لمعاوية روايات في كتب الحديث والتّفسير،تلقّاها العلماء بالقبول بناءً على ثقافَة الكرسيّ التي تجعل الحاكمَ فوق كلّ اعتبار،وقد قام بأعمال مُنافية للإسلام تعمّدَ فيها جرْحَ مشاعر المُسلمين والاستخْفَاف بشخص النّبيّ صلى الله عليه وآله .والحقيقةُ المُرّة أنّ وضع الأحاديث على عهْد معاوية كان أعظمَ منْه في أيّ زمن سابق أوْلاحق،فإنّه أشِْرَفَ بنفْسه على ذلك،وقرّب الوضّاعينَ الكذّابين،وحاربَ الصّادقين الوَرعين.وعلى الرّغم من أنّ عُلماء الجرْح والتّعديل يُؤاخذون الرّواةَ على كلّ صغيرة وكبيرة،إلى درجة أنْ يُبطلُوا أهليّة الرّجل للرواية لأنّه قرأ كتابَ "المثالب"،فإنّهم تساهَلُوا مع مُعاويَة مع كلّ مُوبقَاته،وزادُوا على ذلك أنْ جعَلُوه مَحبّتَه والترضّيَ عنْه علامةً على الصّلابة في الدّين والتّمسّك بالسّنّة.وأنا مُوردٌ ههُنا شيئاً من رواياته ومعلّقٌ على ما جاء فيها متى تطلّب الأمر ذلك.
قال ابن قانع في المعجم [1]:حدّثنا عليّ بن محمّد أخبرنا أبو الوليد أخبرنا شعبة قال سعد بن إبراهيم أنبأني قال سمعت معبد الجهنيّ يقول كان مُعاويَة قلّما
حدّث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرهؤلاء الكلمات عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً يفقّهه في الدّين وإنّ هذا المالَ حُلْو خَضرٌ فَمَن يأخذْه بحقّه يباركْ له فيه وإيّاكم والتّمادُحَ فإنّه الذّبح.اهـ
لكنّ معاويةَ كانَ يحبّ التّمادُح،وقد سبقتْ قصّتُه مع عُبادةَ بن الصّامت في هذا المعنى[2].
وفي حلية الأولياء ج5ص162: حدّثنا مخلد [..] حدّثنا أبو عبد ربه قال سمعتُ مُعاويَة على منبَردمشْق يقُول سمعتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول إنّه لم يَبْقَ من الدّنْيا إلا بَلاء وفتْنةٌ وإنّمَا العملُ كالوعَاء إذا طاب أعْلاه طابَ أسفَلُه واذا خبُث أعلاهُ خبُثَ اسفله رواه الوليد بن مسلم.وعن عبّاس مثله.لم يروه عن مُعاويَة إلا أبو عبد ربه.حدّثنا محمّد بن علي[..] عن أبي عبد ربه قال سمعت مُعاويَة يقول سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول إنّ الله لا يُغلب ولا يُخلب ولا يُنبّأ بما لا يعْلم ومن يُرد الله به خيراً يفقّهه في الدّين.تفرّد به ثابت عن أبي عبد ربه حدّثنا مخلد بن جعفر حدّثنا جعفر الفريابيّ حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن حدّثنا محمّد بن شُعيب . وحدّثنا فاروق الخطابيّ [..]عن عبيدة عن أبي المُهاجر أنّه حدّثه عن مُعاويَة أنّه قال سمعت رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول إنّ رجلاً كان يعمل السّيّئات وقتل سبْعاً وتسْعين نفساً كلّها يقتل ظُلماً بغير حقّ فأتى ديرانيّاً فقال يا راهب إنّ الآخر لم يدع شيئا من الشرّ إلاّ قد عمله إنّه قتل سبعاً وتسعين نفسا كلّها قتل ظلماً بغير حقّ فهل له من توبة قال لا فضربه فقتله ثمّ أتى آخر فقال له مثل ما قال لصاحبه فقال ليس لك توبة فقتله ثم أتى آخر فقال له مثل ما قال لهما فردّ عليه مثل ما ردّا عليه فقتله أيضا ثم أتى راهبا آخر فقال له إنّ الآخر لم يدع شيئا من الشّرّ إلاّ قد عمله إنّه قتل مائة نفس كلّها ظلماً يقتل بغير حقّ فهل له من توبة فقال والله لئن قلت لك إنّ الله لا يتوب على من تاب إليه لقد كذبت ههنا دير فيه قوم متعبّدون فأْتهم فاعبد الله معهم فخرج تائباً حتّى إذا كان ببعض الطّريق بعث الله اليه ملَكاً فقبض نفسَه فحضرت ملائكةُ العذاب وملائكة الرّحمة فاختَصمُوا فيه فبعث الله اليهم ملَكاً فقال لهم أيّ الدّيرين كان أقرب فهو منهم فقاسوا ما بينهما فوجدوه أقرب الى دير التّوابين بقيس أنملة فغفر الله له تفرّد به عبيدة بن عبد ربه عن مُعاويَة ورواه جماعة عن قتادة عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري ورواه ابن عائذ عن المقدام بن معدي كرب ورواه ابن أنعم عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو ورواه ابن لهيعة عن عبيدالله بن المغيرة .
وفي حلية الاولياء ج6 ص128 : حدّثنا عليّ بن أحمد [..] ربيعة بن يزيد عن مُعاويَة بن أبي سُفْيان وعبدالله بن عمرو أنّهما سمعا رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول لا قُدّستْ أُمّةٌلا يُقْضَى فيها بالحقّ فيأخذ ضعيفها حقَّهُ من قويّها غير مُتَعتَع،رواه بقيّة عن سعيد عن يونس بن ميسرة عن مُعاويَة وعبدالله مثله مرفوعاً.أهـ
قلتُ:لوْ لمْ يَرْوِ معاويةُ هذا الحديث لكان خيراً له،فإنّه جَسّد عُلُوّ فرعون في الأرْض،ودَفَنَ النّاس أحياء،وسلّط المجرمين على المؤمنين،وجعل من المنابر التي يُفْتَرَضُ أن تَبُثّ الخيْر وتَدْعُوَ إليه، محطّات تبثّ لعن أولياء الله تعالى وأحبّاءه.فمتى أخذ الضعيف حقّه من القويّ في دولة معاوية؟!
وفي أبجد العلوم ج1ص360 :في حديث مُعاويَة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم نهى عن الأغلوطات رواه أبو داود.
وفي الأدب المفرد[3]: حدّثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن يزيد بن زياد عن محمّد بن كعب القرظي قال مُعاويَة بن أبي سُفْيان على المنبر إنّه لا مانع لما
أعطيْت ولا مُعطيَ لما منع الله ولا ينفع ذا الجدّ منه الجدّ ومَنْ يُرد الله به خيرا يفقهه في الدين سمعت هؤلاء الكلمات من النّبيّ على هذه الأعواد.اهـ
وفي مقدمة ابن الصلاح (ص171):في حديث يُروى عن مُعاويَة بن أبي سُفْيان قال لعن النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم الذين يشقّقون الخُطب تشقيق الشّعر.ذكر الدّارقطني عن وكيع أنّه قاله مرّة بالحاء المهملة وأبو نعيم شاهد فردّه عليه بالخاء المعجمة المضمومة . .
وفي تاريخ خليفة [4]:أخبرنا أبو داود قال : أخبرنا زهير عن أبي إسحاق قال:قال عبد الله بن عتبة:تُوفّي رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم وهو ابن ثلاث وستّين فقال
عامرُبْنُ سعْد:حدّثني جريرقال:كنّا عند مُعاويَة فقال: توفّي النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وهوابن ثلاث وستّين.حدّثنا أبو أحمد وسلم بن قتيبة قالا : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي المظفر عن الشعبي عن مُعاويَة بن أبي سُفْيان : قال توفي النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وهوابن ثلاث وستّين سنة.اهـ
إن يكن مُعاويَة قد قال هذا الكلام في حياة العبّاس بن عبد المطلب وغيره ممن حضروا ولادة النّبيّ صلى الله عليه وآله ففي كلامهم ما يُغني عن كلامه،فإنّهم شَهدوا ولمْ يشهدْ،لأنّه وُلد قبل الهجرة بعشرين سنة،وكان عمر النّبيّ صلى الله عليه وآله يومَها ثلاثاً وثلاثين سنةً فلا يُمكن أن تكُون شهادتُه شهادةَ عيان. وإن يكن قد قال هذا الكلام بعد وفاة العبّاس وغيره،فإنّما هوتحصيل حاصل لأنّ النّاس كانوا قد عرفوا تفاصيل حياة النّبيّ صلى الله عليه وآله في حياته من طرف شهود لا تُردّ شهادتهم أمثال حليمة السّعدية ظئره صلى الله عليه وآله والشّيماء أخْته من الرضاعة وفاطمة بنت أسد[5] رضي الله عنها التي ربّته حتّى إنّه كان يسميها أمّه،والعبّاس عمّه وجماعة كثيرة ،فأين
كلامُ مُعاويَة من كلام هؤلاء؟!
وبالمُناسبة فقد حَرص بعض السّذّج أن يجعلوا بين وفاة النّبيّ صلى الله عليه وآله ووفاة أبي بكرشَبَهاً فزعمُوا أنّ أبا بكرأيضاً تُوفّي وعُمره ثلاثٌ وستّون سنة،لكنّهم روَوْا بعد ذلك أموراً يحارُ لَهَا اللّبيب،ففي تاريخ خليفة[6]: عن ابن أبي عديّ عن حبيب بن الشّهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصمّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم
قال لأبي بكر:أنا أكبرُ أمْ أنت ؟ قال:بل أنت أكبرُ وأكْرم وخيْر،وأنا أسنُّ منْك.وكانت ولايته [ يعني ولاية أبي بكر] سنتين وثلاثة أشْهُروَعشْرينَ يوما ويقال عشرة أيام.(اهـ)!وهذا كلام عجيب لأنّه إذا كان أبو بكر أسنَّ من النبيّ صلى الله عليه وآله فكيف يكونُ عُمرُهُ يومَ وفاته ثلاثاً وستّين وقد بقيَ بعْد النّبيّ صلى الله عليه وآله سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوما؟!والحالُ أنّه على فرْض كوْنهما وُلدا في سَنَة واحدة يكونُ أبو بكر يومَ وفَاته قد تجاوز الخامسة والستين.!!
