الصفحة 245
الاختلاف وقاس فأحسن القياس "(1).

والجدير بالذكر أنّ أبا حنيفة قد تتلمذ على يد الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)مدّة عامين، ذكرها كل من ترجم له حتى اشتهرت مقولته: " لولا السنتان لهلك النعمان "(2) كشهرة الكعبة بأنّها بيت الله الحرام.

وعندما أحكم العباسيون السيطرة على مقاليد الأمور متخذين العراق مركزاً لهم، جعلوا الفتيا والقضاء بيد أهل الرأي، ولمّا ولّي أبو يوسف ـ وهو من أشهر تلامذة أبي حنيفة ـ منصب قاضي القضاة، عمل على نشر مذهب أستاذه، لما له من مكانة في الدولة ومنزلة عند هارون الرشيد، بحيث كان هارون لا يعيّن قاضياً أو مفتياً إلاّ بالرجوع إلى أبي يوسف(3)، وكان هذا يعيّن أهل نحلته في هذه المواقع الحساسة والخطيرة.

وإذا نظرنا إلى المقوّمات الذاتيّة للمذهب الحنفي، نجد أنّ ذلك يرجع إلى جهود أربعة من أصحاب أبي حنيفة، إذ هم الذين ألّفوا وهذّبوا مسائله، كما أنّهم خالفوه في كثير من المسائل ووسعوا دائرة المذهب في الحيل الشرعية! وهم:

1 ـ أبو يوسف القاضي، الذي خدم مذهب أبي حنيفة بقوّة نفوذه عند السلطان، وبتصنيفه للكتب وتبويب المسائل، وإدخال الحديث في فقه أبي حنيفة، حتى قال أحمد بن عمار بن أبي مالك: " سمعت أبي يقول:... ولولاه لم يذكر أبو حنيفة ولا ابن أبي ليلى لكنه نشر علمهما "(4).

____________

1- أنظر: مناقب أبي حنيفة للذهبي: 20، تبييض الصحيفة للسيوطي: 27، الخيرات الحسان في مناقب أبي حنيفة: 35.

2- أنظر: مختصر التحفة الإثني عشرية للأولسي: 8.

3- أنظر: كتاب المواعظ والاعتبار (خطط) المقريزي: 4 / 1449، الإنتقاء لابن عبد البر: 172.

4- أنظر: مناقب أبي حنيفة وصاحبية للذهبي: 43.


الصفحة 246
2 ـ محمّد بن الحسن الشيباني، الذي كان فطناً، فأصبح مرجعاً لأهل الرأي لما أحرزه من تقدّم عندهم، وألّف في المذهب الحنفي كتباً أصبحت المرجع الأوّل لأتباع هذا المذهب.

3 ـ زفر بن الهذيل، الذي كان أقيس أصحاب أبي حنيفة وأشهرهم عند أهل الرأي!.

4 ـ الحسن بن زياد اللؤلؤي، الذي كان قاضياً مصنّفاً للكتب على مذهب أبي حنيفة، إلاّ أن كتبه لم تكن بذلك الاعتبار عند الأحناف ككتب الشيباني.

المذهب المالكي:

ينسب إلى مالك بن أنس، الذي أخذ قسماً من علمه عن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، وأضطهد مالك أيام العباسيين كأبي حنيفة في أوّل الأمر، إلاّ أنّ المنصور الدوانيقي أعاره الاهتمام وأعطاه الاعتبار، فطرحه مرجعاً دينياً للدولة، وحمل الناس على اتخاذه إماماً لهم في الفقه(1)، فانتشر مذهبه لا بحسب مؤهلاته الروحية والعلمية، بل بحساب القوّة! وقد قال ابن حزم الأندلسي في ذلك: "مذهبان إنتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان: مذهب أبي حنيفة... ومذهب مالك عندنا... "(2).

وقد اعتمد مالك بعد كتاب الله تعالى وسنّة رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) على الإجماع والقياس والاستحسان وسدّ الذرائع وإجماع أهل المدينة، لأنّهم عنده أدرى بالسنّة وبالناسخ والمنسوخ، والعمل بقول الصحابي(3).

____________

1- أنظر: الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 2 / 193، معجم الادباء: 17 / 275.

2- أنظر: وفيات الأعيان لابن خلكان: 6 / 144.

3- أنظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين: 2 / 210، مناهج الاجتهاد لمحمّد سلام: 626 وما بعدها.


الصفحة 247
وله كتاب " الموطأ " الذي ألّفه أيّام المنصور، كما له مجموعة رسائل فقهية أيضاً جمعها تلميذه أسد بن فرات النيسابوري.

