الصفحة 183

التقية

وكما قدّمنا بالنسبة الى القول بالبداء فإنّ التقية هي أيضاً من الأمور المستنكرة عن أهل السنّة والجماعة وهم ينبزون بها إخوانهم الشيعة ويعتبرونهم منافقين إذ يظهرون ما لا يبطنون !!

وكثيراً ماحاورْتُ البعض منهم وحاولتُ إقناعهم بأنّ التقّية ليست نفاقا ً، ولكنّهم لم يقتنعوا بل إنك تجد السّامع لهذا يشمئزّ أحياناً، ويتعجّب أحياناً أخرى، وهو يظنّ أن هذه العقائد مبتدعة في الإسلام وكأنّها من مختلقات الشيعة وبدعهم.

ولكن إذا بحث الباحث وأنصف المنصف سيجد أن هذه العقائد كلَّها من صلب الإسلام وهي وليدة القرآن الكريم والسنّة النّبوية الشريفة، بل لا تستقيم المفاهيم الإسلامية السمحاء والشريعة القويمة إلا بها.

والأمر العجيب في أهل السنّة والجماعة، أنّهم يستنكرون عقائد يقبلون بها، وكتبهم وصحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك وتشهد عليهم.

قاقرأ معي مايقوله أهل السنّة والجماعة في مسألة التقّية:

ـ أخرج إبن جرير وإبن أبي حاتم من طريق العوفي عن إبن عباس في قوله

الصفحة 184
تعالى: إلا أن تتقوا منهم ُتقاه (1) قال: التقّية باللسان، من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلّم به مخالف النّاس، وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن ذلك لايضرّه، إنما التّقية باللسان(2) .

ـ وأخرج الحاكم وصحّحه، والبهيقي في سننه من طريق عطاء عن إبن عبّاس في قوله تعالى: إلا أنْ تتّقوا منهم تقاة قال: التقاة هي التكلّم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان(3)

ـ وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: التّقية جائزة إلى يوم القيامة(4) .

ـ وأخرج عبد بن أبي رجاء إنه كان يقرأ: إلا أنْ تتّقوا منهم تقيّةً (5) .

ـ وأخرج عبدالرزاق وإبن سعد وإبن جرير، وإبن أبي حاتم وإبن مردويه، وصححه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدّلائل: قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتّى سبّ النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وذكر آلهتم بخير ثم تركوه فلما أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: ماوراءك شيء ؟ قال: شرّ، ما تركتُ حتّى نلتُ منك وذكرتُ آلهتم بخير قال: كيف تجد قلبك ؟ قال: مطمئنّ بالإيمان، قال: إن عادوا فعد، فنزلتْ إلا من أكره وقلبه مطمئنّ بالإيمان (6) .

ـ وأخرج إبن سعد عن محمد بن سيرين: إنّ النبي صلّى اله عليه وآله وسلّم لقي عماراً وهو يبكي، فجعل يمسحُ عن عينيه ويقول: «أخذك الكفّار فغطّوك في الماء فقلتَ كذا وكذا فإن عادوا فقل لهم ذلك»(7) .

____________

(1) سورة آل عمران آية 28.

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي.

(3) سنن البيهقي ـ مستدرك الحاكم.

(4، 5) جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 2 /176.

(6) سورة النحل آية 106.

(7)الطبقات الكبرى لإبن سعد.


الصفحة 185
وأخرج إبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن إبن عبّاس في قوله تعالى: من كفر بالله … الآية قال: أخبر الله سبحانه: أن من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضَبٌ من الله وله عذاب عظيم، فأمّا من أكره، فتكلّم بلسانه وخالفه قلبهُ بالإيمان لينجُوا بذلك من عدوّه، فلا حرج عليه، لأن الله سبحانه إنمّا يؤاخذ العباد بما عقدتْ عليه قُلوبهم(1) .

ـ وأخرج أبن أبي شيبة وإبن جرير وإبن المنذر وإبن أبي حاتم عن مجاهد قال: نزلتْ هذه الآيه في أناس من أهل مكّة آمنوا، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة، أن هاجروا فإنّا لا نرى إنكم منّا حتّى تهاجروا الينا، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم، فكفروا مكرهين ففيهم نزلت هذه الآية إلا من أُكرهَ وقلبه مطمئن بالإيمان (2) .

ـ وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس ويذكر عن أبي الدرداء قال: «إنا لنكشر في وجوه أقوام وأن قلوبنا لتلعنهم».(3) .

ـ وأخرج الحلبي في سيرته قال: لمّا فتح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مدينة خيبر، قال له حجاج بن علاط: يارسول الله إن لي بمكّة مالاً، وإن لي بها أهلاً، وأنا أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلتُ منكَ، وقلتُ شيئا ؟ فأذن له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يقول مايشاء»(4) .

ـ وجاء في كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي قوله: «إن عصمة دم المسلم واجبة، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد إختفى من ظالم فالكذب فيه واجب(5) .

____________

(1) سنن اليهقي.

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي 2 /178.

(3)صحيح البخاري 7 /102.

(4)السيرة الحلبية 3 /61.

(5)إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.


الصفحة 186
ـ وأخرج جلال الدين السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر. قال: «ويجوز إكل الميتة في المخمسة، وإساغة اللقمة في الخمر والتلفّظ بكلمة الكفر، ولو عمّ الحرامُ قطراً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً فإنه يجوز إستعمال مايحتاج إليه».

ـ وأخرج أبو بكر الرّازي في كتابه أحكام القرآن في تفسير قوله تعالى: إلا أن تتّقوا منهم تقاة قال يعني أن تخافواتلف النّفس أو بعض الأعضاء، فتتقوهم بإظهار المولاة من غير إعتقاده لها، وهذا هو ظاهر مايقتضيه اللفظ، وعليه الجمهور من أهل العلم كما جاء عن قتادة في قوله تعالى: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون الله قال: لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافراً ولياً في دينه، وقوله تعالى: إلا أن تتّقوا منهم تقاة يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقية (1) .

ـ وأخرج البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن إبن المكندر حدثه عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته إنه إستأذن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلم رجل، فقال: إئذنوا له فبئس إبن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألاَنَ له الكلام، فقلت: يارسول الله قلت ماقلت ثم أَلْنتَ له في القول ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«أي عائشة إن شرّ النّاسُ منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس إتّقاء فُحِشِه»(2) .

وهذا يكفينا دلالة بعد إستعراض ماسبق على إن أهل السنة والجماعة يؤمنون بجواز التّقية إلى أبعد حدودها من إنها جائزة إلى يوم القيامة كما مر عليك ومن وجوب الكذب كما قال الغزّالي، ومن إظهار الكفر وهو مذهب الجمهور من أهل العلم كما إعترف بذلك الرّازي ومن جواز الإبتسام في الظاهر واللعن في

____________

(1) أحكام القرآن للزّازي 2 /10.

(2) صحيح البخاري 7 /81 (باب لم يكن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فاحشاً ولا متفحشاً).


الصفحة 187
الباطن كما إعترف بذلك البخاري ومن جواز أن يقول الإنسان مايشاء وينال من رسول الله خوفاً على ماله كما صرّح بذلك صاحب السيرة الحلبية، وأن يتكلّم بما فيه معصية الله مخافة الناس كما إعترف به السيوطي.

