الصفحة 54

الرحمة المهداة:

وبالعودة إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين، فإنك تجد أنها تدل على معاني الرحمة للناس كافة، وحرصه الشديد صلى الله عليه وآله على ثبات الناس على الحق ومتابعته والتمسك به بعد انتقاله للرفيق الأعلى من خلال أمره بالتمسك والإعتصام بأهل البيت عليهم السلام، لأنه لا يريد لأمته أن تضل من بعده وتختلف، ويتأكد ذلك في قوله تعالى في سورة الأنبياء الآية 107 {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.

وقال تعالى في سورة التوبة الآية 128 {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}.

ولحرصه صلى الله عليه وآله ووده للمؤمنين ومحبته لهم ورغبته في أن لا يضلوا بعده أبدا، جعل الروابط في ما بين الناس وأهل البيت من خلال المحبة والمودة لهم وموالاتهم ومتابعتهم جعل ذلك أجرا على الرسالة.

قال تعالى في سورة الشورى الآية 23 {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور}.

أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي والحاكم، عن المطلب بن ربيعة قال دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث، فإذا رأونا سكتوا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودر عرق بين عينيه، ثم قال (والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان، حتى يحبكم لله ولقرابتي).

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} قالوا: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها.

وأخرج أبو نعيم والديلمي من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {لا أسألكم عليه أجر إلا المودة في القربى}، أن تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي.


الصفحة 55

حبهم حسنة:

ثم إن الآية الشريفة بعد طلب المودة لأهل البيت عليهم السلام وعترته الطاهرين، تشير إلى أن ولايتهم ومودتهم ونصرتهم هي حسنة كبيرة عند الله تعالى، وأن من يقترف الحسنة التي هي الولاية لأهل البيت سوف يزيده الله حسنا وكمالا في الدنيا بموالاتهم، وفي الآخرة بالورود على حوضهم صلوات الله تعالى عليهم.

روى السيوطي في الدر المنثور قال، أخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس {ومن يقترف حسنة} قال: المودة لآل محمد.

وعليه كانت الحسنة هي حب آل محمد وولايتهم، وهي مرتبطة بحديث الثقلين ووصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتتطابق مع قوله تعالى في سورة البقرة الآية 201 {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}. ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحث المسلمين على الدعاء بتلك الآية في كل العبادات وفي كل المواقف العظيمة عند الله تعالى التي تكون استجابة الدعوة فيها أوكد، ولقد روت صحاح المسلمين كلها أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان أكثر دعوة يدعو بها {ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار}.

فقد روى زادان عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام، أنّه قال: فينا في آل حم آية، لا يحفظ مودتنا إلاّ كل مؤمن. ثم قرأ: {قُلْ لا أسألكُم عَليهِ أجراً إلاّ الموَدَّةَ في القُربَى}.

وروي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: خطب الحسن بن علي عليه السلام الناس حين قتل علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " ... وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى: (قُلْ لا أسألكُم عَليهِ أجراً إلاّ الموَدَّةَ في القُربَى ومَن يَقتَرِف حَسَنَةً نَّزِد لهُ فِيها حُسناً) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.


الصفحة 56
وهذا التأكيد الواضح والترابط الصريح بين الآيات وحديث الثقلين فيما يتعلق بموضوع ولاية وإمامة أهل البيت عليهم السلام، هذا الترابط والتلازم يدل على عظمة ومحورية وأهمية بل ومركزية إمامة أهل البيت وولايتهم في الإسلام وعند المسلمين، التي يجب أن لا تغيب عن بال أحد، فكما هي حاضرة في مضامين ومعاني المئات من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، فإنها (أي إمامة أهل البيت وولايتهم) يجب أن تكون حاضرة في كل نواحي الحياة وفي كل زمان ومكان.

