.. الفصل السادس أوائل مُعاويَة ..

       

     أوائل مُعاويَة

 

    أدخل معاوية في الإسلام أمورا ليست منه في شيء،أملاها عليه مزاجُه إذ لا دليل علها من الشرع،يُذكَر منها على سبيل المثال ما يلي:

قال السّيوطي في تاريح الخلفاء ج1ص23 :وأوّل من استخلف وليّ العهد في حياته مُعاويَةُ وهو أول من أتّخذ الخصيان لخدمته.

 وفي كتاب الموطّإ للإمام مالك[1]بن أنس:حدّثَني عن مالك،عن ابن شهاب،أنّه قال:أوّل من أخذ من الأعطية الزّكاة،مُعاويَة بن أبي سُفْيان.قال مالك:السّنّة التى لا

اختلاف فيها عندنا،أنّ الزكاة تجب في عشرين ديناراً عيناً.كما تجب في مائتي درهم.

وهو في المدوّنة الكبرى بنفس اللفظ [2].

وفي الموطإ أيضاً (ج 1ص 407): حدّثني عن مالك،عن عبد الرحمن بن القاسم،عن أبيه،أنّ الناس كانوا إذا رموا الجمار،مشوا ذاهبين وراجعين. وأوّل من ركب،مُعاويَة بن أبى سُفْيان( اهـ ).

وقال الشّوكانيّ في نيل الأوطار3:أخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: خطب النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم قائماً وأبو بكروعمر وعثمان وأوّل من جلس على المنبر مُعاويَة(اهـ).

قال الشوكاني[3]:وروى الطّبريّ عن أبي هُرَيْرَة أنّ أوّل من ترك التّكبير مُعاويَة،وروى أبو عبيد أنّ أوّل من تركه زياد.وهذه الرّوايات غير متنافية،لأنّ زياداً

تركَه بترْك مُعاويَة،وكان مُعاويَة تركه بترك عثمان،وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الإخفاء،وحكى الطّحاويّ أنّ بني أُميّة كانوا يتركون التّكبيرفي الخفض دون الرّفع،وماهذه بأوّل سنّة تركوها.قال الشّوكانيّ: وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد قال:أوّل من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مَرْوان.وقيل:أوّل من فعل ذلك مُعاويَة،حكاه القاضي عياض وأخرجه الشافعيّ عن ابن عبّاس بلفظ حتّى قَدِمَ مُعاويَة فقدّم الخطبة.ورواه عبد الرّزاق عن الزُّهْريّ بلفظ :أوّل من أحدث الخطبة قبل الصّلاة في العيد مُعاويَة.وقيل:أوّل من فعل ذلك زياد بالبصرة في خلافة مُعاويَة،حكاه القاضي عياض أيضا.وروى ابن المنذرعن ابن سيرين أنّ أوّل من فعل ذلك زياد بالبصرة قال:ولا مخالفة بين هذين الأثرين وأثر مَرْوان،لأنّ كلاًّ من مَرْوان وزياد كان عاملاً لمُعاويَة،فيُحمَل على أنّه ابتدأ ذلك وتبعه عمّاله.قال العراقيّ:الصّواب أنّ أوّل من فعله مَرْوان بالمدينة في خلافة مُعاويَة،كما ثبت ذلك في الصّحيحين عن أبي سعيد الخدريّ .قال:ولم يصحَّ فعله عن أحد من الصّحابة،لاعُمر ولا عثمان ولا مُعاويَة ولا ابن الزّبير(انتهى).

  قال الشّوكانيّ[4]: وروى ابن أبي شيبة في المُصنّف بإسناد صحيح عن ابن المسيّب قال:أوّل من أحدث الأذان في العيد مُعاويَة،وقد زعم ابن العربيّ أنّه رواه

عن مُعاويَة من لا يوثَق به( اهـ).

وفي كتاب التمهيد[5]:واختُلِفَ في أوّل من فعل ذلك منهم فذكر ابن أبي شيبة قال حدّثنا وكيع قال حدّثنا هشام الدّستوائيّ عن قتادة عن سعيد بن المسيّب قال أوّل

مَن أحدث الأذان في العيدين مُعاويَة قال وحدّثنا وكيع قال حدّثنا أبي عن عاصم بن سليمان عن أبي قلابة قال أوّل من أحدث للعيد الأذان في العيدين ابن الزّبير قال وحدّثنا عبدالله بن إدريس عن حصين قال أوّل من أخرج المنبر في العيدين بشْربن مَرْوان وأوّل من أذّن في العيدين زياد.قال وحدّثنا حسين عن زائدة عن عبدالملك بن عمير قال أوّل من اتّخذ العودين وخطب جالسا وأذّن في العيدين قدّامه زياد.قال وحدّثنا إسحاق بن منصور قال حدّثنا أبو كدينة عن أبي إسحاق عن يحيى بن وثاب قال أوّل من جلس على المنبر في العيدين وأذّن فيهما زياد الذي يقال له ابن أبي سُفْيان(اهـ).قلتُ:هذه العبارة تدلّ على ورع يحي بن وثاب واحتياطه لدينه فإنّه قال الذي " يقال له ابن أبي سفيان "وهو بهذا لا يقرّ باستلحاق زياد المنافي للقرآن الكريم.


