الصفحة 381

أعتقت عائشة أربعين رقبة لتكفّر عن يمينها

وأين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من زوجته عائشة التي كفّرتْ عن يمين نقضته بتحرير أربعين رقبة، فهل هي أبرّ وأتقى لله من رسول الله؟

أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الأدب باب الهِجْرَةِ، وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث:

إنّ عائشة حدّثت أنّ عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: والله لتنتهينَّ عائشةُ أو لأحجرنَّ عليها، فقالتْ: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم! قالت: هو لله علىّ نذرٌ أن لا أُكلّم ابن الزبير أبداً، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالتْ الهجرة، فقالت: لا والله لا أشفع فيه أبداً ولا أتحنَّثُ إلى نذري، فلمّا طال ذلك على ابن الزبير كلَّمَ المِسْوَرَ بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يُغوثَ، وهُمَا من بني زهرة، وقال لهما: أنشُدُكُما بالله لمّا أدخلتماني على عائشة، فإنّها لا يحلّ لها أن تنذِرَ قطيعتي، فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما حتّى استأذنا على عائشة، فقالا: السّلام عليك ورحمة الله وبركاته أندخُلُ؟ قالت عائشة: ادخلوا. قالوا: كلّنا؟ قالت: نعم ادخلوا كلّكم ولا تعلم أنّ معهما ابن الزبير، فلمّا دخلوا، دخل ابن الزبير الحجابَ، فاعتنق عائشة وطفق يناشدُها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يُناشدانها إلاّ ما كلّمته وقبلتْ منه، ويقولان: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عمّا قد علمت من الهجرة، فإنّه لا يحلُّ لمسلم أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاث ليال، فلمّا أكثـروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقتْ تذكّرهما وتبكي وتقـولُ: إنّي نذرتُ والنّذر شديد، فلم يزالا بها حتّى كلّـمت ابن الزبير،

الصفحة 382
وأعتقت في نذرها ذلك أربعـين رقبةً، وكانت تذكـر نذرها بعد ذلك فتبكي حتّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا.

ورغم أنّ قسم عائشة لا يجوز; لأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حرّم أن يهجر المسلم أخاه أكثر من ثلاثة أيام، ولكنّها أبتْ إلاّ أن تكفّـر عن يمينها بتحرير أربعين رقبة، وهذا أيضاً يدلّـنا دلالة أُخرى من أنّها كانتْ دولة بمفردها، وإلاّ كيف تملك عائشـة أربعين رقبة أو ثمنها فليس ذلك بالشيء اليسير، ولم يسـجّل التاريخ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعتق هذا العدد الهائل طيلة حياته!!

إنّهم لم يتركوا سيئة أو نقيصة إلاّ وألصقوها به، كلّ ذلك ليبرّروا أفعال أُمرائهم، قاتلهمُ الله أنّى يؤفكون.

ولتبرير استهتارهم بالأحكام الشرعية إليك ما يلي:

النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتنازل في أحكام الله حسبما يريد

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الصّوم باب اغتسال الصائم، وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب الصّيام باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم، ووجوب الكفّارة الكبرى فيه، وأنّها تجب على الموسر والمعسر:

عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس عند النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ جاءَهُ رجُلٌ فقال: يا رسول الله هلكت! قال: "مالك"؟ قال: وقعتُ على امرأتي وأنَا صائِمٌ. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "هلْ تجدْ رقبةً تُعْتِقُها"؟ قال: لا. قال: "فهل تستطيع أن تصومَ شهرين متتابعين"؟ قال: لا. فقال: "فهل تجد إطعَامَ ستّينَ مسكيناً"؟ قال: لا.


الصفحة 383
قال: فمكث عند النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبينمَا نَحْنُ على ذلك أُتِيَ النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعرَق فيه تمرٌ، والعَرَق المِكْتَلُ قال: "أينَ السَّائِلُ"؟ فقال: أنا، قال: "خُذْهُ فتَصَدَّقْ به"، فقال الرّجل: أَعْلَى أَفْقَرَ منِّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها (يريد الحرَّتينِ) أهلُ بيت أفْقَرَ من أهْل بيتي، فضحِكَ النّبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بدت أنْيابُهُ، ثم قَالَ: "أَطعمهُ أهْلَكَ".

