النص
والاجتهاد - السيد شرف الدين ص
10
: - |
|
وأول ما
يلفت انتباهنا هو عنوان الكتاب ( النص والاجتهاد )
فماذا يراد بهذين اللفظين وما هو مقدار الصلة والتقابل
بينهما .
[ النص : ]
أصل النص في اللغة : أقصى الشئ
وغايته ثم سمي به ضرب من السير السريع . ونصصت الحديث
إلى فلان : رفعته إليه ( 1 ) .
[ وللنص معنيان ]
1 -
ان يكون في مقابل المجمل أو الغير الظاهر فيكون النص :
" ما دل على معنى غير محتمل للنقيض بحسب الفهم " ( 2 )
. وقال صاحب المعارج : " هو الكلام الذي يظهر افادته
لمعناه ولا يتناول أكثر مما هو مقول فيه " ( 3 ) .
وهذا المعنى لم يكن محط لنظر المصنف .
2 - النص :
المراد به الكتاب الكريم والسنة الشريفة بأقسامها
الثلاثة : أ - قول المعصوم . ب - وفعله . ج - وتقريره
.
|
(
1 ) راجع : الصحاح ولسان
العرب . |
(
2 ) مجمع البحرين ج 4 /
186 . |
(
3 ) معارج الأصول ص 105
( * ) . |
|
|
فقد أطلق على كل ذلك النص فإذا قيل عنده نص أي أحد
هذه الأمور وإذا قيل لم يكن عنده نص أي هذه الأمور
منتفية فيرجع معنى النص إلى انه : " الدليل الدال على
الحكم الشرعي والثابت عن الشارع من طريق القطع أو الظن
المعتبر سواء كان كتابا أو سنة " . وهذا هو مراد
المصنف كما هو واضح من ثنايا أبحاث الكتاب .
[
الاجتهاد : ]
والاجتهاد في اللغة مأخوذ من " الجهد "
بالضم بمعنى الطاقة وبالفتح بمعنى المشقة فهو بذل
الوسع والطاقة والقيام بعمل ما مع المشقة . وبهذا
المعنى استعمل في القرن الأول الإسلامي فالنصوص التي
قد وردت وتحدثت عن الاجتهاد بناءا على صحة تلك النصوص
فالمراد هو الاجتهاد اللغوي ولم يكن لهم اصطلاح خاص
غير المعنى اللغوي .
[ في الاصطلاح : ]
والاجتهاد في
اصطلاح علماء الأصول قد تعدد تعريفه عندهم : فقد عرفوه
: " انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي
الفرعي من الأصل فعلا أو قرة قريبة " كما عرفه البهائي
بذلك . وعرفه الغزالي بأنه : بذل المجتهد وسعه في طلب
العلم بأحكام الشريعة " . وعرفه ثالث : من انه "
الملكة التي يقتدر بها على ضم الصغريات لكبرياتها
لانتاج حكم شرعي أو وظيفة عملية شرعية أو عقلية " ( 2
) .
|
(
1 ) راجع كتب اللغة الصحاح
ولسان العرب .
( 2 ) الاجتهاد لبحر
العلوم والأصول العامة
للحكيم ، ومقدمة الكتاب للحكيم أيضا
. ( * ) |
|
|
وغيرها من عشرات التعاريف التي لا تتعدى انها شرح
للاسم وليست تعاريف لحقيقة الاجتهاد خصوصا بعد تطوره
واختلافه من زمن إلى آخر .
[ التأويل : ]
عرفنا فيما
سبق انه القرن الأول الإسلامي لم يستعمل الاجتهاد
كمصطلح خاص يغاير المعنى اللغوي بل يستعملونه في
المعنى اللغوي فقط . وهم يستعملون مكانه كمصطلح خاص
لفظ " التأويل " فالشخص الذي يرتكب مخالفة للكتاب أو
السنة ويراد أن يعتذر عنه أو يصحح عمله يقال له تأول .
وأمثلة ذلك كثيرة في الصدر
الأول :
منها : ان خالد بن
الوليد لما قتل مالك بن نويرة عامل رسول الله على
صدقات قومه اعتذر خالد عن فعله وقال للخليفة أبي بكر :
" يا خليفة رسول الله إني تأولت وأصبت وأخطأت " ( 1 )
.
ومنها : قول أبي بكر جوابا لعمر حين قال : " ان
خالدا زنى فارجمه " : " ما كنت أرجمه فانه تأول فأخطأ
" أو " هبه يا عمر ، تأول فأخطأ . . " ( 2 ) .
وهكذا
كانوا يعتذرون لجملة من الصحابة في أعمالهم كاتمام
الصلاة في حال السفر لعائشة وعثمان والحروب التي دارت
بين الصحابة ( 3 ) .
وتطور الاعتذار إلى حد صار إلى كل
جريمة ترتكب والمرتكب في نظرهم مسكوت عنه .
|
(
1 ) راجع ما يأتي ص 125 .
( 2 ) مقدمة مرآة العقول
ج 1 / 67 ، وما يأتي من الكتاب ص 124 .
( 3 ) صحيح مسلم باب
صلاة المسافر وقصرها ، وما يأتي من الكتاب ص 405 و
412 ( * ) . |
|
|
فقد اعتذر ابن حزم : عن أبي الغادية قاتل عمار ( رض
) من انه متأول مجتهد فحطي له أجر واحد ( 1 ) . مع ما
تواتر من قول النبي صلى الله عليه وآله في عمار انه "
تقتله الفئة الباغية " ( 2 ) .
بل تمادوا في الاعتذار
عن أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم في الجريمة التي
هزت السموات والأرض وهى قتله لسيد الوصيين عليه السلام
. اعتذروا لابن ملجم كما اعتذروا ليزيد بن معاوية في
قتله لسيد شباب أهل الجنة ريحانة الرسول صلى الله عليه
وآله وقرة عين الزهراء البتول الإمام الحسين سبط
الرسول عليه السلام ( 3 ) .
اعتذروا لهم انهم تأولوا
فأخطأوا فلهم أجر واحد . وإذا رجعنا إلى كتب اللغة في
معنى التأويل لرأيناهم يذكرون ان : التأويل هو بمعنى
التفسير . وتفسير ما يأول إليه الشئ ( 4 ) .
ولكن
المعتذرين استعملوه في غير معناه اللغوي بل في الأفعال
التي ارتكبت مخالفة للنصوص الصريحة ( 5 ) .
|
(
1 ) الفصل لابن حزم ، والإصابة ج 4 / 151 .
( 2 ) راجع
مصادر هذا الحديث في كتاب سبيل النجاة في تتمة
المراجعات .
( 3 ) المحلى لابن حزم ج 10 / 484 والجوهر
النقي لابن التركمان بذيل
سنن البيهقي ج 8 / 58 وتاريخ
ابن كثير ج 8 / 223 .
( 4 ) راجع كتب اللغة الصحاح
ولسان العرب .
( 5 ) راجع ما يأتي من أبحاث في الكتاب
، ومقدمة مرآة العقول
. ( * ) |
|
|
|