المذهب الشافعي:

منسوب لمحمد بن إدريس الشافعي، الذي ذاع صيته وكثر أتباعه في "مصر" أيّام صلاح الدين الأيوبي، الذي تبنّى هذا المذهب ليقضي بذلك على الفاطميين ومن والاهم! ولذلك كان محلاً لعناية السلطة التي رعته بشكل ملفت للنظر.

وقد أخذ الشافعي علمه عن جماعة أشهرهم مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وكان للشافعي منهج وسط بين منهج أصحاب الرأي ـ أتباع أبي حنيفة ـ ومنهج أصحاب الحديث، حيث أشار إلى منهجه بقوله: " الأصل قرآن وسنة، فإن لم يكن فقياس عليهما، وإذا اتصل الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وصحّ الإسناد منه فهو سنة، والإجماع أكبر من الخبر المفرد، والحديث على ظاهره... "(1).

المذهب الحنبلي:

ينسب إلى أحمد بن حنبل الذي بزغ نجمه أيّام المتوكّل العباسي الذي ذهب إلى القول بخلق القرآن، فقدّمه وأكرمه بعد أن كان مغضوباً عليه أيام المعتصم! وقد صحب أحمد فترة من الزمن الشافعي وأخذ عنه كما أخذ عن غيره.

وأدى تبنّي السلطات الحاكمة ـ أنذاك ـ إلى هذا المذهب في تعاظم نفوذ الحنبلية " ببغداد " وضواحيها، فأوقعوا بسائر أبناء المذاهب التي تخالفهم

____________

1- أنظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين: 2 / 223، مناهج الاجتهاد لمحمد سلام: 650.


الصفحة 248
التنكيل والأذى!.

ولم يحظ هذا المذهب باهتمام الناس، لتأخره عن المذاهب الثلاثة السابقة، فضاقت دائرة اتساعه حتى كاد أن يندرس، إلى أن بعث فيه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية الروح من جديد فأحييا مامات منه، وسار على منهجهما في ذلك النجدي محمّد بن عبد الوهاب!.

ولقد اعتمد أحمد في فتاواه على النصوص وما أفتى به الصحابة والأحاديث المرسلة والضعيفة والقياس والاستصحاب والمصالح المرسلة.

من هنا يتبيّن أن دعم السلطات في هذا المجال كان الركيزة الأساسية في انتشار المذاهب الأربعة التي يعتنقها أهل العامة، وإلاّ فهي فاقدة لقابلية الديمومة والاستمرار في ذاتها، ولولا هذا الدعم لكان مصيرها كمصير سائر المذاهب التي انقرضت، لأنّها لم تستمد استنباطاتها من القرآن والسنة فقط، بل اختلطت بها آراء الرجال ووجهات نظرهم!.

فيقرّ مالك في هذا الخصوص قائلا: " إنّما أنا بشر أخطيء وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما خالف فأتركوه "(1).

ويعترف أبو حنيفة بقوله: " هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خلافه قبلناه "(2).

ويذعن الشافعي بهذا أيضاً فيقول: " إذا صح الحديث بخلاف قولي،

____________

1- أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث 171): 327، جلاء العينين للآلوسي: 199، مجموعة الرسائل المنبرية: 3 / 105.

2- أنظر: مناقب أبي حنيفة للذهبي، باب قوله في الرأي: 21، مناقب أبي حنيفة للهيثمي الفصل الحادي عشر: 35.


الصفحة 249
فاضربوا بقولي الحائط "(1).

ويصرّح بذلك أيضاً أحمد بقوله لرجل: " لا تقلدني ولا تقلدن...، وخذ الأحكام من حيث أخذوا من الكتاب والسنة "(2).

فآراء الأئمة الأربعة ومقولاتهم هذه تؤكّد أنّ مذاهبهم لا قابلية لها في ذاتها على البقاء، بل كان بواسطة وصول أصحابها إلى سدّة السلطة كما قال الدهلوي: "فأيّ مذهب كان أصحابه مشهورين وأسند إليهم القضاء والإفتاء واشتهرت تصانيفهم في الناس، ودرسوا درساً ظاهراً انتشر في أقطار الأرض... وأيّ مذهب كان أصحابه خاملين ولم يولوا القضاء والإفتاء ولم يرغب فيهم الناس إندرس مذهبهم بعد حين "(3).

مذهب أهل البيت(عليهم السلام):

في خضم هذه الأجواء كان مذهب أهل البيت(عليهم السلام) ينشر ما عنده من علوم ومعارف حتى تمكّن أن يبقى قائماً بذاته، على الرغم من توجيه الحملات الظالمة له ولأتباعه الذين أصبحوا غرضاً للتهم، وكانوا في نظر السلطات خارجين عن الإسلام.

