الصفحة 408
جموع الكفر ـ بقيادة أمّه وأبيه ـ على أيدي الأنصار، كما تذكره بفراره يوم بدر ـ حتى ورمت قدماه ـ خشية أن يقع في الأسر!.

وقد بلغ من حقده أنّه جهد في استئصال كل ما يمتّ بصلة لأهل بيت النبوة(عليهم السلام)، فتتبع شيعتهم ومحبيهم وحرمهم من العطاء وهدم دورهم وقلع نخلهم وقتلهم بشكل بشع ومروع!، ومصرع حجر بن عدي وأصحابه في " مرج عذراء " خير شاهد على ذلك، مما حدى بارتفاع بعض الأصوات ـ رغم بغضها لأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) وبغيها عليه ـ التي استنكرت فعل معاوية هذا!، حتى قالت عائشة: " لولا أنّا لم نغيّر شيئاً إلاّ صارت بنا الأمور إلى ما هو أشدّ منه لغيّرنا قتل حجر! أما والله إن كان ما علمت لمسلماً حجّاجاً معتمراً "(1).

خصال معاوية الموبقة:

قال الحسن البصري: " أربع خصال كنّ في معاوية، لو لم تكن فيه إلاّ واحدة لكانت موبقة... وقتله حجراً وأصحاب حجر، فياويلا له من حجر!، ويا ويلا من حجر وأصحاب حجر! "(2).

كما أنّه قتل عمرو بن الحمق الخزاعي، وطيف برأسه، وكان هو أوّل رأس يطاف به في الإسلام(3).

فيا ترى أين حلم معاوية؟! الذي يزعمه البعض، والظاهر أنّهم نسبوا إليه هذه الصفة لما ورد أنّه قال: " رأى من الشرفة رجلا مع جاريته، فدخل عليها وقال للرجل: ما جرّأك على ذلك؟ فقال الرجل: حلمك يا أمير المؤمنين، فحلم

____________

1- أنظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 487.

2- أنظر: الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 487.

3- أنظر: تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 88، شرح النهج لابن أبي الحديد: 2 / 290.


الصفحة 409
عنه معاوية وتركه"(1)، فحلمه يظهر في مثل هذه المواقف!.

وفي الواقع أنّ معاوية كان خاضعاً للأعراف الجاهلية، وسيراً على ذلك كان يقطع الرؤوس، ويحيي النزاعات القبلية، والممارسات اللاأخلاقية، فكان هذا الأمر سمة بارزة لعهده، ومرجع ذلك إلى النزعة الثأريّة والانتقاميّة التي كان يحملها بين جوانحه، فإسلامه المتأخر وعدم تشبعه بروح الدين العظيمة، واستماتته على الزعامة وتلهّفه للسلطة ولو على حساب دماء آلآف المسلمين!.

كما كان معاوية مجانباً للإسلام في كل شيء ومتمرداً على تعاليمه في السرّ والعلن! فقد ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر "، ولكنّ معاوية ألحق عبد بني علاج زياد بن أبيه بأبي سفيان وادّعا أنّه أخٌ له(2)!!.

مشروعيّة خلافة معاوية:

قد منع جمع كبير من تولّي الطلقاء لأمر الخلافة، ومنهم:

1 ـ عمر بن الخطاب، حيث قال: " هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد،... وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شيء "(3).

وورد عنه أيضاً: " لا تختلفوا فإنّكم إن اختلفتم جاءكم معاوية من الشام وعبد الله بن أبي ربيعة من اليمن، فلا يريان لكم فضلا لسابقتكم. وإنّ هذا الأمر لايصلح للطلقاء ولا لأبناء الطلقاء "(4).

2 ـ عبدالله بن عباس، إذ كتب إلى معاوية: " ما أنت والخلافة؟ وأنت طليق

____________

1- أنظر: حياة الحيوان: 2 / 200.

2- أنظر: تاريخ الطبري: 5 / 214، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 441. 3- أنظر: الطبقات لابن سعد: 3 / 260، فتح الباري للعسقلاني: 13 / 257 (7217)، أسد الغابة لابن الأثير: 4 / 387.

