الصفحة 359

(16) سعيد السامرائي
(حنفي / العراق)




ولد في مدينة سامراء بالعراق في منتصف الخمسينيات، ونشأ في عائلة تنتمي إلى المذهب الحنفي، لكنه لم يخضع للتميّز المذهبي ولم يتعصّب في الانتماء المذهبي، بل مال حيثما أملت عليه الأدلة والبراهين التي حصل عليها بالبحث، فتشيّع في منتصف العشرينيات من عمره بعد اتمامه للدراسة الجامعية، ثم هاجر إلى خارج العراق تخلّصاً من النظام البعثي المتسلّط على زمام الحكم، وهو حالياً مقيم في لندن.

سبيل معرفة العقيدة الحقة:

يرى الدكتور سعيد أن هناك طريقان لمعرفة العقيدة الحقة، أوّلها يوصل إليها والآخر قد يوهم بذلك.

أمّا الأول: فهو معرفته بعد اعمال الفكر وتدقيق النظر.

وأما الثاني: فهو بتقليد من تعتقد بعدالتهم. وهذا قد يوصلك إلى الحق إن كان من تتبع آراءهم وأحوالهم وأفعالهم على الحق، وقد يضلك إن كانوا غير ذلك، فإنك ستبقى على اعتقادك بأنك على الحق وهو التوهم، ويكون وصفك إذ ذاك

الصفحة 360
على ما جاء به التنزيل (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(1) (إلاّ أنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)(2).

أما الأول فهو الذي وصفه علي أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما أجاب السائل عن الطائفة المحقة يوم الجمل، فلم يقل الامام "أنا على الحق" ولو قالها لكان صادقاً، بل قال: "اعرف الحق تعرف أهله".

ويرى الدكتور سعيد بإن الانسان الباحث إذا كان من النوع الأول فإن مطالعته للكتب الصحيحة والحقه ستكون ذا فائدة، وأما إن كانت من الثاني وكان قبلُ من غير المؤمنين بما جاء به الكتاب الذي يطالعه، فسيجد نفسه مكتئبة وصدره ضيقاً حرجاً مما يقرأ، لأنه يقرأ عبارات تبيّن الحقائق ويقرأ نصوصاً جلية واضحة تلوي الأعناق، فإمّا أن يفزع إلى تكذيبها، وهذا ديدن الضعيف الذي بهت أمام الحق فلا يدري جواباً فيلوذ بالأوهام وأما أن يأخذ الله بيده فيمرّ بحالة الطفرة فيغيّر منهجه ويتغلّب على نفسه.

تحذيره من الوقوع ضحية الطائفية:

يرى الدكتور سعيد السامرائي أن الطائفية هي من أهم الموانع لمعرفة الحق وهي من أهم العقبات التي تحول دون توجه الانسان إلى البحث أو قبول الحق إذا تبيّن له.

ويصف الدكتور سعيد الطائفية بأنّها مشاعر في القلوب، اسست على تاريخ قوامه الزيف، وتعليم كلّه جهل وتجهيل، وتنشئة تقوم على الضغينة والنفاق، ودعم سياسي لحكام متسلّطين دافعها تفريق الأمة ليسهل قيادها.

وباللغة الواضحة: فإن الطائفية هي شعور السني، أي سني بالضغينة تجاه

____________

1- الكهف: 104.

2- البقرة: 12.


الصفحة 361
الشيعي، أي شيعي، لأن الأخير لا يحب أئمته وبدون سبب أو غير ذلك، أو هي شعور الشيعي بأنّ السني لا يحب أئمته وأنه يحب الظالمين وأنه عون للظالمين عليه، بلا تحقيق ولا تدقيق ولا تفريق بين من يقف مع الظالم ممن ثار عليه.

ويضيف الدكتور سعيد: الطائفي إذن، هو الشخص الذي يحمل بين جنباته تلك المشاعر المرّة المبنيّة على أسس واهية مبنية على جهل الأهل والمربين أو التوجيه الخبيث للحكام المتسلّطين أو كليهما. وبعده، فالطائفي هو الذي يقف مواقف غير صحيحة، إما بوعي أو بدون وعي بناءً على هذه المشاعر.

أهم اسباب اقتناعه بالتشيع:

توجه الدكتور سعيد من هذا المنطق الموضوعي والبنّاء إلى قراءة تراث الشيعة، فيقول في هذا الصدد: لم اعجب بقلم كإعجابي بقلم السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي العاملي رحمه الله، وعلى الرغم من أن كتبه كانت من أوائل الكتب التي قرأت في طريق التعرّف على مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، لم تترك بعدها أية بحوث أخرى فيّ ذلك التأثير الذي تركته بحوث السيد شرف الدين، ولئن كان قلمه الساحر يمثل جزءاً كبيراً من ذلك التأثير فإنّ التأثير الأكبر كان لمنهجه في البحث الذي يأخذ بالألباب ويشدّها أكثر فاكثر كلما تدرجت في القراءة التي لابد وأن تكون متصلة بلا توقف مهما كانت المشاغل!

ويضيف الدكتور سعيد: وقد عُرف عن السيد شرف الدين جهاده المتواصل من أجل التقريب بين اتباع الدين الواحد والمذاهب المتعددة، وكان منهجه في ذلك إثارة المشكلة وطرحها للبحث العلمي للوصول إلى الجواب الذي لا مفرّ منه ولا اشكال فيه، مما يزيل الأدران من القلوب ويحطّم ما يشاع هنا وهناك من مفتريات الغاية منها توسيع الفجوة بين المسلمين، وهذا المنهج، برأي خير ألف مرة من ذاك المنهج الذي يدعو إلى تناسي المشكلة وكأنها غير موجودة.


