تقديم

يروى هذا الكتاب قصه المواجهه التى حدثت بين رسول اللّه وآله والمسلمين من جهه، وبين اعداء اللّه و(الطلقاء) واعوانهم من جهه اخرى.

وان يكن هولاء الاعداء قد اذعنوا(عام الفتح)، وتلفظوا بالشهادتين، فخاطبهم النبى (ص) بقوله:

(اذهبوا فانتم الطلقاء)،فانهم عادوا بعد وفاه رسول اللّه(ص) يستانفون المواجهه من جديد.

وكانت مواجهه دائمه بين الشرعيه الالهيه وبين قوى الامر الواقع الذى فرض على المسلمين بوسائل كثيره ابرزها:

القوه العسكريه، واغراءات المال والجاه، والعصبيه القبليه، والقمع الذى فاق كل تصور، اضافه الى الزيف والتضليل الاعلاميين.

يروى الكتاب قصه هذه المواجهه فى خمسه ابواب متسلسله تاريخيا، يروى اولها الوقائع التى حدثت قبل الهجره من مكه المكرمه الى المدينه المنوره، وثانيها وقائع الحقبه التى تم فيها نصر اللّه والفتح، وثالثها ما حدث فى ايام رسول‏اللّه(ص) الاخيره، والوقائع التى حدثت بعد وفاته.

وقد اتحدت فى هذه الاونه بطون قريش لتحول دون ان يوول الامر الى اصحابه الشرعيين بالوصيه والاهليه.

ويبحث رابعها فى الاحكام الشرعيه المتعلقه بالامامه والولايه، ويجيب عن مختلف الاسئله المتعلقه بهذه القضيه.

اما الباب الخامس، والاخير، فيروى وقائع الانقلاب الذى حدث على الشرعيه ويبين آثاره المدمره على الاسلام.

يمثل هذا الكتاب، وهو يروى قصه المواجهه هذه، مواجهه علميه حقيقيه تسعى الى كتابه قصه قضيه عادل عمل السلطان واعوانه، طوال عصور عديده، على طمسها.

وقد اتيح من خلال الجهد الذى بذله المولف للحقيقه الموضوعيه ان تتضح كامله نقيه، من طريق العوده الى كتاب اللّه وسيره رسوله(ص)، وبيان الائمه(ع)، واتباع مناهج البحث العلميه.

واذا كان المولف الذى امتهن فى حياته العامه مهنه المحاماه عن المظلومين فى ساحه القضاء لم يتورع عن اظهار عاطفته تجاه موضوع بحثه -كما سيلاحظ القارى‏ء- فان ذلك ناشى‏ء من ايمانه العميق بقيم العداله والانصاف، ووجوب اقرار الحق واتباعه، وليس من التعصب الاعمى لعقيدته، سيما انه لم يتلق هذه العقيده من اسلافه وبيئته، وانما كونها بنفسه بالبحث والتحقيق والرجوع الى المصادر الاصليه الموثوقه.

ولقد سبق للمولف ان اصدر عده كتب ليست بعيده عن موضوع كتابه هذا منها:

1- نظريه عداله الصحابه.

2-النظام السياسى فى الاسلام.

3-طبيعه الاحزاب السياسيه العربيه.

4-الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه.

5-المرجعيه السياسيه فى الاسلام.

ومركز الغدير للدراسات الاسلاميه اذ يسره ان يقدم كتابه الجديد هذا (المواجهه-القصه الكامله) الى القراء فانما يقوم بجزء من واجبه فى اعاده قراءه تاريخ امتنا الاسلاميه واستخلاص الحقائق والعبر.

مركز الغدير للدراسات الاسلاميه بيروت

بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقدمه

الحمد اللّه رب العالمين، واصلى واسلم بافضل صلاه واتم تسليم، على حبيبنا، وقره اعيننا، سيد ولد آدم، وخاتم الانبياء والمرسلين محمد، وعلى آله الطيبين، سفن النجا، ونجوم الهدى، وباب حطه، واحد الثقلين، واهل المنزله والشرف والفخر والرئاسه، صلاه وسلاما دائمين متلازمين متكررين فى كل لحظه وحين الى يوم الدين اما بعد:

فها انا اضع بين يدى عشاق الحقائق الشرعيه المجرده كتابى السادس(المواجهه القصه الكامله) وهو اول كتاب من نوعه يعالج هذا الموضوع بذات الهيئه والمضمون والمنهجيه.

وقد عنيت بالمواجهه تلك المجابهه التى حدثت عبر التاريخ بين رسول‏اللّه محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم من جهه، وبين اعداء اللّه الذين كرهوا ما انزل اللّه، فتبرعوا نيابه عن الجنس البشرى فجابهوا رسول‏اللّه وآله، وقاوموهم، وكادوا لهم كيدا، ومكروا بهم مكرا، وحاربوهم حربا مسلحه طوال احدى وعشرين سنه منها ثلاث عشره سنه قبل الهجره وثمانى سنين بعد الهجره.

ثم احاط الرسول وآله باعداء اللّه، واغلق فى وجوههم كل الابواب، وترك باب الاسلام مفتوحا، فاستسلم اعداء اللّه، وذكرهم بمكرهم، وان كان مكرهم لتزول منه الجبال -ولما ذلوا واستسلموا، عفا رسول‏اللّه عنهم قائلا:

(اذهبوا فانتم الطلقاء)، وتلفظوا بالشهادتين، فعرفوا بالمسلمين الطلقاء، وعاشوا بنعيم فى ظلال حريه الاسلام، ونظام المساواه، والعدل، وتكافو الفرص الاسلامى واحترام كرامه الانسان، ولاح لمجتمع دوله الرسول ان اعداء اللّه بالامس والذين صاروا اليوم(مسلمين طلقاء) قد استقاموا، ولم لا، فالبواطن اختصاص الهى، وليس للبشر الا ظواهر الامور وانشغل المجتمع الاسلامى بالاهم.

وجاء نصر اللّه والفتح، وخرج العرب جميعا ومواليهم من دوائر الشرك الى دائره التوحيد، فلم يعد بوسع عربى ان يعلن شركه وتوحد العرب، ولاول مره فى تاريخهم، تحت خيمه دوله النبى، دوله الايمان التى عاش فى ظلالها العرب والعجم، والموالى والصرحاء، مع كل الالوان ينعمون جميعا بالحريه، والمساواه، والعدل، والكرامه الانسانيه، وتكافو الفرص كثمرات طبيعيه لتطبيق القوانين الالهيه التى بينها النبى بيانا كاملا وشاملا ونقلها من النص الى التطبيق، ومن النظر الى الواقع، ومن الكلمه الى الحركه عبر مسيرتى الدعوه والدوله.