رزية الخميس:

وأما الموضوع المهم بعد ما مر من ترابط وتطابق وتلازم، فإننا نأتي إلى قضية هامة جدا وهي تطابق حديث الثقلين مع أحاديث رزية الخميس في العديد من الجمل والعبارات بشكل صريح في المنطوق والمفهوم.

فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعه قال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا من بعده). قال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط، قال: (قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع).

فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين كتابه.

وروى البخاري وغيره قال حدثنا قبيصة: حدثنا ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم بكى حتى خضب دمعه الحصباء، فقال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس، فقال: (ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا). فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: (دعوني، فالذي أنا

الصفحة 57
فيه خير مما تدعونني إليه). وأوصى عند موته بثلاث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم). ونسيت الثالثة.

وفي رواية أحمد في المسند قال (وسكت سعيد عن الثالثة فلا أدري أسكت عنها عمدا، وقال مرة أو نسيها وقال سفيان مرة: وإما أن يكون تركها أو نسيها).

لاحظ التطابق بين عبارة لن تضلوا في الحديث وكذلك موضوع الوصية، مما يدل دلالة قاطعة على أن الموضوع الذي كان سيكتبه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وواضح من موضوع نسيان الراوي الوصية الثالثة في حديث رزية الخميس.

وهو واضح أيضا من رفض عدد كبير من الصحابة، فسح المجال للمسلمين أن يسمعوا ما كان يريد أن يكتب لهم رسول الله، ولذلك ورد في المتون المختلفة للرواية، إتهام رسول الله صلى الله عليه وآله بالهجر والهذيان، ثم ورد أيضا تنازعهم وارتفاع أصواتهم وصياحهم عند رسول الله، وهذا ليس فقط عصيان وتمرد على مقام النبوة ومنزلة الرسالة، بل كان رفع الصوت والتنازع من أجل إفشال ما كان رسول الله يريد أن يوَثقَه للمسلمين، حتى لا يضلوا بعده أبدا وهو الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه.

لاحظوا في الروايات قول عمر إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا. فاختلفوا وكثر اللغط. ثم لاحظوا معي شدة التنازع والمخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله من قبل كبار الصحابة، فقد وصفت ذلك التنازع والإختلاف بشكل أوضح الرواياتُ التي سأذكرها من كتب أهل السنة، حتى يسقط تبرير علماء المسلمين لما فعله عمر ومن وافقه الرأي في يوم رزية الخميس.

روى في مجمع الزوائد عن عمر بن الخطاب قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا لي بصحيفة ودواة أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعدي أبداً". فكرهنا ذلك أشد الكراهة، ثم قال رسول الله: ادعوا لي بصحيفة أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً. فقال النسوة من وراء الستر: ألا يسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: إنكن صواحبات يوسف، إذا

الصفحة 58
مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن رقبته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهن فإنهن خير منكم.

روى في مجمع الزوائد وعن ابن عباس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف فقال: ائتوني بكتف أكتب لكم كتاباً لا تختلفون بعدي أبداً. فأخذ من عنده من الناس في لغط، فقالت امرأة ممن حضر: ويحكم عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم! فقال بعض القوم: اسكتي فإنه لا عقل لك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم لا أحلام لكم.

وروى في كنز العمال عن عمر بن الخطاب قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وبيننا وبين النساء حجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغسلوني بسبع قرب، وأتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالت النسوة: ائتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحاجته، قال عمر فقلت: اسكتن فإنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صح أخذتن بعنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هن خير منكم.

لاحظوا في الروايات قول الرسول لهم لا تضلوا، ولن تضلوا، ولا تختلفون من بعدي، وطابِقها مع حديث الثقلين، ومع حديث الولاية، ومع الروايات التي يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وآله فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وأنه يبين لأمته ما يختلفون فيه من بعده، وكذلك مع عشرات النصوص في أهل البيت عليهم السلام وفضائلهم وأحقيتهم وحقيقتهم، حتى تصل إلى وجه التشابه والتطابق في المضمون والموضوع بين حديث الثقلين وبين ما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدونه ويوثقه للمسلمين بخصوص ولاية وإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم رزية الخميس التي يندى الجبين عند سماع تفاصيلها.