الصفحة 362

الانقلاب في الاعتقاد:

في نهاية مطاف بحث الدكتور سعيد فرضت الأدلة والبراهين نفسها عليه، فلم يجد بُداً سوى الاستسلام للأمر الواقع والإذعان للحق.

ويصف الدكتور سعيد حالة الانقلاب في الاعتقاد قائلا: إن الانقلاب في الاعتقاد حين يحدث يشير إلى عدة صفات، هي ولا فخر:

أولا: إن صاحبه لا يحمل الانحياز الناتج عن التعليم منذ الصغر والنشأة، لأنّ ما تعلمه أنذاك قد انقلب عليه، فما كان في قلبه بفعل التعليم والتنشئة قد زال.

ثانياً: أن صاحبه منفتح لقبول الرأي الآخر، ولولا ذاك ما انقلب على رأيه وقبل الرأي الآخر، وخصوصاً في موضوع العقيدة.

ثالثاً: أن صاحبه يبحث عن الحق، ولا يترك الأمر كما تربّى عليه دون تمحيص وتقليب.

رابعاً: أن صاحبه لا تعوزه الرغبة في خدمة الحق، إلاّ فأي فائدة دنيوية يحصل عليها من يتشيّع؟! ولا يتشيع أحد إلاّ ويكون قد اقتنع من خلال قراءاته وتنقيباته في بطون التاريخ، لأن الدنيا لم تزل مدبرة على الشيعة منذ القرن الأول الهجري، وأن الشيعة لا يزالون مرامي للنبال ومطاعن للرماح واجساداً للسجن والصلب والقتل والدفن أحياء والتشريد والتنكيل.

ويقول الدكتور سعيد حول اعتناقه لمذهب أهل البيت(عليهم السلام): أني لم اتشيّع في لندن أو باريس أو نيويورك والشيعي في مأمن، بل تشيّعت وأنا في بغداد معقل العفالقة وطاغوتهم صدام حيث لا يجد الشيعي غير السجن والتشريد والتهجير والقتل والملاحقة.

وأضيف أيضاً، بأني تشيعت في قمة الاضطهاد الصدامي للشيعة، وذلك في

الصفحة 363
أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات، فلم يكن هناك في الحسبان دنيا، كما لم يكن هناك ترفاً فكرياً في الأمر.

مؤلفاته:

(1) "حجج النهج، المختار من نهج البلاغة":

صدر سنة 1407هـ ـ 1987م عن مؤسسة الفجر، بيروت.

يقول المؤلّف في المقدمة: "لقد قمت باختيار كل النصوص التي لها علاقة بموضوعين، أو بالاحرى طرفي موضوع واحد، أحدهما علة للآخر، فالأول هو تفضيل الإمام على معاصريه أجمعين والنص عليه والوصية إليه من قبل النبي(صلى الله عليه وآله)، وهذا سبّب أن يكون هو خليفة النبي(صلى الله عليه وآله) بعده مباشرة وهو الموضوع الثاني. لذا فانك قد تجد في المختار خطبة للامام في حرب صفين وتجد بعدها أو قبلها كلام له(عليه السلام)مع شخص سأله وهما جالسان في هدوء، وذلك لأنّ قاسمهما المشترك قد يكون ذكره الوصية في المقامين، أعني انه وصي رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهكذا في غيرها من النصوص المختارة، كما تضمن المختار ما هو أشمل من ذلك، وهو ذكر الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام)الذين لا يمثل الامام علي(عليه السلام) إلا أولهم وإن كان عظيمهم...

يتألف الكتاب بعد المقدمة من أربعة أبواب:

الباب الأول: ماذا يجد من يقرأ نهج البلاغة.

الباب الثاني: المختار من الخطب والكتب والمواعظ والكلمات وشرحها والمواضيع ذات العلاقة.

الباب الثالث: ملحق المختار ويقع في فصول، منها: مناقب وصفات الامام، الوصية والنص والتفضيل، دفع الأمير(عليه السلام) عن حقّه في الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله)بلا فصل، الشورى، عائشة واتباعها ويوم الجمل، معاوية وعمرو وصفين، المبغضون والمنحرفون.


الصفحة 364
الباب الرابع: مصادر المختار عن كتاب مصادر نهج البلاغة لعبدالله نعمة، ويقع في ثلاثة فصول، وهي تشتمل على مصادر بعض الخطب والكلام للمختار منها وبعض المختار من الكتب والرسائل وبعض المختار من أجوبة المسائل والكلام القصير.

(2) "الطائفية في العراق، الواقع والحل":

صدر سنة 1413هـ ـ 1993م عن مؤسسة الفجر، لندن.

جاء في تعريف هذا الكتاب بقلم المؤلف:

"لما كنت معتقداً ومقتنعاً بأن أغلب أهل السنّة ما وقفوا هذا الموقف المؤسف إلاّ بسبب العقد الطائفية التي تربّوا عليها ونشأوا تحت ضغطها، فإن الواجب تجاه العراق أولا، والعراقيين بشكل عام ثانياً، والسنّة المحكومين بهذه العقد ثالثاً، والشيعة العراقيين المظلومين رابعاً، هو الذي دفعني لأن أصنف هذا الكتاب عسى أن يكون فيه تبياناً للسّنّي حقيقة الموقف المؤسف الذي وقفه، والموقف الصحيح الذي يجب أن يكون عليه، وتبياناً للشيعي حقيقة الدوافع وراء هذا الموقف الذي يقفه سنّة العراق عموماً، وواجبه تجاه ذلك".