 

 قال الشّوكانيّ[6]: وللبخاريّ:وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين . وعن أبي سعيد قال:كنّا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام،أو صاعاً من شعير،أوصاعاً

من تمر،أوصاعاً من أقط،أو صاعاً من زبيب .أخرجاه وفي رواية:كنّا نخرج زكاة الفطرإذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم صاعاً من طعام،أوصاعاً من تمْر،أوصاعاً من شعير،أوصاعاً من زبيب،أو صاعاً من أقط،فلم نزل كذلك حتّى قدم علينا مُعاويَة المدينة فقال:إنّي لأرى مُدّين من سمراء الشّام يعدل صاعاً من تمْر فأخذ النّاس بذلك،قال أبو سعيد فلا أزال أُخرجُه كما كنت أُخرجُه؛رواه الجماعة لكنّ البخاريّ لم يذكر فيه:قال أبو سعيد فلا أزال أخرجه..وابن ماجة لم يذكر لفظة "أو فشيء منه"(اهـ).

وابن حزم في الإحكام يذكرالقصّة كما يلي[7]:حدّثنا أحمد بن عمر[..] حكيم بن حزام،عن عياض بن سعد قال:ذكرت لأبي سعيد الخدريّ صدقة الفطر فقال:لا

أُخرج إلاّ ما كنت أُخرج في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم:صاعاً من تمْر أو صاعاً من شعير أو صاعَ زبيب أوصاعَ أقط،فقلت له:أو ُمدّيْن من قمح؟قال لا،تلك قيمة مُعاويَة لا أقبلها،ولا أعمل بها(انتهى).

فالذي يُفهم من قول أبي سعيد الخدريّ "لا أقبلها " أنّه لا يعتبرها من الإسْلام،وقوله "لاأعمل بها " يُفهَم منْه أنّ العملَ بها غير مُبرئٍ للذّمّة،وإن كان ذلك لا يحتاجُ إلى دليل باعْتبارأنّ مُعاويَة يخالف النبيّ صلى الله عليه وآله في المسألة،ويقدّمُ رأيَه على قوْل وفعْل و تقْرير النبيّ صلى الله عليه وآله.

قال ابن أبي عاصم[8]:حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدّثنا جرير عن مغيرة عن الشّعبيّ قال أوّل من خطب جالساً مُعاويَةُ حين كثُر شحمُه وعظُم بطنُه قال أبو

بكر بن عمرو ولم يرد الخلاف لأنّه كانت به علّة فلم يستطع أن يقوم ليس كما ظنّوا (انتهى).

أقول: ينبغي البحث والتحقيق في قوله " ليس كما ظنّوا " ؟!

قال ابن أبي عاصم في الحديث الذي يليه:حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة أخبرنا يحيى بن آدم عن إسرائيل عن أبي إسحاق أوّل من خطب جالساً مُعاويَة رضي الله تعالى عنه ثمّ اعتذرإلى النّاس فقال إنّي اشتكي قدمي(اهـ).

إذا كان مُعاويَة يشتكي قدمَه إلى درجة ألاّ يستطيع القيامَ فلِمَ لمْ يُنِبْ غيرَه؟! [ولعلّ من الفقهاء من يرى ذلك الوجعَ الشديدَ من المرَض المُعفي من حُضور الجُمعة]!

  قال ابن أبي عاصم[9]:حدّثنا وهبان[..]عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل قال بعث مُعاويَة رضي الله تعالى عنه إلى مَرْوان بن الحكم بالمدينة ليبايع لابنه يزيد فقال رجل

من أهل الشّام ما يحبسك قال حتّى يجيء سعيد بن زيد فيبايع فإنّه أنْبَل أهل البلد وإنّه إذا بايع بايع النّاس[10](اهـ).

وهذه أيضا لم يسبقه إليها أحد،فهي من أوائله إذْ لم يبايع أحد لمن بعده قبل مُعاويَة باتّفاق،وهذه البيعة هي التي جرّت على المسلمين الويلات فكان قتل أهل بيت النّبيّ صلى الله عليه وآله بتلك الطريقة،وكانت وقعة الحَرّة،وكان ضرب الكعبة بالمنْجنيق،وكان وكان ،ومُعاويَة أعلم النّاس بابْنه.ثُمّ إنّ مَرْوان يقول عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل:إنّه أنبل أهل البلد،وهذا غيْرُ مسلّم فإنّ في نَسَبه أمراً فظيعاً تشمئزّ منه النّفوس ذكرَه ابن قتيبة في المعارف وابن الكلبيّ في المثالب،والبلاذري في الأنساب.وكيف يسمح صاحب دين لنفسه أن يقول عن سعيد بن زيد"أنبل أهل البلد " في حضور الحسين بن عليّ عليهما السّلام سيّد شباب أهل الجنّة[11]؟!

