القسم الثاني :
( 96
)
( 97
)
حدثني أبو زيد عمر بن شبة ،
قال : حدثنا حيان بن بشر ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : أخبرنا ابن أبي زائدة
، عن محمد بن اسحاق ، عن الزهري قال : بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا ، فسألوا رسول
الله صلى الله عليه وآله أن يحقن دماءهم ويسيرهم ، ففعل ، فسمع ذلك أهل فدك ،
فنزلوا على مثل ذلك ، وكانت للنبي صلى الله عليه وآله خاصة لأنه لم يوجف عليها
بخيل ولا ركاب (1).
وروى أحمد بن اسحاق أيضا ،
أن رسول الله صلى الله عليه وآله ، لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل
فدك ، فبعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فصالحوه على النصف من فدك ،
فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق ، أو بعدما أقام بالمدينة ، فقبل ذلك منهم ،
وكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وآله خالصة له ، لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب
.
وقد روى أنه صالحهم عليها كلها
، الله أعلم أي الأمرين كان .
قال : وكان مالك بن أنس ،
يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو ابن حزم ، أنه صالحهم على النصف فلم يزل
الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن الخطاب وأجلاهم ، بعد أن عوضهم على النصف الذي كان
لهم عوضا من ابل وغيرها .
وقال غير مالك بن أنس : لما
أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال ، بعث أبا الهيثم بن التيهان ، وفروة بن
عمرو ، وحباب بن صخر ، وزيد بن
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 21 . الأموال : 9 عن يحيى بن سعيد . فدك :
3 . فتوح البلدان : 36 .
( 98
)
ثابت ، فقوموا أرض فدك ونخلها ، فأخذها عمر ودفع إليهم قيمة النصف الذي لهم ، وكان
مبلغ ذلك خمسين ألف درهم ، أعطاهم اياها من مال أتاه من العراق ، وأجلاهم الى
الشام (1).
حدثني محمد بن زكريا قال :
حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي . قال : حدثني أبي ، عن الحسين بن صالح بن حي
، قال : حدثني رجلان من بني هاشم ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال
: وقال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ، وحدثني عثمان بن عمران العجيفي ،
عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه
السلام .
وحدثني أحمد بن محمد بن يزيد
، عن عبد الله بن محمد بن سليمان ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن ،
قالوا جميعا : لما بلغ فاطمة ( عليها السلام ) ، اجماع أبي بكر على منعها فدك ،
لاثت خمارها ، وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها ، تطأ في ذيولها ، ما تخرم
مشيتها مشية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد
الناس من المهاجرين والأنصار ، فضرب بينها وبينهم ربطة بيضاء ، وقال بعضهم : قبطية
، وقالوا : قبطية بالكسر والضم ، ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء ، ثم مهلت
وطويلا حتى سكنوا من فورتهم ، ثم قالت :
ابتدئ بحمد من هو أولى
بالحمد والطول والمجد ، الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر بما ألهم ، وذكر خطبة
طويلة جيدة قالت في آخرها :
فاتقوا الله حق تقاته ،
وأطيعوه فيما أمركم به ، فإنما يخشى الله من عباده العلماء ، واحمدوا الله الذي
لعظمته ونوره يبتغي من في السموات والأرض إليه
____________
(1) ابن أبي الحديد 6 : 21 . معجم البلدان 4 : 238 . فدك : 31 فتوح
البلدان : 36 .
( 99
)
الوسيلة ، ونحن وسيلته في خلقه ، ونحن خاصته ، ومحل قدسه ، ونحن محبته في غيبه ،
ونحن ورثة أنبيائه .
ثم قالت : أنا فاطمة ابنة
محمد ، أقول عودا على بدء ، وما أقول ذلك سرفا ولا شططا ، فاسمعوا بأسماع واعية ،
وقلوب راعية ، ثم قالت : لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم
بالمؤمنين رؤوف رحيم (1) فان تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم ، وآخا ابن
عمي دون رجالكم ، ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني ، تقول في
آخره : ثم أنتم الآن تزعمون أني لا أرث أبي ، أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من
الله حكما لقوم يوقنون (2) أيها معاشر المسلمين ، ابتز ارث أبي أبى
الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك ولا أرث أبي ، لقد جئت شيئا فريا ، دونكما
مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمد ، والموعد القيامة
، وعند الساعة يخسر المبطلون ، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه
ويحل عليه عذاب مقيم (3) ، ثم التفتت الى قبر أبيها ، فتمثلت بقول هند
بنت اثاثة (4) :
قد كان بعدك أنباء وهيمنــة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
أبدت رجال نجوى صدورهـم * لمـا قضيت وحالت دونك الكتب
تجهمتنا رجال واستخف بنــا * إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب
قال : ولم ير الناس أكثر باك
ولا باكية منهم يومئذ ، ثم عدلت الى مسجد الأنصار ، فقالت : يا معشر البقية ،
وأعضاد الملة ، وحضنة الاسلام ، ما هذه الفترة عن نصرتي ، والونية عن معونتي ،
والغمزة في حقي ، والسنة في ظلامتي ، أما
____________
(1) سورة التوبة : 128 ، 129 .
