فكان بدء قيام الدعوة "السلفية الجديدة" التي اتخذت من بلاد نجد منطلقاً. حيث عضد السيف القلم فانتشرت الدعوة، ولبست أفكار الشيخ الحراني حللا جديدة، ونزعت عنها أسمالها البالية، وظهرت للوجود دولة تدافع وتنافح عن أفكار الشيخ الحنبلي وتتخذها مذهباً في الدين وأساساً للشرعية السياسية.
انتشار الدعوة الوهابية واعلان الجهاد على "المشركين":
إنطلقت دعوة الشيخ كما يقول صاحب "عنوان المجد" بين أبناء الدرعية الذين كانوا في غاية الجهل والشرك الأصغر والأكبر ورفض شرائع الإسلام.
فعلمهم الشيخ أحوال الإسلام وأركانه وعرفهم مبادىء التوحيد والبعث. كما عرفهم برسول الإسلام محمد(صلى الله عليه وآله) وبالغاية التي بعث من أجلها وهي محاربة الشرك وإفراد الألوهية والربوبية لله وحده. ثم بعث رسله وكتبه إلى رؤساء البلدان وعلمائها يدعوهم إلى التوحيد وينهاهم عن الشرك.
ولما اطمأن الشيخ لمسيرة الدعوة في الدرعية واقبل عليه بعض المهاجرين من القبائل المجاورة وكثر عددهم، "أمر الشيخ بالجهاد وحضهم عليه فامتثلوا. فأول جيش غزا سبع ركايب فلما ركبوها واعجلت بهم النجايب في سيرها سقطوا من أكوارها لأنهم لم يعتادوا ركوبها. فأغاروا، أظنه على بعض الأعراب، فغنموا ورجعوا سالمين(1). أنطلق الغزو والجهاد في سبيل الله لمحاربة المشركين والكفار من أبناء القبائل وأعراب البادية من سكان نجد أولاً. والذين حكم الشيخ ابن عبد
____________
1- عنوان المجد لابن بشر: 14 ـ 15.
وإنطلاقاً من الحقائق التي ذكرها الباحثون والرحالة حول طبيعة البدوي وأنه طماح للسلب والنهب سواء انطلق من شريعة أو دفعت به الحاجة والفاقة وحب الغنى إلى الهجوم على غيره من الغرباء والأعداء. والمقارنة بين حروب البدو قبل إعلان محمد بن عبد الوهاب دعوته وحروب اتباعه مع خصومهم من البدو بعد ذلك، يمكن أن نسجل مماثلة تامة في الأسلوب والنتائج. اللهم الا دخول العنصر الديني وإقحامه في هذه الحرب الظالمة لتبريرها وإلباسها ثوب المشروعية لضمان استمراريتها. والتغطية على أنهار الدماء التي تراق أثناء ذلك.
وعليه يمكننا أن نجزم بكل صراحة وإطمئنان تعضدنا وقائع الغزو الوهابي ويومياته. بأن الحرب الوهابية التي أعلنها إبن عبد الوهاب وأتباعه على قبائل نجد وقراها لم تكن حرباً مقدسة وفي سبيل الله، لنشر التوحيد والإسلام بين المشركين والكفار. وإنما كانت حرباً بدوية على شاكلة الحروب البدوية السابقة، أولا، ثم أخذت بعداً جدياً بفضل أيدلوجية الشيخ الخاصة بالشرك والإرتداد، ومحاولة نشر الإسلام من جديد. لتوضع في خدمة تأسيس دولة سياسية جديدة تطمح للسيطرة على مجمل أراضي شبه الجزيرة العربية.
وإلا فلم يحدثنا التاريخ الإسلامي أن الرسول(صلى الله عليه وآله) وصحابته كانوا يهجمون على القرى والمدن، يقتلون الناس ويغنمون إبل القوم ومواشيهم ويحرقوا زروعهم ويقطعوا نخيلهم ثم يرجعوا من حيث أتوا لتقسيم الغنائم، الخمس منها لبيت المال، ويقسم الباقي للراجل سهم وللفارس سهمين. دون أن يكون للدعوة ونشر الإسلام أي مكان في هذا الغزو والفتح. نستحضر بعض الوقائع التاريخية للغزو الوهابي ليتضح لنا انعدام الحس الدعوي أو الديني في هذه الغزوات.
