الفصل الثامن
في ما يتعلّق بالصّحيحين البخاري ومسلم
لِما لهذين الكتابين من أهمّية بالغة لدى أهل السنّة والجماعة، حتّى أصبحا عند عامّة المسلمين المرجعين الأساسيّين، والمصدرين الأوّلين في كلّ المباحث الدينية، وأصبح من العسير على بعض الباحثين أن يصرّحوا بما يجدوه من تهافت وتناقض ومنكرات، فيتقبّلونها على مضض ولا يكاشفون بها قومهم خشيةً منهم أو خشيته عليهم، لما في نفوسهم من احترام وتقديس لهذين الكتابين، والحقيقة أنّ البخاري ومسلم ما كان يوماً يحلمان بما سيصل إليه شأنهما عند علماء النّاس وعامّتهم.
ونحن إذا قَدِمنا على نقدهما، وتخريج بعض المطاعن عليهم، ليس ذلك إلاّ لتنزيه نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) وعدم الخدش في عصمته، وإذا كان بعض الصّحابة لم يَسلم من هذا النقد والتجريح للغرض نفسه، فما البخاري ومسلم بأفضل من أولئك المقرّبين لصاحب الرسالة.
وما دُمنا نهدفُ إلى تنزيه النّبي العربي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونحاول جهدنا إثبات العصمة له، وأنّه أعلم وأتقى البشر على الإطلاق، ونعتقدُ أن الله سبحانه وتعالى اصطفاه ليكون رحمة للعالمين، وأرسله للنّاس كافة من الإنس والجنّ، فلا شكّ أنّ الله يطالبنا بتنزيهه وتقديسه وعدم قبول المطاعن فيه،
فالصّحابة والتّابعين، والأئمة والمحدّثين، وكلّ المسلمين، وحتى النّاس أجمعين مدينون لفضله ومزيّته، فالمنتقدون والمعارضون والمتعصّبون سوف تثور ثائرتُهم كالعادة على كلّ ما هو جديد عليهم، ولكن رضى الله سبحانه هو الغاية ورضى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الأمل، وهو الذُّخر والكنز والرّصيد، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
ولنا مع كل ذلك رضى وتعزيّة المؤمنين الصادقين الذين عرفوا قدر الله وقدر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قبل أن يعرفوا قدر الحكّام والخلفاء والسّلاطين.
أذكر أنّي لقيتُ معارضة شديدة حتّى أتهمتُ بالكفر والخروج عن الدّين، عندما انتقدتُ البخاري في تخريجه حديث لطم موسى لملك الموت وفقأ عينه، وقيل لي: من أنتَ حتى تنتقد البخاري؟ وأثاروا حولي ضجّة وضوضاء، وكأنّي انتقدت آية من كتاب الله.
والحال أنّ الباحث إذا ما تحرّر من قيود التقليد الأعمى والتعصّب المقيت، سوف يجد في البخاري ومسلم أشياء عجيبة وغريبة، تعكس بالضّبط عقليّة العربي البدوي الذي ما زال فكره جامداً يؤمن ببعض الخرافات والأساطير، ويميل فكره إلى كلّ ما هو غريب، وليس هذا بعيب ولا نتّهمه بالتخلّف الذهني، فليس عصره البدائي هو عصر الأقمار الصّناعية، ولا التلفزيون والهاتف والصاروخ.
كما نلفتُ القارئ الكريم بأنّ ليس كلّ ما في البخاري هو منسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد يخرج البخاري حديثاً للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ يعقّب عليه بآراء بعض الصّحابة، فيصبح القارئ يعتقد بأنّ ذلك الرأي أو الحديث هو لرسول الله في حين أنّه ليس له، أضربُ لذلك مثلا:
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الحِيَلْ، باب في النكاح من جزء الثامن صفحة 62 قال:
عن أبي هريرة، عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "لا تُنكَحُ البكر حتى تُسْتَأذنَ، ولا الثّيب حتى تُستأمَرَ. فقيل: يا رسول الله كيف إذْنُهَا؟ قال: إذا سَكَتَتْ".