(2) سورة المائدة : 50 .
(3) سورة هود : 39 .
(4) هند بنت أثاثة بن عبد المطلب . شاعرة من شواعر العرب أسلمت وبايعت النبي ( صلى
الله علهى وآله وسلم ) لها شعر في المعاجم . أعلام النساء 5 : 216 . الطبقات
الكبرى 2 : 331 . الدر المنثور : 536 . سيرة ابن هشام 3 : 43 ، 97 . نهاية الأرب
17 : 101 . معجم ما استعجم : 836 . الاعلام 9 : 102 .
( 100 )
كان رسول الله صلى الله عليه وآله ، يقول : المرء يحفظ في ولده ، سرعان ما أحدثتم
، وعجلان ما أتيتم ، الآن مات رسول الله صلى الله عليه وآله أمتم دينه ، ها إن موته
لعمري خطب جليل استوسع وهنه ، واستبهم فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض له ،
وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، أضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، واذيلت المصونة
، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وانبأكم بها قبل وفاته ، فقال : ( وما محمد إلا
رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقبلتم على أعقابكم ومن ينقلب على
عقبيه فلن يضر الله شيئا ، وسيجزي الله الشاكرين ) (1).
أيها بني قيلة ، اهتضم تراثي
أبي ، وأنتم بمرأى ومسمع ، تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدة والعدد ،
ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار ، باديتم
العرب وبادتهم الأمور ، وكافحتهم البهم حتى دارت بكم رحى الاسلام ، ودر حلبه ،
وخبت نيران لحرب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج ، واستوثق نظام الدين ،
أفتأخرتم بعد الأقدام ، ونكصتم بعد الشدة ، وجبنتم بعد الشجاعة ، عن قوم نكثوا
إيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم ، ( فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا
ايمان لهم لعلهم ينتهون ) (2).
ألا وقد أرى ان قد أخلدتم
الى الخفض ، وركنتم الى الدعة ، فجحدتم الذي وعيتم ، وسغتم الذي سوغتم ، ( وان تكفروا أنتم
ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ) (3) ألا وقد
قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم ، وهور القناة ، وضعف اليقين ،
فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر ، ناقبة الخف ، باقية العار ، موسومة الشعار ،
موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على
____________
(1) سورة آل عمران : 144 .
(2) سورة التوبة : 12 .
(3) سورة ابراهيم : 8 .
(
101 )
الأفئدة (1) فبعين الله ما تعلمون ،( وسيعلم الذين
ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ) (2).
حدثني محمد بن زكريا ، قال :
حدثنا محمد بن الضحاك ، قال : حدثنا هشام بن محمد ، عن عوانة بن الحكم ، قال : لما
كلمت فاطمة عليها السلام أبا بكر بما كلمته به ، حمد أبو بكر الله وأثنى عليه وصلى
على رسوله ثم قال :
يا خيرة النساء ، وابنة خير الآباء
، والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وما عملت إلا بأمره ، وإن
الرائد لا يكذب أهله ، وقد قلت فأبلغت ، وأغلظت فأهجرت ، فغفر الله لنا ولك ، أما
بعد فقد فعت آلة رسول الله ودابته وحذاءه الى علي عليه السلام ، وأما سوى ذلك فإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا
فضة ولا أرضا ولا عقارا ولا دارا ، ولكنا نورث الايمان والحكمة والعلم والسنة ،
فقد عملت بما أمرني ، ونصحت له وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب (3).
وروى هشام بن محمد ، عن أبيه
قال : قالت فاطمة ، لأبي بكر : إن أم أيمن تشهد لي ان رسول الله صلى الله عليه
وآله ، أعطاني فدك ، فقال لها : يا ابنة رسول الله ، والله ما خلق الله خلقا أحب
إلي من رسول الله صلى الله عليه وآله أبيك ، ولوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم
مات أبوك ، والله لأن تفتقر
____________
(1) سورة الهمزة : 7 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 211 . وقد اختصر الخطبة وتأتي بمجموعها في الملحقات كما
جاءت في كتاب السقيفة وفدك ـ لأبي بكر الجوهري .