الهجوم على كربلاء ونهب ضريح الإمام الحسين(عليه السلام):
يقول: ابن بشر ثم دخلت (سنة 1216هـ) وفيها سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصد أرض كربلاء ونازل أهل بلد الحسين. وذلك في ذي القعدة فحشد عليها المسلمون وتسوّروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت. وهدموا القبة الموضوعة بزعم من اعتقد فيها على قبر الحسين. وأخذوا ما في القبة وما حولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد واليواقيت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك ما يعجز عنه الحصر ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قريب ألفي رجل. ثم أن سعود ارتحل منها على الماء المعروف بالأبيض فجمع الغنائم وعزل أخماسها وقسم باقيها في "المسلمين" غنيمة للراجل سهم وللفارس سهمان ثم إرتحل قافلاً إلى وطنه(1).
____________
1- عنوان المجد: 121 ـ 122. ويقول الدكتور همايون همتي: وفي داخل المدينة ارتكبوا الكثير من الأعمال الوحشية من تدمير ونهب وفساد، فكانوا يقتلون كل من يصادفهم من دون أية رحمة ولا شفقة، ونهبوا جميع الدور. لم يغامرهم في هذه المذبحة أي عطف على الشيخ والشاب والصغير والكبير والمرأة والرجل، بحيث لم ينج أحد من قسوتهم البربرية"، أنظر، الوهابية نقد وتحليل: 148.
يقول الباحث رايمون في تقرير له حول فاجعة كربلاء: "رأينا مؤخراً في المصير الرهيب الذي كان من نصيب ضريح الامام الحسين مثالاً مرعباً على قساوة تعصب الوهابيين فمن المعروف أنه تجمعت في هذه المدينة ثروات لا تعد ولا تُحصى وربما لا يوجد لها مثيل في كنوز الشاه الفارسي. لأنه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الفضة والذهب والأحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة... وحتى تيمور لنك صفح عن هذه الحضرة، وكان الجميع يعرفون ان نادر شاه قد نقل إلى ضريح الإمام الحسين وضريح الإمام علي قسماً كبيراً من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند وقدم معه ثروته الشخصية وها هي الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح الأول تثير شهية الوهابيين وجشعهم منذ أمد طويل.
فقد كانوا دوماً يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة أن دائنيهم حددوا موعد تسديد الديون في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق فيه أحلامهم. وها قد حل هذا اليوم في الأخير وهو (20 نيسان ـ أبريل 1802م) فقد هجم 12 ألف وهابي فجأة على ضريح الإمام الحسين وبعد أن أستولوا على الغنائم الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها أكبر الأنتصارات تركوا ما تبقى للنار والسيف. وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعاً بسيوف هؤلاء البرابرة. وكانت قساوتهم لا تشبع ولا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء أنهاراً... وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك أكثر من أربعة آلاف شخص... ونقل الوهابيون ما نهبوه على أكثر من أربعة آلاف جمل.
وبعد النهب والقتل دمروا كذلك ضريح الإمام وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء. وحطموا خصوصاً المنابر والقباب لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من ذهب. أنظر أرشيف السياسة الخارجية لروسيا (1803 الاضبارة 2235: 38 ـ 40) نقلا عن تاريخ العربية السعودية، لفاسيليف: 116 ـ 117.
____________
1- كشف الارتياب: 53 ـ 54.
الشيخ سليمان يرد على أخيه محمد بن عبد الوهاب:
كان أول إعتراض قدمه الشيخ سليمان على أخيه هو عدم إعترافه باجتهاده وأنه لم يحقق شروط الإجتهاد وإنما كان مدعياً ومخالفاً لما عليه سيرة المذهب الحنبلي. وما قرره ابن القيم في أعلام الموقعين من أنه لا يجوز لأحد أن يأخذ من الكتاب والسنة ما لم يجتمع فيه شروط الاجتهاد ومن جميع العلوم". وبعد ان يعرض الشيخ سليمان شروط الاجتهاد وما إتفق عليه العلماء قاطبة في هذا الباب. يقول: "لو ذهبنا نحكي من حكى الأجماع لطال وفي هذا كفاية للمسترشد وإنما ذكرت هذه المقدمة لتكون قاعدة يرجع إليها فيما نذكره فإن اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه، وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر. هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الأجتهاد ولا والله عُشر واحدة، ومع هذا فراج كلامه على كثير من الجهال"(1).
وإذن فالشيخ لم يكن مجتهداً حتى يتسنى له الإستنباط أو تُحمل آراؤه على محمل الإجتهاد، وأنما إلتف حوله بعض الجهال من البدو الذين لم يكونوا يعلمون شيئاً. لذلك لما ناظر علماء الحرمين تلامذة الشيخ الوهابي أفحموهم وحكموا عليهم بالضلال وحبسوهم.