وحج رسول‏اللّه بالناس، واعلن امام وفود الحجيج، ان حجته تلك هى حجه الوداع، وانه قد خير فاختار ما عند اللّه، وانه يغتنم فرصه تجمع المسلمين، ويعلن امامهم بامر من ربه فى ذلك المكان(غدير خم) ان اللّه تعالى قد امره باعلان على بن ابى طالب وليا للامه واماما لها من بعده، فهو ولى من كان النبى وليه ومولى من كان النبى مولاه.

فتقدمت الجموع وبايعت‏الامام‏على، وهناته بالولايه، وكان ابوبكر وعمر من اوائل المبايعين والمهنئين، وبايعه الطلقاءايضا.

وفى ذات الموقف اعلن النبى امام ذلك الجمع المهيب بان الهدى لا يدرك الا بالتمسك بالثقلين:

كتاب اللّه وعتره النبى اهل بيته، وان الضلاله لا يمكن تجنبها الا بالتمسك بهذين الثقلين معا.

ثم نادى النبى باعلى صوته:

(الا هل بلغت) وصاحت الجموع الاسلاميه بصوت واحد:

لقد بلغت يا رسول‏اللّه، اديت الامانه، وبلغت الرساله، وتركت الناس على‏المحجه البيضاء.

فقال الرسول:

اللهم انى اشهدكم‏عليهم.

ويهبط جبريل الامين، ومعه آيه الاكمال (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم‏نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا) (1) وتلى النبى آيه الاكمال على المجتمعين، ففرح‏المجتمعون بكمال الدين، وتمام النعمه، ورضا الرب الحكيم بولايه على.

وبدا للناس ان‏المواجهه قد وضعت اوزارها، وان الشرعيه الالهيه قد القت جرانها فى الارض، وعاد الناس الى ديارهم على هذا الاساس.

بطون قريش:

فى هذا الوقت، توحدت بطون قريش تماما مره اخرى كما توحدت ضد النبى، وهبطت من بهاء التدبير الالهى، الى ظلمه تدبيرها، فقال قائلها:

ليس من العدل ان يكون النبى من بنى هاشم، وان يكون الولى منهم.

وليس من الحكمه ان يعط‏ى اهل بيت النبوه هذا الدور المميز!!

والانصاف يقضى بان تكون النبوه لبنى هاشم، وان تكون الخلافه للبطون.

هذا هو العدل، وعلى بطون قريش ان تعمل على فرض العدل بالقوه، وتجميع العرب حول هذا الهدف!!!

فليس مناسبا ان يتولى الامور من بعد النبى على‏بن ابى طالب الذى قتل سادات‏البطون!!

ونكل بشيوخ الوادى فى بدر واحد والخندق!!

وهكذا فتحت بطون قريش ابواب مواجهه جديده بالوقت الذى كان فيه النبى يتاهب للقاء ربه، وبدات بطون قريش تستقطب، وتشن حملاتها الدعائيه ضد النبى من جديد، ولكن وهى مسلمه هذه المره!!!

ولم يكن امام النبى فى هذه الحاله الا التذكير بالبيان الالهى المتعلق بالقياده من بعد النبى، وبالدور المميز لاهل بيت النبوه، فقاد النبى حمله مضاده، ووضح خلال حملته حتى‏الواضحات، حتى لا تبقى لمن خالف شبهه، وحتى تكون معصيته مع العلم وسبق الاصرار.

مرض النبى:

ومرض النبى مرضه الذى مات منه، فاراد قبل موته ان يلخص الموقف للامه، وان يكتب توجيهاته النهائيه، كما يفعل قاده الامم عاده وكما فعل الخلفاء طوال التاريخ، وضرب الرسول لكتابه توجيهاته موعدا يحضره الخلص من اوليائه، وبالوقت الذى حدده النبى لكتابه توجيهاته النهائيه فوجى‏ء النبى، وفوجى‏ء الخلص من اوليائه بسادات بطون قريش يدخلون على حجرته المقدسه، ولم يكن بوسع النبى ان يعدل عن كتابه توجيهاته النهائيه فقال لاوليائه:

(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا) فنهض اولياء النبى ليحضروا الكتف والدواه، وعلى الفور نهض عقيد سادات البطون، وتجاهل وجود النبى وقال للحاضرين:

(ان رسول‏اللّه يهجر، ولا حاجه لنا بكتابه، حسبنا كتاب اللّه).

وعلى الفور ايضا قال سادات البطون، متجاهلين بالكامل وجود النبى: (القول ما قاله(فلان) حسبنا كتاب اللّه، لا حاجه لنا بكتاب النبى، ان النبى يهجر!! ما باله استفهموه اهجر!! ما شانه اهجر!!)

واكثروا اللغط والتنازع وتبين للنبى حقيقه الموقف، وان هدف سادات البطون هو الحيلوله بينه وبين كتابه ما اراد، وبهذا المناخ لم يعد هنالك ما يبرر كتابه ما اراد، وادرك انها الفتنه، لذلك راى ان يحسم الموقف فقال:

(قوموا عنى، لا ينبغى عند نبى تنازع، ما انا فيه خير مما تدعونى اليه) هنالك نهض الجميع وخرج سادات البطون بعدان صدموا خاطر النبى الشريف، وتركوه يموت غاضبا مهموما!!.

واغتنموا فرصه انشغال الامام واهل بيت النبوه، بتجهيز النبى وتكفينه(فتقطعوا امرهم زبرا) ونصبوا الخليفه الجديد فى غياب آل محمد ثم اقبلوا يزفونه، وواجهوا آل محمد بواقع لا طاقه لهم على تفسيره، ونجحت خطه البطون بتقويض الشرعيه الالهيه، ونسف الترتيبات الالهيه راسا على عقب، وفتح ابواب مواجهه جديده ودائمه بين الشرعيه والواقع المفروض وما زالت تلك المواجهه تشتد حتى اكلت الاخضر واليابس، ولم يبق من الجانب السياسى فى الاسلام الا الهيكل العظمى.

خطه البحث:

فتحت على البحث خمسه ابواب، استحضرت خلالها الحادثات التاريخيه واعملت فيها الجهد المضنى المستفيض وفق مناهج الاستقراء والبحث والمقارنه والاستنباط، فدرت، فاعطت حقائقها، واوقفتنى على منابعها واصولها، ومراكز قوتها، ونقاط ضعفها فاتضح الواقع على حقيقته.

ثم وقفت على منابع الشرعيه الالهيه، من مصادرها النقيه كتاب اللّه جل وعلا، وبيان الرسول لهذا الكتاب، وبيان ائمه اهل بيت النبوه اعدال الكتاب، ووقفت على حجه قاده التاريخ وشيعتهم من العلماء وفق مناهج البحث والاستقراء والمقارنه ايضا، فاتضحت امامى الشرعيه الالهيه كامله لا تشوبها شائبه، بلا لبس ولا غموض نقيه، كانها كوكب درى.