أنظر كيف تصبح أحكام الله وحدود الله التي رسمها لعباده، من تحرير رقبة على الموسرين، والذين لا يقدرون على تحرير رقبة فما عليهم إلاّ إطعام ستّين مسكيناً، وإذا تعذّر وكان فقيراً فما عليه إلاّ بالصوم، وهو كفّارة الفقراء الذين لا يجدون أموالا كافية لتحرير أو لإطعام المساكين، ولكن هذه الرواية تتعدّى حدود الله التي رسمها لعباده، ويكفي أن يقول هذا الجاني كلمة يضحك لها الرّسول حتّى تبدو أنيابه، فيتساهل في حكم الله، ويبيح له أن يأخذ الصدقة لأهل بيته!!

وهل هناك أكبر من هذه الفرية على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيصبح الجاني مُجازاً على ذنبه الذي تعمّده بدلا من العقوبة؟!، وهل هناك تشجيعاً أكبر من هذا لأهل المعاصي والفسقة، الذين سيتشبّثون بمثل هذه الروايات المكذوبة ويرقصون لها؟!

وبمثل هذه الرّوايات أصبح دين الله وأحكامه لعباً وهزؤاً، وأصبح الزاني يَفْتخر بارتكابه الفاحشة، ويُتغنَّى باسم الزّاني في الأعراس والمحافل، كما أصبح المفطر في شهر الصيام يتحدّى الصائمين؟!

كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأيمان والنذور، باب إذا حنث ناسياً:


الصفحة 384
عن عطاء عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رجلٌ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): زرتُ قبلَ أنْ أَرمي (أي طفتّ بالبيت طواف الزيارة)؟ قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا حرج"، قال آخر: حَلَقْتُ قبل أن أذْبحَ؟ قال: "لا حرج"، قال آخر: ذبحتُ قبل أن أرْمي؟ قال: "لا حرج".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنّ النبىَّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بينما هو يخطبُ يوم النّحر إذ قام إليه رجُلٌ فقال: كنتُ أحسبُ يا رسول الله كذَا وكذَا قبلَ كذَا وكذَا، ثمّ قام آخر: فقال: يا رسول الله كنتُ أَحسبُ كذَا وكذَا لهؤلاء الثلاث (الحلق والنحر والرمي)؟ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "افعلْ ولا حرج لَهُنَّ كُلَّهنَّ يومَئذ"، فَما سُئِلَ يومئذ عن شيء إلاّ قالَ افعل افعل ولا حرج.

والغريب أنّك عندما تقرأ هذه الروايات مستنكراً لها يجابهك بعض المعاندين بأنّ دين الله يسر وليس عسراً، وأنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "يسّروا ولا تعسّروا"(1).

وإنّها كلمة حقّ يراد بها باطلا، لأنّه ليس هناك شكاً في أنّ الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر، وما جعل علينا في الدِّين من حرج، ولكن فيما سطره ورسمه لنا من أحكام وحدود عن طريق القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة، وأعطانا الرخّص اللاّزمة عند اقتضاء الحال، كالتيمّم عند فقدان الماء، أو الخوف من الماء البارد، وكالصّلاة جالساً عند الاقتضاء، وكالافطار

____________

1- صحيح البخاري 1: 25 كتاب العلم، باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة، صحيح مسلم 5: 141 كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتسيير وترك التغير.


الصفحة 385
وتقصير الصّلاة في السّفر.

كلّ هذا صحيح، ولكن أن نخالف أوامره سبحانه بأنّ نجعل مثلا ترتيب الوضوء أو التيمّم كما نريد، فنغسل اليدين قبل الوجه مثلا، أو نمسح الرجلين قبل الرأس، فهذا لا يجوز.

