الصفحة 322

3 ـ "الإمام الحسين(عليه السلام) في سفر الشهداء"، محاضرة مطولة حول تاريخ الانبياء(عليهم السلام) من زمان أبيهم ابراهيم إلى زمان الخاتم(صلى الله عليه وآله)، وذكر حسد قريش للنبي(صلى الله عليه وآله) وآله(عليهم السلام) ومقاومتها لدين الاسلام من الخارج ومحاولة هدمه من الداخل بعد ذلك. وقارن خروج الامام الحسين(عليه السلام) من المدينة بخروج موسى خائفاً مترقباً من مصر. وذكر ما تعرض له بني أمية بعد قتل الامام الحسين(عليه السلام) وما سيتعرض له الظالمون عند خروج الامام المهدي(عليه السلام).

4 ـ "انتخاب الطريق من الظلمات إلى النور"، وفيها تفاصيل أخرى عن كيفية انتقاله إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام) غير ما ذكره في المحاضرة رقم (1)، وفيها ذكر قصة إطلاعه على كتب اوردها الحجاج الايرانيون إلى الحجاز وكيف اسندت إليه مسؤولية اصدار الحكم بمصادرتها عندما كان يعمل مستشاراً في الوزارة الداخلية بالسعودية، وكيف استفاد من هذه الكتب وتمكن من اكتشاف دور آل البيت من حديث الثقلين.

5 ـ "من هم الشيعة"، تعرض فيها إلى أمور متعددة من تفسير لبعض آيات القرآن الكريم وعرض لسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) والائمة(عليهم السلام) وكيفية انتقال الهداية الالهية بعد النبي(صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء إلى الامام علي وأولاده(عليهم السلام)، ووراثة الشيعة بحبهم آل البيت(عليهم السلام) كل الدين والهداية الالهية وانهم الذين سينتصر بهم الله على الدين كله بظهور القائم (عج).

أبحاث:

(1) "مسؤوليات الامة الاسلامية في الانتظار والتحديات":

بحث القاه في ملتقى الفكر الإسلامي الثاني عشر الذي عقد في المركز الإسلامي في انجلترا، وقد نشرته مجلة شؤون اسلامية التي تصدر عن المركز العدد 7 ـ سنة 1421 هـ، عقد الملتقى تحت عنوان "مستقبل الأمة الإسلامية بين

الصفحة 323
تحديات عصر العولمة والاطروحة الالهية لمستقبل البشرية".

يتحدث في هذه المقالة عن مصطلح العولمة الذي يرى أن الإسلام يقبله لأنه دين عالمي وأنّ سيادة الإسلام العالمية ستحقق بقيادة الإمام المهدي(عليه السلام).

ويتحدث عن بشرى المسيح بالنبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) وأنّ للمسيح عودة إلى الأرض لنصرة الإمام المهدي الذي سيطبق القرآن الذي هو لكل العصور بما فيها عصر العولمة.


الصفحة 324

وقفة مع ((الإمامة في كتاب الله الحكيم)) من كتابه محاضرات عقائدية

أهمية الإمامة:

يرى الكاتب أنّ موضوع الإمامة ـ كما هو الحق ـ من أشرف الموضوعات الدينية وأهمها، وهو خليق بأن تتوجه له العقول وتتوفر على بحثه والتثبت منه.

ويشبه الإمامة بالثمرة في شجرة الإيمان، إذ أنّ الشجرة المباركة التي جعل الله أصلها ثابتاً في الأرض بلا اله إلا الله وفرعها منبثقاً في السماء برسول الله(صلى الله عليه وآله)إنما ثمرتها الحقيقية الإمامة، وإذا تجردت الشجرة من الثمرة فقدت وظيفتها وأصبحت عالة على الأرض التي تستقل بها.

كما يتحدث عن مظلومية الإمامة كركن من أركان الدين نقضت عروته وتهدم أساسه أولاً ثم نقضت الأركان الاخرى وتهدمت عروة عروة عبر التاريخ نتيجة لظلم هذا الركن وتضييعه من قبل المسلمين.