ولمُعاويَة مثلُها في وفاة عمر:ففي تاريخ خليفة [7]: أبو داود[..] عن جرير عن مُعاويَة قال:مات عُمَرُوِهُوَابنُ ثلاث وستّين.وروى أبو أحمد وسلم عن يونس بن
أبي إسحاق عن أبي السفرعن الشّعبيّ عن مُعاويَة مثله.اهـ
ونفس الكلام في الطبقات [8]ـ وفي الإسناد حريزُ بن عثمان النّاصبيّ المشهورالذي كان يلعن عليّاً عليه السلام قبل الخروج من المسجد سبعين مرّة ويقول لا أحبّه
قتل آبائي ـ:أخبرنا يحيى بن عبّاد قال أخبرنا شعبة قال أخبرني أبو إسحاق عن عامر بن سعد عن حريزأنّه سمع مُعاويَة يقول توفي عمر وهو ابن ثلاث وستين.اهـ
وبعد،فإنّ الموت في الثّالثة والسّتّين ليس فضيلة بنفسه،والإنسان لا يختارُيومَ وفاته،فالمسيحيّ يموت في الثالثة والسّتّين واليهوديّ يموت في الثّالثة والسّتّين والبوذيّ يموت فيها والعلمانيّ أيضاً ومَنْ لا دينَ له.وهذا نُوحٌ لعلّه تجاوزالألف،وإبراهيم تجاوزالثّمانين وزكريّا بلغ من الكبرعتيّا،ويعلمُ الله عُمُريعقوب بن إسحاق يوْمَ وفاته وقد حكى القرآن قول أولاده " إنّ لهُ أباً شيخاً كبيراً....." فلماذا كل هذا الحرْص والتّركيزعلى الثالثة والسّتّين؟!
وكان من كلام معاوية كما في شرح النهج[9]:فإن تركْتُم شيْخَنا هذا يموتُ على فراشه وإلاّ خرجَ منْكم ولا ينْفَعُكُم سبْقُكم وهجْرتُكم.فقال له عليّ عليه السلام ما
أنت وهذا يا بن اللّخناء!فقال مُعاويَة مهلاً يا أبا الحسن عن ذكْر أمّي،فما كانت بأخسّ نسائكُم![10]ولقدْ صافَحَها النّبيّ صلّى الله عليه يومَ أسلمَتْ ولمْ يُصافح امْرأةً
غيْرَها،أمَا لَوْ قَالَها غيْرُك!فنَهَضَ عليٌّ عليه السلام ليخْرُجَ مُغْضَباً فقال عُثمان:اجْلسْ،فقال له:لا أجْلسُ،فقال:عَزَمْتُ عليك لتجْلسَن،فأبَى ووَلّى فأخذَ عُثْمانُ طرَفَ ردائه فتَرَكَ الرّداءَ في يَده وخَرجَ،فأتْبَعَهُ عُثمانُ بَصرَه،فقالَ والله لا تَصلُ إليْك ولا إلى أَحَد من ولدك[11].(اهـ)والمقصودُ هُنا القوْلُ المنسوبُ إلى مُعاويَة "ولقد
صافحها رسول الله صلى الله عليه يومَ أسلمتْ ولم يصافح امْرأة غيرَها " وفيه تُهْمةٌ كبيرة للنّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم فإنّ مُصافحة الأجنبيّة حرام باتّفاق العلماء،ولا يُمكن لمُعاويَة أن يتفوّه بمثل هذا وقد كان غائباً حين أسلمتْ أمّه يوم فتْح مكّة!! فالكلامُ لا يعْدُوأنْ يكون زيادةً من الرّواة النّواصب الذين لم يَجدُوا مطْعناً في عليّ عليه السلام فراحُوا يمْدَحون أعداءه باخْتلاق ما لا يَكُون ولوْ على حساب النبيّ صلى الله عليه وآله وحساب قيَم الإسْلام.وإذا كان النبيّ صلى الله عليه وآله لم يتحمّل النظرإلى وحشيّ قاتل حمزة فكيف يتحمّل من مَضَغَتْ كَبدَه ولاكَتْهَا ويخُصُّهَا بالمصافحة من بين سائر النساء،فَوَيْلٌ لَهُمْ ممّا كَتَبَتْ أيْديهمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ ممَّا يَكْسبُون.
وفي كتاب العقل[12]:حدّثنا خلف بن هشام البزّار قال حدّثنا بقيّة بن الوليد عن خليد عن مُعاويَة رحمه الله قال قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم النّاسُ يَعْملُونَ بالخَيْرعَلَى
قَدْر عُقُولهم.
وفي هذا شهادة من معاوية على نفسه بنقصان عقله،فإنّ حَظَّهُ من الخَيْرحظُّ الأعمى من النّور،وقد قال عليّ عليه السلام فيه وفي أصحابه " صحبْتُهُم صغاراً وكباراً فكانوا شرّ صغار وشرّ كبار".
وفي كتاب ذمّ المسكرلابن أبي الدّنْيا( ص61):حدّثني عمْرو النّاقد[..] يعلى بن شدّاد قال سمعت مُعاويَة بن أبي سُفْيان يقول سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول ألا إن كلّ مسكر حرام على كلّ مسلم .اهـ
قال الدّكتور عجيل جاسم النّمشي[13]:وعن مُعاويَة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قال " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثمّ إذا شربوا فاجلدوهم ثمّ إذا شربوا الرّابعة
فاقتلوهم " رواه الخمسة إلا النّسائيّ . قال التّرمذيّ : إنّما كان هذا في أوّل الأمر ثمّ نُسخ بعده ، هكذا روى محمّد بن إسحاق عن محمّد بن المنكدر .
وروى أحمد بن حنبل في مسنده [14]عن عبد الله بن بُرَيدة قال:دخلت أنا وأبي على معاوية فأجلسنا على الفرش،ثم أتينا بالطعام فأكلنا،ثم أُتِينا بالشّراب
فشربَ معاوية ُثمّ ناول أبي ثمّ قال:ما شربتُه منذُ حرّمه النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال معاوية كنت أجمل شباب قريش وأجوده ثغراً وما شيء كنت أجد له لذّة كما كنت أجده وأنا شابّ غير اللّبن أو إنسان حسن الحديث يحدّثني.قال الحافظ الهيثمي في (مجمع الزوائدج5ص42):" رجاله رجال الصحيح ".
وسيأتي في فصل "موقف مُعاويَة من السّنّة "الحديث عن اعتراض أبي الدّرداء روايا الخَمْرِ تُساقُ إلى مُعاويَة[15]،فإن كان مُعاويَة صادقاً في ما يَرْويه فلماذا
يسْتقْبلُ الرّوايا،وما باله يشربُ المحرّم كما في الحديث السابق؟!
وفي كتاب الآحاد والمثاني[16]:حدّثنا أبو بكر[..] عن جرير أنّه سمع مُعاويَة رضي الله تعالى عنه يخطب يقول توفّي النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وهو ابن ثلاث وستّين وأبو
بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما.اهـ
أقول:يموت الأنبياء وعُمُرأحدهم ثلاثٌ وستّون سنة ويموت الأولياء وعمر أحدهم ثلاث وستون ويموت الطّواغيت وعمر أحدهم ثلاث وستّون، فلا أدري ماذا يقصد مُعاويَة بهذا الكلام إنْ صحّ عنه!!وكذلك الشّأن بالنّسبة للولادة،والله كلّ يوْم هو في شأن،في كلّ يوم يولَد للمُؤمنين وللمُشركين؛وإنّما تكون بَرَكَة يوْم الولادة ويوْم الوفاة إذا انضمّ إليها عملٌ صالحٌ واستقامةٌ في الدّين،والمتتبّع للتّراجم والسّيَر يجدُ مِن الصّالحين من وُلد في اليوم الذي وُلد فيه أحدُ الجبّارين،فلو كانَ اليومُ بذاته مُباركاً لعمّتْهُما البَرَكَةُ.ولعلّ مُعاويَة من أعلم النّاس بأنّ فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وآله ماتتْ واجدةً على الشّيْخيْن غاضبة عليهما متأذّيةً منْهُما،وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وآله " "من آذاها فقد آذاني" وقال أيضا:" من أغضبها فقد أغضبني ".
في كتاب السّنن الواردة في الفتن[17]:حدّثنا محمّد بن خليفة[..] عن أبي عبد ربه قال سمعت مُعاويَة يقول سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول لم يبْقَ من الدّنْيا إلاّ
بلاءٌ وفتنةٌ فأعدُّوا للبلاء صبراً.اهـ
ولا يفوتُ اللبيبَ ههنا أن يتذكّر أنّ الجزء الأكبر من البلاء المذكور قد جرى على يد معاوية، بدليل ما ذكره المدائني في كتاب " الأحداث " كما في شرح نهج البلاغة.[18]
وفي السنن أيضاً [19]:حدّثنا محمّد بن عبدالله [..] عن زيد بن أبي عتّاب قال قام مُعاويَة على المنبر فقال قال النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم النّاس تبع لقُريْش في هذا
الأمرخيارُهم في الجاهليّة خيارُهم في الإسْلام.اهـ
قلتُ إن صحّ هذا الحديث فإنّه يجرّد الخليفتين أبا بكْروعُمَر من الأفضلية التي فُرضت على المسلمين بالحديد والنار،فإنّ أبا سفيان نفسه يسمىّ تيماً وعديّاً أذلّ حيّ في قريش،وحديث دغفل المشهور[20] يضع الخليفة ابا بكر في "زمعات قريش" .
