الصفحة 15

(1) إبـراهيم تِمبـو
(شافعي / مالاوي)




ولد عام 1977م بمنطقة " مانغاش " في مالاوي(1)، نشأ في أسرة مسلمة شافعية المذهب، وتلقى دراسته الابتدائية في مسقط رأسه.

تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)عام 1997م في عاصمة بلده.

البحث عن الحقيقة في المتاهات:

يقول الأخ إبراهيم: " كنت منذ طفولتي باحثاً عن الحق، وكنت اتطلع لاكتشاف الحقيقة، فكان هذا الأمر قد فتح أمامي آفاقاً رحبة في دنيا النقاش والحوار مع الآخرين، ولم ينغلق ذهني على الأفكار الجامدة المحدّدة بعينها، بل كنت أتشوق لمعرفة كل جديد، وألتقط كل حكمة ظريفة.

كان يطرق سمعي في الأثناء أنّ الحقّ مع المسيحيين، وأنّ المسيح(عليه السلام)هو

____________

1- مالاوي: تقع في جنوب أفريقيا مطلة على بحيرة ملاوي، تحيطها تنزانيا وزامبيا وموزمبيق، يبلغ عدد سكانها (15) مليون نسمة، يشكل المسلمون نسبة 35% منهم والباقي فمن المسيحيين وباقي الديانات، أمّا الشيعة فيقدر عددهم قرابة الخمسة الآف من المهاجرين وأهل البلد.


الصفحة 16
المخلص والمنجي، وأنّه صُلبَ لينقذ البشرية من الخطايا والأوزار، فقررت أن أبحث في الديانة المسيحية، فذهبت إلى كنائسهم واستمعت إلى عظات قساوستهم، ودخلت في مناقشات مستعصية معهم، لكن كانت النتيجة أنّني لم أقتنع بكثير من عقائدهم وخاصة قولهم بأنّ المسيح هو الله أو هو ابن الله! ولم يتقبلها عقلي أبداً، حتى قرّرت الابتعاد عنهم فإنّي لم أجد بغيتي عندهم ولم أجد لنهجهم العقائدي قابلية لايصالي إلى بارئي.

البحث في دائرة الإسلام والتشيع بالخصوص:

بعد هذا المشوار قلت في سريرة نفسي: لماذا لا أتحقق في دائرة الإسلام وأبحث عن ضالتي فيه الذي هو ديني؟ ولماذا أبحث عن الحقيقة في متاهات بعيدة، وأنا بعدُ لم أعرف حقيقة ديني وجوهر عقيدتي؟! فشمرت عن ساعد الجد لدراسة الإسلام، وخلفت ورائي ما ضاع من عمري وأنا مسلم بالاسم فقط، تهزني أبسط دعايات المبشرين.

وكانت البداية بأن شرعت بتعلّم اللغة العربية حتى أحسنت قراءة القرآن، هذا الينبوع الصافي الذي لابد لكل مسلم أن يقرأه ويتعلمه ويهتدي بهديه.

بعد ذلك سمعت بمذهب إسلامي يدعى بالتشيع، فاستفسرت عنهم؟ فقالوا لي: إنّهم كفار ومشركون يعبدون الإمام عليّ(عليه السلام)، ويعبدون القبور ومن فيها!، وقال لي آخرون: إنّهم إحدى الفرق الإسلامية التي لها تاريخ طويل وماض عريق!

فتحيرت في أمرهم ودفعني حبّ الاستطلاع لأتعرف عليهم، فواصلت البحث في هذا المجال، ولفت انتباهي بأن رأيت مجموعة كبيرة من الشباب تخشى الالتحاق بالمدرسة الشيعية الموجودة في العاصمة خوفاً على أنفسهم من

الصفحة 17
الضلال والانحراف! وذلك لتأثرهم بالكلام الذي كان يقال عن الشيعة، لكنّني توكلت على الله سبحانه وعزمت على الجدّ لأكتشف حقيقة الأمر بنفسي.

وبعد مضي فترة من الدراسة في المدرسة الشيعية تبيّنت لي الكثير من الأمور التي كانت خافية عليّ، وبدا لي الحقّ الذي كنت أبحث عنه، وابتسم لي ثغر الحقيقة الذي كنت أتلهف للثمه والارتشاف من رحيقه.