ولكن الوضّاعين أرادوا أن يتنازل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كلّ شيء ليجدوا منفذاً، وكما يقول كثير من النّاس اليوم عندما تجادلهم في الأُمور الفقهية: لا عليك يا أخي، المهم صلّ فقط، صلّ كما يحلو لك!

والغريب أنّ البخاري نفسه يخرج في نفس الصفحة التي بها قول الرسول "افعل افعل ولا حرج"، واقعةً يظْهِرُ فيها النبي متشدّداً إلى أبعد الحدود، قال عن أبي هريرة: إنّ رجلا دخل المسجد يصلّي ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ناحية المسجد، فجاء فسلّم عليه فقال له: "ارجع فصلِّ فإنّك لم تُصلِّ"، فرجع فصلّى ثمّ سلّم فقال: "وعليك، ارجع فصلّ فإنك لم تُصَلِّ".

وكرّر الرجل الصّلاة ثلاث مرّات، وفي كلّ مرّة يقول له الرّسول "ارجع فصل فإنك لم تُصلّ"، فقال الرجل للرسول: علّمني يا رسول الله، فعلّمه الاطمئنان في الركوع، والاطمئنان في السجود، قال: "ثمّ اركع حتى تطمئن راكعاً، ثمّ ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً، ثمّ اسجد حتى تطمئنّ ساجداً، ثمّ ارفع حتّى تستوي وتطمئنّ جالساً، ثمّ اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثمّ ارفع حتى تستوي قائماً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها(1).

____________

1- صحيح البخاري 7: 132 كتاب الإيمان والنذور، باب حنث ناسياً.


الصفحة 386
كما أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قول الله عز وجلّ {فَاقْرَأوا مَا تَـيَسَّرَ مِنَ القُـرْآنِ} .

عن عمر بن الخطّاب يقول: سمعتُ هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستمعتُ لقرائته فإذا هو يقرأُ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكدتُ أساورُهُ في الصلاة فتصبّرتُ حتّى سلّم، فلبّبْتُه بردَائِهِ فقلتُ: من أقرأك هذه السُّورةَ التي سمعتُك تقرأ؟ قال: اقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلتُ: كذبت أقرأنيها علىّ غير ما قرأت، فانطلقْتُ به أقوده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقُلتُ: إنّي سمعتُ هذا يقرأُ سورة الفرقانِ على حروف لَمْ تُقرئْنيها، فقال: "أَرْسِلْهُ، إقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعتُهُ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كذلك أُنزلتْ"، ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "اقرأ يا عُمَرُ"، فقرأتُ التي أقراني فقال: "كذلك أُنزلتْ، إنّ هذا القرآن أُنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسّرَ منه".

فهل يبق بعد هذه الرواية شكّ في أنّ الوضّاعين تطاولوا على قداسة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى من خلال القرآن الكريم، وأنّه علّم الصحابة بقراءات مختلفة، ويقول لكلّ منهم: "كذلك أُنزل"، ولو لم تكن القراءة فيها اختلاف كبير ما كان عمر يكاد يقطع على هشام الصّلاة ويتهدّده.

وهذا يذكّرني بعلماء أهل السنّة الذين يتشبّثون بقراءة معيّنة، فلا يجيزون لأحد أن يقرأ على غير ما يعرفون، وكنتُ يوماً أقرأ: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}(1)فانتهرني أحدُهم بشدّة وصرخ قائلا: لا تكسّر القرآن

____________

1- البقرة: 40.


الصفحة 387
إن كنت تجهل القراءة.

قلت: كيف كسرت القرآن؟

قال: اذكُروا نِعْمَتِيَ، وليسَ نعْمَتِي.

كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاستقراض وأداء الدّين، في باب الخصومات من جزئه الثالث صفحة 88:

عن عبد الملك بن ميسرة أخبرني قال: سمعتُ النزّال، سمعتُ عبد الله يقول: سمعت رجلا قرأ آيةً سمعتُ من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خلافها، فأخذتُ بيده فأتيتُ به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: "كِلاكُما محسنٌ".

