اما عثمان وطلحه فلم يشهدا معركه بدر(626).
وفر عثمان فى معركه احد، ولم يكن له دور فى معركه الخندق، وفر فى حنين.
واما ابو عبيده، فتقول احدى الروايات انه قد قتل مشركا فى بدر، وتقول روايه ان الزبير قتل مشركين.
على اى حال فان هولاء الصحابه الكرام قد بذلوا جهدهم بدون سرف ولا تقتيل وناصحوا للّه ولرسوله فى حدود طاقتهم واستعدادهم، ولكن الجهد الذى بذلوه فى الاسلام لا يتناسب واحلامهم بالملك، واستعدادهم واعدادهم لتحمل تبعاته، ولا يتطاول الى مستوى الجهد الخارق الذى بذله على بن ابى طالب خاصه وآل البيت وبنو هاشم عامه!!!
اما الخليه الثانيه التى تعد نفسها للتصدر، ولرسم مستقبل الاسلام بعد وفاه النبى، فهم قاده الشرك وابناء قادته الذين حاربوا النبى وقاوموه بكل فنون الحرب، وبكل وسائل المقاومه حتى احيط بهم فاسلموا وهم كارهون.
فهل يحق لهولاء ان يحلموا بالملك على المسلمين، وهل يحق لهم ان يرسموا مستقبل الاسلام والمسلمين بعد موت النبى، وهم قدامى المحاربين الذين حاربوا النبى، وهل يحق للطليق ان يقود المهاجرين، وللجاهل بدين اللّه ان يعلم العالم، ولنفترض ان الملك قد وصل اليهم، فكيف يحكمون بكتاب اللّه وهم لا يعرفونه، وبسنه رسولاللّه وهم يجهلونها!!!
ولكن هذا حدث فالذين حاربوا النبى وهم بطون قريش اتحدوا مع الذين هاجروا مع النبى من بطون قريش ابعاد اهل بيت النبوه عن مركز قياده الامه بعد موت النبى، ونجح هذان الفريقان باقصاء اهل بيت النبوه عن مركز قياده الامه بعد وفاه النبى، مثلما نجحوا بالاستيلاء على السلطه بالقوه بمساعده منافقى المدينه وما حولها والمرتزقه من الاعراب، ثم اظهرتهم وسائل اعلامهم كانهم الورثه الشرعيون للنبى، وحاولت تلك الوسائل ان تحول اشاعاتهم التى اطلقوها ضد رسولاللّه الى قناعات، واظهرتهم وسائل الاعلام بمظهر قاده الاسلام الذين رضى اللّه عنهم ورسوله!!
وجه المقارنه بين دور بنى هاشم ودور البطون؟
لا وجه للمقارنه بين الدور المميز الذى لعبه الامام على وبنو هاشم فى نصره الاسلام، وبين الدور الذى لعبه كل واحد من التسعه الذين عرفوا بانهم مبشرون فى الجنه.
فكل بطون قريش ال23 كانت فى جهه، وكان النبى محمد وبنو هاشم وبنو المطلب فى جهه ثانيه.
والبطون ال23 تامرت على قتل النبى واشتركت بمطاردته، والبطون ال23 تامرت على حصار النبى وبنى هاشم واشتركت بالحصار والمقاطعه بما فيهم بنى عدى وبنى تيم وكافه البطون التى ينتمى لها التسعه اشتركوا بحصار الهاشميين فى شعب ابى طالب ومقاطعتهم.
والبطون ال23 كانت بمجموعها هى الجيش الذى حارب النبى فى بدر واحد والخندق، وهم الذين صدوه عن المسجد الحرام والهدى معكوفا ان يبلغ محله، والبطون ال23 هم الذين لاحقوا النبى قبل الهجره وقاوموه وحاربوه، بينما البطن الهاشمى هو الذى وقف مع النبى، وهو الذى حماه وحمى دعوته فلولا الهاشميين وبنى المطلب لقتلت البطون محمدا دون ان ترعى فيه الا ولا ذمه.
وبالتالى فانه لا مجال للمقارنه بين البطن الهاشمى، وبين بنى عدى وبنى تيم وبنى اميه او اى بطن من بطون قريش، فالهاشميون والمطلبيون كانوا مع النبى وحموه خلال الدعوه، وكانوا ساعده الايمن خلال مرحله الدوله.
بينما الامويون، وبنو عدى، وبنو تيم، وبطون قريش ال23 كانوا ضد النبى وهم الذى قاوموه وآذووه، وحاصروه وبنى هاشم فى شعب ابى طالب وقاطعوهم ثلاث سنين، ثم تامروا جميعا على قتله، وطاردوه جميعا، ثم حاربوه حربا لا هواده فيها حتى احاط بهم فسلموا واسلموا وهم كارهون.
فمن هو الاولى بمحمد، هل هم بنو هاشم الذين وقفوا معه طوال سنى الدعوه والدوله؟ ام بنى عدى وبنى تيم وبطون قريش الذين قاوموه وحاربوه طوال سنى الدعوه والدوله؟ لقد حكم اللّه سبحانه وتعالى ورسوله بان الهاشميين هم الاولى وهم ذو القربى الذين امر اللّه بمودتهم فى الكتاب، وهم الافضل بنص الشرع الحنيف، ولا تجوز صلاه عبد ان لم يصل عليهم، وهم الاولى بقياده الامه اذ جعل اللّه القرآن الكريم ثقلا، وجعل اهل بيت النبوه ثقلا آخر، وبين اللّه لعباده من خلال نبيه ان الامه لن تهتدى بعده الا بالاثنين معا، ولن تتجنب الضلاله الا بالاثنين معا.
ومع هذا يصر قاده التحالف ان بنى عدى وبنى تيم وبطون قريش ال23 هم الاولى بالنبى والاحق بميراثه!!
وبالفعل استولوا على القياده، وفرضوا اصرارهم الذى يتعارض مع الشرع والعقل.
وجه المقارنه بين دور على بن ابى طالب فى نصره الاسلام ودور التسعه المبشرين بالجنه!!
لا مجال للمقارنه بين دور على ودور عمر او ابى بكر او اى واحد من التسعه فى مجال نصره الاسلام اثناء حياه النبى، فعمر وابو بكر لم يقتلا او يجرحا اى مشرك طوال تاريخ المعارك التى جرت بين الكفر والايمان، ولم يكن لهما دور مميز فى اى معركه على الاطلاق، وفرا فى احد بالاجماع وفرا فى حنين وفر معهما فى المعركتين عثمان، لقد بذل التسعه جهودهم لكنها لا ترقى الى معشار جهد الامام على.
وقد وثقنا ذلك.
لقد صنع على والحمزه الاعاجيب فى بدر، واظهرا جهدا مميزا وطاقه خارقه، قال الواقدى فى مغازيه (627) لقد احصى من القتلى 49 منهم 22 قتيلا قتلهم امير المومنين على -عليه السلام- او شرك بقتله، وكان على يحمل لواء الرسول (628).