الاختيار الالهي في الخلق:

يرى الكاتب أنّ كل مخلوق خلق على قاعدة الاختيار الالهي له، يعني أنّه ليس مخلوقاً عبثاً; لأنّ العبثية في المخلوقات ممتنعة، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثاً)(1)، فكل المخلوقات خلقت بتقدير واختيار وبحيث يستطيع الباحث المدقق أن يسجل هذه السنة: سُنة الخلق مقرونة بسنة الاختيار، قال

____________

1- المؤمنون: 115.


الصفحة 325
تعالى: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَـنَ اللَّهِ وَ تَعَــلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(1).

وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ الاختيار يشمل العوالم الثلاثة: عالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان، قال تعالى: (ثَمَرَ ت مُّخْتَلِفاً أَلْوَ نُهَا وَ مِنَ الْجِبَالِ جُدَدُم بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهَا وَ غَرَابِيبُ سُودٌ* وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَآبِّ وَ الاَْنْعَـمِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَ نُهُو كَذَ لِكَ)(2)، ففي هذه الاية الكريمة اشارة إلى انواع الخلق المختلف في العوالم الثلاثة مما يدل على الاختيار الالهي لهذه الانواع المصاحب لخلقها. وهذان الأمران ـ أي الخلق والاختيار هما من مظاهر ربوبية الله في تصرفه وتقديره لأمور الكون.

نقطة التحدي في رفض الاختيار:

يوضح الكاتب أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا اختار أن يخلق بشراً من صلصال.

وأنبأ الملائكة بمشيئته وتحققت هذه المشيئة وخلق الانسان، جاء وقت الاذعان لهذه المشيئة بالسجود لهذا المخلوق كما أمر بذلك سبحانه.

هنا أبى إبليس واستكبر وكفر، وهو لم يكفر بالله خالقاً ولا كفر بالله رازقاً ولا كفر بالله فاطراً، ولكنه نازع وأبى اختيار الله لآدم كخليفة في الأرض وتفضيله على غيره بتعليمه الاسماء كلها. قال يخاطب الله سبحانه (خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُو مِن طِين )(3) (ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً)(4)، وجاءه الرد الالهي (فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّـغِرِينَ )(5)، فالله

____________

1- القصص: 68.

2- فاطر: 27 ـ 28.

3- الأعراف: 12.

4- الاسراء: 61.

5- الاعراف: 13.


الصفحة 326
سبحانه لم يقل له أنك لم تعبدني أو أنك لم تذكر أني خالقك أو أنك تصورت نفسك إلهاً بل قال: لا يحق لك التكبر على أمري في اختيار آدم وجعله خليفة بل كان عليك الاذعان وعدم التحدي.

بني آدم وسنة الاختيار:

ينتقل الكاتب إلى عرض سنة الاختيار الالهي على البشر وامتحانهم بها بقبولها أو رفضها حيث يكون القبول والتسليم والرضى بما اختاره الله سبباً في النجاة والنجاح في الامتحان ويكون التكبر والاباء والتحدي سبباً في الهلاك والفشل في هذا الامتحان.

قال ابليس: يا رب أنا عبدتك في الأرض وعبدتك في السماء حتى ابتليتني بهذا المخلوق الذى خلقته من طين وأمرتني بالسجود له، فعظم عليّ أن اسجد للطين، هلاّ ابتليت ذريته بما ابتليتني به ففضلت بعضهم على بعض لترى كيف يفعلون ببعضهم(1)؟

وعن هذا تتحدث الآية في السنة الكونية، يقول الحق: (وَكَذَ لِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْض لِّيَقُولُواْ أَهَـؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنم بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّـكِرِينَ )(2).

الله تعالى وجد أن احتجاج إبليس وجيه، وبعدله وبتقديره في الأزل اجرى الاختيار على بني آدم منذ فجر الخليقة.

عندما أصبح ابناء آدم أكثر من واحد تحركت سنة الاختيار لكي يتبين من يرضى باختيار الله.

كان ابنا آدم قبل الاختيار مسلمين، والدليل انهما قربا لله قرباناً، فلو كان

____________

1- انظر تفسير الطبري: 8 / 172 ـ 175.

2- الانعام: 53.


الصفحة 327
أحدهما كافراً محضاً ومنكراً فانه لا يقدم قرباناً، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاَْخَرِ قَالَ لاََقْتُلَنَّكَ)(1).

رفض ابن آدم الشقي الاختيار، رغم انه قبل ذلك كان يقدم قرباناً، أي أنه عارف بالله مؤمن به لكنه رفض الاختيار فطرد واصبح شقياً مطروداً وارتكب جريمة القتل لأخيه.