4- أنظر: الاصابة لابن حجر العسقلاني: 4 / 79 (4674).


الصفحة 410
الإسلام، وابن رأس الأحزاب، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر "(1).

3 ـ قيس بن سعد بن عبادة، حيث قال في كتاب وجّهه إلى معاوية: " أمّا بعد، فأنت وثن ابن وثن، دخلت في الإسلام كرهاً، وأقمت فيه فرقاً، وخرجت منه طوعاً، ولم يجعل الله لك فيه نصيباً "(2).

وغير هؤلاء من الصحابة كمعين بن يزيد بن الأخنس السلمي، وصعصعة ابن صوحان العبدي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري.

وقد كان معاوية يعلم بعدم استحقاقه للخلافة، لأنّه من الطلقاء(3).

معاوية وتثبيت دعائم الحكم له ولإبنه:

سلك معاوية كل الطرق الملتوية من أجل الحصول على الخلافة، فكان يفتك بمناوئيه ويغتال معارضيه وإن كانوا أولى الناس بهذا الأمر.

وكان غدره بجملة من الصحابة والتابعين خير شاهد على ذلك، إذ أنّه قتل سيد شباب أهل الجنّة الإمام الحسن(عليه السلام)، عندما أغرى جعده بنت الأشعث زوجة الإمام(عليه السلام) فسمته حتى قضى نحبه(4)، ولمّا بلغ الخبر معاوية أظهر الفرح والسرور بذلك!(5).

وورد عن صاحب (المصالت) أنّه قال حول معاوية: " كان على المنبر

____________

1- أنظر: الامامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 134، شرح النهج لابن أبي الحديد: 8 / 66.

2- أنظر: مقاتل الطالبيين لأبي الفرج: 43، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3 / 270، تاريخ اليعقوبي: 2 / 187، شرح النهج لابن أبي الحديد: 16 / 43، العقد الفريد لابن عبد ربّه: 5 / 21.

3- الطلاقاء: هم أهل مكّة الذين أسرهم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الفتح، وقال لهم: إذهبوا فأنتم الطلقاء.

4- أنظر: البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 32، مروج الذهب للمسعودي: 2 / 427، أخبار.

5- أنظر: الامامة والسياسة لابن قتيبة: 1 / 196.


الصفحة 411
يأخذ البيعة ليزيد، فقالت عائشة: هل استدعى الشيوخ لبنيهم البيعة؟ قال: لا، قالت: فبمن تقتدي؟! فخجل، وهيأ لها حفرة فوقعت فيها فماتت "(1).

هكذا كانت سيرة معاوية، وهكذا كان عدله في الرعية، ورعايته لحقّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)!.

موقف النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من معاوية:

إنّ معاوية من الذين حلّت عليه لعنة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)!.

فقد نقل الطبري: أنّه رأى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أباسفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به وإبنه يزيد يسوق به، قال: " لعن الله القائد والراكب والسائق "(2).

وذكر الذهبي وأحمد بن حنبل في مسنده، وأبي يعلى، وابن مزاحم من طريق أبي برزة الأسلمي، والطبراني من طريق ابن عباس: " كنّا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في سفر، فسمع رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر... فقال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): انظروا من هما؟ فقالوا: معاوية وعمرو بن العاص، فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يديه، فقال: اللهم أركسهما ركساً، ودعَّهما إلى النار دعّاً "(3).

كما أخرج الطبري في تاريخه: " إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يطلع من هذا الفجّ رجل من أُمتي يحشر على غير ملتي، فطلع معاوية "(4).

____________

1- أنظر: الصراط المستقيم لعليّ بن محمد العاملي: 3 / 45.

2- أنظر: تاريخ الطبري: 10 / 58.

3- أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 3 / 132 (ترجمة معاوية)، المعجم الكبير للطبراني: 11 / 38 (10970)، مسند أبي يعلى: 13 / 429 (4736)، مصنّف ابن أبي شيبة: 7 / 526 (37720)، مسند أحمد: 4 / 421.

4- تاريخ الطبري: 10 / 58، وأنظر: وقعة صفين لابن مزاح: 220.