لقد اظهر على من القدره الخارقه فى بدر ما يفوق الوصف، والطريقه التى قتل فيها حمزه، ومنهج المشركين بالتمثيل به تبين حجم الضرر الذى الحقه بالمشركين.
صحيح ان الحمزه قد استشهد، ولكن عليا سد مسده، ومسد الجموع فى كل وقعه (629).
اما فى احد فقد هرب اكثريه التسعه ووصف بعض شيعه التسعه اسلوب الامام فى القتال يوم احد (630).
وفى الخندق سمع التسعه نداء عمرو بن ود فلم يجبه احد منهم، فتصدى له الامام على فقتله، وبقتله قتل الروح المعنويه لتجمع الاحزاب، ومن هنا قيم النبى هذا العمل الرائع بانه افضل من عمل الامه الى يوم القيامه (631).
وبطولاته فى خيبر تفوق بطولات بدر واحد (632).
وانهزم الناس فى حنين بما فيهم التسعه وثبت على (633).
وكان معروف بشجاعته حتى سمى باسد اللّه وسيفه فى ارضه (634).
وكان يحمل لواء النبى فى كل زحف (635).
فهل لاحد من التسعه او لهم مجتمعين مثل هذا الماضى العسكرى المجيد؟ وهل يدعى احد منهم انه الاعلم او الافهم من على؟ او انه الاقرب من النبى؟ او ان آباءه واجداده افضل واشرف من آباء واجداد الامام على؟ هم اعقل من ان يفعلوا ذلك!!
ومع هذا يصر قاده التحالف على انهم الاولى بالحكم والقياده!!
قال الامام على:
(اما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الاعلون نسبا والاشهرون برسولاللّه تولها، فانها كانت اثره) (636).
سبب نقمه قاده التحالف على على واهل بيت النبوه:
اتحدت بطون قريش المهاجر منها والطليق على ان تقف ضد على وضد توجه النبى وقفه رجل واحد، وتحول بكل ما اوتيت من قوه بين جمع الهاشميين للنبوه والملك معا، وعلى ذلك اتفق المهاجر والطليق، يقول الامام على معبرا عن هذه الناحيه:
(واللّه ما تنقم منا قريش الا ان اللّه اختارنا عليهم، فادخلناهم فى حيزنا وقال:
ونحن وهبناك العلى ولم تكن عليا وحطنا حولك الجرد والسمرا (637) ويقول مشيرا الى قاده التحالف:
(حتى اذا قبض رسولاللّه رجع قوم على الاعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على غير الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا السبب الذى امروا بمودته، ونقلوا البناء عن رص اساسه، فبنوه فى غير موضعه).
ويتابع الامام حملته الشعواء على قاده التحالف فيصفهم بانهم:
(معاون كل خطيئه، وابواب كل ضارب فى غمره، قد ساروا فى الحيره، ودخلوا فى السكره على سنه من آل فرعون، من منقطع الى الدنيا ساكن، او مفارق للدين مباين..) (638).
وقال مره:
(اللهم انى استعديك على قريش ومن اعانهم، فانهم قطعوا رحمى، واكفاوا انائى، واجمعوا على منازعتى حقا كنت اولى به من غيرى) (639).
مزايدات قاده التحالف على رسولاللّه!!
لقد تحققت الوحده بين مهاجرى بطون قريش وطلقائها، وشيدوا اركان التحالف الذى استطاع ان يقبض على مقاليد الامور حتى والنبى على فراش الموت بعد سلسله مرعبه من الشائعات، ولم يكتف قاده التحالف بالشائعات التى اشرنا الى بعضها، بل اخذوا يزايدون على الرسول ليعرفوا، وليلقوا فى روع الغافلين بانهم اكثر حرصا على الدين من رسولاللّه، وتلك حلقه فى مخطط.
وكان اكثر الناس مزايده على رسولاللّه هو عمر، لذلك نكتفى بذكر بعض مزايداته التى جاوزت المدى بالمزايده الكبرى والرسول على فراش الموت.
من هو عمر بن الخطاب:
كان عمر (رضى اللّه عنه) قبل الاسلام رجل مغمور من بنى عدى، يمتهن (البرطشه)، اى كان يكترى للناس الابل والحمير وياخذ عليه جعلا (640).
والى هذا اشار سعد بن عباده عندما قال مخاطبا عمر فى السقيفه:
(لاعيدنك الى قوم كنت فيهم ذليلا غير عزيز وتابعا غير متبوع) (641).
وعمر نفسه لا ينكر ذلك، ولكن اللّه اعزه بالاسلام وحوله من تابع الى متبوع، وتالق نجم الرجل عندما نال شرف مصاهره رسولاللّه فصار يتردد على بيت الرسول بحكم المصاهره، وبحكم نبل النبى وسعه قلبه.
وعمر هذا لا شان له بالحرب، فلم يثبت انه قد قتل او جرح او اسر احدا من المشركين طوال تاريخ دوله النبى، والروايات التى تصوره كرجل سيف انما هى ضرب من الاساطير لا تتفق مع شخصيته، ولا مع نسيجه النفسى ولا مع طبيعه قومه بنى عدى الذين وصفهم ابو سفيان بوصفه الذى ذهب مثلا:
(لا مع العير ولا مع النفير) (642).
ولقد تحققت وتبين لى انه لم يقتل من بنى عدى احد لا مع المشركين ولا مع المومنين، ولقد جد عمر فى الاسلام واجتهد واستطاع خلال 12سنه ان يتعلم سوره البقره كما اخرج ذلك الخطيب فى روايه مالك، والبيهقى فى شعب الايمان، والقرطبى فى تفسيره باسناد صحيح عن عبداللّهبن عمر (643).
وبالرغم من تعلمه لسوره البقره فقد كان يشكو من قله الفقه فطالما قال:
(كل الناس افقه من عمر) (644).
وقال مره:
(امراه اصابت واخطا رجل) ويقصد بالرجل نفسه (645).
ثم اعترف مرتين او ثلاثه:
(كل احد افقه من عمر) (646).
واعترافاته بهذا المجال بلا حصر (647).
المزايده على رسولاللّه:
ومع هذا كان عمر يزايد على رسولاللّه، ويتصور الغافلون ان عمر احرص على الدين من الرسول نفسه، وافهم بالدين من الرسول نفسه، ونادرا ما ضاق الرسول ذرعا بصهره بل كان يسعه بخلقه العظيم، وبحلمه الفذ، ويعلمه.
نماذج من مزايدات عمر على رسولاللّه:
صلح الحديبيه:
اللّه سبحانه وتعالى هو الذى اخرج محمدا للعمره، واختار الحديبيه محطا لرحاله، ومركزا لمفاوضاته مع بطون قريش، واعلمه ان المفاوضات معها ستنتهى بصلح الحديبيه، وهذا الصلح هو الفتح الحقيقى المبين، ويحقق الغايه التى سعى اليها محمد طوال مناوشاته وحربه مع بطون قريش، وكفى باللّه شهيدا على ذلك فهو الذى امر نبيه بتوقيع الصلح.