وينقسم هذا الكتاب إلى مقدمة وأربعة أبواب، وفي كل باب بضعة مقالات وخلاصة. وهذه الأبواب هي عبارة عن: 1 ـ هل في العراق مشكلة طائفية؟

2 ـ العقد الطائفية.

3 ـ على طريق الحل.

4 ـ الاسلاميون داخل مثلث المبادىء وحضور الماضي والواقع المفروض.

(3) "صدام وشيعة العراق":

صدر سنة 1991م عن مؤسسة الفجر، لندن.

يتألف الكتاب من مقدّمة وسبعة فصول وخاتمة، وتدور محاور الفصول حول بعض المواضيع منها: عروبة الشيعة والتشيع أصلا وكياناً وتاريخاً، الموقف الايراني من العراق والعرب، من هم الفاسدون و...


الصفحة 365

وقفة مع كتابه: "الطائفية في العراق، الواقع والحل"

يتناول الكاتب في كتابه هذا موضوعاً حساساً ومهماً في الوقت نفسه، فالطائفية بلاء ابتلت به الديانات السماوية فضاعت فيه أهدافها الرسالية الشريفة، وهو أيضاً بلاء تمزقت به المجتمعات التي يفترض فيها أن تكون واحدة، فتسلط قوم على قوم ودفعوهم عن مراكز القدرة والثروة، ثم اضطهدوهم وحاربوهم في أرزاقهم بل وحياتهم.

وقد استغل ذلك الحكام والمستعمرون فدقوا على أوتار الطائفية لتدوم أيام تسلطهم على الشعوب المستضعفة، وتستمر معها أيام شهواتهم وملذاتهم ومطامعهم واستيلائهم على الثروات واستئثارهم بها.

وقد تناول الكاتب موضوع الطائفية في حالة خاصة، وفي مكان وزمان معينين، وقد جرى في هذه الحالة الكثير من الظلم والعدوان وهتك الحرمات والاعتداء على أرواح ومقدسات الناس، لكن كتابه لم يخلُ من طرح عام لأصل المشاكل الطائفية، وكيفية نشوئها في تاريخ المسلمين بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله)، وما تسببه من ويلات ودمار في أي مجتمع اسلامي تنفذ فيه، وفي أي زمان ومكان يكون ظرفاً لموجاتها الهوجاء.

ونحن هنا نستعرض أهم ما أورده في موضوع الطائفية بشكل عام دون الخوض في التفاصيل الخاصة قدر الامكان.


الصفحة 366

الطائفية:

ليست الطائفية حزباً لوجود أحزاب مؤلفة من أفراد من طوائف مختلفة..

وليست شعاراً لأن الطائفي يخجل من رفعها شعاراً، بل هو ينفي وجودها عنده..

كما أنا ليست طريقة حياة، لأن الطائفي وضحية طائفيته يعيشون في بيوت متجاورة في منطقة واحدة ويلبسون ملابس متشابهة، ويذهبون إلى أعمال متشابهة، وفي نفس أماكن العمل، ويذهب أولادهم إلى نفس المدارس، بل ويدعو بعضهم بعضاً في مناسبات دينية كإفطار رمضان وغداء العيد مع أن الطائفية أسست أصلا في إطار ديني ـ سياسي، ومع أن هذه المناسبات تعني أن الجميع ينتمون إلى دين واحد أمر بالوحدة ونهى عن التفرق..

الطائفية هي مشاعر في القلوب، أسست على تاريخ قوامه الزيف، وتعليم كله جهل وتجهيل، وتنشئة تقوم على الضغينة والنفاق، ودعم سياسي لحكام متسلطين دافعه تفريق الامة ليسهل قيادها.

وتصل مشاعر الطائفي إلى نقطة اللاعودة عندما يحكم على الآخرين بالخسران المبين، ولا يعود هناك في نظره فائدة، ولا أجر أو ثواب من الانفتاح عليهم والتواصل معهم، اللهم إلاّ في المستوى الخارجي المنافق وحسب ما تقتضيه مصالحه التجارية أو الوظيفية أو غيرها. كيف لا والتعليم الطائفي يصل بالناس إلى درجات سافلة جداً من التفكير حتى يظن السنّي بأن الشيعة يمسخون إلى خنازير (أو ثعالب حسب قول جدتي رحمها الله)! وهذا ليس من قبيل المزاح لأنه مؤسس على تعليم وتنشئة، ولمن لا يصدق أسوق إليه قول المدعو "محمد بن عبدالوهاب" الذي ابتدع الوهابية. قال ـ جزاه الله بما قال ـ وهو يذكر مشابهة الشيعة لليهود (!) ما نصه: "ومنها أن اليهود مسخوا قردة وخنازير وقد نقل أنّه وقع

الصفحة 367
ذلك لبعض الرافضة ـ يعني الشيعة ـ في المدينة المنورة وغيرها، بل قد قيل إنهم تمسخ صورهم ووجوههم عند الموت والله أعلم"!!(1) وسبحان واهب العقول!

ولعل هذا هو السبب الذي يجعل بعض الإسلاميين السّنّة يتجنبون لقاء نظرائهم من الشيعة، لأن المسلم الحقيقي يتقرّب إلى الله تعالى بمعاداة أعدائه والبراءة منهم، ولما كان الشيعة بنظر البعض أعداء لله ورسوله(صلى الله عليه وآله)، فإن مفارقتهم وعدم اللقاء بهم يرجى منه الأجر والثواب، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العليّ العظيم.

الطائفي:

فالطائفي إذاً، هو الشخص الذي يحمل بين جنباته تلك المشاعر المرّة المبنيّة على أسس واهية مبنية على جهل الأهل والمربين أو التوجيه الخبيث للحكام المتسلطين، أو كليهما، ويحمل هذه المشاعر تجاه أخيه المسلم، مع أنه يضحك في وجهه صباح مساء، ويشاركه أفراحه وأتراحه، ويشاركه في التجارة والسفر والعمل بسبب الجيرة أو زمالة العمل أو مقاعد الدراسة، وقد يتصاهر معه مع ما يعني ذلك من التحام العائلتين فيما بينهما.