والواقع أنّ السبب الوحيد في بقائه وديمومته أستقائه التعاليم من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق العترة الطاهرة(عليهم السلام)، الذين تحمّلوا ما تحمّلوا في سبيل إبقاء مدرسة آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) شاخصة ومستقلة عن تأثير السلطات.

____________

1- أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 10 / 35، حجة الله البالغة للدهلوي: 1 / 292.

2- أنظر: حجة الله البالغة للدهلوي: 1 / 293.

3- أنظر: الإنصاف لوليّ الله الدهلوي: 15.


الصفحة 250

خصومة المذاهب الأربعة في ما بينها:

يقول الأخ رمضاني: " عند مراجعتي لسيرة أتباع المذاهب الأربعة وسلوكهم فيما بينهم وجدت ما أثار دهشتي! فإنّي كنت أظنّهم على وفاق في ما بينهم ـ باعتبارهم يرتشفون من منبع واحد وهو سنة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وإذا بي أجد الخلاف الناشب بينهم على مدى العصور ينبيء عن واقع مؤلم وخطير، حتى بلغ الحال بهم إلى تكفير بعضهم البعض، كما حدثت صدامات عنيفة أهدرت الدماء وضيعت الأموال وهتكت الأعراض فيها!

فتجلّت لي الحقيقة بأنّ الذين كنت أظنهم على منهاج واحد، أعداء متخاصمين يعامل بعضهم البعض الآخر معاملة الخارج عن الدين ".

وقد سجّل التاريخ شتّى الصراعات والإختلافات بين أتباع المذاهب الأربعة، وأشار إلى المنعطفات الخطيرة التي وصلوا إليها نتيجة النزاع في ما بينهم، وخير شاهد على ذلك فتاوى بعض الأعلام تلك المذاهب:

1 ـ قال محمّد بن موسى الحنفي قاضي دمشق المتوفّي عام 506 هـ: " لو كان لي من الأمر شئ لأخذت على الشافعية الجزية!! "(1).

2 ـ قال أبو حامد الطوسي الشافعي المتوفّي عام 567 هـ: " لو كان لي أمر لوضعت على الحنابلة الجزية!! "(2).

والجزية إنّما تؤخذ على الكافر.

3 ـ قال الشيخ أبو حاتم بن جاموس الحنّبلي: " من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم "(3).

____________

1- أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث 501): 148.

2- أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث 567): 298.

3- أنظر: تذكرة الحفّاظ للذهبي: 3 / 1187، وأبو حامد هو محمّد بن محمّد بن أحمد الفقيه.


الصفحة 251
وقد أدّى التحيّز الذي وقع بينهم إلى تأصل روح العداء والخروج عن حدّ الاتزان، والشواهد التاريخية على ذلك كثيرة، منها:

الفتنة التي ذهب تحت هياجها خلق كثير بين الحنفية والشافعية في نيسابور، إذ أدّت إلى إحراق الأسواق والمدارس، حتى كثر القتل في الشافعية، وبعدها انتصروا على الحنفية ـ فأسرفوا في أخذ الثأر منهم ـ وكان ذلك سنة 554 هـ.

ومثل هذه الفتنة وقعت بين الشافعية والحنابلة، حتى اضطرت السلطة عام 716 هـ إلى التدخل بقوة لحسم النزاع!.

وفي عام 567 هـ قتل الحنابلة الشيخ أبو منصور من علماء الشافعية، كما قتلت زوجته وأبنه الصغير بعد أنّ دسّوا لهم السمّ!(1).

ومن أراد الوقوف على مثل هذه الحوادث فليرجع إلى مضانها.

حجّية أصول التشريع عند المذاهب الأربعة:

يقول الأخ رمضاني: " هذه القضايا وأمور أخرى كالمصادر التشريعية التي اعتمد عليها الأئمة الأربعة بدل القرآن والسنة، جعلتني أقطع بعدم شرعيّة هذه المذاهب، لأنّي وجدت الاستحسان والقياس والمصالح المرسلة وقول الصحابي والرأي لا تتناسب بأي حال مع قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(2)، بل وجدّت أنّ بعض علماء العامة أورد الأدلّة القاطعة على عدم حجّية جملة من هذه المصادر التشريعية الموضوعة

____________

1- أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حواديث 567): 597، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 11 / 376.

2- النحل: 44.


الصفحة 252
من قبل هؤلاء ".

ومن العلماء الذين لايعتبرون قول الصحابي حجّة: الشوكاني، إذ يقول: " الحقّ أنّ قول الصحابي ليس بحجّة، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يبعث إلى هذه الأُمة إلاّ نبيّنا محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا إلاّ رسول واحد، والصحابة ومن بعدهم مكلّفون على السواء بإتباع شرعه في الكتاب والسنة، فمن قال بأنّه تقوم الحجّة في دين الله بغيرهما، فقد قال في دين الله بما لا يثبت، وأثبت شرعاً لم يأمر الله به ".

