تأملات ومقارنات
المقدمة:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونسترشده، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد اه وليا مرشدا، ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند وشبيه ولا ضد، هو الله الذي ليس كمثله شيئ، ليس من الأجسام حتى يرى، أو يكون له مكان فيشار إليه، ما وحده من قال غير مقالة الأئمة الهداة من أهل بيت المصطفى، وما عرفه من ادعى عليه التشبيه، ونسب إليه صفات المخلوقين، وأشهد أن سيدنا أبي القاسم محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وإمامهم، أرسله بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، واشهد أن الأئمة الهداة من آله، اثني عشر إماما مفترضي الطاعة، وواجبي الاتباع على كل من في قلبه ذرة من إيمان، هم هداة الأمة وربانيوها، جرى بذلك قضاء الله وقدره، أشكره أن هداني إلى العترة الطاهرة وقد كنت من قبل في ظلمات بعضها فوق بعض أ وأطلب منه المزيد في زمن هلك فيه الناس بالتقليد الأعمى والتدين الوراثي الذي يفيد متبعه دنيا وآخرة.
كجل الذين دخلوا الدين الإسلامي عبر بوابة الوراثة والتقليد الأعمى، لم يدر في خلدي أنني سأقف على حقيقة تعدد واجهات الدين وتنوع مدارسه. لقد كنت أتصور أن ما كنت فيه يمثل الدين الإسلامي بكل تفاصيله، بل هو عين الدين وأصله. نقطة التحول بالنسبة لي بدأت عندما انتسبت إلى حركة الاتجاه الإسلامي بتونس سنة 1980 والتي كان لها الفضل في إذكاء الوعي الحاصل عندي وصقله إسلاميا، فتعددت بذلك قراءاتي وتنوعت مطالعاتي، وكان قربي من الشيخ مبارك بعداش وقرابتي له، باعتباره ابن عم لي دافعين إلى مزيد المعرفة والبحث عن كل ما يتصل بالدين أصولا وفروعا وتاريخا وعلوما متصلة به.
كما أن للثورة الإسلامية المباركة في إيران، والتي قادها إلى النصر المبين السيد الأجل والطود الأعظم الإمام الراحل آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني طيب الله تعالى ثراه، الأثر الأكبر في شحذ همم التواقين إلى التطلع إلى غد أفضل لهذه الأمة المنكوبة، والتي لا تكاد تستفيق من نكبة حتى تمسي على أخرى، كأنما النكبات والنكسات قلادة محكمة الغلق على جيدها.
صحيح أنني كنت من المنبهرين بعظمة ذلك الرجل الفذ، لكنني لم أكن لأدرك المعاني الحقيقية والأبعاد الأصلية للثورة الإسلامية في إيران إلا بعد مطالعاتي المتصلة بالعقيدة، فكان كتاب المراجعات، ودلائل الصدق، وكتاب نهج الحق، والغدير الكتب التي اكتشفت من خلالها حقيقة الإسلام الحق، وموطن النبع الصافي الذي لم تعكر صفوه أدناس المنحرفين. وزادت فيما بعد كتابات الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه، مع ما كان يقع بين يدي من كتب العلماء الأعلام والشهداء السعداء، محمد باقر الصدر ومرتضى مطهري، مضافا إلى ذلك كله تفسير الميزان للسيد العلامة وحيد عصره وفيلسوف زمانه، السيد محمد حسين الطباطبائي، في تأصيل المعاني الحقيقية للدين الحق في عقلي ووجداني.
لقد كنت أتحين وقت الذهاب إلى سيدي أبي لبابة منطقة سكن الشيخ مبارك لملاقاته والجلوس معه لمطالعة كتاب المراجعات ثم دلائل الصدق. لقد كانت الأدلة التي كنا نقرأها كافية للوصول إلى الحقيقة بسرعة لسببين:
الأول:
أن تلك الأدلة مستقاة من مصادرنا المعتمدة عندنا نحن أهل السنة والجماعة عموما والمالكية خصوصا، والتي جاءت متظافرة متكاتفة يؤيد بعضها بعضا.
الثاني:
فداحة ضعف التأويل الذي تعلل به المعارضون لخط أهل البيت عليهم السلام لدرجة الإسفاف والكذب، دفعا للحقيقة وتغطية لسبيل الرشاد، مما زاد الحقيقة وضوحا وصبحها انبلاجا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، ندرك فداحة التأويل المتعرج من خلال صرف الخلافة أو الإمامة عن علي عليه السلام بتأويل الأحاديث الواردة في شأنه، وخصوصا حديث المنزلة بالقول أن خلافة علي عليه السلام في الحديث خاصة في أهله، أنظر إلى هذا التجني وتأمل بعينك زيغ الكاذبين على الله ورسوله، ومن سعى إلى النار برجليه وهو يعلم خطورة تجنيه، وهل كانت مسؤولية علي على أهله بحاجة إلى نص حتى تثبت؟ وهل يتصور عاقل أن هناك من سينازع عليا على زوجته وبنيه حتى يلجأ المناوئون إلى لي عنق الوصية نحو معنى لا يقبله عقل ولا يقوم على منطق سليم. كذلك حديث الولاية: من كنت مولاه فعلي مولاه. الذي أرادوا إفراغه من محتواه وتشتيت المعنى من كلمة مولى بالرجوع إلى اللغة واخراج أكثر من عشرين معنى لها. والحال أن الحديث لا يحتمل غير معنى محدد عليه مدار الحكومة بعد النبي صلى الله عليه وآله، للظرف الذي صدر فيه الحديث والمكان الذي لا يحتمل البقاء فيه لاعلام الناس بولاية علي عليه السلام، وما سبق ذلك من قوله صلى الله عليه وآله وسلم ألست أولى بكم من أنفسكم، لأنه صلى الله عليه وآله كان يقصد الولاية الكبرى، وما أعقب ذلك من البيعة، حتى لقد نقل الرواة قول عمر: بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
لكنني أقول أن من لم يستطع أن يعرف شخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وما اشتملت عليه من خصال وخصائص لا يمكنه أن يعرف شخصية علي عليه السلام. ومن لم يستقرئ التاريخ الذي واكب عصر النبوة وما تلاها من صراعات دارت حول الإمامة لا يمكنه أن يستشف كوامن الدس والتحريف. ومن لم يرتق إلى فهم ملامح الحكومة الإسلامية ومعنى الاصطفاء في القرآن لا يستطيع استيعاب حقيقة الإمامة.
وتسارعت وتيرة الأيام كتدافع الحقائق التي كنا نطالعها عن أهل البيت عليهم السلام، فلم يمر يوم من أيام دراساتنا حول الدين الإسلامي عقيدة وشريعة، أصولا وفروعا حتى يزداد يقيننا بأن الحق مع أهل البيت عليهم السلام، ولا يمكن أن يميل إلى غيرهم أو يعدل بهم إلى من هم دونهم أصلا وفضلا ومكانة وعلما وقربا من الله تعالى. وما إن أيقنا بالحقيقة حتى انتابنا شعور بالسكينة وتداخلتنا سعادة لا أستطيع وصفها، بأن الدرب الذي نسلكه اقتفاء لآثار آل البيت عليهم السلام، هو الطريق الموصل إلى حوض النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ونيل سعادة الدارين، فالحمد لله تعالى على منة الاستبصار وبحبوحة الإيمان، ونشكره على أن يسر لنا سبيل الهداية نحن أقل الناس حظا في هذه الدنيا الدنية، وهي التي لا تزال مصروفة عن وجهاء هذه الربوع وعلمائهم. وتلك حقيقة قرآنية تقول، أن أتباع الأنبياء وأوصيائهم عليهم السلام لم يكونوا في عين وجهاء المجتمعات ومستكبريهم غير المستضعفين والمنبوذين في أوساطهم. قال تعالى: "إن نراك اتبعك ألا أراذلنا بادئ الرأي".
لم يمر تشيعنا لأهل البيت عليهم السلام في الخفاء فقد أفقدتنا النصوص الجلية الصبر على السكوت حتى استيفاء الحقيقة كاملة والتشبع بها، فانطلقنا نحاور ونناقش كل من كانت تربطنا به صلة قرابة أو صداقة أو جوار، ففتحنا بذلك على أنفسنا أبوابا ما كان لها أن تنفتح في ذلك الوقت المبكر أهدرت الكثير من أوقاتنا دون فائدة. سوى القليل ممن أبصر الحقيقة. وبدأت الحرب الإعلامية على مستوى الاتجاه الإسلامي أولا وحزب التحرير ثانيا، وأذكر في الأثناء أن أحد قياديي حركة النهضة من مدينة قابس كان يصطحب معه أحد عناصر حزب التحرير للنقاش مؤملا إفحامنا وإرباكنا، لكننا والحمد لله رغم حداثة عهدنا بالتشيع وقلة الزاد والمعلومة وفقنا إلى إقامة الحجة على كل من جلسنا معه وناقشناه.
في أحد أيام صيف سنة 1983 بينما كنت أتجاذب أطراف الحديث مع أحد الأصدقاء إذ أقبل شخص من حركة الاتجاه الإسلامي، من سلك التعليم وله حلقة يحاضر فيها بالمسجد الكبير (بجارة مدينة قابس)، أدرك الرجل حديثنا عن العصمة فانبرى مقاطعا بأن العصمة لا تكون إلا لنبي، فما كان مني إلا أن تبسمت متأسفا لقوله، وأجبته: وهل هذا حديث حتى يستدل به، فأجاب أنه يعتقد ذلك، فقلت له على الفور: وأنا أجزم لك أنه لا علاقة له بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه عجز بيت شعر أعتقد أنه للحصري ويتغنى به صباح فخري، ومطلعه، "إن كنت أسأت في هواكم أدبي".
اصطدم الرجل بالإجابة فلم يدر ما يضيف، غير أنه استدرك قائلا أن النقاش بهذا الشكل سيكون مدعاة للتفريق ولا الجمع بين المسلمين، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى الوحدة الإسلامية، فقلت له: كلامك أيها الأخ وجيه ومهم ومصيري أيضا، ولكن ما رأيك عندما تجد نفسك أمام فسيفساء متداخلة من الألوان وأنت مطالب بأخذ لون واحد ماذا تفعل؟ ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ستنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين شعبة واحدة ناجية والباقون في النار". إن الوحدة التي يتمناها ويرجوها كل عاقل يدرك ضرورتها، هي العودة إلى أصحاب الحق، الذين جعلهم الله تعالى قادة الأمة الإسلامية وهداتها، أن تألف البيوت الطاهرة التي أقامها الله تعالى منارات هدى، وعلامات تقى، يأوي إليها الناس هربا إلى الله تعالى من الشيطان وأوليائه، فيها ما تحتاجه من دين صاف صحيح لم تتغير فيه شعيرة واحدة. ولما لم يجد ما يعقب انصرف عنا متعللا بضيق الوقت، لقد كانت علاقتي بكل الشرائح المتواجدة على الساحة الإسلامية علاقة ود واحترام، أخص بالذكر منهم، جماعة الاتجاه الإسلامي التي استفدت منها فترة انتسابي إليها، وغادرتها وأنا لا أزال أحترم عناصرها، كما انهم يبادلونني نفس الشعور.
وأذكر هنا أنه حصل تساءل حول كيفية الوضوء أثناء درس كان يقوم به إمام جمعة منطقة سيدي أبي لبابة المدعو حسين حسين، كان متعلقا بحكم الأرجل فيه، فغضب رجل ووعد من الغد بأن يأتي على حكم الوضوء من جميع جوانبه.