مزايده عمر:
وصف عمر الصلح الذى رضيه اللّه، ووقعه رسوله بانه (دنيه) حيث قال عمر لرسولاللّه:
(فعلام نعطى الدنيه فى ديننا) (648).
فقال الرسول:
(انا رسولاللّه ولن يضيعنى)، وجعل عمر يرد الكلام على رسولاللّه، ويصف الصلح بانه (دنيه).
وقاد حمله رهيبه من التشكيك بصحه عمل رسولاللّه، واخذ ينفرد باصحاب الرسول ويقول لهم:
ان محمدا وعدنا ان ندخل الكعبه.
وحاول ان يستقطب الصحابه، لعله ينجح بافشال الصلح الذى عقده النبى مع قريش، ومع ان حملته بالتشكيك قد تركت آثارا مدمره، وهزت الثقه برسولاللّه الى حين الا انه فشل بتكوين قوه من الصحابه قادره على اجهاض الصلح.
وقد اعترف عمر فى ما بعد اثناء خلافته فقال:
(ارتبت ارتيابا لم ارتبه منذ اسلمت الا يومئذ، ولو وجدت شيعه تخرج عنهم رغبه عن القضيه لخرجت) (649).
ولم يتوقف عمر عن حملته بالتشكيك الا بعد ان اقبل عليه رسولاللّه فقال:
انسيتم يوم احد اذ تصعدون ولا تلوون على احد وانا ادعوكم فى اخراكم... (650) فكان الرسول الاعظم يعيد بهذه التذكيرات الحجم الحقيقى لعمر، ويقول له:
انت الذى تدعو للحرب وقد فررت فى معركه وتركتنى!!!
مزايده اخرى فى صلح الحديبيه:
جاء ابو جندل بن سهيل بعد توقيع الاتفاق، وعملا بالاتفاق يتوجب اعادته الى قريش، واحتج عمر بانه لا ينبغى اعادته.
ولكن الاتفاق واضح فقال الرسول لابى جندل:
(اصبر واحتسب فان اللّه جاعل لك ولمن معك فرجا ومخرجا، انا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، واعطيناهم واعطونا على ذلك عهدا وانا لا نغدر)، واقتنع ابو جندل (651).
وبعد ان اغلقت دائره البحث فى هذا الموضوع قال عمر لابى جندل:
(ابوك رجل وانت رجل ومعك السيف فاقتل اباك) وكان هدف عمر ان ينقض ابو جندل على سهيلبن عمرو ويقتله وهو فى حضره الرسول وجواره، وهو سفير البطون، وليضفى عمر على هذا التحريض طابعا دينيا وبطوليا قال عمر لابى جندل:
(ان الرجل يقتل اباه فى اللّه) وفطن ابو جندل لاسلوب عمر بالمزايده، فقال لعمر:
(مالك لا تقتله انت يا عمر)؟ فقال عمر:
(نهانى رسولاللّه عن قتله وعن قتل غيره!!)(652).
ولعل هذا هو السر الذى لم يقتل فيه عمر احدا من المشركين طوال تاريخ دوله النبى!!!
وهدات العاصفه التى اثارها عمر
تدخل ابو بكر صديقه الحميم، وتدخل ابو عبيده، وطلبا من عمر ان يمارس ضبط النفس، وبعد ان اخفق بجمع الاعوان ليلغى ما اوجده الرسول، وليحل ما ربطه، وبعد ان وزع الشك بالرسول وشكك به قال الرسول لام سلمه:
(عجبا يا ام سلمه!
انى قلت للناس انحروا واحلقوا وحلوا مرارا، فلم يجبنى احد من الناس وهم يسمعون)!!!
ان عدم اجابه الناس للرسول اثر طبيعى من آثار حمله تشكيك عمر (653).
وبعد ان اخفق عمر بتحريض ابى جندل على قتل ابيه وبعد ان ذكره الرسول بفراره من احد.. هنالك سكن الرجل وهدات العاصفه التى صنعها.
داعيه الحرب والغاء الصلح:
فى مرحله المفاوضات التى سبقت ابرام معاهده الصلح طلب رسولاللّه من عمر ان يذهب الى قريش ويبلغها ان الرسول ليست لديه نوايا ضدها، وان غايته:
(نذبح الهدى وننصرف)، فرفض عمر طلب الرسول وقال له:
(انى اخاف قريش على نفسى، قد عرفت قريش عداوتى لها وليس بها من بنى عدى من يمنعنى)... الخ (654).. ومع هذا فان الرجل الذى لا يقوى ان يكون سفيرا لتبليغ جمله واحده يدعو للحرب!!
احتمالات:
لو نجحت حمله عمر بالتشكيك بالنبى، ولو نجح باستقطاب العدد الذى يراه من الصحابه لاجبار الرسول على الغاء الاتفاقيه بالقوه، وجر من معه الى حرب مع قريش لم يخطط لها لدمر حاله التماسك بين الرسول واصحابه، ولكن الموكد بان عمر لا يحسن الحرب، ولا يحبها انما كان يزايد.
ولو نجح عمر باقناع ابى جندل بقتل ابيه سهيل بن عمرو فى حضره الرسول او فى معسكره لكان فى ذلك احراجا هائلا لرسولاللّه، ولتقولت قريش بان الرسول قد قتل كبير مفاوضيها وغدر به وهو فى رحابه، ولادت هذه التقولات الى نتائج خطيره.
ولكن عمر قد لا يقصد ذلك وانما يريد ان يقتنع الصحابه بانه احرص على الاسلام من الرسول نفسه!!
وان يشكك بكلام الرسول!!
وقد فصلنا صلح الحديبيه تفصيلا كاملا تحت عنوان (وافلست بطون قريش) فارجع اليه.
احجب نساءك يا محمد!!؟
روى البخارى فى صحيحه، باب خروج النساء الى البراز ما يلى وبالحرف:
(حدثنا يحيىبن بكير حدثنا الليث، حدثنى عقيل عن ابن شهاب عن عروه عن عائشه:
ان ازواج النبى(ص) كن يخرجن بالليل اذا تبرزن الى المناصح، وهو صعيد افيح، فكان عمر يقول للنبى:
احجب نساءك.
فلم يكن رسولاللّه يفعل، خرجت سوده بنت زمعه زوج النبى ليله من الليالى عشاء، وكانت امراه طويله فناداها عمر:
الا قد عرفناك يا سوده حرصا ان ينزل الحجاب، عندئذ انزل اللّه آيه الحجاب!!!)(655)
المشكله الحقيقيه ان الرواه يتصرفون بالوقائع والاحداث ليعطوا الرجل دائما دور البطوله فى كل مزايده، ولا يجدون غضاضه ولا حرج لو اعطوه هذا الدور حتى على رسولاللّه.
فما هى علاقه عمر بزوجه رسولاللّه؟ وهل هو اكثر غيره من الرسول او معرفه للصواب من الخطا منه؟ وهل يترقب الوحى اشاره من عمر!!
