مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا محمد سيد الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين، وعلى صحبه المنتجبين.
وبعد:
فإن حديث الثقلين من الأحاديث التي يجهلها أغلب المسلمين، والتي غابت أو غيبت عنهم، بفعل سياسات التجهيل، التي قام ويقوم بها أعداء أهل البيت عليهم السلام، وبسبب المحاولات الدؤوبة والمستمرة لطمس وتغييب حقيقة أهل البيت عليهم السلام وأحقيتهم، امتدادا لما أسس له الأوائل من حقد وبغض وضغائن ضد أمير المؤمنين عليه السلام وضد أهل بيته والأئمة من ولده عليهم السلام. وبالرغم من تواتر الحديث عند كل طوائف المسلمين، وكثرة رواته من الصحابة والتابعين، واشتهاره في أغلب صحاح ومسانيد المسلمين وكتبهم الحديثية، إلا أن أغلب علماء أهل السنة والجماعة لايعرفونه بل ويجهلونه، وحتى لو عرفوه فإنهم يحاولون التقليل من شأنه ولا يطيقون سماعه، أو يؤولونه بتأويلات لا تمت بصلة إلى المعاني والمضامين التي يؤكد الحديث عليها في موضوعه ومضمونه.
ولقد بحث العديد من علمائنا الأجلاء هذا الحديث، ولكن التركيز كان أكثر ما يكون على سنده ورواته، ولم يكن هناك تركيز على الحديث من حيث المتن، إلا من قلة قليلة من الباحثين. مع أن الحديث يعتبر محورا أساسيا ومركزيا من محاور الدين الإسلامي، والذي تدور حوله بل وترتبط به عشرات الأحكام العقائدية والشرعية.
ولأجل استنفار العقول نحو محورية الحديث، آليت على نفسي الخوض في مضمار متن الحديث، لعلي أضع خطوطا عريضة أقدمها بين يدي القارئ العزيز، لنصل معا إلى حقيقة واحدة، وهي أن دين الله تعالى المأخوذ من الكتاب والعترة الطاهرة، مترابط مع بعضه، ومنسجم في عقائده وأحكامه مع ضرورات الحياة في كل نواحيها، ولا يتطرق إليه التناقض أو الإختلاف، لأنه من مصدر واحد من الله تعالى الذي خلق هذا الكون فأبدعه.
فكما لا يدخل الخلل أو التناقض في أنظمة الكون الفسيح، لأنها من بديع صنع الله، وتتجلى فيها قدرة الله تعالى، فكذلك ينطبق الأمر على النظام الديني والمنهجي الإسلامي والإيماني، الذي أنزله الله تعالى إلينا من خلال رسولنا الأكرم وأهل بيته المعصومين.
وهذا قد بينه حديث الثقلين، من خلال متونه المختلفة، وهو ما سنقوم بشرحه في هذ البحث المتواضع، والذي بينت فيه أنه لايوجد على وجه الأرض أحد يطبق مضامين ومواضيع حديث الثقلين، غير الشيعة الإمامية أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وأما غيرهم فلا وجود لحديث الثقلين عندهم.
سائلا المولى عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وعنوان محبة ووفاء وولاء، لرسولنا محمد وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وهدية متواضعة منا لأمير المؤمنين والأئمة المعصومين عليهم الصلاة السلام، عسانا ننال محبتهم وحبهم، كما ونتضرع إليه تعالى أن يكرمنا بزيارتهم في الدنيا وشفاعتهم في الآخرة، إنه نعم المولى ونعم المجيب، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور صلاح الدين الحسيني
محورية
حديث الثقلين
في العقيدة والأحكام
روى الترمذي وغيره عن زيد بن أرقم قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حَبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (.
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إني لكم فرط وإنكم واردون علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين، قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الأكبر كتاب الله عز وجل. سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا، والأصغر عترتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا، ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم).
وروى في كنز العمال عن حذيفة بن أسيد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (يا أيها الناس! إني فرطكم وإنكم واردون علي الحوض، حوضي عرضه ما بين صنعاء وبصرى، فيه عدد النجوم قدحان من ذهب وفضة، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. ( حديث الثقلين من الأحاديث المجمع على تواتره والمشهور جدا عند كل طوائف المسلمين، وهو متواتر لفظا ومعنى، ويتطابق ويتلازم مع العشرات من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة، ويرتبط ارتباطا وثيقا وتلازميا بها من حيث الدلالة ووضوح المعنى.