لم أكن حاضرا في ذلك اليوم، لكنني وجدت الخبر عند الشيخ مبارك الذي زودني بكتاب فقه الإمام جعفر الصادق عليه السلام للشيخ محمد جواد مغنية –الجزء الأول- ومن الغد ذهبت إلى المسجد لحضور الدرس. دخل إمام المسجد وهو يحمل قفة من الكتب، جلس مكانه ثم ابتدأ في سرد روايات القائلين بغسل الرجلين في الوضوء، صارفا النظر عن القائلين بالمسح في نفس الكتب التي جلبها دون استثناء، ودون أن يشير إلى إعراب الرازي للقراءتين رغم أنه استدل من تفسيره الكبير على ما كان عليه من براءة وقناعة وما إن أتم الشيخ استدلالاته الروائية، حتى رفعت يدي طالبا الكلمة فما كان منه إلا أن أمر بإقامة الصلاة، مع العلم أن الرجل لا يعرفني، فصلينا العشاء، وعند الفراغ من التعقيب، وفي أثناء انصراف الناس، دنوت من الشيخ مقدما الكتاب المذكور، فتراجع إلى الوراء خطوة وقال: لا حاجة لي بذلك أنا مكتف بما عندي. فابتدرته وجمع من المصلين حولنا: أتأذن لي بسؤال. فقال: تفضل. فقلت له بداهة: إنكم تقولون بجواز المسح على الخفين والجوارب في السفر. فهل يجوز لي أن أمسح على قفاز في إحدى يدي في حال السفر؟ فقال: لا أدري. فقلت له: أنا أقول لك، بما أن حكم الأرجل هو المسح فان فقهاؤكم جوزوا المسح على الحائل باعتباره مسحا على المحل وأما اليدان فان حكمهما الغسل فلا يجوز مسحهما بحائل أو بدونه، ألا ترى إلى مقالة ابن عباس التي نقلها أصحاب التفاسير باعتبارها تفسيرا واقعا لآية الوضوء ومقارنة عقلية ومنطقية بين التيمم وبين الوضوء فكانت النتيجة كالآتي: ما كان مغسولا في الوضوء مسح في التيمم، وما كان مسوحا في الوضوء سقط في التيمم، فسقط الرأس والرجلان وانكشفت حقيقة أن الرجلين حكمهما المسح وليس الغسل.
إن الذي ابتدع غسل الرجلين هو الحجاج بن يوسف الثقفي طاغية بني أمية فقد أخرج الطبري في تفسيره روايتين كشفتا أن الأمويين سعوا إلى تغيير كل شيء، حتى الأحكام التي لا ضرر عليهم من بقائها ومن شاء فليراجع تفسير الطبري وتاريخه ليقف على بعض من الحقيقة. ومع ذلك لم يقنع الشيخ بما قلته له وكيف يمكنه أن ينزل من برج كبريائه إلى مقالة واحد لا يعرف عنه شيئا. زد على أنه قام بعد ذلك في الجمعة التي تلت تلك الحادثة فشن حملة على التشيع والشيعة معتبرا أنهم خطر على الإسلام حسب رأيه. الجدير بالذكر أن الرجل من الذين أثرت فيهم الدعوة الوهابية.
واستمرت دراستنا وتواصلت دعوتنا للتشيع كإصبعين متلازمين امتثالا للحاجة ومقتضى الحال فكان التوفيق من الله تعالى والتسديد منه جل شأنه. لقد كان لنا في كل وقت إضافة خير وعند كل ضائقة كرامة لا يتسع المجال لذكرها والإتيان عليها، ولأنني من الذين لا يستسيغون كشف البواطن أو إظهار خصوصيات لا تهم إلا أصحابها.
علاقتنا بالدين بداية وانتهاء، هي علاقة عقلية يحكمها المنطق ويتفاعل معها الوجدان، ومن لم يعقل الدين بعقله لا يمكنه فهم معانيه ومقاصده، وتبقى علاقته به سالبة لارادة لتفاعل والذوبان.
حتى لا تمر قراءتي للمراجعات وغيره من الكتب مع الشيخ مبارك بعداش دون استكمال للفائدة اشتريت بعض المراجع لعل أهمها فتح الباري في شرح (صحيح) البخاري وجامع الأحاديث لمسلم النيسابوري الملقب ب (الصحيح) أيضا، وهما شيخا الرواية عند جمهور المسلمين والمعبر عنهم بأهل السنة، ولا أرى سنة لرسول الله في غير بيته، ولا في أهل غير أهله، لكنها السياسة والدهاء والمكر اقتضوا رفع الشعارات البراقة الخاوية على عروشها كالسراب الذي يحسبه الضمآن ماء تماما كما رفعت المصاحف لإيقاف الحق والتمويه عليه.
تتبعت الروايات التي استدل بها علماء أهل البيت على مخالفيهم فوجدتها صحيحة لا لبس فيها وأيقنت مع كل رواية كنا نقرأها ثم أجدها في الموضع المشار إليه بقوة الحجة واستقامة الدليل. ثم استعنت بعد ذلك ببعض كتب الرجال ككتاب ميزان الاعتدال للذهبي وأسد الغابة لابن الأثير والإصابة لابن حجر وتهذيب التهذيب في بحث أسانيد بعض الروايات عند كتابتي لبعض الدراسات التي كانت تدفعني الحاجة إليها لقلة الكتب التي كانت بحوزتي.
حبي الفطري لعلي كان وراء تشيعي بسرعة
رغم أنني لا أنكر أن فطريتي في حب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هي التي دفعتني دفعا وأنا أتصفح الورقات الأولى من كتاب المراجعات على معانقة الولاء الحق وتبني النظرية الإسلامية التي طرحها أئمة أهل البيت عليهم السلام للناس والتي تشكل في مضامينها مطابقة الحجة لدليلها. رغم ذلك فان ما لفت انتباهي وشد اهتمامي قوة الأدلة التي في حوزة المسلمين الشيعة وعلى وجه الخصوص منهم الإمامية الاثني عشرية. تلك النصوص التي حفلت بها كتب مخالفيهم قبل كتبهم. وهل توجد حجة أقوى من أن يحتج صاحب الدعوى على خصومه من كتبهم؟ لكن لماذا لا يدرك هؤلاء الخصوم بأن الدين الحقيقي والصحيح لا يقوم إلا عل الحجة والبرهان والدليل والبيان لا على التبعية العمياء والتوارث البغيض؟
حقيقة واحدة حالت دون بلوغ هؤلاء لإدراك الصواب وهي قصورهم عن البحث والاطلاع واقتصارهم على ما قرره علماؤهم (أن صحت التسمية) بخصوص التشيع وأهله دون التثبت فيما جناه هؤلاء المتقولون لطمس الحقيقة والنأي بها عن عقول الناس.
ولكن للحق صولة تبرق من بين ثنايا ظلمات الباطل بارقة الحق. فتدحض الدعاوى الزائفة والترسبات الغريبة بوميض صدقها، وقوة دلالتها واستقامة برهانها.
تعرفت في عملي على أحد الزملاء وبمرور الأيام اصطفيته لنفسي أخا وصديقا. فتمتنت العلاقة وتوطدت أواصر المودة بيننا حتى صرنا قليلي الافتراق عن بعضنا. حدثته عن التشيع لأهل البيت عليهم السلام فوجدته متهيئ رد علي قائلا في يوم من الأيام بأن الذي جعله يدخل التشيع بدون تردد هي آية واحدة وهي " بسم الله الرحمان الرحيم " كان الرجل مالكيا بالوراثة شأنه شأن عموم أتباع المذاهب الأربعة (الحنفية، المالكية، الشافعية، الحنابلة) استوقفته الآية تساءل عن عزوف المالكية عنها وعن علة اعتبارها مكروهة عندهم في القراءة أثناء صلاة الفريضة، وهي تكاد تكون الاسم الأعظم، حسب ما جاء من روايات بخصوص عظم قدرها وعلو مقامها، كان ذلك أول الخيط الذي أمسك بطرفه ليدرك الحقيقة، أخبرته بعدها بأن معاوية ومن تبعه من حكام بني أمية على ذلك، هو أول من منع البسملة في الصلاة كما صدع بذلك النيسابوري في تفسيره بهامش تفسير الطبري، حيث تعرض لاختلاف روايتي أنس بخصوص البسملة منعا وإجازة فقال: وكان بنو أمية يبالغون في المنع (قراءة البسملة) سعيا لابطال آثار علي بن أبي طالب عليه السلام، فلعل أنسا خاف منهم لذلك اضطربت رواياته.
إذا تلك دلالة قوية تقول بأن الدين الإسلامي الذي جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين وقع تحت طائلة الطغاة والظالمين، وحسب أهوائهم ومصالحهم ونزواتهم يجيزون للناس ما يرونه ويمنعون عنهم ما لا يرغبونه، حتى وان كان لا يشكل عليهم خطرا كالبسملة، التي منعها معاوية لا لشيء سوى أن عليا عليه السلام كان يستفتح بها في كل صلاة يصليها، إمعانا منه في إبطال آثاره. كأنما علي عليه السلام مبتدع، ومعاوية الطليق ابن آكلة الأكباد مصحح ومرجح، وهل علي عليه السلام سوى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بمنطوق آية المباهلة التي تقول: " فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين". اتفقت الروايات على أن رسول الله أخرج لمباهلة وفد نصارى نجران الحسن والحسين (أبناءنا) وفاطمة (نساءنا) وعليا (أنفسنا) عليهم الصلاة والسلام. وهل علم علي عليه السلام إلا باب لمدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله كما في الحديث المشهور ٌ"أنا مدينة العلم وعلي بابها" ولم يكن هناك بشر بعد رسول الله (ص) أعلم منه حتى ابن عمه عبد الله بن عباس الذي حاول البعض جعله بديلا للإمام علي عليه السلام فمنحوه ألقابا لا تستقيم له في وجود علي والحسن والحسين عليهم السلام. فقالوا بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن، سئل يوما فقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال رافعا لكل شبهة ": كقطرة ماء في البحر المحيط ".
وهل صلاة علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والناس عاكفون على أصنامهم يعبدونها فعرف الله تعالى ووحده وتقرب منه إقتداء وتأسيا وتعلما من ابن عمه وأخيه بالمؤاخاتين في مكة والمدينة. كان عليه السلام يقول "عبدت الله تعالى قبل أن يعبد الناس بسبع سنين ".
فكيف تستقيم مقايسة التبر بالتبن والثريا بالثرى " إنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور "
لقد كانت فترة المراجعة التي قمت بها لتمييز الحق من الباطل، كافية لابراز عدد من العلامات الدالة على صحة دعوى المسلمين الشيعة بأنهم الفرقة الناجية، وأنها هي على الحق لا تزال تمسك بحبل الله المتين وتستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وإنها على الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من أهل البيت اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
من بين الحقائق التي وقفت عليها في بحثي عن الخط الإسلامي الأكثر صحة:
حقيقة عزوف من سماهم حكام الظلم والجور أهل السنة والجماعة عن الرواية عن الإمام علي عليه السلام واستبدلوه بغيره ممن لا وجه لمقارنته به؟
إن المتأمل في الكتب الروائية لهذه الفرق يلاحظ شحا غريبا وعجيبا من منها لروايات أمير المؤمنين وذريته الأئمة الهداة، رضوا بالأخذ عن غيرهم ممن لا وجه لمقارنتهم به، بل إن بعضهم استكان في أخذ الرواية عن أعدائهم، وأعداء أهل البيت كما هو معروف من كلام سيد النبيين: "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق". فعمران بن حطان السدوسي مثلا من رواة البخاري قمة التحري في الرجال عندهم، كان مبغضا لأمير المؤمنين عليا عليه السلام، لدرجة أنه قال شعرا، يمدح فيه عبد الرحمان بن ملجم المرادي لعنه الله تعالى قاتل الإمام علي، والذي سماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه أشقى الآخرين. حتى الروايات التي نقلوها عن الإمام علي عليه السلام، كانت من باب التلفيق عليه والكذب الخسيس، الذي روجوه عنه بأمر من الطغاة والظالمين، فعلى سبيل المثال نجد أنهم يفترون عليه القول بتحريم المتعة والحال أنه قد تسالم الجميع على أنه صاحب القول بأنه لو لا أن نهى عنها عمر ما زنى إلا شقي.
ينقلون في أمهات كتبهم بأنه باب مدينة علم رسول الله (ص) وينقلون عنه عليه السلام قوله: علمني رسول الله (ص) ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب". وقوله: "لقد كان رسول الله (ص) يزقني العلم زقا". وكان يقول: "سلوني قبل أن تفقدوني". وكان يشير إلى صدره فيقول: " إن ها هنا لعلما جما "
ورغم ذلك كله نجد أنه لاحظ له من بين أكثر الرواة عندهم رواية أمثال أبي هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وغيرهم ممن عدت رواياتهم بآلاف، ألعلم هؤلاء الذي فاق علم باب مدينة العلم؟ أم لسياسة كانت متبعة في العصر الأموي، دفعا لمكانة أهل البيت ومقام الصفوة الطاهرة؟
لماذا تتمحور جل رواياتهم في أسانيدها على أسماء لم تعرف بالعلم ولا بالسبق، خاصة ولدينا قرينة تقول بتأخر عصر التدوين عندهم إلى القرن الثاني عند هؤلاء. فهل كان ذلك لتمييز بين تلك الأسماء ومن اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا؟ أم أن تأخر التدوين كان يراد منه تكبيل الشريعة وتعطيلها، إن لم نقل محقها وتضييعها، والباحث المنصف يقف أمام حقيقة دفع الحق عن أهله، وتغييب مضامين الدين القيم عن الناس، ليستمر العمل على هدمه دون رد فعل.