او توجيها منه لمواقع الخطا فى المجتمع!!!
شهد اللّه ان هذه التصورات لا تطاق!!
بشرى للموحدين:
لما اتم رسولاللّه تصفيه اوكار الشرك، وتشجيعا للناس على الدخول فى دائره التوحيد والاطمئنان فيها امر النبى ابا هريره ان يبشر من لقيه مستيقنا قلبه بشهاده لا اله الا اللّه بالجنه، فكان اول من لقيه عمر.
فلما بشره ابو هريره ضربه عمر بيده بين ثدييه فاسقطه على الارض، وقال له:
(ارجع)، فرجع ابو هريره الى رسولاللّه فقال له الرسول:
(مالك يا ابا هريره؟).
فقال ابو هريره:
(لقيت عمر فاخبرته بالذى بعثتنى به فضرب بين ثديى ضربه فخررت لاستى).
فقال النبى:
(ارجع) ودخل عمر فقال له الرسول:
(ما حملك على ما فعلت؟).. فقال عمر:
(لا تفعل فانى اخشى ان يتكل الناس عليها؟) (656) والكارثه حقيقه ان النووى والقاضى عياش يرون ان الصواب كان فى جانب عمر.
قال النووى:
ان الامام الكبير مطلقا اذا راى شيئا وراى بعض اتباعه خلافه، ينبغى للتابع ان يعرضه على المتبوع، فاذا ظهر له ان ما قاله التابع هو الصواب رجع المتبوع اليه (اى يرجع الرسول لعمر بهذه الحاله) (657).. وهنا تكمن الكارثه فقد فعلت اشاعات قاده التحالف فعلها فهم يعتقدون ان الرسول لا يتلقى الوحى الا بالقرآن وحده، وما عدا القرآن فهو يتصرف به من تلقاء نفسه وعلى (ذراعه)، ولقد اكد الرسول مرارا وتكرارا لعمر ولحزبه بانه لا يخرج من فمه الا حقا واقسم على ذلك، لكن لا عمر ولا حزبه ولا شيعتهم يصدقون رسولاللّه فى هذه الناحيه!!
لانها تتعارض مع اشاعاتهم، ولان الناس اذا صدقوها ستخرب كل خطط التحالف المستقبليه!!
عندما ذكر عبد اللّه بن عمرو بن العاص نهى قريش (قاده التحالف) عن كتابه ما يسمعه من رسولاللّه، بدعوى انه يتكلم فى الغضب والرضى، اوما الرسول باصبعه الى فمه، وقال:
(اكتب فوالذى نفسى بيده ما خرج منه الا حقا) (658).
ومن الطبيعى ان يحاط عمر علما بما قاله الرسول، ولكن مثل عمر لا يصدق ذلك!!!
لان ذلك يتعارض مع الاشاعات التى اطلقها هو وحزبه للتشكيك بقول رسولاللّه تمهيدا لاجهاض الترتيبات الالهيه لعصر ما بعد النبوه، حيث كان يرى ان هذه الترتيبات ليست لمصلحه الاسلام.
تماما كما كان يرى ان صلح الحديبيه الذى امر اللّه به ورضى عنه رسوله دنيه فى الدين!!
انه رجل مومن محتاط لدينه، وايمانه واحتياطه يخرج عن دائره التصور والمعقول!!!
المزايده العظمى:
الرسول على فراش المرض، وقد خير فاختار ما عند اللّه، واطلع الامه بانه سيموت فى مرضه هذا، فاراد ان يلخص الموقف لامته، ويبدو ان الرسول الكريم قد حدد وقتا لكتابه وصيته، ويبدو ايضا ان عمر بن الخطاب قد احيط علما بالوقت الذى حدده الرسول لكتابه وصيته، وهذا هو الذى دفع عمر لحشد اعوانه الذين يرون رايه ليتواجدوا فى بيت الرسول بالوقت المحدد لكتابه الوصيه، ويبدو ان عمر قد احيط علما بمضمون الوصيه من المصدر الذى اعلمه بموعد عزم الرسول على كتابتها.
فجمع عمر ثله من حزبه وذهبوا الى بيت الرسول كعواد وكانهم لا علم لهم بموعد كتابه الوصيه، ولا بمضمونها، فجلسوا، فقال الرسول:
(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا) وعلى الفور تصدى له عمر وقال:
ان الرسول قد غلبه الوجع وعندنا كتاب اللّه، حسبنا كتاب اللّه.
هذا هو القول الملطف اما فى الحقيقه كما يروى ابو حامد الغزالى وابن الجوزى:
(انه ما ان اتم رسولاللّه كلامه حتى تصدى له عمر وقال:
ان الرسول يهجر وعندنا كتاب اللّه!
حسبنا كتاب اللّه)، وعلى الفور قال الحاضرون من حزب عمر:
(القول ما قاله عمر!
ان الرسول يهجر حسبنا كتاب اللّه).
صعق الحاضرون من غير حزب عمر لهول ما سمعوا ولما يصدقوا آذانهم وطلبوا احضار الكتف والدواه.
ولكن عمر وحزبه اصروا واكثروا اللغط والتنازع وكرروا اقوالهم السابقه، فقدر الرسول ان الكتابه بهذا المناخ ليست مناسبه، وغضب، فقال:
(لا ينبغى عندى تنازع، ما انا فيه خير مما تدعونى اليه، قوموا عنى).
وهكذا نجح عمر وحزبه بالحيلوله دون رسولاللّه وكتابه ما اراد.
وقد تناولنا هذه الحادثه المفجعه فى كتابنا نظريه عداله الصحابه والمرجعيه السياسيه فى الاسلام من ص287، وحللناها تحليلا وافيا، ووثقناها توثيقا كافيا بحيث يتعذر انكارها فضلا عن الاعتذار عنها، وتناولناها فى كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه.
حادثه لا مثيل لها فى التاريخ البشرى:
الرسول على اتصال دائم مع الوحى، وهو رئيس الدوله، ما زال رئيسا، وما زال نبيا رسولا، وهو يجلس فى بيته لا فى بيت عمر ولا فى بيت احد من حزب عمر، وهو مريض ويريد ان يكتب وصيه قبل ان يتوفى.
تماما كما فعل ابو بكر وكما فعل عمر نفسه، وكما يفعل اى مسلم او اى انسان.
من الذى اقام عمر وصيا على الرسول ونائبا عن المسلمين حتى يكسر هو وحزبه خاطر النبى الشريف فيقول له:
(انت تهجر وعندنا القرآن)، وهو يكفينا ويردد حزبه هذه المقوله فى مقام النبى الاعظم؟!
هل هو مسلم حقا من يقول مثل هذه الالفاظ النابيه لرسولاللّه؟!
كيف يعتذرون عن هذه الحادثه، كيف يبررونها؟!
وهل عمر احب اليهم من رسولاللّه؟!