إن ابليس فرح مع أول دفقة دم لابن آدم على يد أخيه. وقال:ها قد نجحت في التحدي ولهذا يقول الحق عن ابليس: (أَفَتَتَّخِذُونَهُو وَ ذُرِّيَّتَهُو أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوُّم بِئْسَ لِلظَّــلِمِينَ بَدَلا)(2)، وهكذا أخذت سنة الاختيار مجراها لا تجدها لها تبديلا ولا تحويلا لما تكاثر البشر وكانت النبوات.

الاختيار في زمان نوح وإبراهيم(عليهما السلام):

يواصل الكاتب بيانه لسنة الاختيار الالهي بالاستفادة من آيات القرآن، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً) والاصطفاء يعني اختيار الصفوة وهو ليس مجرد اختيار، بل اختيار يتجلى فيه العلم والقدرة والبصر بالعباد.

ثم دخل على الاصطفاء تطور جديد كان إبراهيم(عليه السلام) سبباً له، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَ هِيمَ وَءَالَ عِمْرَ نَ)(3)، فالآية هنا لم تعبر ان الله اصطفى آدم ونوحاً وابراهيم، ومن هنا دخل في دائرة الاصطفاء الآل.

الله تبارك وتعالى لمّا أكرم ابراهيم وابتلاه بكلمات فاتمهن، خوطب بالبشرى: (إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)، تقبل البشرى راغباً في سعة رحمة الله

____________

1- المائدة: 27.

2- الكهف: 50.

3- آل عمران: 33.


الصفحة 328
وفي استدامة هذا النور في ذريته (قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى) أُجيب جواب المثبت للامامة من حيث المبدأ المستبعد للظالمين منها (قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّــلِمِينَ)(1) أي: بلى يا ابراهيم يكون من ذريتك أئمة مع استبعاد الظالمين.

بيت الله وأهل البيت:

قد بوأ الله سبحانه بيته لإبراهيم الخليل ليرفع قواعده (وَ إِذْ بَوَّأْنَا لاِِبْرَ هِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْـًا)(2) (وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَ هِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْمَـعِيلُ)(3)، ولابد للبيت من أهل، وقد اختارهم الله بعد ابراهيم من ذريته فهم ليسوا أناساً مجهولين.

جاءت الملائكة إلى إبراهيم وحدثته بإرسالهم إلى قوم لوط، فأخذ ابراهيم يجادلهم في قوم لوط، وكانت امرأة إبراهيم البارة الصالحة سارة عميدة أهل البيت في زمانها قائمة، يقول الوحي مبشراً لها: (وَ امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـهَا بِإِسْحَـقَ وَ مِن وَرَآءِ إِسْحَـقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَـوَيْلَتَى ءَأَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ وَ هَـذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَـذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكَـتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)(4).

بدأت مرحلة أهل البيت منذ أن رفع إبراهيم القواعد من البيت، وبعد إبراهيم إسحاق وبعد إسحاق يعقوب، وهكذا حتى استتم بنو اسرائيل مواكب أنبيائهم نبياً بعد نبي، حتى إذا غيّر بنو اسرائيل ما بأنفسهم غير الله ما انعم عليهم، واستبدلوا بآل محمد(عليهم السلام) من ذرية اسماعيل بن إبراهيم.

____________

1- البقرة: 124.

2- الحج: 26.

3- البقرة: 127.

4- هود: 71 ـ 73.


الصفحة 329

آل عمران همزة الوصل:

ذكرت آية الاصطفاء(1) آل ابراهيم، وآل عمران، وآل عمران يتلخصون في مريم بنت عمران وابنها المسيح، وهذا يعني ان الله سبحانه جعل من مريم رحماً للآل كما جعل سارة قبل ذلك رحماً لهم وسبباً وأصلاً وبشرها بذلك.

إنّ من أقوى الأدلة العقلية والنقلية على جفاف ينابيع الخير في بني إسرائيل أنه لا يوجد أحد من ذكور بني اسرائيل أهلاً لمريم الطاهرة البتول، قال تعالى: (وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَ نَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِمَـتِ رَبِّهَا وَ كُتُبِهِ وَ كَانَتْ مِنَ الْقَـنِتِينَ)(2).