والعجيب أنّ أحمد بن حنّبل الذي يعتبر قول الصحابي حجّة، يجعل الحجّية في هذا القول خاضعة لمزاج المكلّف!، فعن محمّد بن عبد الرحمن الصيرفي قال: " قلت لأحمد بن حنبل: إذا اختلف أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في مسألة، هل يجوز لنا أن ننظر في أقوالهم لنعلم مع من الصواب منهم فنتّبعه؟ فقال لي: لا يجوز النظر بين أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقلت: كيف الوجه في ذلك؟ قال: تقلّد أيّهم أحببت ".

والحقيقة أنّ التشريع من حق صاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، ومع ذلك لم يعمل(صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته الشريفة برأيه أو باستحسانه أو بقياسه، بل كان دائماً يتبع النصوص الإلهية، وقد أقرّ بهذا الأمر البخاري في صحيحه، حينما قال: " ماكان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يُسأل مما لم ينزل عليه الوحي فيقول: لا أدري أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأي ولا قياس لقوله تعالى: (بِما أَراكَ اللهُ)(1) "(2).

ويقول الأخ رمضاني: " قد هزّني هذا الأمر من أعماقي، لأنّي وبقية

____________

1- النساء: 105.

2- أنظر: صحيح البخاري: 6 / 2666.


الصفحة 253
البسطاء من العامة كنّا نتعبد وفق آراء الرجال!، وأيّ رجال!! رجال عفى على آرائهم الزمن ـ لأنّها لا تتماشى مع ما هو مستجد في عصرنا ـ فلا اجتهاد بعدهم، وكأنّ الأُمة عقمت وانعدمت قدرتها على إنجاب النوابغ والمجدّدين، وهكذا سدّوا علينا باب الاجتهاد وجعلونا نتخبط بما هو مستحدث ".

غلق أبواب الاجتهاد عند أبناء العامة:

إنّ غلق باب الاجتهاد وادعاء استحالته لأحد غير أئمة المذاهب الأربعة، أدّى إلى الجمود الفكري لدى أهل العامة، مما أثّر سلباً على اعتدالهم وتوازنهم في تقييم الآخرين!، حيث وصفهم أتباعهم بأوصاف غير معقولة! فادّعوا أنّ أبا حنيفة سراج الأمّة، وسيّد الأئمة، ومحيي السنّة، وأنّه إذا تكلم خيّل إليك أنّ ملكاً يلقنه، وما كلّم أحداً في باب من أبواب الفقه إلاّ ذلّ له، وإذا أشكلت مسألة على أعلم الناس سهلّها عليه!!، وتجد ذلك في الكتب التي تتحدث عن مناقبه، وغيره من الائمة(1).

والالتزام بهذه المذاهب ولزوم تقليد أئمتها وتحريم الاجتهاد على غيرهم، مجرد تحكّم وتطرف وتعصب لاغير!، فلو عقل أتباع هذه المذاهب حقيقة أئمتهم، ووعوا تصريحاتهم الدالّة بوضوح على عدم الالتزام بالرجوع إليهم وأخذ قولهم فقط، لما تفوهوا بهذا الكلام.

فها هو أبو حنيفة يقول: " هذا رأي النعمان بن ثابت ـ يعني نفسه ـ وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب "(2).

وقيل لأبي حنيفة: " إذا قلت قولاً وكتاب الله يخالفه؟ قال: أتركوا قولي

____________

1- أنظر: كتب مناقب أبي حنيفة للذهبي والهيثمي والكردري وغيرهم.

2- أنظر: حجة الله البالغة لولي الله الدهلوي: 1 / 292.


الصفحة 254
بكتاب الله، فقيل: إذا كان خبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: أتركوا قولي لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: أتركوا قولي لقول الصحابة"(1).

وهذا مالك بن أنس ينهى عن تقليده بهذا الشكل الأعمى، فقد روي عن مالك أنّه قال: " إنّما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ماوافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق فاتركوه "، وروي مثله عنه أحمد بن مروان المالكي(2).

كما أنّ الشافعي يلمح إلى عدم الالتزام بكل ما جاء عنه لخفاء جملة من العلوم عليه، فقد روي قوله عن أحمد بن حنبل أنّه قال: " أنتم أعلم بالأخبار الصحيحة منّا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه "(3)، وقال: " كل ما قلت لكم، لم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقّاً، فلا تقبلوه، فإنّ العقل مضطر إلى قبول الحقّ "(4).

وأمّا أحمد بن حنبل فقد اشتهر عنه أنّه من المخالفين للتقليد، فكان يقول: "من قلّة فقه الرجل أن يقلّد دينه الرجال "(5).