بئس للظالمين بدلا!!
الفصل الرابع: نماذج من المواجهه بين النظام الذى اقامه عمر بن الخطاب وبين الشرعيه الالهيه
معنى الشرعيه الالهيه واركانها:
الشرعيه الالهيه، تعنى الاطار العام ومضمون هذا الاطار الذى يشمل:
(1)ذات النبى (شخصه).
(2)القرآن الكريم.
(3) سنه النبى بفروعها الثلاثه القول والفعل والتقرير.
(4)الالتزام بالاركان الثلاثه الانفه.
معنى الالتزام بالشرعيه الالهيه:
يعنى الالتزام بالشرعيه الالهيه:
1- ان يومن الفرد او الجماعه ايمانا مطلقا لا يعتريه ادنى شك بان محمد بالذات رسولاللّه، الصادق، المصدق، الذى لا ينطق عن الهوى، وانه الموتمن على الوحى الالهى بكل صوره واشكاله، وانه الاعلم بالدين، والافهم، وانه الافضل، والاصوب على الاطلاق، وان كل ما يقوله النبى، اصوب وانسب مما يقوله بشر سواه.
ويعنى ايضا ان القرآن الكريم لفظا ومعنى هو من عند اللّه، وان بيان النبى لهذا لقرآن هو القول الفصل، وهو جزء لا يتجزء من الدين، وان كل ما يبينه الرسول حقائق مطلقه، تقبل الحوار والاستفهام وتترفع عن الجدل.
هل حدثت مواجهه بين النظام الذى اقامه عمر وبين الشرعيه الالهيه؟
بعد ان بينا معنى الشرعيه الالهيه، واركانها ومعنى الالتزام بها بما امكن من الدقه والاختصار، نتسائل هل حدثت مواجهه بين الشرعيه الالهيه بمفهومها الذى بيناه وبين النظام السياسى الذى اقامه عمر بن الخطاب والمتحالفين معه؟ ونجيب وبكل الاسف ان مواجهه حقيقيه وصارخه قد جرت بين الشرعيه الالهيه وبين عمر والمتحالفين معه.
القرآن الكريم والبيان النبوى حال حياه النبى:
قاده التحالف وعلى راسهم عمر بن الخطاب، رفعوا شعار حسبنا كتاب اللّه فى كل مناسبه من المناسبات، وقد رفعوا هذا الشعار بمواجهه النبى نفسه، وفى بيت النبى، ليحولوا بين النبى وبين كتابه توجيهاته النهائيه، ولم يكن القصد من رفع شعار (حسبنا كتاب اللّه) امام النبى الاصرار على التمسك بالقرآن الكريم، انما كانت غايه الذين رفعوا هذا الشعار فى تلك المناسبه، هى التفريق بين النبى المرسل الذى بلغ القرآن وبينه، وبين القرآن ككتاب منزل من عند اللّه، وقطع الصله العضويه بين الاثنين، وكانت غايتهم المباشره هى الحيلوله بين الرسول وبين كتابه توجيهاته النهائيه، او كتابه ما اراد، وهذه حقيقه مطلقه ساطعه كسطوع الشمس، وقد اجمعت الامه على صحتها وصدورها من عمربن الخطاب وحزبه (659).
ولما استهجن الحاضرون من غير حزب عمر هذا القول الشنيع وهذه التفرقه الواضحه بين الرسول وبين الكتاب الالهى تجاهل عمر بن الخطاب وجود النبى وقال للحضور:
(ان النبى يهجر، وعندنا كتاب اللّه)، ولسنا بحاجه لكتابه محمد!!
(660) عندئذ قال الحاضرون من حزب عمر:
(القول ما قاله عمر)، واكثر عمر وحزبه اللغط والاختلاف، وتنازعوا مع الذين وقفوا فى صف النبى، وعندما قال النبى:
لا ينبغى عندى تنازع، قوموا عنى، اصغى عمر وحزبه لقول النبى، وسعدوا لان النبى قد عدل عن كتابه ما اراد (661).
واعترف عمر بالغايه من صد الرسول عن كتابه ما اراد كتابته:
بعد ان جلس عمر على كرسى الخلافه اعترف، وقال بكل جراه:
(بانه قد صد النبى عن الكتابه حتى لا يجعل الامر لعلى) (662).
وبهذه الحاله يغدو واضحا ان رفع شعار حسبنا كتاب اللّه حال حياه النبى، لم يقصد به التمسك بالقرآن انما كان القصد منه التفريق بين الرسول وبين كتاب اللّه، ورفع هذا الشعار لتحقيق باطل، ولاستبعاد النبى عن التاثير على مسرح الاحداث ليخلو الجو لعمر وحزبه يرتبون ما يريدون.
القرآن الكريم والبيان النبوى بعد وفاه النبى:
الذين رفعوا شعار (حسبنا كتاب اللّه) بمواجهه النبى للغايه التى اشرنا اليها، رفعوا نفس الشعار بعد وفاه النبى ايضا، فاول عمل عمله ابو بكر بعد ان تسلم الخلافه ان خطب الناس فقال لهم:
(انكم تحدثون احاديثا تختلفون فيها والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسولاللّه شيئا، فمن سالكم فقولوا:
بيننا وبينكم كتاب اللّه) (663).
لقد تصور ابو بكر ان سبب الخلاف والاختلاف يكمن فى حديث رسولاللّه، وتذكر ابو بكر انه قد كتب قرابه 500 حديث عن رسولاللّه، وقام ليلته يتقلب، ولما اصبح قام بحرق الاحاديث التى كتبها بنفسه عن رسولاللّه (664).
وهكذا اطمانت نفس ابى بكر واعتقد انه قد قطع دابر الخلاف لانه احرق ما عنده من الاحاديث، وامر الناس ان يتمسكوا بالقرآن وحده وان لا يحدثوا عن رسولاللّه.
وجاء عمر بن الخطاب وهو اول من رفع شعار (حسبنا كتاب اللّه) فشن حمله قويه ليلتزم الناس بهذا الشعار، ولا يضيعوا وقتهم ويصدوا الناس عن القرآن بالحديث عن رسولاللّه (665).
وجمع عمر المحدثين من الصحابه من كافه الافاق، وقال لهم:
ما هذه الاحاديث التى افشيتم عن رسولاللّه فى الافاق؟ (666).
وروى الذهبى فى تذكره الحفاظ ان عمر حبس ثلاثه من الصحابه هم:
ابن مسعود، وابا الدرداء، وابا مسعود الانصارى قائلا لهم:
اكثرتم الحديث عن رسولاللّه!!
جاوز المدى:
لقد جاوز عمر بن الخطاب المدى، اذ ناشد الناس ان ياتوه بكل الاحاديث المكتوبه عن رسولاللّه، فلما اتوه بها امر بتحريقها كلها (667).
وجاء عثمان بن عفان فسار على سيره صاحبيه فكان اول مرسوم اصدره:
(بانه لا يحل لمسلم يروى حديثا لم يسمع به فى زمن ابى بكر وعمر) (668).