أما بخصوص تكفير عامة المسلمين وأهل نجد بالخصوص لأنهم ارتدوا الى الشرك وعبدوا القبور والأولياء والملائكة والجن فإن الشيخ سليمان وهو
____________
1- الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، سليمان بن عبد الوهاب النجدي: 7.
يقول: إنكم الآن تكفرون من شهد أن لا إله إلا الله وحده وأن محمداً عبده ورسوله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله ملتزماً لجميع شعائر الإسلام، وتجعلونهم كفاراً وبلادهم بلاد حرب فنحن نسألكم من إمامكم في ذلك وممن أخذتم هذا المذهب عنه؟!(1)
من أين لكم أن المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إذا دعا غائبا أو ميتاً أو نذر له أو ذبح لغير الله أو تمسح بقبر أواخد من ترابه أن هذا هو الشرك الأكبر الذي من فعله حبط عمله وحل ماله ودمه... فإن قلتم فهمنا ذلك من الكتاب والسنة، قلنا لا عبرة بمفهومكم ولا يجوز لكم ولا لمسلم الأخذ بمفهومكم فإن الأمة مجمعة كما تقدم أن الاستنباط مرتبة أهل الاجتهاد المطلق. ومع هذا لو اجتمعت شروط الاجتهاد في رجل لم يجب على أحد الأخذ بقوله دون نظر. قال الشيخ تقي الدين: من أوجب تقليد الإمام بعينه دون نظر إنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل(2).
أوجه الشبه بين الوهابية والخوارج:
وقد ذكر السيد محسن الأمين مجمل نقاط الإلتقاء بينهم وبين الخوارج كما ذكرها غيره من العلماء متفرقة في كتبهم التي ردوا بها على هذه الفرقة نذكر منها:
1 ـ إن الخوارج قد رفعوا في حربهم للمسلمين شعار (لا حكم إلا لله) وهي
____________
1- نفسه: 9.
2- نفسه: 10.
2 ـ إن الخوارج كانوا متصلبين في الدين مواظبين على الصلوات وتلاوة القرآن والبعد عن المحرمات المذكورة في القرآن. كذلك الوهابيون متصلبون في الدين يؤدون الصلاة لأوقاتها ويواظبون على العبادة ويطلبون الحق وان أخطأوه ويتورعون عن المحرمات حتى بلغ من تورعهم أنهم توقفوا في إستعمال التلغراف.
3 ـ إن الخوارج قد كفروا من عاداهم من المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم وسبوا ذراريهم وقالوا إن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار كفر؟. كذلك الوهابيون حكموا بشرك من خالف معتقدهم من المسلمين واستحلوا ماله ودمه وبعضهم استحل سبي الذرية.. وجعلوا دار الإسلام دار حرب ودارهم دار إيمان تجب الهجرة إليها. وحكموا بقتال تارك الفرض وإن لم يكن مستحلاً كما في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية ونقلوه فيها أيضاً عن ابن تيمية.
4 ـ إستند الخوارج في شبهتهم على ظواهر بعض الآيات والأدلة التي زعموها دالة على أن كل كبيرة كفر. كذلك الوهابيون استندوا في هذه الشبهة إلى ظواهر بعض الآيات والأدلة التي توهموها دالة على أن الاستغاثة والاستعانة بغير الله شرك وعلى غير ذلك من معتقداتهم كما يظهر من استشهاداتهم بالآيات التي لا دلالة فيها على معتقداتهم.
هبت هبوب الجنة | وين انت يا باغيها |
6 ـ كان الخوارج على جانب من الجمود والغباوة فبينما هم يتورعون عن أكل ثمرة ملقاة في الطريق ويرون قتل الخنزير الشارد في البر فساداً في الأرض، تراهم يرون قتل الصحابي الصائم وفي عنقه القرآن طاعة لله تعالى ويكفرون جميع المسلمين ويرون كل كبيرة كفراً. ولقيهم قوم مسلمون فسألوهم من أنتم وكان فيهم رجل ذو فطنة فقال اتركوا الجواب لي قال نحن قوم من أهل الكتاب استجرنا بكم حتى نسمع كلام الله ثم تبلغونا مأمننا فقالوا لا تكفروا نعمة نبيكم فأسمعوهم شيئاً من القرآن وأرسلوا معهم من يوصلهم إلى مأمنهم.