الانتماء للمذهب الجعفري:

يقول الأخ رمضاني: " وبعد الوقوف على حياة كل إمام من أئمة المذاهب

____________

1- أنظر: النصائح الكافية لابن عقيل: 38، مجموعة الرسائل المنبرية: 3 / 105.

2- أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث 171): 327.

3- أنظر: البداية والنهاية لابن كثير: 10 / 236، مجموعة الرسائل المنبرية: 3 / 99، حجّة الله البالغة للدهلوي: 1 / 275، سير أعلام النبلاء للذهبي: 11 / 213.

4- أنظر: آداب الشافعي ومناقبه: 92.

5- أنظر: أعلام الموقعين لابن قيّم: 2 / 182، جلائل العينين للآلوسي: 199.


الصفحة 255
الأربعة وجدت أنّهم قد أخذوا بشكل أو بآخر عن الإمام الصادق(عليه السلام)(1)، فقرّرت الإطلاع على حياته.

وبالفعل قرأت بعض كتب التراجم لأهل العامة، فوجدت ـ مع شديد الأسف ـ أنّ ترجمة هذه الشخصية ترجمة مختصرة أو مبتورة، بل أنّ البعض تجاوزه ولم يفرد له حقلاً أو عنواناً يذكر!.

وطلبت تراجمه في كتب بقية الفرق، فوقعت بيدي كتب الإمامية تتحدّث عنه وعن علومه وسلوكه و...، فوجدت أنّ هذه الشخصية المهيبة قد استمدت علومها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّها ما حادت قيد شعرة عن الكتاب أو السنة، بل أكثر من ذلك وجدت أنّ فقه الإمام الصادق(عليه السلام) وعقائده ونهجه هو الأكمل والأشمل، بل الأنقى والأرقى، لكن عتم على هذه الشخصية كما عتموا على آبائه من قبل!.

ولهذا قرّرت ـ بحمد الله ـ ترك فقه الرجال والاغتراف من ينبوع الرسالة الصافي من أهل البيت(عليهم السلام)، فوفقني الله تعالى للالتحاق بركبهم والسير في هديهم، فأعلنت عن استبصاري في مدينة " مومباسا " الكينية عام 1989م ".

____________

1- أنظر: حلية الأولياء لأبي نعيم (ترجمة الإمام الصادق (عليه السلام)): 3 / 325.


الصفحة 256

الصفحة 257

(24) سـالم بن ديرا
(شافعي / تنزانيا)




ولد عام 1973م بمدينة " دار السلام " في تنزانيا(1)، ونشأ في أُسرة تعتنق المذهب الشافعي، ثم واصل دراسته الأكاديمية حتى نال الشهادة الثانوية.

شاءت الأقدار الإلهية أن ينطلق الأخ سالم نحو البحث الموضوعي فيبلور لنفسه معتقداً مبتنياً على الأدلة والبراهين، ويتحرّر من التقليد الأعمى الذي فرضته عليه الأجواء الفكرية التي تحيطه، فأسفر بحثه عن الوصول إلى نتائج دفعته لاعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) عام 1992م بمدينة " عروشة " التنزانية.

أهمّية دراسة التاريخ الإسلامي:

كان بداية انطلاقته عام 1991م من خلال دراسته مادة التربية الدينية في الثانوية، فكان ممن يتفاعل مع هذه المادة الدراسية ويهتم بها، وممن لم يعبأ بالشبهات التي تلقى بالنسبة إلى هذه المادة، فإنّ البعض يدعي أنّ جملة من دروس مادة التربية الدينية لها صلة بالأحداث التاريخية التي جرت في صدر الإسلام، وفيها إشارة إلى الصراعات والاختلافات التي جرت بين الصحابة،

____________

1- تنزانيا: أنظر ترجمة رقم (8).


الصفحة 258
والحروب التي وقعت فيما بينهم بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ هذه الأمور قضايا تاريخية قد مضى زمنها، ولاينفعنا البحث حولها في حياتنا المعاصرة، ولا جدوى في بذل الجهد لدراستها، ولابد من الاهتمام بالأمور التي تنفع واقعنا المعاصر فحسب.

ولكن الباحث الواعي يجد أنّ هذه الشبهة هي مجرّد محاولة لإبعاد المسلم عن مصدره التشريعي، لأنّ المسائل التاريخية لها بُعدان، بُعد تاريخي مضى عصره والآخر بُعد ديني باق أثره إلى يومنا هذا، وعلى المسلم المهتم بدينه أن يغربل التاريخ ويبذل قصارى جهده لمعرفة الحقيقة في ذلك.