وفي الصواعق المحرقة [21]:روى الزبير بن بكارعن مُعاويَة قال أمّا أبو بكر فلم يُرد الدّنْيا ولم تُردْه وأما عُمَر فأرادتْه الدّنْيا ولم يردْها وأمّا نحْنُ فتمرّغْنا فيها
ظهراً لبطن.اهـ
قلتُ:إن كان معاوية يقصد بـ " نحن " نفسَه وبني أميّة فَقَولُه صحيح لا يدافعه أحدٌ،وإن كان يقصد كلّ مَنْ سِوَى أبي بكر وعُمر فغيْرُ صحيح،وقد حفظ النّاس قول عليّ بن أبي طالب في الدّنْيا " غرّي غيْري غُرّي غيْري طلّقتُك ثلاثاً ".وموقفُ علي بن أبي طالب عليه السّلام من الدّنْيا معلوم بغضّ النّظَرعنْ هذا القوْل أيضاً،ويكْفي في ذلك أنّ الطّرق الصوفيّة - باستثناء النقشبندية- كلّها تدّعي أنّ طريقتَها تتّصل بعليّ بن أبي طالب عليه السلام. وليس هُنا مجالُ مناقشة ذلك،وإنّما القصْدُ إيرادُ ما تواتَرعنْد أهْل العلم من إعْراض عليّ عليه السلام عن زخارف الدّنْيا؛ونحن لا نتوقّع من مُعاويَة أنْ يمدحَ عليّاً عليه السلام،ولكن كانَ الأوْلى به أنْ يقولَ " أنا " لا أن يقولَ " نحن " لأنّه هُو وأصحابُه قد تمرّغوا فيها فعْلاً، كما أنّ عليّا وأصحابَه زهدُوا فيها فعْلاً.على أنّ حبّ الدنيا لا ينْحَصر في المَال والمطْعم والمَسْكَن،فإنّ أعلى مراتب حبّ الدنيا حبُّ الرئاسة،ولم يكُن الشّيْخان (أبو بكروعمر) زاهديْن في الرّئاسة كما يدّعي معاوية؛وكيف يكون ذلك وقد اسْتَسْهَلا دُونَها تحريقَ بيْت فاطمة بنت النّبيّ صلى الله عليه وآله الذي عظّم الله حُرمته،وفيه المطهّرون بنصّ الكتاب العزيز.ومن استصغرشأنَ ذلك لم يفْقَهْ قولَه تعالى" وتَحْسبُونَهُ هَيّناً وَهوَعنْدَ الله عَظيمٌ ".فمعاويةُ إنّما أرادَ من الكلام السّابق تغييبَ زُهْد عليّ عليه السلام في ما تنافَسَ فيه غيْرُه،وإظهارَه بصُورة واحد من الحكّام بينما هُو منْ النّبيّ صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى.
وفي ما هو قريب من هذا المعنى تصبّ رواية كعب الأحبار كما في كتاب الفتن [22]:حدّثنا ضمرة [..] عن أبي العوّام عن كعب قال تدو خمس وعشرين بعد
وفاة نبيهم صلّى اللّه عليْه وسلّم ثُمّ تنشأُ فتنةٌ فيكونُ فيها قتلٌ وقتالٌ ثمّ يعودون في الأمن والطمأنينة حتى يكونوا في الاستواء كالدوامة يعني مُعاويَة ثم تنشأ فتنة يكون فيها قتل وقتال فإنّي أجدها في كتاب الله المظْلمة تلْوي بكل ذي كبر.اهـ
يسمّي كعب كتابه " كتاب الله " بعد أن أخبر الله تعالى في كتابه الكريم (القرآن العظيم)أنّ اليهود قد حرّفوا الكلم عن مواضعه،وقد شهد معاوية نفسه على كعب الأحبارهذا بالكذب[23] .وقال المحّقق بهامش الصفحة 490 من الجزء3 من سير أعلام النبلاء[24]:وما يحكيه كعْب عن الكُتُب القديمة فليس بحُجّة عند أحد من
أهل العلم ، ....وقال : وليس كل ما نُسب إليه في الكُتب بثابت عنه،فإنّ الكذّابين من بعده قد نسبُوا إليه أشياء كثيرةً لم يقُلْها وأخطأ مَنْ زعمَ أنّه خرج له البُخاري ومُسلم،فإنّهما لم يُسندَا من طريقه شيئاً منَ الحَديث وإنّما جرى ذكْرُه في " الصّحيحَين " عرضاً،وليْسَ يُؤْثَرُ عنْ أحد من المتقدّمين توثيقُ كعْب،إلاّ أنّ بعْض الصحابَة أثنى عليه بالعلْم.اهـ
والدليل على كذب كعْب أو مَن نَسب الحديثَ إليه حديثُ سفينة " الخلافة ثلاثون سنة " في صحيح ابن حبان ج15 ص36 وتهذيب الكمال ج10ص378 والمعجم الكبير للطبراني ج1ص55 ومُسند ابن الجعد ص 479 ومسند ابن راهويه ج4ص164والآحاد والمثاني ج1ص116 وكتاب السّنّة لابن أبي عاصم ص549 وموارد الظمآن للهيثميّ ص369 والبداية والنّهاية ج3ص266.وإنّما أُريدَ من راء حديث كعب التّشكيكُ في خلافة عليّ عليه السلام وإضفاء الشّرعيّة على ملك معاوية.ولست أدري ما معنى قوله " ثمّ يعُودون في الأمن و الطمأنينة "؟!لأنّه إن كان يقصد مُدّة حكم معاوية فإنّها كانت أمناً وطمأنينةً على المُجرمين والمُلحدين وأعداء النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ وأمّا المؤمنون الصادقون فإنّهم لم ينْجوا من كيْد وسطْوة مُعاوية وزياد بن سميّة واستبدادهما.وكيف يُسمّى زمَنَ أمْن وطُمأنينَة زمَنٌ لا يستطيع المرْءُ فيه أنْ يسمّيَ ابنَه عليّاً تيمُّناً باسْم من يحبّ الله ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه.نعم، لقد خاف النّاس على أنفسهم وأهليهم فالتزموا الصمت،وصَمْتُ المُكْرَه غيْرُصَمْت الرّاضي؛والدّليل على ذلك انْدلاع الثّورات إثْر وفاة مُعاوية وقمْعُها بشدّة من طرف يزيد ابْنه بطريقة لا تزال تشوّه تاريخَ المسلمين إلى اليوم لا يرحضها شيء.
في كتاب الجهاد لعبد الله بن المبارك ص177:أخبرنا إبراهيم[..] عن أبي الأكدرعن عمربن الخطّاب رضي الله تعالى عنه قال تعلّموا المهَنَ فإن احتَاج الرّجل إلى مهنَتَه انْتفَع بها قال وحدّثنا أشياخُنا أنّ مُعاويَة بن أبي سُفْيان كان يقول ليرقعْ أحدُكم ثوبَه وليُصلحْه فإنّه لا جديدَ لمَن لا خَلق له.وفي مسند أبي داوود ص94:حدّثنا أبو داوود قال حدّثنا شعبة عن أبي عبد الله الشّاميّ قال سمعت مُعاويَة يخطب وهو يقول يا أهل الشّام حدّثني الأنصاريّ يعني زيد بن أرْقم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم قال لا يزالُ طائفةٌ من أمّتي يقاتلُون على الحقّ حتّى يأتي أمرُالله وإنّي أراكُمُوهُم يا أهلَ الشام(اهـ).قلتُ:هذا التطبيق داخلٌ في الكَذب على النّبيّ صلى الله عليه وآله ،فإنّه لا خلافَ بيْنَهم في أنّه قال في حقّ عمّار بن ياسر رضي الله عنْهما " تقتُلُه الفئة الباغيةُ "، وعليْه يكونُ أهلُ الشّام الفئةَ الباغيةَ.فكيف تكون الفئةُ الباغيةُ هي الطائفةَ التي لا تزالُ تُقاتلُ على الحقّ؟!
وفي الإتقان [25]:أخرج الترمذيّ عن مُعاويَة سمعتُ النّبيّ يقول " طلحةُ ممّنْ قضى نحبَه" (اهـ). وهذا يعارضُه ما واجَه به عُمربنُ الخطّاب طلحةَ حيث قال
له: إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تُوفّي وهو ساخط عليك للكَلمة التي قلت[26].ويصادره الواقع أيضاً فإنّ طلحة مات عاصياً يُحاربُ إمامَه بعد أن بايعه،وبيعة عليّ عليه
السلام كانت عن طواعية في المسجد لا في سقيفة.وقد سمّى النّبيُّ صلى الله عليه وآله جماعة الجمل " النّاكثين "ولا يكون النّاكث ممّن صدق ماعاهد الله عليه فإن النّكْث وصدْق العهْد لا يجتمعان أبداً.
وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1ص7: عن ابن علية عن رجاء بن أبي سلمة قال بلغني أنّ مُعاويَة كان يقُول عليكُم من الحديث بما كان في عهد عُمرفإنّه كان قد أخاف النّاس في الحديث عنْ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم(اهـ).لا تعليق!
وفي تلبيس إبليس لابن الجوزي ج1ص15:روى أبو داوود[27] في سُننه من حديث مُعاويَة بن أبي سُفْيان أنّه قام فقال ألا إنّ النّبيّ قام فينا فقال ألا إنّ مَنْ قبْلكم
من أهْل الكتاب افْتَرَقُوا على اثنتين وسبْعين ملّة وإنّ هذه الملّة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبعون في النّاروَوَاحدةٌ في الجنّة وهي الجماعة وإنّه سيخرج من أمّتي أقوامٌ تجارى بهم تلك الأهواءُ كما يتجارى الكلب بصاحبيه(اهـ).
أقول:إنّ الحسن والحسين وأمّهما وأباهما قطعاً في الجنّة،فهُم وأتْباعهم الفرقة الناجية؛فهل يكون معهم من سبّهم وشتَمَهم ولَعَنَهم وحَارَبَهم وقَتَلَهم؟! ثمّ أيّة جماعة يقصد معاوية؟جماعة فيها عليّ عليه السلام والحسنان،أم جماعة ليس فيها عليّ ولا الحسنان؟ إنّه ليس في وُسعنا إرضاء مُحبّي مُعاويَة على حساب النبيّ صلى الله عليه وآله ،فقد أخبرَ أنّ الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأنّ أباهما خيرٌ منهما،وأخْبرأيضاً أنّ عليّاً عليه السلام مع الحقّ والحقّ معه يدُورُمَعَهُ حيثُ دارَ،وأخبرَأنّ عليّاً عليه السلام مع القرآن والقرآن معه ولن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.ولمْ يألُ مُعاويَة جهداً في محاربته وسبّه ولعْنه،والمُنصفُ لايَرَى في ذلك إلاّ سبّ القرآن وسبّ الحقّ.وإذا أضفنا إلى ذلك حديثَ النّبيّ صلى الله عليه وآله " من سبّ عليّاً فقد سبّني ومَن سبّني فقد سبّ الله تعالى " تمّ النّصاب.فأيْن يكون محلّ الفئة الباغية من الإعراب في جملة الثّلاث وسبعين فرقة؟!