فعرفت أنّ الحقّ مع أهل البيت(عليه السلام)، وأنّ معظم ما كان يقال عن الشيعة لم يكن له صحة في الواقع، وأنّ ما يتهمونهم به من اشراك غير الله في عبادتهم لاواقع له، وإنّا لو نظرنا إليهم بعين الإنصاف لوجدناهم من أهل التوحيد الحقيقي والعبادة الخالصة لوجه الله دون غيره ".

التوحيد والشرك:

إنّ العبادة لا تكون إلاّ لله وحده لا شريك له، وهذا الأمر هو من ضروريات الدين والمجمع عليه بين كل المسلمين، فمن عبد غير الله فهو كافر مشرك سواء عبد حجارة الأصنام أو عبد صالح الأنام، والقرآن الكريم صريح في ذلك.

فالمسلم يقرأ كل يوم في صلاته عشر مرات: (إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ)(1)، ويقرأ في سورة التوبة: (وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ)(2)، ويقرأ في سورة يوسف: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ)(3)، ويقرأ في سورة الزمر: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ

____________

1- الفاتحة: 5.

2- التوبة: 31.

3- يوسف: 40.


الصفحة 18
كَفّارٌ)(1)، ويقرأ فيها أيضاً: (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي )(2)، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

معنى العبادة:

لقد عرّف أهل اللغة العبادة بتعاريف متقاربة، فقد قال ابن منظور في لسان العرب: " أصل العبودية: الخضوع والتذلل "(3).

وقال الراغب في المفردات: " العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها ; لأنّها غاية التذلل، ولا يستحق إلاّ من له غاية الأفضال وهو الله تعالى، ولهذا قال: (وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ)(4)"(5).

وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط: " العبادة: الطاعة "(6).

وتعريف العبادة بالطاعة والخضوع، أو غاية الخضوع والتذلّل هو تعريف بالمعنى الأعم ; لأنّ احترام الولد لوالده وطاعته له واحترام التلميذ لأستاذه وخضوعه أمامه، بل تذلّل الجندي أمام قائده كل ذلك لا يعد عبادة مطلقاً مهما بولغ في الخضوع والتذلّل، فلو قبّل الولد أقدام والديه فلا يدعي أحد أنّ عمله هذا عبادة منه لوالديه، بل على العكس نجد القرآن يقول: (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)(7).

____________

1- الزمر: 3.

2- الزمر: 14.

3- لسان العرب لابن منظور: 3 / 271.

4- الإسراء: 23.

5- مفردات غريب القرآن، باب العين: 319.

6- القاموس المحيط: 311.

7- الإسراء: 24.


الصفحة 19
ومن الأدلّة الواضحة على أنّ الخضوع المطلق لا يعد عبادة، هو أمر الله سبحانه للملائكة بالسجود لآدم، وقد قال تعالى: (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ)(1) فسجدوا لآدم ولم يكن سجودهم عبادة، لأنّ الله قد نهى جميع الأنبياء من آدم(عليه السلام)إلى الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)عن الشرك، فقال سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّة رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ)(2)، وقال سبحانه: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول إِلاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ)(3)، إذن لابد أن يكون للعبادة مقوّم آخر غير موجود في مثل سجود الملائكة لآدم، أو سجود يعقوب وولده ليوسف كما في قوله تعالى: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا)(4).

وكذا أمره سبحانه وتعالى للمسلمين بالطواف بالبيت الذي بُني من الطين والحجارة، فقال سبحانه: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(5)، والسعي بين الصفا والمروة، بقوله: (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما)(6)، فهل الطواف حول الطين والحجارة والسعي بين الجبال عبادة لها؟!.

أضف إلى ذلك أنّ الله سبحانه أمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، فقال: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(7)، ولا شك أنّ الصلاة إنّما تكون لله، لكنّ

____________

1- البقرة: 34.

2- النحل: 36.

3- الأنبياء: 25.

4- يوسف: 100.

5- الحج: 29.

6- البقرة: 158.

7- البقرة: 125.


الصفحة 20
إقامتها في مقام إبراهيم ـ الذي يرى فيه آثار قدميه ـ هو تكريم لأبي الأنبياء وليس عبادة للمقام.