قال شعبة أظنّه قال: لا تختلفوا، فإنّ من كان قبلكم اختلفوا فهلكُوا.

سبحان الله وبحمده! كيف يُقرُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلافهم بقوله: "كلاكُما محسنُ"؟ ولا يرجع بهم إلى قراءة موحّدة تقطع دابر الاختلاف.

ثمّ بعد ذلك يقول لهم: لا تختلفوا فتهلكوا، أليس هذا هو التناقض؟ يا عباد الله افتونا يرحمكم الله، وهل اختلفوا إلاّ بإقراره هو ومباركته وتشجيعه!! كلاّ وحاش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا التناقض، والاختلاف الذي تنفُر منه العقول.

أفلا يتدبّرون القرآن الذي يقول: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}(1)؟! وهل وقع اختلاف أكبر وأخطر على الأمّة الإسلامية من القراءات المتعدّدة التي غيّرت معاني القرآن إلى تفاسير وآراء مختلفة، فأصبحتْ آية الوضوء الواضحة مختلفاً فيها؟!!

____________

1- النساء: 82.


الصفحة 388

النبي (صلى الله عليه وآله) يتصرّف كالصّبيان! ويعاقب من لا يستحقّ العقوبة!

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب المغازي، باب مرض النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته.

ومسلم في صحيحه في كتاب السّلام، باب كراهة التداوي باللّدود:

عن عائشة قالت: لددْنَا(1)رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضِهِ، فجعلَ يشيرُ إلينَا أن لا تلدّوني، فقلنا: كراهية المريض للدّواء، فلمّا أفاقَ قال: ألم أنهَكُمْ أنْ تُلُدُّوني؟ قلنا: كراهية المريض للدّواء، فقال: لا يبْقَى أَحَدٌ في البيت إلاّ لُدَّ وأنَا أنظُرُ، إلاّ العبّاس فإنَّهُ لم يشْهَدْكُمْ.

عجيب أمر هذا النبىّ المفترى عليه، الذي جعله المفترون كالصبّي الذي يغرغروه الدّواء المرّ الذي لا يقبله، فيشير إليهم أن لا يلدوه، ولكنّهم يغصبونه على ذلك رغم أنفه!

ولمّا يفيق يقول لهم: "ألم أنهكم أن تلدّوني"؟ فيعتذرون له بأنهم ظنُّوا بأن النهي هو كراهية المريض للدّواء، فيحكم عليهم جميعاً بأن يُلَدُّوا، وهو ينظر ليشفي غليله منهم، ولا يستثني منهم إلاّ عمّه العبّاس; لأنّه لم يكن حاضراً عملية اللّدود.

ولم تُكمل السيّدة عائشة نهاية القصة، وهل نفّذ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حُكْمَهُ فيهم أمْ لا، وعلى طريق مَن وكيف تمّت عملية اللّدود بين النّساء والرّجال الحاضرين.

____________

1- يقول ابن منظور في لسان العرب 3: 390 عن هذه العمليّة: "اللدُّ: هو أن يؤخذ بلسان الصّبي فيمدُّ إلى أحد شقّيه ويوجر في الآخر الدّواء في الصدف بين اللّسان والشدق" (المؤلّف).


الصفحة 389

النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يسقط بعض آيات من القرآن!

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب فضائل القرآن، باب نسيانُ القرآن، وكذلك في باب من لا يرى بأساً أن يقول سورة كذا وكذا.

وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب صلاة المسافرين وقصرها، في باب الأمر بتعهّد القرآن وكراهة قول: نسيتُ آية كذا:

حدّثنا أبو أُسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رَجُلا يقرأُ في سُورة باللَّيل، فقال: "يَرْحَمُهُ اللّهُ لقد أذكرني آية كذا وكذا كنتُ أُنسيتها من سورة كذا وكذا".