وفي صحيح البخاري[28]:حدّثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزّهري قال كان محمّد بن جبير بن مطعم يحدّث أنّه بلغ معاوية وهوعنده في وفْد من قريْش أنّ
عبد الله بن عمْرو بْن العاص يحدّث أنّه سيكون مَلكٌ من قَحطَان فغَضب معاوية فقام فأثْنى على الله بما هو أهْله ثمّ قال أمّا بعْد فإنّه بلغني أنّ رجالاً منْكم يتحدّثون أحاديث ليستْ في كتاب الله تعالى ولا تُؤثَر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأولئك جُهّالُكم فإيّاكم والأماني التي تُضلّ أهلها فإني سمعْتُ رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إنّ هذا الأمر في قريش لا يُعاديهم أحدٌ إلا كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين.اهـ
هذا الأمْر في قُريش كما يقول معاوية، لكنّه انتقلَ إلى الأتْراك والفُرس والمَغول...؛واقتتلتْ قُريش فيما بيْنها كلٌّ يريده لنفسه،ومعاوية نفسُه عادى خيرة قريش عترة النبيّ صلى الله عليه وآله وحارَبهم وسبَّهم وافْترى عليهم،فأين الحرجُ في أنْ يكون مَلكٌ من قحْطان؟! ثمّ إنّ عبد الله بن عمروبن العاص لم يقلْ ما قال تخْميناً وإنّما حدّثَ به،وأحاديثُه بعضُهاعن النّبيّ صلى الله عليه وآله وبعضُها عن أهْل الكتاب.فلماذا لم يتوجّهْ إليه معاويةُ شخصيّاً؟!ثمّ إنّ في ذيل الحديث الذي احتجّ به معاويةُ شرْطاً تجاهَلَه وهوالقُرشيُّ الفصيحُ والدّاهيةُ الفَطن،فالحديث يقول " ما أقاموا الدين "والقاعدةُ أنّه بانْتفاء الشّرط ينْتفى المشْرُوط.فإذا لم يُقيموا الدّين كان انْتقالُ الأمْرإلى قحْطانيّ أوغيْر قحطانيّ أمراً معقولاً لا غرابةَ فيه.ولعلّ هذه الحادثةَ تفسّر بعضَ ما كان يقومُ به معاويةُ من إيقاد نارالفتْنة بيْن العدْنانيّة والقحْطانيّة وإغْراء الشّعراء بهجاء القبائل.ثمّ ما معنى قول معاوية " لا تؤثرعن النّبيّ " ؟ فَمَتَى أحاطَ مُعاوية بكُلّ أحاديث النّبيّ صلى الله عليه وآله وهو الذي أسلم عام الفتح فى آخر حياة النبي صلى الله عليه وآله ؟!ومتى كان للطلقاء علم بالحديث؟ على أنّه لا يخفى على القارئ ما في كلام معاوية من تكذيب لعبد الله بن عمرو، فقد قال بصريح العبارة " بلغني أنّ رجالاً منْكم يتحدّثون أحاديث ليستْ في كتاب الله تعالى ولا تُؤثَر عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلم ”؛وإذا لم تكن الأحاديث في كتاب الله ولا تُؤثَرُعن النّبيّ فمن أين جاءت؟!ألا يتحرّج المسلمون بعد ذلك في أخذ الأحاديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص وقد اتّهمه معاوية صراحة باختلاق الأحاديث و نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله؟
قال ابن كثير[29]:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو المغيرة [..]عبد الله بن لُحَيّ، قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكّة، قام حين صلّى الظّهر فقال: إنّ
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملّةً،وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين ملّةً ـ يعني الأهواء ـ كلّها في النّارإلا واحدة ـ وهي الجماعة ـ وإنه سيخرج في أمّتي أقوام تُجَارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله» والله يامعشر العرب، لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم لغَيرُكُم من النّاس أحرى أن لا يقوم به،وهكذا رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل ومحمد بن يحيى، كلاهما عن أبي المغيرة واسمه عبد القدوس بن الحجاج الشامي به، وقد ورد هذا الحديث من طرق.
***
خيرُ ما يُفتتَح به هذا الفصل قول الحافظ الذّهبيّ عن إسحق بن راهويه أنّه قال[30]:" لا يصحُّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في فضل مُعاويَة شيء ". اهـ
والذّهبيّ غير متّهم في عَقيدَته في معاوية،بل هو معدُود في محبّيه والمدافعين عنه،وكذلك إسحاق بن راهويه شيخ البخاريّ.وللرّجلين في الرّواية والدّراية منزلة لا يستطيع الطّاعنون نفيَها ولوكان بعضُهم لبعض ظهيرا.وإذا ضممْنا إلى ذلك موقفَ النسائيّ وقوله المشهور تَمّ نصابُ شهادة أكثرمن اثنين من أولي الخبرة،فإنّ الذّهبيّ وإن كان في عَقيدته لا يضلّل مُعاويَة إلا أنّه لمْ يعقّب على كلام إسْحاق بن راهَويْه.وقد عقد ابن القيّم[31] في(نقد المنقول) " فصلاً خاصّاً بما وُضع في
فضائل مُعاويَة بن أبي سُفْيان فقال:ومن ذلك ما وضعَه بعضُ جهَلَة أهل السّنّة في فضائل مُعاويَة بن أبي سُفْيان.قال إسحاق بن راهَويْه لا يصحّ في فضائل مُعاويَة بن أبي سُفْيان عن النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم شيء.قلتُ[32]وَمُرادُه ومرادُ من قال ذلك من أهل الحديث أنّه لم يصحّ حديثٌ في مناقبه بخُصوصه وإلاّ فما عُلم عندي
في مناقب الصّحابة على العُموم ومناقب قُريْش فمُعاويَة رضي الله عنه داخل فيه.اهـ
وهذا التّعليق من طرف ابن القيّم من أعْجَب ما يُلاقيه الباحثُ، فإنّه لا يعدُو أن يكون تحصيلَ حَاصل،لأنّ إسحاق بن راهوَيْه ذكرَ مُعاويَة ولم يذكُرْ معه غيرَه،فما معنى قول ابن القيّم " في مناقبه بخُصوصه"؟! وأمّا ما يردُ في مناقب الصّحابة على وجه العُموم فإن لم يُشتَرطْ فيه الإيمان دخل فيه المُنافقون،وإن اشتُرط فيه الإيمان تعَيّنَ إثباتُ إيمَان مُعاويَة أوّلاً،وهوأمرٌ دونَه خرطُ القتاد بعد أن ثبتَ قول النّبيّ صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام:" لا يبغضُك إلاّ مُنَافق " ولا يختلفُ اثْنان في بغض مُعاويَة لعليّ عليه السلام.ومع ذلك، فإنّ بعض المحدّثين كانوا يشترطُون في من يأخُذُ عنهم أن يكون موقفُه من معاويةَ موقفَ المعظِّم المبجِّل .قال الخطيب البغدادي
[33]:سمعت غيرَ واحد يحكي عن أبي عمرالزّاهد أنّ الأشرافَ والكتّابَ وأهلَ الأدَب كانُوا يحضُرون عندَه ليسمَعُوا منه كُتُبَ ثعْلب وغيرَها وكان
له جزءٌ قد جمَع فيه الأحاديثَ التي تُروَى في فضائل معاوية[عِلْماً أنّه لا يَصحُّ في فضلِ مُعاويةَ شيءٌ] فكان لا يترك واحداً منهم يقرأ عليه شيئاً حتى يبتدئَ بقرَاءة ذلك الجُزء ثمّ يقْرأ عليْه بعدَه ما قصدَ لهُ.وكان جماعةٌ من أهْل الأدَب يطعَنُون على أبي عمر ولا يوثّقُونَه في علْم اللّغة حتى قال لي عبيدُ الله بن أبي الفتْح يُقال إنّ أباعمر لو كان طارَ طائرٌ لقالَ حدّثَنا ثعْلب عن ابن الأعْرابيّ ويذْكُرفي معنى ذلك شيئاً فأمّا الحديث فرأيْنا جميعَ شيُوخنا يوثّقونه فيه ويصدّقونه.(اهـ) وهذا الجَوزجَانيّ يَتّهم الحمانيّ لكَلمَته في معاوية؛قال الخطيب البغدادي[34]:حدّثنا عبد العزيز بن أحمد [..] حدّثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجانيّ قال يحيى بن عبد الحميد
ساقطٌ متلوّن تُركَ حديثُه فلا ينبعث(اهـ). وهذا موقف الذهبيّ من أبي بكر بن أبي دارم الكوفي إذ يقول[35]: مات أبو بكر[بن أبي دارم] في المحرّم سنة
اثنتين وخمسين وثلاث مئة وقيل سنة إحدى وخمسين قال الحاكم هو رافضيّ غير ثقة.وقال محمّد بن حمّاد الحافظ كان مستقيم الأمْرعامّةَ دهْره ثمّ في آخر أيّامه كانَ أكثرُ ما يُقرأ عليْه المثالبَ حضرْتُه ورجلٌ يقرأ عليه أنّ عمررفَس فاطمةَ حتّى أسقطت مُحسناً،وفي خبرآخرقولُه تعالى وجاء فرعون عُمَر ومن قبْله أبو بكْر والمؤتفكاتُ عائشةُ وحفصةُ فوافقتُه وتركتُ حديثَه.ُ قلتُ[36] شيخٌ ضالٌّ معثرٌ.[37]
نعم،كانَ مستقيمَ الأمرعامّةَ دهْره حتّى قُرئ عليه كتاب المثالب وانكشفت له مسرحية السقيفة،فسقطت عدالته فجأة!وأصبح في نظر الذّهبيّ شيخاً ضالاًّ معثراً.وهذه جملة من الأحاديث المفتعلة التي اختلقها أعداءُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليقدّموا من أخّره الله ويؤخّروا من قدّمه الله غافلين عن قوله تعالى " ومَنْ يُهن الله فَمَا لَهُ منْ مُكْرم".