وبعد ذلك استحضرت دقائق الزمن واستعرضت حركه المواجهه بين الشرعيه الالهيه وبين الحادثات التاريخيه، وذهب الزبد جفاء واما ما ينفع الناس فمكث فى الارض.

تقسيم البحث:

قسمت البحث الى خمسه ابواب.

ففى الباب الاول:

غطيت وقائع المواجهه بين رسول اللّه وآله الاكرمين وبين اعداء اللّه خلال الفتره الواقعه ما بين الاعلان عن انباء النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد الى اللحظه التى نجا فيها النبى من مطارده بطون قريش له اثناء الهجره المباركه، وقد بحثت هذه الفتره من خلال سته فصول وافيه.

اما الباب الثانى فقد غطيت فيه انباء المواجهه من اللحظه التى وصل فيها النبى الى المدينه حتى اللحظه التى تم فيها فتح مكه واستسلام سادات بطون قريش للنبى بدون قيد او شرط، وقد عالجتها من خلال خمسه فصول شافيه.

وفى الباب الثالث:

غطيت وقائع المواجهه التى جرت بين الشرعيه الالهيه وبين بطون قريش المتحده بعد اسلامها من خلال سته ابواب، ابرزت فيها كل خفى فى هذه المواجهه، حتى تعرت مواقف البطون على حقيقتها المذهله.

اما فى الباب الرابع:

فقد ابرزت فيه الاحكام الشرعيه المتعلقه بالامامه اوالقياده او المرجعيه من بعد النبى من خلال ثلاثه عشر فصلا، فما من سوال عن هذه الناحيه الا ونجد له فى الباب جوانبا حتى ليصلح هذا الباب ان يكون كتابا مستقلا.

وفى الباب الخامس:

غطيت فيه بدقه وقائع الانقلاب الاسود على الشرعيه وآثاره‏المدمره من خلال ثلاثه عشر فصلا وقد حرصت على توثيق الابواب الاربعه توثيقا كاملا، وعلى ربطها مع بعضها برباط محكم وثيق.

وانى اعيذك باللّه من ان تتصور ان هذا البحث كان نزهه، لقد كان معاناه مرهقه، بل ومواجهه حقيقيه، تركت حملها الثقيل على عظم قد رق، وقلب مثقل بالالم.

اللهم انك تعلم انى ما اردت الا الدفاع عن القضيه العادله لاهل بيت نبيك، تقربا منى اليك بهم، اللهم اجعل جهدى خالصا لوجهك وصدقه تطفى‏ء بها خطاياى، وهديه خالصه لمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم واهل بيته الطاهرين وبنى هاشم‏الماجدين تقربنى منك زلفى، انك يا مولاى ودود رحيم، وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين.

الاردن جرش‏احمد حسين يعقوب

الباب الاول - المواجهه قبل الهجره

الفصل الاول: انتشار نبا النبوه مع نبا ولايه العهد والخلافه

خلال المرحله السريه للدعوه، كثرت الاشاعات عن بشائر النبوه والرساله والكتاب، وكثر الاهتمام بشخصيه محمدبن عبداللّه واختلطت الامور على بطون قريش، وزاد فضولها للوقوف على حقيقه الرجل، وحقيقه الاشاعات التى تنشر من حوله بذلك الوقت، وبالذات تلقى النبى امرا الهيا باعلان دعوته، ويبدو جليا من التسلسل المنطقى للامور، ان النبى قد جمع الهاشميين فى بيته اولا، واطلعهم على حقيقه النبا العظيم،وانه -وبامر من ربه- عين فى هذا الاجتماع ولى عهده والامام من بعده وانتهى الاجتماع بقرار البيت الهاشمى بحمايه النبى وعدم تسليمه، واعلن هذا القرار (عميد البيت الهاشمى) عبد مناف‏بن عبدالمطلب المكنى بابى طالب.

واجتماع الهاشميين فى بيت النبى لم يكن خافيا على بطون قريش المشبعه بالفضول للوقوف على حقيقه محمد، ومن الطبيعى ان وقائع الاجتماع، انتشرت وشاعت بعد سويعات من انفضاضه، وهكذا وقفت بطون قريش على حقيقه ومجمل النبا.

ويبدو ان الخطوه المنطقيه الثانيه تمثلت بصعود النبى على الصفا، ومناداته على بطون قريش وملاها الذين يجتمعون دائما حول الكعبه وقيامه باعلان نبا النبوه والرساله والكتاب امامهم.

ويذكر المورخون ان رسول اللّه واصحابه قد خرجوا فى صفين واخترقوا طرق مكه وسككها).

وهكذا احيط البطن الهاشمى خاصه بحقيقه النبا، وتم تعيين ولى العهد والخليفه من بعد النبى امام هذا البطن، واحيطت بطون قريش وسكان مكه عامه بحقيقه هذا النبا، ووقفوا على حقيقه الشائعات التى انتشرت طوال المرحله السريه من الدعوه والتى استمرت ثلاث سنين، واشرب الجميع نبا النبوه ونبا ولايه العهد او الامامه من بعد النبى، وانتشر نبا ولايه العهد او الامام من بعد النبى مع نبا النبوه، ولكن لان بطون قريش متغطرسه، ولم تحمل الامر محمل الجد، ولان النبا العظيم(نبا النبوه) هو الاعظم فقد طغى على نبا ولايه العهد او الامامه من بعد النبى، وقد وثقت ذلك فى الباب المتعلق بالقياده من بعد النبى توثيقا كاملا.

التدرج بتعميم وتثبيت ولايه العهد او الامامه من بعد النبى

التدرج بتعميم وترسيخ معالم الحكم الشرعى، صفه ملازمه لقواعد العقيده الاسلاميه، ويمكن ان تلحظ هذه الصفه فى الصلاه، وفى الانفاق، وفى الدعوه، وفى المنهج السياسى، وتحريم المالوفات كالخمر، وحتى فى طريقه نزول القرآن الكريم، وولايه العهد او الامامه من بعد النبى لازمتها صفه التدرج والتعميم‏والتثبيت المستمر، فقد اعلنت ولايه العهد او الامامه من بعد النبى فى‏الاجتماع الذى عقده النبى لبنى هاشم فى بيته، حيث اعلن فى هذا الاجتماع لاول مره ان على‏بن ابى طالب هو ولى عهد النبى، وهو الامام او امير الجماعه المسلمه من بعد النبى.

وطوال مرحله الدعوه العلنيه فى مكه والتى استمرت عشر سنين والرسول يظهر مع ولى عهده معا، يسيران معا، ويصليان معا، فاذا روى الرسول روى معه ولى عهده والامام من بعده، وكانا يسكنان معا فى بيت واحد.