الصفحة 412
وأخرج البلاذري في تاريخه الكبير مسنداً عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: " كنت جالساً عند النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال: يطلع عليكم من هذا الفجّ رجل يموت يوم يموت على غير ملتي، قال: وتركت أبي يلبس ثيابه، فخشيت أن يطلع، فطلع معاوية "(1).

وأخرج ابن مزاحم، وابن عدي، والعقيلي، والخطيب، والمناوي من طريق أبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود، أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه "، وفي لفظ: " إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه "، وفي آخر " إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه "(2).

الاستقرار على الصراط المستقيم:

يقول الأخ عبد المعبود: " عرفت بعد التفحّص والبحث حقيقة معاوية، وتبيّن لي نفاقه وما ارتكب من انتهاكات في حقّ الإسلام، كما اتضحت لي أمور أُخرى عن بعض الصحابة، فوجدت نفسي أمام مفترق طرق، أحدها يؤدي إلى الغواية والضلال وهو طريق معاوية ومن مكّنه ومهّد له، والآخر يؤدي إلى الهداية والفلاح وهو طريق آل محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)، فاخترت هذا الطريق على ذاك، لأنّجو بنفسي من الهاوية، وقرّرت ترك أخذ معالم ديني من أناس قد شوهوا معالم الإسلام بغية الوصول إلى مآربهم.

ولهذا سلكت طريق أهل البيت(عليهم السلام) واعتنقت مذهبهم عام 1991م في باكستان ".

____________

1- أنساب الأشراف (التاريخ الكبير): 5 / 134.

2- أنظر: واقعة صفين لابن مزاحم: 221، تاريخ الطبري: 10 / 58، شرح النهج لابن أبي الحديد: 15 / 176، الكامل لابن عدي: 2 / 146، تاريخ ابن عساكر: 59 / 155، سير أعلام النبلاء للذهبي: 3 / 149، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 91.


الصفحة 413

(37) علي أبو بكر الحبشي
(شافعي / أندونيسيا)




ولد عام 1978م بمدينة " مالانك " في أندونيسيا(1)، نشأ في أوساط عائلة مسلمة تعتنق المذهب الشافعي.

تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في التسعينات بمدينة " بانجيل " الأندونيسية، بعد مباحثات ومناقشات عديدة أجراها مع العلماء وأصحاب الاختصاص في المجال الفكري والعقائدي، ومطالعات كثيرة لكتب الحديث.

السعي لمعرفة الحقّ:

يقول الأخ علي الحبشي: " بعد بلوغي مرحلة النمو والنضوج الفكري وتفتح الذهنية لاكتساب المعارف، زاد عندي حبّ الاستطلاع حول مباني العقيدة الإسلامية وآراء المذاهب فيها، لاسيما في ما يتعلق بالأُصول وخصوصاً التوحيد

____________

1- أندونيسيا: تقع في جنوب شرق آسيا، يبلغ عدد سكانها (225) مليون نسمة، وتعتبر من أكبر الدول الإسلامية من حيث النفوس، والشيعة تتواجد في هذا البلد حيث يقدر عددهم بمئات الآلاف، والجدير ذكره أن تاريخ التشيع في هذا البلد بدأ منذ القرن الرابع الهجري على يد أحفاد عليّ بن الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)، لا سيما السيد أحمد بن عيسى بن محمّد ابن عليّ بن الإمام الصادق(عليه السلام).


الصفحة 414
والعدل الإلهي، فعكفت على المطالعة في هذا المجال حتى تبيّن لي أنّ آراء الأشاعرة والمعتزلة غير متّسقة ومتناقضة ومتأرجحة بين الجبر وسلب الاختيار، وبين التفويض وحرية الاختيار، فزادت حيرتي لا سيما بعد أن وجدت استفساراتي وأسئلتي لم تجد الإجابات المقنعة، بل لم تلق تجاوباً ملحوظاً من قبل علماء مذهبي.

فانعطفت في مسيرة بحثي بإتجاه كتب الحديث لعلّي أجد ضالتي فيها، وأوّل ما بدأت بكتاب صحيح البخاري ـ لأعتقادي بصحّة كل ما فيه، وأنّه كتاب لا يفوقه سوى القرآن ـ باعتباره جامع لمعظم أحاديث النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) في مختلف المجالات، بصورة لا شائبة فيها.