وقال بعض النّاس: إن لم تُستأذنِ البكرُ ولم تُزوّجْ، فاحتالَ رَجلٌ فأقامَ شَاهِدَي زور أنَّه تزوّجَها برِضَاهَا، فأثْبتَ القاضِي نِكاحَهَا، والزوجُ يَعلَمُ أَنَّ الشهادة باطِلَةٌ، فلا بأسْ أن يَطَأَهَا وهو تزويجٌ صحيح.
فانظر إلى قول البخاري (بعد حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) وقال بعض النّاس! فلماذا يُصبح قول بعض النّاس (وهم مجهولون) بأنّ النكاح بشهادة الزور هو نكاح صحيح، فيتوهّم القارئ بأنّ ذلك هو رأي الرّسول، وهو غير صحيح؟!
مثال آخر: أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق، باب مناقب المهاجرين وفضلهم من جزئه الرابع صفحة 203:
إنّه رأي عبد الله بن عمر ولا يلزم به إلاّ نفسه، وإلاّ كيف يُصبح علي بن أبي طالب، وهو أفضل النّاس بعد رسول الله، لا فضل له، ويعدّه عبد الله بن عمر من سوقة النّاس؟!!
ولذلك تجد عبد الله بن عمر يمتنع عن بيعة أمير المؤمنين ومولاهم، فمن لم يكن علىٌّ وليّه فليس بمؤمن(1)، والذي قال النّبي في حقّه: "علىّ مع الحقّ والحقّ مع علىّ"(2)، وبايع عدوّ الله ورسوله وعدوّ المؤمنين الحجّاج
____________
1- ذكر ذلك عمر حيث قال: "ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن" راجع الغدير 1: 666، عن الصواعق: 179 والمناقب للخوارزمي: 160 ح191، وذخائر العقبى: 68.
2- تاريخ بغداد للخطيب 14: 322 ح7643، تاريخ دمشق لابن عساكر 42:
449، مجمع الزوائد 7: 235 وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات، وفي مجمع الزوائد 7: 236: "عن محمّد بن إبراهيم التميمي: أنّ فلاناً دخل المدينة حاجاً فأتاه الناس يسلّمون عليه، فدخل سعد فسلم فقال: وهذا لم يعنا على حقّنا على باطل غيرنا.. أما إذ قلت ذاك فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: علي مع الحقّ أو الحق مع علي حيث كان. قال: من سمع ذلك؟ قال: قاله في بيت أُم سلمة، فأرسل إلى أُم سلمة فسألها، فقالت: قد قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتي، فقال الرجل لسعد: ماكنت عندي ألوم منك الآن فقال: ولم؟ قال: لو سمعت هذا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أزل خادماً لعلي حتى أموت" رواه البزار، وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح.
وقد وقع تصحيف في اسم الراوي حيث إنّه سعيد بن شعيب الحضرمي، وليس سعد، وقد صرّحوا بوثاقة سعيد بن شعيب، راجع الغدير 3: 178.
ونحن لا نريد العودة إلى مثل هذه المواضيع، ولكن نريد فقط أن نُظهر للقارئ نفسيات البخاري ومن كان على شاكلته، فهو يخرج هذا الحديث في باب مناقب المهاجرين، وكأنّه يشعر من طرف خفىّ إلى القرّاء بأنّ هذا رأي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما هو رأي عبد الله بن عمر الذي ناصب العداء للإمام علي.
وسنُبيِّنُ للقارئ اللّبيب موقف البخاري في كلّ ما يتعلّق بعلي بن أبي طالب، وكيف أنّه يحاول جهده كتمان فضائله، وإظهار المثالب له.
كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق، باب حدّثنا الحميدي قال: حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيانُ، حدّثنا جامعُ بن أبي راشد، حدّثنا أبو يعلى، عن محمّد بن الحنفيّة، قال: قلت لأبي: أيّ النّاس خيرُ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: أبو بكر، قلت: ثمّ من؟ قال: ثمّ عمرُ، وخشيتُ أن يقول عثمانُ، قلت: ثمّ أنتَ، قال: ما أنا إلاَّ رجلٌ من المسلمين.