ولا أريد طرح الحديث في هذا البحث من حيث السند، فلقد استوفى البحثَ في سنده العشرات من علماء المسلمين شيعة وسنة، وألفوا الكتب التي تُظهر بشكل واضح جلي تواتره وإجماع المسلمين على ذلك.
ولكنني سوف أتطرق إلى المتن في هذا البحث من حيث الدلالة والتطبيق، ومن حيث ارتباط الحديث بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، التي تشترك معه في
بعبارة أخرى ربط الحديث بكل ما يتعلق بموضوعه ومضمونه مع القرآن والحديث، وهو الأمر المهم جدا والذي غاب أو غُيِبَ عن كثير من المسلمين بفعل التأويلات الخاطئة، أو من خلال تحويل المعنى إلى مسارات تخالف واقع متن الحديث ودلالاته وتطبيقاته، من أجل إبعاد المسلمين عن أهل البيت عليهم السلام وعن خطهم وهديهم وصراطهم المستقيم.
ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المبغضون لأهل البيت عليهم السلام، فلقد ظهر الحديث بأجلى صوره في صحاح ومسانيد وسنن المسلمين، وثبت تواتره بشكل قطعي لا يقبل الشك.
ولكن المسلمين غاب أوغُيبَ عنهم أن العمل بالحديث المتواتر واجب، وتطبيقه ضرورة شرعية لابد من العمل بها، وهو كالعمل بالآيات القرآنية القطعية الثبوت القطعية الدلالة، من خالف في تطبيقها فقد ارتكب إثما عظيما، ومن أنكرها فقد خرج عن ملة الإسلام.
وعلى ذلك كان لابد من النظر في متن الحديث نظرا مستنيرا، من أجل الوصول إلى معانيه ومضامينه الحقيقية، وحتى تظهر الحقائق التي غيبها علماء السوء من أجل طمس حقيقة وأحقية أهل البيت عليهم السلام، مع ضرورة لفت النظر إلى أنني لا أدعي الإحاطة في معاني ومتعلقات الحديث، وإنما هي نظرات من مستبصر في حقيقة أهل البيت وأحقيتهم عليهم السلام.
المتواتر والآحاد:
ومن الغريب والعجيب جدا أن يترك علماء المسلمين النظر في هذا الحديث مع اشتهاره وتواتره، ويستبدلون به رواية مقطوعة السند وهي المجودة في موطأ مالك، ووضعوا في متنها بدل جملة (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وضعوا بدلا منها (كتاب الله وسنتي)، كل ذلك حقدا وبغضا على أهل البيت عليهم السلام.
لكن وللأسف لم يستجب ذلك العالم الذي يخطب على منبر رسول الله إلى أمر الله ورسوله، بل استجاب إلى ما فيه تحقيق لرغبات النفس والأهواء، وكانت النتيجة أن قاطع ذلك الخطيب الأخ المؤمن من الزيارة جزاءً له على إظهاره الحقيقة التي فيها رضى الله ورسوله، حيث اعتبرها جريمة نكراء.
وفي مرة سأل أحدهم مفتي المدينة عندنا عن حديث الثقلين، فأجابه بأن هذه الأحاديث أحاديث شيعة، ثم راجعني ذلك السائل فقلت له بل هي أحاديث أهل السنة وموجودة في الصحاح والسنن والمسانيد وبينت له مواقعها، فعاد ليسأل فضيلة المفتي عنها وأنه وجدها في كتب الأحاديث عند أهل السنة، فأجاب المفتي بأنها نعم موجودة ولكننا لا نعمل بها، وهكذا كانت الفتوى من فضيلة المفتي.
وأكثر ما يقال في رواية كتاب الله وسنتي، أنها حديث آحاد هذا إن صحت، وحديث الآحاد لايعارض المتواتر بل ويجب تقديم الحديث المتواتر على حديث الآحاد، لأن الحديث المتواتر مقطوع بصدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من حيث الثبوت مثله مثل القرآن الكريم، وهذا هو الموجود في كتب الأصول.