فلا مبرّر لأهل السنّة والجماعة في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنها جائزة بل واجبة، ولم يزد الشيعة على ماقاله أهل السنّة شيئا، سوى إنهم إشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم وإضطهاد، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال: هذا رجل يتشيع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويُقتلُ شرّ قتلة على يد أعداء أهل البيت النّبوي.

فكان لا بدّ له من العمل بالتقيّة إقتداء بما أشار عليهم أئمة أهل البيت عليهم السلام، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق إنه قال «التقية دينيودين آبائي» وقال: «من لا تقية له لا دين له» وقد كانت التقية شعارا للأئمة أهل البيت أنفسهم دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم و محبيهم، وحقناً لدمائهم وإستصلاحاً لحال المسلمين الذين فُتنُوا في دينهم كما فُتنَ عمار بن ياسر رضي الله عنه وحتى أكثر.

أمّا أهل السنة والجماعة فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء لأنهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام مع الحكام فلم يتعرضوا لقتل ولا لنهب ولا لظلم، فكان من الطبيعي جدا أن ينكروا التقية ويشنعون على العاملين بها وقد لعب الحكام من بني أمية وبني العباس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقية.

وبما أن الله سبحانه أنزل فيها قرآناً يُتلى وأحكاماً تُقضىَ، وبما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمل هو نفسه بها كما مرّ عليك في صحيح البخاري، وإنه أجاز لعمار بن ياسر أن يسبه ويكفر إذا عاوده الكفار بالتعذيب، وبما أن علماء المسلمين أجازوا ذلك إقتداء بكتاب الله وسنة رسوله فأي تشنيع وأي إستنكار بعد هذا يصحّ أنْ يوجّه الى الشيعة ؟ !


الصفحة 188
وقد عمل بالتقية الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كلّ من إمتنع عن لعن علي بن أبي طالب، وقُصة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورْة وأمثال يزيد وإبن زياد والحجّاج وعبدالملك بن مروان وأضرابهم ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقية لأستوجب كتاباً كاملاً، ولكن ماأوردته من أدلة أهل السنة والجماعة كافِِ بحمد الله.

ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصة طريفة وقعتْ لي شخصيا مع عالم من علماء أهل السنة إلتقينا في الطائرة وكنا من المدعوّين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنّة وكان من دعاة الوحدة وأعجبت به غير إنّه ساءني قوله بأن على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تُسببُ إختلاف المسلمين والطعن على بعضهم البعض، وسألتُه مثل ماذا ؟ وأجاب على الفور: مثل المتعة والتقية، وحاولتُ جهدي إقناعه بأن المتعة هي زواج مشروع والتقية رخصة من الله، ولكنه أصرّ على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلتي مدعيا إن ما أوردتُه كله صحيح ولكن يجبُ تركه من أجل مصلحة أهم إلا وهي وحدة المسلمين.

وإستغربتُ منه هذا المنطق الذي يأمرُ بترك أحكام الله من أجل وحدة المسلمين وقلتُ له مجاملة: لو توقفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أول من أجاب.

ونزلْنا في مطار لندن وكنت أمشي خلفه ولمّا تقدمنا إلى شرطة المطار سئل عن سبب قدومه الى بريطانيا فأجابهم أنه جاء للمعالجة، وإدعيت أنا بأني جئت لزيارة بعض أصدقائي، ومررنا بسلام وبدون تعطيل الى قاعة إستلام الحقائب، عند ذلك همستُ له: أرأيت كيف أن التقية صالحة في كل زمان ؟ قال: كيف ؟ قلت لأننا كذبنا على الشرطة أنا بقولي جئت لزيارة اصدقائي وأنت بقولك جئت للعلاج، في حين إننا قدمنا للمؤتمر.

إبتسم وعرفَ بأنّه كذبَ على مسمعٍ منّي فقال: أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا ؟ ضحكت قائلا: أو ليس فيها زيارة لإخواننا ؟


الصفحة 189
أعود إلى الموضوع فأقول بأن التقيّة ليست كما يدعي أهل السنة ـ بأنها ضرب من النفاق، فالعكس هو الصحيح، لأن النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر التقية هو لإظهار الكفر وكتمان الإيمان وشتان ما بين الموقفين، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالى:

وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون فهذا يعني إيمان ظاهر + كفر باطن = نفاق.

أما الموقف الثاني أعني التقيّة التي قال في شأنها سبحانه وتعالى:

وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه فهذا يعني كفرٌ ظاهر + إيمان باطن = تقيّة.

فإن مؤمن من آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ولا يعلم به إلا الله ويتظاهر لفرعون وللناس جميعاً أنه على دين فرعون ـ (وقد ذكره الله في محكم كتابه تعظيما لقدرِه).

وتعال معي الآن أيها القاريء الكريم لتعرف قول الشيعة في التقيّة حتى لا تغتّر بما يقالُ فيهم كذباً وبهتاناً ـ

يقول الشيخ محمد رضا المظفّر في كتابه (عقائد الإمامية) ما هذا نصه:

«وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب إختلاف مواقع خوف الضرر، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية، وليست بواجبة على كل حال، بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الأحوال، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرةً للدينِ وخدمةً للإسلامِ وجهاد في سبيله، فإنه عند ذلك يستهانُ بالأموال ولا تعزّ النفوس. وقد تُحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل، أو فساداً في الدين أو ضرراً بالغاً على المسلمين. بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية إنها تجعل منهم جمعية سرية

الصفحة 190
لغاية الهدم والتخريب ـ كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها ولا يكلفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.

كما إنه ليس معناها إنها تجعل الدين وأحكامه سراً من الأسرار لايجوز أن يذاع بمن لايدين به، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أي أمّة تدين بدينها». إنتهى كلامه.

وأنت ترى إنه ليس هناك نفاق ولا غش ولا دس ولا كذب ولا خداع كما يدعيه أعْداؤهم.


الصفحة 191

المتعة أو (الزواج المؤقت)

والمقصود بها نكاح المتعة، أو الزواج المنقطع، أو الزواج المؤقت إلى أجل مسمىوهي كالزّواج الدائم لا تصح إلا بعقد يشتمل على قبول وإيجاب، كأن تقول المرأة للرجل زوجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدة كذا فيقول الرجل قبلت. ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الإمامية كوجوب تعيين المهر والمدة، فيصح بكل مايتراضى عليه الطرفان، وكحرمة التمتع بذات محرم كما في الزواج الدائم.

وعلى المرأة المتمتع بها أن تعتد بعد إنتهاء الأجل بحيضتين وبأربعة أشهر وعشرة أيام في حالة وفاة زوجها.

وليس بين المتعين إرث ولا نفقة فلا ترثه ولا يرثها والولد من الزواج المؤقت كالولد من الزواج الدائم تماما في حقوق الميراث والنفقة وكل الحقوق الأدبية والمادية، يلحق بأبيه.

هذه هي المتعة بشروطها وحدودها وهي كما ترى ليست من السفاح في شيء كما يدعه الناس.

وأهل السنة والجماعة كإخوانهم الشيعة متفقون على تشريع هذا الزواج من الله سبحانه وتعالى في الآية 24 من سورة النساء بقوله: فما إستمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن

الصفحة 192
الله كان عليماً حكيماً .