ومن مجموع ما تقدم يتبيّن أنّ ليس كلّ تكريم وخضوع واحترام هو عبادة، وإلاّ للزم أن نعتبر جميع البشر بما فيهم الأنبياء (سلام الله عليهم) مشركين لأنّهم كانوا يحترمون من يجب احترامه!.

تعريف العبادة:

قد ذكرت عدّة تعريفات للعبادة، ويمكن القول بأنّ أفضل هذه التعاريف وأجمعها هو التعريف الآتي: " هي الخضوع عن اعتقاد بالوهية المعبود وربوبيته واستقلاله في فعله "(1).

ويستفاد من هذا التعريف أنّ للعبادة عنصران مقومان:

1 ـ خضوع لفظي أو عملي.

2 ـ عقيدة خاصة تدفع إلى الخضوع.

فالخضوع اللفظي يكون بالكلام الدال على التذلل للمعبود، والخضوع العملي يكون بعمل خارجي كالركوع والسجود مما يدل على ذلته وخضوعه لمعبوده، أمّا العقيدة فهي عبارة عن اعتقاد بالوهية المخضوع له واعتقاد بربوبيته واعتقاد باستقلاله في فعله.

الاعتقاد بالإلوهية:

إنّ الاعتقاد بالالوهية لا يكون إلاّ لله، فإذا كان لغيره يكون شرك، ويتضح هذا الكلام عندما نعرف أنّ الموحدين والوثنيين جميعاً يعتقدون بالوهية

____________

1- أنظر: مفاهيم القرآن للعلامة جعفر سبحاني: 1 / 404.


الصفحة 21
معبوداتهم سواء كان إلهاً صادقاً أم كاذباً، كبيراً أم صغيراً، وهذا المعنى هو المقوّم لصدق العبادة، وحيث أنّ العبادة لا يستحقها إلاّ من كان إلهاً، نرى القرآن يؤكد بأنّه لا إله إلاّ الله حتى تتخصص العبادة به سبحانه دون غيره، فيقول جلّ وعلا: ( الَّذِينَ يَجعَلونَ مَعَ اللهِ إلَهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلمُونَ )(1)، ويقول تعالى: (وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَـهاً آخَرَ )(2)، ويقول تعالى: (وَاتَّخذُوا مِن دُونِ اللهِ ءَالِهَةً لِّيَكوُنُواْ لَهُمْ عِزّاً )(3)، ويقول تعالى: ( أئِنّكُم لَتَشْهَدُونَ أنَّ مَعَ اللهِ ءالِهةً أُخْرَى )(4)، إذن فغير الله لا يستحق العبادة لأنّها من شؤون الإلوهية ومن خصائصه سبحانه لا غير.

ولذا نرى خضوع المحب لمحبوبه لا يعد خضوعاً عن عبادة، لأنّه لم يصدر عن الاعتقاد بالإلوهية.

معنى الإله في القرآن:

إنّ الآيات الدالة على وحدة الإله صريحة في أنّ المراد من الإله، هو الخالق المتصرف المدبر الذي بيده أزمّة أمور الكون، كما في قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إلَـه إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إلَه بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعضُهُم عَلَى بَعْض )(5)، وقوله تعالى: ( لَو كَانَ فِيهِمَا ءالِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا )(6)، وقوله تعالى: (قُل لَّوْ كَانَ مَعهُ ءالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لابتَغَوْاْ إِلى ذِي الْعَرشِ سَبِيلا )(7).

____________

1- الحجر: 96.

2- الفرقان: 68.

3- مريم: 81.

4- الانعام: 19.

5- المؤمنون: 91.

6- الأنبياء: 22.

7- الإسراء: 42.


الصفحة 22

الاعتقاد بالربوبية:

الربوبية ـ من الرب ـ وهي الإصلاح والتدبير والتربية، والله سبحانه ربّ العالمين ( رَبُّ السَّمَواتِ وَالأَرِض )(1)، والعبادة من شؤون الله وحده دون غيره لأنّه سبحانه حصر الربوبية به دون غيره ( إنَّ اللهَ رَبِي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )(2)، و(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ )(3)، وقول المسيح (عليه السلام) في قوله تعالى: ( يبَنيِ إِسرَائيلَ اعْبُدُواْ اللهَ رَبّيِ وَرَبَّكُمْ)(4)، وعليه فالربّ هو من بيده مصير الخاضعين له وشؤونهم الدنيوية والأخروية من وجود وحياة وآجل وعاجل، والخضوع المقرون بهذا الاعتقاد يضفي عليه عنوان العبادة.