ولى العهد المعين يصف علاقته بالنبى فى تلك المرحله

قال الامام على واصفا علاقته بالنبى فى تلك الفتره:

(وضعنى فى حجره وانا وليد، يضمنى الى صدره، ويكنفنى فى فراشه، ويمسنى جسده، ويشمنى عرقه، وكان يمضغ الشى‏ء ثم يلقمنيه، وما وجد لى كذبه فى قول، ولا خطله فى فعل.

وكنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه، يرفع لى فى كل يوم من اخلاقه علما، ويامرنى بالاقتداء به، ولقد كان يجاور فى كل سنه بحراء فاراه ولا يراه غيرى، ولم يجمع بيت واحد يومئذ فى الاسلام غير رسول اللّه وخديجه وانا ثالثهما، ارى نور الوحى والرساله، واشم ريح النبوه).

وسئل قثم‏بن العباس كيف ورث على رسول اللّه دونكم؟ فقال(كان اولنا لحوقا به، واشدنا به لصوقا).

بمعنى انه كلما تذكرت بطون قريش نبوه محمد تذكرت امامه على من بعده، لقد ربطت الاثنين معا، وتجسد هذا الربط واقعيا حيث كان الاثنان معا يسكنان فى بيت النبى.

نصوص نبويه ومراسيم تشريعيه ثبتت ولايه العهد والامامه من بعد النبى:

عملا بمبدا التدرج بتعميم وتثبيت الحكم الشرعى، ونظرا لاهميه ولايه عهد النبى والامامه من بعده فقد اعلن رسول اللّه خلال مرحلتى الدعوه والدوله الاسلاميه سلسله من الاعلانات او المراسيم التشريعيه لتثبيت وترسيخ ولايه العهد او الامامه من بعد النبى، فقال لولى عهده امام ملا المسلمين وعامتهم:

(انت منى بمنزله هارون من موسى الا انه لا نبى بعدى (2) واعلنه وليا للمسلمين فقال له:

(انت وليى فى الدنيا والاخره) (3).

وقال لولى عهده امامهم(انت ولى كل مومن من بعدى) (4) وقال للمسلمين فى قضيه الجاريه انه:

(...ولى كل مومن بعدى) (5) وجعل ولايته طريقا الى الجنه ومسلكا الى الهدى، وحاجزا عن الضلاله فقال للمسلمين:

(من احب ان يحيى حياتى ويموت موتى ويسكن جنه الخلد التى وعدنى ربى، فان ربى غرز قضبانها بيده فليتول عليا فانه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم فى ضلاله) (6).

واعلن امام المسلمين قائلا:

(اوصى من آمن بى وصدقنى بالولايه لعلى، فانه من تولاه تولانى، ومن تولانى تولى اللّه، ومن احبه احبنى ومن احبنى احب اللّه، ومن ابغضه ابغضنى ومن ابغضنى فقد ابغض اللّه) (7).

واعلن امام المسلمين قائلا:

(من آمن بى وصدقنى فليتول على‏بن ابى طالب، فان ولايته ولايتى، وولايتى ولايه‏اللّه) (8)وتاكيدا لحق على بالولايه والامامه من بعد النبى نزل قوله تعالى:

(انما وليكم اللّه ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاه ويوتون الزكاه وهم راكعون، ومن يتولى اللّه ورسوله والذين آمنوا فان حزب اللّه هم الغالبون)( (9) وسبب نزول هذه الايه ان على‏بن ابى طالب تصدق بخاتمه وهو راكع، فرآه رسول اللّه، فدعا ربه بالدعاء الذى دعا به موسى ربه (واجعل لى وزيرا من اهلى) وما اتم رسول‏اللّه دعاءه حتى هبط جبريل ومعه آيه الولايه (10) ولم يكتف الرسول بذلك، واحتياطا لسد ابواب التاويلات فقد اعلن الرسول ان عليا سيد المسلمين، وامام المتقين وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين، وانه رايه الهدى، وامام الاولياء، ونور اهل الطاعه، فقال امام المسلمين:

(اوصى اللّه الى فى على ثلاثه.

(انه سيد المسلمين، وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين) (11) وقال له امامهم:

(مرحبا بسيد المسلمين وامام المتقين) (12) وفى جلسه ضمته والملا من المسلمين قال النبى:

(يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المومنين وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين وخاتم الوصيين.

قال انس:

قلت:

اللهم اجعله رجلا من الانصار -وكتمته- اذ جاء على فقال:

من هذا يا انس؟ فقلت:

على.

فقام مستبشرا فاعتنقه...) (13) وفى يوم من الايام قال رسول اللّه امام الملا من المسلمين:

(ادعوا لى سيد العرب، فقالت عائشه:

الست سيد العرب؟!

فقال النبى:

انا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب) (14) وقال فى جمع من المسلمين:

(النظر الى وجه على عباده، وهو سيد فى الدنيا وسيد فى الاخره، من احبه احبنى، وحبيبى حبيب اللّه، وعدوه عدوى، وعدوى عدو اللّه، ال (15)ويل لمن ابغضه( واعلن امام المسلمين قائلا:

يا على كذب من زعم انه يحبنى ويبغضك (16)) وخاطب النبى عليا امام المسلمين قائلا له:

(انت تبين لامتى ما اختلفوا فيه من بعدى (17)) واعلن امام المسلمين قائلا:

(كفى وكف على فى العدل سواء) (18) وقال امام المسلمين:

(انا مدينه العلم وعلى بابها) (19)،(وانا مدينه الحكمه وعلى بابها (20)).

وزياده فى اقامه الحجه قال النبى لاصحابه:

(على‏بن ابى طالب باب حطه من دخله كان مومنا ومن خرج منه كان كافرا).(21)

وقال لهم النبى:

(على منى وانا من على، ولا يودى عنى الا انا او على) (22).

وقال لاصحابه ايضا:

(انا المنذر، وعلى الهادى، وبك يا على يهتدى المهتدون) (23) واعلن امام اصحابه قائلا:

(انا وهذا -يعنى عليا- حجه على امتى يوم القيامه) (24) واكد لهم ذلك بقوله:

(على مع القرآن، والقرآن مع على لا يفترقان حتى يردا على الحوض) (25).

وامعانا بالتشريف، واعلانا عن عمق الالتصاق بين نبوه النبى، وولايه على امر النبى من ربه ان يزوج ابنته فاطمه سيده نساء العالمين الى سيد المسلمين (26)، ورفض النبى ان يزوج السيده المباركه لابى بكر او لعمر (27)، واعلن النبى امام المسلمين:

ان اللّه قد جعل ذريه كل نبى من صلبه، وجعل ذريه محمد من صلب على (28).

