(23) الهاشمي بن علي رمضان
(مالكي / تونس)
ولد في مدينة قابس بتونس عام 1968م، ونشأ في أسرة تعتنق المذهب المالكي، حصل على شهادة الليسانس في اللغتين الانجليزية والايطالية سنة 1994م من جامعة تونس.
كما أنه يجيد اللغة الفرنسية.
الشعور بالاستغناء عن البحث:
كان الهاشمي منذ طفولته متعلقاً بالدين والمذهب وكان يرى وفق ما املته عليه البيئة الاجتماعية أن المذهب المالكي هو أفضل المذاهب الإسلامية الأربعة، فيقول:
"كنت افاخر بأن المذهب المالكي هو روح الإسلام ولبه، وأنه المذهب الوسط بين المذاهب الإسلامية، فلا هو يميل إلى المعتزلة المتعقلين أكثر من اللازم، ولا يقترب من الحنابلة المجسمة والخرافيين والمضحكين. وفي الحقيقة ما كنت اعرف عن المذهب المالكي ولا عن مؤسسة القليل ولا الكثير!".
فلهذا ما كان يشعر الهاشمي بالحاجة إلى البحث، لأنه يرى أنه على الحق، فكان يقول "ما الحاجة إلى البحث والتنقيب؟! أو ليس قد ولدنا مالكيين وعشنا مالكيين ونموت مالكيين؟!".
بلورة هوايته نحو المطالعة:
بقي الهاشمي على هذه الحالة حتى دخل مرحلة التعليم الثانوي. فاتجهت رغبته وانصب شوقه إلى المطالعة التي كان المعلمون يشجعونهم عليها ويوفرونها لهم مجاناً في المدرسة.
ويقول الهاشمي: "كان المعلمون يرغبوننا بالمطالعة لتقوية زادنا في العربية والفرنسية، وكان اعطاؤنا القصص يتجاوز المنحى الترفيهي إلى المنحى التعليمي".
ويضيف: "مع مرورالزمان بدأت اقرا بشغف قصصاً اكبر حجماً واعمق مضموناً.
لكن مع دخولي مرحلة المراهقة بدا وضعي الجديد يفرض علىّ الابتعاد عن القصص الملوّنة الجميلة، حيث صارت تمثل لي مرحلة من العمر بدأت في مفارقتها. ولم تعد تلكم القصص تروى غليلى اذ أنّها من ناحية كمّها كانت تبدو صغيرة جداً ومن ناحية كيفها بدأ الجو الدراسي العام يشعرنا بأننا كبرنا عليها وينبغي الاتجاه إلى تلخيص وتحليل روايات وآثار معاصرة لأدباء معاصرين".
التوجه إلى مطالعة التاريخ:
يقول الهاشمي: "سرعان ما استعضت عن هذه الروايات بشيء أكثر بريقاً وأكثر امتاعاً، حيث وجدت في التاريخ ضالتي المشودة التي تحقق لي حاجتي إلى التسلية والتحليق في فضاء ارحب وأوسع، لكن شغفي بالتاريخ فتح عيني على حقيقة عظمى وغير من حياتي الشيء الكثير".
المفاجئة بحقائق التاريخ الإسلامي:
لاحظ الهاشمي حين قراءته للتاريخ الإسلامي أن فيه تناقضات غريبة وعجيبة من بينها خلاف الصحابة واقتتالهم ومخالفة البعض منهم
فيقول: شعرت بتمزق نفسي كبير بين ما نشأت عليه من عقائد ومقدسات وبين ما أرى بعيني من حقائق.
وكانت من جملة الحقائق التي اصطدم بها الهاشمي، أنه سمع ذات يوم من استاذ مادة التاريخ، حينما مرّ على معركة صفين أنه قال مبتسماً: "فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتى يخدعوا جيش علي وينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم".
فيقول الهاشمي: "صعقنى جداً هذا الكلام، فقلت في نفسي: أعمرو بن العاص يفعل هذا؟!
هذا الصحابي الجليل ـ الذي عرفناه من أقطاب الصحابة كما قال لنا شيوخنا ـ يخدع ويمكر؟!
اذن أين تقوى الصحابة واخلاصهم الذي ذكره لنا شيوخنا؟!
شعرت حينها بتمزق نفسي شديد بين ثقافتي الاسلامية التي تقدم كل الصحابة وترفعهم إلى صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقة؟!
رجعت إلى البيت مغموماً وسألت أخي عن المسألة فقال لي: إن هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهم ـ أي الصحابة ـ ادرى بزمانهم و...
لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كل معنى، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر؟! فكيف بالصحابة؟!"
وبحث الهاشمي عن هذه المسألة قليلاً، لكنه لم يجد أي تفاعل ممن حوله، فلم يصل إلى الجواب المقنع، فيقول: "قفلت عليها في صدري والقيت حبلها على غاربها ومضيت".
بداية التعرف على التشيع:
مضت على هذه الحادثة التي واجهها الهاشمي سنوات، حتى شاءت الأقدار أن تجمعه مع صديق قديم وزميل دراسة كان قد افترق عنه مدة من الزمن وإذا به يسمع أنه شيعي!
يقول الهاشمي بعد استغرابه من تشيع زميله: "كنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة وأنهم متطرفون في عقائدهم، وكنت اسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم على الحسين وسبهم للصحابة، فيزداد عجبي، وكنت أتمنى أن التقي بواحد منهم لأقنعه أو على الأقل لأعرف لماذا هم هكذا".
ومن هنا بدأ الهاشمي يناقش صديقه الشيعي، وخاض معه نقاشات عديدة، حتى بان له الحق، وتعرف على واقع الأمر، واتضح له احقية مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
فيقول: "رأيت أن الشيعة مذهب صاف عقلاني ملىء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والاكاذيب فيه، وهكذا اذ بينما كنت انسب إلى الشيعة كل قبيح، استفقت على أن مذهبهم حق".
كلمة اخيرة لكل انسان حر:
يقول الهاشمي: "أنا من موقعي هذا ادع كل انسان حرّ أن يطلع على كتب الشيعة وعلى آرائهم من دون واسطة".
ويدعو الهاشمي جميع أبناء العامة إلى البحث حول التشيع، فيقول: "جربوا أن تطالعوا عن التشيع والشيعة الاثني عشرية، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمّ كما يدعي بعض العلماء المتحجرين، بل إن أحدنا يفاخر بأنه يقرا
مؤلفاته:
(1) "الصحابة في حجمهم الحقيقي":
صدر عام 1420، عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.
وهو دراسة عقائدية وتاريخية ترفع الضبابية عن الاعين في شأن عدالة جميع الصحابة وقد استند المؤلف في هذه الدراسة إلى القرآن واقوال الرسول(صلى الله عليه وآله)ورأي الصحابة في بعضهم البعض رأي التابعين في الصحابة.
(2) "حوار مع صديقي الشيعي":
صدر عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.
وهو خلاصة لنقاشات وحوارات دارت بينه وبين احد اصدقائه الشيعة في مدينة "قابس" والتي خاض فيها مع صديقه حول أهم عقائد الشيعة الاثنى عشرية، منها: التقية والمتعة والتوسل والامام المهدي وعدالة الصحابة.
وقفة مع كتابه: "الصحابة في حجمهم الحقيقي"
الصحابة جيل من الناس عاصر الرسول محمد(صلى الله عليه وآله) أيام بعثته فرأوه وآمنوا به وكان معظمهم من أهل المدينة وأهل مكة وما حولهما من القبائل العربية، وكانوا قبل الرسالة يعبدون الاصنام كبقية أبناء الجاهلية في مناطق الجزيرة العربية، وبعد أن بعث الله سبحانه وتعالى الرحمة الهداة الرسول محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله) من أبناء إبراهيم(عليه السلام)، والذي يتحدث بلغتهم وينتسب إلى بني هاشم من قبيلة قريش التي كانت تسكن مكة في جوار الكعبة بيت الله العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام)، شملتهم الرحمة الالهية فاهتدوا بهدى الإسلام الدين الذي ارتضاه الله للناس أجمعين.
ويحكي واقع تاريخ المسلمين أنه بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) اختلف الصحابة فيما بينهم وقامت بينهم الحروب وعاد معظمهم على أدبارهم القهقرى، كما يشهد بذلك حديث الحوض(1) الذي تنبأ فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) بانحراف معظم أصحابه.
وآلت أمور المسلمين إلى قيام الدولة الأموية على يد "الصحابي" معاوية بن أبي سفيان الذي كان أبوه قائد الكفار المحاربين للرسول(صلى الله عليه وآله). وقد عمل معاوية ـ بعد أن تسلم مقاليد الامور ـ على شراء الضمائر بالأموال ليمحو عن نفسه عار العداء للرسول(صلى الله عليه وآله) وآل بيته الأطهار، فاستجاب له ولمن أتى من بعده من الجبابرة بعض الصحابة والتابعين من عبيد الدنيا فادخلوا في الدين وفي الحديث ما أرادوا من تشويه وتزييف وتحريف.