كذلك وقع للوهابيين مثل ذلك عندما دخلوا الطائف وقتلوا أهلها وسلبوهم أموالهم وقتلوا مفتي الشافعية الشيخ الزواوي وأبناء الشيبي. إلا الشيخ عبد القادر الشيبي سادن الكعبة، فقد نجا من الإخوان بحيلة طريفة. فقد أجهش بالبكاء عندما وقع في أيديهم فلما سلوا السيف عند رأسه سأله بعضهم لماذا تبكي أيها الكافر؟ فأجاب الشيخ: أبكي والله من شدة الفرح أبكي يا إخوان لأني قضيت حياتي كلها في الشرك والكفر، ولم يشأ الله إلا أن أموت مؤمناً موحداً. الله أكبر، لا إله إلا الله... وقد أثر هذا الكلام في الاخوان فبكوا لبكاء الشيخ، ثم طفقوا يقبلونه
____________
1- طه: 84.
والوهابيون الذين يحرمون الترحيم والتذكير لأنه بزعمهم بدعة ويتوقفون في التلغراف لعدم وقوفهم على نص فيه، ويحرمون التدخين ويعاقبون عليه، تراهم يكفرون المسلمين ويشركونهم ويستحلون أموالهم ودماءهم ويقاتلونهم بالبنادق والمدافع لطلبهم الشفاعة ممن جعل الله له الشفاعة وتوسلهم بمن له عند الله الوسيلة.
7 ـ كما ان الخوارج قال بمقالتهم جماعة ممن ينسب الى العلم لظهورهم بمظهر مقومة الضلال ورفع الظلم الذي لا شك أنه كان موجوداً. كذلك الوهابيون قال بمقالتهم جماعة ممن تُنسب إلى العلم لظهورهم بمظهر رفع البدع التي لا شك في وجودها في الجملة. لكن بعض أهل العلم غير رأيه فيهم بعد ما تبين له حقيقة أمرهم، مثل الأمير اليمني الصنعاني الذي نظم قصيدة في الإشادة بالحركة الوهابية لما وصله خبرها بأنها تحارب البدع يقول في مطلعها:
سلام على نجد ومن حل في نجد | وإن كان تسليمي على البعد لا يُجدي |
لكنه لما تحقق من أعمال وافعال هذه الحركة. أنشد قائلا:
رجعت عن القول الذي قلت في النجدي | فقد صح لي عنه خلاف الذى عندي |
أما الشيخ محمد عبد المصلح والزعيم السلفي فإنه قد عرف حقيقة حالهم منذ البداية لذلك كان موقفه منهم واضحاً رغم ما سمعه عنهم من حربهم للبدع والضلالات، لأنه كان يعلم تورطهم في البداوة والجمود وبعدهم عن الاجتهاد والمدنية.
8 ـ إن الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية كما وصفهم
____________
1- نجد وملحقاتها: 333.
وأخرج البخاري في كتاب الفتن عن إبن عمر ذكر النبي(صلى الله عليه وآله) اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله في نجدنا فأظنه قال في الثالثة هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان. وأخرجه الترمذي في المناقب. وقد أخرج أصحاب المسانيد عدة أحاديث بهذا المعنى وفيها إشارة واضحة على ظهور الفتن من بلاد نجد. وبالفعل فقد خرج منها مسيلمة الكذاب وكذا القرامطة الذين أخذوا الحجر الأسود من الكعبة. وقد أطال الشيخ سليمان في رده على أخيه محمد بن عبد الوهاب "زعيم الوهابية" في الإستشهاد بهذه الأحاديث وغيرها مبينا أنها تنطبق على حركتهم وتصف فتنتهم. وإذا كان أغلب رؤساء الخوارج من بني تميم كشبث بن ربعي ومسعر بن فدكي، وذي الخويصرة فإن الشيخ ابن عبد الوهاب يلتقي معهم في هذا الأصل فقد أجمع المؤرخون على أنه كان من قبيلة تميم.
9 ـ إن الخوارج قد عمدوا إلى الآيات الواردة في الكفار والمشركين فجعلوها في المسلمين والمؤمنين، كذلك الوهابيون جعلوا الآيات النازلة في المشركين منطبقة على المسلمين.
10 ـ كان الخوارج سيماهم التحليق أو التسبيد. وعن "النهاية" في حديث الخوارج، التسبيد فيهم فاش هو الحلق واستئصال الشعر. وقد جاء في أخبار كثيرة
يقول السيد أحمد بن زيني دحلان: "كان السيد عبد الرحمان الأهدل مفتي زبيد يقول لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله(صلى الله عليه وآله)"سيماهم التحليق" فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم. واتفق مرة أن إمرأة أقامت الحجة على ابن عبد الوهاب لما أكرهوها على إتباعهم ففعلت، أمرها ابن عبد الوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حيث إنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يجد لها جواباً(1).
11 ـ كان الخوارج يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الاوثان كما أخبر النبي(صلى الله عليه وآله) عنهم كما جاء في السيرة الحلبية. والوهابيون يقتلون أهل الإسلام
____________
1- فتنة الوهابية، م س: 19.