كما أنهم متفقون في أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أذن بها وإستمتع الصحابة على عهده.

إلا إنهم يختلفون في نسخها أو عدم نسخها فأهل السنّة والجماعة يقولون بنسخها وإنها حرمت بعد أن كانت حلالا، وأن النسخ وقع بالسنّة. لا بالقرآن.

والشيعة يقولون بعدم النسخ وأنها حلال ليوم القيامة.

إذن فالبحث يتعلق فقط في نسخها أو عدمه والنظر في أقوال الفريقين حتّى يتبين للقاريء جلية الأمر وأين يوجد الحق فيتبعه بدون تعصب ولا عاطفة.

أما من ناحية الشيعة القائلين بعدم النسخ وحلّيتها إلى يوم القيامة فحجتهم هي: لم يثبت عندنا إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم نهى عنهاوأئمتنا من العترة الطاهرة يقولون بحليتها ولو كان هناك نسخ من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلمه الأئمة من أهل البيت وعلى رأسهم الإمام علي فأهل البيت أدرى بما فيه، ولكن الثابت عندنا أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها وحرمها إجتهاداً منه كما يشهد بذلك علماء السنّة أنفسهم، ونحن لا نترك أحكام الله ورسوله لرأي وإجتهاد عمر بن الخطاب ! هذا ملخص مايقوله الشيعة في حلية المتعة، وهو قول سديد ورأي رشيد، لأن كل المسلمين مطالبون بإتباع أحكام الله ورسوله ورفض ما سواهما مهما علت مكانتهم إذا كان في أجتهاده مخالفة للنصوص القرآنية أو النبوية.

أما أهل السنة والجماعة فيقولون بأن المتعة كانت حلالا، ونزل فيها القرآن ورخص فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها الصحابة ثم بعد ذلك نسخت. ويختلفون في الناسخ لها. فمنهم من يقول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها قبل موته، ومنهم من يقول بأن عمر بن الخطاب هو الذي حرمها، وقوله حجة عندنا لقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم:


الصفحة 193
«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عِظّوا عليها بالنواجذ».

أما القائلين بتحريمها لأن عمر بن الخطاب حرمها وإن فعله سنّة ملزمة، فهؤلاء لا كلام لنا معهم ولا بحث لأنه محض التعصب والتكلف، وإلا كيف يترك المسلم قول الله وقول الرسول ويخالفهما ويتبع قول بشر مجتهد يخطيء ويصيب ـ هذا إذا كان إجتهاده في مسألة ليس فيها نص من الكتاب والسنة ـ أما إذا كان هناك نص وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً (1) .

ومن لايتفق معي على هذه القاعدة فعليه بمراجعة معلوماته في مفاهيم التشريع الإسلامي ودراسة القرآن الكريم والسنة النبوية ـ فالقرآن دل بذاته في الآية المذكورة أعلاه ومثلها في القرآن كثير يدل على كفر وضلال من لا يتمسك بالقرآن والسنة النبوية.

أما الدليل من السنة النبوية الشريفة فكثير أيضاً، ولكن نكتفي بقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

«حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة».

فليس من حق أحد أن يحلل أو يحرم في مسألة ثبت فيها نص وحكم من الله أو من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

ولكل ذلك نقول لهؤلاء الذين يريدون إقناعنا بأن أفعال الخلفاء الراشدين وإجتهاداتهم ملزمة لنا، نقول: أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (2) .

على أن هؤلاء القائلين بهذا الدليل يوافقون الشيعة على دعواهم ويكونون حجة على إخوانهم من أهل السنة والجماعة.

____________

(1) سورة الأحزاب آية 36.

(2) سورة البقرة آية 139.


الصفحة 194
فبحثنا يتعلق فقط مع الفريق القائل بأن رسول الله صلّى اله عليه وآله وسلّم هو الذي حرمها ونسخ القرآن بالحديث.

وهؤلاء مضطربون في أقوالهم وحجتهم واهية لا تقوم على أساس متين ولو روى النهي عنه مسلم في صحيحه بأنه لو كان هناك نهي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر نفسه كما روى ذلك مسلم في صحيحه(1) .

قال عطاء قدم جابر بن عبدالله معتمرا فجئنا في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة: فقال نعم إستمتعنا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر ـ

فلو كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نهى عن المتعة لما جاز للصحابة أن يتمتعوا على عهد أبي بكر وعمر كما سمعت.

فالواقع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها ولا حرمها وإنما وقع النهي من عمر بن الخطاب كما جاء في ذلك في صحيح البخاري.

ـ عن مسدد حدثنا يحيى عن عمر إن أبي بكر حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال: نزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسسلم ولم ينزل قرآنٌ يحرمه ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ماشاء قال محمد يقال أنه عمر.(2) .

فأنت ترى أيها القاريء أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها حتى مات كما صرح به هذا الصحابي وتراه ينسب التحريم إلى عمر صراحة وبدون غموض ويضيف إنه قال برأيه ماشاء.

____________

(1) صحيح مسلم 4 /158.

(2)صحيح البخاري 5 /158


الصفحة 195
وها هو جابر بن عبدالله الأنصاري يقول صراحة: كنّا نستمتع بالقبضة من التّمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر حتى نهى عنها عُمرُ في شأن عمرو إبن حُريث(1) .

ومّما يدلنا على إن بعض الصحابة كانوا على رأي عمر وهذا ليس غريب إذ تقدّم في بحثنا خلال رزية يوم الخميس إن بعض الصحابة كانوا على رأي عمر في قوله بأنّ رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله ! وإذا ساندوه في مثل ذلك الموقف الخطير بما فيه من طعن على الرسول فكيف لا يوافقه في بعض إجتهاداته، فالنستمع إلى قول أحدهم: كنتُ عند جابر بن عبدالله فأتاه آتٍ فقال: أبن عبّاس وإبن الزبير إختلفا في المتعتين، فقال جابر: فعلناهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم نهانا عنهما عُمرُ فلم نعدْ لهما(2) .

ولذلك أعتقد شخصيا بأن بعض الصحابة نسبَ النهيَ عن المتعة وتحريمها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتبرير موقف عمر بن الخطاب وتصويب رأيه.

وإلا فما يكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحرّم ما أحلّ القرآن لأنا لا نجدُ حكما واحداً في كل الأحكام الإسلامية أحلّه الله سبحانه وحرّمه رسوله، ولا قائل بذلك إلا معانداً ومتعصباً، ولو سلمنا جدلا بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم نهى عنها فما كان للإمام على وهو أقرب الناس للنبي وأعلمهم بالأحكام أن يقول:

«إن المتعة رحمةً رحم الله به عباده. ولولا نهي عمر ما زنى إلاّ شقي»(3) .

على أنّ عمر بن الخطاب نفسه لم ينسب التحريم إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بل قال قولته المشهورة بكل صراحة:

____________

(1) صحيح مسلم 4 /131.

(2) صحيح مسلم 4 /131

(3) الثعلبي في التفسير الكبير والطبري عند تفسير آية المتعة في تفسيره الكبير أيضاً


الصفحة 196
«متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحجّ ومتعة النّساء»(1) .