أما أسماءهم عليهم السلام، فان الملتفت إلى هذه الإشارة يدرك جيدا مدى عمقها، ودلالتها على أن هذه الصفوة مرتبطة بالله تعالى في كل صغيرة وكبيرة بدأ بالتسمية فعلي عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام أسماء لم تكن معروفة قبل في قريش ولا في بلاد العرب قبل ولادة هؤلاء.
بل إننا قد نجد في الروايات والأحاديث التي تشير إلى أن تلك الأسماء إلهية بحتة، كلها مشتقة من الأسماء الحسنى. ففي الحديث القدسي الذي خاطب فيه المولى سبحانه وتعالى نبيه الأعظم صل الله عليه وآله وسلم بقوله: " يا محمد اني قد اطلعت على الأرض اطلاعة فاخترتك منها واشتققت لك اسما من أسمائي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت ثانية فاخترت عليا واشتققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو علي". هذه إشارة لطيفة لمن ألقى السمع وهو شهيد. قد تعيد من لم تتلوث فطرته بآراء أشباه العلماء والفقهاء والمتكلمين ممن باعوا ضمائرهم وآخرتهم، تزلفا لملوكهم وسلاطينهم، أو استكبارا من عند أنفسهم.
وان فاتك إدراك كل هذه المعاني والإشارات. فلا تفوتك سيرة هؤلاء الذين لم يسجل لهم التاريخ غير المكارم والفضائل التي لا يدانيها أحد من العالمين. إن شئت هذا علي نفس الرسول الأعظم صلى الله عليهما قد اخذ بمجامع العلوم فكان الأصل الذي عاد إليه كل صغير وكبير، حتى عد اصل كل علم بعدما عده النبي باب مدينة علمه. أما أخلاقه وسيرته فهي تنبئك على أن الذي وقعت عليه كان سفينة النجاة وباب حطة، منه تعلم العارفون التعامل مع الدنيا والعيش فيها فكان بحق سيد الزاهدين وافضل العابدين بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ونحا نحوه ذريته وصفوته الطاهرة يسلكون نهجه، وقلوبهم وجلة من خشية الله، لم تداخلهم الطمأنينة في جنب الله تعالى حتى يتسأنسوا بالرضى على أفعالهم، فكانت حياتهم كلها تضحية وعطاء، رغم أنهم سادة الأولين والآخرين، بشرهم بذلك خالقهم فلم يرضوا بغير العزوف عن هذه الدنيا، إلا من عمل صالح فعلوه.
وبعد فهذه عينات من أبحاث ودراسات كتبتها لغايتين الأولى نشر تجربتي وانطباعاتي وقناعاتي، وكل ما توصلت إليه خلال مسيرتي على خطى أهل البيت عليهم السلام، سالكا نهجهم، مقتفيا آثارهم، حبا لهم وحبا لله الذي أمر بحبهم واتباعهم، أقدمه إليهم راجيا القبول، وشأنهم دوما أن لا يردوا هدية قدمت إليهم حتى لو كانت صغيرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تأملات ومقارنات
إن من لم يدرك حقيقة أئمة أهل البيت عليهم السلام، لم يفهم معنى الاصطفاء الإلهي، ولم يع البعد القيادي الذي فرضه المولى تعالى على أهل طاعته، وهو محتاج إلى إعادة قراءته للمنهج الإسلامي العام، ليتحقق من استيعابه لكل التفاصيل التي جاء بها الوحي، وصدع بها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. إن كلامي هذا ليس من باب التبجح ولا من زاوية المزايدة التي غالبا ما يركن إليها الجاهل والمستكبر أو الذي في قلبه مرض. بل هي دعوة إلى كل مسلم نصب بين عينيه تقوى الله، واجتهد قدر طاقته في الفرار إليه جل شأنه. أولى الخطوات التي تحقق التوجه إلى الله تعالى، التأمل في ما ألقي إلينا على مدى أربعة عشر قرنا والتحقق منه، فان لم نستطع ففي التأمل في بعض العلامات التي بقيت إلى يومنا هذا مؤشرا على صحة خط واحد من هذه الخطوط التي ترفع شعار لا اله إلا الله محمد رسول الله، لأن في دخائل بقيتها، كثير من التحريف والكذب على الله تعالى وعلى رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. ومس وتشويه ألحق بالواجهة الكبرى للإسلام وأهله ضررا من الصعب تنقيته بسهولة، ثاني الخطوات اعتماد قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله".(1) كغاية وهدف من رواء بحثنا، مبدؤنا الأول الذي نتفق عليه هو ما كان معمولا به عند عدد من الفقهاء والعلماء: "إذا صح الحديث عند غيري فهو مذهبي".(2) وأعتبره عنوان التسامح والبساطة والنزول إلى الحق، باعتبارنا كلنا باحثين عن الحقيقة وساعين إليها. كما إنني لست في مقام التخطئة أو التبرئة لأحد من بني عصري أو العصور التي كانت بعيدة عن عصور التشويه والتلفيق، كل ما أسعى إليه هو أن أقدم نصيحتي وأطرح شيئا من القاناعات التي توصلت إليها على مدى سنوات، قضيت أكثر أوقاتها في البحث والمطالعة، مقارنا ومستنتجا ومتأملا فما بين أيدينا من ركام خمسة عشرة قرنا.
منذ أمد ليس ببعيد كنت أعتقد أنني من أوليك الذين من الله تعالى عليهم بالهداية ودخول الإسلام من بابه الكبير، وورود منهله الصافي، حينها ما كان في تصوري أن الواجهة التي حططت فيها والركن الذي آويت إليه كان من أوهن البيوت عند الله تعالى، لأنه باب نهى عنه وذم المعتصم به، فالتقليد الأعمى والاتباع الذي لم يتخذ من العلم وسيلة لإدراك الحقيقة، هما البضاعة التي لا حظ لها في الدنيا والآخرة، وليس لها عند الباري تعالى أي قيمة. الدين علم يسبق العمل، ثم عمل يصدق العلم، ومن ترك العلم في أخذ دينه إلى سبل أخرى فانه لن يدرك من الدين شيئا ولن يعرف من حلاوة العقيدة ومعانيها العظيمة ولن يفهم علل الشرائع وأسبابها ولا كنه الوجود بأسره. إذا ما هو المطلوب منا إن كانت لدينا الإرادة القوية والعزيمة الصادقة والإخلاص لله تعالى للوصول إلى الأخذ بلب هذا الدين والامساك بلوح نجاته وسط هذا الخضم من التناقضات؟
هذه تأملاتي واستشرافاتي التي كنت قد وقفت على حقائقها من خلال ما كانت تطاله يداي من مطالعات وقراءات واستماع ومقارنات، أفضت بي إلى الإرساء على ساحل لم يكن في حسباني أن أنتهي إليه وأستطيب العيش في وسطه، متمنيا أن لو كان في الإمكان إرجاع الزمن إلى الوراء لكان مرساي فيه باكرا. لكنها المشيئة الإلهية والعناية الربانية...
لم أصل إلى معرفة الوجهة الصحيحة والمرآة الصافية للدين الإسلامي إلا بعد أن عرفت طريقة أهل البيت وأطروحتهم ورؤيتهم التي أخذوها عن جدهم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن من السهل على شخص كان معتقدا أنه سالكا طريق الهدى، فيكتشف أن محصله من الدين لا يتجاوز القشور والمعاني، التي أوجد جانبا منها أعداء الإسلام من منافقين ويهود، تسللوا إلى داخل الكيان ليضعفوه ويقوضوه بعد ذلك. العامل الإيجابي الذي كنت متميزا به وساعدني على تقبل الحقيقة بكل رحابة صدر، هو الصبر والأناة وبعدي عن أي تعصب يحول بيني وبين إدراك حل أي مسألة تعترضني، قد يكون ذلك راجعا إلى معدني وأصلي أو إلى شيء غيبي آخر لم أدركه بعد.
فإذا كنت أخي المسلم ممن يختزل في داخله الصبر والأناة وعدم التعصب، إذا كنت ذلك الإنسان الذي يبحث عن رضى الخالق، ويعتبر نفسه بالأساس عاملا في خط العبودية لله، وليس مالكا كما وضع كثير من المسلمين اليوم أنفسهم، ونصبوها قاضية وحاكمة على بقية الخلق كأنها تملك ذلك الحق.
إن التجرد من هذه العصبية العمياء، هو العمل الذي يجب على الباحث عن الحقيقة أن يتحلى به، لكي يصل إلى بر السلام من سفرته بين ركام خمسة عشر قرنا، طالبا من الله تعالى العون على هدايته. إذا كان الله تعالى قد طلب منا أن نتوجه إلى أهل الكتاب لنفتح معهم صفحة جديدة وكلمة سواء تجمعنا على العيش على هذه الأرض بلا تناحر ولا تعد وان نعبده وحده بلا شريك، بمعنى أن لا نتخذ من دونه أولياء، فهو الولي المطلق، وكل ولاية ليست مستمدة من ولايته باطلة، فان دعوة الباري تعالى إلينا نحن معشر هذا الدين الخاتم إلى أن نعتصم بحبله جميعا، حبل الله المتين وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، كما هو صريح وواضح لدى نقلة الأحاديث ورواته، قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اني تركت فيكم الثقلين، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما".(3)
قد يستغرب الكثيرون من هذا الحديث، وأنا أعذرهم في ذلك لأنهم ألفوا حديث يقابله وهو: تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدى كتاب الله وسنتي". ، الحديث الأول هو الأصل والصحيح والثاني وقع وضعه من قبل الذين سعوا لافساد الدين وابعاد الناس عن الذين عندهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دون زيادة ولا نقصان، خوفا من أن يعود الوعي إليهم فيثورون عليهم ليعيدوا الحق إلى أهله. لسنا إذا في وضع إنكار السنة المطهرة فجاحدها كافر بإجماع المسلمين ولكننا في مقام ترجيح رأيين: رأي يطلق السنة في الناس هكذا من غير ضابط، مخالفا بذلك كتاب الله والصحيح من السنة. ورأي يقول بأن السنة مقيدة وهي في أشخاص معينين أقرب ما يكونون من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لم أصل إلى نبع الإسلام الصافي إلا بعد أن تجردت لله تعالى من كل تبعة وتصور مذهبي، لأن أغلب المذاهب التي عليها الناس غير ملزمة، ولم يدع أصحابها بأنهم يمتلكون الحقيقة كاملة، ولا اتبعهم الناس في عصورهم، وانما هم في غالبيتهم فقهاء سلاطين عصور دموية، استطال فيها الباطل والظلم حتى صار ظلا يتخذه الناس سكنا، أو هم في حالات أخرى قضاة نصبهم الطواغيت يحكمون باسم الدين، ويعنونون حكوماتهم بذلك.
ذلك التجرد مهم جدا، لأننا فعلا لا نملك عن الإسلام إلا ما جاءنا من تلك الطرق، وليس لنا من حل سوى أن نركم ما كان متبعا بالتقليد الأعمى، الذي لم يستند يوما إلى علم، لنعيد القراءة من جديد، وبذلك يتسنى لنا أن نفوت الفرصة على التعصب الذي لا طائل من ورائه، سوى بث الحقد وإيغار الصدور، على مسائل كان يجب أن تؤخذ من زاوية العقل والعلم والدرس، دليلنا الأكبر هو قوله تعالى: " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". تعالوا اخوة الإسلام إذا، لنعاهد الله تعالى على المضي في معرفته والأخذ بدينه، وان نلزم أنفسنا بأن لا نتعبد بشيء مستقبلا، سوى ما جاء في كتاب الله تعالى، وما تحققنا صدوره عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فلننطلق على بركة الله وعونه وتسديده، وان التبس علينا أمر، فلنتوجه إليه تعالى طالبين منه العون على إدراك الحقيقة، وسائلين الهداية والتوفيق.