ما هو القصد من هذه الحمله المركزه؟
انت تلاحظ ان الخليفتين قد ركزا على القرآن الكريم تركيزا تاما بعد وفاه النبى، واستبعدا الحديث النبوى استبعادا تاما، فاحرق ابو بكر ما كان مكتوبا عنده، وجمع عمر ما بايدى الناس من الاحاديث المكتوبه عن رسولاللّه وقام بحرقها!!
وركزا معا على شعار (حسبنا كتاب اللّه) او (بيننا وبينكم كتاب اللّه) كما قال ابو بكر، واعتبر ابو بكر ان روايه الاحاديث عن رسولاللّه تورث الاختلاف، وان اقتناء احاديث الرسول المكتوبه ليس مناسبا ويسبب الارق والقلق كما رددت عائشه، مما دعى ابوها ان يحرق الاحاديث ال500 التى كتبها بنفسه عن رسولاللّه!!
مما دعى عمر ايضا ان يناشد الناس لياتوه بكل الاحاديث المكتوبه عندهم عن رسولاللّه، فلما جاءوه بها امر بتمزيقها.
وسار عثمان على سياسه صاحبيه بهذا المجال، فما هو القصد من هذه الحمله المركزه؟ القصد من هذه الحمله المركزه هو التفريق بين الكتاب المنزل والنبى المرسل الذى بلغ هذا الكتاب وبينه، واستبعاد الرسول من التاثير على الحدث السياسى او الاحداث السياسيه!!.
فعندما يتمسك الناس بالقرآن الكريم وحده، ويتجاهلون ويحرقون بيان النبى لهذا القرآن، فانهم بعملهم هذا يلغون كافه النصوص النبويه التى بينت هذا القرآن، فالقرآن الكريم اشار للصلاه مجملا ولكنه لم يبين كيفيه هذه الصلاه، وجاء النبى فبينها بيانا تفصيليا، كذلك فان القرآن الكريم اشار اشارات مجمله للامور المتعلقه بالامامه والقياده خلال حياه النبى وبعد وفاته، فجاء الرسول وبين هذه الامور بيانا تفصيليا.
كذلك فان القرآن الكريم تناول النواحى الماليه فاجملها اجمالا، فقام الرسول وبين هذه الامور بيانا تفصيليا، وهكذا فى كل امر من الامور وكل ناحيه من النواحى، فبيان النبى مرتبط بالقرآن، والقرآن مرتبط ببيان النبى ارتباطا عضويا لا يقبل التجزئه.
سبب الاصرار على التفريق بين الكتاب المنزل والنبى المرسل:
اثبتنا انه خلال حياه النبى جرت محاوله ناجحه للتفريق بين الكتاب المنزل والنبى المرسل، وبين القرآن وبين بيان النبى لهذا القرآن، وافصح اصحاب المحاوله عن غايتهم المتمثله بالحيلوله بين الرسول وبين كتابه ما اراد، حتى لا يجعل الامر لعلىبن ابى طالب، كما وثقنا وقد نجحت محاولتهم لان النبى كان على فراش المرض، ولان النبى خشى من عواقب اصراره على كتابه ما اراد، فلو اصر على الكتاب لاصر عمر وحزبه على زعمهم بان الرسول قد هجر، وذلك يترك مفاعيل مدمره على الدين.
وحتى والرسول كان يتمتع بالصحه والعافيه كان قاده التحالف يحضون الناس سرا على عدم كتابه احاديث الرسول بحجه ان الرسول بشر يتكلم فى الغضب والرضى ولا ينبغى ان يحمل كل كلامه على محمل الجد، ولما ذكر عبد اللّه بن عمرو لرسولاللّه ما قاله قاده التحالف، قال له الرسول:
(اكتب فوالذى نفسى بيده ما خرج منه الا حقا) واوما باصبعه الى فيه (669).
ومع ان الرسول قد اقسم باللّه على ان كل ما يخرج من فمه حقا الا ان قاده التحالف اصروا عمليا على شائعاتهم، وعلى دعوه الناس للاعتماد على القرآن وحده.
ولم يبين قاده التحالف سبب اصرارهم بالاعتماد على القرآن الكريم وحده، واصرارهم على استبعاد النبى وبيان النبى لهذا القرآن؟!
قد اعترف عمربن الخطاب فى ما بعد بغايته من الحيلوله بين النبى وبين كتابه ما اراد بالوقت الذى رفع فيه شعار (حسبنا كتاب اللّه)، وذلك حتى لا يجعل رسولاللّه الامر لعلىبن ابى طالب.
وقد وثقنا ذلك.
ولكن قاده التحالف لم يعترفوا بالغايه الحقيقيه التى يتوخونها من التفريق بين النبى المرسل وبين الكتاب المنزل، وبين بيان النبى لهذا الكتاب بالرغم من حاله التكامل والترابط العضوى بين النبى والكتاب وبيان النبى لهذا الكتاب.
معاويه بن ابى سفيان اكثر قاده التحالف وضوحا:
لقد افصح معاويه بن ابى سفيان ضمنيا عن الغايه التى يتوخاها قاده التحالف من تفريقهم بين النبى المرسل والكتاب المنزل، وبيان النبى لهذا الكتاب يوم اصدر مراسيمه الملكيه فى ما بعد:
مرسوم معاويه الملكى:
(روى ابو الحسن المدائنى فى كتاب الاحداث قال:
كتب معاويه نسخه واحده الى عماله بعد عام الجماعه ان:
برئت الذمه ممن روى شيئا من فضل ابى تراب واهل بيت النبوه.
فقامت الخطباء فى كل كوره، وعلى كل منبر، يلعنون عليا، ويبروون منه، ويقعون فيه وفى اهل بيته.
وكتب معاويه الى عماله فى جميع الافاق الا يجيزوا لاحد من شيعته واهل بيته شهاده، وكتب اليهم:
ان انظروا من قبلكم من شيعه عثمان ومحبيه واهل ولايته الذين يروون فضائله ومناقبه، فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم، واكتبوا الى بما يروى كل رجل منهم واسمه واسم ابيه وعشيرته.
ففعلوا ذلك حتى اكثروا فى فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه اليهم معاويه من الصلات والكساء والقطائع، ويفيضه فى العرب منهم والموالى، فكثر ذلك فى كل مصر.. فلبثوا بذلك حينا.
ثم كتب معاويه الى عماله:
ان الحديث فى عثمان قد كثر وفشا فى كل مصر وفى كل وجه وناحيه، فاذا جاءكم كتابى هذا فادعوا الناس الى الروايه فى فضائل الصحابه والاولين.
وكتب ايضا:
ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين فى ابى تراب الا وتاتونى بمناقض له فى الصحابه، فان هذا احب الى واقر لعينى وادحض لحجه ابى تراب وشيعته، واشد عليهم من مناقب عثمان وفضله.