لقد تناسى أولئك أن ما فعلوا هو عصيان واتهام بالباطل لرسول الله، كما أنه تمرد على رسول الله، ومنع له من أن يباشر مهامه في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ ما أنزل إليه من ربه.


الصفحة 59
ثم إن في رفع الصوت على رسول الله والتنازع عنده والمخالفة له مشاققة لله ولرسوله، ومعصية واضحة لا يماري فيها إلا حاقد على رسول الله مبغض له ولأهل بيته.

وأعتقد أن جميع من يقرأ القرآن الكريم من المسلمين يعلم عقوبة معصية رسول الله ومشاققته ومعاداته وتسبب الأذى له، ولكنني أورد بعض الآيات للتذكير من أجل الملاحظة والمطابقة بين الآيات والأحاديث.

قال تعالى في سورة النساء. الآية 115 {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}.

وقال تعالى في سورة الأنفال الآية 13 {ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب}.

وقال تعالى في سورة النور الآية 63 {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

ثم إن في رفع الصوت فوق صوت النبي حبط للأعمال كما ذكرت ذلك الآيات الشريفة.

قال تعالى في سورة الحجرات الآية 2 {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}.

لاحظوا الآية أنها من سورة الحجرات وتطابق حصول حادثة رزية الخميس في نفس المكان، ثم تطابق سبب نزول الآية في أشخاص معينين وهم نفس الأشخاص الذين اتهموا رسول الله بالهجر ومنعوه من كتابة الوصية لأمير المؤمنين علي عليه السلام، وهم الذين صدوا رسول الله عن سبيل الله وعن الصراط المستقيم، ورفضوا التمسك بما إن تمسكوا به فإنهم لن يضلوا أبدا.

في الحقيقة فإنهم قد ضلوا عندما رفضوا سماع ما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكتبه لهم، بل لم يكتفوا بذلك فأعلنوا إرادتهم صراحة وعلى

الصفحة 60
مسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى مسمع كل من حضر من المسلمين.

ولقد تولى تبليغ تلك الإرادة عمر بن الخطاب عندما قال لرسول الله، لا نريد كتابك الذي تريد أن تكتبه لنا، ثم قال حسبنا كتاب الله، وفي ذلك دلالة واضحة على علم عمر ومن وافقه الرأي بما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يريد أن يوثق ويكتب للمسلمين قبل وفاته بأيام حتى لا يضلوا بعده.

وكلمة عمر تلك تؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان سيدون لهم في ذلك الكتاب الوصية بإمامة العترة الطاهرة وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه.

ثم إن في قولهم حسبنا كتاب الله تفريق لما جمع الله، وهما الكتاب والعترة كما في حديث الثقلين، فلقد أمر الله تعالى على لسان رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن نتمسك بالكتاب والعترة معا، وأن نعتصم بهما معا، وأنهما لن يتفرقا أبدا.

فكانت تلك الدعوة للتفريق بينهما أول معول من معاول محاولات هدم الحوض في الدنيا، وذلك من خلال الشعار الذي رفعه عمر بن الخطاب ومن خلال الدعوات التي بقيت تنادي بطمس حقيقة اقتران الكتاب مع العترة الطاهرة، ولم تقتصر الدعوة على عمر فقط، بل استمرت تلك المحاولات وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وسوف تجد المزيد من التفصيل عن ذلك عند التفصيل في موضوع لن يفترقا ولن يتفرقا.

ثم إن في إعراضهم عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله، وتنازعهم واختلافهم ولغطهم ولغوهم وشقاقهم وظلمهم ورفع صوتهم ومعصيتهم وصدهم ومحاولتهم لفصم العروة الوثقى وكلمة التقوى تطابقٌ وتلازم مع العشرات من الآيات القرآنية التي تدور حول محور حديث الثقلين، وتتداخل في المعنى والمضمون والموضوع مع إمامة وولاية أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام السلام واقترانهم بالكتاب.