ثم إننا لو أخذنا تلك الرواية بعين الإعتبار، فإنها أيضا تنطبق على حديث الثقلين، لأن السنة لا بد لها ممن يعيها ويحفظها ويدونها ويبلغها للناس بشكلها وصورتها التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وآله، وبمراجعة مرحلة الصحابة وما بعدها نجد أن أهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، هم الذين تفردوا بحفظ ورعاية ووعاية وتبليغ
وأيضا فإن النصوص الشرعية التي وردت عند كل فئات المسلمين وطوائفهم تشير إلى أخذ سنة رسول الله وتعلمها من أهل البيت عليهم السلام، وعليه فإن تلك الرواية إن صحت تشير بشكل واضح إلى أهل البيت عليهم السلام.
وحديث الثقلين ومن خلال تواتره ومتونه المختلفة، يتضمن محطات هامة جدا يجب التوقف عندها، استنبطتُها من المتون المتعددة لحديث الثقلين في صحاح ومسانيد وسنن المسلمين، تلك المحطات الهامة التي تغافل عنها وعن البحث في مضامينها ومواضيعها علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة.
ولأن حديث الثقلين ومن خلال كل عباراته يعتبر من الأحاديث المحورية التي تدور حولها وترتبط بها عشرات الآيات والأحاديث، ويرتبط الحديث أيضا ارتباطا وثيقا بموضوع الإمامة وولاية أهل البيت وكذلك عصمتهم وبضرورة اتباعهم والإقتداء بهديهم وأيضا يرتبط بموقعيتهم عليهم السلام وأهميتهم في تحديد المؤمن والمنافق.
وهناك في حديث الثقلين عشرات القضايا الإسلامية المحورية والمصيرية ترتبط ارتباطا وثيقا بأهل البيت عليهم السلام من ناحية العقائد والأحكام وهو ما سألفت النظر إليه من خلال نظراتنا وشرحنا البسيط لجمل وعبارات الحديث.
فكان لابد من الوقوف على كل تلك المحطات المحورية الهامة بشيء من التفصيل، حتى تتبين أهمية حديث الثقلين في دين الإسلام، وضرورة تطبيقه بتمامه من قبل كل المسلمين، وحتى يُنظر لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله على أنها وحي من الله تعالى يجب أن تحمل على محمل العناية والإهتمام الشديد، لأنه صلى الله عليه وآله لاينطق عن الهوى وأن طاعته هي طاعة الله تعالى ومعصيته هي عين معصية الله تعالى.
قال تعالى في سورة الحشر الآية 7 {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب}.
إهتمام الرسول بتكرار حديث الثقلين:
فمن المحطات الرئيسية في الحديث أن النبي الأكرم قد ذكر الحديث على مرآى ومسمع كل المسلمين في أكثر من مناسبة، مما يدلل على أهميته للمسلمين، فلقد ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد عودته من الطائف، وفي حجة الوداع على جبل عرفات وفي منى أيضا، وذكره في خطبته الشهيرة المتواترة بعد عودته من حجة الوداع وقبل الوصول إلى المدينة في غدير خم يوم الثامن عشر من ذي الحجة، كما ذكره في المدينة المنورة من على منبره الشريف أكثر من مرة، وكذلك قبل وفاته في الحجرة النبوية الشريفة، وكانت الحجرة غاصة بالمسلمين وهو يوم رزية الخميس كما وصفها ابن عباس رضي الله عنه.
وهذا التكرار المستمر من رسول الله صلى الله عليه وآله، خصوصا في الأماكن العامة والمناسبات الكبيرة التي عادة ما يجتمع فيها خلق كثير، كموسم الحج والأعياد وعند العودة من الحج وفي أيام الجمعة، وهو ما كان يفعله رسول الله وفي كل مناسبة دائما يلقي على الناس حديث الثقلين بكل ما يحمله من مضامين، وهذا ينبئ عن أهمية عظيمة، ومحورية أساسية وضرورية للحديث، ولأجل مركزيته في العقائد والأحكام، كان رسول الله صلى الله عليه وآله دائما وبشكل مستمر يلفت النظر إلى أهمية حديث الثقلين.
ثم إن عدد الرواة للحديث من الصحابة والتابعين يفوق الحصر، مما يدل على أن غالبية المسلمين قد سمعوا الحديث ووعوه، ونقلوه لمن بعدهم، وهذا كان من الأسباب الرئيسية التي جعلت الشيعة الإمامية يلتزمون بمضامين الحديث منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحتى يومنا هذا، بينما بقية المسلمين لا يعملون به بل لا يعرفه الكثير من علمائهم، ومنهم من لا تستطيع آذانهم سماعه. ولأجل إقامة الحجة على العباد كان عدد رواة الحديث من الصحابة
وإليك أخي الكريم عبارات حديث الثقلين عبارة عبارة، أوضحها وأشرحها محاولا ربطها مع النصوص، ومظهرا تلازمها مع العديد من الأحكام والعقائد.