فقرئت كتبه على الناس فرويت اخبار كثيره فى مناقب الصحابه مفتعله لا حقيقه لها، وجد الناس فى روايه ما يجرى هذا المجرى حتى اشادوا بذكر ذلك على المنابر، والقى الى معلمى الكتاتيب فعلموا غلمانهم وصبيانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم.
فلبثوا بذلك الى ما شاء اللّه، ثم كتب الى عماله نسخه واحده الى جميع البلدان:
(انظروا من قامت عليه البينه انه يحب عليا واهل بيته فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه).
وشفع ذلك بنسخه اخرى:
من اتهمتموه بموالاه هولاء القوم (اهل بيت النبوه) فنكلوا به واهدموا داره.. الخ) (670).
لقد غلب معاويه الامه بالقوه، وركعها بالعصا، وتملك ملكها بدون ارادتها ولم يعد يخشى شيئا من المعارضه او البلبله فكشف علنا عن مقاصده وحصر منع بيان النبى فى الجانب السياسى المحظور المتعلق بقياده على وبالدور المميز لاهل بيت النبوه، فاباح دم كل من يروى شيئا من فضل ابى تراب (على بن ابى طالب) واهل بيته (اهل بيت النبوه) (671).
وهكذا حسم الموضوع، وحدد الغايه من المنع واعلنها امام الامه، لانه ليس فيها من يقوى على اعتراضه، او هز وحده رعاياه او التشكيك بشرعيه حكمه القائم على القوه والتغلب.
وابطالا للبيان النبوى المتعلق بالقياده من بعد النبى لعلى ولاهل بيت النبوه اصدر معاويه مرسوما خاصا بذلك، جاء فيه:
(ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين فى ابى تراب الا وتاتونى بمناقض له فى الصحابه، فان هذا احب الى واقر لعينى وادحض لحجه ابى تراب وشيعته).
بمعنى ان معاويه يطلب من عماله وحكام اقاليمه ان يشرفوا على وضع احاديث تناقض كل ما ينفع علىبن ابى طالب واهل بيته من البيان النبوى.
ولتمييع النصوص النبويه المتعلقه بالقياده وبدور اهل بيت النبوه امر معاويه عماله وحكام اقاليم مملكته بوضع احاديث بفضائل الصحابه حتى يضيع فضل على واهل بيته، ويتحولون الى مجرد صحابه من جمله مائتى الف صحابى واكثر!!
وهذا معنى قول المدائنى:
(ثم كتب معاويه الى عماله ان الحديث عن عثمان قد كثر وفشا فى كل مصر وفى كل وجه وناحيه، فاذا جاءكم كتابى هذا فادعوا الناس الى الروايه فى فضائل الصحابه والاولين) (672).
فكانت ضربات معاويه فنيه وتحت الحزام واكثر وضوحا وتاثيرا من ضربات عمر وابى بكر.
وهكذا اخرجوا النبى عمليا واخرجوا بيانه النبوى من ساحه التاثير على مسرح الاحداث، وضيعوا البيان النبوى وهو اكبر ثروه واعظم ثروه عرفها البشر، وبعد 95عاما عاد تلاميذ قاده التحالف ليجمعوا البيان النبوى الذى خربه اسيادهم وضيعوه من اجل ملك زائل!!
فانا للّه وانا اليه راجعون على المصيبه الكبرى فلا تجد حديثا الا ويناقضه حديث.
المواجهه مع ذات النبى:
لم يكتف قاده التحالف بمواجهه البيان النبوى، ومنع الناس رسميا من روايته وكتابته، وحرق المكتوب منه، وابطال مفاعيل المعلوم منه، واخراجه من ساحه التاثير على الاحداث السياسيه التى هزت الامه، ولم يكتفوا بالتفريق بين كتاب اللّه المنزل وبين نبيه المرسل، وبين بيان النبى لهذا الكتاب وصولا الى الغاء قياده على من بعد النبى، والغاء الدور الشرعى المميز لاهل بيت النبوه.. لم يكتفوا بذلك انما واجهوا ذات النبى وشخصه للتشكيك ببيانه المتعلق بالقياده من بعد النبى، وبدور اهل بيت النبوه المميز فزعموا خلال فتره صحه النبى وحياته:
ان النبى يتكلم فى الغضب والرضا، وانه كان يغضب فيلعن ويسب ويودى من لا يستحق ذلك.
وامعانا فى التشكيك فى كل ما يصدر عن النبى زعم قاده التحالف ان اليهود قد سحروه حتى ليخيل اليه انه يفعل الشىء وما فعله، ولدعم الشائعات الثلاث السابقه شككو فى ذاكره الرسول، فزعموا انه يسقط احيانا من آيات القرآن الكريم.
ثم جاوز قاده التحالف المدى بقولهم للرسول وجها لوجه:
انت تهجر ولسنا بحاجه لوصيتك!!.
وقدر قاده التحالف ان هذه الشائعات قد لا تنجح بالتشكيك باقوال النبى المتعلقه بالقياده، فزعم قاده التحالف واولياوهم ان الرسول ليس اكثر من مجتهد فى ما يقول وما يفعل ومن حق اى مجتهد آخر ان يخالف قول الرسول وفعله، وهكذا قوضوا الشرعيه الالهيه من اساسها.
اعذار لا تطاق:
بدلا من ان يكتشف الناس ان عمر رفع سنه رسولاللّه، ووضع رايه الشخصى بدلا منها، وبدلا من ان يلحظوا الاثار المدمره التى نتجت عن احلال الراى الشخصى محل الحكم الشرعى، وبدلا من ان يعرفوا الامور على حقيقتها اخذوا يختلقون الاعذار التى لا يقبلها عقل، فقالوا:
ان تبديل عمر لسنه الرسول، وهى حكم شرعى براى عمر، هو من قبيل الاجتهاد فالرسول مجتهد!!
وعمر مجتهد!!
ومن حق مجتهد وهو عمر!!
ان يخالف مجتهدا آخر وهو رسولاللّه (673).
والاهم ان عمر ماجور ايضا على ذلك!!.
وقد بحثنا هذا الموضوع مفصلا ووثقناه فيما سبق.
النبى لم يهتم بامر الامه من بعده!!
بعد ان استبعدوا النصوص النبويه التى عالجت موضوع القياده من بعد النبى، وبعد ان زحزحوا الامام على عن حقه بالقياده، وحرموا اهل بيت النبوه من دورهم المميز، زعموا بان رسولاللّه خلى على الناس امرهم وترك امته ولا راعى لها (674).
وانظر الى قول ابى بكر (.. حتى اختار اللّه لرسوله ما عنده، فخلى على الناس امرهم)، فابو بكر هو اول من اشاع بان الرسول ترك الامه ولا راعى لها (او خلى على الناس امرهم) وجاء فى تاريخ الطبرى (675) ان ابا بكر قال فى مرضه الذى توفى منه:
(... وددت انى سالت رسولاللّه لمن هذا الامر من بعده فلا ينازعه احد)، وجاء فى الحليه لابى نعيم (676) وصحيح مسلم والبخارى والبيهقى فى سننه، وابن الجوزى فى سيره عمر:
ان عمر قال فى مرضه:
(ان لم استخلف فان رسولاللّه لم يستخلف).