فاولاد على وفاطمه بالنص الشرعى هم اولاد النبى، وهم ورثته من بعده، ومنهم ائمه الامه الى يوم الدين، واعلن النبى:

ان وصيه ووارثه على (29)، واخيرا اعلن فى حجه الوداع امام جمع يزيد على مئه الف مسلم ولايه على، وامامته للمسلمين من بعده، (30) وقدم له المسلمون التهانى وعلى راسهم ابو بكر وعمر (31) وبانتهاء اعلان التوليه امر اللّه نبيه ان يعلن كمال الدين وتمام النعمه (32).

وضوح قرار تعيين الولى والامام من بعد النبى

يصعب تاويل قرار تعيين الولى والامام من بعد النبى، فالنبى وصفه بانه خليفه له، وانه ولى المسلمين، وولى كل مسلم ومسلمه من بعده، وانه امير المومنين، وانه سيد المسلمين، وانه المبين للدين من بعد النبى، وان طاعته طاعه النبى، ومعصيته معصيه للنبى، وانه لا يودى عن النبى غيره، وانه وارث النبى، فكانه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد تعمد ان يعلن ولايه العهد والامامه بكل الالفاظ والمدلولات المتعارف عليها فى زمانه وفى كل زمان، وذلك نظرا لاهميه هذا المنصب ولضرورته من بعده، ومن يمض بهذه النصوص الشرعيه يجدها متكامله، وتشكل شبكه محكمه واطارا متينا للامامه يصعب الخروج عنه دون الخروج من الدين نفسه (33).

قرار تعيين الامام وكافه النصوص النبويه اوامر الهيه

النبى الكريم، يتبع ما يوحى اليه، (ان اتبع الا ما يوحى الى (34) وعندما اعلن:

ان عليا ولى عهده والخليفه من بعده، ورسخ وثبت هذا الاعلان طوال مرحلتى الدعوه والدوله بمئات النصوص الشرعيه، لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه، بل فعله بناء على التوجيهات الالهيه، وحتى على مستوى زواج ابنته الغاليه، سيده نساء العالمين، كان ينتظر التوجيه الالهى بزواجها انظر الى تصريحه حول هذا الموضوع اذ جاء فيه:

(بشاره اتتنى من ربى فى اخى وابن عمى وابنتى بان اللّه زوج عليا من فاطمه) (35) وقوله لفاطمه:

(اما ترضين ان اللّه اختار من اهل الارض رجلين، احدهما ابوك، والاخر بعلك) (36).

وكقوله:

(ان اللّه اوحى الى فى على ثلاثا، انه سيد المسلمين) (37).. وكقوله:

(ان اللّه عهد الى فى على عهدا...

ان عليا رايه الهدى، وامام اوليائى ونور من اطاعنى) (38) وكقوله:

(يا معشر الانصار الا ادلكم على ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى ابدا؟ قالوا بلى يا رسول اللّه قال:

هذا على فاحبوه بحبى، واكرموه بكرامتى، فان جبريل امرنى بالذى قلت لكم عن اللّه عز وجل) (39) ومن جهه ثانيه فان مهمه النبى ان يبين للناس ما نزل اليهم من ربهم، ومن المسلم به ان القرآن الكريم قد جاء تبيانا لكل شى‏ء، فهل يعقل ان يترك النبى اهم شى‏ء وهو الامامه من بعده دون بيان؟!

ومن الذى فرق الامه بردا، وجعلها طرائق قددا، غير التنافس على منصب خلافه النبى؟!

تالق نجم ولى العهد والامام من بعد النبى

لقد تم اختيار الامام على من اللّه تعالى ليكون ولى عهد للنبى خلال حياته، والامام او رئيس الدوله او امير الجماعه المسلمه من بعد وفاه النبى، بل ووالد الائمه او روساء الدوله الاسلاميه، على اعتبار ان اولاد على هم اولاد النبى، كما هو ثابت بالنصوص الشرعيه القاطعه، وقد اعلن النبى هذا الاختيار الالهى، وارسى قواعد موسسه الامامه او رئاسه الدوله الاسلاميه او اماره الجماعه المسلمه، وقدم الرسول ولى عهده على اساس انه الاعلم والافهم بالدين، والاكثر اخلاصا له، وعلى اساس انه الافضل.

وجاءت الوقائع لتترجم التكييف الالهى، ولتثبت دقته ويقينيته، فاثبت الامام على انه الاشجع فى الجماعه المسلمه، ولا يوجد من هو اشجع منه، وقد اعترف العدو والصديق بسبقه فى هذا المجال، واثبت بانه الاعلم وبانه الافهم بالدين، وقد رجع اليه كل الخلفاء، واثبت بانه الاكثر اخلاصا للدين، فقد ضمن بحقه لينجو دين الاسلام، واثبت انه الافضل اطلاقا فى الجماعه المسلمه.

وهكذا انطبقت الوقائع على النصوص، فكانها ثوب قد فصل على لابسه، واللّه اعلم‏حيث يضع رسالته.

الاحساس بالخطر وعدم احتمال لفظ النص الشرعى

مع انتشار المعرفه وتعميمها، ومع سطوع فجر الحريات، وتكريس الحق بالراى والراى المعارض، والرغبه فى الوقوف على الحقائق العلميه المجرده، احس القوم بالخطر الداهم من النص الشرعى (ان هذا اخى وخليفتى ووصيى فيكم فاسمعوا له واطيعوا) وقدروا ان شيوع هذا النص واطلاع عامه المسلمين عليه يمزق الهاله المقدسه التى اضفاها القوم على التاريخ السياسى الاسلامى الذى ساد من بعيد وفاه النبى حتى سقوط آخر سلاطين بنى عثمان، وعلى الذين قادوا هذا التاريخ، وكيف يسمحون بتمزيق تلك الهاله المقدسه، وقد ضحوا بالدين نفسه لتجميل التاريخ وقادته.

فى كتاب حياه محمد لمحمد حسين هيكل ص‏104 الطبعه الاولى ذكر الحديث النص الشرعى(ان هذا اخى ووصيى وخليفتى فيكم) وفى الطبعه الثانيه وما بعدها من طبعات الكتاب حذفت هذه الجمله كامله من النص.

وفى تفسير الطبرى ج 19 ص‏121 طبعه مصطفى الحلبى استبدلوا كلمه (ان هذا اخى ووصيى وخليفتى) بكلمه (ان هذا اخى وكذا وكذا) فلم يتحملوا ان يلفظوا كلمه (وصيى وخليفتى) فاستعاضوا عنها بكذا وكذا مع ان الطبرى نفسه ذكر النص الشرعى بكامله فى تاريخه ج‏2 ص‏319.

وتلك عاده تعود القوم عليها فيحذفون من النص ما يعارض التاريخ او ما لا يليق بجماله وهالته!!!

وظاهر الحق معهم، فان استطاعوا ان يوولوا كلمه ولى المومنين فكيف يمكنهم تاويل كلمه خليفه، او كلمه وصى!!!