الصفحة 61
ولو بحث القارئ العزيز عنها لوجدها في كل سورة من سور القرآن الكريم. لكن المقام لا يتسع في تفصيلها في هذا البحث، وما أحاوله هنا هو أن أستنفر العقول لتوضيح ارتباط حديث الثقلين بكليات الإسلام وجزئياته، ولأثبت أنه محور أساسي من محاور الإيمان والعقيدة والأحكام، من خلال تبيان الكلمات والعبارات التي تتطابق مع معنى الهداية والتمسك والطاعة والإعتصام بأهل البيت عليهم السلام وما يشبهها من الألفاظ في الآيات والأحاديث، أو المعاني التي تناقض التمسك والهدى والإعتصام، كالضلال والمعصية والتفريط والظلم والإعراض والمخالفة والتفريق بين ما جمع الله وما إلى ذلك.

قال تعالى في سورة النور الآيات 48 - 50 {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، بل أولئك هم الظالمون}.

هذه الآية الشريفة كأنها توضح حقيقة ما حصل يوم رزية الخميس عندما دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتاب الوصية للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فأعرض فريق من الصحابة عن الإستجابة لرسول الله صلى الله عليه وآله وكان لسان حال أولئك المعرضين والمعترضين عمر بن الخطاب الذي رفع شعار حسبنا كتاب الله كما بينا في بحث سابق بالأدلة المفصلة.

كما أن الآية تنطبق أيضا على حوادث متعددة حصلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث كان العديد من الصحابة يعترض على حكم الله ورسوله، ومن تلك الحوادث حادثة اعتراض عمر بن الخطاب على حكم الله ورسوله في صلح الحديبية، ومنها اعتراضهم ورفضهم وكثرة لغطهم وصياحهم عندما حكم الله ورسوله أن يكون اثنا عشر إماما وخليفة للمسلمين كلهم من بني هاشم ومن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.


الصفحة 62
قال تعالى في سورة النور الآية 63 {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا، قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.

قال تعالى في سورة النساء الآية 65 {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.

قال تعالى في سورة محمد الآية 2 {والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم}.

لاحظ تطابق الآية في الموضوع والمضمون مع قوله تعالى في سورة المائدة.

الآية: 67 {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}. ولاحظ إرتباط الإيمان بما نزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وآله يوم الغدير بخصوص ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأنه هو الحق، وأن من آمن بولاية أهل البيت عليهم السلام ومضمون وموضوع حديث الثقلين، فإن الله تعالى يكفر عنهم سيئاتهم، ويبدلها بالحسنات.

وهكذا أخي الكريم لو نظرت في آيات غير التي ذكرنا، وحاولت أن تستكشف حقيقتها وحقيقة ارتباطها وتلازمها مع حديث الثقلين، فإنك سوف تتعرض لعشرات الآيات من القرآن الكريم تؤكد محورية الحديث في العقيدة والأحكام.

كتاب الله وعترتي أهل بيتي

ويستمر حديث الثقلين في تبيان حقيقة ما ترك رسول الله وخلف من بعده، وبين أنهما شيئين اثنين وقال في غير مره أنهما خليفتين، وقال أيضا ثقلين، وبين بشكل صريح واضح لا يمكن أن يخفى على أحد أنهما كتاب الله وأهل البيت وأنهما لن يفترقا ولن يتفرقا، وبين أن الواجب هو التمسك بهما معا، وأن من فعل ذلك فإنه لن يضل أبدا.


الصفحة 63
والقرآن الكريم هو كتاب الله تعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لابد له ممن يبينه ويبين معانيه وتأويل آياته ويهدي الناس إلى ذلك ويعلمهم إياه، لأنه لا يمكن لمن يقول حسبنا كتاب الله أن يفهم القرآن لمجرد أنه يقرأ القرآن أولمجرد أن يقتني ذلك الكتاب، فلو جاز ذلك لادعى الطب مثلا كل من قرأ كتب الطب من غير أن يدرسه على يد متخصص نحرير في ذلك المجال من طريق التلقين، فلا يجوز فهم أي علم ولا يمكن أن يكون بدون من يلقنه للآخرين.