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما[38] قال قال رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم أرحم أمّتي بأمّتي أبوبكروأقواهُم في دين الله عُمروَأشدُّهم حياءً عُثمان وأقضاهُم عليّ بن أبي
طالب ولكلّ نبيّ حواريّ وحواريّ طلحة والزّبير وحيثُما كان سعد بن أبي وقّاص كان الحقّ مَعَه وسعيدُ بنُ زيْد من أحبّاء الرّحمن وعبد الرّحمن بن عوف من تجّار الرّحمن وأبوعبيدة بن الجرّاح أمين الله وأمين رسول الله ولكل نبيّ صاحب سرّوَصاحبُ سرّي مُعاويَة بن أبي سُفْيان فَمَنْ أحبّهم فقدْ نَجَا ومنْ أبْغَضَهُم فقد هلكَ.خرجه الملا في سيرته(اهـ).
والمفروضُ أنّ الحديث يدور حول العشرة،لأنّ الفصل يتحدّث عنهم،وعنوان الكتاب يشير إليهم لاإلى غيرهم،وهم معلُومون عند الجمْهُور،أوّلهم أبوبكْر وبعدهُ عُمرثمّ عُثمان ثمّ عليّ عليه السلام ثمّ طلحة ثمّ الزّبير ثمّ سعد بن أبي وقّاص ثمّ سعيد بن زيد ثمّ عبد الرّحمن بن عوف ثمّ أبو عبيدة بن الجرّاح.فهؤلاء عشرة ليس فيهم أنصاريّ! فمن أين جاء اسم مُعاويَة ومَن الذي أقحمه في القائمة؟!إنّ هذا لايُناسبُ عنوان الفصل لأنّه يصرّح بعشرة،والمدْرَجُون في الحديث أحدَ عشرَ رجلاً!وبما أنّ أسماء العشرة معلومة عند المسلمين في بقيّة الكتب،وكلّهم من المهاجرين وليس معاوية من المُهاجرين إذْ لا هجْرةَ بعْد الفتْح ،فلا شكّ أنّ يدَ التّحريف قد امتدّت إلى الرّوايَة ـ على فرض ثبوتها ـ إمّا قديماً أو حديثاً،وليس هذا أوّل ما يشكّك في صحّة أحاديث الفَضائل.
وفي طبقات الحنابلة ج1ص347:أخبرني بركة الدّلاّل [..] مهنّا قال سألت أحمد عن مُعاويَة بن أبي سُفْيان فقال لَهُ صُحْبَة فقلت ومنْ أيْنَ هُو قال مكّيّ قَطَنَ الشّامَ.
وقال السّيوطيّ [39]:أخرج أحمد في مسنده عن العرباض بن سارية: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهمّ علّم مُعاويَة الكتاب والحساب وقه العذاب!
قلتُ:بَدَلَ التّعْليق،أُحبّذ للقارئ أن يتمعّن في البحث الذي جاء به حسن السّقاف في كتابه(تناقضات الألبانيّ) بخصوص هذا الحديث.
قال السّيوطيّ :وأخرج ابن أبي شيبة في المُصنّف والطّبرانيّ في الكبير عن عبد الملك بن عمير قال قال مُعاويَة ما زلتُ أطمَعُ في الخلافة منْذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا مُعاويَة إذا ملكْتَ فأحْسنْ.وكان مُعاويَة رجلاً طويلاً أبيضَ جميلاً مَهيباً وكان عُمَر ينظرُ إليْه فيقول هذا كسْرى العرب وعن عليّ قال لا تكْرَهوا إمْرة مُعاويَة فإنّكم لو فقدتُموه لرأيْتُم الرّؤوس تنْدرُعن كَوَاهلها.وقال المقبريّ تعجبُون من دهاء هرقْل وكسْرى وتَدَعُون مُعاويَة وكان يُضرَب بحلْمه المَثَل وقد أفردَ ابنُ أبي الدّنْيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفاً في حلم مُعاويَة. قال ابنُ عوْن كانَ الرّجل يقولُ لمُعاويَة والله لتستقيمَنَّ بنا يا مُعاويَة اولنُقوّمَنَّك فيقول بماذا فيقول بالخَشَب فيقول إذن نَستقيم.وقال قبيصة بنُ جابر صحبتُ مُعاويَة فما رأيتُ رجلاً أثقلَ حلْماً ولا أبْطأَ جهْلاً ولا أبْعد أناةً منْه.ولما بَعَث أبو بكْر الجُيوش إلى الشّام سارَ مُعاويَةُ مع أخيه يزيد بن أبي سُفْيان فلمّا مات يزيدُ استخلفَه على دمشْق فأقرّهُ عُمر ثُمّ أقرَّه عُثْمان وجَمعَ لهُ الشّام كلَّه فأقام أميراً عشرين سنةً وخليفةً عشرين سنة.قال كعبُ الأحْبار لن يَمْلكَ أحدٌ هذه الأمّة ما ملكَ مُعاويَة[40] قال الذّهبيّ تُوفّي كعب قبل أن يستخلف مُعاويَة قال وصدق كعب فيما نقله[41] فإن مُعاويَة بقي خليفة عشرين
سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض بخلاف غيره ممّن بعده فإنّه كان لهم مخالف وخرج عن أمرهم بعض الممالك وخرج مُعاويَة على علي .اهـ
أقول:إضافة إلى بطلان قول كعب وبطلان قول الذّهبيّ كما أشرت إليه بهامش الصفحة،فإنّ استدلال السّيوطيّ ومَن على شاكلته عجيبٌ حيث يركّزون على مسألة الخروج وعدم الخروج.أليس قد خرج مُسيلمة وغيره على النبيّ صلى الله عليه وآله ؟ فهل يقدَحُ ذلك في شرعيّة حُكْمه؟! وإنّما يُلام الخارجُ لا الحاكمُ الشّرعيّ.وإنّك لا تجدُ من عوامّ النّاس مَن يقْتَنع بما اقْتنَع به السّيوطيّ ومن ينْحُو نحوَه إذا تبيّن له الأمرعلى وجهه.وليتَنا كنّا نعلم شيئا عن إحساسات السّيوطيّ ووجدانيّاته حينما يقرأُ حديثَ النّبيّ صلى الله عليه وآله "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدُورمَعه حيثُ دار" وحديث "عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ".
وإليك كلاماً يزيد المؤمن بصيرة في دينه؛قال حسن بن عليّ السّقّاف في كتابه تناقضات الألباني[42]:حديث عميربن سعيد قال:لا تذكروا مُعاويَة إلا بخير فإنّي
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:" اللّهمّ اهْد به ".رواه التّرمذيّ في سُنَنه(ج5 ص687) وغيرُه.قلتُ:صحّحه الألبانيّ في(صحيح سنن التّرمذيّ ج3 ص236) فقال:(صحيح بما قبله)اه ! قلْتُ[43]:كلاّ والذي برأ النّسمة،فإنّه حديثٌ موضوعٌ لاشكَّ في ذلك فإنّ في سنده عمروبن واقد،وقد قال فيه الألبانيّ نفسه في ضعيفته[44]
(ج2ص341) متناقضاً:(وعمرُوبنُ وَاقد مترُوك كما في التّقريب)اه.وقال في صحيحته (ج1 ص458)عن طريق فيها عمروهذا:( فهذه طريق أخرى عن اسماعيل ولكنّها واهية فإنّ عمرو بن واقد متروك)اه.قلتُ:بلْ هو كذّاب كذّبه جماعة من الحفّاظ،ففي(تهذيب التهذيب) (ج8ص102) قال أبو مسهر:كان يكذب وقال البخاريّ وأبو حاتم ودحيم ويعقوب بن سُفْيان:ليس بشيء وكان مَرْوان يقول:عمروبن واقد:كذّاب وقال النّسائيّ والدّارقطنيّ والبرقانيّ:مترُوك الحديث . . وقال ابن حبّان:يقلّب الأسانيد ويروي المناكير عن المشاهير واستَحقّ التَّرك اه. فعلى الألبانيّ أن يضرب على هذا الحديث لأنّه موضوع وراويه كذّاب مترُوك وهو لا ينفع ولا يصلح في الشّواهد!(انتهى) كلام السّقّاف.
ومن أحاديث الفضائل:عن خارجة بن زيد عن أبيه مرفوعا[45]:يا أمّ حبيبة!للهُ أشدُّ حبّاً لمُعاويَة منْك كأنّي أراه على رفارف الجنّة . ،قال الذّهبيّ: خبرٌ باطلٌ
اتُّهم بوضْعه مُحمّد بن رجاء(اهـ).قلتُ: اللهُ أشدّ حبّاً لعليّ عليه السلام وأشدّ حبّاً لمعاوية،و"حبُّ المُتَعَادِيَيْن "هذا هُوَالذي حيّرَالعقولَ،إذْ يَسُوغ في شَرْعِه أن تحبَّ موسى عليه السلام وفرعونَ وإبراهيمَ عليه السلام ونمرودَ وجبرائيلَ عليه السلام وإبليس والإمام الخمينيّ رحمه الله تعالى وصدام حسين!وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا للنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ.
وقال ابن كثير في تاريخه [ج8ص122]،: ثُمّ ساقَ ابن عساكر أحاديثَ كثيرةً موضوعةً بلا شكّ في فضل مُعاويَة،أضربْنا عنْها صفْحاً،واكتفيْنا بما أوردْناه من الأحاديث الصّحاح والحسان والمُستَجادات عمّا سواها من الموضوعات والمُنكَرات (اهـ).
والحقّ أن ابنَ كثير يُغالِطُ وَكَأَنَّ الله لا يعلمُ كثيراً ممّايصنع،لأنّ التي يسمّيها صحاحاً مُستجادةً أيضاً لا يصحّ منها شيءٌ كما سبق بيانُه من قول أهل الفنّ وتدفعُها أحاديثُ صحيحةٌ واردةٌ في مدح عليّ عليه السلام وأهل بيته وذمّ مُعاويَة وأهل بيْته،وحاشا للنّبيّ صلى الله عليه وآله أن يكون في كلامه تناقُضٌ وهُو الذي لا ينطقُ عن الهَوى.ولكنّ ابنَ كثير شاميّ أُمَويّ الهَوَى،وشيخُهُ ابنُ تَيْميَة الحرّانيّ، ومَنْ يُشَابهْ شيخَهُ فما ظلم.