كما أخرج البخاري رواية أُخرى عن علي بن مُسْهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قارئاً يقرأُ في اللّيل في المسجد، فقال: "يَرْحَمُهُ الله لقد أذكرني كذا وكذا أيةً أسْقطتُهَا من سورة كذا وكذا".

ها هو النّبي الذي أرسله الله سبحانه بالقرآن، وهو معجزته الخالدة، والذي كان يحفظه من يوم نزوله عليه جملة قبل نزوله أنجماً، وقد قال له تعالى: {لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}(1)، وقال أيضاً: {وَإنَّهُ لَتَـنْزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَان عَرَبِيٍّ مُبِين * وَإنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ}(2).

ولكنّ الكذّابين والدجَالين والوضّاعين يأبونَ إلاّ أن يلصِقُوا به كلّ

____________

1- القيامة: 16.

2- الشعراء: 192 ـ 196.


الصفحة 390
الأباطيل، وكلّ السفاسف والمخاريق التي لا يقبلها عقل ولا ذوقٌ سليم، ومن حقّ المسلمين الباحثين أن ينزّهوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أمثال هذه الروايات المزيفة التي ملأت كتب الأحاديث، وخصوصاً منها المعدودة من الصّحاح.

فنحن لم نخرج إلاّ من كتاب البخاري ومسلم، اللذين هما عند أهل السنّة أصحّ الكتب بعد كتاب الله، وإذا كان هذا شأن الصّحاح بخصوص الطّعن بقداسة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعصمته، فلا تسأل عن باقي الكتب الأُخرى.

كلّ ذلك من وضع أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين تزلّفوا إلى حكّام بني أُميّة في عهد معاوية وما بعده، حتّى ملأوا المطامير بالأحاديث المكذوبة، والتي يريدون من خلالها الطّعن على صاحب الرّسالة (صلى الله عليه وآله وسلم) ; لأنّهم لم يؤمنوا بكلّ ما جاء به من عند الله.

هذا من جهة ومن جهة أُخرى ليبرّروا أفعال أسيادهم البشعة والشنيعة التي سجّلها تاريخ المسلمين، وقد كشفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بداية البعثة، وحذّر منهم وطردهم من المدينة ولعنهم.

فقد أخرج الطبري في تاريخه، قال: رأى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق به، فقال: لعن الله القائد والراكب والسائق(1).

وأخرج الإمام أحمد في مسنده من طريق أبي برزة الأسلمي، قال: كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر، فسمع رجلين يتغنّيان وأحدهما يجيب الآخر

____________

1- تاريخ الطبري 8: 185.


الصفحة 391
وهو يقول:


لا يزال حواري تلوح عظامهزوى الحرب عنه أن يجنّ فيقبرا

فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أُنظروا من هما؟ فقالوا: فلان وفلان، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "اللّهم اركسهما ركساً، ودّعهما إلى النار دعّاً"(1).

وعن أبي ذر الغفاري قال لمعاوية: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول وقد مررت به: "اللهمّ ألعنه ولا تشبعه إلاّ بالتراب"(2).

وقد قال الإمام علي (عليه السلام) في كتاب بعث به لأهل العراق:

"والله لو لقيتهم فرداً وهم ملء الأرض ما باليت ولا استوحشت، وإنّي من ضلالتهم التي هم فيها، والهدى الذي نحن عليه، لعلى ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة، وإنّي إلى لقاء ربّي لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفاً يعتريني، وحزناً يخامرني أنْ يلي أمر هذه الأُمة سفهاؤها وفجّارها، فيتّخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، والصالحين حرباً، والقاسطين حزباً"(3).

وبما أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد لعنهم ـ كما مرّ عليك ـ ولم يجدوا لتلك الأحاديث دسّاً; لأنّ جلّ الصحابة كانوا يعرفونها، فوضعوا في مقابلها أحاديث أُخرى تقلب الحقّ باطلا، وتجعل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شخصاً

____________

1- مسند الإمام أحمد 4: 421 ولم يسمّ الرجلين والسند حسن، وعن ابن عباس في المعجم الكبير 11: 32 وقد ذكر اسم الرجلين فيكون متابعاً لرواية مسند أحمد.