لكنّني بمجرد أن تأملت وأمعنت النظر في أبوابه وفصوله، تغيّرت رؤيتي له ".

صحيح البخاري عند أبناء العامة:

إنّ أبناء العامّة يعتبرون صحيحي البخاري ومسلم من أصحّ الكتب وأكثرها اعتباراً وضبطاً بعد القرآن الكريم! ولذلك اعتمدوا عليهما تمام الاعتماد، واهتموا بهما غاية الاهتمام، حتى غالوا فيهما وبالغوا في اطرائهما، فصححوا كل ما ورد فيهما، وأنزلوهما بمنزلة عجيبة، بحيث لم يجوّزوا نقدهما من حيث المتن أو السند!.

وذلك لأنّهم يعتقدون أنّ ما فيهما هو من نطق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنّ الذين رووا هذه الأحاديث جازوا القنطرة(1)!، حتى قال القاضي الفضل بن روزبهان في هذا الصدد ـ وهو يرد على العلامة الحلّي ـ: " لو أنّ أحداً حلف يميناً بأنّ كل

____________

1- أنظر: هدي الساري مقدمة فتح الباري: 1 / 543.


الصفحة 415
ماورد في الصحاح الستة من الأحاديث فهو صحيح وهو قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، لكان يمينه صحيحاً ولا عليه حنث "(1)!.

ولقد كان لصحيح البخاري النصيب الأوفر من المدح والإطراء حتى بالغ كثير منهم في هذا المجال:

فقال الچلبي: " إنّ السلف والخلف قد أطبقوا على أنّ أصح الكتب بعد كتاب الله سبحانه وتعالى صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم "(2).

وقال الذّهبي: " وأمّا جامع البخاري الصحيح فأجّل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله عزّوجلّ "(3).

وقال النووي: " إنّ أصح الكتب بعد القرآ ن الصحيحان: البخاري ومسلم، وكتاب البخاري أصحهما وأكثرهما فوائد "(4).

وقال ابن حجر المكي: " الصحيحان هما أصح الكتب بعد القرآن بإجماع من يعتدّ به "(5).

وقال القاسمي: " صحيح البخاري عدل القرآن "(6).

نظرة في صحيح البخاري:

يقول الأخ علي الحبشي: " كشفت لي دراستي المعمقة لصحيح البخاري وشروحه أموراً لم أكن أتوقّعها من قبل، فإنّها أدّت إلى فقدان اعتبار هذا

____________

1- أنظر: إحقاق الحق للتستري (الطبعة الحجرية): ذيل حديث " عليّ صاحب الحوض واللواء "، ودلائل الصدق للمظفر: 1 / 46، 2 / 590.

2- أنظر: كشف الظنون للملا الچلبي: 1 / 427، عمدة القاري: 1 / 24، المقدمة.

3- أنظر: ارشاد الساري للقسطلاني: 1 / 51.

4- أنظر: شرح صحيح مسلم للنووي: 1 / 128.

5- أنظر: الصواعق المحرقة لابن حجر: 1 / 31.

6- أنظر: قواعد التحديث للقاسمي: 250.


الصفحة 416
الكتاب عندي ".

والباحث المدقق، يجد في أحاديث البخاري وأسانيده من الخلل والضعف ما يوجب سقوط الكثير من رواياته، وبالخصوص بعد النظر لأقوال علماء الجرح والتعديل من أهل العامة في هذا المجال:

فقد قال ابن الصلاح: " لقد احتج البخاري بجماعة سبق من غيره الطعن بهم، كعكرمة مولى ابن عباس، وإسماعيل بن أويس، وعاصم بن عليّ، وعمرو ابن مرزوق وغيرهم "(1).

ونقل العراقي في شرح ألفيته: " أنّ النسائي ضعّف جماعة أخرج لهما الشيخان "(2).

وقال أحمد شاكر في شرحه لألفية السيوطي: " قد وقع في الصحيحين كثير من رواية بعض المدلّسين "(3).