إني فرطكم على الحوض
وردت جملة إني لكم فرط وإني فرطكم على الحوض في العديد من متون حديث الثقلين، ومعناها أن رسول الله صلى الله عليه وآله، يقول إني متقدمكم وسابقكم على الحوض في القيامة الكبرى، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، أنتظركم هناك أيها المسلمون، حتى أرى ما فعلتم بأمر الله ووصيتي لكم، وسوف تسألون عن ذلك.
حقيقة الحوض:
ما هو الحوض؟. ولماذا اختار الرسول صلى الله عليه وآله السبق والإنتظار على الحوض؟. وما هي أهمية الحوض بالنسبة إلى المسلمين؟.
روى في صحيح مسلم عن أنس قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسما، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت علي آنفا سورة، فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر. فصل لربك وأنحر. إن شانئك هو الأبتر}. ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟. قلنا الله ورسول أعلم. قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم فأقول إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك.
وأهمية الحوض يوم القيامة كبيرة جدا، فالعطش يومئذ شديد، والناس في كرب عظيم، وشربة ماء في ذلك الموقف غالية الثمن، لا يستحقها أحد إلا ضمن شروط مخصوصة، حددها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل انتقاله إلى الرفيق
روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد قال، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني فرطكم على الحوض، من مر علي شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، ليردنَّ علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال: هكذا سمعت من سهل؟ فقلت: نعم، فقال: أشهد على أبي سعيد الخدري، لسمعته وهو يزيد فيها: (فأقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيَّر بعدي).
فمن أوفى بتلك الشروط، شرب من الحوض شربة لا يظمأ بعدها أبدا، ولا يسود وجهه أبدا، وأما من خالف وغير وبدل فإنه يحال بينه وبين الحوض فلا يشرب مع أن عدد الآنية على الحوض عدد نجوم السماء، وهو من حيث السعة فإنه يسع الجميع.
وعليه فإن من لم يحدد له موقعا على الحوض في هذه الدنيا ولا يعمل لذلك، فلن يسعفه الحال في ذلك الموقف العظيم، يوم القيامة يوم العطش الأكبر.
قال تعالى في سورة آل عمران الآية 106-107. {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}.
روى الطبري في جامع البيان قال، حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} ... الآية، لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: "والذي نفس محمد بيده، ليردن علي الحوض ممن صحبني أقوام، حتى إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولن رب أصحابي أصحابي، فليقالن إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وقوله: {وأما الذين أبيضت وجوههم ففي رحمة الله} هؤلاء أهل طاعة الله والوفاء بعهد الله، قال الله عز وجل: {ففي رحمة الله هم فيها خالدون}.
وأما شروط الورود على الحوض، فهي موجودة في متن الحديث حيث يخبر رسول الله صلى الله عليه وآله أنه تارك لنا الكتاب أي القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام من بعده، من اتبعهما فإنه لن يضل أبدا، ومن خالفهما فإنه لا محالة ضال، وسوف يجد من يمنعه من الورود على الحوض يوم الورد المورود.
ولذلك كانت أهم الشروط التي تجيز الورود على الحوض والشرب منه هي التمسك بالكتاب والعترة الطاهرة معا، والوفاء بالعهد مع أهل البيت عليهم السلام، من خلال موالاتهم ومحبتهم والإقتداء بهديهم، وسوف نفصل في هذا الموضوع أكثر عندما نحتاج إلى التفصيل.
إن الناظر المدقق في متن حديث الثقلين وفي متونه المختلفة أيضا، يجد أن في بدايته إشارة إلى الحوض، ثم يجد موضوع الحوض مكررا مرة أخرى في آخره عبارة (حتى يردا علي الحوض) وهما الكتاب والعترة الطاهرة، فعندما يؤكد رسول الله صلى الله عليه وآله في بداية الحديث أنه سابق ومنتظر على الحوض، فإنه يؤكد على ضرورة الإلتفات إلى ماهية الحوض وأهميته للناس في ذلك الموقف العظيم، فكان لابد من معرفة الحوض ومعانيه وأوصافه وتشويق الناس إلى نعمة الورود عليه، فكان هذا الكم الهائل من الأحاديث التي توضح للناس كل معاني الحوض.