نعم، هذا الحديث وضعوه على لسان محمّد بن الحنفيّة، وهو ابن الإمام علي بن أبي طالب، وهو كسابقه الذي رُوي عن لسان ابن عمر، والنتيجة في الأخير هي واحدة، ولو خشيَ ابن الحنفيّة أنْ يقول أبوه: عثمان في الثالثة، ولكن ردُّ أبيه "ما أنا إلاّ رجلٌ من المسلمين" يُفيد بأنّ عثمان أفضل منه; لأنّه ليس هناك من أهل السنّة من يقول بأنّ عثمان ليس هو إلاّ رجلٌ من
ألا تعجبون من هذه الأحاديث التي يخرجها البخاري، وكلُّها ترمي إلى هدف واحد، وهو تجريد علي بن أبي طالب من كلّ فضيلة!!
ألا يفهمُ من ذلك بأنّ البخاري كان يكتبُ كلّ ما يُرضي بني أُميّة وبني العبّاس، وكل الحكّام الذين قاموا على أنقاض أهل البيت!! إنّها حجج دامغة لمن أرَاد الوقوف على الحقيقة.
البخاري ومسلم يذكران أي شيء لتفضيل أبي بكر وعمر
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق، باب حدّثنا أبو اليمان من جزئه الرابع صفحة 149، وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق (رضي الله عنه):
عن أبي هريرة قال: صلّى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الصّبح، ثمّ أقبل على النّاس فقال: "بينما رجُلٌ يَسُوقُ بقرةً إذْ رَكبَها فضربها فقالت: إنّا لم نخلق لهذا; إنّما خُلقنَا للحرثِ"، فقال النّاسُ: سبحان الله! بقرةٌ تتكلّمُ؟ فقال: "فإنّي أؤمنُ بهذا أنا وأبو بكر وعُمرُ وما هُمَا ثُمَّ، وبينما رجل في غنمه إذْ عَدَا الذئب فذهب منها بشاة، فطلبه حتّى كأنّه استنقذها منه، فقال له الذئبُ: ها إنّك استنقذتها منِّي، فمن لها يومَ السّبع، يوم لا رَاعي لها غيري؟" فقال النّاس: سبحان الله! ذئب يتكلَّمُ؟ قال: "فإني أُومِنِ بهذا أنا وأبو بكر وعُمرُ" وما هما ثَمَّ.
وهذا الحديث ظاهر التكلّف، وهو من الأحاديث الموضوعة في فضائل
إنّها فضائل مضحكة ولا معنى لها، ولكنّ القوم كالغرقى يتشبثون بالحشيش، والوضّاعون عندما لم يجدوا مواقف أو أحداث هامة تُذكر لهما تتخيّلُ أوهامهم مثل هذه الفضائل، فيجي أغلبها أحلاماً وأوهاماً وتأوّلات لا تقوم على دليل تاريخي أو منطقي أو علمي.
كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): لو كنت متخذاً خليلا، ومسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق.
عن عمرو بن العاص، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثَهُ على جيش ذات السلاسل، فأتيتُه فقُلتُ: أيُّ النّاسِ أحبُّ إليكَ؟ قال: "عائشة"، فقلتُ: من الرّجالِ؟ قال: "أبُوها"، قلت: ثمّ من؟ قال: "عمر بن الخطّاب"، فعدّ رجالا.
وهذه الرّواية وضعها الوضّاعون، لمّا عرفوا أنّ التاريخ سجّل في سنة ثمان من الهجرة (يعني سنتين قبل وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)) بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث جيشاً فيه أبو بكر وعمر بقيادة عمرو بن العاص إلى غزوة ذات السّلاسل، وحتى يقطعوا الطريق على من يريد القول بأنّ عمرو بن العاص كان مقدّماً في المنزلة على أبي بكر وعمر، تراهم اختلقوا هذه الرواية على لسان عمرو نفسه للإشادة بفضل أبي بكر وعمر، وأقْحمُوا عائشة حتّى يبعِدُوا الشكّ من ناحية، وحتّى تحظى عائشة بأفضلية مطلقة من ناحية أُخرى.