وقال شعبة بن الحجاج: " ممن اشتهر بالتدليس أبو هريرة "(4)، وقد اعتمد عليه البخاري أكثر من جميع الصحابة!.

فهذه المؤاخذات على صحيح البخاري لايمكن غضّ الطرف عنها، لأنّ ضعف قسم من رجاله وعدم توثيقهم ـ فضلاً عن روايته واعتماده على ضعاف الإيمان(5) والخوارج(6) والنواصب(7) ـ تجعل المرء غير مطمئن بالركون

____________

1- أنظر: مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث: 86، الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي: 136.

2- أنظر: شرح ألفية العراقي: 3 / 262.

3- أنظر: ألفية السيوطي: 33.

4- أنظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 2 / 608، تاريخ ابن عساكر: 67 / 359، البداية والنهاية لابن كثير: 8 / 77.

5- كعمرو بن العاص المعروف بفسوقه وفجوره، والمشهور بعدائه لأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)والمؤلب عليه الاعداء.

6- كعمران بن حطان، أحد زعماء وخطباء الخوارج، والمشهور ببغضه للإمام عليّ (عليه السلام)، بحيث أنّه امتدح عبدالرحمن بن ملجم في ابياته المعروفة، عندما اغتال الإمام (عليه السلام).

7- كعبد الله بن الزبير، المناصب للإمام أميرالمؤمنين (عليه السلام) العداء والبغض، والمقاتل له يوم الجمل مع جموع الناكثين.


الصفحة 417
إليه.

كما يدرك أنّ محمّد بن إسماعيل البخاري قد تحكّمت الطائفية والعصبية المقيتة في عقيدته(1)! حيث لم يرو حديثاً واحداً عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)!، الذي أقرّ المخالف والمؤالف بفضله وسعة علمه ونقاء منهجه.

وتوجد أسباب أخرى تقلّل من قيمة صحيح البخاري العلمية، منها:

الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين صدور الأحاديث النبوية الشريفة وتاريخ تدوينها، وما تخلّل تلك الفترة من الدسّ والوضع والتحريف والحذف وما شابه ذلك!، فلهذا تجد هذا الكتاب يعج بروايات شاذّة ليس لها إلاّ إسناداً واحداً(2)، كما يعج بالإسرائيليات الكثيرة(3)، فضلا عن الروايات القادحة بصميم النبوّة، وتمس نفس شخص الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، كشكه(4)، وسهوه

____________

1- لاحظ إغماضه لبعض فضائل الإمام أميرالمؤمنين(عليه السلام) وعدم ذكره لأحاديث: الغدير، الطائر المشوي، سد الأبواب، أنا مدينة العلم وعلي بابها وغيرها التي ثبّتها أهل الصحاح والكتب الاخرى.

2- قال الحاكم النيسابوري في المستدرك، بعد نقل أحد الأحاديث: " ولعل متوهماً يتوهم أن هذا متن شاذ فلينظر في الكتابين ـ كتابي البخاري ومسلم ـ ليجد من المتون الشاذة التي ليس لها إلاّ إسناد واحد ما يتعجب منه، ثم ليقس هذا عليها "، المستدرك: 1 / 70 (52).

3- أنظر: صحيح البخاري كتاب التفسير سورة الصافات، وكتاب الخصومات، وكتاب الأنبياء: باب قول الله " وكلم الله موسى تكليماً "، وباب " ان يونس لمن المرسلين "، وكتاب الرقاق: باب نفخ في الصور، وباب وفاة موسى.

4- أنظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي، والرواية عن عائشة تذكر فيها كيفية بدء الوحي وهي لم تولد بعد!! وظاهر الرواية يقول: إن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطمئن بتعينه وانتخابه رسولا من قبل رب العزة، وأنه كان يخشى على نفسه فذهب لورقة بن نوفل النصراني بعد نصيحة زوجته ليسأله سؤال التلميذ من الاستاذ!! فعرّفه ورقة ذلك هو الملك، فعرف أنّه بعث رسولا، فكأن ورقة أعلم منه(صلى الله عليه وآله وسلم) بالبعثة!.