ويبدو أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبيّن همزة الوصل بين انتهاء إمامة بني اسرائيل وبدء إمامة محمد(صلى الله عليه وآله) وآله(عليهم السلام)، إذ جاء عيسى(عليه السلام) وهو كما يصفه القرآن همزة وصل فعلاً (وَ إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَـبَنِى إِسْرَ ءِيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ مُبَشِّرَاً بِرَسُول يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ)(3).

الاختيار في سورة الشورى:

وضحت سورة الشورى المنعطف الذي بيّن تسلسل الاختيار وبدء الإمامة في ذرية الزهراء(عليها السلام).

الحق تبارك وتعالى يقول في هذه السورة: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَ هِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ

____________

1- آل عمران: 33.

2- التحريم: 12.

3- الصف: 6.


الصفحة 330
الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ)(1).

أول شيء يقول الحق مخاطباً عبده ورسوله محمداً(صلى الله عليه وآله): يا عبدي ورسولي محمد، هاقد آل إليك ميراث النبيين جميعاً، هاقد آلت إليك أنوار الأنبياء جميعاً ووصاياي لهم جميعاً أصبحت وصاياي لك ولامتك.

ثم إنّ الحق تبارك وتعالى يقول: (اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَـبَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزَانَ)(2)، والميزان هو الإمام المعصوم الذي يكون مع الكتاب ضامناً لعدم تحريفه ومنافحاً عنه بالتفسير الصحيح الذي يدفع عنه التناقضات الظاهرية أو التفسير الخاطيء أو المحرف.

ثم أتت آية المودة في القربى (ذَ لِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَ مَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)(3) بعد أن بين الوحي أن هدى الله استقر في الرسول والأئمة المعصومين من بعده، طلب المودة للقربى وهم هؤلاء الأئمة.

سارة ومريم والزهراء سلام الله عليهن:

ثم إنّ هبة الإمامة مرتبطة بأنوار الزهراء(عليها السلام)، فها هي سورة الشورى لا زالت تتحدث (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَـوَ تِ وَ الاَْرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَـثًا وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَـثًا وَ يَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(4).

____________

1- الشورى: 13.

2- الشورى: 17.

3- الشورى: 23.

4- الشورى: 49 ـ 50.


الصفحة 331
الهبة بدأت بالاناث ثم قال (وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ)، أي يهب لمن يشاء الذكور المناسبين للاناث في الزواج (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَـثًا)، والاناث هن التربة، وهن المستودع التي تستودع فيه النطف، ولذلك قلنا: ان سارة ارتبط بها آل البيت وكذلك مريم الذى كان عيسى ابنها ينادي: نضب الخير فيكم يا بني اسرائيل، من يستحق منكم ان يكون زوجاً لمريم؟

في سورة النور يقدم الله ذكر الطيبات على الطيبين يقول (الطيبات للطيبين) كما يقول (الخبيثات للخبيثين)(1) وهذه إشارة الى انه اذا نظف الرحم وطهر المستودع كان قميناً بان ينجب الرجال، ولذلك صح القول المأثور: "ما كان لفاطمة كفو غير علي"(2) فهو قد خلق من اجلها. وهذا هو الاختيار والاصطفاء للامامة.

رد فعل الأمة تجاه الاختيار الالهي:

بعد أن وضحت سورة الشورى معالم الاختيار الالهي، حذرت الأمة من التفريط بهذا الاختيار بالتفرق والبغي والشك والاضطراب والافتراء.

في الآية (13) كان جوهر الوصايا التي شرعها الله من زمان نوح إلى محمد(صلى الله عليه وآله): (أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ) لان التفرق لووقع سيكون ناشئاً بسبب البغي، فربنا يقول: (وَ مَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ)(3) ومعنى البغي بينهم ان يرفض بعضهم البعض الذي اختاره الله بعد علمهم بذلك كما حدث في تاريخ المسلمين عندما جائهم في يوم الغدير وغيره من المناسبات.

____________

1- النور: 26.

2- بحار الانوار: 43 / 101.

3- الشورى: 14.


الصفحة 332
ثم يقول الحق بخصوص بغيهم هذا: (وَ لَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ)(1).