وبعد، فالطائفي هو الذي يقف مواقف غير صحيحة، إما بوعي أو بدون وعي، بناءً على هذه المشاعر.

أما أقصى درجات الطائفية فهي ـ برأيي ـ التي لا يعرف بوجودها من يحملها، فهذا الإنسان لن يكون بمقدرته التفريق بين المواقف التي يتخذها: أيها على أساس طائفي وأيها على أساس آخر. والمؤلم هنا هو أن معظم الطائفيين، استقراءاً من الواقع المعاش، ينتمون إلى هذه الفئة، ومصابون بأقصى درجات الطائفية.

____________

1- في كتابه "الردّ على الرافضة" أي الشيعة نشر دار طيبة ـ الرياض، في الصفحة: 44.


الصفحة 368

الدولة الطائفية:

الدولة الطائفية هي الدولة التي تميز بين رعاياها في التوظيف والمكافأة وإعطاء المسؤولية وتوزيع الحقوق والواجبات على اختلافها، لا على أساس المساواة كأصل، ثم الكفاءة ودرجة العطاء بعد ذلك، وإنما على أساس الانتماء الطائفي.

وتكون درجة طائفية الدولة أكثر أو أقل حسب الحكومة القائمة، والظروف الداخلية والخارجية للبلاد. فمثلا عندما يكون قادة الدولة ذوي مشاعر طائفية عميقة أصلا فإن الدولة تصعد درجة طائفيتها حتى وإن كانت الأوضاع الداخلية والخارجية ليست سيئة كثيراً.

إن التعامل على أساس طائفي لا يؤذي الفرد ضحية الطائفية ولكنه يؤذي البلاد، لأنه سيكون من غير الممكن أن يكون ذلك الرجل المناسب في المكان المناسب لأن الكفاءة لا تكون هي المعيار، كما أن ضحايا الطائفية سيتصرفون بشكل غير متوازن: إما بتفان شديد كي يثبتوا إخلاصهم وحسن نياتهم، وإما ببرود ولا إبالية لأن النتيجة واحدة ولن يحصلوا على التقييم لجهودهم.

وتكبر هذه العقدة، وتخرج من إطارها الضيق بين الموظف والمواطن صاحب المعاملة، الى عائلتيهما وأصدقائهما وزملائهما لتخدم كإثبات جديد على وجود المشكلة.

وتصبح المفارقة مدهشة مع أشخاص مثلي ممن نقلهم الدهر من صفوف الطائفة الحاكمة إلى صفوف الطائفة المحكومة. ففي ليلة وضحاها يصبح التعامل مع نفس الشخص مختلفاً، وما تغيرت كفاءته وما تبدل إخلاصه لوطنه وعمله، وما تغيرت أخلاقه وسلوكياته ومزاجه. هذا، في حين يجب أن يكون التغيير حاصلا في علاقتي شخصياً بالممارسات الدينية مثلا.

وأخيراً، فإن الدولة الطائفية تجعل النسيج الاجتماعي يتهرأ وخيوطه

الصفحة 369
تنقطع، وكلما زاد التمييز والاضطهاد الطائفي كلما ضعف النسيج الاجتماعي، وهو ما حصل في فترات معينة من تاريخ العراق الحديث.

هل الطائفية نتاج الاستعمار الغربي، أم سببها صراع المسلمين السياسي في الماضي؟:

يبسّط البعض أسباب المشاكل الاجتماعية والسياسية وغيرها بسبب قلة المعرفة، أو ضيق الأفق أو حتى الرغبة في قلب الحقائق، فبعضنا يشتم الغير كثيراً ويتهمه في مصائبنا أكثر من اللازم، في حين يتهم البعض الآخر أنفسهم ولا يحمل الغير أي مسؤولية تذكر.

وفيما يخص مصائب العرب والمسلمين ترى كثيراً من الناس يتهم الغرب والشرق وأعداء الأمة في كل المصائب والمشاكل، في حين يتهم البعض الآخر الأمة نفسها وخلافات زعاماتها في ذلك.

خطأ التسبيب الأحادي:

وهذه الأحادية في التسبيب غير صحيحة، لأن الخلافات بين الدول العربية والإسلامية ليست كلها من صميم واقع الأمة، وإنما ساهم الاستعمار في قسم كبير منها، ولعل المشاكل الحدودية خير مثال على ذلك. أفما كان في مقدور الإنجليز والفرنسيين، وهم المنتصرون في الحرب الأولى أن يرتبوا حدود العراق بحيث لا تعود هناك مشكلة مع إيران والكويت والسعودية؟

أما كان بمقدورهم أن يمنحوا الأكراد دولة في المثلث العراقي ـ التركي ـ الإيراني ويجنبوا هذه الشعوب ما جرى؟

أما كان بمقدور الإنجليز أن يجمعوا إمارات الخليج في دولة واحدة؟

لماذا جمعت الجزيرة العربية لآل سعود في دولة واحدة وفرقت أطرافها في

الصفحة 370
خمس دول؟

وحتى لو فعلوا ذلك، فماذا عن إسرائيل؟

نعم، كان بمقدورهم ولكن لم يكن في مصلحتهم. فإنه لمنطقي جداً أن يعمد من يريد أن يمتص دماء الشعوب إلى تفريقها ليسهل عليه قيادها عن طريق خلافاتها ومواطن ضعفها.