ولذلك ترى الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم يقول: "هذا تصريح
وهذه كأمثالها من الروايات الهزيلة التي لم يتورّع الدجّالون لوضعها حتّى على لسان علي بن أبي طالب نفسه; ليقطعوا بذلك على زعمهم حجّة الشيعة الذين يقولون بتفضيل علي بن أبي طالب على سائر الأصحاب من ناحية، وليوهموا المسلمين بأنّ عليّاً لم يكن يتظلّم ولا يتشكّى من أبي بكر وعمر من ناحية أُخرى، فقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص، ومسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه:
عن علي، عن ابن عبّاس قال: وضِعَ عمرُ على سريره، فتكنّفَهُ النّاسُ، يدعون ويصلّونَ قبل أن يرفع، وأنا فيهم، فلم يُرعني إلاّ رجُلٌ أَخذ مَنْكِبي، فإذا عليٌّ، فترحّم على عُمَرَ وقال: ما خَلَّفتَ أحداً أحبَّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عمَلِهِ منكَ، وأيُّمُ الله، إن كنتُ لأظُنُّ أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبتُ أنّي كنتُ كثيراً ما أسمع النبىُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر، ودَخلتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر.
نعم، هذا وضعٌ ظاهر يشمُّ منه رائحة السّياسة التي لعبتْ دورها في إقصاء فاطمة الزهراء، وعدم دفنها قرب أبيها رغم أنّها أوّل اللاحقين به، وفات الرّاوي هنا أنْ يضيفَ بعد قوله: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلتُ أنا
____________
1- شرح مسلم للنووي 15: 153.
ألا يتورّع هؤلاء الذين يحتجّون بمثل هذه الروايات الموضوعة التي يكذّبها التاريخ والواقع، وكتب المسلمين مشحونة بتظلّم علي وفاطمة الزهراء ممّا فعله أبو بكر وعمر طيلة حياتهما؟!
ثمّ تمعّن في الرواية لترى بأنّ الرّاوي يصوّر عليّاً وكأنّه رجُلٌ أجنبي، جاء ليتفرّج على ميّت غريب، فوجد النّاس يكتظون عليه يدعون ويصلّون، فأخذ بمنكب ابن عباس، وكأنّه همس في أذنه تلك الكلمات وانسحب، والمفروض أن يكون علي في مقدمة النّاس وهو الذي يصلّي بهم، ولا يفارق عمر حتى يواريه حفرته.
ولمّا كان النّاس في عهد بني أُميّة يتسابقون في وضع الحديث بأمر من "أمير المؤمنين" معاوية، الذي أراد أن يرفع قدر أبي بكر وعمر مقابل فضائل علي بن أبي طالب، فقد جاءت أحاديث الفضائل هزيلة مُضحكة، ومتناقضة في بعض الأحوال حسب هوى الرّاوي، فمنهم التيمي الذي كان لا يقدّم على أبي بكر أحداً، ومنهم العدوي الذي لا يقدّم على عمر أحداً، وبنو أُميّة الذين كانوا معجبين بشخصية ابن الخطّاب الجريء على النّبي، والفظّ الغليظ الذي لا يتورّع من شيء ولا يهاب شيء، فكانوا كثيراً ما يمدحونه ويضعون الأحاديث التي تُفضّله على أبي بكر.
وإليك أيها القارئ بعض الأمثلة.
أخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه، وأخرج البخاري في صحيحه من كتاب الإيمان
عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): بينما أنا نائمٌ رأيتُ النّاس يُعرَضُونَ عليَّ، وعليهم قُمُصٌ، منها ما يبلُغُ الثدِيَّ، ومنها ما دونَ ذلك، وعرِضَ عليَّ عُمَرُ بن الخطّاب وعليه قميص يجرُّهُ، قالوا: فما أوّلتَ ذلك يا رسول الله؟ قال: الدِّين.
وإذا كان تأويل النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذه الرؤيا، هو الدِّين، فمعنى ذلك أنّ عمر بن الخطّاب أفضل من كل النّاس; لأنّ الدّين بالنسبة إليهم لم يبلغ إلى الثدي وما تجاوز الدّين قلوبَهم، بينما عمر مليء بالدّين من رأسه إلى أخمص قدميه، وأكثر من ذلك فهو يجرّ الدين وراءه جراً، كما يُجرّ القميص، فأين أبو بكر الصديق الذي يرجَحُ إيمانه إيمان الأُمّة بأكملها؟!