وهناك أمرٌتفرّد به مُعاويَة من بين النّاس حتى صاريُضرب به المثل،إذْ يمكن أن يُقال بحقّ إنّ مُعاويَة هو الملك الذي يحلُم بشبْعة،ومن الشّقاء أن يعيش المرء في قمّة التّرَف ولا ينالُ شبعةً واحدةً.وقد بلغ به الأمرأنّه كان ينظُرإلى الحاضرين وهم يأكلون،ويدقّق النّظر في طريقة أكلهم، يغبطهم على ذلك.قال ابن منظور[12]:وفي

الخبر أنّ مُعاويَة رأى رجلاً يُجيد الأكل فقال إنّه لمخضد. الخضد شدّة الأكل و مخْضد مفعل منه كأنّه آلة للأكل(اهـ).

قال ابن عدي[13]:حدّثنا أحمد بن عبدالله [..]عن أبى سلمة،عن أبى هُرَيْرَة أنّ الدّية كانت على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليْه وسلّم وأبي بكروعُمَروعثمان وعليّ دية المسلم

واليهوديّ والنصرانيّ سواء،فلما استخلف مُعاويَة صيّر ديَةَ اليهوديّ والنّصرانيّ على النّصف،فلمّا استخلف عُمَر بن عبد العزيز ردّه إلى القضاء الأوّل(اهـ).

فإذا صحّ هذا فإنّ مُعاويَة يكون قد خالف النّبيّ صلى الله عليه و آله والخلفاء الأربعة.فكيف يكون رأسّ أهل السّنّة والجماعة؟!

وفي تفْسير القُرْطبيّ[14]:السّابعة عشرة قال مالك رحمه الله وكان الخلفاء يقضُون بأنفسهم وأوّل من استقضى مُعاويَة(اهـ).  

وقال الجصّاص[15]:قال الزُّهْريّ وهومن أفقه أهل المدينة في عصره القضاءُ بالشّاهد واليمين بدْعَة وإنّ أوّل من قضى به مُعاويَة(اهـ).

وقال اليعقوبي[16]:توفي عمرو[بن العاص] ليلة الفطر سنة 43 فأقرّ معاوية ابنَه عبد الله بن عمرو،ثمّ استصفى مال عمرو فكان أوّلَ من استصفى مال

عاملٍ.ولم يكن يمُوت لمُعاوية عاملٌ إلاّ شاطر وَرثَتَه مالَه فكان يُكَلّم في ذلك فيقولُ هذه سنّة سنّها عُمَر بن الخطّاب(اهـ).

وقال ابن خَلْدُون في تاريخه[17]: فأما البيت المقصورة من المسجد لصلاة السلطان فيتّخذ سياجاً على المحْراب فيحوزُه وما يليه،فأوّل من اتّخذها مُعاويَة بن أبي

سُفْيان حين طَعَنَه الخارجيّ والقصّة معروفةٌ وقيل أوّل من اتّخذها مَرْوان بن الحكم حين طعنه اليمانيّ ثمّ اتّخذها الخلفاء من بعدهما وصارت سنّة في تمييز السّلطان عن النّاس في الصلاة.


 

  [1] الموطأ /مالك بن أنس ج 1ص 246

2  

 - المدونة الكبرى - الامام مالك ج 1ص 272: قال ابن القاسم ) حدثنى مالك عن ابن شهاب أنه قال

 

أوّل من أخذ من الاعطية الزكاة معاوية بن أبى سفيان 

 

3  نيل الأوطار ـ الشّوكانيّ ـ ج 3ص 330

 

[3] نيل الأوطارج2ص266

[4] نيل الأوطار ـ الشوكاني ـ ج3 ص 364

[5] التمهيد - ابن عبد البر - ج10ص242/243

 

[6] نيل الأوطار ج4ص 249

[7] الإحكام في أًصول الأحكام ج 7ص 995

[8] الآحاد والمثاني ـ ابن أبي عاصم ـ ج 1ص 380

[9] الآحاد والمثاني ج 1 ص 178

[10] سعيد بن زيد يروي في فضائل سعيد بن زيد  ويسمي نفسه أنبل اهل البلد فلا تغفل!

[11] كان الحسين بن علي علهما السلام يومها بالمدينة لأنه عاش بعد معاوية ،ومعاوية هو المُرسل في القصة

[12] لسان العرب ج3ص163

[13] ميزان الاعتدال ج 1 ص 304

[14] تفْسير القُرْطبيّ ج15 ص180

[15] متاب الفصول في الأصول ـ الجصاص ـ ج 1ص 192

 

[16] تاريخ اليعقوبي ج2 ص221

[17] تاريخ ابن خَلْدُون ج1 ص 269

.. قبل ..        .. الرئيسية ..         .. بعد ..