(3) ابن أبي الحديد 13 : 213 .
لقد أجاب
المحققون والمحدثون على كلام أبي بكر ، وأن قوله هذا مفتعل على النبي الأعظم ( ص )
ومختلق على لسانه ( ص ) لأن جميع مفاهيم الاسلام والسنة المحمدية ظهرت واضحة على
عهد النبي ( ص ) فكيف لم يظهر هذا القول إلا بعد وفاته والناقل له هو وحده . . .
وهل أن النبي ( ص ) لا سمح الله أتى خلاف ما جاء به القرآن كما قالت واستشهدت بها
فاطمة ( ع ) من الآيات ، وكيف أخرج أبو بكر وبأي ديل وسنة ، آلة الرسول ودابته
وحذاءه من ضمن الأرث ودفعها الى علي ( ع ) .
وعلى حد
قول أبي بكر فان فاطمة الزهراء ( ع ) ورثت ايمان النبي ( ص ) وحكمته وعلمه وسنته ،
وأنها وارثه في جميع ذلك ، هل يمكن أن تدعي ما ليس لها بحق . . . كلا وألف كلا . .
. وهل يجوز لأبي بكر ان يقول في حق الصديقة الطاهرة : أغلظت فأهجرت ، فغفر الله
لنا ولك . . . اللهم اليك المشتكى واليك المصير .
(
102 )
عائشة أحب إلي من أن تفتقري ، أتراني أعطي الأحمر والأبيض حقه وأظلمك حقك ، وأنت
بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إن هذا المال لم يكن للنبي صلى الله عليه
وآله وسلم ، وإنما كان مالا من أموال المسلمين (1) يحمل النبي به
الرجال ، وينفقه في سبيل الله ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وليته كما كان يليه ، قالت : والله لا كلمتك أبدا ، قال : والله لا هجرتك أبدا ،
قالت : والله لأدعون الله عليك ، قال : والله لأدعون الله لك ، فلما حضرتها الوفاة
أوصت ألا يصلى عليها ، فدفنت ليلا ، وصلى عليها عباس بن عبد المطلب ، وكان بين
وفاتها ووفاة أبيها اثنتان وسبعون ليلة (2).
حدثني محمد بن زكريا . قال :
حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة ، بالأسناد الأول ، قال : فلما سمع أبو بكر خطبتها شق
عليه مقالتها فصعد المنبر ، وقال : أيها الناس ما هذه الرعة الى كل قالة ، أين
كانت هذه الأماني في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ألا من سمع فليقل ،
ومن شهد فليتكلم ، إنما هو ثعالة شهيده ذنبه ، مرب لكل فتنة ، هو الذي يقول :
كروها جذعة بعدما هرمت ، يستعينون بالضعفه ، ويستنصرون بالنساء ، كأم طحال أحب
أهلها إليها البغي ، ألا اني لو أشاء أن أقول لقلت : ولو قلت لبحت ، إني ساكت ما
تركت . ثم التفت الى الأنصار فقال : قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم ،
وأحق من لزم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنتم ، فقد جاءكم فآويتم
ونصرتم ، ألا إني لست باسطا يدا ولا لسانا على من لم يستحق ذلك منا .
ثم نزل ، فانصرفت فاطمة
عليها السلام إلى منزلها (3).
____________
(1) اتفقت كلمة المحدثين على ان ـ فدك ـ كانت خالصة لرسول الله ( ص
) فقط ، وانه منحها في السنة السابعة من الهجرة الى الصديقة الطاهرة ، فتصبح فدك
خارجة من الأرث ، فضلا عن أن الزهراء ( ع ) تصرفت بها الى حين وفاة النبي ( ص ) .
وهذه
الجملة من أبي بكر ان دلت على شيء فانما تدل على كذبه الصريح ، وانه كسائر كلماته
لم تكن منبعثة عن صدق وايمان .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 214 تفسير الرازي 8 : 125 . فدك : 46 .
(3) ابن أبي الحديد 16 : 214 .