الفصل الثانى: تقييم بطون قريش لابناء النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد

القياده والزعامه فى مكه

بعد صراع مرير بين جرهم، وخزاعه، وقريش آلت زعامه مكه(ام‏القرى) الى بطون قبيله قريش.

وتتالف هذه القبيله من 25 بطنا (40) اشرفها اطلاقا اولاد عبد مناف(بنو هاشم، بنو المطلب، بنو عبد شمس، بنو نوفل) (41) فهم ساده بطون قريش فى الجاهليه بغير منازع، وهم الذين اخذوا العصم لقريش من ملوك الارض، فانساحت برحلتى الشتاء والصيف بامن وامان.

ولانهم زعماء مكه، ولان البيت الحرام فى مكه، ولقيامهم بخدمه الحجيج واكرامه، ولكرمهم المميز، اشتهرت هذه البطون الاربعه وسموا باقداح النضار لفخرهم وسيادتهم على العرب (42)، وتبعا لذلك اشتهرت كل بطون قريش عامه.

وبعد منافسات طويله وصراع توصلت بطون قريش الى صيغه سياسيه جاهليه اقتسمت بموجبها المناصب السياسيه(مناصب الشرف)، بحيث يختص كل بطن من البطون المتنافسه على منصب من مناصب الشرف يبقى لهم، ولان هذا التقسيم فى جانب منه تركه، وفى جانب منه اتفاق ضمنى، وعقيده سياسيه فى الجانب الثالث، فقد استقر، واصبح جزءا(مما وجدنا عليه آباونا) فاختص الهاشميون بالسقايه والرفاده، وهو منصب من اخطر المناصب آنذاك واكثرها كلفه، واختص بنو عبد الدار باللواء، وهو رمز لوحده قريش، واختص بنو عبد شمس بالقياده، وآلت القياده الى ابى سفيان والد معاويه، والخلاصه ان القياده او الزعامه فى مكه حسمت بهذه الصيغه، واستقرت اوضاعها، ولم يعد من مصلحه اى بطن زعزعه او هز هذه الصيغه فى ظل الاوضاع السائده آنذاك.

التميز الهاشمى مصدر قلق لبطون قريش عامه والبطن الاموى خاصه

هاشم اول من سن رحلتى الشتاء والصيف، وفى السنين العجاف لم يكن لمكه غيره يطعم الناس ويشبعهم، وكان يقال له ابو البطحاء وسيد البطحاء، وكان يحمل ابن السبيل ويومن الخائف، وينهى عن اكل الحرام، ويجالس الملوك فكثيرا ما دخل الى النجاشى وقيصر واكرموه، مما جعل من هاشم قائدا فعليا او زعيما فعليا لمكه وللبطون، هذا التميز اثار حسد اميه، واعتبر هذا التميز خطرا يتهدد حصته(القياده) (43)، لذلك تكلف ان يصنع مثل هاشم فعيرته العرب بذلك ثم نافر هاشما، وقضى بان هاشما هو الافضل، وخسر اميه الرهان، وجلى عن مكه (44)، وترك هاشم عبدالمطلب، وسريعا ما تخلق باخلاق ابيه فنهى عن الظلم والبغى ودنيات الامور، وقال ان وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن باحسانه، ويعاقب فيها المسيى‏ء بمساوئه، وحث على الوفاء بالنذر، ومنع نكاح المحارم، ونهى عن قتل المووده، وحرم الخمر والزنا، واكرم الجار، ورعى الذمام فقد قاطع حرب بن اخيه لانه قتل يهوديا، ولاحقه حتى اخذ الديه واعطاها لابن عم اليهودى، وهو الذى كشف ماء زمزم، واستخرج منها غزالان من ذهب، واسياف وحلى بها الكعبه، وكانت روياه حق، ودعاوه مستجاب، وكان يفى بالعقود، ولا يظلم، ولا يغدر، وكان يحرم اكل الميته.

وكان يقال له الفياض لجوده (45).

ومن الموكد ان هذه الصفات والمزايا العاليه تجعل من صاحبها زعيما، وقائدا فعليا تهفو له العقول السليمه، وترتاح اليه القلوب الطيبه فتواليه، وفسر الامويون هذه الصفات على انها محاوله للالتفاف على الصيغه السياسيه التى اعطت الحق بالقياده لبنى اميه، وفسرتها بطون قريش على انها مزاوده بلا معنى وتمهيد لزعزعه الصيغه ونسفها، وتحولت كل هذه الوساوس الى حسد اضمرته بطون قريش لهذا التميز الهاشمى، وبدات تشعر بالقلق المتزايد من هذا التميز واكثرها قلقا كان ابو سفيان، وخلال اسفاره سمع ان نبيا سيظهر من بنى عبد مناف، وقرر ابو سفيان انه لا يوجد فى بنى عبد مناف من هو اجدر بالنبوه منه (46)، ولم لا فانه وارث الحق بالقياده، وترقب حتى يصبح نبيا فيفرك انوف بنى هاشم بنبوته، ويضع حدا لتميزهم هذا، وينتزع منهم الاعتراف بانه القائد والزعيم بجداره.

وارتاح من ظلال هذا الوهم الى حين.

الاعلان عن النبوه والولايه قطع الشك باليقين

من خلال الاشاعات التى تسربت عن النبوه والديانه الاسلاميه الجديده خلال المرحله السريه للدعوه التى استمرت بصوره سريه ثلاث سنوات، سمع ابو سفيان خاصه، وبطون قريش عامه ان(فتى بنى عبد المطلب يكلم من السماء) (47) واستبعد ابو سفيان خاصه، وبطون قريش عامه ان يختار اللّه محمد بن عبداللّه نبيا، واستثقلوا على انفسهم ان يتبعوا هذا الغلام (48)، واستبعدوا صحه هذه الاشاعات.

ولكن بعد ان صعد النبى على الصفا، واعلن امام الملا من قريش نبا النبوه والرساله والكتاب، وبعد ان تسربت وقائع الاجتماع الهاشمى فى بيت النبى، ونبا تعيين ولى العهد، وبعد ان قطع محمد واصحابه طرق مكه وسككها (49) معلنين انتماءهم للدين الجديد، تاكد ابو سفيان، والبطن الاموى خاصه، وتاكدت بطون قريش عامه من صحه انباء النبوه والكتاب وولايه العهد، وانها كانت مصيبه بقلقها وخوفها من البطن الهاشمى.