ولكن، أما كانت الأمة تستطيع أن تواجه هذا المخطط التخريبي التقسيمي؟

كان يمكن للأمة أن تواجه هذا المخطط وتهزمه لو أنها اجتمعت على ذلك، ولو أن جماهيرها اختارت، وأصرت على اختيار قادتها الحقيقيين.

نخلص من هذا إلى أن الإنجليز لم يخترعوا الطائفية، بل وجدوها موجودة في المجتمع العراقي العشائري والمدني فاستخدموها لتأسيس الواقع المثالي لمصالحهم.

ولما كانت الطائفة الشيعية هي التي ثارت عليهم فإنه من المنطقي أن يتم إقصاؤهم عن الحكم وتسليمه للطائفة التي لم تثر، وترتيب الحكم لكي تستمر هذه المعادلة كيلا يعود الشيعة فيطردوا بريطانيا من الشباك أيضاً بعد أن اضطرت إلى أن تخرج من الباب بثورة الشيعة وتضحياتهم.

بداية الخلاف ونشأة الطائفيّة:

بدأ الخلاف بين المسلمين أول ما بدأ عقيب وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) مباشرة حيث تنازع المهاجرون والأنصار من جهة وقريش وبنو هاشم من جهة في موضوع الخلافة. إلاّ أن الافتراق الحقيقي لم يتم إلاّ بعد مقتل الإمام الحسين بن علي(عليه السلام)في أول عام 61هـ، إذ أن بعدها أصبح إهراق الدماء المقدسة أمراً طبيعياً عند الحكام وأزلامهم وكما أخبرهم الإمام الحسين(عليه السلام) نفسه بأنهم لن يتورعوا بعده عن قتل أي إنسان، كيف لا وقد قتلوه مع معرفتهم بأنه سيد شباب أهل الجنة

الصفحة 371
وأنه ريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) مع غيرها من الصفات الكثيرة التي يفترض أن يمتنع عن قتله لأجلها أعتى المجرمين، وكما قال الشريف الرضي:


قتلوهُ بعدَ عِلم منهمُأنّهُ خامس أصحابِ الكِسَا

فكان أن تفرعن الأمويون وولاتهم كالحجاج الثقفي، وكان على الشيعة أن يلجأوا إلى السرّ حتى في اتصالهم بأئمتهم(عليهم السلام)، ثم يثوروا على الظلم والواقع غير الإسلامي للأمة بين حين وآخر. في نفس الوقت أخذ الفقهاء الذين تصدوا للمناصب الشرعية بعد الغياب القسري لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) عن هذه المناصب في إفتاء المسلمين ليس فقط بجواز طاعة الإمام الظالم بل بوجوب طاعته وحرمة الخروج عليه.

وهكذا صار المسلمين فرقتين كبيرتين: الشيعة والسّنّة، لأن الخوارج اضمحل تأثيرهم وضعفوا بعد الفترة التي زعزعوا فيها أركان الدولة الأموية بثوراتهم العديدة. وحدث أن كانت الخلافة الأساسية هي للسّنّة بما في ذلك الدولة العباسية التي قامت بحجة الانتصار لأهل البيت(عليهم السلام).

تجهيل السنة وإثارتهم ضد الشيعة:

في حملتهم المستمرة لمحاصرة الشيعة والتشيع، فإن الحكام المختلفين على مختلف العصور لجأوا إلى سياسة التعليم الخاطىء لأهل السنّة، أو تجهيلهم في الواقع في كل ما يخص الشيعة وعقائدهم كي تبدو وكأنّها ليس فقط إحدى الانحرافات عن الإسلام والتي حدثت طوال التاريخ، وإنما الانحراف الأخطر والذي أريد به هدم الإسلام. إن الطريقة الوحيدة لرد الانبهار الذي لابدّ وأن يحصل عند البعض من جهاد الشيعة وتضحياتهم وثباتهم على المبادىء، بغض النظر عن الاختلاف معهم، هذا الانبهار الذي قد يؤدي إلى الانفتاح على الشيعة

الصفحة 372
وعقائدهم وبالتالي التحول إلى صفوفهم أو على الأقل للتعاون معهم ضد الظالمين، هي أن تُهاجَم عقائد الشيعة ويخلص إلى أنها ضد الإسلام ويُهاجَم الشيعة أنفسهم ويُنبَزوا بمختلف الأوصاف التي يكرهها الآخرون، لكي تجعل الناس تشمئز منها ومنهم فتتوقف عن الانفتاح عليهم.

وعلى العكس مما يعتقد البعض(1) من أن الفقهاء الأقدمين لم يكونوا طرفاً في المشكلة الطائفية وإثارة السنّيين على الشيعة. فلقد نقل التاريخ أقوال وأفعال العديد من الفقهاء السنّيين التي كانت تصم الشيعة بالكفر أو الفسق أو الانحراف إما كجزء من المخطط السلطوي لمحاصرة التشيع كون بعض هؤلاء الفقهاء كانوا من فقهاء البلاد ـ وعاظ السلاطين ـ أو كواجب ديني يعتقد الفقيه أنه يجب أن يقوم به لكشف الانحراف وتحذير الناس منه.

لقد كتب بعض هؤلاء الفقهاء والمحدثين عن الشيعة ووصفوهم بما لم يصفوا به اليهود والنصارى والمجوس. بل صرّح البعض بعدائه لأئمة أهل البيت(عليهم السلام)أنفسهم فكيف إذاً بالشيعة. وها هو ابن خلدون يقول في مقدمته الشهيرة: وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها وَفِقْه انفردوا به، بنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح(2)، وعلى قولهم بعصمة الأئمة... وكلها أصول واهية ثم قال: وشذ بمثل ذلك الخوارج، ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم!!