وروى المسعودى فى مروج الذهب (677) ان عمر قال فى مرضه:
(ان ادع فقد ودع من هو خير منى -يعنى الرسول- وان استخلف فقد استخلف من هو خير منى -يعنى ابا بكر-.
وصف فعل الرسول بعدم الاستخلاف!!
قالت عائشه لابن عمر:
(يا بنى ابلغ عمر سلامى، وقل له:
لا تدع امه محمد بلا راع.
استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، فانى اخشى عليهم الفتنه) (678).
فام المومنين عائشه وهى امراه ادركت ان ترك الامه ولا راعى لها عمل غير حكيم ويودى للفتنه!
قال ابن عمر لابيه:
(ماذا تقول للّه عز وجل اذا لقيته ولم تستخلف على عباده، ولو كان لك راعى ابل او راعى غنم ثم جاء وترك رعيته رايت انه قد فرط) (796).
وقال المسعودى فى مروج الذهب (680) ان عبداللّهبن عمر قال لابيه:
(لو جاءك راعى ابلك او غنمك وترك ابله او غنمه ولا راعى لها للمته، وقلت له:
كيف تركت امانتك ضائعه؟.
فكيف يا امير المومنين بامه محمد).
ومع ان عبد اللّه بن عمر مجرد شخص عادى وليس نبيا الا انه ادرك بان ترك الامه دون راع عمل يوجب اللوم، وهو تفريط وتضييع للامانه!
الا يستطيع الرسول ان يفكر بمستوى تفكير امراه او تفكير رجل عادى كعبداللّهبن عمر ويدرك ما ادركته عائشه وعبداللّهبن عمر؟!!
ومع هذا زعموا ان رسولاللّه ترك امته ولا راعى لها، فجاءوا وسدوا الخلل الذى اغفله رسولاللّه بزعمهم واوجدوا منصب ولايه العهد، اذ لم يصدف طوال التاريخ ان ترك اى خليفه الامه بدون راع يرعاها من بعده الا رسولاللّه!!!
وجاء ابن خلدون ليوسع صلاحيه الخلفاء ويضفى عليها الشرعيه، ويبارك عبقريتهم باختراع ولايه العهد فقال فى مقدمته (681):
(ان الامام (الخليفه) يتولى امور الناس حال حياته وتبع ذلك ان ينظر لهم بعد مماته ويقيم لهم من يتولى امورهم من بعده) وقد فصلت ذلك فى الابواب السابقه ووثقته.
وقصد قاده التحالف ضرب جدار النسيان على النصوص النبويه التى عالجت موضوع القياده والامامه من بعد النبى، وبنفس الوقت ابراز ناحيه من شخصيه النبى بالصوره التى ارادوها هم!!
حتى ان النبى لم يجمع القرآن بزعمهم:
وقد اشاعوا ان النبى لم يكتف بترك امته بدون راع عرضه للفتنه والاختلاف انما ترك معجزته الوحيده وهى القرآن دون جمع ولا كتابه، فاضطر قاده التحالف ان يشمروا عن سواعدهم وان يجمعوا القرآن ويكتبوه، ولولاهم لضاع القرآن واندثر!!(682)
وقد عالجنا هذا الموضوع باستفاضه تامه فى كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه (683) واثبتنا فساد تلك الشائعه (684).
وبالايجاز فانهم ما تركوا شارده ولا وارده ظنوا انها تضفى الفضل عليهم الا وتمسكوا بها حتى ولو كانت حطا من قدر سيد ولد آدم!!
مواجهه قاده التحالف للسنه النبويه العمليه:
لم يكتف قاده التحالف بصرف قياده الامه عن قائدها الشرعى، على بن ابى طالب، وابتزاز حقه (685)!
ولم يكتفوا بمحاصره البيان النبوى المتعلق بمنصب الامامه او القياده من بعد النبى وتحريم روايته وحرق المكتوب منه (686)!
ولم يكتفوا بحمله الشائعات التى شنوها على النبى للتشكيك بقوله وشخصه وصولا الى الغاء البيان النبوى المتعلق بالقياده من بعد النبى (687)!
ولم يكتفوا بان قالوا للرسول وجها لوجه:
انت تهجر، ولا حاجه لنا بوصيتك (688)!
ولم يكتفوا بالقول بان الرسول مجرد مجتهد، ومن حق الخليفه كمجتهد ان يتبنى رايا معاكسا للحكم الشرعى الذى نفذه الرسول (689)!
ولم يكتفوا بان اباحوا دم من يروى شيئا فى فضل ولى الامر واهل بيت النبوه، وقادوا حمله وضع الحديث على رسولاللّه (690)!
لم يكتفوا باخراج النبى، واخراج سنته القوليه عمليا من التاثير على مسرح الاحداث عندما حاصروها ومنعوا روايتها وكتابتها وحرفوا المكتوب منها (691)!
تبديل سنه النبى الفعليه فى الامور الماليه!!
التسويه فى العطاء والتفاضل فيه:
الرسول عبد مامور يتبع ما يوحى اليه من ربه، وقد امره ربه تعالى ان يقسم المال بين الناس بالسويه لا فضل فى ذلك لعربى على عجمى، ولا لمهاجر على انصارى، ولا لسيد على مولى، لان حاجات الناس البشريه الاساسيه متشابهه، وتلك امور علاوه على انها امر الهى الا ان الانسان يدركها بالعقل الذى جعله اللّه حجه على خلقه وبالفطره السليمه، فجميع ابناء الجنس البشرى ياكلون ويشربون ويلبسون وينامون ويتزوجون، لذلك كان رسولاللّه طوال عهده الخالد يقسم المال بين الناس بالسويه، حتى اصبح عمل الرسول هذا سنه فعليه واجبه الاتباع، وجاء ابو بكر واتبع سنه الرسول الفعليه هذه، فكان يقسم المال بالسويه بين الناس كما كان يفعل رسولاللّه.
سنه الرسول ليست مناسبه وراى عمر بن الخطاب خير منها!!
لما تسلم عمر بن الخطاب الخلافه من بعد ابى بكر، راى ان سنه الرسول ليست مناسبه ولا عادله ولا معقوله!
فهل يعقل ان يعطى القرشى مثل الانصارى؟ وهل يعقل ان يعطى العجمى مثل العربى؟ وهل يعقل ان يعطى المولى مثل السيد؟ وهل يعقل ان يعطى الطليق مثل المهاجر؟!
وهل يعقل ان تعطى ام المومنين عائشه مثل ام المومنين ام سلمه؟... لقد راى عمر ان ذلك ليس انصافا ولا عدلا بالرغم من انها سنه فعليه موكده من سنن الرسول.
رفع سنه النبى الفعليه وابدالها براى عمر بن الخطاب الشخصى!!