النص والاجتهاد - السيد شرف الدين  ص 429 : -

[ موقف أم سلمة في هذه الفتنة ]

ذكر أهل السير والأخبار - كما في ص 77 والتي بعدها من المجلد الثاني من شرح النهج الحميدي - : ان عائشة جاءت إلى أم سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا ابنة أبي أمية أنت أول مهاجرة من ازواج النبي ، وأنت أكبر أمهات المؤمنين ، وكان رسول الله يقسم لنا في بيتك ، وكان جبرائيل أكثر ما يكون في منزلك .

فقالت لها أم سلمة : لأمر ما قلت هذه المقالة فقالت عائشة : ان القوم استابوا عثمان ، فلما تاب قتلوه صائما في الشهر الحرام وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ، ومعي الزبير وطلحة ، فاخرجي معنا لعل الله يصلح هذا الأمر على أيدينا .

فقالت أم سلمة : انك كنت بالأمس تحرضين على عثمان ، وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك ألا نعثلا ، وانك لتعرفين منزلة علي عند رسول الله ؟ .
قالت : نعم .
قالت : أتذكرين يوم أقبل ونحن معه حتى إذا هبط من قديد ذات الشمال فخلا بعلي يناجيه فأطال ، فأردت ان تهجمي عليهما فنهيتك فعصيتني وهجمت عليهما ، فما لبثت أن رجعت باكية ، فقلت : ما شأنك ؟ .
فقلت : أتيتهما وهما يتناجيان ، فقلت لعلي : ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام ، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي ؟ . فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله علي وهو محمر الوجه غضبا فقال : ارجعي وراءك والله لا يبغضه احد من الناس الا وهو خارج من الإيمان . فرجعت نادمة ساخطة .

- ص 430 -

فقالت عائشة : نعم أذكر ذلك ( 647 )
قالت وأذكرك أيضا : كنت أنا وأنت مع رسول الله ، فقال لنا أيتكن صاحبة الجمل الأدب ( 1 ) تنبحها كلاب الحوأب فتكون ناكبة عن الصراط ؟ فقلنا نعوذ بالله وبرسوله من ذلك فضرب على ظهرك فقال : إياك أن تكونيها يا حميراء .
قالت أم سلمة : اما أنا فقد أنذرتك
قالت عائشة : أذكر ذلك ( 648 )
فقالت أم سلمة : واذكري أيضا يوم كنت أنا وأنت مع رسول الله في سفر له ، وكان علي يتعاهد نعل رسول الله فيخصفها . وثيابه فيغسلها ، فنقب نعله فأخذها يومئذ يخصفها وقعد في ظل سمرة ، وجاء أبوك ومعه عمر ، وقمنا إلى الحجاب ودخلا يحدثانه فيما أراد إلى أن قالا : يا رسول الله ، انا لا ندري أمد ما تصحبنا ، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا ليكون لنا بعدك مفزعا . فقال لهما : أما إني قد أرى مكانه ولو فعلت لتفرقتم عنه كما تفرق بنو إسرائيل عن هارون . فسكتا ثم خرجا ، فلما خرجا خرجنا إلى رسول الله فقلت له أنت وكنت أجرأ عليه منا : يا رسول الله من كنت مستخلفا عليهم ؟ . فقال : خاصف النعل فنزلنا فرأيناه عليا فقلت : يا رسول الله ما أرى الا عليا . فقال صلى الله عليه وآله : هو ذاك .
قالت عائشة : نعم اذكر ذلك .
فقالت لها أم سلمة : فأي خروج تخرجين بعد هذا يا عائشة . فقالت : انما أخرج للإصلاح بين الناس ( 649 ) .

  ( 647 ) حديث مناجات الرسول صلى الله عليه وآله مع علي عليه السلام ومجيئها اليهما يوجد في :
( 1 ) الأدب : الجمل الكثير الشعر ( منه قدس ) .
( 648 ) سوف يأتي هذا الحديث مع مصادره .
( 649 ) مجئ عائشة إلى أم سلمة وطلبها الخروج معها يوجد ف
ي : =>
 
 

- ص 431 -

وجاءتها أم سلمة بعد هذا - فيما رواه أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة في كتابه المصنف في غريب الحديث - فنهتها عن الخروج بكلام شديد جاء فيه : ان عمود الإسلام لا يثأب بالنساء ان مال ، ولا يرأب بهن ان صدع حماديات النساء غض الأطراف ، وخفر الأعراض ، ما كنت قائلة لو أن رسول الله عارضك في بعض هذه الفلوات ، ناصة قلوصا من منهل إلى آخر ؟ والله لو سرت مسيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس ، لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا ضربه علي ، إلى آخر كلامها ( 650 ) الذي لم تصغ إليه عائشة .

وحينئذ كتبت أم سلمة إلى علي عليه السلام من مكة . أما بعد : فان طلحة والزبير وأشياعهم أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة ومعهم عبدالله بن عامر ، يذكرون أن عثمان قتل مظلوما والله كافيهم بحوله وقوته ، ولولا ما نهانا الله عن الخروج ، وأنت لم ترض به لم أدع الخروج اليك والنصرة لك ، ولكني باعثة اليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن أبي سلمة يشهد مشاهدك فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا ، فلما قدم عمر على علي أكرمه ، ولم يزل معه حتى شهد مشاهده كلها ( 651 ) .

  => المعيار والموازنة للاسكافي المعتزلي ص 27 - 29 ، الغدير ج 2 / 319 وج 9 / 83 .
( 650 ) وقد أورده بتمامه علامة المعتزلة ابن أبى الحديد في ص 79 من المجلد الثاني من شرح النهج ، وفسر ثمة ألفاظه الغريبة فراجع . وقد أبلت أم سلمة بكلامها هذا البلاء الحسن من النصح لله تعالى ولرسوله وللأمة ولعائشة بالخصوص وجاهدت به في سبيل الله أتم الجهاد وأفضله ، وشتان بين جهادها وجهاد تلك ( منه قدس ) . وقريب منه في : تذكرة الخواص ص 65 . ( 651 ) المعيار والموازنة للاسكافي ص 30 ، الكامل في التاريخ ج 3 / 113 ،
=>
 
 

- ص 432 -

[ موقف حفصة ]

أرسلت عائشة حفصة وغيرها من أمهات المؤمنين ( كما نص عليه غير واحد من اثبات أهل الأخبار ) تسألهن الخروج معها إلى البصرة ( 1 ) فما أجابها إلى ذلك منهن الا حفصة ، لكن أخاها عبدالله أتاها فعزم عليها بترك الخروج ، فحطت رحلها بعد أن همت ( 652 ) .
 

[ موقف الأشتر ]

وكتب الأشتر من المدينة إلى عائشة وهي بمكة : أما بعد فانك ظعينة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد أمرك أن تقري في بيتك ، فان فعلت فهو خير لك ، وان أبيت الا أن تأخذي منسأتك ، وتلقي جلبابك ، وتبدي للناس شعيراتك قاتلتك حتى أردك إلى بيتك ، والموضع الذي يرضاه لك ربك ( 653 ) . 

  => تاريخ الطبري ج 5 / 167 ، تذكرة الخواص ص 65 .
( 1 ) وكن حينئذ معتمرات كما كانت عائشة وطلحة والزبير ( منه قدس ) .
( 652 ) كما في ص 80 من المجلد الثاني من شرح النهج ( منه قدس ) . تاريخ الطبري ج 5 / 167 و 169 ، الكامل في التاريخ ج 3 / 106 . ( 653 )
 
 
 

مكتبة الشبكة

الصفحة التالية

الصفحة السابقة

فهرس الكتاب