ولو لا هذه الكلمة التي سبقت من ربنا لما استطاع ان يجتريء على رسول الله(صلى الله عليه وآله)أحد بهذه الكلمة الرهيبة: "إنه يهجر"(2) إلاّ وأتاه العقاب الفوري.

وختام الآية يقول: (الَّذِينَ أُورِثُواْ الْكِتَـبَ مِنم بَعْدِهِمْ لَفِى شَكّ مِّنْهُ مُرِيب )(3).

أي أنّ نتيجة التفرق القائم على البغي تؤدي إلى الريب في الكتاب فيقع الاضطراب ويصير الناس في شك، ماذا فعل رسول الله وماذا لم يفعل؟ وما معنى هذه الآية وما معنى تلك؟ بحيث اصبح القرآن واحكامه وعبادات الرسول محل شك! لدرجة ان المسلمين لا يعرفون كيف توضأ الرسول، وهو كان يتوضا على مرآى من المسلمين طوال حياته، وهذا نتيجة نقضهم عروة الامامة بغياً فتفرقوا.

وفي الآية (24) يقول الحق: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)(4)، وقد جاء في بعض الروايات عند أهل السنة، قال بعضهم: لعلّ هذا من عند رسول الله وليس من الله(5)، عندما بلغهم بالامامة وبين لهم وجوب المودة بما تنطوي عليه من تسليم لاختيار الله سبحانه. وأما هذا الذي اعترض في رزية الخميس وقال: انه يهجر، فاما انه ظنّ ان رسول الله يفتري على الله فيكون المعترض قد كفر، أو ظن إن هذا من أمر الله ولكنه لا يريد أمر الله، والحال واحد.

____________

1- يونس: 19.

2- البخاري: 5 / 137، صحيح مسلم: 5 / 76، سنن النسائي: 3 / 433، أحمد: 1 / 325، فتح الباري: 1 / 186.

3- الشورى: 14.

4- الشورى: 24.

5- السيوطي في الدر المنثور عن الطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير، انظر الميزان: 18 / 53.


الصفحة 333

الاختيار في مملكة النحل:

يقول الكاتب وفقاً لرأيه بأنّ الاختيار الالهي يسري في الحيوانات أيضاً، ان هناك آيات في كتاب الله غريبة المأخذ والمنتهى ولا تقف عند حد لو تأملنا فيها، الله سبحانه يقول: (وَمَا مِن دَآبَّة فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَـائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَـبِ مِن شَىْء ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ )(1)، ويقول سبحانه في آية اخرى: (وَ إِن مِّنْ أُمَّة إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ)(2)، إذن حتى أمم الطيور والحيوان فيها اختيار وانذار.

تعالوا نتأمل الاختيار في مملكة النحل، وهو الاختيار المذهل الذى دعا إلى ان يختص النحل بسورة من طوال السور في القرآن، ويختص بوحي، ومعجزة النحل وحدها دليل على الإمامة.

الله سبحانه يقول: (وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(3)، يا هل ترى جمع مذكر أم جمع مؤنث؟

سيظهر في الخطاب الآتي: (وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى) فقد عدل بعدما كان يخاطب جمعاً، عدل في الأمر الصادر كأنه يخاطب مفرداً مؤنثاً، لانه لا جمع مؤنث: أن اتخذن، ولا جمع مذكر: أن اتخذوا، قال: (أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ)(4).

لقد اصبح معلوماً ـ وأي دارس في الاعدادية يعرف ـ أنّ في مملكة النحل

____________

1- الانعام: 38.

2- فاطر: 24.

3- النحل: 68.

4- النحل: 68.


الصفحة 334
ملكة، فما هذه الملكة، هل جاءت من السقيفة؟! هل اختاروها هناك؟!

بيض النحل عندما يفقس، يفقس عن ثلاثة أنواع: ذكور، وعاملات وواحدة فقط ملكة ولو فقس بيض الملكة عن اكثر من ملكة يستحيل ان تبقى الملكتان في الخلية، لابد أن تنفصل واحدة ببعض العاملات وتغادر لتكون خلية جديدة، لا امامان في خلية.

ملكة النحل هذه كيف اكتسبت صفاتها؟

آنها صفات تكوينية من الله عزوجل، ولأجل ان يضرب المثل بها، فاذا كانت حشرة قد انتظمت في طاعة امامها فانتجت عسلاً فيه شفاء للناس، فكيف لو انتظم الناس في طاعة امامهم، فماذا كانوا ينتجون؟!