العلامة الأولى:
التي وقفت عليها وأنصحكم بأن تأخذوها بعين الاعتبار ولا تهملوها، رأيت فيها السبب بلية الأمة والمرض الذي بدأها وأجرى عليها ما هي فيه الآن من فرقة وتشرذم وانكسار وضعف حتى صار أضعف شيء فيها هو دينها. وهو عبارة على وضع اليد على العلة، وموضع الداء الذي أفضى بنا إلى هذا الهوان. فقد نقل المؤرخون: أن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسب علي عليه السلام والبراءة منه... وكتب بذلك في الآفاق. وخطب بذلك على منابر الإسلام، وصار ذلك سنة في أيام بني أمية. ونقل أيضا أن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية: يا.....، انك قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل. فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا. وروى المدائني في كتاب الأحداث: " قال: كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة، أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب (يقصد به الإمام علي بن أبي طالب) وأهل بيته. فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليه ويبرئون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته... وكتب أيضا ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم واكتبوا إلي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا. ثم كتب إلى عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين (مثنى وليس جمعا بنصب اللام وجزم الياء، فهو لا يعترف بأبي الحسن أصلا)، فلا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فان هذا أحب إلي وأقر إلى عيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، واشد إليهم من مناقب عثمان وفضله. فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظم الناس في ذلك بلية، القراء المراءون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحضوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضياع والمنازل. حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها.(4)
لقد صرحت روايات المؤرخين بأن أساس التحريف والتغيير الذي طرأ على بعض أحكام الدين، كان من قبل معاوية بن أبي سفيان الذي تربى بين المحاربين لله ولرسوله، ولم يدخل الدين من باب البحث التأمل وانما دخله من باب الكراهة والأمر الواقع، وسماه وأهله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالطلقاء لأنهم لم يسلموا في حقيقة الأمر. وأكبر دليل على دخائلهم المريضة أنهم ما إن تحينوا الفرصة للانقضاض على السلطة حتى اظهروا من عجيب البغض والحقد والكراهية لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ما تجاوزه إلى الإحداث في الدين والإلباس على الناس. ولقد بين تصرف معاوية وابنه أن أسرة أبي سفيان لم يكن لها فهم في دين ولا رسوخ في عقيدة، لأن استهتارهما بكل القيم والمقدسات فاق تصور المعاصرين لهما. هذا والأحاديث عند ذلك الفريق لم تدون ولا أدرجت ضمن اهتمامات الأنظمة، إلى أن ذهب كل الذين عاصروا النبي صلى اله عليه وآله وسلم وكل الذين تبعوهم، مما ساعد على تفشي الكذب على الله ورسوله، بينما حافظ أهل البيت على سلامة مخزونهم، ووثاقة نقلهم لتواصل الأئمة وتتابعهم على مدى ثلاثة قرون.
أما ما طالته أيدي التحريف الخبيثة، فعدد من المسائل المتعلقة بالدين عقيدة وشريعة، لأن الدين الحق ونهجه القويم، لا يتعايشان مطلقا مع الظالمين، كما أنه دستور لا يتجزأ، ولا يستقيم منقوصا، كما يرغب فيه أعداءه دائما. وعليه فان الحملات التي شنت عليه لتدجينه، ووضعه موضع الحالة الشاذة في كل عصر، والقاعدة التي لا يرجع إليها في كل مصر.
البداية كما حملتني تحملكم إلى النظر في معني التوحيد، ومعرفة الخالق تعالى، لأنه المدخل الأول للعبادة السليمة، فكل المدارس التي خرجت عن دائرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، وقعت في منزلق التأويل الخاطئ، والفهم القاصر بتثبيت روايات موضوعة، لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تقف أمام كلام الله تعالى، وما صح حقيقة من روايات صدرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من أن الله تعالى خالق الكون والحياة ومنشئ الوجود من عدم، قديم ليس لقدمه حد ولا لبقائه نهاية، ليس له مكان يحويه أو يأوي إليه، إذا فهو ليس بجسم كما يتصور (أهل الحديث) عند العامة، قال عن نفسه في كتابه العزيز: "ليس كمثله شيء" ولا يمكن أن يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، لاستحالة رؤية غير الأجسام، ولقوله تعالى أيضا: " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار".(5) وقوله لموسى عليه السلام رادا على قومه: "انك لن تراني".(6) ولن هنا تفيد التأبيد وليست ظرفية حتى ترجح رؤية المولى تعالى عند من يعتقدون بذلك.
ويستمر التحريف في عقيدة التوحيد إلى سلسلة من الروايات التي جعلت من رؤية المولى تعالى أمرا محتوما فتعبدها الناس يشغف الذي يريد رؤية ربه تماما كما فعل اليهود بإصرارهم على رؤية الله تعالى، ولفقوا على رسول الله صلى الله عليه وآله ما هو بريء منه، وقالوا بنزوله إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، دون الالتفات إلى أنهم يفترون على الله تعالى ويضعونه في معتقدهم موضع الجسم المحتاج، إذ أن حركة النزول كما ادعى ذلك ابن تيمية في مسجد دمشق فقال: إن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا(7). هي من أعراض الجسم والله تعالى كما صرح بنفسه أنه ليس كمثله شيء، وكما أكد ذلك أئمة أهل البيت عليهم السلام أن رؤية الباري تعالى غير ممكنة لأنه ليس بجسم لكي يرى وليس أبلغ مما جاء في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث يقول في إحدى خطبه البليغة: "... أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وكل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم؟ فقد ضمنه، ومن قال علام؟ فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، غير كل شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور له من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يشتوحش لفقده".(8)
إن الأدلة على أن الله تعالى لا يحويه مكان ولا زمان، نفي الجسمية عنه من خلاصة التوحيد لأن الجسم محدود والمحدود لابد أن يكون في حيز والذي ينحاز في مكان يمكن الإشارة إليه وتحديده، ورب العزة جل شأنه منزه عن ذلك. ومن بديع كلام أبي الحسن أيضا: " الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور ودلت عليه أعلام الظهور وامتنع عن عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره ولا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلو فلا شيء أعلا منه، وقرب في الدنو فلا شيء أقرب منه، فلا استعلاؤه باعده عن شيء من خلقه ولا قربه ساواهم في المكان به".(9)
وما دمنا في عقيدة التوحيد، فقد نسب عدد من مدارس الفقه والكلام إلى الله تعالى الظلم بأنه يوم القيامة قد يدخل النار أهل طاعته والجنة أهل معصيته. ومنهم من ذهب إلى أبعد من ذلك فنسب أفعال العباد كلها لله، وأن الناس مجبرون على أعمالهم سيئة كانت أم حسنة، قبيحة أم جميلة، منكرين مسألة الحسن القبح العقليين، وأنه لا قبيح إلا ما قبحه الشرع ولا حسن إلا ماحسنه الشرع استنادا على مرويات لا تقوم على أساس سوى أن ملفقيها كانوا يريدون أن يتستروا على جرائمهم بأنها من الله تعالى، فنشأت المرجئة والمفوضة في أحضان الملك الأموي، الذي حرف كثيرا من الثوابت وذهب من ذهب منهم إلى أن صفات الله تعالى هي غير ذاته، ونسبوا له جوارح كالمخلوقين، وهؤلاء هم المجسمة الذين فسروا معاني الآيات القرآنية على ظاهرها دون الرجوع إلى المصدر المؤمن من الباري تعالى وهم صفوة المختار عليهم الصلاة والسلام.
ولعل أشد الفرق الإسلامية التي ترفع شعار التسنن بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي أبعد ما تكون منه، الحنابلة ومن تابعهم بعد ذلك من والوهابية، كانوا ولا يزالون غير متورعين فيما ينسبونه من صفات إلى الله تعالى وكتبوا في أنه في السماء وأنه ينزل إلى السماء الدنيا في صورة شاب أجعد أمرد على ظهر حمار، وهذبوا بعد ذلك ادعاءهم بقولهم أنه ينزل فقط وحده نعوذ بالله من ذلك الجهل المطلق(10). وكان أبو الفراء الحنبلي(11) من بين من روج لهذه العقيدة، وتبعه عليها أغلب أهل الحديث الذين غلب عليهم التزمت والتحجر والجمود، أمام نصوص كان حري بهم ردها من الأساس لأنها ملفقة عن النبي صلى الله عليه وآله، لا يمكنها الوقوف أمام الآيات القطعية الدلالة، والروايات الثابتة الورود. إن الذين ركبوا الدين من زاوية الخرافة أعجبهم أن يأخذوا عقيدتهم من روايات تتفق وتتطابق مع عقيدة أهل الكتاب من أننا نحن البشر قد خلقنا الله تعالى على صورته، نعوذ بالله تعالى من فساد العقيدة وسوء المنقلب، حتى إن أبا هريرة المتأثر بما يلقيه إليه كعب أحبار اليهود، كان يروج لذلك بنقله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله قد خلق آدم على صورته. وانه يضع رجله في النار ليملأها، وأنه يتنكر يوم القيامة فينكره المؤمنون... إلى غير ذلك مما يضيق به المقام من التفاهات التي لا ترقى إلى العقل السليم.
خلاصة التوحيد عند أهل البيت ما جاء عن أئمة الهدى بدأ من أبى الحسن علي بن أبي طالب ومرورا ببقية عترته الطاهرين، عندما تقرؤه تجده كلاما واحدا لا تغيير في معانيه ولا في ألفاظه، متصلا بعضه ببعض فكرا ولغة، من علياء الفكر الإلهي تزودوا، ومن بديع المعاني اللغوية أفاضوا على المسلمين علومهم وكلامهم. ولولاهم لتحولت أمة الإسلام إلى عبدة اله مثل الذي يتخيله المجسمة ومن نقل عنهم كل تلك الأباطيل التي تعج بها كتبهم.
بعد التوحيد تأتي النبوة وقد أثخنتها الأيدي جراحا وفعلت فيها فعل بني إسرائيل في أنبيائهم، فنسب الذين يدعون بأنهم أصحاب سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، له كل نقيصة ومعرة حتى لم يعد هناك ما يلفقونه عليه. فقالوا على سبيل المثال بأنه لم يكن معصوما، وان صحت عصمته ففي الوحي فقط، وقالوا بأنه يتبول قائما، وأنه يقبل ويباشر وهو صائم وقالوا بأنه كان يطوف على نسائه التسع في ليلة واحدة وبغسل واحد وقالوا بأنه نسي القرآن فذكره قارئ بالمسجد وقالوا بأن آية عبس وتولى نزلت فيه، وقالوا بأنه أمر بعدم تأبير النخيل فشاص فلما أعلموه بالكارثة قال لهم أنتم أعلم بأمور دنياكم.
وقالوا بأنه سحر ثلاثة أشهر لا يدري ما يأتي به من فعل، وقالوا بأنه من ضمن من مسه الشيطان لأن الرواية استثنت عيسى بن مريم عليه السلام فقط.(12)
إلى غير ذلك من الترهات الخزايا التي أفرغت على شخص خاتم الأنبياء والرسل وحبيب رب العالمين النور الذي خلقه قبل أن يخلق الخلق جميعا. فأي نبي هذا الذي يتظاهرون بتعظيمه وكتبهم ملآى بنقيصته وتحقيره، ثم يسمونها بأنها أصح كتب بعد كتاب الله تعالى. ويتسمون بعد ذلك بأنهم أهل السنة، فعن أي سنة يتحدثون؟ وأي نبي يتبعون؟ نعوذ بالله تعالى من قصر العقل وغباء الفكرة.
إن الذي عليه معتقد أهل البيت عليهم السلام في النبوة هو أرجح المعتقدات الإسلامية من أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم اصطفاه الله تعالى قبل أن يخلق الخلق بآلاف السنين، والذي يصطفيه الله تعالى يجب أن يكون معصوما مبرأ ومنزها عن كل نقيصة وعيب. لا يجوز عليه حتى السهو لأن حضوره الذهني والقلبي مطلوب على مدى تكليفه.