وقد ذهب بعضُهم إلى نسْبة أحاديثَ باطلَة إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ليُضْفُوا صبْغَة الشّرعيّة على مُلك مُعاويَة الذي سماه النّبيّ صلى الله عليه و آله مُلْكاً عَضُوضاً.ومنْ ذلك مارواه نعيم في الفتن[46]: حدّثنا محمّد[..] سُفْيان بن الليل قال سمعت حسن بن عليّ يقول سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم
يقول لا تذْهَبُ اللّيالي والأيّام حتى يجتَمعَ أمرُهذه الأمّة على مُعاويَة(اهـ).وهذاشيءٌ تأْبَاهُ القلوب المتبصّرة والضمائرالحيّةُ النّزيهَة،فإنّه لا أحدَ من المُنصفين بَقُول باجْتماع النّاس على مُعاويَة[47].كيْفَ وهو القائلُ في مسجد الكُوفة بعد صلح الحسن " وإنّما قاتلتُكم لأتَأمّرَ عليكم " وإذا كانَ النّاسُ قد اجتَمعُوا عليْه فما بالُهُ
يتتبّعُ شيعةَ عليّ عليه السلام في كلّ مكان ويتفنَّنُ في قتْلهم وتعْذيبهم لايُراعي فيهم صُحبَتَهُم النّبيّ صلى الله عليه وآله وسوابقهم في الإسْلام!!غير أنّ ههنا حديثاً يُستشَفّ منْه موقفُ النّبيّ صلى الله عليه وآله من معاوية واستخفافُ الأخير بأمْرالنّبيّ صلى الله عليه و آله وتعامُلُه معَه بسوء الأدب. ففي صحيح مسلم وغيره[48]من طريق ابن عبّاس
قال:كنْتُ ألعبُ مع الغلمَان فإذا رسول الله صلّى اللّه عليْه وسلّم قد جاء فقلت:ما جاء إلاّ إليّ فاختبأتُ على باب فجاءَني فخطاني خطى أو خطاتين ثم قال:اذهبْ فادْعُ لي مُعاويَة قال: فذهبت فدعوْتُه له فقيل:إنّه يأكُلُ،فأتيْتُ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم فقلت:إنّه يأكُل فقال:اذهبْ فادْعُه،فأتيتُه الثّانيَة فقيل:إنّه يأكُل فأخبرتُه،فقال في الثّالثة: لا أشْبعَ اللهُ بطْنَه قال: فما شَبعَ بعْدها(اهـ).
هذا الحديث عدَّه ابنُ كثير مَنْقَبةً لمُعاويَة فقال:قد انتفعَ مُعاويَة بهذه الدّعوَة في دُنياه وأخُراه،أمّا في دُنياه فإنّه لمّا صارإلى الشّام أميراً،كان يأكُل في اليوْم سبْعَ مرّات يُجاءُ بقصْعَة فيها لحْمٌ كثيرٌ وبَصَلٌ فيأكُل منْها،ويأكُل في اليوْم سبعَ أكلات بلَحْم[!] ومن الحلْوى والفاكهَة شيئاً كثيراً ويقول:والله ما أشبعُ وإنّما أعياه،وهذه نعْمةٌ ومَعدةٌ يرْغَب فيها كلّ المُلوك.وأمّا في الآخرة فقد أتبعَ مسلمُ هذا الحديثَ بالحديث الذي رواهُ البخاريّ وغيرهما من غيْر وجْه عنْ جماعَة من الصّحابَة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله قال:أللّهمّ إنّما أنا بشرٌ فأيّما عبد سببْتُه[49] أوجَلدْتُه أودعوْتُ عليه وليسَ لذلك أهلاً فاجْعلْ ذلك كفّارةً وقُربَةً تُقرّبُه بها عنْدَك يوْم القيامَة.فرَكّبَ مُسْلم منَ
الحديث الأوّل وهذا الحديثُ فضيلةٌ لمُعاويَة ولم يورد له غير ذلك (اهـ).
أقول:أوّل ما يلفت انتباه المتتبّع للكَلام محاولةُ ابن كثير التّحريفَ والتزويرَ ونسْبةَ الباطل إلى نبيّ الهدى،فإنّه صلى الله عليه وآله دعا ـ في الحديث ـ على مُعاويَةَ ولَمْ يدْعُ له،والفرْقُ بيْن الدّعْوتيْن معلُوم،وهذا شأنُ أفْعال مُعيّنَة في اللّغة العربية مثل رَغبَ ومَالَ وانْصرَفَ وغيْرها فإنّها تدُور مَدارَ الحرْف الذي يَليها وهو يحقّق نسبة التّقابل فيها ،فإن قال القائلُ: " رَغبَ فيه " أوْ " رَغبَ إليْه " فإنّهُ يقْصدُ بذلك المَيْلَ والطّلَبَ أمّا إنْ قال " رَغبَ عنه " فإنّهُ يقْصدُ التَّرْكَ والإعْراضَ والنّفورَ.فَمعَ أنّ الفعل واحدٌ إلاّ أنّ المعْنى تَغيّرَبتغيُّر حرْف المعنى الذي يَليه.وكذلكَ الشّأنُ في "مال" و"انْصرف" و"تولّى"وغيْرها.وهو الشّأنُ نفْسُه في الفعل " دعا " إذا قلْتَ " دَعَا له " فإنّ معْناهُ طَلَب الرّحْمَة، وأمّا " دعا عليه " فالمقصودُ منْه طلَبُ نُزُول النّقْمَة،والنّسْبةُ بيْن الفعْلين معلُومة لكلّ مَن يَعْرف العربيّة.لكنّ ابنَ كثير معَ تَيقّنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله أفْصحُ من نطقَ الضّاد يأْبَى إلاّ الانقيادَ للتّعصُّب المَقيت.وكيف يَصحُّ ما ذهبَ إليْه ابنُ كثير بعْد أنْ حذّر النّبيّ صلى الله عليه و آله من الإكْثار منَ الأكل وذمَّ فاعلَه وقالَ عن المَعدَة إنّها بَيتُ الدّاء،وقال بصريح العبارة: " ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرّاً منْ بطْنه بحَسب ابْن آدم لُقيْمَات يُقمْن صُلْبَه،فإن كان ولا بدّ فاعلاً فثُلُثٌ لطعامه وثُلُثٌ لشَرابه وثُلثٌ لنَفَسه".وقد ملأ مُعاويَةُ الأثْلاثَ كلَّها بأكلاتِهِ السّبْع إضافةً إلى الحلْوَى والفاكهة.ولو أنّ غيرَ مُعاويَة فَعَلَ هذا لأنْزلَ عليه ابنُ كَثير وابلاً من اللّوْم والتّوْبيخ،ولَشَبّهَهُ بالأنْعام السّائمَة،ولكن مُعاويَة هوالفاعل،وإذاً فلابأس بفتْح باب التّأويل وتحريف كلام النّبيّ صلى الله عليه وآله ولو بما يضحك الثكلى!أين ذلك من قول علي عليه السلام " ألا وإنّ خليفَتكم قد اكْتفى منْ طعَامه بقُرْصيْه ومن لباسه بطمريه " ؟!
قال ابن عساكر[50]:أخبرنا أبو محمّد بن الإسفرايني[..] محمّد بن زياد عن عوف بن مالك الأشْجعي قال:بينما أنا راقد في كنيسة يوحنّا - وهي يومئذ مسجد
يصلى فيها - إذ انتبهت من نوْمي فإذا أنا بأَسَد يمْشي بين يدي فوثبتُ إلى سلاحي ، فقال الأسد : مه . إنّما أُرسلت إليك برسالة لتبلّغَها، قلت: ومن أرسلك ؟ قال: الله أرسلني إليك لتبلغ مُعاويَة السّلام وتعلمه أنّه من أهل الجنّة فقلت له:ومن مُعاويَة ؟ قال : مُعاويَة بن أبي سُفْيان (اهـ).
قُلْتُ:هذا ليسَ ببعيد! وما أرسلنا من رسُول إلاّ بلسان قومه؛فلا عجب أن يرسل الوحوشَ إلى الوُحُوش!
محمّد بن زياد هوالحمصيّ،شاميّ ناصبيّ من ألدّاء أعداء أمير المؤمنين عليّ عليه السلام،وثقه ابن معين،وقال:ثقة مأمون،وذكره ابن حبّان في الثّقات وقال:لا يعتد بروايته إلاّ ما كان من رواية الثّقات عنه.وقال الحاكم:اشتهرعنه النّصب كحريزبن عثمان[تهذيب التهذيب ج9 ص170 ].[51]عوف بن مالك الأشجعي صحابيّ.ولكن
له أخبار تنمّ عن شخصية مذبذبة.قال ابن حزم[52]:من طريق محمد بن إسحاق في مغازيه عن يزيد بن أبى حبيب عن عوف بن مالك الأشجعيّ قال:كنت في
غزة ذات السلاسل فذكر قسمته الجزور بين القوم وأنّهم أعطوه منها فأتى به إلى أصحابه فطبخوه فأكلوه ثم سأله أبو بكروعمرعنه؟ فأخبرهما فقالا له:والله ما أحسنتَ حين أطعمتَنا هذا ثمّ قاما يتقيّآن ما في بطونهما(اهـ).وقال محمّد بن سعد في الطبقات الكبرى[53]:عوف بن مالك الأشجعيّ أسلم قبل حنين وشهد حنيناً
وكانت راية أشجع معه يوم فتح مكّة وتحوّل إلى الشّام في خلافة أبي بكر فنزل حمص وبقي إلى أوّل خلافة عبد الملك بن مَرْوان ومات سنة ثلاث وسبعين وكان يكنى أبا عمرو.