كما أخرج البخاري في صحيحه من كتاب العلم باب فضل العلم، وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصّحابة باب فضائل عمر:
عن ابن عمر، قال: سمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: بينما أنا نائمٌ أتيتُ بقدحِ لبن، فشربتُ حتّى إنّي لأرى الريَّ يخرجُ في أظفاري، ثم أعطيتُ فضلي عمر بن الخطّاب، قالوا: فما أوّلتَهُ يا رسول الله؟ قال: العلم.
أقول: فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ وإذا كان ابن الخطّاب قد فاق الأُمّة بأكملها أو النّاس بأجمعهم في الدّين بما فيهم أبو بكر، ففي هذه الرواية صراحة بأنّه فاقهم أيضاً في العلم، فهو أعلم النّاس بعد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
بقيت هناك فضيلة أُخرى يتبارى النّاس في التحلّي بها والانتماء إليها،
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب فضائل أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، باب قول النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو كنت متخذاً خليلا، وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصّحابة، باب من فضائل عمر:
عن أبي هريرة: قال: سمعتُ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: بينما أنا نائم رأيتُني على قليب، عليها دَلْوٌ، فنزعتُ منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوباً أو ذنوبين وفي نزعِهِ ضَعْفٌ، والله يغفر له ضعفَهُ، ثم استحالَتْ غرباً فأخذها ابن الخطّاب، فلم أرَ عبقرياً من الناس ينزعُ نزعَ عُمَرَ، حتى ضربَ النّاسَ بعطَن.
فإذا كان الدّين وهو مركز الإيمان والإسلام، والتقوى والتقرّب إلى الله سبحانه قد حازه عمر بن الخطّاب حتّى جرّه وراءه، بينما النّاس لم يكن نصيبهم منه إلاّ ما يبلغ الثدي وبقيت أجسامهم عارية، وإذا كان العلم اختصّ به عمر بن الخطّاب، فلم يترك للنّاس شيئاً من فضل الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذْ أعطاه إليه فشربه كلّه، ولم يفكّر حتّى في صاحبه أبي بكر الصّديق ـ وهو لا شكّ العلم الذي خوّل عمر أن يغيّر أحكام الله بعد وفاة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، باجتهاده ولا شكّ أنّ اجتهاده من فضل ذلك العلم ـ وإذا كانت القوة والشجاعة قد اختصّ بها ابن الخطّاب أيضاً، بعد الضعف الذي بدا على صاحبه أبي بكر ـ وهذا صحيح، ألم يقل له أبو بكر مرّة (لقد قلتُ لك: إنّك أقوى على هذا الأمر منّي
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنّها مخلوقة، وأخرج مسلم في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر:
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: بينما نحن عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ قال: بينما أنا نائمٌ، رأيتُنِي في الجنَّة، فإذا امرأةٌ تتوضَّأُ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصْرُ؟ فقالوا: لعمر بن الخطّاب، فذكرتُ غَيْرَتَهُ فولّيتُ مدبراً، فبكى عُمرُ، وقال: أعليكَ أغَارُ يا رسول الله؟!
أخي القارئ أظنّك فطنت إلى تنسيق هذه الروايات المكذوبة، وقد سطّرتُ على كلّ منها تحت عبارة واحدة مشتركة في كلّ الروايات التي اختصّت بفضائل عمر بن الخطّاب، ألا وهي قول الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (وحاشاه طبعاً): بينما أنا نائم، فتجدها دائماً في كلّ الرّوايات: بينما أنا نائم رأيت النّاس يعرضون علىَّ، بينما أنا نائمٌ أُتيتُ بقدحِ لبن، بينما أنا نائمٌ رأيتني على قليب، وبينما أنا نائمٌ رأيتني في الجنّة.
ولعلّ راوي الحديث كان كثير الحلم والأضغاث، فكان يتأوّل ويختلق الروايات على لسان النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكم كُذِبَ عليه في حياته وهو موجود بين
ولكن بقي شيء واحدٌ سجّلَهُ المؤرّخون، والصّحابة الذين كانوا من أنصار عمر بن الخطاب نفسه، ألا وهو الخلق الذي كان يمتاز به عُمرُ في الغلظة والفظاظة والشدّة على الناس وحدّة الطبع، ومن كان هذا طبعه عادة لا يحبّه الناس، قال تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(1).