فكيف لا ينشأ السني على عداوة الشيعة وكرههم وعلماؤه الكبار يعلمونه

____________

1- كحسن العلوي في كتابه "الشيعة والدولة القومية": 240.

2- وهو المهم عند علماء السنّة، بل الأهم والسبب في عدائهم للشيعة. وأحب أن أنقل تعليق السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي في ص340 من كتابه "النص والاجتهاد" على قول ابن خلدون هذا، قال: ما أدري كيف تبني المذاهب الفقهية على تناول بعض الصحابة بالقدح، وما عرفت كيف تستنبط الأحكام الشرعية من تناول أحد من الناس، وإبن خلدون يعد من الفلاسفة، فما هذا الهذيان منه يا أولي الألباب!


الصفحة 373
أنهم يتبعون أهل البيت(عليهم السلام) الذين هم مارقون كالخوارج، وانهم مبتدعة، وأنهم يكرهون الصحابة ويقدحون فيهم؟

[وإليك مثالا آخر من تجربة العراق]:

في عام 1926 ـ 1927 ثارت ضجة حول كتاب "الدولة الأموية في الشام" وضعه شخص سوري كان يعمل مدرساً في العراق اسمه أنيس زكريا النصولي بسبب كون الكتاب الذي وضعه ليكون مادة دراسة للمدارس الثانوية، كان في بني أمية وتاريخهم الأسود الذي صيّره النصولي شيئاً آخر، وخصوصاً بسبب ما ذكره بخصوص الثوار الشيعة ضد العهد الأموي، وكذلك قضية الإمام الحسين(عليه السلام)وصراعه مع الأمويين.

قال في كلمة الإهداء: "من أحق بتاريخ بني أمية من أبناء أميّة، ومن أحق بتاريخ معاوية والوليد من أبناء معاوية والوليد، فاقبلوا يا أبناء سورية الباسلة المتحدة والمستقلة هذه الثمرة الصغيرة".

قال: "إن هذا الضعف في زعماء آل البيت كان من أكبر المصائب على الإسلام، إذ جعل لأحزابهم وأصحاب النفوذ والمطامع من رجالاتهم الفرص الكافية لادعاء مبادىء باسمهم لم يفكروا بها ولم تخطر لهم على بال!!".

وعلى هذا فزعماء أهل البيت(عليهم السلام) كانوا مصائب أصيبت بها الأمة ـ والعياذ بالله من هذا القول ـ وأن التشيع الذي تعتنقه الشيعة مخترع من عندياتهم.

وقال: ".. وإنّ الذين يسعون في الخلاف عليها هم الكفرة الفجرة، ولا غرابة في ذلك، فالعاهل الأموي كان خليفة رسول الله، ومن يخرج على الخليفة فإنما يخرج على رسول الله، ومن يخرج على رسول الله فإنما يخرج على الله، ومقره جهنم وساءت مصيراً!!".

وعلى هذا، فالإمام الحسين(عليه السلام) من الكفرة الفجرة ومقره جهنم وساءت

الصفحة 374
مصيراً، نعوذ بالله من هذا القول.

وقال: "تلك هي إصلاحات بني أمية وكلها ترمي إلى العدل وإعلاء كلمة الحق!!".

وعلى هذا، فقتل الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه، وسبي بنات الوحي، ورمي الكعبة بالمنجنيق، واستباحة المدينة المنورة وهتك أعراض بناتها، مع غيرها من الموبقات، كانت إصلاحات ترمي إلى العدل وإعلاء كلمة الحق.

وقال: "كان زعماء آل البيت ضعافاً فظلوا تحت تأثير المورفين الفارسي والأفكار الفارسية!!".

وقال: ".. ارتياب الحسين في حقه بالخلافة واعترافه اعترافاً صريحاً ليزيد بإمارة المؤمنين!!".

وقال: "قضت الدولة على حركة التوابين في عين الوردة ولكنها لم تقض على الأحقاد المتأصلة في نفوس الشيعة!!".

إن أي إنسان، وإن كان جاهلا أو لا يشعر بالمسؤولية، يعرف أن مثل هذا الكلام إنما هو إساءة إلى الشيعة، بل إلى الإسلام، وأنه في العراق يعتبر بمثابة إعلان ثورة على مشاعر وعقائد أغلبية الشعب العراقي الشيعية والكثير غيرهم من السنّيين. ولكن كان لساطع الحصري المسؤول عن وضع المناهج التعليمية لأولاد العراقيين رأي آخر هو:

"استطيع أن أقول أن أغلاط الكتاب العلمية ـ ومحاذيره السياسية ـ تنحصر في عبارات الإهداء التي تصدرت الملزمة المضافة إلى الكتاب أخيراً، ولذلك رأيت أن أحسن الطرق لمعالجة القضية هي أن يطلب إلى المؤلف أن يعيد طبع الملزمة المذكورة على أساس تجريدها من كلمات الإهداء!!".

وقال عن متون الكتاب: "عندما قرأتها بكل اهتمام لم أجد فيها ما يمس

الصفحة 375
عواطف طائفة من الطوائف الدينية!!"(1).

عقدة الصحابة:

تشكل قضية الصحابة الحجر الأساس في جدار البغضاء الطائفي حيث لا يرى السنّيّ أيّ مبرر لهذا الموقف السلبي للشيعة من الصحابة المقدسين عنده، ولست ألوم السنّيّ الذي لم يطلع على التاريخ وشيء من التحليل الموضوعي الواعي، لأن شعوره شعور طبيعي يتولد عند كل إنسان، كائناً ما كانت عقيدته، تجاه من يقف موقفاً سلبياً ممن يقدّس.