ولذلك كان من لطف الله تعالى بالناس أن جعل القرآن وجعل معه الأئمة الطاهرين المعصومين الهداة المهديين وقرن بينهم، إذ لا يمكن أن يفهم القرآن بحسب ما يريد الله تعالى إلا بوجود من يكون عدلا للقرآن، وهم العترة الطاهرة.

ولذلك وردت النصوص الشرعية المتضافرة والتي توضح هذا المعنى، وأنه لا يمكن أن يترك القرآن من غير وجود من يبينه، لأنه إن صح ذلك فمن الممكن أن يأتي أي إنسان يدعي العلم والمعرفة ليحدد مفاهيم القرآن بحسب رأيه العاجز وميوله النفسية والشهوانية الباطلة.

ولا يمكن ذلك، وهو مالا يرضاه الله تعالى ورسوله، ولذلك حدد الشارع المقدس أن الكتاب وأهل البيت مقترنان لا ينفصلان ولا يمكن الأخذ بأحدهما دون الآخر لأنهما لا يفترقان حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحوض.

وقد نوه الله تعالى في القرآن وكذلك رسول الله من خلال الحديث الشريف بذلك المفهوم، وإليك بعض من تلك النصوص مع أنك سوف تجد أن أغلب ما ذكر من آيات وأحاديث في هذا البحث كلها تبين المعنى الذي حددناه.

قال تعالى في سورة الواقعة الآية 79 {لا يمسه إلا المطهرون} ومعنى الآية أنه لا يدرك معانيه الحقيقية كما يريد الله تعالى إلا أناس مطهرون من الله، أي أن الله تعالى أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولا يمكن لعقولنا القاصرة أن تعرف أولئك المطهرون إلا أن يعرفنا الله تعالى بهم، فإذا أردنا أن نعرف من

الصفحة 64
هم المطهرون؟. فإن الجواب من الله تعالى في آية التطهير من سورة الأحزاب الآية33 {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. والآية واضحة الدلالة بأن المطهرين الذين طهرهم الله تعالى تطهيرا هم أهل البيت عليهم السلام، وهم الذين حددت هويتهم الروايات عن النبي صلى الله عليه وآله في كل صحاح ومسانيد ومصادر المسلمين، وقال تعالى في سورة النحل {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}. وأهل الذكر هم عدل القرآن وهم أهل البيت عليهم السلام الذين نزل القرآن في بيوتهم، وأهل البيت أدرى بما فيه.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم (علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض). رواه الحاكم والطبراني والسيوطي عن أم سلمة.

وروى السيوطي في الدر المنثور قال أخرج ابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة، والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال: لما نزلت {إنما أنت منذر ولكل قوم هاد} وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال "أنا المنذر، وأومأ بيده إلى منكب علي عليه السلام فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي).

وقال صلى الله عليه وآله (ياعلي تقاتلهم على التأويل كما قاتلتهم على التنزيل).

وقال صلى الله عليه وآله (يا علي أنت تبين لأمتي ما يختلفون فيه من بعدي).

وقال صلى الله عليه وآله (علي مع الحق والحق مع علي).

وقال صلى الله عليه وآله (أقضاكم علي).

وقال صلى الله عليه وآله (لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني).

وقال صلى الله عليه وآله (أنا مدينة العلم وعلي بابها).

وقال صلى الله عليه وآله أيضا عن أهل البيت (لا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تتخلفوا عنهم فتضلوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).

ولذلك كان لابد من توضيح معاني الكتاب ومعاني أهل البيت عترة رسول الله الطاهرة، ثم أوجه التشابه والتكامل بينهما، لأنهما شيء واحد، فحقيقة أحدهما هي حقيقة الآخر.