أمّا الاعتقاد باستقلال المخضوع له في فعله، فيعني كونه قائماً بنفسه لايفتقر ولا يحتاج إلى غيره، ومن هذا المنطلق إذا خضع الإنسان لموجود وهو لا يرى الاستقلالية في وجوده وفعله، فلا يكون خضوعه عبادة لذلك الموجود، فالعبادة هي الخضوع أمام موجود مع الاعتقاد بأنّه مستقل في ذاته.

الفرق بين التكريم والعبودية:

يستنتج مما تقدم: إنّ الشعائر والطقوس التي يقوم بها شيعة أهل البيت(عليهم السلام)ومعظم المسلمين من تعظيم قبور الأئمة والأولياء والصلحاء ليست عبادة لغير الله، وإنّما هي من مصاديق التكريم والاحترام، لأنّها لم تنطلق من اعتقادهم بالوهية عباد الله الصالحين ولا ربوبيتهم على نحو الاستقلال، بل تنطلق عن الاعتقاد

____________

1- الصافات: 5.

2- آل عمران: 51.

3- الأنبياء: 92.

4- المائدة: 72.


الصفحة 23
بكونهم عباد مكرّمون يجب احترامهم.

فالتبرك وتقبيل الأضرحة وأبواب المشاهد التي تضم أجساد الأنبياء والأولياء لا يعد عبادة لصاحب القبر والمشهد لفقدان مقومها، وإنّ إقامة الصلاة في مشاهد الأولياء تبركاً بالأرض التي تضمنت جسد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أو الإمام(عليه السلام)، في الحقيقة هو كالتبرك بالصلاة عند مقام إبراهيم اتباعاً لقوله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)(1).

وكذا التوسل والاستغاثة والتشفع بالأولياء لا يعد عبادة، لعدم الاعتقاد بالوهيتهم وربوبيتهم، بل يعدّ من التوسل بالأسباب، لأنّ الله سبحانه جرت حكمته أن يقضي حوائج عباده ببركتهم وشفاعتهم، وذلك لأنّهم مقربون لديه مكرمون عنده، قد أذن الله لهم بالشفاعة بإذنه، فقال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ)(2).

درء شبهة الشرك بالعبادة:

من هنا يتبين أنّ تشبيه القائمين بهذه الأعمال من المسلمين بالوثنيين تشبيه في غير محله، وقياس مع الفارق، لأنّ الوثنيين كانوا يعبدون الأصنام على أنّها أرباب مستقلة لها التصرف في الكون، فهي التي تمطر الناس إذا استغاثوا بها وتدفع البلايا عنهم إذا دعوها واستنجدوا بها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: (مِنْ دُونِهِ) في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ

____________

1- البقرة: 125.

2- البقرة: 255.


الصفحة 24
زُلْفى...)(1).

فكان اعتقادهم أنّ هؤلاء الأرباب يقربونهم إلى الله، وهو الإلـه الكبير عندهم الذي خلق الكون وأوجده ثم فوض أمر التدبير فيه إلى هذه الأرباب المزعومة، وأين هذا مما يفعله المسلمون من عبادة الله وحده لا شريك له عند مقامات الأولياء وأضرحتهم!.

والقياس الصحيح والتشبيه الوجيه، هو أن يقاس زائري الأضرحة والطائفين حولها بالطائفين حول الكعبة والبيت الحرام والساعين بين الصفا والمروة، فالطائف حول البيت العتيق والساعي بين الصفا والمروة لم يعبد الأحجار وإنّما عبد الجبّار الذي اصطفى هذه الأماكن ودعا إلى عبادته فيها، وهكذا حال زائر قبر الولي وإن افترى من افترى بتشبيه عبّاد الرحمن بعبّاد الأوثان.

الاهتداء بنور معارف أهل البيت(عليهم السلام):

يقول الأخ إبراهيم: " بمرور الأيام إزدادت بصيرتي وارتقى مستواي المعرفي بعلوم ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)، فلهذا قرّرت بعد إكمال دراستي الأكادميّة في عاصمة بلدي أن أنتقل إلى إحدى الحوزات العلمية الشيعيّة، لأرتشف من علوم آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فاستطعت بعد ذلك ـ بحمد الله ـ أن أشيّد خزين معرفي واسع في قلبي من علوم أهل البيت(عليهم السلام)، وقد أعانني هذا الرصيد العلمي كثيراً لأعبر أشواط الحياة، متخطياً كل الصعاب بعزم راسخ وإرادة لا تلين ".