وهذا مسند الإمام أحمد بن حنبل خير شاهد على أنّ أهل السنّة والجماعة مختلفون في هذه المسألة إختلافاً كبيراً فمنهم من يتبع قول الرسول فيحللّها، ومنهم من يتبع قول عمر بن الخطاب فيحرمه، أخرج الإمام أحمد: ـ

عن إبن عباس قال: تمتع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال عروة إبن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال إبن عباس: مايقول عُرية ؟ «تصغير لعروة» قال: يقول نهى أبو أبو بكر وعمر عن المتعة، فقال إبن عبّاس: أراهم سيهلكون أقول: قال النبي ويقولون نهى أبو بكر وعمر(2) .

وجاء في صحيح الترمذي إن عبدالله بن عمر سُئلَ عن متعة الحجّ، قال: هي حلال. فقال له السائل إن أباك قد نهى عنها. فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أأمر أبي أتبع أم أمر رسول الله ؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3) .

وأهل السنّة والجماعة أطاعوا عمر في متعة النساء وخالفوه في متعة الحج ـ على أن النهي عنهما وقع منه في موقف واحد كما قدمنا.

والمهم في كل هذا إن الآئمة من أهل البيت وشيعتهم خالفوه وأنكروا عليه وقالوا بحلّيتها إلى يوم القيامة.وهناك من علماء أهل السنّة والجماعة في ذلك أيضاً وأذكر من بينهم عالم تونس الجليل وزعيم الجامع الزيتوني فضيلة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه، فقد قال بحلّيتها في تفسيره المشهور عند ذكره آية فما إستمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة (4) .

____________

(1) التفسير الكبير للفخر الرّازي في تفسير قوله تعالى فما إستمتعتم به منهن .

(2) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 /337.

(3) صحيح الترمذي 1 /157.

(4) التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور 3 /5.


الصفحة 197
وهكذا يجب أن يكون العلماء أحراراً في عقيدتهم لا يتأثّرون بالعاطفة ولا بالعصبية ولا تأخذهم في الله لومة لائم

وبعد هذا البحث الموجز، لا يبقى لتشنيع أهل السنّة والجماعة وطعنهم على الشيعة في إباحتهم نكاح المتعة مبرر ولا حجة فضلاً عن إن الدّليل القاطع والحجّة الناصعة مع الشيعة

وللمسلم أن يتصوّر قول الإمان علي (عليه السَلام): بأنّ المتُعة رحمةٌ رحم الله بها عباده وفعلاً أية رحمة هي أكبر منها وهي تُطفي نار شهوة جامحة قد تتطغى على الإنسان ذكراً كان أم أنثى فيصبحُ كالحيوان المفترس.

وللمسلمين عامّة وللشبّان خاصّة أن يعرفوا بأنّ الله سبحانه أوجب على الزاني عقوبة القتل رجماً بالحجارةِ على المحصنين ذكوراً وأناثاً، فلا يمكن أن يترك عباده بغير رحمة وهو خالقهم وخالق غرائزهم ويعرف مايصلحهم، وإذا كان الله الرحمن الرحيم رَحم عباده بأنْ رخّص لهم في المتعة فلا يدخل في الزنا بعدها إلا الشقي تماماً كالحكم بقطع يد السّارق، فما دام هناك بيت للمال للمعوزين والمحتاجين، فلا يسرق إلاّ الشّقي.


الصفحة 198

الصفحة 199

القول بتحريف القرآن

هذا القول في حدّ ذاته شنيع لا يتحمّله مسلم آمن برسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سواء كان شيعياً أم سنياً.

لأّن القرآن الكريم تكفّل ربّ العزّة والجلالة بحفظه فقال عزّ من قائل إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون فلا يمكن لأحد أن يُنقّص منه أو يزيد فيه حرفاً واحداً وهو معجزة نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم الخالدة، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد.

والواقع العملي للمسلمين يرفض تحريف القرآن لأن كثيراً من الصحابة كانوا يحفظونه عن ظهر قلب، وكانوا يتسابقون في حفظه وتحفيظه إلى أولادهم على مرّ الأزمنة حتّى يومنا الحاضر، فلا يمكن لإنسان ولا لجماعة ولا لدولة أن يُحرّفوه أو يبدّلوه ـ

ولو جُبناً بلاد المسلمين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي كل بقاع الدنيا فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان. وإن إختلف المسلمون إلى مذاهب وفرق، وملل ونحل فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم ولا يختلف فيه من الأمّة إثنان، إلا ماكان من التفسير أو التأويل فكل حزب بما لديهم

الصفحة 200
فرحُون.

وما يُنْسبُ الى الشيعة إلى القول بالتحريف هو مجرّد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود.

وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم، فسوف نجد إجماعهم على تنزيه كتاب الله من كل تحريف.

يقول صاحب كتاب عقائد الإمامية الشيخ المظفّر: «نعتقد إنّ القرآن هو الوحي الإلهي المنزّل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم في تبيان كل شي، وهو معجزته الخالدة التي أعجزتْ البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما إحتوى من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزّل على النبي ومن إدعي فيه غير ذلك فهو مخترف أو مغالط أو مشتبه، وكلهم على غير هدى فإنه كلام الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ (إنتهى كلامه).

وبعد هذا فكلّ بلاد الشيعة معروفة وأحكامهم في الفقه معلومة لدى الجميع، فلو كان عندهم قرآن غير الذي عندنا لعلمه الناس، وأتذكر أني عندما زرتُ بلاد الشيعة للمرة الأولى كان في ذهني بعض هذه الإشاعات، فكنت كلما رأيت مجلّداً ضخما تناولته علّني أعثر على هذا القرآن المزعوم، ولكن سرعان تبخر هذا الوهم، وعرفتُ فيما بعد إنها إحدى التشنيعات المكذوبة لينفروا الناس من الشيعة ولكن يبقى هناك دائماً من يُشنّع ويحتج على الشيعة بكتاب إسمه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربُ الأرباب» ومؤلفه محمد تقي النوري الطبرسي المتوفي سنة 1329 هجري وهو شيعي ويريد هؤلاء المتحاملون أن يحمّلُوا الشيعة مسؤلية هذا الكتاب !وهذا مخالف للإنصاف.

فكم من كُتبٍ كتبت وهي لاتُعبّر في الحقيقة إلا عن رأي كاتبها ومؤلفها، ويكون فيها الغث والسمين وفيها الحق والباطل وتحمل في طياتها الخطأ والصواب ونجد ذلك عند كل الفرق الإسلامية ولا يختصّ بالشيعة دون سواها أفيجوز لنا

الصفحة 201
أن نُحمّل أهل السنّة والجماعة مسؤولية ماكتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي ؟

أو مارواه البخاري وهو صحيح عندهم، من نقص في القرآن وزيادة، وكذلك صحيح مسلم وغيره(1) .

ولكن لنضرب عن ذلك صفحاً ونقابل السيئة بالحسنة ولتعم ماقاله في هذا الموضوع الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية إذ كتب يقول:

«وأمّا إن الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله وإنما هي روايات رُويْة في كتبهم، كما رُوي مثلها في كتُبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها، وبيّنوا بطلانها وليست في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك، كما إنه ليس في السنّة من يعتقده.

ويستطيع من شاء أن يرجع الى مثل كتاب الإتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحا.

وقد ألّف أحد المصريين في سنة 1948مكتاباً أسمه «الفرقان» حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السّقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلا لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنّة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بينّ بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه. فإستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرتْ الكتاب، ورفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاّ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.