لو استقام الناس على امامة امير المؤمنين لاصبحت هذه الأرض جنة، يقول تعالى: (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم)(1)، وقال تعالى: (وَ أَلَّوِ اسْتَقَـمُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَـهُم مَّآءً غَدَقاً )(2).

الإمامة في الجماد:

إنّ الإمامة تسري في الكون حتى في الجماد والمواد، إن ما نقرأه عن البروتونات والنيوترونات والالكترونات، رغم انه بسيط فانه غريب!

إنّ الذرة تتكون من نواة والكترونات تدور حول نواة الذرة التي فيها، والنواة لها مركز ثابت وتتحرك بثبات. من الذي صنع لهذه النواة هذا المركز وللالكترونات هذه المدرات؟.

____________

1- المائدة: 66.

2- الجن: 16.


الصفحة 335

مسك الختام:

إن الله الذي أكرم المؤمنين بان جعلهم من أصحاب الولاء لمحمد وآل محمد يندبهم لأمر عظيم، لان يتهيأوا ويكونوا في جيش الامام القائم(عليه السلام). قال تعالى: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(1).

____________

1- هود: 86.


الصفحة 336

الصفحة 337

(15) سعيد أيوب
(سني / مصر)




ولد في القاهرة عاصمة دولة مصر عام 1363هـ ونشأ في عائلة سنية المذهب، واصل دراسته إلى مرحلة المتوسطة، ثم خاض في عالم الفكر وأصبح مفكراً ومؤلفاً قديراً بحيث استطاع أن يغني المكتبة الاسلامية بالعديد من مؤلفاته وبحوثه الاسلامية القيمة.

وكان من جملة الأبحاث التي تطرق اليها هو ما يخص الحقبة التاريخية التي تلت وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله).

الانفتاح على آفاق المعرفة:

تبيّن للاستاذ أيوب بعد البحث والتنقيب أن تاريخ الإسلام يختلف عن تاريخ المسلمين، وأن تاريخ الإسلام هو تاريخ الفطرة النقية، أما تاريخ المسلمين فهو شيء آخر وأن ما استقام منه مع حركة الرسول فهو من تاريخ الإسلام، أما الصراعات والأحقاد من أجل الأهواء فهذا لا علاقة للإسلام به، لأنه من تاريخ الناس، ومن الناس من أغواهم الشيطان وزين لهم فانطلقوا مع أمانيه في اتجاه القهقرى والطمس.


الصفحة 338

التفتح في العقلية:

بهذه العقلية المنفتحه استطاع الأستاذ أيوب أن يخلع عن نفسه رداء التعصب ويجتاز أكبر العقبات التي تحجبت بصيرة الانسان عن الرؤية الموضوعية.

ومن هنا تمكن الأستاذ أيوب أن يرفع الستار عن الحقيقة ليراها بوضوح، لأنه انطلق من هذا المنطلق بأن تاريخ المسلمين قابل للنقد كما أنه معرض أحياناً للرفض إذا تعارض مع القرآن والسنة الصحيحة.

غربلة تاريخ المسلمين:

وبهذه الرؤية الموضوعية سلط الاستاذ أيوب أضواء بحثه على الحقبة التاريخية التي تلت وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) لادراكه بأن أحداث تلك الفترة تركت الأثر المباشر على مسار حركة الأمة الإسلامية وأدّت إلى وقوع انشقاقات عديدة في الوسط الاسلامي، وأن الطريق الوحيد لمعرفة الطريق الصحيح من بينها هو الالمام بجذور تلك الاختلافات والاحاطة العلمية بالأسباب التي أدّت إلى خروج البعض عن دائرة الالتزام بأوامر النبيّ(صلى الله عليه وآله) فيما يخص المنهج الذي اتحذه لمستقبل الأمة من بعده.

الالمام بدعوة الرسول(صلى الله عليه وآله) والتعرف على الحقائق:

كان أول عمل قام به الأستاذ ايوب هو الاحاطة علماً بمنهج الرسول(صلى الله عليه وآله)في الدعوة، والسحب الداكنة التي كانت تحاول أن تحجب بصيرة الناس عن رؤية نور رسالته، والعواصف التي كان تجتهد لتصد الناس عن سبيل الله والتي كان منها نشاط المشركين والكفار والذين في قلوبهم مرض.