12 ـ كان الخوارج كلما قطع منهم قرن نجم قرن كما أخبر عنهم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب. وكذلك الوهابيون كلما قطع منهم قرن نجم قرن فقد حاربهم محمد علي باشا واستأصل شأفتهم ووصل ولده إبراهيم باشا إلى قاعدة بلادهم الدرعية وأخربها، ثم نجم قرن لهم بعد ذلك وقطع ثم نجم وقطع مراراً(1).
نشر الطائفية البغيضة:
لن نسترسل طويلاً في وصف أسلوب الدعوة السلفي المعاصر، هذا الأسلوب الذي ورثه الخلف عن السلف، والذي يجعل من العنف والتهجم على المخالفين ورميهم بكل أنواع السباب والشتائم ونهش أعراضهم، النهج القويم الذي يتم من خلاله نشر عقائد وافكار دعاة السلفية. فإثارة الفتن ونشر البغضاء بين فئات المجتمع الإسلامي. وتعميق الخلافات المذهبية وصولاً إلى الطائفية البغيضة، غدت من مميزات التحرك السلفي. فحيث تستعر نار الطائفية والخلافات المذهبية، تجد هناك دون شك أو ريب عقل سلفي وهابي حنبلي يؤجج هذه النار
____________
1- كشف الإرتياب، بتصرف، من: 114 إلى 126.
فلم يسمع عن قلاقل واضطرابات بين التجمعات السكانية الشيعية والسنية. مثلاً في مناطق تواجدهم معاً إلا بعد ما نفخ العقل السلفي في بوق الطائفية البغيض(1). فبدأ السني يسمع من أفواه الدعاية السلفية أن الشيعي كافر مرتد يسبب أصحاب النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، في المقابل وجد الشيعي نفسه محاصراً بدعاوي التكفير والردة أينما حل وتوجه. ولنا أن نتصور حجم المأساة، ففي باكستان والهند والعراق تعيش الملايين من الناس في تداخل وانسجام، تحت راية لا إله إلا اله محمد رسول الله. يتزاوجون في ما بينهم، ويستحل الشيعي مأكل ومشرب السني ويحرم دمه وماله وعرضه. لكن هذا الانسجام تحول في الآونة الأخيرة وخصوصاً في باكستان والهند إلى تباغض وأحقاد، راح ضحيتها عشرات القتلى من الطرفين وأحرقت المساجد. وما زالت نار الفتنة يتصاعد لهيبها ويكبر حجمها، دون أن يكون هناك أمل في إخمادها أو التقليل من انتشارها.
فالأطنان من الكتب والفتاوى في تكفير الشيعة والتهجم على مذهبهم تنزل إلى الأسواق باستمرار وتتابع. والفضل كل الفضل لأموال النفط السلفي التي توزع وتدفع بسخاء لكل مرتزق يستطيع أن يغذّي هذه المعركة الخسيسة، بين فئات
____________
1- يقول حمزة الحسن: إن معظم الحروب السياسية التي نشهدها في كل مكان في العالم إنما مولت بأموال النفط السعودي، بل إن الحروب السنوية في باكستان لم تثرها إلا الجماعات المتحالفة والمدعومة من السعودية، وقد وصل أعلام آل سعود الطائفي الى كل الدنيا، أذ أن مهمة المؤسسات الدينية الرسمية السعودية ومهمة أعلام السعوديين، هو إثارة الفتنة والبلبلة في صفوف المسلمين لكي يدعوا بعدئذ أنهم حماة "السنة" وما هم كذلك. الشيعة في المملكة العربية السعودية، مؤسسة البقيع لإحياء التراث، ط 1: 1993م، 2: 149.
تشويه صورة الاسلام:
أما تشويه الإسلام، في نظر أهله أولا وخصومه ثانياً، فحدث ولا حرج. فاعتناق الإسلام في أوربا أمريكا، يعني أولا وقبل كل شيء لبس دشداشة بيضاء ونعل واطلاق اللحية، والظهور بمظهر الدروشة والفقر. أما من حيث الأحكام الإسلامية ومبادىء الدين. فإن الخرق قد اتسع على الراقع، وقد ترسخ لدى الغربيين بفضل الفكر والممارسة السلفية بأن الإسلام دين دموي لا إنساني يدعو إلى القتل والارهاب وعدم التسامح. وهو إلى جانب تلك عدو لدود لنصف المجتمع أي عدو للمرأة.
