فلماذا لم تورّث فاطمة؟ وإذا كان لا فلماذا أعطيت صدقات المدينة إلى العباس وعلي، وأعطيت عائشة بعض أرض فدك؟!.. وغير ذلك من التناقضات الكثيرة التي يعجز عثمان الخميس وغيره من إيجاد حلاً لها، دفاعاً عن سيّديهما أبي بكر وعمر!


الصفحة 317
فقال أبو موسى: فكيفَ بهذه الآية في سورة المائدة: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} فقال عبد الله: لو رُخِّصَ لهم في هذه الآية لأوشك إذا بَردَ عليهم المَاءُ أنْ يتيمّموا بالصَّعيد.

فقال أبو موسى لعبدالله: ألم تسمع قول عمّار: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة، فأجنبت فلم أجد الماء، فتمرّغت في الصّعيد كما تمرَّغَ الدّابة، ثمّ أتيتُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت ذلك له، فقال: إنّما يكفيك أن تقولَ بيديك هكذا ثمّ ضرب بيديه الأرض ضربةً واحدةً، ثمّ مَسَح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهَهُ. فقال عبد الله: أو لم تَرَ عُمَر لم يقنع بقول عمّار(1).

ونحن إذا تأمّلنا في هذه الرواية التي أثبتها البخاري ومسلم وغيرهم من الصّحاح، نفهم من خلالها مدى تأثير مذهب عمر بن الخطّاب على الكثير من كبار الصّحابة، ومن هذا نفهمُ أيضاً مدى تناقض الأحكام، وتهافت الروايات وتضاربها، ولعلّ ذلك هو الذي يُفسِّرُ استخفاف الحكّام الأمويين والعبّاسيين بالأحكام الإسلامية ولا يُقيمون لها وزناً، ويسمحُون بتعدّد المذاهب المتعارضة في الحكم الواحد، ولسان حالهم يقول لأبي حنيفة ومالك وأحمد والشافعي: قولوا ما شئتم بآرائكم، فإذا كان سيّدكم وإمامكم عمر يقول برأيه ما شاء(2)مقابل القرآن والسنّة، فلا لوم عليكم، فما أنتم إلاّ

____________

1- كما أخرجه البخاري في صحيحه 1: 91 كتاب التيمّم، باب التيمّم ضربَةً، والمؤلّف لفّق بين ما ورد في المصدرين.

2- كما جاء ذلك في صحيح البخاري 5: 158 من كتاب تفسير القرآن، باب قوله:

وأنفقوا في سبيل الله، عن عمران بن حصين قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء. قال محمّد: يقال: إنّه عمر.


الصفحة 318
تابعون وأتباع التابعين ولستم مبتدعين.

والأعجب من كلّ ذلك قول عبد الله بن مسعود لأبي موسى: لا يتيمّم وإن لم يجد الماء شهراً. وعبد الله بن مسعود من أكابر الصّحابة يرى أنّ المجنبَ إذا لم يجد الماء يترك الصّلاة شهراً كاملا ولا يتيمّم، ويبدو أنّ أبا موسى حاول إقناعه بالآية الكريمة النّازلة بخصوص هذا الموضوع في سورة المائدة، فأجابه بأنّه: لو رخّص لهم في هذه الآية لأوشك إذا بردَ عليهم الماءُ أن يتيمّموا بالصّعيد!!

ومن هذا نفهم أيضاً كيف يجتهدون في النّصوص القرآنية على حسب ما يرونَه، وما يرونَه مع الأسف هو الشدّة والتعسير على الأُمّة، في حين يقول الله: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ}(1).

يقول هذا المسكين: لو رخّصَ لهم في هذه الآية لأوشك إذا بردَ الماءُ أنْ يتيمّمُوا، فهل وضع نفسه مُبلّغاً عن الله ورسوله؟ وهل هو أحرص وأرأف على العباد من خالقهم ومربّيهم؟

وبعد ذلك يحاول أبو موسى أن يقنعه بالسنّة النبويّة التي رَواها عمّار، وكيف علّمه رسول الله التيمّم، فيردّ عبد الله هذه السنّة النبويّة المشهورة بأنّ عمر بن الخطّاب لم يقنع بقول عمّار!