الصفحة 418
ونسيانه(1)، وسحره لبعض الوقت(2)، وشغفه ـ والعياذ بالله ـ بالغناء والغواني(3)، وتعرّيه أمام الناس(4)، وتفرجه ومشاهدته للرقص(5)!!

ومنها تقطيعه للأحاديث وانتخاب ما يتمشى منها مع ذوقه ورأيه، وحذف عبارات من مقدمة الحديث أو نهايته(6).

ومنها نقله جملة من الأحاديث بالمعنى وعدم روايتها باللفظ، وكذا تغطيته وتعتيمه على بعض الأسماء وإتيانه لها بشكل مجهول بكلمة " فلان "(7)!.

ومنها تكميل كتاب صحيح البخاري وتتميمه من قبل الآخرين!، خصوصاً

____________

1- أنظر: صحيح البخاري: 1 / 156 (392)، عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون... "، 1 / 157 (396)، وعن عبدالله قال: " صلى النبيّ الظهر خمساً... "، 1 / 182 (468)، وعن أبي هريرة: " صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحدى صلاتي العشاء... فصلى بنا بركعتين... "، 2 / 940 (2012)، وعن عائشة قالت: " سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)... لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسيتها من سورة كذا وكذا ".

2- أنظر: صحيح البخاري: 5 / 2174 (5430)، عن عائشة قالت: " سحر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رجل من بني زريق... "، وكذا 5 / 2347 (6028).

3- أنظر: صحيح البخاري، كتاب الفضائل، فضائل أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكتاب العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، وكتاب المناقب، باب رقصة الحبش، كتاب النكاح، باب النسوة اللاتي يهدين المرأة إلى زوجها.

4- أنظر: صحيح البخاري، باب بنيان الكعبة: 3 / 1392 (3617).

5- أنظر: صحيح البخاري، كتاب الفضائل في ذيل باب شهود الملائكة بدر، وكتاب النكاح باب ضرب الدف، وكتاب النكاح باب ذهاب النساء والصبيان إلى العرس، وكتاب فضائل أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)باب قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) للأنصار.

6- أنظر: صحيح البخاري، وكتاب التيمم، وكتاب الطلاق، وكتاب الحدود.

7- أنظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، وكتاب الفتن.


الصفحة 419
وأنّ بعض الكتاب كان مبيضّاً والقسم الآخر منه كان غير تام(1) ; ونسبة الكتاب كله إلى محمّد بن إسماعيل البخاري فرضية لا أكثر!.

هذا فضلا عن كثير من الأحاديث المخالفة صراحة للأدلّة العقلية والنقلية.

نقد بعض أبناء العامة لصحيح البخاري:

إنّ كتاب البخاري ـ جملة وتفصلا ـ عرضة للنقد، والجدير بالذكر أنّ أوّل من فتح هذا الباب على هذا الكتاب هم أبناء العامة أنفسهم، لا سيما العلماء والمحدثين والحفاظ والشراح الذين يعتمد على أقوالهم، والذي كان منهم:

1 ـ أبو زرعة ـ المعدود من حفاظ الحديث وأعلام الرجال ـ فقد نقل الخطيب البغدادي عن سعيد بن عمرو، قال: " شهدت أبا زرعة الرازي، ذكر كتاب الصحيح الذي ألّفه مسلم بن الحجاج، ثم الصائغ على مثاله ـ صحيح البخاري ـ فقال لي أبو زرعة: هؤلاء قوم أرادوا التقدّم قبل أوانه فعملوا شيئاً يتشوفون به "(2).

2 ـ ابن همام، حيث قال: " وقول من قال: أصح الأحاديث ما في الصحيحين، ثم ما أنفرد به البخاري، ثم ما أنفرد به مسلم، ثم ما أشتمل على شرطهما، ثم ما أشترط على أحدهما، تحكم وباطل لايجوز التقليد فيه "(3).