ثم عرف الأستاذ أيوب بالمنهج الذي أعده الرسول(صلى الله عليه وآله) لتشكيل القيادة من

الصفحة 339
بعده، بحيث يكفل الاستمرارية والاستقرار على النحو الذي ينشده للمسيرة التي بدأها.

فتبيّن له بوضوح أن الرسول(صلى الله عليه وآله) كان يمهّد السبيل من بعده لأهل بيته(عليهم السلام)وذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى، وكان من أبرز تلك المواقف هي حجة الوداع ويوم غدير خم الذي تم فيه إعلان الولاية والنص على من هو الخليفة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله).

ولكن ما إن رحل النبيّ(صلى الله عليه وآله) إلاّ وقد رجّح الكثير من الصحابة ترك النص والعمل وفق المصلحة التي يرتؤوها لتحديد الخلافة، وأنّ السياسة كان لها أقوال وأفعال واليها يعود كل اختلافات الأمة، وبهذا اخرج آل محمد من الإمامة وجاءت على قاعدة اختيار الصحابة ومن هذا المنطلق تحولت فيما بعد إلى ملك وجبرية.

اتخاذ القرار النهائي:

وبهذا بدت الصورة واضحة أمام بصيرة الأستاذ أيوب، فلم يجد بداً سوى أن يرحل في عالم الانتماء المذهبي من المذهب السني الذي كان عليه إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام).

مؤلفاته:

(1) "معالم الفتن، نظراتٌ في حركة الاسلام وتاريخ المسلمين":

صدر عام 1416 هـ الناشر: مجمع احياء الثقافة الاسلامية / قم. ترجمه إلى الفارسية سيد حسن اسلامي وصدر عن مركز الغدير سنة 1376 هـ. ش تحت عنوان: از ژرفاى فتنه ها.

دراسة علمية معمقة ومركزة، لمسيرة الاسلام في العصر النبوي وما بعده.


الصفحة 340
اعتمدت هذه الدراسة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة المعتمدة لدى الجميع، وميزّت بين حركة الرسالة الإسلامية الربانيّة المعصومة القائمة على شخص الرسول(صلى الله عليه وآله) وأقواله وأفعاله وتقريراته، وبين حركة المسلمين على أرض الواقع التي التي تلوّنت بألوان شتى ودخل فيها ما ليس منها، وأبعد عنها رجال كانوا منها بمنزلة الأمل الذي لا تنهض الامور إلا به، وقد أنار المؤلف بهذه الدراسة واقع المسلمين وشخص الخلل الذي أصاب حياة المسلمين وحتى هذه الساعة.

وقد نشر هذا الكتاب في جزءين يتضمن كل جزء عدة مواضيع، منها:

الجزء الأول: النور الذي جاء به رسول الله(صلى الله عليه وآله) والسحب الداكنة، النور والولاية، تحذير النبيّ(صلى الله عليه وآله) من رموز الفتن، الأحداث التي وقعت بعد وفاة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، الطريق إلى الفتن، ظهور الرأى، منع تدوين الحديث، الأمراء والفتن، مجىء بني أمية، حكومة الإمام عليّ(عليه السلام).

الجزء الثاني: معارك الامام علي(عليه السلام)، يوم الجمل، ايام صفين، جداول الدماء، استشهاد الامام علي، بيعة الحسن بن علي(عليهما السلام)، مقتل أبي عبد الله الحسين، وجاء الطغاة، الرياح الفرعونية.

(2) "الانحرافات الكبرى، القرى الظالمة في القرآن الكريم":

صدر عام 1412 هـ عن دار الهادي / بيروت.

بحث قام بطرح ما قصه القرآن عن الأمم السابقة وحتى الرسالة الخاتمة.

فتعرض لانحرافات قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب(عليهم السلام) وبني اسرائيل وقوم نبينا محمد(صلى الله عليه وآله)، وعند الحديث عن الرسالة الخاتمة القى بعض الضوء على أحداث ما سمي بـ "الفتنة الكبرى". تلك الأحداث التي يتجنب العديد من الباحثين الخوض فيها.

في حين أنهم أمروا بالنظر في الماضي حتى لا ينطلقوا إلى المستقبل وعلى