فتاريخ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والأحداث التي جرت بعد وفاته تمثل المنهج الديني والتشريعي للمسلم في معرفته للإسلام الصحيح، الذي لم تتلاعب به أيدي المغرضين، ومالم يعرف المسلم واقع الاختلافات التي جرت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه سوف يجهل الدين الصحيح الذي جاء به النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد يتبع أهل البدع والأهواء وهو يظنّ أنّه على سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).

وممّا لاشك فيه أنّ أعظم خلاف وقع بين الأُمة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو اختلافها في الإمامة، لأنّها تمثّل حفظ وصيانة الإسلام من التلاعب والتغيير، إذ مع غيابها تفتقد الساحة الإسلامية من يصون مبادءها، فيكون الدين لعبة بأيدي أُناس يؤوّلون النصوص على ضوء المصالح التي يرتؤونها لأنفسهم، وبذلك تستأجر السلطات الجائرة بعض وعاظ السلاطين لتأويل النصوص التشريعية على مرامهم، ليحمّلوا الألفاظ ما لاتطيق ويصرفونها عن مفادها ومغزاها طمعاً منهم في حطام الدنيا.


الصفحة 259

وعي مجتمعاتنا المعاصرة:

لابد لكل مسلم من قراءة الأحداث التاريخية المرتبطة بالشؤون العقائدية بكل دقة وإمعان ليكون على بصيرة من دينه!.

والطريق شائك، واجتيازه مجهد، لأنّ الانحراف الذي تواصل أربعة عشر قرناً من الصعب إصلاحة في بضع سنين، والأمر يستدعي من الباحث الذي يقصد معرفة الحقّ أن يغوص فيه بروح بنّاءة ونفس موضوعية ويتناول الأبحاث بعقلية واعية.

وهذا الأمر لايحصل إلاّ للقلة التي تصمّم مواصلة السير مهما كلّفها الأمر، لأنّ الإشكالية الأساسية التي تعاني منها البشرية المعاصرة، هي حالة الفراغ العقائدي والخواء الروحي لابتعادها عن التتبع والبحث والمطالعة.

فنجد معظم الناس اكتفوا بإتباع نهج الآباء في العقائد، ولم يتعبوا أنفسهم في هذا المجال، ممّا أدى بهم إلى التخبّط على الصعيد الفكري والعقائدي، لأنّهم بإتباعهم الأعمى لنهج السلف أصبحوا يعيشون حالة الخواء، فافتقدوا المتانة الذاتية في نفوسهم للصمود أمام الشبهات والتيارات المعاكسة، فأصبحوا أتباع كل ناعق وأتباع كل من له القدرة على خداعهم والتلاعب بمشاعرهم، ولهذا آل أمرهم إلى الانحدار المريع، فأصبحوا لايمتلكون المستوى الفكري الذي يحصّنون به أنفسهم إزاء التيارات الفكرية التي تعصف بين الحين والآخر لتحقق مصالحها وتصل إلى مآربها.

ولكن مع ذلك فإنّ الباري عزّوجلّ لايترك عباده سداً، بل يتمّ عليهم حجّته ويريهم آياته لعلّهم يبصرون، فمن هذه النماذج كان الأخ سالم، إذ شاءت الأقدار الإلهية أن ترشده إلى الحقّ وهو يعيش في أجواء تحيطها غيوم العصبية

الصفحة 260
وأقلام التحريف.

بداية التحرّر من التقليد الأعمى:

يقول الأخ سالم: " في إحدى سنوات الدراسة الثانوية تولّى تدريسنا أستاذ في مادة التربية الدينية كان يختلف عن باقي الأساتذة، لأنّه كان يكثر من الاستشهاد بأقوال محمّد بن عليّ الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق، وكانت هذه الأسماء غريبة على أسماعنا ولم نألفها من قبل.

ويوماً سألت الأستاذ: من هو محمّد بن عليّ الباقر؟ ومن هو جعفر بن محمّد الصادق؟، فقام الأستاذ من مكانه وكتب على اللوحة حديث الثقلين الذي ورد فيه أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتمسك بالقرآن والعترة.

فسألت الأستاذ: من هم العترة؟

فقال: هم أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وهم عليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من أولاد الحسين(عليهم السلام)، ثم عدّ أسماءهم وقال: ومحمّد بن عليّ الباقر(عليه السلام)وجعفر بن محمّد الصادق(عليهما السلام) من هؤلاء الذين أوجب الله أن نتمسك بهم.

فتعجبت من مقولة الأستاذ! فإنّه ذكر أمراً لم نسمع به من قبل!

وللتأكد من قول الأستاذ، راجعت أستاذاً آخر فسألته عن أهل البيت ووجوب التمسك بهم، فقال لي: هنالك طائفة تسمى بالشيعة الاثنى عشرية وهي تدّعي إتباع أهل البيت، ولكنّهم وإن كانوا مسلمين فهم يعتقدون بأمور تستوجب القول بكفرهم!.