لقد طال التحريف في المنظومة الإسلامية فلحق بعض تفاصيلها وأحكامها، لأن من حكم رقاب المسلمين، واستحل دماءهم الزكية، لم يكن ليأبه لسلامتها، ولا ليعير مسائلها اهتماما. لقد ترك أولئك الظالمون بصماتهم عليها، وهي لا تزال بين أيدي الكثير من المسلمين يتعبدون بها ويعتقدون أنها صحيحة، وورودها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعي لا شك فيه، والحال أنها إيحاءات شيطنة وانحرافات صارخة، ودلت آثارها على أن الحق ليس له أوجه بل له وجه واحد لا يتغير على مدى الدهر، وليس هناك متغير غير النفاق وأهله. التجني الذي نتحدث عنه لم يترك شيئا إلا وشوه حقيقته، لأي سبب يا ترى؟ هل وصل البغض لأهل الدين، تلك البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، بأن هانت دماءهم وأعراضهم على أمة جدهم، فجابهوهم بالقتل الذريع، وامتدت أيدي المجرمين إلى تراثهم الذي هو الإسلام الحق ودين الصدق، لم يصفهم الله تعالى بالصادقين إلا بعد أن أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولم يأمرنا بالاقتداء بهم إلا بعد أن سبرهم ظاهرا وباطنا وزادهم من فضله. تلك هي سنته تعالى في مخلوقاته، يصطفي منهم ويختار الأقدر والأمثل والأقوى على أداء شيء عنه.
إن الخط الإسلامي الذي شهد له العارفون جميعا بأنه الوحيد الذي لم يخرج من بلاطات السلاطين ولا أوعز من طرف طاغية، ولا شد ازره حاكم، هو خط الإمامة الإلهية الذي يتمثل في الشيعة الإمامة الاثني عشرية، الذي بدأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإعداد الثلة التي رافقت الإمام عليه السلام في مسيرته بعد النبي وكانت مثالا رائعا في الموالاة والإخلاص، أمثال سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن عمرو ومرورا بعصور الأئمة الميامين وأصحابهم رضوان الله تعالى عليهم، إلى قيام الإمام الخاتم، الحجة بن الحسن روحي له الفداء وأنصاره، وظهور الدين الحق على يديه في أجلى صوره، أما بقية المذاهب فقد كانت على صنفين:
الأول:
وهي المذاهب الأربعة (حنفية، مالكية، شافعية، حنابلة) هذا إذا أضفنا لها المذهب الوهابي في الجزيرة العربية والمذهب الأباضي في عمان (مسقط) كانت مزكاة ومدعومة ومقدمة من طرف الأنظمة التي عاشت بين أكنافها. ولو قدر لها أن لا تجد لدى تلك الأنظمة الدعم والرعاية والتأسيس لما عاشت ذلك الردح من الزمن، ولانقرضت كغيرها من المدارس الفقهية التي ما إن توفي أصحابها حتى اندرست وعفي ذكرها، وهي على أحسن الأحوال قد مر عليها المؤرخون مرور الكرام.
الثاني:
وهي بقية المذاهب والآراء التي عرفت بأسماء أصحابها الذين كان عدد لا يستهان به منهم لا يقلون ورعا وتقوى وعبادة عن أصحاب المذاهب المذكورة بل لعلهم يفوقونهم في كثير من الخصائص والخصال التي كانت لا تعجب الحكام في ذلك العصر وفي كل عصر، من بينهم أساتذة أولئك الفقهاء ومع ذلك لم تشفع لهم مشيختهم في الظهور لعدم رضى الملوك عنهم على الأرجح. فأين مذهب الليث؟ وأين مذهب الطبري؟ وأين مذهب الأوزاعي؟ وأين مذهب الثوري؟ وابن عيينة؟ وغيرهم ممن باد حتى اسمه.(13)
العلامة الأولى التي يمكننا أن نخرج بها في هذا الإطار واضحة كالشمس، تقول: إن خط الإسلام الإمامي الاثني عشري هو الوحيد من بين بقية المذاهب، الذي لم يركن إلى سلطة ولا قارب بلاط ظالم، مذ تكون إلى يوم الناس هذا، علاوة على أنه ظل محاربا ومطاردا، وتهمة لا تترك لصاحبها من نفسه سوى أمرين، إما أن يعيش في الناس مداريا، أو أن يعيش فارا متواريا، لأنه إن لم يفعل ذلك لحقه الأذى من اعتقال وتعذيب وقتل وانتهاك حرمات، لأنه موال لبيت يمثل العارضة في أقوى صورها، المتمثلة في قوة الدليل ومنطق العقل المستنير بنور الله تعالى، ومن سبر أغوار ما كتب من تاريخ أسود لهذه الأمة – لفوت ما لم يكتب – يقف على هول الجرائم التي ارتكبت في حق الطاهرين من آل محمد وأتباعهم، بدعوى الرفض وبدعوى الباطنية وغيرها من التهم التي كانت ترفع في كل حملة. ورغم الإبادة التي كان يتعرض لها خط أهل البيت عليهم السلام منذ العصر الأموي، والدعاية المغرضة والتشويه الكاذب الذين كانا يلصقان بالصفوة الطاهرة، ومن والاهم وأحبهم طاعة لله ورسوله - والحب المقصود هنا هو الاتباع لا غير، لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". ورغم الشراسة التي كان الأئمة عليهم السلام وأتباعهم يتعرضون لها من قبل الظلم وأهله من عباد دنيا وجهلة أضل سبيلا، فقد حفظ الله تعالى بعنايته ورعايته دينه وأولياءه، مما يفيد أن خط أهل البيت يمثل الإسلام الصافي والدين الحق ولو لم يكن كذلك لاندرست معالمه بلا أدنى محاربة ولا أبسط تتبع كما هو الحال مع المذاهب التي انقرضت بذهاب أصحابها. هذه إذا حقيقة يجب أن تحسب لهذه المدرسة التي بقيت على مدى الدهر صامدة أمام حملات الأعداء مقتفية سنن الأنبياء والأولياء في الذب عن حياض الدين والدفاع عن مفاهيمه الصافية النقية، رافعين راية الجهاد كلما دعت الحاجة إلى ذلك، باذلين الأموال والأنفس من أجل أن يبقى الإسلام منيعا، وتعاليمه صحيحة أبد الدهر.
لذلك كانت سيرتهم ترتكز على محاربة الظلم ومقارعته، فحرموه على أنفسهم كما حرمه الله تعالى على نفسه وحرموه على شيعتهم وأتباعهم باعتباره من المقت الذي لا يتسامح فيه المولى مع أحد فعله. فطفحت سيرهم بعدد من المواقف التي اشتهرت وظهرت، لتبقى نماذج وأمثلة، تشهد برفعة مقامهم وسمو منزلتهم، وان غبطهم البعض وعاداهم البعض الآخر.
أولى المواقف التي تصب في خانة المواقف المعادية للظلم خروج أبى عبد الله الحسين بن علي عليه السلام في أعظم ثورة لأنها ثورة سيد شباب أهل الجنة الذي آثر هو وخيرة من أصحابه الشهادة على قبول الذل والعيش تحت حكومة الظلم، ضربوا للمؤمنين مثلا، فبقي على مر الأجيال مدرسة رافضة للظلم مقارعة له، وعينة من التجارة التي يحبها الله تعالى. ومثالا يحتذي في نصرة الحق. بقيت نهضة الحسين عليه السلام وصرخته مدوية في آفاق الأمة وفي ضمائر المتوثبين للحق وعنوانا حري بكل مؤمن أن يتخذه مقصدا: " هيهات منا الذلة". تماما كما صدح بها أمير المؤمنين عليه السلام: الموت في حياتكم مقهورين والعيش في موتكم قاهرين". وحذا من بعدهم مواليهم، ففي عصر كل ظالم قامت ثورة حسينية كربلائية وان اختلفت الأسماء والأمكنة إلا أنها جلها من مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
ثاني المواقف، إحدى تصريحات أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام التي قال فيها: " والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت". قال أيضا لما انثال عليه الناس يريدون مبايعته فرفض وأصر على أن تقام البيعة في المسجد وليس في أي مكان آخر تأسيا برسول الله واقتفاء لآثاره، لم يكن متحمسا إلى حكومة أفضت بالناس إلى تلك الحال من التفرقة والتشرذم والفتن التي ستأتي على الأخضر واليابس، فقال قولته التي أظهرت تعاليه عما كان يشغل بال الناس من وراء اللهث وراء الحكومات: " أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء من أن لا يقاروا على كضة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز(14).
ثالث المواقف كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عندما خرج مودعا صاحبه أبو ذر الغفاري، لما نفاه الخليفة عثمان بن عفان إلى صحراء الربذة، يومها خرج في تشييع جندب بن جنادة في لفيف من أهل بيته، وقال له: " يا أبا ذر، انك غضبت لله، وان القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فامتحنوك بالقلى، ونفوك إلى الفلا، والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقا ثم اتقى الله لجعل له منها مخرجا. يا أبا ذر لا يؤنسك إلا الحق ولا يوحشك إلا الباطل".(15)
واشارة القوم التي ذكرها الإمام عليه السلام يريد بها الحزب الأموي الذي عقد طرفاه عثمان بالمدينة ومعاوية بالشام وكل من دار في فلكهما من طلاب دنيا وعباد الصفراء والبيضاء.
رابع المواقف ما كتبه أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين إلى محمد بن مسلم الزهري (وهو من كبار علماء العامة) ينصحه ويحذره من إعانة الظلمة:
أو ليس بدعائهم إياك حين دعوك، جعلوك قطبا أداروا بك رحى مظالمهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلما إلى ضلالتهم، داعيا إلى غيهم، سالكا سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم، فلم يبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أقل ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك، وما ايسر ما عمروا لك في جنب ما خربوا عليك. فانظر لنفسك، فانه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول".(16)
خامس المواقف التي بقيت ساطعة براقة متلألئة في فضاء الظلم والظالمين تدحره بنورها وتزيحه بمثالها، ما نقل عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام عندما أرسل في طلبه المنصور الدوانيقي كاتبا له: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فرد عليه الإمام عليه السلام: ليس لنا من الدنيا ما نخافكم عليه وليس لكم من الآخرة ما نرجوكم منه ولا انتم في نعمة فنهنيكم ولا أنتم في نقمة فنعزيكم، فلم نغشاكم؟ فغضب المنصور، لكنه كتم ذلك ورد على الإمام الصادق عليه السلام: تصحبنا لتنصحنا. فرد عليه أبو عبد الله عليه السلام: من كان يريد الدنيا فلا ينصحكم، ومن كان يريد الآخرة فلا يصحبكم والسلام".
هذه بعض مواقف الطاهرين من آل المصطفى، في مقابل تخاذل وانطواء وركون غيرهم إلى الباطل والظلم من أجل منصب أو عطاء زائلين، أو خوفا من البطش والانتقام كما اعترف به الحسن البصري.
لقد كان الهداة من أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يدركون تمام الإدراك أن حب الله تعالى والسير على نهجه وحب الدنيا لا يجتمعان في قلب مؤمن هكذا تعلموه من سيدهم الأكبر وعلموه لأبنائهم ولأتباعهم.
لقد تصور الظالمون لأهل البيت عليهم السلام أنهم بمنعهم لعدد من الأحكام وتحريف البعض الآخر أنهم يقوضون بذلك أسس أهل البيت عليهم السلام، متغافلين عن حقيقة كون أن ما عند الطاهرين من آل محمد هو الإسلام في أرقى مظاهره وأنبل صفاته وأبهى حلله، لم يزل عندهم متميزا طاهرا نقيا لا تشوبه شائبة ولم يطرأ عليه تغيير رغم ما وقع وما سيقع إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
العلامة الثانية:
العلامة الثانية التي ميزت لي خط أهل البيت عليهم السلام عن غيره من الخطوط هي تعبد أتباعه بالنص المستفيض عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوارد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، لأنه نصا وعقلا ومنطقا ليس هناك من يفوق هؤلاء الأطهار علما وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنهم من الذرية التي بعضها من بعض، ومن الذين أورثوا الكتاب وعلومه، ليأخذها عنهم الناس من الوجهتين النظرية والتطبيقية. فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كان يدرك جيدا الدور الخطير والجسيم الذي ألقاه الله تعالى على المصطفين الهداة من أهل بيته صلى الله عليهم جميعا، فتوجه إلى إعدادهم وتهيئتهم للدور الهام الذي ينتظرهم، كما هي الحال بالنسبة لمن سبق من الأنبياء في إعداد المستحفظ على الدين من بعد النبي، لأن مسألة البلاغ والحفظ وظيفتان تخصان الله تعالى وليس لأحد أن يدعي فيهما شيء. ومن تدبر القرآن الكريم وانغمست روحه وسط معانيه الصافية عرف أن الدور الذي أتحدث عنه، هو على بعدين
- بعد دنيوي يتمثل في إقامة حكم الله في الأرض إذا أمكن ذلك، وحفظ الدين بكامل تفاصيله ومعانيه من أن يداخله ما ليس منه.