وقال ابن سعد أيضاً[54]:أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء العجليّ قال أخبرنا أبو سنان عن بعض أصحابه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم آخى بين أبي الدّرداء وبين
عوف بن مالك الأشجعيّ قال محمّد بن عمر وشهد عوف بن مالك خيبَر مُسْلماً وكانت رايةُ أشجع مع عوف بن مالك يوم فتح مكّة قال أخبرنا عبيد الله بن موسى وعبد الوهّاب بن عطاء قالا أخبرنا أسامة بن زيد اللّيثيّ عن مكحول قال جاء عوف بن مالك الأشجعيّ إلى عُمر بن الخطاب وعليه خاتم من ذهب فضرب عُمَرُ يَدَهُ وقال أتلبسُ الذّهب فرمى به فقال له عُمَر ما أرانا إلا وقد أوجعناك وأهلكنا خاتمك فجاء من الغد وعليه خاتم من حديد فقال حلْيَة أهل النّار فجاء من الغد وعليه خاتم من ورق فسكت عنه.قال محمّد بن عُمَرَوَتحوّلَ عوفُ بنُ مالك إلى الشّام في خلافة أبي بكر فنزل حمْص وبقي إلى أوّل خلافة عبد الملك بن مَرْوان ومات سنة ثلاث وسبعين وكان يكنى أبا عمرو(اهـ).
فالرّجل كان دائماً مع أهْل الشام،لم ينْصرْعليّاً عليه السلام ضد النّاكثين والقاسطين والمارقين ولا هو نَصرَ الحسينَ عليه السلام.
وفي طبقات خليفة [55]:عوف بن مالك يكنى أبا عبد الرحمن ويُقال أبا عمرو من ساكني الشّام. مات سنة ثلاث وسبعين.
وفي التاريخ الكبير[56]:محمّد بن عامر[..]عن أبي بردة عن عوف بن مالك سمع النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم يقول الشّفاعة لمن مات من أمّتي لا يشرك بالله شيئا(اهـ)
.وفي التاريخ الكبير أيضاً[57]:عوف بن مالك أبوعبد الرحمن الأشجعيّ نزل الشّام لَُه صحبة وقال ابن عفير عن عطّاف عن إسماعيل بن رافع غزا عوف مع
يزيد بن مُعاويَة قسطنطينية،كنّاه عبد الرحمن بن مهدى عن مُعاويَة بن صالح،وقال يحيى بن واضح كنيته أبوحمّاد،وقال عبد الله بن صالح حدّثني مُعاويَة بن عبد الرحمن بن جبير بن نفيرعن أبيه عن عوف بن مالك كنّا نرقي في الجاهليّة فقلنا يارسول الله كيف ترى في الرُّقَى؟قال اعرضوا عليّ رُقَاكُم لا بأس بالرُّقَى ما لم يكُنْ شرْك (اهـ).وفيه أيضاً[58]:عن مسلم بن قرظة الأشجعيّ عن عوف بن مالك الأشجعيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم(خياركم و)خيارأئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم(وقال
الحميدى حدّثنا الوليد قال حدّثني جابر سمع رزيقا سمع مسلم بن قرظة سمع عوفا عن النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم مثله).
وفي التاريخ الصغير[59]:عوف بن مالك غزا مع يزيد بن مُعاويَة قسطنطينية كنيته أبو عبد الرحمن الأشجعيّ سكن الشّام(اهـ).هذا في ما يخصّ الصحابيّ
عوف بن مالك الأشجعيّ الذي عُلّم مَنْطقَ الأُسُود،وإذا كان الله تعالى يصْطفي من الملائكة رُسُلاً ومنَ النّاس، فإنّ الرّسولَ في قصّة مَالك الأشْجعيّ أسدٌ؛ وكان مالك نائما في كنيسة هي مسجدٌ يُصَلّى فيه!وفي عوف هذا كلام على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله،فقد ذكرعلاء الدين المارديني (الشهير بابن التّركمانيّ) في كتابه الجوهرالنّقيّ[60]أنّ مدديّاً قتلَ روميًّا فاستكثرعليه خالدُ بنُ الوليد سلبَه فشكاه عوفُ بنُ مالك للنّبيّ عليه السلام فأمرَه بردّ سَلبه له ثمّ غضب عليه السلام على عوف فقال يا
خالد لا تردّ عليه ) الحديث.قال ابن حزم بخصوص هذه الواقعة[61]: " وثالثها أنّ في نصّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّما أمره بأن لا يردّ عليه لأنّه علم أنّ القاتل
صاحب السّلب أعطاه بطيب نفْس ولم يطلب خالداً به وأنّ عوفاً يتكلّم فيما لا حقّ له فيه وهذا هو نصّ الخبر "(اهـ). فمن كانت هذه حاله مع النّبيّ صلى الله عليه وآله إلى درجة أن غضبَ عليه فإنّه لا يُستبعَدُ أن تَكونَ سيرتُه غيرَ محْمُودة في زمن الفتنة.
وبخصوص ملك معاوية وابنه،يصرّ عبد الله بن عمروبن العاص على محاولة الحطّ من شأن عليّ بن أبي طالب وسيدي شباب أهل الجنة؛ففي كتاب الفتن ج1ص110:حدّثنا ابن علية [..] عن عقبة بن أوس السّدوسيّ قال قال عبد الله بن عمروأبو بكرالصديق أصبتم اسمه عمرالفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ابن عفان ذوالنورقُتل مظلوما أوتي كفلين من الرّحمة،ملكُ الأرض المقدّسة مُعاويَة وابنه قالوا ألا تذكر حَسناً ألا تذكر حُسيناً قال فعاد لمثل كلامه حتى بلغ مُعاويَة وابنَه وزادَ السّفّاح وسلام ومنصوروجابر والأمين وأمير العصب كلّهم لا يرى مثله ولا يدرك مثله كلّهم من بني كعب بن لؤي فيهم رجل من قحطان منهم من لا يكون إلا يومين منهم من يقال له لتبايعنا أو لنقتلنك فإن لم يبايعهم قتلوه(اهـ).وأنت ترى كيف استنكر السّامعون واعترضوا كلامه قائلين:ألا تذْكُرحسناً ألا تذْكُر حُسيْناً؟!إنّهم لم يقولوا له ألا تذكرعليّاً،لأنّ ذكْرَعليّ عليه السلام قضيّة تمسّ أمْن الدّولة،لكنّهم سألوه عن حسن وحسين سيّدي شباب أهل الجنّة وعادَ لمثل كلامه! ولا عَجب من ذلك إذا عُلم أنّ الرّجل حارب عليّاً عليه السلام في صفّين،وأقرّه معاوية على ما كان تحْت يَد أبيه من حُطام الدّنيا،وقد كان مُعاويَة يشترط على الذين ينصّبهم في المناصب المرموقة أن يسبّوا عليّاً ويشتمُوه ويلعنُوه على المنابرويُقْصُوا محبّيه ويُقرّبوا أعداءه، ولم يرفض عبدُ الله بن عمروبن العاص هذه الشّروط الآثمةَ ولا استعْفَى من منْصبه،بل بقي على ولائه لمُعاويَة المستلزم معاداته لعليّ وأهل بيته عليهم السّلام . وفي كتاب الفتن ج1ص125 : حدّثنا ابن علية [..] عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال بعد عمرابن عفّان ثمّ مُعاويَة وابنه (اهـ).قلتُ: إن يكن الحديث على جهة الإخبار فهو بمنزلة تحصيل الحاصل بعد أن ذكرالنّبيّ صلى الله عليه وآله فتنة بني أُميّة وما يجْنُونه في حقّ أهل بيته عليهم السّلام.وإن يكُن الحديثُ مقصوداً منه إضْفاءُ الشّرعيّة على حكم بني أُميّة فجوابه " ضَعُفَ الطالبُ والمطلوبُ "،لأنّ الشّرعيّة لا تكُون بكلام شخْص أو رأْيه.وقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص هذا مُلازماً لكَعْب الأحْباراليهوديّ،أخذ عنه كثيراً من الضّلالات،وكانَ كثيرٌ من النّاس يتجنّبُون الرّوايَةَ عنْه لأجْل ذَلك.على أنّ عبد الله بن عمرومات بعد وفاة كلّ من معاوية وابنه يزيد[62]،ولا مانع أيضاً أن يكون مطّلعا على مؤامرة اغتيال عمر فإنّه من تلاميذ كعب الأحبارالذي تنبّأ
بقتل عمر بعد ثلاث لاأكثر ولا أقلّ، وزعم أنّّ اغتيال عمر موجود في التوراة!!
[1] معجم الصحابة ـ ابن قانع ـ ج3ص72
[2] القصة في سير أعلام النبلاء ج 2ص 7
[3] الأدب المفرد ـ البخاري ـ ج1ص232
[4] تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص 58
[5] فاطمة بنت أسد رضي الله عنها تُوُفّيتْ في حياة النبي (صلى الله عليه وآله لكن لا شكّ أنها كانت تتحدث عن طفولة النبي (صلى الله عليه وآله لمن حولها من المُهاجرات والأنصاريّات.
[6] تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص81
[7] تاريخ خليفة بن خياط العصفري ص 109
[8] الطبقات الكبرى لمحمّد بن سعد ج 3ص 365
[9] شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ـ ج1ص 339
[10] مرّ بك سابقاً أنّها كانت من ذوات الرايات، وأنها كانت تُذكر بعهر وفجور، وقد هجاها حسان بن ثابت بذلك ولم يتجرّاْ على نفيه أحد من بني أمية لا معاوية ولا غيره.
[11] أقول:لقد حنث عثمان في قوله هذا،فإنّ أِشرف وأعظم خلافة هي الخلافة الإلهية التي تكون على يد المهدي يملأ الأرض عدلا كما ملأها بنو أمية ظلما وجوراً،والمهدي من ولد عليّ عليه السلام ،ولم يتحقّق هذا لأحد قبله.
[12] كتاب العقل وفضله ـ ابن أبي الدّنْيا ـ ص 37
[13] هامش الصّفحة 403 من فصول الجصّاص
[14] مسند أحمد بن حنبل ج5ص347
[15] " القصة رواها ابن عساكر والحسن بن سُفْيان وابن مندة .ذكر ذلك محمد بن عقيل الشافعي في " النصائح الكافية ص 123
[16] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم ج1ص 81
[17] السّنن الواردة في الفتن ـ الداني ـ ج1ص182
[18] قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 11 ص 44 روى أبو الحسن على بن محمد بن ابى سيف المدايني في كتاب ( الاحداث ) قال كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة أن برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيته فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرءون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته وكان اشدّ الناس بلاء حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة على عليه السلام فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام على عليه السلام فقتلهم تحت كل حجر ومدر واخافهم وقطع الايدى والارجل وسمل العيون وصلبهم على جذوع النخل وطرفهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم.
[19] السنن الواردة في الفتن ج2ص486 تحت رقم 195
[20] الخبر مذكور في الإصابةج2ص389(دار الجيل1412 بيروت هـ) وكتاب الثقات ـ ابن حبان ـ ج1ص81وج3ص119 (دار الفكر 1395هـ) ولسان العرب ج1ص379 (دار صادر بيروت) و الفائق للزمخشري ج3ص423 ( دار المعرفة لبنان ط2).، البداية و النهاية ج 3ص 142( مكتبة المعارف بيروت) والرياض النضرة ج3ص53 ( دار الغرب الإسلامي بيروت1996 ).
[21] الصواعق المحرقة ـ ابن حجر الهيتمي ـ ج1ص284
[22] الفتن ـ نعيم بن حماد ـ ج1ص58
[23] قال البخاري في التاريخ الصغير - ج 1ص 87: حدثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الاحبار فقال أن كان من صدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وأن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب.
[24] سير أعلام النبلاء بتحقيق نعيم العرقسوسي ومأمون صاغرجي ـ مؤسسة الرسالة بيروت ـ 1413هـ
[25] الإتقان في علوم القرآن ج2ص524
[26] قال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج5ص214 : وأخرج ابن أبى حاتم عن السدي رضي الله عنه قال بلغنا أنّ طلحة بن عبيد الله قال أيحجبنا محمّد عن بنات عمّنا ويتزوّج نساءنا من بعدنا لئن حدث به حدثٌ لنتزوّجنَّ نساءه من بعده !! فنزلت هذه الآية.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال : قال طلحة بن عبيد الله لو قبض النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوّجت عائشة رضي الله عنها فنزلت وما كان لكم أن تؤذوا النّبيّ الآية . وأخرج ابن سعد عن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في قوله وما كان لكم أن تؤذوا النّبيّ قال نزلت في طلحة بن عبيد الله لأنّه قال إذا تُوفّي النّبيّ صلى الله عليه وسلم تزوّجتُ عائشة رضي الله عنها .
[27] الحديث في يقظة أولي الاعتبار : وفي يقظة أولي الاعتبار ج1ص 198كما يلي:
عن مُعاويَة رضى الله عنه قال قام فينا النّبيّ فقال ألا إنّ من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملّة وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاث وسبعين اثنتان وسبْعون فى النار وواحدة فى الجنّة وهى الجماعة أخرجه أبو داود فى كتاب السّنة له وهذا الحديث رواه أبو داود من طريقين أحدهما من طريق أحمد بن حنبل ومحمّد بن يحيى الذّهلى والثاني من طريق عمر بن عثمان عن بقية عن صفوان تفرد به صفوان عن أزهر.اهـ
[28] صحيح البخاري ج3ص1289 الحديث رقم ( 3309) دار ابن كثير بيروت 1409 تحقيق د.مصطفى ديب البغا
[29] تفسيرابن كثير ج2ص78
[30] سير أعلام النبلاء ج3ص 132
[31] نقد المنقول ـ ابن قيم الجوزية ـ ج1ص106
[32] القائل هو ابن القيّم
[33] تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي ج 3 ص 160
[34] تاريخ بغداد - الخطيب البغدادي ج 14ص 181 .أقول : وكلمة الحمانيّ هي " مات معاوية على غير الإسلام ".وقد كلّفته هذه الكلمة غالياً وصوّبت إليه سهام المحدّثين والرّجاليين.وقد وثّقه ابن معين ، وقال الرّماديّ بخصوص تكلّمهم فيه( تاريخ بغداد ج14ص 179). : هو عندي أوثق من أبي بكر بن أبي شيبة وما يتكلّمون فيه فيه الاّ من الحسد.
2 الرياض النضرة في وصف كل واحد من العشرة بصفة حميدة ج1ص218
[35] سير أعلام النبلاء ج15 ص578
[36] القائل هو الذهبيّ
[37] المعثر : من تكثر منه العثرات
[38] الرياض النضرة ـ محب الدين الطبري ـ ج1ص216
[39] تاريخ الخلفاء ج1ص194
[40] هذا القول غير صحيح، فإنّ الخليفة العبّاسي النّاصر لدين الله ملك مدّة أطول و في ظروف رخاء وعزّة ، قال الذّهبيّ فيما نقل عنه السّيوطيّ في تاريخ الخلفاء ج1ص448: " لم يَل الخلافةَ أحدٌ أطولَ مدّة منه فإنّه أقام فيها سبعاً وأربعين سنة ولم تزل مدة حياته في عزّ وجلالة وقمع للأعداء واستظهار على الملوك ولم يجدْ ضَيْماً ولا خرجَ عليه خارجيٌّ إلاّ قمعه ولا مُخالف إلاّ دفعه وكُلُّ مَن أضمرَ لهُ سوءاً رماه الله بالخذلان " اهـ
أقول : وكان على مذهب الشّيعة الإماميّة لا خلاف بين المؤرّخين في ذلك.
[41] هذا من عجائب ما يأتي به الذّهبيّ، فإنّه منقوض بما قاله في حقّ الناصر لدين الله العبّاسيّ ـ كما سبق ـ ، ولا خلاف بين المؤرخين في أنّ مدة خلافة الناصر تجاوزت الأربعين عاماً .وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء (ج1ص450 ) في وصف مدة خلافته: قال ابن النّجار: " فتح البلاد العديدة وملك من الممالك مالم يملكه أحد ممن تقدّمه من الخلفاء والملوك وخطب له ببلاد الأندلس وبلاد الصين وكان أشد بنى العباس تنصدع لهيبته الجبال وكان حسن الخَلق لطيف الخُلق " .اهـ أقول : وشذّ ابن الأثير فتحامَل عليه بدافع الانتماء المذهبيّ لأنّ النّاصر كان معلناً بتشيّعه.ولا يفوت التنبيه إلى أنّ كثيرا مما كان كعب الأحبار يدّعي وجوده في التوراة لا وجود له في التوراة المتداولة بين أيدي الناس اليوم بشتّى اللغات، وهذا معناه أنّه كان لكعب توراة خاصة به،لا علاقة لها بتوراة موسى عليه السلام.
[42] تناقضات الألباني الواضحات – السقّاف ـ ج 2ص 227
[43] القائلُ هو السّقّاف
[44] ضعيفته :أي سلسلة الأحاديث الضعيفة ،وصحيحته سلسلة الأحاديث الصحيحة
[45] ميزان الاعتدال ج3 ص56
[46] الفتن ـ نعيم بن حماد ج1ص127
[47] دعوى اجتماع الناس على ملك معاوية تشبه دعوى المخلوع صدّام إجماعَ العراقيّين على انتخابه بنسبة 100% قبيلَ سقُوطه ونهايته التعيسة.
[48] صحيح مسلم ج8ص28[دارالفكر بيروت]وأسد الغاية ج4ص368 وتهذيب الكمال ج1ص338[مؤسسة الرسالة 1406]وتهذيب الكمال ج22ص344[مؤسسة الرسالة1412]وميزان الاعتدال ج3 ص239[دار المعرفة بيروت]وسيرأعلام النبلاءج5ص388[مؤسسة الرسالة بيروت1412]وشرح مسلم ج16 ص156 [دار الكتاب العربي بيروت1407].
[49] هذا الحديث يتضمّن القدح في شخص النبيّ الكريم (صلى الله عليه وآله إذ يدّعي راويه أنّ النّبيّ (صلى الله عليه وآله يسبّ من ليس أهلاً للسّبّ ويجْلد مَن ليْس أهْلاً للجلْد، وهذا ينافي قوله تعالى " وإنّك على خلق عظيم " وكيف يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله للمسلمين : " المؤمن ليس بسبّاب.." ويقول أيضاً " سباب المسلم فسوق " ثم يبادر إلى فعل ما نهى الآخرين عن فعله ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
[50] تاريخ مدينة دمشق - ابن عساكر ج 59 ص 109 :دار الفكر1415
[51] نعيم بن حماد أيضا قالوا عنه،وهو مشهور بمخالفته لأبي حنيفة وردوده على الجهمية،وقد وثقه أحمد ويحي بن معين؛والباحث في مسألة الجرح والتعديل يجد أنه قلّما يسلم من الجرح أحد حتى رؤساء المذاهب .
[52] المحلى - ابن حزم ج 8 ص 143
[53] الطبقات الكبرى ابن سعد ج 7 ص 400 دار صادربيروت
[54] الطبقات الكبرى / ابن سعد /ج4ص280 / دار صادربيروت
[55] طبقات خليفة بن خياط ص 95 / دار الفكر 1414
[56] التاريخ الكبير ـ البخاري ج 1ص 184
[57] التاريخ الكبيرـ البخاري- ج 7 ص56
[58] التاريخ الكبير - البخاري ج 7ص 271
[59] التاريخ الصغير البخاري ج 1 ص 152 : دار المعرفة بيروت1406
[60] الجوهر النقي - المارديني ج 6ص 310
[61] المحلى - ابن حزم ـ ج 7 ص 338
[62] قال ابن حجر في الإصابة ج 4 ص 167 : " قال الواقديّ ماتَ [ عبد الله بن عمرو ] بالشّام سنةَ خمْس وستّين وهو يوْمئذ ابنُ اثْنتيْن وسبْعين وقال ابْن البرْقيّ وقيل مات بمكّة وقيل بالطائف وقيل بمصْر ودُفن في داره قاله يحيى بْن بكير وحكى البخاريّ قولاً آخرَ أنّه مات سنةَ تسْع وستّين وبالأوّل جزم ابْن يونس وقال ابنُ أبي عاصم مات بمكّة وهو ابْن اثنتين وسبعين وقيل مات سنة ثمان وستين وقيل تسع وستين " اهـ