2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8: 258.

3- الإمامة والسياسة لابن قتيبة 1: 179.


الصفحة 392
عاديّاً تعتريه الحميّة الجاهليّة، ويأخذه الغضب إلى أبعد الحدود، فيسبّ ويلعن من لا يستحقّ ذلك، ودفاعاً على أسيادهم الملاعين فقد وضعوا هذا الحديث.

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات، باب قول النبىّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من آذيتُه فاجعله له زكاة ورحمة.

وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سبّه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة:

عن عائشة قالتْ: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلان، فكلّماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنُهما وسبّهُما، فلمّا خرجَا قلتُ: يا رسول الله ما أصاب أحد من الخير شيئاً ما أصابه هذان، قال: "وما ذاك"؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: "أو ما علمت ما شارطْتُ عليه ربّي، قلتُ: اللهمَّ إنّما أنا بشَرٌ فأىُّ المسلمين لعنتُه أو سببتهُ فاجعله له زكاة وأجراً".

وعن أبي هريرة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "اللهمّ إنّي أتّخذُ عندك عهداً لن تُخلفنيه فإنّما أنا بشر، فأىُّ المؤمنين آذيتُه; شتمتُه، لعنتُه، جلدتهُ فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقرّبهُ بها إليك يوم القيامة"(1).

وبمثل هذه الأحاديث الموضوعة يصبحُ النّبي يغضَبُ لغير الله، ويسبّ ويشتمُ، بل ويلعن ويجلد مَن لا يستحقّ ذلك!! أي نبىّ هذا الذي يعتريه الشيطان فيخرج عن دائرة المعقول، وهل يسمحُ أيّ رجل دين عادي أن

____________

1- صحيح مسلم 8: 25 كتاب البرّ والصلة والآداب، باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله).


الصفحة 393
يفعل ذلك؟ أم هل لا يُستقبحُ منه ذلك؟!

وبمثل هذه الأحاديث يصبح حكّام بني أُميّة الذين لعنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعا عليهم، وجلد البعض منهم لارتكابهم الفاحشة، وافتضحوا أمام النّاس عامّة; يصبحون مظلومين بل يُصبحون مُزكّين ومرحومين ومقرّبين إلى الله.

وهذه الأحاديث الموضوعة تكشف عن نفسها بنفسها وتفضح الوضّاعين، فلم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سّباباً ولا لعّاناً، ولا فاحشاً ولا متفحّشاً، حاشاه.. حاشاه، كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً أليماً.

وتكفينا رواية واحدة أخرجها البخاري ومسلم عن عائشة نفسها لدحض هذه المزاعم الكاذبة.

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الأدب، باب لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاحشاً ولا متفحشاً:

عن عائشة قالت: إن يهوداً أتوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: السَّام عليكُم، فقالت عائشة: فقلتُ: عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، قال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق، وإيّاك والعنف والفحش"، قلتُ: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: "أو لم تسمعي ما قلتُ؟ رددتُ عليهم فيُستجابُ لي فيهم، ولا يستجابُ لهم فىَّ".

كما أخرج مسلم في صحيحه كتاب البرّ والصلة والآداب بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى أن يكون المسلم لعّاناً، ونهاهم حتى عن لعن الحيوان والدّواب، وقيل له: يا رسول الله ادعُ على المشركين، فقال: "إنّي لم أُبعث لعّاناً، وإنّما بعثتُ رحمة".


الصفحة 394
وهذا هو الذي يتماشى مع الخلق العظيم، والقلب الرحيم الذي اختصّ به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم يكن يلعنُ ويسبّ ويجلد من لا يستحقّ، إنّما إذا غضب فإنّه يغضب لله، وإذا لعن فإنّه يلعن من يستحقّ اللّعن، وإذا جلد فإنّما يجلد لإقامة حدود الله، لا أن يجلد الأبرياء الذين لم تقم عليهم البيّنة أو الشهود أو الاعتراف.