كيف فهمت بطون قريش انباء النبوه وولايه العهد؟

بعد وقوف محمد بن عبد اللّه على الصفا (50)واعلانه رسميا عن نبا النبوه والرساله والكتاب امام الملا من قريش، وبعد ان تسربت وقائع اجتماع الهاشميين فى بيت النبى، وتسرب نبا اختياره لولى عهده، وبعد ان فاجا اصحاب محمد البطون باختراقهم لطرق مكه وسككها (51)، استوعب ابو سفيان والبطن الاموى خاصه وبطون قريش عامه المضامين الاساسيه للدعوه المحمديه، واعتبروها موامره هاشميه، وادركوا جميعا بان اهداف محمد بن عبداللّه تنصب على:

تغيير عقيده الشرك السائده فى المجتمع المكى تغييرا كاملا، واستبدالها بالعقيده الاسلاميه الجديده، ويستتبع ذلك الغاء الصيغه السياسيه السائده فى مكه آنذاك، والقائمه على اقتسام مناصب الشرف بين بطون قريش، وايجاد نظام سياسى جديد بقياده محمد الهاشمى يحصر مناصب الشرف كلها به يخلفه بتدبير هذا النظام وقيادته الشخص الذى يعينه رب محمد، او يعينه محمد باذن من ربه!!!

بعد ان يبسط سلطانه على مكه، وهكذا يحوز الهاشميون كافه مناصب الشرف وحدهم، ويحرمون البطون من المناصب التى ورثوها واصبحت حقوقا لهم!!!

وبالايجاز فاذا كان بامكان بطون قريش ان تتكارم لتحاكى الكرم الهاشمى، وان تتفاخر لتنقله الفخر الهاشمى، وان تتصنع الحكمه لتردم الحكمه الهاشميه، فانه ليس بامكانها الاتيان بنبوه لتضارع هذه النبوه الهاشميه، وقد عبر عن هذه الحقائق ابو جهل احسن تعبير.

(التقى ابن ابى شريف مع ابى جهل وقال له:

اترى محمدا يكذب؟ فقال له ابو جهل كيف يكذب على اللّه وقد كنا نسميه الامين لانه ما كذب قط، ولكن اذا اجتمعت فى بنى عبد مناف السقايه، والرفاده، والمشوره، ثم تكون فيهم النبوه فاى شى‏ء يبقى لنا؟.

وكان ابو سفيان يقول:

(كنا وبنى هاشم كفرسى رهان، كلما جاءوا بشى‏ء جئنا بشى‏ء مقابل، حتى جاء منهم من يدعى بخبر السماء فانى ناتيهم بذلك!!(52).

برأي بطون قريش فان الدين الاسلامى يقوم على ثلاثه اسس

فهمت بطون قريش عامه، وابو سفيان والبطن الاموى خاصه، ان الدين الذى جاء به محمد يقوم على ثلاثه اسس او على ثلاثه مرتكزات.

الاساس الاول:

(الاساس الشخصى)، وهو محمد بن عبد اللّه الهاشمى بالذات الذى اعلن انه نبى ورسول، وانه يوحى اليه قرآنا من عند اللّه يعمل بالتعاون والتنسيق مع بنى هاشم، ومع اصحابه ليكون قياده جديده تحل محل قياده بطون قريش، حيث سيكون هو القائد والزعيم او صاحب الملك، وهو بمثابه المرجعيه الوحيده لدينه، والولى الوحيد فى حاله نجاح دعوته.

الاساس الثانى:

(وهو الاساس القانونى)، ويتمثل فيما يوحى الى محمد(وهو القرآن)، وهو فى مجمله بالاضافه لقول محمد سيشكلان قانونا لاداره الملك الذى يطمح محمد بتكوينه واقامته، ومن خلال اسفارهم عرفوا ان الدول لها قوانين، وسمعوا وعرفوا عن قوانين روما والقياصره.

الاساس الثالث:

(وهو الاساس البشرى)، ويتمثل بالهاشميين، وببنى المطلب بن عبد مناف وباصحاب محمد، وهم بمثابه نواه لمجتمع الملك الجديد، واركان للامه الجديده، وهم بمثابه جيش ينمو باستمرار، ومهمته حمايه القياده الجديده والديانه الجديده، وتوسيع رقعه الملك الجديد الذى يطمح محمد باقامته على انقاض ملك زعامه بطون قريش، وطمعه بالغاء حق الامويين الموروث بالقياده!!

هذا الملك الذى يامل محمد بالقضاء عليه وتدميره، ويامل بحرمان الامويين من حقهم الموروث بقيادته (53).

قريش واوهام التضرر من الدين الجديد

للاسف الشديد ان زعامه بطون قريش عامه، والزعماء الامويون بقياده ابى سفيان خاصه قد قدروا انهم المتضررون من هذا الدين الجديد.

فقد اعتبروا مخطئين ان النبوه موجهه ضدهم بالذات، وان غايتها هو ابدال زعامه البطون بزعامه محمد، واقامه ملك محمد على انقاض ملك البطون، وان هدفها الحقيقى هو الغاء الصيغه السياسيه الجاهليه القائمه على اقتسام مناصب الشرف بين البطون، والغاء القياده الامويه، واقامه نظام جديد يعط‏ى الحق للهاشميين بالتمتع بكل مناصب الشرف وحيازتها، ويعط‏ى الحق لمحمد بالقياده بدلا من ابى سفيان، وهكذا براى البطون ينال الهاشميون شرف النبوه وشرف الملك معا، وتحرم من هذين الشرفين كافه بطون قريش، وفى ذلك اجحاف بحق البطون على حد تعبير عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه فيما بعد!!!

(54).

بطون قريش عامه والبطن الاموى خاصه يحددون موقفهم النهائى من انباء النبوه وولايه العهد:

قدرت بطون قريش عامه، والبطن الاموى خاصه ان نجاح النبوه المحمديه والرساله يعنى (حسب تحليل قريش) دمار الصيغه السياسيه الجاهليه القائمه على التوازن بين البطون وتقسيم مناصب الشرف، وتعنى ايضا تفرد البطن الهاشمى بشرف النبوه، وحرمان بطون قريش من هذا الشرف.

وعندما ينجح محمد بدعوته، ويتمكن من بناء المجتمع الجديد على اساسها، فسيكون حاكم ذلك المجتمع بغير منازع، وهكذا يتفرد الهاشميون بالملك ايضا وبمزايا القياده، وفى ذلك نسف كامل للصيغه السياسيه الموروثه، ونسف للجانب السياسى من عقيده الشرك التى تتبناها البطون!!