ومن هنا نفهم أنّ قول عمر بن الخطّاب هو الحجّة المقنعة لدى بعض

____________

1- البقرة: 185.


الصفحة 319
الصحابة، وأنّ قناعة عمر بالحديث أو الآية هي المقياس الوحيد لصحّة الحديث أو لمفهوم الآية، وإن تعارض مع أقوال وأفعال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذلك نجد أن كثيراً من أفعال الناس اليوم تتناقض مع القرآن والسنّة سواء في الحليّة والحرمة; لأنّ اجتهاد عمر في مقابل النصوص أصبح مذهباً مُتبعاً، ولمَّا رأى بعض المتزلّفين ومن لهم دراية بأنّ الأحاديث التي مُنعتْ في عهد الخلفاء، قد دُوّنتْ فيما بعد وسجّلها الرواة والحفاظ، وهي تتعارض مع مذهب عمر بن الخطّاب، اختلقوا روايات أُخرى من عندهم ونسبوهَا إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليُؤيّدوا بها مذهب أبي حفص، كمسألة زواج المتعة، وصلاة التراويح وغيرها.

فجاءت الروايات متناقضة، وبقيت حتّى اليوم محلّ خلاف بين المسلمين، وستبقى ما دام هناك من يدافع عن عمر لأنّه عمر، ولا يريد البحث من أجل الحقّ، وأن يقول لعمر: أخطأت يا عمر فإنّ الصّلاة لا تسقط بفقدان الماء، وأنّ هناك آية التيمّم مذكورة في كتاب الله، وهناك حديث التيمّم مذكور في كلّ كتب السنّة، فجهلك بهما لا يسمحُ لك باعتلاء منصة الخلافة ولا قيادة أُمّة، وعلمك بهما يكفّرك إذا عارضت أحكامهما، فما كان لك إن كنت مؤمناً إذا قضى الله ورسُولُه أمراً أن يكون لك الخيرة، فتحكم بما تشاء وتردّ ما تشاء، وأنت أعلم منّي بأنّ من يعصي الله ورسوله فقد ضلّ ضلالا مبيناً.

(ب) قال الله تعالى: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ

الصفحة 320
وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}(1).

وكان من السنّة النبويّة المعروفة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخصّ المؤلّفة قلوبهم بسهمهم الذي فرضه الله لهم، كما أمرَهُ الله تعالى، ولكنّ عمر بن الخطّاب أبطل هذا العطاء المفروض في خلافته، واجتهد مقابل النصّ وقال لهم: "لا حاجة لنا بكم، فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم".

بل لقد عطّل هذا الحكم في خلافة أبي بكر، إذ جاءَه المؤلّفة قلوبهم جرياً على عادتهم مع رسول الله، فكتب لهم أبو بكر بذلك، فذهبوا إلى عمر ليأخذوا نصيبهم، فمزّق عمر الكتاب وقال لهم: لا حاجة لنا بكم فقد أعزّ الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن أسلمتم وإلاّ فالسّيف بيننا وبينكم، فرجعوا إلى أبي بكر فقالوا: أأنت الخليفة أم هُو؟ فقال: بل هو إن شاء الله، وتراجع أبو بكر فيما كتب موافقاً لرأي صاحبه عمر(2).

والعجيبُ أيضاً أنّك تجد حتّى اليوم من يدافع عن عمر في هذه القضية، ويعتبرها من مناقبه وعبقريّاته، ومن هؤلاء الشيخ محمّد المعروف بالدواليبي، إذ يقول في كتابه أُصول الفقه في الصفحة 239: "ولعلّ اجتهاد عمر (رضي الله عنه) في قطع العطاء الذي جعله القرآن الكريم للمؤلّفة قلوبهم، كان في مقدّمة الأحكام التي قال بها عمر تبعاً لتغيّر المصلحة بتغيّر الأزمان، رغم أنّ النّص القرآني في ذلك لا يزال ثابتاً غير منسوخ".

ثمّ أخذ بعد ذلك يعتذر لعمر بأنّه نظر إلى علّة النصّ لا إلى ظاهره.. إلى

____________

1- التوبة: 60.

2- بدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني 2: 45، النصّ والاجتهاد: 43.


الصفحة 321
آخر كلامه الذي لا تفهمه العقول السّليمة، ونحن نقبل شهادته بأنّ عمر غيّر الأحكام القرآنية تبعاً لرأيه بأنّ المصلحة تتغيّر بحسب الأزمان. ونرفض تأويله بأنّ عمر نظر إلى علّة النّص ولم ينظر إلى ظاهره، ونقول له ولغيره: بأنّ النّصوص القرآنية والنّصوص النبويّة لا تتغيّر بتغيّر الأزمان، فالقرآن صريح بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ليس من حقّه أن يبدّل، قال تعالى:

{وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّـنَات قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآن غَيْرِ هَذَا أوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أنْ اُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أتَّبِـعُ إلا مَا يُوحَى إلَيَّ إنِّي أخَافُ إنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْم عَظِيم}(1).

والسنّة النبويّة الطّاهرة تقول: "حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة"(2).

ولكن على زعم الدواليبي، ومن يرى رأيه من أنصار الاجتهاد فإنّ الأحكام تتغيّر بتغيّر الزمان، ولا لوم إذن على بعض الحكّام الذين غيّروا أحكام الله بأحكام الشعب، وبأحكام وضعيّة اقتضتها مصالحهم وهي مخالفة لأحكام الله، فمنهم من قال: أفطروا لتقوُوا على عدوّكم، ولا حاجة بالصّوم في الوقت الحاضر الذي نجاهد فيه التخلّف والفقر والجهل، والصّومُ يُقعدنا عن الانتاج!!

ومنع تعدّد الزوجات لأنّه يرى في ذلك ظلماً وتعدّياً على حقوق المرأة، وقال: بأن في زمن محمّد كانت المرأة تعتبر "شقفة بول" أمّا الآن فقد

____________

1- يونس: 15.

2- الكافي 1: 58 ح19.


الصفحة 322
حرّرناها وأعطيناها حقوقها كاملة!!

ونظر هذا الرئيس إلى النصّ من حيث العلّة، ولم ينظر إلى ظاهره كما نظر عمر، فقال: إنّ الميراث يجب أن يقسم الآن للذكر والأُنثى على حدّ سواء; لأنّ الله أعطى للرجل سهمين باعتبار أنّه هو الذي يُعول الأُسرة في حين كانت المرأة معطّلة، أمّا اليوم وبفضل جهود فخامته أصبحتْ المرأة تشتغل وتعول أُسْرتَها، وضربَ للشعب مثلا بزوجته التي أنفقتْ على أخيها وأصبح وزيراً بفضلها وعنايتها.

كما وأنّه أباح الزنا واعتبره حقّاً شخصياً لمن بلغ سنّ الرشد ما لم يكن غصْباً أو حرفةً للعيش، وفتح دوراً لحضانة الأطفال الذين يولدون من الزنا، معلّلا ذلك بأنّه رحيمٌ بأولاد الزنا الذين كانوا يدفنون أحياء خوف العار والفضيحة، إلى غير ذلك من اجتهاداته المعروفة.

والغريب أنّ هذا الرئيس كان لحد ما معجباً بشخصية عمر، فقد ذكره مرّة بإعجاب، وذكره مرّة بأنّه لم يتحمّل المسؤولية حيّاً وميّتاً بينما هو (الرئيس) سيتحمّلها حيّاً وميتاً، ومرّة أُخرى وكأنّه بلغه بأنّ المسلمين انتقدوا اجتهاداته فقال: إنّ عمر بن الخطّاب كان من أوّل وأكبر المجتهدين في عصره، فلماذا لا أجتهد أنا في عصريَ الجديد، فقد كان عمر رئيس دولة وأنا أيضاً رئيس دولة!

والأغرب أنّ هذا الرئيس كان عندما يذكر محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترى في كلامه سخرية واستهزاء، فقد قال في خطابه بأنّ محمّداً كان لا يعرف حتّى الجغرافيا، فقد قال: "أطلبوا العلم ولو كان في الصين" ظنّاً منه بأنّ