____________

1- الزمر: 3.


الصفحة 25

(2) إبـراهيم مختار سماكي
(مالكـي / مالي)




ولد عام 1967م في مدينة " باماكو " عاصمة جمهورية مالي(1).

تحوّل من المذهب المالكي وتشرف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام)عام 1991م في دولة " غانا ".

بداية التعرف على التشيع:

يقول الأخ إبراهيم: " نشأت في أوساط عائلة سنّية تعتنق المذهب المالكي، فتلقيت أفكار ورؤى البيئة التي كانت تحيطني، وقبل اكمالي للمرحلة الثانوية في المدارس الأكاديميّة سافرت إلى غانا لأحمل على عاتقي مهمة تدريس المواد الإسلامية المختلفة هناك، فأمضيت مدّة خمس سنوات في هذا المجال، وخلال تواجدي في غانا طرق سمعي وجود مذهب يسمى بالشيعة، وقد قيل لي: إنّهم يختلفون عن أبناء العامة بأمور كثيرة، وأنّ أذانهم وصلاتهم وقرآنهم

____________

1- جمهورية مالي: تقع ضمن دول غرب افريقيا، يبلغ عدد سكانها قرابة (12) مليون نسمة، يشكل المسلمون 90% منهم أغلبهم على المذهب المالكي، أمّا أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)فعددهم بحدود مائة ألف نسمة.


الصفحة 26
و... يختلف عما عندنا!

وبدافع المعرفة والاطلاع على هذه الطائفة بدأت بتتبع مراكزهم وجمع كتبهم والاحتكاك بهم... وكنت أقارن بينهم وبين أبناء العامة لا سيّما المالكية، وأوّل ما واجهت من خلال المطالعة والتتبع في كتب الشيعة ومعرفة تراثهم أنّهم قد تعرّضوا للفرية والتشنيع، إمّا بسبب العداء الطائفي، وإمّا بسبب عدم الاطلاع على تراثهم، والحقيقة أنّ كلا الأمرين مخجل!

ولقد كانت لكتبهم ـ لا سيّما كتب المستبصرين ـ دور كبير في فتح آفاقي الفكريّة، وتوسيع إدراكي في فهم الحوادث التاريخيّة، خصوصاً تلك التي تلت وفاة النبيّ الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع هذا كنت أرجع إلى الصّحاح لأتحقق بنفسي، لأنّ دأب الشيعة كان الاستدلال بكتب أبناء العامة وذكر ماورد فيها.

ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) في القرآن والسنة:

ومن المسائل التي استوقفتني كثيراً وجعلتني أبحث عنها بدقّة، هي ولاية الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من خلال القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهّرة، فهنالك آيات كالمباهلة والإنذار والتبليغ و...، وأحاديث كالمنزلة والثقلين والطير والغدير و...، دلّت بشكل قاطع على إمامته ووجوب تقديمه والاقتداء به ".

وهذه النصوص القرآنية والنبوية وردت بشكل واضح، وذكرها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في مواقف متعدّدة، وذلك ليرسخ حقيقة ثبوت الإمامة لأمير المؤمنين(عليه السلام)، وتتجلى هذه الحقيقة لكلّ مسلم لو أمعن النظر في هذه الآيات والأحاديث التي منها:

1 ـ قوله تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ

الصفحة 27
وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ)(1).

وهي نازلة في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام)، كما جاء في كتب الحديث والتفسير والفقه، ونصّ عظماء الجمهور على تواتر هذا الخبر وصحّته والركون إليه، كأصحاب الصحاح وغيرهم(2)، وأجمعوا على أنّها نزلت في حقّ الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه أثناء الصلاة(3).

ووجه دلالتها على الإمامة: هو أنّ الله تعالى أثبت الولاية له ولرسوله ولمن آتى الزكاة في حال ركوعه، وذلك ظاهر من سياق الآية، والذي آتى الزكاة هو أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره، كما ثبت من إجماع أهل النقل، والمراد من الولاية هنا ملك التصرّف، وهذا معنى الإمامة.