3 ـ أحمد أمين ـ الكاتب المصري ـ حيث قال: " وقد ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو ثمانين، وفي الواقع هذه مشكلة المشاكل... ومن هؤلاء

____________

1- أنظر: إرشاد الساري للقسطلاني: 1 / 43، هدي الساري مقدمة فتح الباري للعسقلاني: 8، فتح الباري للعسقلاني: 1 / 5، حياة البخاري (للقاسمي): 32 ـ 34.

2- أنظر: تاريخ بغداد للخطيب: 4 / 272 (2023).

3- أنظر: أضواء على السنة المحمّدية لابي رية: 312.


الصفحة 420
الذين روى عنهم البخاري وهم غير معلومي الحال: عكرمة مولى ابن عباس... ومسلم ترجح عنده كذبه "(1).

فهذا ـ بشكل موجز ـ ما أبداه بعض علماء العامة حول الصحاح عموماً، وصحيح البخاري خصوصاً.

البصيرة وإزالة الحجب عن النفس:

يختم السيد علي الحبشي حديثه قائلاً: " دفعتني هذه الحقائق لأنّ أعيد النظر تماماً حول كتاب البخاري ومؤلفه، فقد كان هذا الجامع مرجعاً روائياً مهماً بالنسبة لي، وإذا بي أجده مليئاً بالثغرات!.

فتابعت بحثي وكثّفت مطالعاتي، فكانت النتائج باهرة بالنسبة لي، وأخيراً كان لأحاديث الثقلين، والأئمة اثنا عشر، وكلّهم من قريش، والغدير، وآية التطهير، دوراً كبيراً في إزالة الحجب التي كانت تمنع بصيرتي من رؤية الحقّ، فاهتديت بعد ذلك إلى طريق أهل البيت(عليهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ثم أعلنت استبصاري في مدينة " بانجيل ".

____________

1- أنظر: ضحى الإسلام لأحمد أمين: 2 / 117.


الصفحة 421

(38) ماجد محمّد أحمد رشيد
(حنفي / عراق)




ولد عام 1971م بمدينة " كركوك " في العراق(1)، من عائلة كردية تعتنق المذهب الحنفي، واصل دراسته حتى نال شهادة الثانوية.

تشرّف باعتناق مذهب أهل البيت(عليهم السلام) عام 1996م بمدينة " أربيل " العراقية.

بداية الحوار مع الشيعة:

يقول الأخ ماجد: " كنت عضواً في أحد الأحزاب، وكان ضمن مهامي حراسة المقر ومراقبة الأشخاص الذين يترددون عليه للحفاظ على أمن منطقتنا المضطربة.

لفت نظري تديّن أحد الأشخاص وورعه ووقاره في المنطقة، فكان كثير الصلاة ومواظباً على صلاة الليل، وعرفت من هيئة صلاته وسجودة على التربة أنّه من الشيعة، وكان يتمتع بشخصية متزنة يكن لها الجميع التقدير والاحترام، رغم اختلاف القومية والمعتقد والتقاليد والثقافة.

____________

1- العراق: أنظر الترجمة رقم (10).


الصفحة 422

السجود على التربة:

ولحرصي لمعرفة الحقائق تقدمت إليه ذات يوم فسألته: لماذا تصلي على هذه الحجارة (التربة)؟

فأجابني بهدوء واتزان: ذلك لأنّ شريعتنا كما روى أهل البيت(عليهم السلام) عن الرسول أن السجود في الصلاة لا يجوز إلاّ على الأرض و ما لا يؤكل ولا يلبس من نباتها ".

وقد شنع الخصوم بأنّ السجود على التربة بمثابة السجود للصنم، وخفى عليهم أنّ الشيعة تسجد على التربة وليس لها، والفرق واضح بين السجود على الشيء والسجود له، والسجود لا يجوز إلاّ لله تعالى.

أهمية السجود:

إنّ السجود من أعظم أركان الصلاة، وورد في الحديث: " أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد "(1)، وأنّ الله تعالى أخرج إبليس من الجنّة وطرده منها لأنّه أبى عن السجود وأخذته الأنانية والكبرياء عندما رأى نفسه أنّه أفضل من آدم، وما من عمل أشق على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً لله تعالى، لأنّه أُمر به فعصى وغوى فهلك، وابن آدم أُمر فأطاع وسجد فنجى.

والجدير بالذكر أنّ سجود الملائكة لآدم كان بأمر من الله تعالى، فهو سجود لله تعالى لأنّه جعل آدم (عليه السلام) قبلة للملائكة، كما كان سجود يعقوب (عليه السلام) وأولاده ليوسف (عليه السلام) في الملك.

____________

1- أنظر: ثواب الاعمال للصدوق: 60، البحار للمجلسي 82 / 163، كتاب الصلاة، باب فضل السجود.


الصفحة 423

الأخبار تشترط السجود على الأرض:

يشترط في السجود أن يكون على الأرض، وقد تظافرت الأخبار بذلك عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، منها:

1 ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): " جعلت لي الأرض طيبة طهوراً ومسجداً، فأيما أدركته الصلاة صلى حيث كان "(1).

2 ـ عن أبي سعيد الخدري، قال: " أبصرت عيناي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أنفه وجبهته أثر الماء والطين "(2).

3 ـ عن أنس بن مالك، قال: " كنا نصلي مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في شدّة الحرّ، فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه "(3).

ويظهر من هذه الروايات أنّ الصحابة شكوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من الحرّ، حيث كانت تحترق جباههم ليرخص لهم في السجود على غير الأرض مما يدفع عنهم هذه المشقة كالثياب وكور العمامة أو المناديل فلم يبالي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بشكواهم وهو الرؤوف العطوف، وما ذلك إلاّ لعدم جواز السجود على غير الأرض.

أخبار جواز السجود على النبات:

إنّ السجود على خصوص الأرض كان في أوّل التشريع، وبعد ذلك رخص لهم بالسجود على مالحق بها من نبات، وقد وردت روايات قطعية متواترة

____________

1- أنظر: صحيح مسلم: 1 / 370 (521)، صحيح البخاري: 1 / 128 (328)، سنن النسائي: 2 / 32، صحيح الترمذي: 1 / 350 (317).

2- أنظر: سنن أبي داود: 1 / 34 (894)، صحيح البخاري: 1 / 287 (801).

3- أنظر: السنن الكبرى للبيهقي: 2 / 153 (2666).


الصفحة 424
ترخص بالسجود على نبات الأرض غير المأكول والملبوس، فألحق(صلى الله عليه وآله وسلم) نبات الأرض بالأرض وعدّه من أجزائها وسهل لهم بذلك السجود، كما أجاز لهم صنع شيء من النبات يحملونه معهم (الخمرة) تنسج من خوص النخل بقدر الوجه، فتوضع في المساجد والبيوت ويسجد عليها في الصلوات، وكثر ذلك وشاع وانتشر، وهذه جملة منها:

1 ـ عن أنس بن مالك، قال: " كان رسول الله يصلّي على الخمرة "(1).

2 ـ عن اُمّ أيمن، قالت: " قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ناوليني الخمرة من المسجد، قلت: إني حائض، قال: إنّ حيضتك ليست في يدك "(2).

3 ـ عن ميمونة زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: " كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يصلّي وأنا حذاءه، وربما أصابني ثوبه إذا سجد وكان يصلي على الخمرة "(3).

ولا خصوصية للخمرة، فقد صلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على البساط والحصير والكل من أفراد النبات.

فعن أنس، قال: " كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن الناس خلقاً، فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس، ثم ينضح ثم يؤمّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ونقوم خلفه فيصلّي بنا، وكان بساطهم من جريد النخل "(4).

____________

1- أنظر: تاريخ اصبهان لأبي نعيم: 2 / 141، المصنف لعبد الرزاق: 1 / 300 (1540)، سنن ابن ماجة: 1 / 325 (1028)، صحيح ابن حبان: 14 / 212 (6305).

2- أنظر: الاصابة للعسقلاني: 8 / 172 (11898).

3- أنظر: صحيح البخاري: 1 / 149 (372)، السنن الكبرى البيهقي: 3 / 152 (5225)، سنن أبي داود: 1 / 254 (656).

4- أنظر: صحيح مسلم: 1 / 457 (659)، السنن الكبرى للبيهقي: 3 / 94 (4992)، مسند أحمد: 3 / 212 (13232).