____________
1- صحيح البخاري: 8 / 151.
الصحابة وأصول الدين أو أركانه:
"إنّ مسألة الصحبة من المسائل التي أسالت حبراً كثيراً وصار حولها لغط كثير، فأهل السنّة عموماً يعتبرون الصحابة جزءاً لا يتجزأ من إيمان الفرد المسلم، وإذا طعن أي فرد بأيّ واحد من الصحابة فقد اقترف إثماً عظيماً ووزراً كبيراً.
لكن هذه المسألة ـ مسألة الصحابة ـ لو يتجّرد الباحث المسلم المنصف للخوض فيها فسيرى ويعلم علم اليقين أنّها لَيسَتْ من المعتقدات المهمة سواء التي اتفقت عليها طوائف المسلمين كالتوحيد والمعاد والنبوّة، ولا من التي اختُلِفَ حولها كالعدل والإمامة.
فأركان الإسلام عند أهل السنة خمسة وهي: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله، والصلاة والزكاة وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرّه.
فأين الصحابة من هذه الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام؟!
وأما عند الشيعة فأُصول الدين خمسة وهي: التوحيد والعدل والنبوّة
وأمّا الإيمان، فكما اتفقت عليه كلمة المسلمين وكما ورد في القرآن (ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)(1).
وانظر إلى قوله تعالى في سورة النساء حيث يقول: (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَـبِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَـبِ الَّذِى أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الاَْخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلا بَعِيداً )(2).
فأين محلّ الصحابة في هذا الإيمان؟!!
ثم أليس لكلّ نبيّ صحابة؟! فإذا كان الإيمان بصحابة رسول الله من ضرورات الإسلام أو من أركان الإيمان، فلماذا لا يكون الإيمان بصحابة نوح وإبراهيم وموسى وعيسى كذلك؟!
ثم بأيّ دليل من الكتاب والسنّة نجد أن الإيمان بمسألة الصحابة جميعاً واجب علينا كالإيمان بالله ورسوله؟!
ما استدلّوا به في عدالة الصحابة:
يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه أُسد الغابة في معرفة الصحابة ما يأتي: "والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ الجرح والتعديل، فإنهم كلّهم عدول لا يتطرق الجرح إليهم، لأنّ الله عزّوجلّ ورسوله زكّياهم وعدّلاهم، وذلك
____________
1- البقرة: 285.
2- النساء: 136.
أما ابن حجر العسقلاني فيقول عن عدالة الصحابة: "اتفق أهل السنّة أنّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(2). وقوله: (وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَـكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(3)، وقوله: (لقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثَـبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)(4)، وقوله: (وَ السَّـبِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَـجِرِينَ وَالاَْنصَارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَـن رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُواْ عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّـت تَجْرِى تَحْتَهَا الاَْنْهَـرُ خَــلِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَ لِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(5)، وقوله: (يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )(6)، وقوله: (لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَـجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَـرِهِمْ وَ أَمْوَ لِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَ رِضْوَ ناً وَ يَنصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّـدِقُونَ)(7) إلى قوله: (إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)(8)، في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها...، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لهم إلى
____________
1- مقدمة ابن الأثير في كتابه أُسد الغابة: 1 / 10.
2- آل عمران: 110.
3- البقرة: 143.
4- الفتح: 18.
5- التوبة: 100.
6- الأنفال: 64.
7- الحشر: 8.
8- الحشر: 10.
فعلى رأي علماء أهل السنّة كل شعب رسول الله الذي آمن به صحابة، وهم أيضاً عدول كلهم لا يتطرّق الشك إليهم أبداً حتّى إلى واحد منهم.
وقالوا: من يطعن في صحابي واحد فهو زنديق، وقالوا: إنّ الله طهرهم وزكّاهم جميعاً.
الصحابة في القرآن:
يقول تعالى في سورة الفتح (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَ ناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَ لِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِى الاِْنجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأهُ فَـَازَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيمَا )(2).
فمن ينظر إلى أول الآية يرى أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة، لكن انظر إلى قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ منهم...).
____________
1- الاصابة في تمييز الصحابة: 1 / 6 ـ 7.
2- الفتح: 29.
ويقول تعالى في نفس هذه السورة: (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفَى بِمَا عَـهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )(1).