فتعجبت من قول هذا الأستاذ! وبقيت في حيرة وتردّد، وعرفت أنّ الأمر يتطلب مني البحث والمطالعة لأصل بنفسي إلى الأدلّة والبراهين فأتحرّر من الحيرة بين قول هذا وذلك.


الصفحة 261

في رحاب حديث غدير خمّ:

بعد ذلك نشأ عندي المحفّز والدافع لمعرفة الشيعة والتشيع، فخصّصت فترة معيّنة في كل يوم للمطالعة في هذا المجال، وحبّذت في بدء الأمر قراءة كتبهم لأتعرّف على حقيقة أمرهم بصورة مباشرة، فكان من جملة الكتب التي قرأتها كتاب حول غدير خم مترجماً إلى اللغة الإنجليزية، فعرفت أنّ الاختلاف الأساسي بيننا وبين الشيعة هو مسألة الإمامة والخلافة، وقد بيّن مؤلف هذا الكتاب الأدلة من القرآن والسنة على ضوء مصادرنا ـ أبناء العامة ـ وثبّت بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يترك أُمته من بعده سداً، بل أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر في مواقف عديدة النصّ على خلافة عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من بعده، وكان من أهمها يوم غدير خم.

ترك هذا الكتاب أثراً بليغاً في نفسي، فلخّصت مطالبه وعرضتها على الأستاذ الذي كفّر الشيعة، لكنه لم يستطع الوقوف بوجه الأدلّة المتينة التي ذكرتها له.

فإنّ حديث الغدير قد رواه أكثر من مائة صحابي، وهذا العدد في حدّ ذاته قليل! لأنّ السامعين لهذا الحديث كانوا مائة ألف أو يزيدون، ورواه التابعون بكثرة، وأشار إليه معظم علماء القرون المتتابعة، وهو حديث بلغ حدّ التواتر بين أوساط المسلمين ".

مفاد خبر الغدير:

إنّ مجمل خبر يوم الغدير، أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا انتهى من حجّة الوداع نزل عليه في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ)(1)،

____________

1- المائدة: 67.


الصفحة 262
وكان الأمر الإلهي هو أن يقيم (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً(عليه السلام) علماً للناس ويبلّغهم ما أنزل الله فيه، فنزل رسول الله غدير خم في الجحفة، وكان يتشعب منها طريق المدينة ومصر والشام، ووقف هناك حتى لحقه من كان بعده، وردّ من كان قدّ تقدّم، ونهى أصحابه عن سمرات متفرقات بالبطحاء أن ينزلوا تحتهن، ثم بعث اليهن فقمَّ ما تحتهن من الشوك، ونادى بالصلاة جامعة، وعمد اليهن، وظلل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فصلى الظهر بهجير، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ وقال ماشاء الله أن يقول، ثم قال:

" ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: ألستم تعلمون ـ أو تشهدون ـ أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟

قالوا: بلى يا رسول الله.

ثم أخذ بيد عليّ بن أبي طالب بضبعيه فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما، ثم قال:

أيّها الناس! الله مولاي وأنا مولاكم فمن كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، واحبّ من أحبّه وابغض من أبغضه.

ثم قال: اللّهم أشهد "(1).

ثم لم يتفرق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ(عليه السلام) حتى نزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ

____________

1- أنظر: سنن ابن ماجة باب فضل عليّ (عليه السلام): 1 / 54 (116)، مسند أحمد: 4 / 281، مجمع الزوائد للهيثمي: 9 / 163، وقد ذكر العلامة الأميني في الجزء الأوّل من موسوعة الغدير معظم مصادر أبناء العامة في هذا المجال فراجع.


الصفحة 263
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ اْلإِسْلامَ دِيناً)(1)، وقد ذهب الكثير من علماء التفسير وأئمة الحديث وحفظة الآثار من أبناء العامة أن هذه الآية نزلت في غدير خم(2).

ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي والولاية لعليّ "(3).

ثم أخذ الناس يهنئون عليّاً(عليه السلام) وكان في مقدمتهم أبو بكر وعمر، فقالا لعليّ(عليه السلام): " أمسيت يابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة "(4).

وفي رواية قال له عمر: " بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم "(5).

____________

1- المائدة: 3.

2- أنظر: الدر المنثور للسيوطي: 3 / 19، تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 289 (4392)، تاريخ ابن عساكر: 42 / 237، شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 157 (211) 1 / 192 (249)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير: 1 / 17، البداية والنهاية لابن كثير (حوادث سنه 10 هـ): 5 / 152، روح المعاني للآلوسي: 3 / 359، فتح القدير للشوكاني: 2 / 60، كشف الغمّة للأربلي: 94، العمدة لابن بطريق: 146 (141)، أسباب النزول للواحدي: 204 (403)، التفسير الكبير للرازي: 4 / 401، فرائد السمطين للجويني: 1 / 158 (120)، عمدة القاري للعيني: 18 / 277، ينابيع المودّة للقندوزي: 1 / 359.