وأنت ترى هذه الحقيقة عند قراءة أي كتاب من الكتب التي دفعها الپترودولار لشتم عقائد الشيعة. فقضية الصحابة تقف ليس فقط في أوّل الإشكالات، ولكنها هي المشكلة الحقيقة لمن دقق في هذه الكتب، ولمن استمع إلى شكاوى السنّة من عقائد الشيعة.

ولقد استعملت هذه القضية لإثبات أعجمية الشيعة، وأنهم جمعية سرية أسسها الفرس لتدمير الإسلام، وذلك لأن انتقاد الصحابة وتجريح بعضهم يعني ـ كما يقولون ـ تهديد قدسية السنّة النبوية المنقولة عن طريقهم، وبذا تنجح مؤامرة الفرس بإلباس الحق بالباطل وضياع السنن المنقولة عن الصحابة. وهذا الكلام يقال ـ بالطبع ـ لإقناع العوام من السنّة ليس فقط بفساد عقيدة الشيعة، بل بتآمرهم بشكل مماثل للجمعيات الماسونية والهيئات التبشيريّة، ضد الإسلام.

ولكن المؤسف هو أن هذا الكلام يردد من قبل بعض حملة العلم وأدعيائه، فهؤلاء يعرفون أن الشيعة ليسوا جماعة تريد أن تهدم دين المسلمين، بل هي جماعة لديها خزين كبير من الأحاديث الشريفة المنقول عن النبي(صلى الله عليه وآله) والأئمة

____________

1- راجع "مشكلة الحكم في العراق": 215 وما بعدها.


الصفحة 376
الطاهرين(عليهم السلام)، وذلك عن طريق بعض صحابة الرسول(صلى الله عليه وآله) وبعص صحابة الأئمة(عليهم السلام). وليست أحاديث الأئمة(عليهم السلام) اجتهاداً من عندهم، بل هي نصوص تلقاها كل إمام عن الإمام الذي قبله وصولا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لذلك كانوا(عليهم السلام)كثيراً ما يبدأون رواياتهم بكلمة: "حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله).." وذلك تأكيداً لهذا المعنى.

من الناحية الأخرى فإن الشيعة يفخرون بأنهم لا يوالون أي أحد إلاّ بعد التثبت من حسن سيرته وحسن خاتمته، فلا يمكن عندهم أن يوضع عبدالله بن مسعود الذي كان ممدوح السيرة دائماً ولم يغير أو يبدل أو يفعل ما يؤذي المسلمين، حتى قضى على الحال التي فارق عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله)، في منزلة بعض الصحابة الذين لم يتركوا هذه الدنيا إلاّ وقد أثاروها فتنة عمياء وخرجوا على علي بن أبي طالب الإمام المبايع من قبل المسلمين ـ دع عنك النص الذي يتحدث عنه الشيعة ـ وسلّوا سيوفهم ضد المسلمين فأشعلوا أوار أول الحروب فيما بين المسلمين أنفسهم، والتي أدت إلى مقتل الألوف منهم على أرض العراق بلا سبب سوى التنازع على الملك، كما لا يمكن أن يثقوا بروايات رواها أشخاص غشوا المسلمين وقتلوهم دون حق وسلبوهم وساروا فيهم بسيرة فرعون وهامان وقارون.

إلاّ أن الدول التي تسلطت على المسلمين لما رأت المقاومة من الشيعة لحكمهم غير الشرعي كان لابد لها أن تزيف التاريخ وتفتعل الروايات المضادة لعقائد الشيعة في الأشخاص والأحداث، والتي تصبح حقّاً بعد غسيل الدماغ بها لقرون من الزمان، خصوصاً وأن المعارضة الشيعية بقيادة أئمة الهدى(عليهم السلام) كانت محرومة من وسائل الإعلام، وفي ذلك الزمن المتخلف بالنسبة لزمننا الحاضر في وسائل الاتصال والإعلام.


الصفحة 377
وإننا نعاصر، ونحن في هذا الزمن الذي يفترض أن ينقل فيه كل شيء كما هو بسبب وجود التلفزيون والفيديو والقمر الصناعي والتلفون والتلكس والفاكس والكمبيوتر، نعاصر تشويه الأحداث بشكل يومي، وتعتيم على أحداث مهمة، وتضخيم واهتمام بأحداث تافهة، فكيف في ذلك الزمان الذي لم تكن وسائل الإعلام والاتصالات كما هي في عصرنا الحاضر، بل ولا واحد من الألف منها.

والمشكلة جدّ عويصة، وذلك لأنّ من يقف الشيعة منهم موقفاً سلبياً واضحاً، أبا بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين، هم أكثر الناس تقديساً عند أهل السنّة، ولقد كان الشيعة غير متساهلين مطلقاً في المواقف التي اتخذها هؤلاء الصحابة الثلاثة لأنهم عدّوها خروجاً أساسياً على نصوص مقدسة لا مجال لتجاوزها كما في تجاوز أبي بكر وعمر لحق عليّ في الحكم نصّاً عليه من الرسول(صلى الله عليه وآله) ومنع فاطمة(عليها السلام) حقها في ميراث أبيها(صلى الله عليه وآله)، وخروج عائشة من بيتها الذي أمرت أن تقرّ فيه بنص القرآن، وقيادتها الجيوش التي حاربت بها المسلمين الذين يقاتلون تحت راية الخليفة الشرعي المبايع، فالمسألة فيها إراقة دماء حرام وخلافة المسلمين وهي أخطر مركز في الإسلام.