أفيقال إنّ أهل السنّة ينكرون قداسة القرآن ؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان ؟ أو لكتاب ألفه فلان ؟

____________

(1) إذ إن كتاب (فصل الخطاب) لا يعدّ شيئاً عند الشيعة، بينما روايات نقص القرآن والزيادة فيه أخرجها صحاح أهل السنّة والجماعة أمثال البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد.


الصفحة 202
فكذلك الشيعة الإمامية إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات في بعض كتبنا، وفي ذلك يقول الإمام العلاّمة السعيد أبو الفضل بن الحسن الطبرسي من كبارعلماء الإمامية في القرن السادس الهجري في كتاب «مجمع البيانلعلوم القرآن».

«فأمّا الزياده فيه فمجمع على بطلانها، وأما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أنّ في القرآن تغييرا ونقصانا، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى قدّس الله روحه، وإستوفى الكلام فيه غاية الإستيفاء في جواب «مسائل الطرابلسيات» وذكر في مواضع: أنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب فإنّ العناية إشتدّت والدّواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغتْ إلى حدّ لم تبلغهُ فيما ذكرناه لأنّ القرآن معجزة النبوّة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية التي عرفوا كل شيء أختلفَ فيه من إعرابه. وقراءاته، وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد»(1) .

وحتّى يتبينّ لك أيها القاريء إنّ هذه التّهمة، «نقص القرآن والزياده فيه» هي أقرب لأهل السنّة منها لأهل الشيعة، وذلك من الدّواعي التي دعتني الى أن أراجعُ كل معتقداتي لأنّي كلما حاولتُ أنتقاد الشيعة في شيء والإستنكار عليهم إلا وأثبتوا براءتهم منه وإلصاقه بي، عرفتُ أنهم يقولون صدْقاً وعلى مرّ الأيام ومن خلال البحث إقتنعتُ والحمد لله، وها أنا مقدم لك مايثبت ذلك في هذا الموضوع:

____________

(1) مقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و383.


الصفحة 203
أخرج الطبراني والبيهقي

أن من القرآن سورتين ـ إحداهما هي:

بسم الله الرحمن الرحيم إنّا نستعينك ونستغفرك ونُثني عليك الخير كلّه ولا نكفُركَ ونَخلعُ ونتركُ من يفجرك.

والسورة الثانية هي:

بسم الله الرحمن الرحيم ـ اللّهم إياك نعبدُ ولك نُصلّي ونسجد إليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجدّ إن عذابك بالكافرين ملحقُ.

وهاتان السّورتان سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت وهما مّما كان يقنتُ بهما سيدنا عمر بن الخطّاب وهما موجودتان في مصحف إبن عبّاس ومصحف زيد بن ثابت(1) .

أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.

عن أبي بن كعب قال: كم تقرأون سورة الأحزاب ؟ قال: بضعاً وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها آية الرّجم(2) .

وأنت ترى أيها القاريء اللّبيب، أن السّورتينّ المذكورتين في كتابي الإتقان والدر المنثور للسيوطي واللتين أخرجهما الطبراني والبيهقي واللتين تسميان بسورتي القُنوت لا وجود لهما في كتاب الله تعالى.

وهذا يعني أن القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السّورتين الثابتتين في مصحف إبن عباس ومصحف زيد بن ثابت كما يدّل أيضاً بأنّ هناك مصاحف أخرى غير التي عندنا، وهو يذكّرني أيضاً بالتشنيع على أنّ للشيعة مصحف فاطمة، فأفهم !

____________

(1) جلال الدين السيوطي في الإتقان وكذلك في الدر المنثور.

(2) مسند الإمام أحمد إبن حنبل 5 / 132.


الصفحة 204
وأنّ أهل السنّة والجماعة يقرؤون هاتين السورتين في دعاء القنوت كل صباح وكنتُ شخصياً أحفضهما وأقرأ بهما في قنوت الفجر.

أمّا الرواية الثانية التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده والتي تقول بأن سورة الأحزاب ناقصة ثلاثة أرباع، لأن سورة البقرة فيها 286 آية بينما لا تتعدّى سورة الأحزاب 73 آية. وإذا إعتبرنا عدّ القرآن بالحزب فإن سورة البقرة فيها أكثر من خمسة أحزاب بينما لا تعد سورة الأحزاب إلا حزباً واحداً.

وقول أبي بن كعب: «كنتُ أقرأها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم مثل البقرة أو أكثر» وهو من أشهر القرّاء الذين كانوا يحفظون القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي إختاره عُمر(1) ليُصلّي بالنّاس صلاة التراويح. فقوله هذا يبعث الشكّ والحيرة كما لا يخفى.

ـ وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(2) عن أبي بن كعب قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:

«إنّ الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقال فقرأ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، فقرأ فيها: «ولو أن إبن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه لسأل ثانياً فلو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً، ولا يملأ جوف إبن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تابَ، وأن ذلك الدّين القيّمُ عند الله الحنفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيراً فلن يكفره».

ـ وأخرج الحافظ بن عساكر في ترجمة أبي بن كعب إن أبا الدّرداء ركب الى المدينة في نفر من أهل دمشق فقرأ فيها على عمر بن الخطاب هذه الآية:

إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حَمُو لفسدَ المسجد الحرام فقال عمر بن الخطاب من أقرأكم هذه القراءة ؟ فقالوا:

____________

(1) البخاري 2 /252.

(2) مسند الإمام أحمد بن حنبل 5 /131


الصفحة 205
أبي بن كعب، فدعاه فقال لهم عمر إقرأوا، فرأوا: ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب، نعم أنا قرأتهم فقال عمر لزيد بن ثابت أقرأ يازيد، فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر: اللّهم لا أعرف إلا هذا ! فقال أبي بن كعب:

والله ياعمر إنّك لتعلمُ إنّي كنتُ أحْضر ويغيبون وأدنوا ويحجبون، وولله لئنْ أحْبْبتَ لألزمنّ بيتي فلا أحدث أحداً ولا أُقرأ أحداً حتّى أموت، فقال عمر اللّهم غفراً، إنّك لتعلم إن الله قد جعل عندك علماً فعلّم الناس مَاعلمتَ.

قال ومرّ عمر بغلام وهو يقرأ في المصحب:

النّبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أبٌ لهم فقال: ياغلام حكها، فقال هذا مصحف أبي بن كعب فذهب إليه فسأله فقال له: إنّه كان يُلهيني القرآنُ ويُلهيكَ الصّفقُ بالأسواق(1) .

وروى مثل هذا إبن الأثير في جامع الأصول وأبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه.

وأترك لك أخي القاريء أنْ تُعلّقَ في هذه المرّة بنفسك على أمثال هذه الروايا التي ملأتْ كتب أهل السنّة والجماعة، وهم غافلون عنها ويشنّعون على الشيعة الذين لايجوجد عندهم عشر هذا.

ولكن لعلّ بعض المعاندين من أهل السنّة والجماعة ينفرُ من هذه الروايات فيرفضها كعادته وينكر على الإمام أحمد تخريجه مثل هذه الخرافات فيضعّف أسانيدها ويعتبر إن مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ليسا عند أهل السنة بمستوى صحيحي البخاري ومسلم، ولكن مثل هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضا.