ولكنّ المعجبين بعمر يقلّبون الموازين، ويجعلون من النقيصة منقبة ومن الرذيلة فضيلة، فقد عمدوا إلى اختلاق رواية في شدّة السخافة والبلاهة، والمسّ بكرامة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يشهد الله سبحانه بأنّه ليس فظّاً ولا غليظاً، وإنّما هو ليّن الطبع {فَبَِما رَحْمَة مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ}(2)، {وَإنَّكَ لَعَلى خُـلُق عَـظِيم}(3)، {بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}(4)، و {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(5)، فلنستمع إلى هؤلاء الحمقى ماذا يقولون فيه:
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، وأخرج مسلم في صحيحه من كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر:
عن سعد بن أبي وقّاص، قال: استأذن عمر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعندَهُ
____________
1- آل عمران: 159.
2- آل عمران: 159.
3- القلم: 4.
4- التوبة: 128.
5- الأنبياء: 107.
قالَ عُمرُ: فأنتَ يا رسول الله كنتَ أحقَّ أن يهبنَ، ثمّ قال: أي عديّاتِ أنفسهنّ! أتهبنني ولا تهبن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قلن: نعم! أنتَ أفظُّ وأغلظُ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قالَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "والذي نفسي بيده ما لقيَكَ الشيطانُ قطٌّ سالِكاً فجّاً إلاّ سَلك فجّاً غير فجّكَ"!!
كَبُرَتْ كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً، أُنظر إلى فظاعة الرّواية، وكيف أنّ النّساء يهبنَ عمر ولا يهبنَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويرفعن أصواتهن فوق صوت النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا يحترمنه فلا يحتجبن بحضرته، وبمجرّد سماع صوت عمر سكتنَ وابتدرن الحجاب؟!
عجبتُ والله من أمر هؤلاء الحمقَى الذين لا يكفيهم كلّ ذلك حتّى ينسبون إليه أنّه فظٌّ غليظ بكلّ صراحة، لأنّ عمر أفظّ وأغلظ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي من أفعال التفضيل، فإن كانت هذه فضيلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فعمر أفضل منه، وإن كانت رذيلة فكيف يقبل المسلمون وعلى رأسهم البخاري ومسلم مثل هذه الأحاديث؟!
ثمّ لم يكفهم كلّ ذلك حتّى جعلوا الشيطان يلعبُ ويمرحُ بحضرة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يخافه، فلا شكّ أنّ الشيطان هو الذي استفزّ النسوة حتى يرفعن أصواتهنّ ويخلعن حجابهنّ، ولكنّ الشيطان هربَ وسلك فجّاً آخر
هل رأيتَ أيُّها المسلم الغيور ما هي قيمة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عندهم، وكيف أنّهم يقولون من حيث يشعرون أو لا يشعرون بأنّ عمر أفضل منه؟!
وهو بالضبط ما يقع اليوم عندما يتحدّثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعدّدون أخطاءه المزعومة، ويبرّرون ذلك بأنّه بشر غير معصوم، وبأنّ عمر كثيراً ما كان يصلح أخطاءه، وأنّ القرآن كان ينزل بتأييد عمر في العديد من المرّات، ويستدلّون بعبسَ وتَولَّى، وبتأبير النخل، وبأسرى بدر وغيرها.
ولكنّك عندما تقول أمامهم بأنّ عمر أخطأ في تعطيل سهم المؤلّفة قلوبهم، أو في تحريم المتعتين، أو في التفضيل في العطاء; فإنّك ترى أوداجهم تنْتفخ، وأعينهم تحمّر، ويتّهمونك بالخروج عن الدّين، ويقال لك: من أنت يا هذا حتى تنتقد سيّدنا عمر الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل!! وما عليك إلاّ أن تُسَلّمَ ولا تحاول الكلام معهم ثانية، وإلاّ قد يلحقك منهم الأذى.