يقول محمد الغزالي: بلغني ان مسؤولاً في جماعة اسلامية اقتربت من الحكم يوما فقال: لن تخرج النساء من البيوت بعد اليوم! وهذا وعيد أخرق! كان يجب أن يقول سنلزم الرجال والنساء آداب الإسلام، ولن نسمح بالتبرج وإثارة الغرائز... أما أن يخطب متحمس طائش فيقول: لا تخرج المرأة من البيت إلا إلى الزوج أو القبر، فهذا كلام فارغ يدفع الإسلام ثمنه مصادرة لعقائده وتعاليمه كلها... ويضيف قائلا:
ان الحضارة الاسلامية ليست هذا اللغو!! إنه ضيق العقل وضحالة المعرفة واختلال الفطرة واعوجاج الخطو، لا يمكن أن يتم إسلام، أو تزدهر حضارة (إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ)(1).
____________
1- محمد الغزالي بحث بعنوان "المسلمون وحوار الحضارات في العالم المعاصر" مقدم إلى الدورة العاشرة لمؤتمر المجمع الملكي لبحوث الحضارة الاسلامية ص 7. انظر مجلة الكلمة، العدد العاشر، 1996.
علماء أهل السنة والإمامية وغيرهم يردون على الوهابية:
انطلقت جل الردود والكتابات من توضيح مفهوم التوحيد لدى أهل السنة والجماعة وقضاياه التفصيلية، وأن ما قرره الأئمة من السلف يختلف عما تدعوا إليه هذه الفرقة. وأن مستندها في أفكارها الشاذة إنما هو تراث إبن تيمية الحراني والحنبلي وآراؤه التي رد عليها علماء عصره وفندوها، وصولاً إلى تكفيره وتكفير من إعتقد عقيدته، لأنه كان يدعو إلى التجسيم صراحة.
أما بخصوص مسائل الشفاعة والزيارة والتوسل وبناء القبور والعبادة قرب مشاهد الأنبياء والصالحين. فإن مجمل الردود قد أتت بما يخالف مذهب الوهابية وشيخهم الحراني، سواء من السنة الشريفة أو القرآن الكريم أو أقوال السلف الصالح وأئمة المذاهب وسيرة عامة المسلمين.
لقد كانت الردود كثيرة ومتنوعة وعلى رأسها كتابات الحنابلة الذين وقفوا في وجه هذه الحركة، وأعلنوا إنحرافها عن المذهب الحنبلي وتحريفها وعدم فهمها لما قاله الشيخ ابن تيمية وما كتبه في مصنفاته. والشيء الملاحظ في هذه الردود هو تنوع المرجعيات واختلافها عند من قاموا بالرد على "فتنة الوهابية".
فبالإضافة إلى الحنابلة هناك فقهاء الشافعية والمالكية والأحناف، وفيهم مؤرخون وعلماء أصول ومفتون كبار، زد على ذلك مجموعة من رواد التصوف الطرقي الذين حاربتهم، الوهابية "السلفية" ورمتهم بالضلال والانحراف. فقاموا بإعداد ردود كثيرة ومتنوعة. كما شارك في هذه الحملة علماء وفقهاء الشيعة الإمامية والزيدية، بالإضافة إلى مؤلفات فكرية عامة ألفها مفكرون إسلاميون لمعالجة بعض الظواهر الإجتماعية والسلوكية والفكرية التي نجمت عن إنتشار
التوحيد عند السلفية:
يقول العلامة السبحاني: "إن الوهابية تعترف بنوعين من التوحيد وهما التوحيد الربوبي والتوحيد الألوهي ويفسرون الأول بالتوحيد في الخالقية، والثاني بالتوحيد في العبادة، وكلا الإصطلاحين خطأ. أما الأول فالمراد من الربوبية هو تدبير المربوب وادارته، وأن وظيفة الرب الذي هو بمعنى الصاحب. إدارة مربوبه، كرب الدابة والدار والبستان بالنسبة إليها. فالتوحيد في الربوبية غير التوحيد في الخالقية، وإن كان ربما تنتهي الربوبية إلى الخالقية. وأما الثاني، أعني التوحيد في الألوهية فهو مبني على أن الإله بمعنى المعبود، ولكنه خطأ، بل هو ولفظ الجلالة بمعنى واحد، غير أن الأول كلي والثاني علم لواحد من مصاديق ذلك الكلي(1).
ويقول أبو حامد في إبطاله هذا التقسيم "لم يقل أحمد بن حنبل لأصحابه: أن التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وإن من يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا كان يعرفه المشركون، وهذه عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه، في مناقبه لإبن الجوزي وفي غيره، ليس فيه هذا الهذيان. وكذا لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه، ولا أى صحابي من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله)...: أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الالوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا يعرفه المشركون، فلو اجتمع الثقلان مع ابن تيمية على إثبات هذا التقسيم عند أي واحد منهم لا يستطيعون، وإني أتحدى كل من له إلمام بالعلم أن ينقل لنا هذا
____________
1- بحوث في الملل والنحل، م س، ج 4، أنظر الهامش: 67.
زيارة القبور وشدّ الرحال إليها:
أفتى ابن تيمية بتحريم شد الرحال لزيارة الصلحاء والأنبياء والأئمة مستدلا بما ورد من النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة(2).
وقالت الوهابية لا تجوز زيارة قبور الأئمة ولا تشد الرحال من الأماكن البعيدة لأجل زيارة قبر النبي(صلى الله عليه وآله)، وأنها من الشرك وعبادة لغير الله تعالى(3).
أما أهل السنة والإمامية فاتفقوا على جواز زيارة القبور، ويظهر ذلك لمن راجع الكتب الفقهية الحديثية. ويكفي في ذلك ما أفتى به أئمة المذاهب الأربعة حيث جاء في كتاب "الفقه على المذاهب الربعة" ما يلي: "زيارة القبور مندوبة للاتعاض وتذكر الآخرة، وتتأكد يوم الجمعة ويوماً قبلها ويوماً بعدها.
وينبغي للزائر الانشغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى، وقراءة القرآن للميت فإن ذلك ينفع الميت على الأصح، إلى أن قال: ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة، بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصاً مقابر الصالحين، وأما زيارة قبر النبي(صلى الله عليه وآله) فهي من أعظم القرب"(4).
ومن الروايات التي تحث على زيارة القبور قوله(صلى الله عليه وآله): "قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه فزوروها فإنها تذكّر بالآخرة". ورواه الخمسة الا البخاري واللفظ للترمذى. ولا تنحصر الروايات الواردة في هذا
____________
1- راجع براءة الاشعريين: 1 / 96. أنظر ردود على شبهات السلفية، م س: 240 ـ 241.
2- بحوث في الملل والنحل: 4 / 137.
3- البراهين الجلية: 64.
4- الفقه على المذاهب الأربعة: 1 / 424 ـ 425، آخر كتاب الصلاة. أنظر التوحيد والشرك، م س: 206.
أما الحديث الذي تشبث به ابن تيمية والوهابية فقد تعرض له العلماء بالشرح والتحليل وأوضحوا المقصود منه. فقد روي عن الرسول(صلى الله عليه وآله) أنه قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد: المسجد الحرام، ومسجد النبي، والمسجد الأقصى" رواه البخاري عن أبي هريرة.
وهذا الحديث الذي تمسك به الوهابيون لا يدل على حرمة شد الرحال إلى زيارة القبور، والاماكن والمشاهد المشرفة، وذلك لأن الاستثناء الوارد في الحديث مفرغ قد حذف فيه المستثنى منه، فكما يمكن ان يكون تقدير المستثنى منه: "لا تشد الرحال إلى مكان من الأمكنة" يمكن ان يكون تقديره: "لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد". ولكن المتعين هو الثاني لكون الإستثناء متصلا وهو يقتضي تقدير "المسجد" بعنوان مستثنى منه، لا غيره.
أضف إلى ذلك يقول الشيخ السبحاني: "أن الضرورة قاضية بجواز شد الرحال إلى طلب التجارة، وإلى طلب العلم، وإلى الجهاد، وزيارة العلماء والصلحاء، وإلى التداوي والنزهة، وان المسلمين في مواسم الحج يشدون الرحال إلى عرفة والمزدلفة ومنى.. هذا مضمون الحديث ومعناه ومع ذلك لا يفهم من هذا الحديث وأشباهه حرمة السفر إلى باقي المساجد، بل هي ظاهرة في أفضلية هذه المساجد على ما عداها بحيث بلغ فضلها ان تستحق شد الرحال والسفر اليها للصلاة فيها. أما سائر المساجد فليس لها هذا الشأن. كما ان النهي عن شد الرحال إلى سائر المساجد دون الثلاثة ليس نهياً إلزامياً بل هو للارشاد إلى عدم ترتب ثواب وافر على التوجه إلى سائر المساجد.
____________
1- التوحيد والشرك: 207.
أما الدليل على زيارة قبر الرسول(صلى الله عليه وآله) وقبور الصالحين وغيرهم، فنذكر منها:
روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال النبي(صلى الله عليه وآله): من جاءني زائراً لا تعلمه (تحمله) إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.
وروي أيضاً عن عبد الله بن عمر عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي.
وأما فعله، فقد روي عن طلحة بن عبد الله قال: خرجنا مع رسول الله يريد قبور الشهداء إلى ان قال: فلما جئنا قبور الشهداء، قال: هذه قبور إخواننا(2).
أما الإجماع فإطباق السلف والخلف، لأن الناس لم يزالوا في كل عام إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته(صلى الله عليه وآله)، وأن منهم من يفعل ذلك قبل الحج، قال السبكي: هذا شاهدناه، وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة، وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وان لم يكن طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة، وينفقون فيه الأموال، ويبذلون فيه المهج، معتقدين ان ذلك قربة وطاعة، واطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على مر السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل ان يكون خطأ، وكلهم يفعلون ذلك على وجه التقرب به إلى الله عزوجل، ومن تأخر فإنما يتأخر بعجز أو تعويق المقادير مع تأسفه عليه، وود لو تيسر له، ومن ادعى ان هذا الجمع العظيم مجمع
____________
1- صحيح البخاري: 2 / 61، أنظر التوحيد والشرك: 208 ـ 209 بتصرف.
2- أخرجه أبو داود في سننه: 1 / 311.
وأقوال علماء أهل السنة في استحباب الزيارة لقبر الرسول كثيرة جداً وقد تتبع بعضها المحقق الأميني وجمعها في موسوعته القيمة. نورد منها مثالاً واحداً:
قال أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الفقيه البغدادي الحنبلي المتوفي (سنة 510 هـ) في مناسكه: إذا كمل لك حجك وعمرتك على الوجه الشروع، لم يبق بعد ذلك إلا إتيان مسجد رسول الله للسلام على النبي والدعاء عنده، والسلام على صاحبيه، الوصول إلى البقيع وزيارة ما فيه من قبور الصحابة والتابعين(2).
مواجهة التحريف والتلاعب بعقائد الإسلام:
إن وقوف أهل السنة والشيعة الإمامية اليوم في صف واحد أصبح ضرورة لابد منها لمواجهة الدعوة السلفية، أولاً: لأن دعاة السلفية يكفرون الفريقين ويستحلون دماءهم وأموالهم وأعراضهم. والنصوص التي اوردناها من قبل دليل على ما نقول والواقع الحالي يؤكد ذلك.
ثانياً: هذا الوقوف هو دفاع عن الإسلام والمسلمين في نفس الوقت، فالإسلام يشهد موجة من التحريف والتلاعب بعقائده لم يشهد لها مثيلاً من قبل، أطفال ومراهقون وعوام الناس أصبحوا بفضل المنهج السلفي يمارسون الإجتهاد والإستنباط للإحكام، ويفتون في الدماء والأعراض.
ومن يريد أن يرى ويسمع الأمثلة الواقعية على ذلك، فليزر الجزائر وليلتقي بدعاة السلفية هناك، ليرى كيف يعقد أتباع ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب عقود الزواج بالإكراه وتحت ضغط الإرهاب، وكيف يفسرون الكثير من تعاليم الإسلام،
____________
1- بحوث في الملل والنحل، م س: 142 ـ 143.
2- انظر الغدير: 5 / 109 ـ 125، وقد نقل اربعين كلمة عن اعلام المذاهب الاربعة وما نقلناه نحن فعن السبحاني، بحوث في الملل والنحل: 4 / 145 ـ 148.
ولولا أن يقال إننا نخدم النظام العسكري الدموي في الجزائر، لنقلنا من القصص والروايات الواقعية والصحيحة، ما يندى له جبين الصحوة الإسلامية التي حرفها هؤلاء الدعاء عن الصراط القويم. ففتاوى التكفير تطال كل من يخالف دعاة السلفية؟! وفي هذا الجو التكفيري الإرهابي الخانق تضيع الحقائق وينعق الغراب في الخرابات التي يحدثها نشر الفكر السلفي الوافد من نجد والحجاز.
كل ذلك على حساب الإسلام والصحوة الإسلامية، فإذا كان الناس والشباب خاصة، قد اقبلوا في العقود المنصرمة على الالتزام بالإسلام أفواجاً وجماعات، فإننا نُسجل اليوم وبفضل الدعوة السلفية هروب وتراجع الناس أفواجاً وجماعات عن الالتزام بالإسلام. فهذا يخاف من الحكومات والأنظمة السياسية، التي قد تحشره في صف الإرهابيين، والآخر يقول إذا كان الإسلام هو هذا التشدد السلفي في الملبس والمظهر، فأنا غير مستعد للذهاب إلى الصحراء واعتناق عادات وتقاليد البداوة؟! وبالجملة هناك نكوص حقيقي وارتداد للصحوة الإسلامية!!