ولكن هؤلاء غاضهم وأحرق قلوبهم أن تتفشّى الرّوايات التي فيها لعن معاوية وبني أُميّة، فاختلقوا هذه الرّوايات للتّمويه على النّاس، وليرفعوا مكانة معاوية الوضيعة، ولذلك تجد مسلم في صحيحه بعد إخراج هذه الرّوايات التي تجعل من لعن الرسول لمعاوية زكاة ورحمة وقربة من الله، يخرج حديث عن ابن عباس قال: كنتُ ألعبُ مع الصبيان، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتواريتُ خلف باب، قال: فجاء فحطأني حَطْأَةً وقال: "اذهبْ وادع لي معاوية"، قال: فجئتُ فقلتُ: هو يأكلُ، قال: ثمّ قال لي: "اذهب فادعُ لي معاوية"، قال: فجئتُ فقلت: هو يأكُلُ، فقالَ: "لا أشبع الله بطنَهُ"(1).

ونجد في كتب التاريخ بأنّ الإمام النّسائي بعدما كتب كتاب الخصائص التي اختصّ بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، دخل الشام فاعترضه أهل الشام، وقالوا له: لماذا لم تذكر فضائل معاوية؟ فقال لهم: لا أعرف له فضيلة إلاّ "لا أشبع الله بطنَهُ"، فضربُوه على مذاكيره حتى استشهد(2). والمؤرّخون يذكرون بأنّ دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفذتْ، فكان معاوية يأكل ويأكل

____________

1- صحيح مسلم 8: 27 كتاب البرّ والصلة والآداب، باب من لعنه النبي (صلى الله عليه وآله).

2- البداية والنهاية 11: 14 حوادث سنة 303، باختلاف.


الصفحة 395
حتى يتعب من الأكل ولا يشبع.

وفي الحقيقة لم أكن أعرف هذه الرّوايات التي تجعل اللّعنة رحمة وقربة من الله إلى أن عرّفني عليها أحد المشايخ في تونس، وهو موصوف بالعلم والمعرفة، وكنّا في مجمع نتجاذب أطرَاف الحديث حتّى جاء ذكر معاوية بن أبي سفيان، وكان الشيخ يتحدّث عنه بكلّ إعجاب، ويقول: هو داهية ومشهور بالذكاء وحسن التدبير.

وأخذ يتكلّم عنه وعن سياسته وانتصاره على سيّدنا علي كرّم الله وجهه في الحرب، وصبرت عليه بمضض، ولكنّه ذهب شوطاً بعيداً في إطراء معاوية والثناء عليه، حتّى عيل صبري وقلتُ له: بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان يحبّهُ، وقد دعا عليه ولعنَهُ.

فاستغرب الحاضرون، ومنهم من غضب من قولي، ولكنّ الشيخ بكلّ هدوء ردّ علىَّ يصدّقني، ممّا زاد دهشة الحاضرين وقالوا له: نحن لم نفهم شيئاً! من ناحية أنت تمدحه وتترضّى عنه، ومن ناحية أُخرى توافق على أنّ النبىّ لعنَه؟ فكيف يصحُّ هذا؟ وتساءلتُ أنا معهم: كيف يصحُّ ذلك؟

وأجابنا الشيخ بجواب بدا غريباً وصعب القبول قال: إنّ الذي يلعنه رسول الله أو يسبّه فهي له زكاة ورحمة وقربة عند الله سبحانه، وتَسَاءل الجميع في دهشة: وكيف ذلك؟ قال: لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "أنا بشر كسائر البشر، وقد سألت الله أن يجعل دعائي ولعنتي رحمة وزكاة"، ثمّ أضاف قائلا: وحتّى الذي يقتله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو من دنياه إلى الجنّة مباشرةً.