الصفحة 65
وهذا ظاهر من الحديث عندما يقول أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وهو ظاهر من قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 181 {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}.

روى في الكافي: عن الإمام الصادق، والعياشي عن الإمام الباقر عليهما السلام في هذه الآية، هم الأئمة عليهم السلام.

وفي المجمع أيضا عنهما عليهما السلام قالا: نحن هم.

وروى في تفسير القمي قال هذه الآية لآل محمد عليهم السلام، وأتباعهم.

روى صدر الأئمة موفق بن أحمد بن عن أبي بكر بن مردويه بسنده إلى علي عليه السلام، قال: تفترق هذه الأمة ثلاثاً وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة فإنها في الجنة، وهم الذين قال الله عز وجل في حقهم: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} وهم أنا وشيعتي. ورواه في كشف الغمة وفي بحار الأنوار.

وروى في شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: قوله تعالى {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} الأعراف الآية 181 نزلت في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وعن أبي بصير قال: تلا أبو جعفر الباقر عليه السّلام هذه الآية {بَلْ هو آياتٌ بيّناتٌ في صدورِ الذينَ أُوتُوا العلم}. فقلت: أنتم هم؟ قال أبو جعفر عليه السّلام: مَن عسى أن يكونوا ونحن الراسخون في العلم؟.

أما من هم أهل البيت المقصودون في حديث الثقلين؟.

فهذا أمر لابد للشارع المقدس من تحديد معناه وتوضيحه، لأنه لا يمكن للبشر الذين تتجاذبهم الأهواء والرغبات النفسانية، أن يُترك لهم تحديد أئمتهم وولاة أمرهم الذين يتحدد بهم الهدى من الضلال، ويتعلق بهم أمر الدين، ويرتبط بهم مصير الأمة.


الصفحة 66
ولذلك تكفل رب العزة بتعريفهم وإظهارهم للناس كافة، طوال فترة حياة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وبشكل واضح لا يقبل الإلتباس، وتمتنع معه تأويلات المتشككين والمشككين المبغضين، الذين حاولوا بكل ما أوتوا من قوة أن يصرفوا معنى أهل البيت إلى معان أخرى لا يرضاها الله تعالى ولا يرضاها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ولقد بينت في كتابي سبيل المستبصرين حقيقة أهل البيت عليهم السلام، وأن عبارة أهل البيت هي اصطلاح شرعي وضع الشارع المقدس له معنى خاصا أخرجه عن معناه اللغوي، وذلك مثل لفظة الصلاة في اللغة وتعني الدعاء، لكن الشارع المقدس أضفى على كلمة الصلاة معنى شرعيا خاصا صارت الكلمة تعرف به وهو الصلاة الشرعية وماتحويه من ركوع وسجود وقراءة وتسبيحات وصلاة على رسول الله وأهل البيت عليهم الصلاة والسلام، ولذلك صار للعبارة معنى شرعيا خاصا لايجوز أن يصرف عنه إلى غيره.

ولقد بين مراجعنا العظام وعلمائنا الأفاضل حقيقة أهل البيت وفضائلهم من خلال عشرات المؤلفات، ولكنني في هذا المقام أعرض بعض الأدلة من القرآن والحديث ليتبين للقارئ العزيز وبشكل مختصر من هم أهل البيت. حيث تتجلى الحقيقة الشرعية لأهل البيت عليهم السلام من خلال آية التطهير وآية المباهلة وغيرها من الآيات.

قال تعالى في سورة الأحزاب الآية 33 {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.

روى الطبري في جامع البيان عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (نزلت هذه الآية في خمسة: فيَ، وفي علي، وحسن، وحسين عليهم السلام، وفاطمة عليها السلام) {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}.

وروى الطبري وغيره عن أبي سعيد الخدري، عن أم سلمة، قالت: لما نزلت هذه الآية: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}