ومن المهم جدا هنا أن أذكر القارئ الكريم، أن جميع علماء المسلمين اتفقوا على أن أحاديث الحوض وأوصافه وشروط الورود عليه متواترة، حتى أن من تشدد منهم في شروط الحديث المتواتر، اعتبر حديث الحوض من الأحاديث
وقد روى البخاري في صحيحه، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للأنصار (إنكم سترون بعدي أثرة شديدة، فاصبروا حتى تلقوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على الحوض). قال أنس: فلم نصبر.
وروى النسائي وغيره عن كعب بن عجرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن تسعة، فقال: إنه ستكون بعدي أمراء من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض.
لاحظوا كيف جعل رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله الحوض محطة التقاء مركزية في يوم القيامة، وذلك من خلال أحاديثه الشريفة التي ركزت على معنى الحوض وحقيقته، وكل ذلك من أجل أن يركز المسلم وينتبه إلى كيفية الوصول إلى الحوض، وحتى يتجنب كل الموانع ويجتاز كل العوائق التي تحول بينه وبين لقاء رسول الله وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام على الحوض.
روى الترمذي، والبيهقي عن أنس قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشفع لي يوم القيامة فقال: أنا فاعل. قلت: يا رسول الله أين أطلبك؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فاطلبني عند الميزان. قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن.
أما لماذا ينتظر رسول الله صلى الله عليه وآله على الحوض؟ وماذا ينتظر هناك؟ وما هي الأمور التي سوف نسأل عنها حتى يؤذن لنا في الشرب؟ وماهي شروط الورود على الحوض التي يجب أن نحققها في الدنيا؟ ومن سيكون مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسقي قسما من الناس ويذود قسما آخر؟. فإن جواب كل تلك الأسئلة سوف يأتي في محله. لكنه من المهم أن نعرف أن في الحديث أمر يدل على بداية غاية وهي الحوض، وفي آخره
روى الحاكم في المستدرك وصححه عن مصعب بن عبد الرحمن عن أبيه قال: افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبعة، ثم ارتحل غدوة وروحة، ثم نزل ثم هجر، ثم قال (أيها الناس إني لكم فرط، وإني أوصيكم بعترتي خيرا موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة أو لأبعثن عليكم رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتلهم وليسبين ذراريهم، فرأى الناس أنه يعني أبا بكر أو عمر، فأخذ بيد علي عليه السلام فقال: هذا).
وروى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن مردويه عن علي عليه السلام قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألم تسمع قول الله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية} أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين.
يوشك أن أدعى فأجيب
هذه العبارة من حديث الثقلين، ترتبط أيضا بحديث الولاية، وتتطابق معه حتى في نفس الموضوع والمضمون، حتى أنك تجد أن بعض الروايات تدمج بين حديث الثقلين وحديث الولاية، مما يؤكد وحدة الموضوع والمضمون، والتي تبرز في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من ولده عليهم السلام.
فقد روى في مجمع الزوائد عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع نهى أصحابه عن سمرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث إليهن، فقم ما تحتهن من
هذا التطابق والتشابك في الموضوع بين الآيات والأحاديث، أمر يجب الإلتفات إليه دائما، لأن ذلك يبين المحور الأساسي الذي تقوم عليه تلك الآيات والأحاديث التي سوف نعرضها، وكذلك تبين المحور الأساسي الذي يقوم عليه بحثنا هذا، وهو ولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وسوف يجد الباحث المنصف من خلال التطابق الذي سأحاول أن أوضحه في كل جمل وعبارات حديث الثقلين مع العديد من الآيات والأحاديث ليجد أن ولاية أهل البيت عليهم السلام هي محور أساسي في جزئيات الإسلام وكلياته، وبشكل واضح ومتلازم يوضح الإرادة الإلهية في أمر الوصاية والولاية لأهل البيت عليهم السلام.
ولنعد إلى جملة (يوشك أن أدعى فأجيب) والتي وردت أيضا بألفاظ مختلفة في متون أخرى، والمهم هو أن نحاول معا أن نستنبط مراد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله من تلك الجملة.