فالدين الجديد براى بطون قريش خروج هاشمى على ما اجمعت عليه البطون ورضيت به، وهو نقض للصيغه السياسيه يصب فى الخانه الهاشميه، وبما ان البطن الهاشمى هو الذى يحتضن الدعوه والداعيه، فمن الموكد -حسب منطق الاشياء وبتحليل قريش- ان خلافه محمد ستنحصر فى البطن الهاشمى ابدا، وقد سمعت بطون قريش بوقائع الاجتماع الذى عقده الهاشميون فى دار محمد، وسمعوا نبا اختيار على بن ابى طالب لولايه محمد ولخلافته من بعده، وهكذا سينال الهاشميون شرف النبوه ابدا، وشرف الملك ابدا، وستحرم بطون قريش من هذين الشرفين معا، وهذا امر ينبغى ان ترفضه كافه البطون، وان تكافح بكل وسائل الكفاح لاجهاض النبوه والدين والرساله، لان اختصاص محمد الهاشمى بشرف النبوه وحرمان البطون الاخرى من هذا الشرف، امر غير مقبول، واختصاص آل محمد مع النبوه بالملك اجحاف بحق البطون على حد تعبير عمربن الخطاب فيما بعد (55).

والطريق الاوحد يتمثل برفض النبوه ورفض الرساله ورفض الكتاب!!!

الامويون البطن الاكثر اندفاعا بمعاداه النبوه وبنى هاشم

كان اكثر البطون القريشيه اندفاعا بمعاداه النبى ورسالته وبنى هاشم حضنته هو البطن الاموى، وابو سفيان واولاده خاصه، ذلك لان القياده كانت لبنى اميه ولابى سفيان خاصه، ونجاح دعوه محمد يعنى فقدانهم لمنصب القياده الذى توارثوه، وانتقال هذا المنصب الى محمد الهاشمى والى آله من بعده، والامويون وابو سفيان واولاده خاصه لا يطيبون خاطرا ببنى هاشم، فذكريات المنافره بين هاشم واميه وفوز هاشم على اميه والجلاء عن مكه قبل البعثه ما زالت عالقه فى الذهنيه الامويه (56)، وحسد الامويين لبنى هاشم امر لا يخفى على احد فى مكه آنذاك.

ومن جهه ثانيه فقد سبقت البعثه النبويه اشاعات بان النبى الموعود سيكون من بنى عبد مناف، واقتنع ابو سفيان بانه الاجدر بهذه النبوه (57).

وفوجى‏ء ابو سفيان باختيار اللّه سبحانه وتعالى لمحمد، فاحبط وامتلا قلبه وبنوه وبنو عمومتهم الامويين بالحسد لمحمد خاصه، وللهاشميين عامه، واقنع ابو سفيان نفسه بان الهاشميين قد(سرقوا) حلمه بالنبوه وهم فى طريقهم عن طريق هذه النبوه لياخذوا حقه بالقياده، فكان الحسد هو الموجه الاعظم لتحركات الامويين خاصه، ولبطون قريش عامه (58) خلال مرحله الدعوه العلنيه التى استمرت عشر سنين (59) فاندفعت بطون قريش بقياده البطن الاموى، وبالتحديد ابى سفيان وبنيه، وشكلوا الجبهه المعارضه للنبوه وللاسلام ولمحمد ولال محمد، وعارضوا النبى بكل وسائل المعارضه، وآذوه بكل انواع الاذى، وصدوا عن سبيل اللّه بكل وسائل الصد، وتامروا على قتل النبى (60)، وشرعوا بهذا القتل فصلا (61)، ولكن اللّه نجى نبيه.

وعندما هاجر النبى مكرها، وكون قاعده دولته، جيشت بطون قريش الجيوش بقياده البطن الاموى، وحاربته بكل وسائل الحرب طوال ثمانى سنين من اصل عشر سنين(عمر دوله النبوه المباركه)، واخيرا احاط اللّه بهم وامكن نبيه منهم، واغلقت بوجههم كل الابواب، ولم يبق الا باب الاسلام فاسلمت بطون قريش عامه، والبطن الاموى خاصه، مكرهين بعد ان غلبوا على امرهم وسموا بالطلقاء) (62).

وطوال 21 عاما وبطون قريش عامه والبطن الاموى خاصه يعارضون ويقاومون الاسلام ونبيه ويحاربون اللّه ورسوله، وخلال هذه الحروب قتل الامام على والهاشميون سادات بنى اميه وسادات البطون القريشيه، فجمعت بطون قريش مع الحسد لمحمد ولال محمد الحقد على محمد وعلى آل محمد لانهم قتلوا سادات البطون، وما فعلته هند ام معاويه بعم النبى لدليل قاطع على طبيعه هذا الحقد (63).

وبالرغم من دخول جيوش النبى لعاصمتهم عاصمه الشرك آنذاك، وبالرغم من هزيمه البطون المنكره، وبالرغم من عفو النبى الكريم وحلمه وقوله لهم(اذهبوا فانتم الطلقاء)، الا ان هذه البطون لم تكن راضيه عن الترتيبات الالهيه، ولا مطمئنه لهذا التميز الهاشمى، صحيح انها توقفت عن المقاومه، والقت السيوف التى حاربت بها الاسلام ونبى الاسلام، واندمجت فى المجتمع الاسلامى، الا انها استغلت سماحه الاسلام، واخذت تخلق الفرص وتتحينها لاعاده التوازن بين البطون الذى اختل -برايها بالنبوه الهاشميه، واخذت تعمل بالخفاء لتعديل الترتيبات الالهيه بعد موت النبى!!!.

(64)

الفصل الثالث: بطون قريش ترفض النبوه والرساله والكتاب

تعميم النبا العظيم

بصعوده صلى اللّه عليه وآله وسلم على الصفا، وباعلانه رسميا لنبا النبوه والرساله والكتاب، وباختراقه واصحابه لطرق مكه وسككها مكبرين موحدين للّه، وباجتماعه مع الهاشميين فى داره، واختياره لولى عهده، واجماع البطن الهاشمى على عدم تسليم النبى وعلى حمايته، بهذا كله عمت انباء النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد ارجاء مكه كلها، ودخلت هذه الانباء كل بيت من بيوتها، واحيط سكان مكه علما بهذه الانباء.

الاعلان عن الرفض المطلق

ما ان اعلن النبى انباء النبوه والرساله والكتاب، واحيطت بطون قريش ال‏23 بهذه الانباء علما، عندئذ وقفت وقفه رجل واحد بقياده البطن الاموى، واعلنت رفضها المطلق والتام للنبوه والرساله والكتاب ولولايه العهد، واعلنت انها ستجند كل امكانياتها الماديه والادبيه لصد سكان مكه خاصه والعرب عامه عن تصديق محمد وانبائه، وعن الدخول فى دينه، وتجسيدا لهذا الرفض شنت بطون قريش‏الثلاثه والعشرين حملات نفسيه واعلاميه مركزه ومنكره ومنظمه ضد محمد، وضد نبوته، وضد القرآن، وضد البطن الهاشمى، وضد الذين اتبعوه، واعلنت هذه البطون انها لن تسمح اطلاقا بنجاح محمد، او نجاح دعوته، وقد فهمت مضامين هذا الاعلان ضمنا ومن خلال مواقف البطون.

انقسام بطون قريش والمجتمع المكى