وأنت ترى في هذه الآية أنّ الله تعالى يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون على أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالى شيئاً.
ولدى قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الْحُجُرَ تِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ * وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(2).
فانظر لوصف الله تعالى هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به(صلى الله عليه وآله).
ويقول في سورة الحجرات ايضاً: (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَــلَة فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَـدِمِينَ )(3).
ومن المعلوم والمشهور أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه، عندما بعثه إلى بني المصطلق فرجع وكذب على النبي(صلى الله عليه وآله)(4)، فالله يصف الوليد بالفاسق، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل؟!
____________
1- الفتح: 10.
2- الحجرات: 4 ـ 5.
3- الججرات: 6.
4- أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة الحجرات: 6، تفسير الطبري: 26 / 78، تفسير الدرّ المنثور: 7 / 555.
في هذه الآية يذكر الله ويشنّع على المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتى قال أبوبكر: "لن نُغلَب اليوم من قلّة"(2).
وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة: (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَْرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَوةِ الدُّنْيَا مِنَ الأَْخِرَةِ فَمَا مَتَـعُ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا فِى الأَْخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْـاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ)(3).
فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لا يخفى فإن الله تعالى توعّد الصحابة في هذه الآية بالعذاب الأليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس على رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله، فأين مدح الله للصحابة هنا؟!
ويقول الله تعالى في سورة الأحزاب: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَ الاَْخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً)(4).
إنّ الله لا يتأذّى ولكن أذى الله من أذى من أذى الرسول، وعليه فكلّ من آذى الرسول(صلى الله عليه وآله) صحابيّاً أو غيره فقد آذى الله، وهذا نظير قوله تعالى: (من يُطِعِ
____________
1- التوبة: 25.
2- أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة التوبة: 25.
3- التوبة: 38 ـ 39، يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة: وهذا يدل أن كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.
4- الأحزاب: 57.
ويقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَـعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّـائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(2).
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: "أنها نزلت في حيّين من الأنصار همّا بترك القتال في أُحد والعودة إلى المدينة أُسوة براس النفاق عبد الله بن أُبي بن أبي سلول"(3).
ويقول تعالى في سورة آل عمران حول معركة أُحد: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـزَعْتُمْ فِى الاَْمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الاَْخِرَةَ...)(4).
ويقول كذلك: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ فَأَثَـبَكُمْ غَمَّام بِغَمّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَآ أَصَـبَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ)(5).
ويقول أيضاً: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَـنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(6).
____________
1- النساء: 80.
2- آل عمران: 121 ـ 122.
3- التفسير الكبير للفخر الرازي ـ تفسير سورة آل عمران: 121 ـ 122، تفسير الطبري: 4 / 48، الدرّ المنثور: 2 / 305.
4- آل عمران: 152.
5- آل عمران: 153.
6- آل عمران: 155.
وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره: "أنّ عمر بن الخطاب كان من المنهزمين، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين!! ومن الذين فرّوا يوم أُحد عثمان بن عفان ورجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة، وانهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبي(صلى الله عليه وآله): لقد ذهبتم بها عريضة"(1).
ثم لنأت إلى سورة الجمعة ولنقرأ هذه الآية: (وَ إِذَا رَأَوْاْ تِجَـرَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَ تَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَ مِنَ التِّجَـرَةِ وَ اللَّهُ خَيْرُ الرَّ زِقِينَ )(2).
وقد نزلت هذه الآية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله(صلى الله عليه وآله)، حتّى إذا دخل دحية الكلبي ـ وكان مشركاً ـ المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه(صلى الله عليه وآله) إلاّ اثنا عشر رجلا على رواية، حتّى قال النبي(صلى الله عليه وآله) فيهم: "لو اتّبع آخرهم أوّلهم لا لتهب الوادي عليهم ناراً"(3).
ويقول الله تعالى في سورة الأنفال: (مَا كَانَ لِنَبِىّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الأَْرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الاَْخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَـبٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(4).
____________
1- تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية 155 من سورة آل عمران، تفسير الطبري: 4 / 96، تفسير الدرّ المنثور: 2 / 355 ـ 356.
2- الجمعة: 11.
3- انظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة، تفسير الدر المنثور: 8 / 165، تفسير الطبري: 28 / 67 ـ 68.
4- الأنفال: 67 ـ 68.
وتقرأ في سورة الأنعام هذه الآية: (وَمَنْ أَظْـلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ...)(2).
وفي قول نزلت هذه الآية في عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذى أهدر النبي(صلى الله عليه وآله) دمه لأنّه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله، والعجيب أنّ هذا الأفّاك الأثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش؟!
هذا غيض من فيض، ولو لا أنّ المجال لا يتّسع لأكثر من هذا لأتينا على كلّ الآيات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضاً منهم أو تُقرّع البعض الآخر او تهدّدهم وتتوعّدهم.
وهكذا ترى أنّ القرآن يضع الصحابة في محلّهم الطبيعي.
والعجب أنّ علماء أهل السنة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً يزعمون أنّ الله والقرآن عدّلا الصحابة جميعاً، وعليه إنّ أيّ قدح في أيّ واحد منهم هو خروج
____________
1- المائدة: 41.
2- الأنعام: 93. انظر تفسير الفخر الرازي في تفسيره للسورة: 13 / 93، تفسير الطبري: 181، تفسير الدر المنثور: 3 / 317.
ثمّ دعنا من الصحابة ولنأت إلى أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس أُولي العزم(عليهم السلام) حيث إنّه(صلى الله عليه وآله) لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالأماني بل بأعماله، وها هو القرآن يشير إلى هذه الحقيقة قائلا: (وَ لَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَـئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَـسِرِينَ )(1).
وحاشا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يشرك، لكن هذا هو مقياس الله، لا مجاملة ولا محاباة مع أيّ أحد في أحكامه وشرائعه.
ثم أنظر إلى قوله تعالى في سورة الحاقة: (وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَْقَاوِيلِ * لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ)(2).
فليس معنى كون الرسول(صلى الله عليه وآله) نبيّاً يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله، فما بالك بعد هذا بالصحابة؟!
إنّ الصحابة هم أوّل المكلّفين في الإسلام وأوّل المسؤولين.
فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه، وليس عندهم جواز عبور إلى الجنّة، هيهات ليس الأمر بالأماني.
إنّ الصحابة في موضع خطير حيث أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) كان بين أظهرهم ولا حجّة لمن تعدّى حدود الله منهم غداً يوم القيامة، فقد شاهدوا نور النبوّة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجّة والويل لمن لم يُنجِه كلّ ذلك.
صحابة وصحابيات تحت المجهر:
خالد بن الوليد: نتناول واحداً من كبار الصحابة، وخالد بن الوليد بن
____________
1- الزمر: 65.
2- الحاقة: 44 ـ 46.
يقول ابن الأثير في كتابه أُسد الغابة في تمييز الصحابة في ترجمة مالك بن نويرة المقتول المزنّي بزوجته في نفس اللّيلة ما يلي: "...إلاّ أنّه لم تظهر عليه ردة (يقصد مالك بن نويرة الصحابي الجليل) وأقام بالبطاح، فلمّا فرغ خالد من بني أسد وغطفان سار إلى مالك وقدم البطاح، فلم يجد به أحداً، كان مالك قد فرّقهم ونهاهم عن الإجتماع (لو كان مالك مرتداً فعلاً لأعدّ العدّة لقتال خالد) فلمّا قدم خالد البطاح بثّ سراياه، فأُتي بمالك بن نويرة ونفر من قومه. فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة، وكان فيمن شهد أنهم أذّنوا وأقاموا وصلّوا، فحبسهم في ليلة باردة وأمر خالد فنادى: أدفئوا أسراكم ـ وهي في لغة كنانة القتل ـ فقتلوهم (انظر إلى دهاء خالد ومكره) فسمع خالد الواعية فخرج وقد قُتلوا، فتزوّج خالد امرأته، فقال عمر لأبي بكر: سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه، فقال أبو بكر: تأوّل فأخطأ ولا أشيم سيفاً سلّه الله على المشركين، وودّى مالكاً، وقَدِم خالد على أبي بكر فقال له عمر: يا عدوّ الله قتلت أمرأً مسلماً ثم نزوت على أمرأته، لأرجمنّك...".
إلى أن يقول: "فهذا جميعه ذكره الطبري وغيره من الأئمة ويدلّ على أنّه لم يرتد، وقد ذكروا في الصحابة أبعد من هذا، فتركهم هذا عجب، وقد اختلف في ردّته، وعمر يقول لخالد: قتلت امرأً مسلماً، وأبو قتادة يشهد أنهم أذنوا وصلّوا، وأبوبكر يردّ السبي ويعطي دية مالك من بيت المال، فهذا جميعه يدلّ على أنّه (مالك) مسلم"(1) انتهى كلام ابن الأثير.
إنّ لنا أن نحلّل هذه الحادثة بكلّ موضوعية وبعيداً عن أي تحيّز فنقول:
____________
1- اسد الغاية: 5 / 52 ـ 53 في ترجمة مالك بن نويرة.
ثانياً: إنّ خالد بن الوليد أراد قتله لكي يظفر بزوجته وكانت من أجمل نساء العرب، ولهذا قال مالك قبل قتله هذه التي قتلتني ولهذا استعمل خالد كلمة ادفئوا أسراكم وكان يقصد قتلهم بالتأكيد وليس ادفاءهم من البرد.
ثالثاً: وهذا أعجب لماذا لم يُقم أبوبكر الحدّ على خالد لقتل مسلم وللزنى بزوجته لأنّه تزوّجها بدون عدّة بل في نفس تلك الليلة.
رابعاً: كان عمر غاضباً جدّاً من خالد وقال له ما قد مرّ، ومن هنا نفهم لماذا عزل عمر خالداً عندما صار خليفة وعيّن مكانه أبا عبيدة على جيوش المسلمين، ثم ما معنى قول أبي بكر: تأوّل خالد فأخطأ؟! وهل في حدود الله مزاح وخطا وصواب؟!
وليت الأمر وقف بخالد عند هذا الحدّ، لكنّه كما كان سيفاً مسلولاً ـ بالباطل ـ على المسلمين في أُحد وغيرها، فإنّه أوغل في دماء المسلمين بعد إسلامه، فهو فعلاً سيف، لكنّه سيف مسلّط على المسلمين والمؤمنين، ولتزداد يقيناً أنّ السياسة هي التي أسمت خالداً هذا بسيف الله المسلول، تعال إلى هذه الحادثة:
"لمّا فتح رسول الله(صلى الله عليه وآله) مكّة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي فقتل منهم من لم يجز له قتله فقال النبي(صلى الله عليه وآله): اللّهم إنّي أبرأ إليك ممّا صنع خالد فأرسل مالاً مع علي بن أبي طالب(رضي الله عنه) فودّى القتلى وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم، حتّى ثمن ميلغة الكلب..."(1).
انظر إلى خالد بن الوليد يبعثه الرسول بكلّ سلم وسلام فيقتل من شاء ويدع من شاء، انظر إلى دعاء النبي(صلى الله عليه وآله) وهو يبرأ من فعل خالد بن الوليد.
____________
1- أسد الغابة ترجمة خالد بن الوليد، وكذلك أنظر الحديث في مسند أحمد: 2 / 151.
ولو شئنا التفصيل في فعل خالد وفعاله في الإسلام لما صدّق الإنسان ما يرى من هول وعظم ما أتاه خالد، لكن للاختصار نكتفي بهذا المقدار.
المغيرة بن شعبة:
هو صحابي، وهو أحد النُزّاق الفسّاق الذين فتقوا في الإسلام فتقاً لا يجبر إلى يوم القيامة.
ورد في ترجمته في كتاب أسد الغابة ما يلي: "دهاة العرب أربعة: معاوية ابن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد...".
"... وولاّه عمر بن الخطاب البصرة ولم يزل عليها، حتّى شُهد عليه بالزنا، فعزله، ثم ولاّه الكوفة، فلم يزل عليها حتّى قُتل عمر، فأقره عثمان عليها...".
"... وهو أوّل من وضع ديوان البصرة وأوّل من رشى (أعطى رشوة) في الإسلام أعطى "يرفأ" حاجب عمر شيئاً حتّى أدخله إلى دار عمر..."(1).
إنّ السكوت عن التعليق هنا أبلغ من التعليق، لكن نقول: العجب من عمر إذ بعد أن عزله عن البصرة بسبب زناه يعيده والياً على الكوفة وخيار الصحابة أحياء يرزقون كعلي بن أبي طالب الذي كان جليس بيته وكأبي ذرّ والمقداد وخزيمة وغيرهم...؟!
حفصة بنت عمر بن الخطّاب:
زوجة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولكن هذه المكانة التي تتمنّاها كلّ أنثى لم تمنع حفصة من ارتكاب الأهوال ومخالفة الله تعالى ورسوله، ولا عجب فحفصة أنزل الله فيها
____________
1- أسد الغابة 5: 248 ترجمة المغيرة بن شعبة.