وبما أن الشيعي يعتقد بأن أخاه السنّيّ لا يعرف الكثير من الحقائق بسبب عمل الحكام في الماضي على تشويه الحقائق بصرف الأموال لوضع الأحاديث الكاذبة التي تبرر كثيراً من الأفعال التي لا يقرّها الشرع أو التي تجاوز أصحابها على نصوص قرآنية أو حديثية لا يمكن تجاوزها بإجماع المسلمين أو برفع شأن أناس وخفض آخرين، إذاً فعليه أن يعذر أخاه السنّيّ حتى يبين له الحق لأن (كُلُّ حِزْبِم بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(1)، وفي نفس الوقت على السنّي أن يسمع له ويناقشه إذا لم يعتقد بما يرى.

____________

1- الروم: 32.


الصفحة 378

عقدة عدم الفهم للعقائد والشعائر الخاصة بالشيعة:

يعترض السّنّي العراقي (وغيره في هذا المجال) على بعض العقائد والشعائر الشيعية.

وكما قلنا سابقاً فإن التعليم والإعلام المسيطر عليه من قبل الدولة الطائفية لا يتيح لعقائد الشيعة أن تعرض على الملأ، دع عنك توضيحها وشرحها وشرح أبعادها وتبيان عدم مخالفتها للإسلام، لذلك فإن الفرد السنّيّ لا يفكر بأنه قد يكون مخطئاً في اعتقاده وقد يكون الشيعي هو صاحب الحق، لأن الفرد العادي لم يأته الوحي من السماء ليكون واثقاً تماماً من معتقداته وأنها في صلب العقيدة الإسلامية أو لا تتصادم معها.

ومن هذه العقائد عقيدة المهدي المنتظر الذي يعتقد الشيعة أنه موجود حي غائب عن أعين الحكام وينتظر الأمر الإلهي بتحقق الشروط لظهوره لتأسيس الدولة العالمية الإسلامية محقّقاً وعد جده رسول الله(صلى الله عليه وآله): "يملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً".

ومنها صلاتهم على تربة مأخوذة من طين من منطقة قبر الحسين(عليه السلام) في كربلاء، فالسنّة يرون أن هذا نشاز لمجرد أنهم لا يصلون على مثلها(1).

ومنها الشهادة لعلي بن أبي طالب بالولاية في الأذان والتي يعترض عليها السنّة بل ويشمئز بعضهم من سماعها. هذا، مع أن السنّة يضيفون كلمة "الصلاة خير من النوم" في أذان صلاة الفجر ويعترفون أن هذه لم تكن وقت النبي(صلى الله عليه وآله) وإنما أضيفت بعده.

ومنها الالتزام بصفة العدالة فيما يخص الأمور الشرعية مما يؤدي إلى سوء

____________

1- والحقيقة هي أن هذه التربة قد حملت أكثر مما تحتمل، ولكن لابد لكاتبي الكتب أن يملؤوها مقابل المال السحت الذي يدفع أجراً لهذه الكتب السامة.


الصفحة 379
فهم لدى السنّيين. وصفة العدالة تأتي في مقدمات صفات إمامة المسلمين وإمامة الحج وإمامة الصلاة وغيرها. إن إمامة المسلمين هي التي من شأنها رفض الشيعة الحكام الزمنيين، ورُفِضَ الشيعة رداً على ذلك.

فالشيعي يرى في مرجع التقليد إماماً له (كونه نائباً للإمام وحسب أمر الإمام المعصوم) في جميع أموره. من هذه الأمور تعيين رؤية الأهلة والتي تصبح قضية خلاف في بداية شهر رمضان المبارك وشهر شوال وشهر ذي الحجة، حيث يحرم الإفطار في أول رمضان وآخره، ويحرم الصوم في يوم العيد، وحيث مناسك الحج والتضحية في عيد الأضحى.

ويعتقد غالبية أهل السنّة بأن الشيعة تصوم وتفطر بعدهم بيوم واحد عادة لأنهم يريدون أن يخالفوهم فحسب! هذا، في حين أن الشيعة ينتظرون الأخبار من المراجع والعلماء في العراق والكويت والمدينة المنورة وإيران ولبنان عادة، والذين يستندون إلى شهادة العدول في رؤية الهلال(1).

ومنها الزيارات الشيعية للأئمة والصالحين وما يقرأ فيها، حيث لا يعتقد

____________

1- والحقيقة هي أن الواجب على جميع المسلمين أن يصوموا ويفطروا بناءً على رؤية الهلال من قبل العدول. إلاّ أن اتباع كثير من البلدان الإسلامية للسعودية في ذلك، وكون السعودية تصوم وتفطر مبكراً دائماً، حتى قبل ولادة الهلال أحياناً كما أكد ذلك الباحثون والفلكيون وبمقارنة جداول ولادة القمر التي لا شك في صحتها، جعل السنّة في الكثير من البلدان الإسلامية ومنها العراق الذي يتبع السعودية أحياناً كثيرة، يصومون ويفطرون قبل الشيعة.

ولا أرى شخصياً أي حاجة لتوحيد الصيام والإفطار كما يطلب البعض مخلصاً، لأن المسلمين موزعون في أصقاع الأرض مما تصبح الرؤية الموحدة مستحيلة. كما أرى شخصياً أن هناك تفريطاً من جانب علماء السنة في عدم التثبت من الهلال ومتابعة السعودية، وتفريطاً من الناس عموماً في متابعة إعلانات الدولة بالرؤية وهي التي تستند إما على علماء غير ثقات من وعاظ السلاطين وإما على قرارات سياسية (كما حدث في الستينات في العراق حيث أعلنت الدولة أنه لم تثبت رؤية هلال شوال، ثم لما أعلنت النجف ثبوت الرؤية أعلن تلفزيون بغداد في ساعة متأخرة جداً من الليل ثبوت الرؤية).