(
103 )
حدثني محمد بن زكريا ، قال :
حدثني ابن عائشة ، قال : حدثني أبي ، عن عمه قال : لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم
قال : يا ابنة رسول الله ، والله ما ورث أبوك دينارا ولا درهما ، وانه قال : إن
الأنبياء لا يورثون ، فقالت ، أن فدك وهبها لي رسول الله صلى الله عليه وآله ، قال
: فمن يشهد بذلك ، فجاء علي بن أبي طالب عليه السلام فشهد ، وجاءت أم ايمن فشهدت
أيضا ، فجاء عمر بن الخطاب ، وعبد الرحمن بن عوف ، فشهد أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، كان يقسمها ، قال أبو بكر ، صدقت يا ابنة رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم وصدق علي ، وصدقت أم أيمن ، وصدق عمر ، وصدق عبد الرحمنن بن عوف ،
وذلك أن مالك لأبيك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ من فدك قوتكم ،
ويقسم الباقي ، ويحمل منه في سبيل الله ، فما تصنعين بها ، قالت : أصنع بها كما
يصنع بها أبي ، قال فلك علي الله أن أصنع فيها كما كان يصنع فيها أبوك ، قال :
الله لتفعلن قال : الله لأفعلن ، قالت اللهم اشهد ، وكان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع
إليهم منها ما يكفيهم ، ويقسم الباقي ، وكان عمر كذلك ، ثم كان عثمان كذلك ثم كان
علي كذلك فلما ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطع مروان بن الحكم ثلثها ، وأقطع
عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها ،
____________
(1) لما ولي عثمان أقطع فدكا الى مروان بن الحكم . سنن البيهقي 6 :
301 ، الغدير 7 : 195 . وأما في عهد عمر بن الخطاب فقد رد فدكا الى ورثة رسول الله
( ص ) فكان علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب يتنازعان فيها ، فكان علي
يقول : إ ن رسول الله ( ص ) جعلها في حياته لفاطمة ، وكان العباس يأبى ذ لك ويقول
: هي ملك رسول الله ( ص ) وأنا وارثه ، فكانا يتخاصمان الى عمر فيأبى ان يحكم
بينهما . الغدير 7 : 194 . تاج العروس 7 : 166 . الأموال لأبي عبيد : 11 البداية 5
: 288 . معجم البلدان 4 : 238 .
(2) لم يتسلم الامام امير المؤمنين ( ع ) في خلافته فدكا ، ولم يشتغل بها ولم يكن
لدينا ما يثبت ذلك ، وقد أجاب الامام الصادق ( ع ) عن عدم استرجاع علي ( ع ) ،
فدكا ، فقال : لأن الظالم والمظلومة قد كانا قدما على الله وأثاب الله المظلومة ،
وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئا قد عاقب الله عليه غاصبه وأثاب عليه المغصوب
منه .
وأجاب
الامام الكاظم ( ع ) فقال : لأنا أهل البيت لا يأخذ لنا حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو ـ
يعني الله عز وجل ـ ونحن أولياء المؤمنين ، انما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم
ولا نأخذ لأنفسنا ـ فدك : 193 .
(
104 )
وأقطع يزيد بن معاوية ثلثها ، وذلك بعد موت الحسن بن علي عليه السلام ، فلم يزالوا
يتداولونها حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته ، فوهبها لعبد العزيز ابنه ،
فوهبها ابنه عبد العزيز ، لابنه عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز
الخلافة ، كانت أول ظلامة ردها دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ،
وقيل : بل دعا علي بن الحسين عليه السلام فردها عليه .
وكانت بيد اولاد فاطمة عليها
السلام ، مدة ولاية عمر بن عبد العزيز ، فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم ،
فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها ، حتى انتقلت الخلافة عنهم ، فلما
ولي أبو العباس السفاح ، ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن ، ثم قبضها أبو جعفر
لما حدث من بني حسن ما حدث ، ثم ردها المهدي ابنه ، على ولد فاطمة عليها السلام ،
ثم قبضها موسى بن المهدي ، وهارون أهوه ، فلم تزل في أيديهم حتى ولي المأمون ،
فردها على الفاطميين (1).
حدثني محمد بن زكريا قال :
حدثني مهدي بن سابق ، قال : جلس المأمون للمظالم ، فأول وقعة وقعت في يده نظر فيها
وبكى وقال للذي على رأسه : ناد أين وكيل فاطمة ، فقام شيخ وعليه دراعة وعمامة وخف
تعزى ، فتقدم فجعل يناظره في فدك ، والمأمون يحتج علهى وهو يحتج على المأمون ، ثم
أمر أن يسجل لهم بها فكتب التسجيل وقرئ عليه ، فأنفذه ، فقام دعبل الى المأمون
فأنشده الأبيات التي أولها :
أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمـون هاشـم فدكــا
فلم تزل في أيديهم حتى كان
في أيام المتوكل ، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار ، وان فيها احدى عشرة نخلة
غرسها رسول الله صلى الله عليه وآله بيده ، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها ، فإذا
أقدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر
____________
(1) ابن أبي الحديد 16 : 216 .