____________

(1) تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر 2 /228.


الصفحة 206
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه(1) في باب مناقب عمّار وحذيفة رضي الله عنهما عن علقمة قال: قدمتُ الشام فصلّيتُ ركعتين ثم قلتُ: اللّهم يسّر لي جليساً صالحاً، فأتيت قوماً فجلستُ اليهم فإذا شيخٌ قد جاء حتّى جلس الى جنبي قلتُ من هذا ؟ قالوا: أبو الدرداء، قلتُ إنّي دعوتُ الله أن ييسرّ لي جليساً صالحاً فيسّرك لي، قال مّمنْ أنت، فقلتُ من أهل الكوفة، قال: أو ليس عندكم إبن أمّ عبدٍ صاحبُ النّعلين والوساد والمطهرة، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم، أوليس فيكم صاحبُ سرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي لايعلمُ أحد غيرهُ، ثم قال كيف يقرأ عبدالله والليل إذا يغشى فرأت عليه والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى قال والله لقد أقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فيه الى فيَّ.

ثم زاد في روايى أخرى قال مازال بي هؤلاء حتّى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(2) .

وفي رواية قال: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى والذكر والأنثى قال: أقرئنيها النُّبي صلى الله عليه وآله وسلم من فاهُ الى فيَّ فما زال هؤلاء حتّى كادوا يردّوني(3)

فهذه الروايات كلّها تفيد بأن القرآن الذي عندنا زيد فيه كلمة «وما خلق».

ـ وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن أبن عباس إن عمر بن الخطاب قال: أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله

____________

(1) صحيح البخاري 4 /215.

(2) صحيح البخاري 4 /216.

(3)صحيح البخاري 4 /218 (باب مناقب عبدالله بن مسعود).


الصفحة 207
صلّى الله علية وآله وسلّم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمانٌ أين يقول قائلٌ: والله مانجدُ آية الرّجم في كتاب الله فيضلّ بترك فضيلة أنزلها الله، والرّجمُ في كتاب الله حقٌ على من زنى إذا أُحْصِنَ من الرّجال والنّساء إذا قامتْ البيّنة أو كان الحبل والإعتراف، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله إلا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفْراً بكم أنْ ترغبوا عن آبائكم(1) .

ـ وأخرج الإمام مسلم في صحيحه(2) (في باب لو أن لإبن آدم واديين لأبتغى ثالثاً).

قال: بعث أبو موسى الأشعري الى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراءهم فأتلوه ولا يطولنّ عليكم الأمل فتقسوا قلوبكم كما قستْ قلوب من كان قبلكم، وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنا نشبّهُها في الطّول والشدّة ببراءة فأنسيتها غير إني قد حفظت منها لو كان لأبن آدم واديان من مال لإبتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف إبن آدم إلاّ التّراب .

وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بحإدى المسبحات فأنسيتها غير إني حفظت منها يا أيها الذين آمنوا لما تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة (3) .

وهاتان السورتان المزعومتان اللتان نسيهما أبو موسى الأشعري إحداهما تشبه براءة يعني 129 آية والثانية تشبه إحدى المسبحات يعني عشرون آية. لاوجود لهما إلا في خيال أبي موسى، فإقرأ وأعجب فإني أترك لك الخيار ـ أيها الباحث المنصف.

فإذا كانت أهل السنةوالجماعة مسانيدهم وصحاحهم مشحونة بمثل

____________

(1) صحيح البخاري 8 /26 (باب رجم الحبلى من الزنى إذا أحصنت).

(2 و 3) صحيح مسلم 3 /100 (باب لو إن لإبن آدم واديان لإبتغى ثالثاً.


الصفحة 208
هذه الروايات التي تدعي بأن القرآن ناقص مرّة،وزائد أخرى فلماذا هذا التشنيع على الشيعة الذين أجمعوا على بطلان هذا الإدعاء.

وإذا كان الشيعي صاحب كتاب «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب» وهو المتوفي سنة 1320 هجرية كتب كتابه منذ مايقرب مائة عام، فقد سبقه السني في مصر صاحب كتاب «الفرقان» بما يقارب أربعة قرون كما أشار الى ذلك الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر(1) .

والمهم في كل هذا إن علماء السنّة وعلماء الشيعة من المحققينقد أبطلوا مثل هذه الروايات وأعتبروها شاذة وأثبتوا بالأدلة المقنعة بأن القرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل على نبيّنا محمّد صلّى الله عليه ؤاله وسلّم وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير.

فكيف شنع أهل السنة والجماعة على الشيعة من أجل روايات ساقطة عندهم، ويبرؤون أنفسهم، بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات ؟

وإني إذ أذكر مثل هذه الروايات بمرارة كبيرة وأسف شديد، فما أغنانا اليوم عن السكوت عنها وطيها في سلّة المهملات، لولا الحملة الشعواء التي شنها بعض الكتاب والمؤلفين ممن يدّعون التمسك بالسنة النبوية ومن ورائهم دوائر معروفة تمولهم وتشجعهم على الطعن وتكفير الشيعة خصوصا بعهد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، فإلى هؤلاء أقول: إتقوا الله بإخوانكم، وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وإذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً.

____________

(1) رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص 382 و382.


الصفحة 209

الجمع بين الصلاتين

ومما يشنع به على الشيعة أيضاً جمعهم بين صلاة الظهر والعصر وبين صلاة المغرب والعشاء.

وأهل السنة والجماعة إذا يشنعون على الشيعة فإنهم يؤكدون في المقابل بأنهم يحافظون على الصلاة لأن الله سبحانه وتعالى يقول: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً .

وقبل أن نحكم لهم أو عليهم يجب علينا أن بحث في الموضوع من جميع جوانبه ونرى أقوال الطرفين:

أما أهل السنة والجماعة فهم متفقون على جواز الجمع بعرفه بين الظهر والعصر ويسمى جمع تقديم، وجواز الجمع بالمزدلفة وقت العشاء بينها وبين فريضة المغرب ويسمى جمع تأخير، وهذا مايتفق عليه كل المسلمون شيعة وسنة بل كل الفرق الإسلامية بدون إستثناء.

والخلاف بين الشيعة وأهل السنة هو في جواز الجمع بين الفريضتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في كل أيام السنة بدون عذر السفر.

أما الحنفية فيقولون بعدم الجواز حتى في السفر وذلك مع وجود النصوص

الصفحة 210
الصريحة بجوازه لا سيما في السفر وخالفوا بذلك أجماع الأمّة سنة وشيعة.

وأما المالكية والشافعية والحنبلية فيقولون بجواز الجمع بين الفريضتين في السفر، ويختلفون بينهم في جوازه لعذر الخوف والمرض والمطر والطين.

وأما الشيعة الإمامية فمتفقون على جوازه مطلقا في غير سفر ولا مطر ولا مرض ولا خوف، وذلك إقتداء بما رووه عن أئمة أهل البيت من العترة الطاهرة (عليهم السلام).

وهنا يجب علينا أن نقف منهم موقف الإتهام والتشكيك، لأنه كلما أحتج أهل السنّة والجماعة عليهم بحجة، إلا ويردونها بأن الأئمة من أهل البيت عليهم السلام علموهم وبينوا لهم كل ما أشكل عليهم ويفتخرون بأنهم يقتدون بإئمة معصومين يعلمون القرآن والسنة !