- وبعد أخروي يتمثل في أن الأئمة سيكونون مدعوين إلى الشهادة على عصورهم أمام الله تعالى يوم الحساب، قال تعالى: "يوم ندع كال أناس بإمامهم".(17) هم أيضا رجال الأعراف الذين يعرفوننا بسيمائنا، قال تعالى: " وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم".(18) كمل سماهم في محكم تنزيله بالأمة الوسط كما سمى من قبلهم جدهم الخليل عليه السلام، قال تعالى: " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا".(19) وجاء تفسير الآيات وبيان ما أشكل على الناس فهمه عن طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحديث الاثني عشر خليفة(20)، وحديث المنزلة(21) وحديث الثقلين وحديث السفينة(22)، وغيرها من الأحاديث التي كانت كلها تركز على أهمية وأحقية أهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام في قيادة الأمة، عملا بالسنن الإلهية التي سبقت رسالة الإسلام.
العلامة الثالثة:
العلامة الثالثة التي بينت لي أحقية إسلام الشيعة الإمامة الاثني عشرية في الاتباع والاقتداء إن كل الفرق الإسلامية كان أساسها رجل واحد، والمسلمون الشيعة الإمامية الاثني عشرية لهم اثني عشر إماما متصلون ذرية بعضها من بعض أولهم الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. فهذا تواتر لم يكن لأحد غير الصفوة عليهم السلام.
العلامة الرابعة:
العلامة الرابعة التي أخذت بعنقي إلى اتباع الحق والحق أحق أن يتبع، هي اتصال خط أهل البيت رسول الله صلى الله عليه وآله وانفصال غيره من الخطوط عنه لأن البقية قد أخذوا برأي رجل يفصل أقربهم وهو أبو حنيفة قرابة القرن من الزمن، وهو لم يدرك غير قليل من التابعين.
العلامة الخامسة:
العلامة الخامسة التي دلتني على أن الإسلام الذي تبناه أهل البيت عليهم السلام هو الدين الذي جاء به جدهم صلى الله عليه وآله وسلم، هي عدم وجود تناقض في أحكامه ولا خلل في بنيانه ونقص في تفاصيله، والحال أن غيرهم اختلط عليه الأمر واشتبكت السبل وأشكل عليهم أن يخرجوا من مطب غلق باب الاجتهاد، لأنهم لا يملكون لأنفسهم حولا ولا قوة غير ما يلقى إليهم من أبراج الحكام العاجية، فلا دين إلا ما قرره لهم أولئك، ولا اقتداء إلا بمن زكوه، إن يتبعون إلا الضن وما تهوى الأنفس.
العلامة السادسة:
العلامة السادسة التي دلتني على أن الإسلام الذي بحوزة أهل البيت هو عين الدين وأصله الثابت، بقاء الاجتهاد عندهم باب مفتوحا لم يغلق في يوم من الأيام تحت أي ظرف، لأن غلق باب الاجتهاد معناه طي صفحة الدين برمته وإزهاق روحه لأنه بعبارة أخرى إذا فقد الاجتهاد تعمقت الهوة بين الدين وعامة الناس الذين يحتاجون دائما إلى من يعطيهم الحكم الشرعي. من هذه الوجهة نرى أن أهل البيت عليهم السلام قدموا للإسلام والمسلمين علاوة على أئمتهم الهداة أفواجا من العلماء والفقهاء والعارفين على مدى مسيرة الأمة الإسلامية المتواصلة، ولولاهم لانفصمت عرى الدين وذهبت ريحه. فقد أسس الإمام علي عليه السلام مدرسة الفقه الأولى فتخرج على يديه الكثيرون وسلك نهجه أولاده في تعليم الذين كان لديهم الاستعداد لتلقي العلم.
ومضافا إلي نشر التعاليم الصحيحة للدين الإسلامي كلن للأئمة الأطهار مواقف من أصحاب المقالات والبدع والآراء السقيمة في الدين، دونها التاريخ وتحدث بها الرواة، اخترت منها هذه الرواية أنقلها بطوله تعميما للفائدة ودليلا على قيمة أئمة أهل البيت عليهم السلام:
قال الإمام الصادق لأبي حنيفة لما دخل عليه:
من أنت؟
قال: أبو حنيفة.
قال: مفتي أهل العراق؟
قال: نعم
قال: بم تفتيهم؟
قال: بكتاب الله.
قال عليه السلام: وانك عالم بكتاب الله، ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه؟
قال: نعم.
قال: فاخبرني عن قول الله عز وجل: "وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين". أي موضع هو؟
فقال أبو حنيفة: هو ما بين مكة والمدينة.
فالتفت أبو عبد الله عليه السلام إلى جلسائه وقال: نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على أنفسكم من القتل وعلى أموالكم من السرقة.
فقالوا: اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله: ويحك يا أبا حنيفة، إن الله لا يقول إلا حقا، اخبرني عن قول الله عز وجل: " ومن دخله كان آمنا". أي موضع هو؟
قال ذلك بيت الله الحرام.
فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه وقال: نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله ابن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟
قالوا: اللهم نعم.
فقال أبو عبد الله ويحك يا أبا حنيفة، إن الله لا يقول إلا حقا.
فقال أبو حنيفة: ليس لي علم بكتاب الله وانما أنا صاحب قياس.
قال أبو عبد الله: فانظر قياسك إن كنت مقيسا. أيهما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟
قال: بل القتل.
فقال عليه السلام: فكيف رضي في القتل بشاهدين، ولم يرضى في الزنا إلا بأربعة؟ ثم قال له: الصلاة أفضل أم الصيام؟
قال: بل الصلاة أفضل.
قال: فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة. ثم قال له عليه السلام: البول اقذر أم المني؟
قال أبو حنيفة: البول أقذر.
قال عليه السلام: يجب على قياسك الغسل من البول دون المني، وقد أوجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.
قال: إنما أنا صاحب رأي.
فقال عليه السلام: فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة، فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة، ثم سافرا وجعل امرأتيهما في بيت واحد، وولدتا غلامين، فسقط البيت عليهم، فقتل المرأتين وبقي الغلامان، أيهما في رأيك المالك والمملوك، وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟
قال: إنما أنا صاحب حدود.
قال عليه السلام: فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح واقطع قطع يد رجل، كيف يقام عليهما؟
قال: إنما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.
قال عليه السلام: فأخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: "لعله يتذكر أو يخشى". ولعل من الشك؟
قال: نعم.
قال: وكذلك من الله شك إذ قال: لعله؟
قال أبو حنيفة لا علم لي.
قال عليه السلام: تزعم أنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه، وتزعم أنك صاحب قياس، وأول من قاس إبليس لعنه الله، ولم يبن دين الإسلام على القياس، وتزعم أنك صاحب رأي، وكان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله صوابا، ومن دونه خطأ، لأن الله تعالى قال: " فأحكم بينهم بما أراك الله". ولم يقل ذلك لغيره، وتزعم أنك صاحب حدود، ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك، وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء، وخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك، ولولا أن يقال: دخل على ابن رسول الله فلم يسأله عن شيء، ما سألتك عن شيء. فقس إن كنت مقيسا.
قال أبو حنيفة: لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.
قال الإمام الصادق عليه السلام: كلا، إن حب الرياسة غير تاركك، كما لم يترك من كان قبلك.(*)
ولعل أكبر المدارس التي قامت بدور ضخم في المدينة هي مدرسة الإمام الحسن ومدرسة الإمام محمد بن علي بن الحسين الملقب بباقر العلوم ومدرسة جعفر بن محمد الملقب بالصادق عليهم أفضل الصلاة وأزكى التسليم، دون أن ننسى ما كان يقوم به هؤلاء الأطهار من تعليم خاصتهم، وانتهاج طريق التعليم السري عند محاصرتهم من قبل الأنظمة التي كانت مذعورة من كل تحرك يقوم به الأئمة عليهم السلام لعلمها الراسخ بأن وجدان الناس وقلوبها مع الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. فسعت إلى الحد من إشعاعهم، فحاولت فصلهم عن المسلمين بأن استقدمتهم إلى عواصم ملكهم فارضة عليهم إقامة جبرية، ووضعتهم تحت المراقبة المستمرة.
العلامة السابعة:
العلامة السابعة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
لما نزلت الآية: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".(23) قال من حضر يا رسول الله قد علمنا السلام عليك فما الصلاة عليك؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم... إلى آخر الحديث.(24)
ونحن اليوم نشاهد ونرى إصرار الغالبية العظمى من المسلمين علماء ومتعلمين وعامة على هضم حق أهل البيت في الصلاة عليهم فيقتصرون على الصلاة عليه فقط، وهو الذي نهى عن الصلاة البتراء (الناقصة)، فقال لا تصلوا علي الصلاة البتراء(25) تعودت ألسنتهم على تلك الصلاة منذ أن سن معاوية لعن وسب الإمام علي وأهل بيته، وأمر بأن لا يصلى عليهم عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فجرى في الناس وتربت عليه أجيال متعاقبة حتى أصبح عنوانا وسمة لكل من ابتعد عن منهج أهل البيت عليهم السلام.
يقول الإمام الصادق سلام الله عليه في خصوص هذه الصلاة: " اللهم إن محمدا صلى الله عليه وآله كما وصفته في كتابك حيث تقول لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " فاشهد أنه لكذلك وانك لم تأمرنا بالصلاة عليه إلا بعد أن صليت عليه أنت وملائكتك وأنزلت في محكم قرآنك: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما لا حاجة إلى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلواتك عليه ولا إلى تزكيتهم بعد تزكيتك بل الخلق جميعا هم المحتاجون إلى ذلك لأنك جعلته بابك الذي لا تقبل ممن أتاك إلا منه، وجعلت الصلاة عليه قربة منك ووسيلة إليك وزلفة عندك ودللت المؤمنين عليه وأمرتهم بالصلاة عليه ليزدادوا بها أثرة لديك وكرامة عليك...."(26)
إن الصلاة على النبي وآله كما جاءت في النص الواضح والصريح لا تحتاج إلى تأويل ولا زيادة، فعندما نقول اللهم صل على محمد وآل محمد، يمكننا قولها بصيغة أرى عندما نسمع اسم النبي أو أحد من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، فنقول صلى الله عليه وآله وسلم. أما إدخال الصحابة جملة أو تفصيلا فهو مما فيه تجاوز للنص التعبدي وإحداث ما
ليس منه، فلو كان النص فيه مثلا، وعلى أصحاب محمد كما صليت على أصحاب إبراهيم. لكان واجبا إدخال الصحابة في الصلاة الخاصة بالنبي محمد وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام. وهذا مقام رفيع لا يمكن لأحد من الصحابة أو غيرهم أن ينالوه. نعم إن للصحابة ولنا معهم صلاة تخصنا في هذه الآية: " هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور".(27)
وهي صلاة كما وضحتها الآية القصد والغاية منها إخراجنا من ظلمات الجهل وغشاوات النفس الأمارة بالسوء إلى نور الهداية الرباني، أما الصلاة على محمد وآله الأطهار فهي للمصطفين رقي من النور إلى النور ولنا وسيلة لبلوغ أولى فضاءات النور. وعلى ذلك فان كل من يعتقد بأن الصحابة مشمولين مع الآل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد افترى على الله تعالى ما لم يأمر به وزاد في أمر الهي لي من حقه أن يزيد فيه شيئا وهو بالتالي متبع لخطى المحرفين الأوائل الذين غرسوا الخبث والدها والمكر ليوقعوا البسطاء والسذج في شراك شياطينهم.