( 105 )
فيصلونهم ، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل ، فصرم (1) عبد الله بن
عمر البازيار ذلك التمر ، ووجه رجلا يقال له بشران بن أبي امية الثقفي الى المدينة
فصرمه ، ثم عاد الى البصرة ففلج (2).
أخبرنا أبو زيد عر بن شبة ،
قال : حدثنا سويد بن سعيد ، والحسن بن عثمان ، قالا : حدثنا الوليد بن محمد ، عن
الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، أن فاطمة عليها السلام ، أرسلت الى أبي بكر تسأله
عن ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله
صلى الله عليه وآله بالمدينة ، وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل
محمد من هذا المال ، واني والله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
ولأعلمن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأبى أبو بكر أن
يدفع الى فاطمة منها شيئا ، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت
، وعاشت بعد أبيها ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها علي عليه السلام ليلا ولم ويؤذن
بها أبا بكر (3).
وأخبرنا أبو زيد ، قال :
حدثنا عمر بن عاصم ، وموسى بن اسماعيل ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الكلبي .
عن أبي صالح ، عن أم هاني ، أن فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك إذا مت ؟ قال : ولدي
وأهلي ، قال : فما لك ترث رسول الله صلى الله عليه وآله دوننا ؟ قال : يا ابنة
رسول الله ، ما ورث أبوك دارا ولا مالا ولا ذهبا ولا فضة ، قالت : بلى سهم الله
الذي جعله لنا ، وصار فيئنا الذي بيدك ، فقال لها : سمعت رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقول : إنما هي طعمه اطعمناها الله ، فإذا مت كانت بين المسلمين (4).
____________
(1) صرم النخل : جذه وقطعه .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 217 . فدك 58 .
(3) ابن أبي الحديد 16 : 217 . كشف الغمة 1 : 374 .
(4) ابن أبي الحديد 16 : 217 . فتوح البلدان : 38 . فدك : 34 . كنز العمال 3 : 13
. كشف الغمة 1 : 477 .
(
106 )
وأخبرنا أبو زيد قال : حدثنا
اسحاق بن ادريس ، قال : حدثنا محمد بن أحمد ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن
عائشة ، أن فاطمة ، والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله صلى الله
عليه وآله ، وهما حينئذ يطلبان أرضه بفدك ، وسهمه بخيبر ، فقال لهما أبو بكر : أني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا نورث ، ما تركناه صدقة ، أنما
يأكل آل محمد صلى الله عليه وآله من هذا المال ، واني والله لا أغير أمرا رأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه الا صنعته (1) قال : فهجرته
فاطمة فل تكلمه حتى ماتت (2).
وأخبرنا أبو زيد ، قال :
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن الفضل ، عن الوليد بن جميع ، عن
أبي الطفيل ، قال : أرسلت فاطمة الى أبي بكر : أن ورثت رسول الله صلى الله عليه
وآله ، أم أهله ؟ قال : بل أهله ، قالت : فما بال سهم رسول الله صلى الله عليه
وآله ؟ قال : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن الله أطعم
نبيه طعمة ، ثم قبضه ، وجعله للذي يقوم بعده ، فوليت أنا بعده ، أن ارده على
المسلمين ، قالت : أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله أعلم .
قلت : في هذا الحديث عجب ،
لأنها قالت له : أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وآله أم أهله ، قال : بل أهله ،
وهذا تصريح بأنه صلى الله عليه وآله موروث يرثه أهله ، وهو خلاف قوله : لا نورث ،
وأيضا فانه يدل على أن أبا بكر
____________
(1) كذب صريح ، وادعاء فارغ والدليل على هذا سيرته مع فاطمة
الزهراء عليها السلام فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العام السابع من
الهجرة منح بضعته الصديقة ، فدك ، فلماذا سلبه منها واغضب الصديقة .
ولأي الأمـور تدفــن ليلا * بضعة المصطفى
ويعفى ثراها
ألم يسمع
قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا فاطمة ، ان الله عز وجل يغضب لغضبك ،
ويرضى لرضاك ، مستدرك الصحيحين 3 : 153 . كنز العمال 7 : 111 . ذخائر العقبى : 39
. كفاية الطالب : 364 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 217 .
صحيح
البخاري 5 : 5 . صحيح مسلم 2 : 72 . مسند أحمد 1 : 6 . تاريخ الطبري 3 : 2 2 .
كفاية الطالب : 37 . سنن البيهقي 6 : 103 . الغدير 7 : 266 . كشف الغمة 1 : 374 .
( 107 )
استنبط من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ، أن الله أطعم نبيا طعمة أن يجري
رسول الله صلى الله عليه وآله عند وفاته مجرى ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، أو
يكون قد فهم انه عني بذلك النبي المنكر لفظا نفسه ، كما فهم من قوله في خطبته ، أن
عبدا خيره الله بين الدنيا وما عند ربه ، فاختار ما عند ربه ، فقال أبو بكر : بل
نفديك بأنفسنا (1).
وأخبرنا أبو زيد قال :
أخبرنا القعنبي قال : حدثنا عبد العزيز محمد ، عن محمد بن عمر ، عن أبي سلمة ، أن
فاطمة طلبت فدك من أبي بكر ، فقال : اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
يقول : إن النبي لا يورث ، من كان النبي يعوله فأنا أعوله . ومن كان النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ينفق عليه فأنا أنفق عليه ، فقالت : يا أبا بكر ، أيرثك بناتك
ولا يرث رسول الله صلى الله عليه وآله بناته ؟ قال : هو ذاك (2).
أخبرنا أبو زيد ، قال :
حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، قال حدثنا
البحتري بن حسان قال : قلت لزيد بن علي عليه السلام ، وأنا أريد أن اهجن أمر أبي
بكر : ان أبا بكر انتزع فدك من فاطمة عليها السلام فقال : إن أبا بكر كان رجلا
رحيما ، وكان يكره أن يغير شئيا فعله رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأتته فاطمة
فقالت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاني فدك ، فقال لها : هل لك على هذا
بينة ؟ فجاءت بعلي عليه السلام فشهد لها ، ثم جاءت أم ايمن فقالت : ألستما تشهدان
اني من أهل الجنة ، قالا : بلى : قال أبو زيد : يعني انها قالت لأبي بكر ، وعمر ،
قالت : فأنا أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطاها فدك ، فقال أبو بكر :
فرجل آخر وامرأة اخرى لتستحقي بها القضية ، ثم قال أبو زيد : وأيم الله لو رجع
الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي
____________
(1) ابن أبي الحديد 16 : 218 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 219 .
(
108 )
بكر (1).
وأخبرنا أبو زيد ، قال :
حدثنا محمد بن الصباح قال : حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل ، عن كثير النوار ،
قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام : جعلني الله فداك ، أرأيت أبا بكر
وعمر ، هل ظلماكم من حقكم شيئا ، أو قال : ذهبا من حقكم بشيء ، فقال : لا ، والذي
انزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل
، قلت : جعلت فداك أفأتولاهما ، قال : نعم ويحك ، تولهما في الدنيا والآخرة ، وما
أصابك ففي عنقي ، ثم قال : فعل الله بالمغيرة وبنان ، فأنهما كذبا علينا أهل البيت
.
أخبرنا أبو زيد قال : حدثنا
عبد الله بن نافع ، والقعنبي ، عن مالك عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن أزواج
النبي صلى الله عليه وآله أردن لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان الى أبي بكر
يسألنه ميراثهن ، أو قال ثمنهن ، قالت : فقلت لهن ، أليس قد قال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم : لا نورث ما تركناه صدقة (2).
وأخبرنا أبو زيد ، قال :
حدثنا عبد الله بن نافع والقعنبي ، وبشر بن عمر ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن
الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : لا يقسم ورثتي دينارا
ولا درهما ، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عيالي فهو صدقة .
قلت : وهذا حديث غريب ، لأن
المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الأرث إلا أبو بكر وحده (3).
____________
(1) ابن أبي الحديد 16 : 219 . معجم البلدان 4 : 239 . الصواعق
المحرقة الباب الثاني : 32 . فدك : 51 .
الحديث
مقدوح لوجود فضيل بن مرزوق الرقاشي فيه ، قال النسائي : ضعيف . وقال ابن حبان في
الثقات يخطئ ، وقال في الضعفاء : كان يخطئ على الثقات ، ويروي عن عطية العوفي
الموضوعات . تهذيب التهذيب 7 : 299 . ميزان الاعتدال 3 : 362 .
(2) ابن أبي الحديد 16 : 220 .
(3) ابن أبي الحديد 16 : 220 .