البخاري يدلّس الحديث حفاظاً على كرامة عمر بن الخطّاب
نعم، إنّ الباحث إذا ما تتّبع أحاديث البخاري لا يفهم الكثير منها، وتبدوا كأنّها ناقصة أو مقطّعة، وأنّه يخرج نفس الحديث بنفس الأسانيد، ولكنّه في كلّ مرّة يعطيه ألفاظاً مختلفة في عدّة أبواب، كلّ ذلك لشدّة حبه لعمر بن الخطاب.
ولعلّ ذلك هو الذي رغّب أهل السنّة فيه فقدّموه على سائر الكتب، رغم أنّ مسلماً أضبط، وكتابه مرتّب حسب أبواب، إلاّ أنّ البخاري عندهم أصحّ
بعض الأمثلة على تدليس الحديث التي فيها حقائق تكشف عن عمر ابن الخطاب:
1 ـ أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض باب التيمّم، قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي أجنبتُ فلم أجد مَاءً؟ فقال عمر: لا تُصلِّ، فقال عمّار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنَا وأنتَ في سريّة، فأجنبنا فلم نجد ماءً، فأما أنتَ فلم تُصلِّ، وأما أنَا فتمعّكتُ في التّراب وصلّيتُ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّما كان يكفيكَ أنْ تضربَ بيديك الأرض، ثمّ تنفُخ ثمّ تمسح بهما وجهك وكفّيكَ"، فقال عمر: إتّق الله يا عمّار! قال: إن شئتَ لم أحدّثْ به.
وأخرج هذه الرّواية كلّ من أبي داود في سننه، وأحمد بن حنبل في مسنده، والنّسائي في سننه، والبيهقي، وابن ماجه أيضاً(1).
ولكنّ البخاري خان الأمانة أمانة نقل الحديث، كما هو ومن أجل الحفاظ على كرامة عمر دلّس الحديث; لأنّه لم يعجبهُ أن يعرف النّاس جهل الخليفة بأبسط قواعد الفقه الإسلامي، وإليك الرواية التي تصرّف فيها البخاري.
____________
1- مسند أحمد 4: 265، سنن ابن ماجة 1: 188 ح569، سنن النسائي 1: 166، السنن الكبرى للبيهقي 1: 209، سنن أبي داود 1: 81 ح322.
قال: جاء رجل إلى عمر بن الخطّاب، فقال: إنّي أجنبتُ فلم أصبِ الماءَ، فقال عمّار بن ياسر لعمر بن الخطاب: أمَا تذكر أنّا كنَّا في سفر أنا وأنتَ... الحديث.
وهو كما ترى حذف منه البخاري "فقال عمر: لا تُصلِّ" لأنّها أربكت ولا شكّ البخاري، فحذفها وتخلّص منها لئلا يكشف للنّاس عن مذهب عمر الذي كان يرتئيه في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واجتهاده مقابل نصوص القرآن والسنّة، وبقاءه على مذهبه هذا حتّى بعدما أصبح أميراً للمؤمنين، وأخذ ينشر مذهبه في أوساط المسلمين، وقد قال ابن حجر: "هذا مذهبٌ مشهور عن عمر"(1)، والدّليل على أنّه كان يشدّد على ذلك قول عمّار له: إن شئت لم أحدّث به. فاقرأ وأعجب!!
2 ـ أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك من جزئه الثاني صفحة 514، وصحّحه الذهبي في تلخيصه.
عن أنس بن مالك قال: إنّ عمر بن الخطّاب قرأ على المنبر قوله: {فَأَنْبَتْنا فِيها حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً * وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً * وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاكِهَةً وَأَبّاً} قال: كلّ هذا عرفناه فما الأَبُّ؟ ثمّ قال: هذا لعمر الله هو التكلّف، فما عليك أن لا تدري ما الأبُّ، اتبعوا ما بيّنَ لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربّه.
____________
1- فتح الباري 1: 376.
ولكنّ البخاري وكعادته حذف الحديث وأبتره; لئلا يعرف النّاس جهل الخليفة بمعنى الأبُّ، فروى الحديث كالآتي:
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلّف ما لا يعنيه، قول الله تعالى: {لا تَسْألُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}(2):
عن أنس بن مالك قال: كنّا عند عُمر فقال: نهينا عن التكلّفِ.