وأنا أتذكر في أول صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت بإمامة الشهيد محمد باقر الصدر عليه رضوان الله إذ كنت وأنا في النجف أفرق بين الظهر والعصر حتى كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجت فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلى المسجد الذي يؤم فيه مقلديه الذين إحترموني وتركوا لي مكانا خلفه بالضبط ولما أنتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العصر، حدثتني نفسي بالإنسحاب ولكن بقيت لسببين أولهما هيبة السيد الصدر وخشوعه في الصلاة حتى تمنيت أن تطول ـ وثانيهما وجودي في ذلك المكان وأنا أقرب المصلين إليه وأحسست بقوة قاهرة تشدني إليه ولما فرغنا من أداء فريضة العصر وإنهال عليه الناس يسألونه بقيت خلفه أسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفيا، ثم أخذني معه الى بيته للغذاء وهناك وجدت نفسي ضيف الشرف، وإغتمنت فرصة ذلك المسجد فسألته عن الجمع بين الصلاتين.

ـ سيدي ! أيمكن للمسلم أن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة ؟

قال: يمكن له أن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة.

قلت: وما هي حجتكم ؟


الصفحة 211
قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة، وإنها فقط لدفع الحرج عنا، وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار وثابت أيضا عندكم.

ـ أستغربت كيف يكون ثابتا عندنا ولم أسمع به قبل ذلك اليوم ولا رأيت أحدا من أهل السنة والجماعة يعمل به بل بالعكس يقولون ببطلان الصلة إذا وقعت حتى دقيقة قبل الآذان فكيف بمن يصليهما قبل ساعات مع الظهر، أو يصلي صلاة العشا مع المغرب فهذا يبدو عندنا منكرا وباطلا.

وفهم السيد محمد باقر الصدر حيرتي وإستغرابي وهمس إلى بعض الحاضرين فقام مسرعا وجاءه بكتتابين عرفت بأنهما صحيح البخاري وصحيح مسلم، وكلف السيد ذلك الطالب بأن يطلعني على الأحاديث التي تتعلق بالجمع بين الفريضتين. وقرأت بنفسي في صحيح البخاري كيف جمع النبي صلى الله عليه ؤاله وسلم فريضة الظهر والعصر وكذلك فريضة المغرب والعشاء كما قرأت في صحيح مسلم باباً كاملاً في الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف ولا مطر ولا سفر.

ولم أخف تعجبي ودهشتي وإن كان الشك داخلني بأن البخاري ومسلم اللذين عندهم قد يكونان محرفين وأخفي في نفسي أن أراجع هذين الكتابين في تونس.

وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدليل.

ـ قلت: أنتم على حق، وأنتم صادقون فيما تقولون، وبودي أن أسألكم سؤالاً آخر.

قال: تفضل.

قلت: هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثيرٌ من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاء.

قال هذا لا يجوز.

الصفحة 212
قلت: أنك قلت لي فيما سبق بأن رسول الله صلّى اللهعليه وآله وسلّم فرق وجمع وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي إرتضاها الله سبحانه.

ـ قال: أن لفريضتي الظهر والعصر وقت مشترك ويبتديء من زوال الشمس الى الغروب، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضا وقت مشترك ويبتديء من غروب الشمس الى منتصف الليل ولفريضة الصبح وقت واحد يبتديء من طلوع الفجر الى شروق الشمس فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً فلا يمكن لنا مثلا أن نصلي الصبح قبل الفجر ولا بعد شروق الشمس كما لا يمكن لنا أن نصلي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب كما لا يجوز لنا أن نصلي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب كما لا يجوز لنا أن نصلي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ولا بعد منتصف الليل.

وشكرت السيد محمد باقر الصدر، وإن كنت إقتنعت بكل أقواله غير إني لم أجمع بين الفريضتين بعد مغادرته إلا عندما رجعت الى تونس وإنهمكت بالبحث وإستبصرت.

هذه قصتي مع الشهيد الصدر رحمة الله عليه في خصوص الجمع بين الفريضتين أرويها ليتبّين أخواني من أهل السنة والجماعة أولا، كيف تكون أخلاق العلماء اللذين تواضعوا حتى كانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق.

وثانيا: كيف نجهل ما في صحاحنا ونشنع على غيرنا نعتقد نحن بصحتها، وقد وردت في صحاحنا.

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده(1) عن إبن عباس قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآليه وسلم في المدينة مقيما غير مسافر سبعاًوثمانياً.

وأخرج الإمام مالك في الموطأ(2) . عن إبن عباس قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف

____________

(1) مسند الإمام أحمد بن حنبل 1 /221.

(2) موطأ الإمام مالك (شرح الحوالك) 1 /161


الصفحة 213
ولا سفرٍ.

وأخرج الإمام مسلم في صحيح(1) في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال: عن إبن عبّاس قال: صلّى الله عليه وآله وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.

كما أخرج عن إبن عباس أيضاً قال: جمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الظُهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوفٍ ولا مطرٍ ـ قال قلتُ لإبن عباس لِم فعل ذلك قال: كي لا يحرج أُمّتَهُ(2) .

ومّما يدّلك أخي القاريء أن هذه السنّة النبّوية كانتْ مشهورة لدى الصحابة ويعملون بها، مارواه مسلم أيضاً في صحيحه في نفس الباب قال: خطبنا إبن عباس يوما بعد العصر حتى غَرُبت الشمسُ وبدت النجوم وجعل النّاس يقولون الصّلاة الصلاّة، قال فجاءه رجل من بني تميم لايفترولا ينثني الصلاّة الصلاة فقال إبن عباس: أتعلمني بالسنّة لا أمٌ لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي رواية أخرى قال إبن عباس للرجل: لا أم لك أتعلّمنا بالصلاة وكّنا نجمعُ بين الصّلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(3) .

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه(4) في باب وقت المغرب قال: حدّثنا آدم قال حدّثنا شعبة قال حدثنا عمرو إبن دينار قال سمعتُ جابر بن يزيد عن إبن عباس قال: صلّى النبي صلى الله عليه ؤآله وسلم سبعا جميعاً وثمانية جميعاً.

كما أخرج البخاري في صحيحه(5) في باب وقت العصر قال سمعتُ أبا

____________

(1) صحيح مسلم 2 / 151 (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)

(2) صحيح مسلم 2 /152.

(3)صحيح مسلم 2 / 153 (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر).

(4)صحيح البخاري 1 /140 (باب وقت المغرب).

(5)صحيح البخاري 1 / 138 (باب وقت العصر).


الصفحة 214
إمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر ثم خرجنَا حتّى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصرَ فقلتُ ياعمّ ماهذه الصّلاة التي صلّيت قال العصْرُ وهذه صلاة رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم التي كنْا نصلّي معه.

ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك على الشيعة، وقد حدث ذلك مرة في تونس، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنّع علينا ويُشهّر بنا وسط المصلّين قائلاً: أرأيتم هذا الدّين الذي جاؤوا به إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلّون العصر، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً وما ترك شيئاً إلا وشتم به المستبصرين.

وجاءني أحد المستبصرين وهو شاب على درجة كبيرة من الثقافة وحكي لي ماقاله الإمام بألم ومرارة، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبت منه أن يطلعه على صحة الجمع وهو من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنني لا أريد الجدال معه فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسب والتهم الباطلة ـ والمهم إن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفه فبعد إنتهاء الصلاة جلس ألإمام كعادته للدرس فتقدم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين فقال: إنها من بدع الشيعة، فقال له صديقي: ولكنها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم فقال له: غير صحيح فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين ـ يقول صديقي فلما صدمته الحقيقة أمام المصلين الذين يستمعون لدروسه، أغلق الكتب وأرجعها إلي قائلا: هذه خاصة برسول الله وحتى تصبح أنت رسول الله فبإمكانك أن تصليها، يقول هذا الصديق فعرفت إنه جاهل متعصب وأقسمت من يومها أن لا أصلي خلفه(1) .

____________

(1) يحكى أن رجلين خرجا للصيد ولقيا سواداً، بعيدا فقال الأول إنه غراب وعانده الثاني بأنه عنزة وتعاندا وأصر كل منهما على رأيه ولكنهما عندما إقتربا من السواد فإذا به غراب إنزعج وطار هاربا فقال الأول: ألم أقل لك بأنه غراب هل إقتنعت الآن ولكن صديقه أصر على رأيه وقال: سبحانه الله عنزة تطير ؟


الصفحة 215
بعد ذلك طلبت من صديقي بأن يرجع اليه ليطلعه على أن إبن عباس كان يصلي تلك الصلاة وكذلك أنس بن مالك وكثير من الصحابة فلماذا يريد هو تخصيصها برسول الله، أو لم يكن لنا في رسول الله إسوة حسنة ؟ ولكن صديقي إعتذر لي قائلا: لا داعي لذلك وإنه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وإنه والحمد لله وبعد أن عرف كثير من الشباب هذه الحقيقة وهي الجمع بين الصلاتين رجع أغلبهم الى الصلاة بعد تركها لأنهم كانوا يعانون من فوات الصلاة في وقتها ويجمعون الأوقات الأربعة في الليل فتمل قلوبهم، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون على إداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنون، وفهموا قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كي لا أحرج أمتي.


الصفحة 216

الصفحة 217

السجود على التربة

أجمع علماء الشيعة على القول بأفضلية السجود على الأرض لما يروونه عن أئمة أهل البيت عليهم السلام قول جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أفضل السجود على الأرض».

وفي رواية أخرى:

«لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض غير مأكول ولا ملبوس».

وقد روى صاحب وسائل الشيعة عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: السجود على الأرض أفضل لأنه أبلغ في التواضع، والخضوع لله عز وجل ـ وفي رواية أخرى عن محمد بن الحسن بإسناده عن إسحاق بن الفضل: إنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن السجود على الحصر والبواري المنسوجة من القصب فقال: لا بأس، وأن يسجد على الأرض أحب إلى، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب ذلك، أن يمكن جبهته من الأرض، فأنا أحب لك ما كان يحبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


الصفحة 218
أما علماء أهل السنة والجماعة فلا يرون بأساً في السجود على الزرابي والفرش وإن كان عندهم أفضلية في الحصر.

وهناك بعض الروايات التي يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما تؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له خمرة مصنوعة من سعف يسجد عليها فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض عن يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت أني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك(1) (يقول مسلم: والخمرة هي السجادة الصغيرة مقدار ما يسجد عليها).

ومما يدلنا على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب السجود على الأرض، ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان فإعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبيحتها من إعتكافه قال: من كان إعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أمجد في ماء وطين من صبيحتها فلتسوها في العشر الأواخر والتمسوها بكل وتر فمطرت السماء في تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين(2) .

ومما يدلنا أيضا على إن الصحابة يفضلون السجود على الأرض. وذلك بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أخرجه الإمام النسائي في سننه في باب تبريد الحصى للسجود عليه ـ قال: أخبرنا قتيبة قال حدثنا عباد عن

____________

(1) صحيح مسلم 1 /168 (باب جواز غسل الحائض رأس زوجها).

سنن أبي داود 1 /68 (باب الحائض تناول من المسجد).

(2) صحيح البخاري 2 /256 (باب الإعتكاف في العشر الأواخر).


الصفحة 219
محمد بن عمرو عن سعيد بن الحرث عن جابر بن عبدالله قال: كنا نصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الظهر فأخذ قبضة من حصى في كفي أبرده ثم حوله في كفه الآخر فإذا سجدت وضعته لجبهتي(1) .

أضف الى كل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

«جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»(2) .

وقال أيضاً:

«جعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا»(3) .

فكيف يتعصب المسلمون ضد الشيعة لأنهم يسجدون على الأرض بدلا من السجود على الزرابي.

وكيف يصل بهم الأمر إلى تكفيرهم والتشنيع عليهم وقذفهم زورا وبهتانا بأنهم عباد الأصنام.

وكيف يضربونهم في السعودية لمجرد وجود التربة في جيوبهم أو في حقائبهم.

أهذا هو الإسلام الذي يأمرنا بإحترام بعضنا وعدم إهانة المسلم الموحد الذي يشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت وهل يعقل عاقل بأن الشيعي يتكبد تلك الأتعاب ويخسر تلك الخسائر ويأتي لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يعبد الحجارة كما يحلو للبعض أن يصوروه ؟

أفلا يعتقد أهل السنة والجماعة بقول الشهيد محمد باقر الصدر الذي نقلته في كتابي الأول «ثم إهتديت» عندما سألته عن التربة فقال: نحن نسجد لله على (1) سنن الإمام النسائي 2 /204 (باب تبريد الحصى للسجود عليه).

(2) صحيح البخاري 1 /86 (كتاب التيمم).

(3)صحيح مسلم 2 /64 (كتاب المساجد ومواضع الصلاة).


الصفحة 220
الأرض، فهناك فرق بين السجود على التراب. والسجود للتراب !

وإذا كان الشيعي يحتاط ليكون سجوده طاهرا ومقبولا عند الله قيمتثل أوامر رسول الله والأئمة الأطهار من أهل البيت وخصوصا في زماننا هذا الذي أصبحت فيه كل المساجد مفروشة بالزرابي الوفيرة وفي البعض بما يسمى(moquette). وهي مادة مجهولة الصنع لدى عامة المسلمين ولن تصنع في بلاد إسلامية ولعل البعض منها فيها ما لا يجوز السجود عليه أفيحق لنا أن ننبذ هذا الشيعي الذي يهتم بصحة صلاته، ونتهمه بالكفر والشرك بمجرد شبهة زائفة ؟

والشيعي الذي يهتم بأمور دينه وبخصوصا بصلاته التي هي عمود الدين فتراه ينزع حزامه وينزع ساعته لأن فيها حزاما من الجلد الذي لا يعلم منشأه وفي بعض الأوقات ينزع سرواله الإفرنجي ليصلي في سروال فضاض كل ذلك إحتياطا وإهتماما بتلك الوقفة العظيمة بين يدي الله لكي لا يقابل ربه بشيء يكرهه، أيستحق هذا منا الإستهزاء والنفور، أم يستحق الإحترام والإكبار ؟ لأنه عظم شعائر الله ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .

ياعباد الله إتقوا الله وقولوا قولا سديداً.

ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم، إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لك به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم (1) .

____________

(1) سورة النور آية 15.