2 ـ قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(4).

حيث أمر الله تعالى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينصّب عليّاً للناس وتبيان فضله ومكانته يوم الغدير، وقد أخرج ذلك متواتراً أئمة التفسير والحديث والتاريخ، وروى هذه الحادثة مائة صحابي! حيث خطب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بمحضر مائة ألف من المسلمين أو

____________

1- المائدة: 55.

2- إنّ هذا ممّا اتفق عليه المفسّرون وغالب المحدّثين في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام): كابن الأثير الجزري في جامع الأصول: 8 / 499 (6515)، والواحدي في أسباب النزول:201 (396)، والطبري في الرياض النضرة: 2 / 179 (1617)، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 42 / 357، والنسائي في سننه: 5 / 135 (8481)، وابن أبي حاتم الرازي في التفسير الكبير: 4 / 383، الطبراني في المعجم الأوسط: 4 / 357 (6232).

3- من الذين اعترفوا بإجماع المفسّرين على نزول الآية في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام) بخصوص هذا الموقف: القاضي الايجي في كتابه المواقف: 3 / 601، والشريف الجرجاني في شرح المواقف: 8 / 360، وسعد الدين التفتازاني في كتابه شرح المقاصد: 5 / 270.

4- المائدة: 67.


الصفحة 28
يزيدون، وقال فيما قال: " من كنت مولاه فعليّ مولاه..."، وقد احتجّ بذلك الكثير من الصحابة وأهل البيت(عليهم السلام) (1).

3 ـ قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دِيناً)(2).

وقد روى الجمهور أنّ هذه الآية نزلت يوم غدير خم بعد أن أخذ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)البيعة لعليّ(عليه السلام)، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ بن أبي طالب من بعدي، ثمّ قال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه... "(3).

والمولى في اللغة بمعنى أولى، والأولى هو الأحقّ والأملك، وذلك معنى الإمامة.

4 ـ قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(4).

وقد ذكر المفسّرون(5)، وروى الأئمّة كأحمد وغيره أنّها نزلت في رسول

____________

1- أنظر: شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 192 (249)، الدرّ المنثور للسيوطي: 3 / 19، فتح القدير للشوكاني: 2 / 60، روح المعاني للآلوسي: 3 / 359، التفسير الكبير للفخر الرازي: 4 / 401، فرائد السمطين للجويني: 1 / 158 (120)، عمدة القاري للعيني: 18 / 276، ينابيع المودة للقندوزي: 1 / 159.

2- المائدة: 3.

3- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 3 / 19، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 158 (213)، تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 289 (4392)، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152، مناقب الخوارزمي: 135 (152)، تاريخ ابن عساكر: 42 / 237، وذكرها ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير: 1 / 17، وغيرها.

4- الأحزاب: 33.

5- أنظر: ابن كثير في تفسير القرآن العظيم: 3 / 486، الطحاوي في مشكل الآثار: 1 / 222 ـ 238، الحسكاني في شواهد التنزيل: 2 / 10 (637)، ابن جرير الطبري في تفسيره: 22 / 5 ـ 8، السيوطي في الدرّ المنثور: 6 / 604.


الصفحة 29
الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) (1).

وفيها إخبار من الله تعالى بإرادته إذهاب الرجس عنهم، والرجس هنا هو رجس الذنوب، وأقله طهارتهم وصدقهم.

ولقد أجمعوا ـ أي المخصوصين بالآية ـ على أنّ الإمامة لأمير المؤمنين(عليه السلام)، وإجماعهم هذا حجّة واجبة الاتباع، إضافة إلى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام)طالب بالخلافة ليقوم بشؤونها، فتكون مطالبته صادقة وصحيحة.

5 ـ قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ)(2).

وقد تواترت الأخبار عن عبد الله بن عبّاس وغيره، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أخذ يوم المباهلة بيد عليّ والحسن والحسين وجعلوا فاطمة وراءهم(3)، كما أجمع المفسّرون(4) على أنّ (أَبْناءَنا) إشارة إلى الحسن والحسين(عليهما السلام)، (وَأَنْفُسَنا )إشارة إلى الإمام عليّ(عليه السلام)، فقد جعله الله تعالى نفس النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو

____________

1- أنظر: مسند أحمد: 6 / 292 (26551)، صحيح مسلم: 4 / 1883 (2424)، المستدرك للحاكم: 3 / 158 (4705)، سنن الترمذي: 5 / 262 (3205 ـ 3206)، 6 / 125 (3787)، 174 (3871)، الصواعق المحرقة لابن حجر: 2 / 421.

2- آل عمران: 61.

3- أنظر: صحيح مسلم: 4 / 1871 (2404)، مسند أحمد: 1 / 185 (1608)، سنن الترمذي: 6 / 86 (3724)، تحفة الأحوذي: 8 / 278 (3186)، مستدرك الحاكم: 3 / 163، سنن البيهقي: 7 / 101 (13392).

4- أنظر: تفسير الطبري: 3 / 300، تفسير ابن كثير: 1 / 379، تفسير الدرّ المنثور للسيوطي:2 / 231، الكشّاف للزمخشري: 1 / 564، أسباب النزول للواحدي: 61 (209).


الصفحة 30
المساوي له في الكمال والتصرّف و...

وهذه الآية أدلّ دليل على علوّ رتبته(عليه السلام)وأحقيّته بالخلافة، لأنّ الباري حكم بمساواته لنفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف يسوغ لمسلم أن يقدّم أحداً على نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

ولهذا ترى أمير المؤمنين(عليه السلام) استدلّ بهذه الآية عندما احتجّ في الشورى على الحاضرين بجملة من فضائله ومناقبه و...، وكانت آية المباهلة من صميم تلك الاحتجاجات.

6 ـ قوله تعالى: (... إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْم هاد)(1).

وقد روى الجمهور عن ابن عبّاس قوله: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا المنذر وعليّ الهادي، وبك يا عليّ يهتدي المهتدون "(2).

ودلالتها ليست مقصورة على أصل الهداية، بل على كمال الهداية.

والملفت هنا أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر فلا منذر معه في وقته، فكذلك الهادي فلا هادي معه في وقته.

7 ـ قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً...)(3).

فلم يعمل بذلك أحّد من الصحابة إلاّ عليّ(عليه السلام) إلى أن نسخت(4)، وهي تدلّ

____________

1- الرعد: 7.

2- أنظر: المستدرك للحاكم: 3 / 140، التفسير الكبير للرازي: 7 / 14، تفسير فتح القدير للشوكاني: 3 / 70، تفسير الطبري: 13 / 108، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 296، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 293 (398)، فرائد السمطين للجويني: 1 / 148 (112). 3- المجادلة: 12.

4- أنظر: تفسير الطبري: 28 / 19، أحكام القرآن للجصاص: 3 / 428، أسباب النزول للواحدي: 432، سنن النسائي: 5 / 152 (8537)، الدرّ المنثور للسيوطي: 8 / 84، التفسير الكبير للرازي: 10 / 495، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 299، تفسير ابن كثير: 4 / 318، الرياض النضرة للطبري: 2 / 146 (1483)، مستدرك الحاكم: 2 / 523 (3794)، وغيرها.


الصفحة 31
على أفضليته بمسارعته إلى قبول أمر الله عزّوجلّ والعمل به، وبالخصوص بعد أن بخل الآخرين.

8 ـ قوله تعالى: ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الاْخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ )(1).

فقد روى علماء الجمهور أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(2)، لبيان أفضليّته على الجميع، والأفضل هو الأولى بالإمامة.

9 ـ قوله تعالى: ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ )(3).

وقد أجمع المفسّرون أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) لمّا خرج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)مهاجراً إلى المدينة، فخلفه لقضاء دينه وردّ ودائعه(4)، وأصغر دلالاتها فضله واجتهاده في طاعة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وبذل النفس له.

____________

1- التوبة: 19.

2- أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 4 / 146، تفسير ابن كثير: 2 / 341، تفسير الطبري: 10 / 96، جامع الاصول لابن الأثير: 8 / 663 (6514)، التفسير الكبير للرازي: 6 / 12، أسباب النزول للواحدي: 248 (494)، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 277.

3- البقرة: 207.

4- أنظر: شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 96 (133 ـ 137)، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 273، التفسير الكبير للفخر الرازي: 2 / 350، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 40، فرائد السمطين للجويني: 1 / 330 (256)، تاريخ دمشق لابن عساكر: 42 / 68.


الصفحة 32
10 ـ قوله تعالى: (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ اْلأَكْبَرِ)(1).

فقد ورد في مسند أحمد وغيره: هو عليّ(عليه السلام) حين أذّن بالآيات من سورة البراءة، حيث أنفذها النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مع أبي بكر وأتبعه(صلى الله عليه وآله وسلم) بعليّ(عليه السلام)، فرّده ومضى علي(عليه السلام)، وقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): " قد اُمرت أن لا يبلّغها إلاّ أنا أو واحد مني "(2).

والوجه في فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بإنفاذ الأوّل وردّه بعدها، لا يخرج بعد لحاظ التنزيه عن العبث والهوى، إلاّ تنبيهاً لفضل الثاني وتنويهاً بأسمه وتشخيصه للناس.

وأمّا السنّة فالأخبار المتواترة فيها عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والدالّة على إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) أكثر من أن تحصى، وقد روى جمهور أبناء العامة وأصحاب الأئمّة(عليهم السلام) هذه الأحاديث في مصنّفاتهم، وذكروها في مرويّاتهم، ونقتصر على نزر يسير منها:

الأوّل: عن سلمان قال: " يا رسول الله من وصيّك؟... قال(صلى الله عليه وآله وسلم): فإنّ وصيّي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي عليّ بن أبي طالب "(3).

الثاني: قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ(عليه السلام): " أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة

____________

1- التوبة: 3.

2- أنظر: مسند أحمد: 3 / 283 (14051)، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 235 (315)، الدرّ المنثور للسيوطي: 4 / 122، مجمع الزوائد للهيثمي: 7 / 29، تفسير ابن كثير: 2 / 333، التفسير الكبير للرازي: 5 / 523، البداية والنهاية لابن كثير: 7 / 250، ذخائر العقبى للطبري: 69.

3- أنظر: فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 615 (1052)، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 113، كفاية الطالب للكنجي: 293، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 77 (115)، الرياض النضرة للطبري: 2 / 199 (3ـ1374)، ذخائر العقبى للطبري: 71، المعجم الكبير للطبراني: 6 / 221 (6063).


الصفحة 33
هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي "(1).

وفي رواية أحمد، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " اللهمّ إنّي أقول كما قال أخي موسى اللهم إجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً أخي، أشدد به أزري وأشركه في أمري... "(2).

فقد أثبت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ(عليه السلام) جميع منازل هارون من موسى إلاّ النبوّة، ومن منازله الخلافة والشركة في الأمر وذلك معنى الإمامة.

الثالث: أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ(عليه السلام)، فتكلّم الناس! فخطب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمّ قال: " فإنّي أمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليّ فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته! إنّما أُمرت بشيء فاتبعته "(3).

الرابع: ورد عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " إنّ عليّاً منّي وأنا من عليّ، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي "(4).

الخامس: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "...إنّ طاعة عليّ من طاعتي، وطاعتي

____________

1- أنظر: صحيح مسلم: 4 / 1871 (2404)، صحيح البخاري: 4 / 1602 (4154)، مسند أحمد: 1 / 177 (1532)، سنن الترمذي: 6 / 86 (3724)، سنن النسائي: 5 / 112 (8409)، وغيرهم.

2- أنظر: فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 678 (1158)، وأنظر: تاريخ ابن عساكر: 42 / 52، الرياض النضرة للطبري: 2 / 101 (1301)، ذخائر العقبى للطبري: 63، الدرّ المنثور للسيوطي: 5 / 566، نور الأبصار للشبلنجي: 118، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 368 (510).

3- أنظر: مسند أحمد: 1 / 175 (1511)، مستدرك الحاكم: 3 / 135 (4631)، سنن الترمذي: 6 / 91 (3732)، المعجم الأوسط للطبراني: 3 / 82 (3930).

4- أنظر: مسند أحمد: 4 / 437، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 605 (1035)، حلية الأولياء لأبي نعيم: 6 / 294، مستدرك الحاكم: 3 / 119 (4579)، صحيح ابن حبان: 15 / 373 (6929)، سنن النسائي: 5 / 45 (8146)، الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 109، سنن الترمذي: 6 / 78 (3717).