العلامة الثامنة:
العلامة الثامنة التي أخذت بمجامع قلبي وهزته هزا قويا، هي مودة قربى رسول الله، وأعني بذلك الأمر الإلهي الخاص بهم والذي صدر من العلي الأعلى في شانهم فقال في محكم تنزيله: "قل لا أسألكم عليه إلا المودة في القربى".(28) لم أجد في المسلمين من يؤدي هذه الشعيرة على أكمل وجه غير المسلمين الموالين للأئمة الاثني عشر من بيت النبوة ومهبط الوحي ومختلف اللائكة عليهم افضل صلاة وأزكى تسليم، فإلى جانب أخذ الموالين لهم كل ما يتعلق بالدين، فقد خصهم المتفانون في حبهم مرضاة لله تعالى بعناية واهتماما كبيرين لأفراحهم وأتراحهم، وهنا يتجلى الحب في أصدق معانيه، لأنه تطابق في الشعور وتلازم في الأحاسيس وتناغم في القناعة والمعتقد، فان كنت تحب الله فعلا فعليك بحب علي وحب الحسن والحسين وفاطمة وأبناءها البررة الهداة، هكذا أوصى الرسول الأكرم من بعد أمر الله تعالى، أن نفرح لفرحهم وأن نحزن لحزنهم، أن نكون معهم في الدنيا يكونون معنا في الآخرة، فبذل المهجة دونهم حب ليس قبله حب، والحزن لمصائبهم، وما أكثر المصائب التي صبت على ذلك البيت الإلهي، ليس لهوانهم على الله بل بالعكس، فوالله ما أحب الله عبدا إلا وصب عليه المحن والابتلاءات صبا، ليمحصه وليزكيه وليرفعه من المقام الأدنى إلى المقام الأعلى، أما الصفوة الطاهرة محل حديثنا فلهم مقامات أخرى لا نستطيع إدراكها. إن أعظم درجات الخوف من الله تعالى هي البكاء من خشيته، تذللا واستكانة وتسليما، وقد جاء البكاء على الحسين عليه السلام لأن جده المصطفى صلى الله عليه وآله أول من بكاه عندما اعلمه جبريل عليه السلام بما ستفعل فيه الأمة من بعده.....
وقد حث النبي صلى الله عليه وآله على البكاء والتباكي خوفا وطاعة لله تعالى، كما مدح الله تعالى ورسوله البكائين ولم ينهرهم ولم يذممهم، فيعقوب مثلا بكى على ابنه يوسف حتى ابيضت عيناه وهو يعلم يقينا بأنه لم يمت، وذكر لنا الله تعالى قصته دون عتب عليه ولا لوم. وسمي النبي نوحا لنواحه على قومه قبل أن يحل عليهم العقاب الإلهي، وآدم بكى على مفارقة جنة المأوى حتى أثر في وجهه، وبكت الزهراء على فراق أبيها حتى جزعت المدينة بأسرها من بكائها، وبكى علي بن الحسين على مصيبة أهله حتى عد من البكائين، ولا أرى شيئا أحب إلى المؤمن من القلب الرقيق الفياض، الذي يعشق الحزن وتألفه المصائب، لسنا مدعوين اليوم إلى البكاء على مصيبة أهل البيت عليهم السلام فقط طلبا للأجر الجزيل والحسنات التي لا يعلم عددها إلا الله تعالى بل نحن مطالبون أيضا بالبكاء على هذه الأمة التي تحجرت قلوبها، جفت مدامعها وهي تعتقد أن العبادة هي غلظة وجفاء.
تعالوا لنبك على ملايين المستضعفين الذين يرزحون تحت الظلم والفقر، تتخطفهم ذئاب البشر، فيعيش منهم من يعيش متوار وبين الألم والمرض والتجاهل، ويموت منهم من يموت، فلا يؤبه له ولا يقام عليه حتى المأتم... ويأتي الأجلاف الغلاض الذين ليس في قلوبهم أي معنى للرحمة، ليستنكروا البكاء على سيد شباب أهل الجنة، وهل بكاؤنا على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، إلا رفض لمنطق الاستعلاء، واستكانة لله تعالى، وبراءة من الظلم أهله، وخروج من الدنيا الزائلة، وتعبير صاف وصادق ليس بعده تعبير، بأن الحزن في الله، هو الجانب القوى والحظ الوفي، من الحب والولاء لله تعالى وأوليائه، هو علاج القلوب التي صدئت من الذنوب، والبكاء هو مجلي الغمة ومنفس الكربة والمروح عن القلب همومه، تعبيره ولغته التي لا يستطيع قلم تحديد مداها ولا حصر فضاءاتها.
العلامة التاسعة:
العلامة التاسعة التي لاحت لي ساطعة في سماء اللامبالاة لدى هذه الأمة هي إعفاء البسملة من القراءة في الصلاة عند ثلاث فرق هم الحنابلة والمالكية والوهابية باعتقادهم أن البسملة غير واجبة في فاتحة الكتاب وفي غيرها من السور عند الاستفتاح بالصلاة. بل لقد اعتبر المالكية الجهر بها مكروها لذلك فهم لا يصلون بها، إلا في تراويح شهر رمضان، فهي مستحبة، فهذا هذيان ليس بعده إلا الخبل، آية قرآنية فيها ثلاثة من أسماء الله تعالى تكررت في القرآن لعظم شأنها، هي آية من فاتحة الكتاب، وأولى السبع المثاني، يعفى عنها ويتجاهلها الناس لماذا؟ لقد تتبعت المسألة فوجدت أن الذي حث وحرض وحمل الناس على ترك البسملة هو معاوية بن أبي سفيان الذي كان يتتبع كل أثر للإمام علي ليمحوه (28) كأنه من عند علي عليه السلام أو شيء خاص به، وما هو في حقيقته إلا دين الله في أصح مظاهره وأصدق صوره، أخذه ربيب الوحي وسلسل الشرف والمفاخر كلها عن سيد الخلق كله أبى القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأحصاه الله تعالى فيه بقوله: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين".(29) فالإمام المبين هو علي عليه السلام دينا وشجاعة وعلما، ولم يؤثر عن أحد أنه رجع إليه بعد النبي رجوع العجز والإخبات غير علي وأبنائه عليهم السلام.
الرواية التي وجدت فيها هذه الحقيقة قد أخرجها نظام الدين النيسابوري صاحب تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، حيث قال بعد أن سرد أقوال أنس بن مالك المضطربة في البسملة من جامع مسلم القشيري النيسابوري، قال وكان بنو أمية يبالغون في المنع من البسملة فلعل أنسا خاف منهم فاضطربت أقواله. وقد أخرج مسلم روايتين لأنس تقول الأولى بأن الرسول كان يستفتح بالحمد وفي الثانية، كان يستفتح ببسم الله الرحمان الرحيم.
ولا أرى تناقضا في نظري لروايتيه لأن القصد من الرواية الأولى هي قراءته صلى الله عليه وآله وسلم لفاتحة الكتاب والتي لها عدة أسماء من بينها اسم الحمد.(30)
مضافا إلى البسملة، وقع التخلي عن القنوت في الصلاة (الدعاء) فاقتصر بعضهم على أداءه في صلاة الصبح فقط، رغم أنه مخ العبادة، تحريف لجوهر الصلاة التي أمر بها النبي صلى الله عيه وآله وسلم، الصلاة معراج المؤمن إلى الله تعالى، فيها رجاءه وبها لجوءه، فإذا خلت من الدعاء الذي يعقب القراءة خويت على عروشها، وتحولت من صلاة عبد فقير مستكين هارب إلى الله تعالى من قلة حيلته وضعفه إلى قدرته وعظمته. قال تعالى قل ما يعبئ بكم ربي لولا دعاءكم".(31) وما دمنا في مسألة الدعاء، يجدر القول أن المخزون الذي أفاضه علينا الأئمة الهداة من الأدعية الجليلة القدر والعظيمة المعنى لا يقدر بقيمة. ٌالأدعية المروية عن الإمام علي عليه السلام وأدعية بقية الأئمة وخصوصا الدعاء المجموع في الصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين زين العبدين عليه وعلى آبائه السلام، أطلب منك أيها الباحث عن الحقيقة أن تعود إليها لتروي عطشك وتشفي غليلك.
أما عبادة الأئمة الأطهار عليهم السلام فمما شاع ذكرها وصارت مثلا لم يستطع أحد أن يدانيهم في تهجد أو لجوء إلى الله تعالى، كما صرحت به الرواية التي أخرجها مسلم في جامعه بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أيها الناس عليكم من الأعمال ما تطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا، وان أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه وان قل، وكان آل محمد إذا عملوا عملا أثبتوه.(32) وقد دلت الرواية على أن الكلام الذي أطلقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه لوم على الذين اقتدوا بالنبي في قيام شهر رمضان، وأصروا على اتباعه جماعة، فنهاهم عن ذلك باعتبار أن الجماعة لا تكون إلا في الصلوات المفروضة أما النوافل فلا يجوز فيها الجماعة، محرضا على الإتيان بالصلاة المندوبة في البيوت، ووصف البيت الذي لا تقام فيه النوافل قبرا، مؤكدا على ضرورة صلاة المرء في بيته قائلا: ما زال بكم صنيعكم حتى ضننت أنه سيكتب عليكم
لم ينته عبث الظالمين بالدين فشوهوه وبدلوا وعطلوا ما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي الصيام أجازوا الصوم على جنابة، رغم أن الصوم عبادة والعبادة تتطلب طهارة الروح والبدن، ثم أشاعوا في الناس الإفطار الذي هو في غير وقته أي عند غروب الشمس والله تعالى يقول: " ثم أتموا الصيام إلى الليل".(33) فالإفطار الشرعي لا يكون إلا بعد صلاة المغرب التي يدخل وقتها عند زوال الحمرة المشرقية، لقوله تعالى: "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا".(34)
وذهبوا إلى تعطيل الخمس وإبطاله، رغم أن الآية صريحة فيه، قال تعالى: "واعلموا أن ما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل".(35)
واقتصروا في صلاة الجنازة على أربع تكبيرات بدعوى أن النبي صلى الله عليه وآله قد أتى بها، ولو سألتهم عن علة الأربع تكبيرات، لما جروا لك جوابا. والحقيقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي على المنافقين قبل أن ينهاه الله تعالى عن ذلك، فكان يكبر عليهم أربع تكبيرات إشارة إلى نقص دينهم، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يكبر على بقية المسلمين خمس تكبيرات، صلاة كاملة بكمال دينهم، ورمز إلى أن أصول الدين هي خمسة، كما أن الصلوات اليومية هي خمسة أيضا.
ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن الذي عجز عن عد خمس تكبيرات صلاة الجنازة على عهد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لا يستطيع بقية الأحكام والتي هي اكثر تفصيلا وتحتاج إلى عقل واع لا إلى جثة متحركة تقوم بالطقوس بلا روح ولا فهم.
لم يسلم منهم حتى الوضوء فغسلوا الأرجل عوض مسحها اتباعا لأوامر الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي حمل الناس على ذلك، كما صرح بذلك الطبري في تفسيره(36)، حتى أن الفخر الرازي عندما أعرب القراءتين لم يجد بدا من الاعتراف بأن القراءتين تفيدان المسح، ومع ذلك فقد ذهب به التمذهب إلى اعتماد الغسل، ولو أنه قرأ مقارنة ابن عباس للوضوء بالتيمم لفهم أن حكم الرجلين هو المسح ن فما كان مغسولا في الوضوء مسح في التيمم، وما كان ممسوحا في الوضوء سقط في التيمم، فسقط الرأس والرجلان.(37)
العلامة العاشرة:
العلامة العاشرة التي وقفت على أن أباع أهل البيت عليهم السلام هم أصحاب الحق، والفرقة التي قال عنها رسول لله أنها الناجية، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ستنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار".(38)
وإفادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستقبلية، ولم يحصل انقسام على عهده، إنما حصل الانقسام بعده، وعليه فان من الحكمة أن يرشد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم إلى من يلتجئ الناس من بعده إذا وقع الانقسام؟
لدى المسلمين اليوم روايتين، الأولى جاء بها خط الحكام بغثهم وغثيثهم وفيها تقولوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه قال عندما سئل عن الفرقة الناجية: " ما أنا عليه وأصحابي". والرواية التي جاءت من طريق أهل البيت عليهم السلام وكان السائل علي عليه السلام، وقد عهد المبادر إلى كل استفسار مهم. فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: " ما أنت عليه وأصحابك".
وعندما نقارن بين الروايتين نجد أن الرواية الأولى لا ستقيم متنها لأن إخبار النبي عن حالة ستقع في المستقبل، عندما يكون غائبا عن الحياة الدنيا، أما أصحابه فقد اختلفوا اختلافا شديدا أدى إلى إراقة الدماء بينهم فبمن سنتمسك إذا؟
أما الرواية الثانية فهي الأصح منطقا وعقلا وتطبيقا لأن الاختلاف وقع والإمام علي موجود وهو أولى الناس بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حملا وتطبيقا تماما كما كانت وصية رسول الله صلى الله عليه وآله لعمار بن ياسر عندما أوصاه قائلا: " يا عمار إذا رأيت الناس قد سلكوا واديا وسلك علي واديا، فأسلك الوادي الذي سلكه علي". وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعمار أيضا: "يا عمار تقتلك الفئة الباغية.(39) من أجل ذلك ووفاء لرسول الله ولدينه وامتثالا لأمره كان عمار بعد النبي من الذين التزموا بصحبة أبي الحسن عليه السلام، ومشوا في نهجه، متيقنا ثابتا إلى آخر نفس جاد به وعمره يناهز التسعين عاما شهيدا محتسبا مدافعا عن عقيدة الصفوة ودين الخيرة.
العلامة الحادية عشر:
العلامة الحادية عشرة التي أكدت لي على أن الإسلام الشيعي الإمامي الاثني عشري هو الدين الصافي في أجلى مظاهره، هو كلام الهداة من أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم العطرة التي، تناقلها القاصي والداني، إذا عرضت كلامهم على كتاب الله تعالى، وجدته متطابقا ثم إذا عرضت بعضه على البعض، وجدته أيضا متناسقا لغة ومعنى. وتأكدت كلما تعمقت في الكتب الروائية التي اختصت بهم عليهم السلام (كأصول الكافي، والاستبصار، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، وهي من الكتب المعتمدة عند أتباعهم، وغيرها من الكتب الروائية التي تربو على الكثرة، كالوافي والوسائل والأمالي وعلل الشرائع وثواب الأعمال، وغريها مما لا يتسع المجال لذكرها والإتيان عليها.
هم اصل علم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي يقول فيهم بعد ما قال في أبيهم علي بن أبي طالب عليه السلام: " أنا مدينة العلم وعلي بابها".(40): " في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. ألا وان أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون.(41)
العلامة الثانية عشر:
العلامة الثانية عشرة عدم استنكاف أتباع أهل البيت من الكتب والانفتاح على الغير لقول رسول الله صلى الله عليه وآله الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها".(42)
لذلك ترى مكتباتهم تزخر بشتى أنواع الكتب وأولها الكتب المخالفة لهم يدرسونها ويتمعنون فيها ويحتجون بها على من خالفهم، أما غيرهم فلا يزالون منغلقين إلى اليوم، ينظرون إلى كتب غيرهم نظر المغشي عليه، كأنما في بطونها الموت.
العلامة الثالثة عشر:
العلامة الثالثة عشرة التي ميزت إسلام أهل البيت عليهم السلام عن غيرهم بأنه الإسلام الصحيح، والوجهة التي تؤدي إلى مرضاة الله تعالى، اعتماد الأئمة الهداة على تعليم شيعتهم وتربيتهم واعدادهم ليكونوا نماذج صادقة تعبر مثلهم عن الإسلام المحمدي الصافي، لم يكونوا ليرضوا باستقامة منقوصة أو مماراة يراد بها الظهور مظهر التقوى، بل كانوا متشددين في شروط أتباعهم، وقد آثرت هنا أن أختار روايتين تجسدان رغبة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام لتكونا دليلين على أن هذا الخط هو خط التقوى، ومن لم يعرف بهذه الصفات، وادعى التشيع لأهل البيت فكذبه، روى جابر عن أبي جعفر محمد بن علي باقر العلوم خامس أئمة أهل البيت عليهم السلام قال: قال لي: " يا جابر أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه وما كانوا يعرفون يا جابر إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدين والتعهد للجيران والفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكف الألسن عن الناس إلا من خير وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء، قال جابر فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحدا بهذه الصفة، فقال يا جابر لا تذهبن بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب عليا وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعالا، فلو قال اني احب رسول الله صلى الله عليه وآله فرسول الله خير من علي ثم لا يتبع سيرته، ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله تعالى وأكرمهم عليه، أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تعالى إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيع فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو.(43) الرواية الثانية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول: "ليس من شيعتنا من يوجد في مصر ويوجد من هو أتقى منه".
العلامة الرابعة عشر:
العلامة الرابعة عشرة التي وقفت على عنق أثرها في نفوس الذين ما زالوا بعيدين عن خط أهل البيت عليهم السلام، هي اعتقادهم بصحة ما بين طيات الكتب المسماة بالصحاح عموما والشيخين (البخاري ومسلم) خصوصا، هو كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا زيادة، إذ كيف يكون فيه الزائد وقد أضفيت عليه صفة الصحة، فكان تمسكهم به قويا إلى حد أن الأجداد رحمهم الله كانوا يقسمون بهم، ففي العاصمة وما جاورها من مدن الشمال التونسي تناهى إلى أذني يمينين: الأول: والشفاء والبخاري. الثاني: والجاه والبخاري. أما الشفاء فهو كتاب للقاضي عياض وأما الجاه فلست أدري إن كان جاه الله أم هو جاه السلطة، طالما أن الحالف قدم كتب الناس على كتاب الله تعالى.
لم يتجرأ أحد من الحفاظ الستة على تسمية كتابه بالصحيح، لأنهم عاشوا وبين ظهرانيهم مشائخهم، وأساتذتهم الذين كانوا أرباب العلوم الإسلامية، كالإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي جلس بين يديه كل من أبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس وأخذوا عنه، ولقفوا منه، ومع ذلك كان منادي الخليفة العباسي يرفع عقيرته في الأسواق: لا يفتى ومالك في المدينة".
لقد نظرت طغم الشر والفساد في كتب الحديث فلم تجد غير تلك الكتب أقل رواية عن أهل البيت عليهم السلام ونقلا لفضائلهم فاعتمدتهم وأضفت عليهم وسام الصحة، وحملت الناس على الأخذ بها، واستمر الناس على ذلك حتى انغرست في داخلهم روح تقديس تلك المصنفات، دون الالتفات إلى حقيقة أمرها، ولو رجعوا اليها للتدقيق في ما حوته لوجدوا أنهم كانوا معتمدين خليطا من حق وباطل، ومثالا على ذلك فقد أشرت في معرض حديثي عن النبي صلى الله عيه وآله ما ألصقته تلك الكتب به من أعمال لا تصدر عن إنسان بسيط وطالت حتى الذات الإلهية بما ألصقته بها من تجسيم ووصف غريبين، واخذ بعض الأنبياء نصيبهم من التجني كالادعاء على موسى بأنه ضرب ملك الموت وفقأ عينه، والادعاء على إبراهيم بأنه كذب.. إلى آخر سلسلة التلفيق المفزعة.
العلامة الخامسة عشر:
العلامة الخامسة عشرة التي زادتني يقينا على يقيني هي حالة الظهور التي تحدث عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الطائفة، والتي تتمثل علاماتها في تميز الفرقة الناجية بما تمتلكه من مخزون علمي وعملي، أهلها لظهور والبروز، وفي اعتقادي أنه لم تظهر فرقة من الفرق المنتسبة للإسلام مثلما ظهرت الشيعة الإمامة الاثني عشرية قديما وحديثا. فقديما كانت المدرسة التي يشد الرحال إليها في الفقه وشتى العلوم، حتى الجهاد والشهادة الذين كانا مما تميز به خط الولاية الإلهي فكان الأئمة الأطهار والقادة الهداة الأبرار وشيعتهم المعلمون الأوائل. إذا نظرت إلى الغالبية العظمى من المتميزين والمتفوقين على نظرائهم وأقرانهم فانك لن تجد غير الشيعة، كبار علماء الإسلام وكبار الصحابة وكبار الشعراء وعظماء الشجعان والمحاربين هم من الشيعة وقد سجل التاريخ في صفحاته أسماء العديدين منهم. واليوم عندما نتطلع إلى وضع المسلمين العام نرى نموذجا في أبهى مظهره، من تعرف عليه واتبع خطواته أدرك أنه يمثل الأمل في نهظة الإسلام، وعودته إلى الطرح من جديد وبأكثر إلحاح بأن يكون البديل المنطقي والواقعي لكل النظريات التي تسوس الناس اليوم، والتي لم تجد حلولا لمآسي البشرية، بل زادتها تعقيدا.
العلامة السادسة عشر:
العلامة السادسة عشرة إن الاصطفاء مبدأ الهي وحقيقة واقعة في كل شيء خلقه الله تعالى، فالملائكة والجان والإنس ومن لم نعرف وما أكثر ما نجهله عن حقيقة الكون وخالقه، حتى الحيوان والنبات والذرات تخضع كلها لذلك القانون، الذي هو قاعدة انبنى عليها الكون بأسره، فلماذا يتجاهلها الذين دخلوا في دين الله تعالى بعقلية التنظير والتملك، لا بنية التسليم والإنابة، والاصطفاء كما هو جار في الأنبياء جار كذلك في أوصيائهم الذين أوكل الله تعالى لهم دور حفظ شريعته. والذين ادعوا أن رسول الله لم يستخلف، لم ينبن ادعاءهم على حجة واحدة، مقابل عديد الحجج النقلية والعقلية التي تقول بثبوت الاستخلاف وصحة الوصية، لأن من كان همه حفظ المدينة في غيابه القصير باستخلافه في كل مرة واحدا من المؤهلين لدارة شؤونها، لا بد أن يكون أكبر همه اختيار من يقوم مقامه عند انتقاله إلى جوار ربه، هذا من باب النصح للأمة في حال عدم وجود النص، الذي أترعت به الكتب الروائية، ولكن ماذا تفعل في قوم أصروا إصرارا واستكبروا استكبارا وقالوا معزى ولو طارت. التعيين لطف من ألطاف الباري وافاضة من افاضاته، وصلة بينه وبين مخلوقاته.
إن الذي شدني إلى التشيع، فاحتضنته بكل كياني وأنا في حالة من العشق لكل تفاصيله وجزئياته، قبضت على عراه وشددته إلى نياط قلبي، لأن الحجة التي أقنعتني بأن الدين الإسلامي الذي لم تدنسه جاهلية الناس بأدناسها عند أهل البيت عليهم السلام، هو ما كان ولا يزال يستدل به أتباع خط الإمامة الإلهية على خط الخلافة البشرية بما في حوزته، فالتشيع في كامل صورته وبكل تفاصيله في ما سمي بالصحاح وفي بقية الكتب الروائية لدى المفارقين لخط الولاية الصحيح، غير انهم يمرون على تلك النصوص مرور الكرام، ومن هنا أرفع رجائي الحار والصادق لكل مسلم، مازال فيه بقية من عبق الحب الإلهي وصبابة من مودة حقيقية لمن بعث رحمة للعالمين وآله الذين اذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ليحركوا جوامد عقولهم وينفضوا غبار اللامبالاة، ويقروا بان للحق وجه واحد، كما أن للدين طرح واحد، لا يتغير مهما حاول أعداء الله ورسوله جهدهم أن يغيروه، سائلا المولى العلي القدير أن يرشد هذه الأمة إلى مناهل الهداية، انه ولي التوفيق، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.
____________
1– متفق عليه رواه كل الحفاظ تقريبا منهم البخاري ومسلم
2– الإمام الصادق والمذاهب الأربعة لأسد حيدر
4– شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج4 ص56/57، وج 11 ص 45/46
7– رحلة ابن بطوطة للرحالة الغربي المعروف. أحاديث الرؤية: مسلم ج 1 ص 112/117
14– شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ج1 ص 203
15– نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام
16– عقائد الإمامية للشيخ المظفر ص 381 عن تحف العقول ص 275
(*) أعلام الهدى لأحمد وزكي تفاحة ص279 /281. الاحتجاج للطبرسي.
24– حديث الصلاة على النبي المعروف بالصلاة الإبراهيمية معروف ومتفق عليه.
25– حديث الصلاة البتراء متفق عليه أيضا.
26– كتاب جمال الأسبوع للسيد بن طاووس.
32– جامع الأحاديث لمسلم ج 2 ص 188/189 باب فضل العمل الدائم من قيام وغيره.
36– تفسير الطبري في تفسير الآية السابعة من سورة المائدة.
37– التفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير آية الوضوء –تفسير ابن كثير... وغيرهما.