واختليتْ بالشيخ فيما بعد، وسألته عن مصدر الحديث الذي ذكره،

الصفحة 396
فأحالني على صحيح البخاري وصحيح مسلم، واطّلعت على تلك الأحاديث، ولم تزدني إلاّ يقيناً بالمؤامرة التي دبّرها الأمويّون لتغطية الحقائق، ولستر فضائحهم من جهة، ولضرب عصمة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة أُخرى.

ووجدت بعدها روايات كثيرة ترمي إلى نفس الهدف، وحتّى يطمئن المتآمرون فقد اختلقوا أكثر من ذلك على لسان ربّ العالمين، فقد أخرج البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى يريدون أن يبدّلوا كلام الله:

عن أبي هريرة أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "قال رجُلٌ لم يعملْ خيراً قطٌّ، فإذا ماتَ فحرِّقُوهُ وأذرُوا نصفَهُ في البرِّ ونصْفَهُ في البحْرِ، فوالله لئن قدَر الله عليه ليعذِّبنّهُ عذاباً لا يُعَذِّبُهُ أحداً من العالمين، فأمَرَ الله البحرَ فجمع ما فيه، وأمر البرَّ فَجَمَعَ ما فيهِ، ثمّ قال: لم فعلتَ؟ قال: من خَشْيَتِكَ وأنتَ أَعلم! فغَفَرَ لَهُ".

وعنه أيضاً في نفس الصفحة، قال أبو هريرة: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: "إنّ عبداً أصاب ذْنباً، وربّما قال أذنب ذنباً، فقال: ربّ أذنْبتُ ذنباً، وربّما قال: أصبتُ فاغفِرْ.

فقال ربُّهُ: أعَلِمَ عبدي أَنَّ له ربّاً يغفِرُ الذَّنبَ ويأخذُ به؟ غَفَرْتُ لعبدي، ثمّ مَكثَ ما شاء الله، ثمّ أصاب ذنباً أو أذنب ذنباً، فقال: ربِّ أذنبتُ أو أصبتُ آخر فاغفرهُ، فقال: أعلمَ عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي، ثمّ مكثَ ما شاء الله، ثمّ أذنب ذنباً وربّما قال أصاب ذنباً، فقال: ربّ أصبتُ أو قالَ: أذنبتُ آخر فاغفر لي، فقال: أعلمَ عبدي أنّ له ربّاً يغفِرُ

الصفحة 397
الذنبَ ويأخذ به؟ غفرتُ لعبدي ـ ثلاثاً ـ فليعمَلْ ما شاء".

أي ربّ هذا يا عباد الله؟! ورغم أنّ العبد عَلم من الوهلة الأُولى بأنّ له ربّاً يغفرُ الذنب، غير أنّ ربّه بقي جاهلا بهذه الحقيقة، وفي كلّ مرّة يتساءلُ أعَلمّ عبدي بأن له ربّاً يغفر الذنب؟!

أىّ ربّ هذا الذي من كثرة الذنوب المتكرّرة، وكثرة المغفرة المتكرّرة، فقد كلَّ وملَّ وقال لعبده: اعمل ما شئت "وريّحني الله يخلّيك"!!

و {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ إنْ يَـقُولُونَ إلا كَذِباً * فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أسَفاً}(1).

نعم، لقد زعموا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعثمان: "اعمل ما شئت فلن يضرّك ما فعلتَ بعد اليوم"، وذلك عندما جهّز عثمان جيش العسرة حسبما يقولون! إنّها صكوك الغفران التي يُقَبِّضها رهبان الكنيسة مقابل دخول الجنّة!!

فليس من الغريب إذاً أن يفعل عثمان تلك الأعمال الشّنيعة التي سبّبتْ الثورة عليه، وقتله ودفنه في غير مقابر المسلمين، بغير تغسيل ولا تكفين.

{..تِلْكَ أمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ}(2).

النّبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يتناقض في حديثه

أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الفتن، باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما، من جزئه الثامن صفحة 92:

____________

1- الكهف: 5.

2- البقرة: 111.