3- أنظر: شواهد التنزيل للحسكاني: 1 / 157 (211 ـ 213)، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152، وقد مرّ.

4- أنظر: أسد الغابة لابن الأثير: 4 / 28، تاريخ بغداد للخطيب: 8 / 289 (4392)، الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 110 عن الدارقطني، مناقب الإمام عليّ لابن المغازلي: 19 (24)، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 36، ومصادر اُخرى.

5- أنظر: تاريخ ابن عساكر: 42 / 233، مناقب عليّ لابن المغازلي: 18 (24)، المناقب للخوارزمي: 156 (183)، شواهد التنزيل للحسكاني:1 / 158 (213)، سر العالمين لابن حامد الغزالي: 453، فرائد السمطين للجويني: 1 / 77 (44).


الصفحة 264
وفي لفظ آخر قال: " هنيئاً لك يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة "(1).

ثم قام حسان بن ثابت في ذلك الحشد الحافل بمائة ألف أو يزيدون من المسلمين، وقال لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): أئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): قل على بركة الله، فقام حسان وأنشد:


يناديهم يوم الغدير نبيّهمبخم واسمع بالرسول مناديا
فقال فمن مولاكم ونبيّكمفقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
الهك مولانا وأنت نبيّناو لم تلق منا في الولاية عاصيا
فقال له قم يا عليّ فإننّيرضيتك من بعدي إماماً وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليهفكونوا له أتباع صدق مواليا
هناك دعى اللهم والي وليهوكن للذي عادى علياً معاديا

فلما سمع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أبياته قال: " لاتزال يا حسان مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك "(2).

رفض القوم لتنصيب الإمام عليّ(عليه السلام) للخلافة:

قد حسم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير موضوع الخلافة والإمامة من بعده،

____________

1- أنظر: تاريخ ابن عساكر: 42 / 222، مسند أحمد: 4 / 281، الفصول المهمة لابن الصباغ: 42، ذخائر العقبى للطبري: 67، فضائل الصحابة لابن حنبل: 2 / 596 (1016)، تفسير الكبير للفخر الرازي: 4 / 401، مشكاة المصابيح للتبريزي كتاب المناقب: 1723 (6103)، الرياض النضرة للطبري: 2 / 109 (1338)، البداية والنهاية لابن كثير: 5 / 152، كنز العمال: 13 / 134 (36420).

2- أنظر: المناقب للخوارزمي: 156 (152)، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 39، كفاية الطالب للكنجي: 64 باب 1، فرائد السمطين للجويني: 1 / 73 (39)، نظم درر السمطين للزرندي: 112، أسد الغابة لابن الأثير: 2 / 4.


الصفحة 265
فربط (صلى الله عليه وآله وسلم) ولاية الناس لعليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بولايته، وربط ولايته بالولاية الله عزّوجلّ، كما شاءت الإرادة الإلهية.

وتبييناً لأهمية أمر الولاية لعليّ(عليه السلام) أضيف إلى واقعة الغدير أمراً معجزاً آخر، وذلك بتخصّيص آية قرآنية في هذا المجال!.

فقد جاء مثبتاً في كتب التفسير والحديث أنّه لمّا شاع خبر الغدير في الأقطار والأمصار وبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، أتى على ناقة له إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل من ناقته فأناخها، وقال:

" يا محمّد أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله فقبلناه، وأمرتنا أن نصلي خمساً فقبلناه منك، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا، وأمرتنا بالحج فقبلنا، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضّلته علينا، وقلت: من كنت مولاه فعليّ مولاه، فهذا شي منك أم من الله؟

فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): والذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من الله.

فولّى الحارث بن النعمان يريد راحلته، وهو يقول: اللّهم إنْ كان ما يقول محمّد حقّاً: فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى بحجر، فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله، وأنزل الله عزّوجلّ: (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذاب واقِع... )(1) الآيات "(2).

____________

1- سورة المعارج.

2- أنظر: تفسير الكشف والبيان للثعلبي: 10 / 34، سورة المعارج، شواهد التنزيل للحسكاني: 2 / 287 (1031 ـ 1034)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 18 / 181، تذكرة الخواص لابن الجوزي: 37، فرائد السمطين للجويني: 1 / 82 (63)، نظم درر السمطين للزرندي: 93، الفصول المهمة لابن الصباغ: 42، السيرة الحلبية للحلبي: 3 / 337، نور الابصار للشبلنجي: 119، فيض القدير للمناوي: 6 / 218، وغيرها.