نَعم، هكذا يفعل البخاري بكلّ حديث يشمُّ منه انتقاصاً من عمر، فكيف يفهم القارئ من هذا الحديث المبتور حقيقة الأشياء، فهو يستُر جهل عمر بمعنى الأبّ، ويقول فقط قال: نهينا عن التكلّف.
3 ـ أخرج الحاكم في المستدرك 2: 59، وأبو داود في سننه 2: 339، والبيهقي في سننه 8: 264، وابن حجر في فتح الباري 12: 107، وأحمد في مسنده 1: 335 بسند صحيح، وابن ماجة 1: 659، ح2042 مختصراً وغيرهم، عن ابن عباس أنّه قال: أُتي عمر بمجنونة قد زنتْ، فاستشار فيها أُناساً فأمر بها أن تُرجم، فمرّ بها علي بن أبي طالب فقال: "ما شأنها"؟
____________
1- تفسير الطبري 30: 77، تفسير القرطبي 19: 223، تفسير ابن كثير 1: 6، الدر المنثور 6: 317، وانظر الغدير للأميني 6: 99.
2- المائدة: 101.
ولكن البخاري أربكته هذه الرواية، فكيف يعرف النّاس جهل عمر بأُمور الحدود التي رسمها كتاب الله وبيّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يترأس على منصّة الخلافة من كانت هذه حاله، ثمّ كيف يذكر البخاري هذه الرواية وفيها فضيلة لعلىّ بن أبي طالب الذي كان يسهر على تعليمهم ما يجهلون، واعتراف عمر بقوله أنّه "لولا علىّ لهلك عمر"، فلننظر للبخاري كيف يحرّف الرواية ويدلّسها:
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة، باب لا يرجَمُ المجنون والمجنونة، قال البخاري بدون ذكر أي سند:
وقال عليٌّ لعمر: "أما علمت أنَّ القَلَمَ رفع عن المجنون حتّى يفيق، وعن الصبىّ حتى يُدرِكَ، وعن النائم حتى يستيقظ"؟.
نعم، هذا مثالٌ حىٌّ لتصرّف البخاري في الأحاديث، فهو يبتر الحديث إذا كان فيه فضيحة لعمر، و يُـبترُ الحديث أيضاً إذا كان فيه فضيلة أو منقبة للإمام علي فلا يطيق تخريجه.
4 ـ أخرج مسلم في صحيحه من كتاب الحدود، باب حدّ شارب الخمر:
____________
1- هذه الزيادة وردت في فيض القدير 4: 470، المناقب للخوارزمي: 81 ح65، التذكرة للسبط: 65.
والبخاري كعادته لا يريد إظهار جهل عمر بالحكم في الحدود، وكيف يستشير النّاس في حدٍّ معلوم فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ فعله بعده أبو بكر.
أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر:
عن أنس بن مالك: أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب في الخمْر بالجريد والنّعال، وجلدَ أبو بكر أربعين.
5 ـ أخرج المحدّثون والمؤرّخون الذين أَرَّخوا مرض النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووفاته، وكيف طلب منهم أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً، وهو ما سُمِّي برزيّة يوم الخميس، وكيف أنّ عمر بن الخطّاب عارض وقال بأنّ رسول الله يهجرَ ـ والعياذ بالله ـ.
وقد أخرج البخاري في صحيحه من كتاب الجهاد، باب هل يستشفع إلى أهل الذمّة ومعاملتهم، وأخرجه مسلم في صحيحه من كتاب الوصية، باب ترك الوصيّة لمن ليس له شيء يوصي فيه:
عن ابن عبّاس (رضي الله عنه)، أنّه قال: يومُ الخَميس، ومَا يوم الخميس، ثمّ بكى حتّى خضبَ دمعه الحصْباء، فقال: اشتدّ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وَجعهُ يوم الخميس، فقال: "ائتوني بكتاب، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً" فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازعٌ، فقالوا: هَجَرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "دعوني فالذي أنا فيه خيرٌ ممّا تدعوني إليه" وأوصى عند موته بثلاث: