1- أول من أسلم زيد بن حارثة وليس عليّ.
2- إغفال اسم عليّ في كتابة صلح الحديبية حين ذكر خبر الصلح فتجاهل اسمه فقال (الكاتب): مع أنّ عبد الرزاق ذكر عن غير الزهري انّه عليّ(1) وهو نفسه لما سأله معمر عن الكاتب فضحك وقال هو عليّ بن أبي طالب ولو سألت عنه هؤلاء قالوا عثمان - يعني بني أمية(2) -. فماذا يعني ضحكه؟ ألا أنّ شر البلية ما يضحك؟
3- لم يذكر عليّّاًً في تبليغه براءة مع ذكره أبا بكر أميراً على الحج؟
4- لم يذكر حضور عليّ في وقعة أحد، وأعجب من ذلك لم يذكر شهادة لحمزة لئلا يذكر من مثّّل به.
5- لم يذكر لعليّ حضوراً في وقعة الأحزاب وقتله عمرو بن عبد ود.
6- لم يذكر لعليّ حضوراً في وقعة بني قريظة.
7- لم يذكر لعليّ حضوراً في وقعة خيبر وقتله مرحبا.
8- لم يذكر لعليّ حضوراً في عمرة القضاء.
9- لم يذكر لعليّ حضوراً في غزوة حنين.
____________
(1) المصنف 5/342.
(2) نفس المصدر 5/343.
11- لم يذكر لعليّ حضوراً في تبوك وطوى حديث المنزلة.
12- وفي خبر عليّّ ومعاوية أكثر من شاهد فراجع المصنف(1).
أتطلب أثراً بعد عين، وأيضاً ألم يحدثنا المدائني عن نسخة معاوية إلى عماله برئت الذمة ممن روى في فضل عليّ وأهل بيته شيئاً. وكتابته برواية أحاديث في فضائل الصحابة، فكثر المتزلفون أمثال أبي هريرة وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وأبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص وأحزابهم ممن لا تلتقي بذمّهم الشفتان احتقاراً لهم وازدراءً بهم، لأنهم لا كرامة لهم، وكثر الحديث الموضوع حتى قال ابن عرفة النحوي - نفطويه-: «إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني امية تقرّباً اليهم بما يظنون أنهم يرغمون به انوف بني هاشم»(2).
ولمّّا كان ابن عباس عاش تلك الفترة الحانقة الخانقة أيام معاوية الذي كان يلعنه مع لعنه للإمام، وينهاه عن التحديث بفضائل الإمام - كما سيأتي إن شاء الله تعالى في صفحات احتجاجه - فقد أصابه رذاذ الأذى من معاوية الذي كان، على حد قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (ودّّ معاوية ما ترك من بني هاشم نافخ ضرمة إلاّ طعن في نيطه)(3). وما كان أخلاف الأمويين بأحسن حالاً من أسلافهم في عداوتهم لبني هاشم - ومنهم ابن عباس -.
____________
(1) نفس المصدر 5/452 ـ 466.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 3/16 ط مصر الاُولى.
(3) الفائق للزمخشري /نيط.
فمنها أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال للعباس: (يا عم ليملكنّ من ذريتك عدد نجومها- وقد نظر إلى الثريا-)(1). ومنها قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له: (فيكم النبوة والمملكة)(2)؟
ومنها ما ينسب إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لأبن عباس: (خذ إليك أبا الأملاك) في ولادة ابنه عليّ بن عبد الله.
وما ينسب إلى محمّد بن الحنفية من مبايعة الشيعة له ثم لأبنه عبد الله بن محمّد ووصيته بالأمر إلى محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس(3)، وجعلوا ذلك مسنداً في صحيفة ورثها محمّد بن الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين.
وهكذا تنتشر فضائل وأحاديث مبشّرة بالعباسيين وان الخلافة فيهم ستبقى حتى يسلموها إلى المسيح(4).
قال الذهبي: «وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعايةً للخلفاء»(5).
ولعل خير شاهد على ذلك ما صنعه ابن هشام صاحب السيرة النبوية فقد نقلها عن ابن إسحاق - وهو مؤرخ دولة رسمي كما كان مالك بن أنس مدوّن السنّة الرسمي لدى العباسيين - فذكر ابن هشام حرب بدر وذكر قائمة بأسماء أسارى بدر نقلاً عن ابن إسحاق وقد خلت من اسم العباس جد العباسيين، مع أنّ قصة أسره تكاد لا تخفى على أي مؤرخ بعد ما ذكرها ابن سعد نقلاً عن
____________
(1) سير أعلام النبلاء 3/411.
(2) نفس المصدر 3/409.
(3) الإمامة والسياسة 2/121 ط مصطفى محمّد.
(4) أنظر البداية والنهاية 10/122.
(5) سير أعلام النبلاء 3/413.
وهنا من الطبيعي أن يكون للرأي الآخر دورٌ في تفنيد حجة العباسيين ونسف تاريخهم، وكان يمثل ذلك الدور الخصوم من العلوية من أبناء الحسن مضافاً إلى شيعتهم ومن يرى في العباسيين مظالم لا حدّ لها.
فكان النقل، وكان الدس والإفتراء بما يسلبهم حتى محاسن أمجادهم الثابتة، فنال العباس وابنه عبد الله - وهو والد الخلفاء - نصيب غير منقوص. حتى صوّروا العباس وهو يشايع ابن أخيه علياً على أمره، فيذكروا عنه كلاماً لا يخلو من نقد لاذع ومهما تهضمنّاه ورأينا صحة المروي في ذلك فربّما كان المبرّر هو جوّ الصدور الذي يستدعي تلك الزفرات الحارة ولكن هلم الخطب في ابنه عبد الله وما ألحق به من الرواة حتى كادوا تجريده من كل فضيلة، فصورّوه نداً لعلي وناقداً له كما في قصة تحريق الغلاة، وفيها من التهويش والتشويش ما لا يخفى كما سيأتي بيانه في الكتاب. وذكروا له آراء فقهية مخالفة له، ولا كبير مؤاخذة لمن يراه مجتهداً. غير أنّ ما ورد من الحديث مكذوباً عليه أكثر من غيره، لكثرة المتزلفين إلي أبنائه، حتى قال يحيى بن سعيد: «لم أر لكذب قط أكثر منه فيمن ينسب إلي الحبر»(1).
ولكن الطامة العامة ما رووه في خيانته بيت مال البصرة أيام ولايته ومفارقته للإمام مغاضباً وغاصباً، واستمرت روايات الخصوم في التشنيع عليه، فذكروا له
____________
(1) قبول الأخبار ومعرفة الرجال 1/67 لأبي القاسم الكعبري 319 هـ دار الكتب العلمية بيروت.
وفي مكاتبات المنصور العباسي ومحمد النفس الزكية الحسني ما يؤكد ما قدّمته من تبادل العباسيين وخصومهم الاتهام والشتائم التي نالت الآباء لتنازع الأبناء، وفي نقائض شعراء العباسيين والعلويين من تبادل الشتم ما لا يحل ذكره.
وهكذا كان من قَدرَ ابن عباس أن يكون العباسيون من أبنائه، ويكون خصومهم - الأمويون والعلويون معاً - من أعدائه فلحقته تبعات من هؤلاء وشتيمات من هؤلاء ما شوّه جانباً من تاريخه، حتى لم يسلم نتيجة لذلك التشويه حتى من غير أولئك كالخوارج، بل وحتى من غير المسلمين، فكان - باختصار - ضحية لأموية حاقدة، وعباسية بغيضة وحسنية موتورة وخوارج قانصة، وأخيراً ليهودية وصليبية كافرة(1).
رابعاً: إذن ليس من السهل غربلة المتناقضات في شتات أخبار ابن عباس.
ولم يكن من الهيّن استخلاص تاريخه سليماً من بين تلك الشوائب الكثيرة.
ولا بد لي وأنا أعنى بتاريخه أن أتخطى الحواجز - فيما أحسب - حين قرأته في مختلف مصادره وعليّ بذل الجهد البالغ مع الصبر والأناة، وقد تم لي ذلك - والحمد لله - وإن عانيت طويلاً حتى استوت معرفتي به معرفة يسّرت لي تمييز ما هو صحيح وثابت له أو عليه، فوضعت صورته حسب رؤيتي له في اطارها الخاص، دون تجاوز الحدين. الإفراط والتفريط، ومن دون تلميع أو تغليف، لتكون أقرب إلى واقعها، وهي - في نظري - أفضل من الصور
____________
(1) سيأتي مزيد بيان عن تحامل المستشرقين الذين تناولوه بالطعن أمثال جولد زيهر اليهودي وشبر نجر وغيرهما.
فكانت قناعتي بأن البحث قد تم بالمستوى المطلوب من الموضوعية نتيجة إيماني بتمام المسؤولية، وتطلعاً إلى ثقة القارئ وإطمئنانه بصحة ما كتبته نصرة لحق مهضوم، والله من وراء القصد، وهو وليّ التوفيق والهادي إلى الصواب.
خامساً: ما كتب عن ابن عباس بتأليف خاص، لقد مرت بنا كلمة الذهبي: «وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعايةً للخلفاء» وهي صادقة إلى حدٍّ بعيد. ولكنه لم يذكر لنا عناية الحفاظ بجمع فضائل ابن عباس الذي هو أبو الخلفاء، وربما لم يكن في زمانه ما رآه جديراً بالذكر.
ومهما يكن فإلى القارئ نبذة عن الكتب المؤلفة قديماً في ابن عباس (رضي الله عنه):
1- ذكر ابن النديم في الفهرست في مؤلفات المدائني عدة كتب في العباس وابنه عبد الله بن عباس وابنه عليّ بن عبد الله بن العباس وابنه محمّد بن عليّ بن عبد الله بن عباس، فكان نصيب عبد الله منها كتاباً واحداً، ولم نعرف عنه شيئاً سوى ما تقدم(1).
2- ولقد ذكر النجاشي في رجاله في ترجمة عبد العزيز بن يحيى الجلودي الأزدي البصري جملة كتبه، ومنها: الكتب المتعلقة بعبد الله بن عباس مسندة عنه، كتاب التنزيل عنه، كتاب التفسير عنه، كتاب المناسك عنه، كتاب النكاح والطلاق عنه، كتاب الفرائض عنه، كتاب تفسيره عن الصحابة، كتاب القراءات
____________
(1) الفهرست /114 تحـ رضا تجدد.
وهذه الكتب كلها لم يصل الينا منها شيء، ويبقى للجلودي فضل روايتها وللنجاشي فضل ذكرها وروايتها عن الجلودي بواسطتين، وأحسب أنه رآها فرواها، فهي كانت حتى القرن الخامس الهجري أيام النجاشي المتوفى سنة 450 هـ.
وهناك مؤلفات متأخرة عن زمان العباسيين، فلا سبيل إلى اتهام مؤلفيها بالتزلف اليهم، مثل:
3- (استئناس الناس بفضائل ابن عباس) تأليف ملا عليّ بن سلطان محمّد الهروي القاري الحنفي نزيل مكة المتوفي بها في سنة 1041هـ منه نسخة ضمن مجموعة بقلم معتاد وبخط أحمد الجزائري فرغ منها يوم الأثنين 9 ذي القعدة سنة 1271هـ(1).
____________
(1) كما فهرست الكتب لدار الكتب المصرية 5/130برقم 10 مجاميع.
5- (اتحاف الناس بفضل وابن عباس) تأليف نور الدين عليّ بن سلطان محمّد الهروي القاري المكي الحنفي المذكور أولاً.
6- (تحفة الأخوان من الناس في فضيلة ابن عباس) تأليف عليّ القارئ المذكور آنفاً، نسخة منه في مكتبة أسعد أفندي في تركيا برقم 3524. ولا يبعد أن يكون متحداً مع سابقه.
7- (رفع الالتباس في فضائل ابن عباس) تأليف تقي الدين أبي محمّد عبد الله بن عبد العزيز بن فهد المكي، وهو دون الكراسة.
8- (كشف البأس عما رواه ابن عباس مشافهة عن سيد الناس) تأليف محمّد عابد بن أحمد الأنصاري السندي نسخته في التيمورية.
9- (نشر اللطائف في فضل الطائف) لأبن عراق الكناني (مخطوط)، نقل عنه في التاريخ الإسلامي العام 123 حديثاً مناقبياً في ابن عباس أثر الصنعة ظاهر عليه، سوف نشير إليه عند ذكر قبره.
10- (نور الأقتباس في مشكاة وصية النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأبن عباس) تأليف الحافظ ابن رجب الحنبلي المتوفي سنة 795. طبع بتحقيق عبد الفتاح خليفة ومحمود خليفة، بمصر سنة 1365.
____________
(1) نزهة الجليس 2/246 ط الحيدرية.
ولا ينقضي عجبي من التجني على ابن عباس (رضي الله عنه) فقد غلا فيه مناقبياً اصحاب الكتب المذكورة وعلى النقيض منهم، قلاه ابن تيمية حتى كتب كتاباً عنوانه: (تكفير ابن عباس)(1) وهو أمر محزن للمسلم كما هو مخزٍ للمؤلف.
سادساً: شكر وعرفان بالجميل:
(من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق) فالحمد لله الذي منّ عليّ بجميل آلائه، فهيأ لي من أستهدي بآرائه، إذ كنت أعرُض بعض ما اكتبه على بعض مشايخ العلم وأساتذة الفن، كما كنت دائم التساؤل مع ذوي الاختصاص، لغرض الأستفادة من توجيهات الأولين، والأستنارة بآراء الآخرين.
لذلك صار من الواجب عليّ - عرفاناً بالجميل - أن أشكرهم على ما رأيت منهم من التقدير والإطراء حتى أولاني بعضهم متفضلاً مبتدءاً - وخير الفضل ما كان ابتداءاً - بما لا أستحقه من تقريض الثناء فدبّج يراعه كلمة قيمة، وآخر
____________
(1) جلاء العينين /92 ط بولاق سنة 1298 هـ.
أوّلاًّ: سيدي وراعي غرسي المغفور له سماحة السيد الوالد (قدس سره) (المتوفى 11جمادي الأول 1405هـ) الذي ربّاني فأحسن تربيتي، ورعاني بعطفه، وأولاني بلطفه ما أعجز عن ذكره فضلاً عن شكره.
ثانياً: شيخ محدّثي العصر بقية السلف سماحة المغفور له الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس سره (المتوفى 13 ذي الحجة 1389هـ)، مؤلف الموسوعتين الشهيرتين (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) و (طبقات أعلام الشيعة)، فقد كنت أحظى بزيارته فأنهل من نمير علمه، ويشجعني عملياً على المثابرة والمصابرة كلما أطلعته على ما جدّ لي من بحوث، وقد كتب في الذريعة أسماء ما أطلع عليه. وكان منها كتاب (عبد الله بن عباس حبر الأمة) فأعجبه حتى سجل انطباعه عن كل جزء من أجزائه الأربعة في ج15 من الذريعة. ومن المؤسف حقاً أنّ هذا الجزء طبع بعد وفاته فلم يَذكر (في ج15/217) سوى (عبد الله بن عباس فيه تفاصيل حياته في أربعة أجزاء كبار) وضاع باقي ما كتبه سماحة الشيخ (قدّس سرّه)، حتى اسم مؤلف الكتاب، وهذا ما يبعث على الريبة فيمن تولى كبر ذلك، وإلاّ كيف يعقل أنّ الشيخ يذكر الكتاب وحجم أجزائه، ثم هو يغفل اسم المؤلف مع صلتي الوثقى به والمودة الصادقة بيننا، وحسبي شاهداً على ذلك ما كتبه بخطه حين طلب مني تهذيب وتشذيب ما كتبه من الحواشي على كشف الظنون،
ثالثاً: سماحة الحجة المغفور له الشيخ محمّد عليّ الأوردبادي قدس سره (المتوفى صفر 1380هـ) فقد بذل لي من وقته ساعة في كل ليلة بعد الأنتهاء من صلاة العشاء يستمع فيها ما أقرأ عليه بعض فصول الجزء الأول، فأفادني بتوجيهاته ومناقشاته تغمده الله برحمته.
رابعاً: سماحة آية الله العظمى الفقيه السيد ميرزا عبد الهادي الحسيني الشيرازي قدس سره (المتوفى 10صفر 1382 هـ) فقد عرف أمر الكتاب من الشيخ الأوردبادي رحمه الله الذي كان يحضر مجلس الفتيا عنده ليلاً في داره، ولمّا كانت قراءتي على الشيخ ربّما طالت فأخرته بعض الوقت عن مجلس الفتيا، فهو أخبر سماحة السيد بالكتاب، فأحبّ الأطلاع عليه، واطلّع عليه وأعجب به فقرّضه. متفضلاً مشكوراً. بما تقدمت صورة تقريضه.
خامساً: سماحة الحجة العلم الفذّ المغفور له السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني (قدس سره) (المتوفى 25 شوال 1386 هـ) فقد كنت أرتاد مكتبة الجوادين العامة في الكاظمية، وكنت أزوره هناك، وأسأله عن رسالته التي كتبها في تنزيه حبر الأمة ممّا أفتري عليه من قصة بيت المال بالبصرة، وكان يمنحني من خلقه الرفيع ورحابة الصدر ما يجرؤني على التحدث معه حول شخصية المترجم له وكتابي عنه، فأقول ويسمع، ويناقش فأدفع - بسورة الشباب مع شيخ
سادساً: العلامة الدكتور مصطفى جواد رحمه الله (المتوفى 1969م) الذي جرّت المعرفة بيننا إلى معرفته بأمر الكتاب واطلاعه عليه حيث دعاني إلى بيته، وهناك كانت قراءة بعض الصفحات وإبداء بعض الملاحظات ثم تتابعت قراءة بعضٍ آخر أرسلته فكان يوشّح - مشكوراً ومأجوراً - بعض التصويبات اللغوية فرحمة الله عليه.
____________
(1) لا أنسى تلك الأمسية العلمية الأدبية في ليلة الأثنين التي كانت تقام في مكتبة الجوادين العامة في صحن الإمامين الكاظمين عليهما السلام فدخلت المكتبة وكان المكان قد ضاق بالزوآر، والمقريء السيد حيدر الجوادي يتلو بعض آي الذكر الحكيم، فجلست بقرب مدير المكتبة الذي أفسح لي حتى إذا انتهى المقريء من تلاوته وتقدمت للسلام على سماحة السيد رحمه الله فاستقبلني بحفاوة بالغة وكان من بين السادة الحضور المرحوم الخطيب السيد عبد اللطيف الوردي، والمرحوم الخطيب الشيخ كاظم آل نوح والمرحوم الدكتور عز الدين آل يس، والدكتور ضياء الدين الدخيلي وآخرين لم تحضرني فعلاً أسماؤهم، فرأوا إقبال المرحوم سماحة السيد بطلعته البهية وشيبته البيضاء الفضية التي زانت محياه على شاب لم يتخطّ العقد الثالث من عمره، فأثار ذلك تساؤل من لم تكن لي ولهم سابق معرفة بيننا. فأحفاني - رحمه الله - بالسؤال، ثم تفضّل يعرّفني إلى الجماعة الذين ذكرت أسماءهم بما لا استحقه من الإطراء ثم عاد يسألني عن كتاب ابن عباس - رحمه الله - وإلى أي مرحلة وصلت فيه، فأخبرته بتمامه، فاستبشر كثيراً وجرنّا الحديث إلى طلبه بقراءة فهرسته ثم قراءة بعض فصوله، وفي اثناء ذلك كانت مداخلات من بعض الحضور - وخاصة المرحوم الخطيب الشيخ كاظم آل نوح - ومناقشات دامت وقتاً أكثر ممّا هو معتاد لسماحته وللحضور. ولكنهم كانوا يصرّون على مزيد من الحديث، وجرت بيني وبينهم بعض المطايبات والنكات، وانتهى المجلس بثنائهم وإعجابهم ودعائهم بالموفقية لأن الموضوع شائك وشائق كما قال الدكتور آل يس، فشكرتهم ثم ودعتهم وخرجت، وبعد أيام وأنا في النجف الأشرف فاجأني رسول من قبل سماحة السيد الشهرستاني يحمل مظروفاً فيه كتاب كريم يفيض حباً وعاطفة، وثناءً ودعاء، وقد نشرت صورته في أول الكتاب تقديراً مني لفضل صاحبه، واعترافاً مني باداء بعض ما يجب من الذكر والشكر.
النجف الأشرف
محمّد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان
عـفي عـنه
تمهيد
الحياة العربية بمكة قبل الإسلام:
مهما تفاوتت وجهات النظر في طريقة كتابة التاريخ، فهي لا تعدو عن حقيقة ثابتة هي أنّ التاريخ يصنع من النصوص، كما انه يكفي في تاريخ الأفراد سرد الواقع للشخص فيما يختصه، أمّا تاريخ الجماعات فلا يكفي ذلك، بل لا سبيل إلى تحقيقه دون إعمال الفكر في انتقاء الحدث النموذجي للدلالة على معرفة المجتمع معرفة تامة ولو بالتحليل الفلسفي للأحداث لفهم كنه الروابط بينها بإمعان ودقة، ويبقى القاسم المشترك بين تاريخ الفرد وتاريخ المجتمع هو دقة الملاحظة، ونقل الحوادث بأمانة، دون النزوع إلى العاطفة، بل الرجوع إلى الحق في الاستنتاج.
ولمّا كانت حالة الحياة العربية في مكة المكرمة قبل الإسلام، يستدعي البحث عنها إلى استخدام المعلومة من تاريخ الجماعات لغرض التعرف التام إلى
لقد عرض القرآن الكريم في بعض آياته لوحات تصوّر (حال الحياة العربية)، قبيل الإسلام وبعده في شتى أنحاء الجزيرة العربية وبواديه فسمّى (الأعراب) كما ورد ذلك في القرآن المجيد في عشر آيات تنديداً بمعظمهم، ولم يرد تسميتهم (بالعرب) ولا مرّة واحدة، نعم إنّما وردت النسبة إلى العرب مدحاً في وصف القرآن ولغته، فمن الجدير بالذكر التنبّه إلى وجوب الفرق بين العرب والأعراب، ولمّا كانت فترة ما قبل الإسلام تسمى (الجاهلية) وتلك فترة كتبت عنها أقلام تفاوت أصحابها زماناً ومكاناً، وفهماً وإيماناً، ولم تسلم أحكامهم غالباً من الجنوح العاطفي بين إفراط وتفريط، وإن استند بعضهم إلى آي القرآن الكريم، ولكنه أساء فهم المعنى فلم يفرّق - مثلاً - بين العرب والأعراب، كما لم يراع طبيعة المكان والزمان، ولا بين الحاضرة والبادين من الأعراب.
(ولكي نكون منصفين في الأحكام، عادلين غير ظالمين، علينا التفريق بين الأعراب وبين العرب، فما يقال: عن الأعراب يجب ألاّ يتخذ قاعدة عامة تطبّق على العرب، لما بين العرب والأعراب من تباين في الحياة النفسية والعقل.
ثم علينا لكي نكون منصفين أيضاً أن نفرق بين عرب وعرب. لما أصاب عرب كل أرض من أرض العرب من أثر تركه الأجانب فيهم... والامتزاج والاندماج يؤثران بالطبع في أخلاق أهل المنطقة التي وقعا فيها)(1).
____________
(1) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 4/298 ط الأولى بيروت.
وما قلناه من وجوب التفريق بين الأسمين فكذلك يجب علينا أخذ الحيطة فيما نجده في بعض كتب الحديث من أحاديث مدح أو ذم للعرب أو للأعراب، وأن نكون بمنتهى الوعي في أخذ الحذر ممّا نراه مبثوثاً في الكتب، حتى وان كانت قد أُضيفت عليها قداسة الحديث النبوي الشريف.
فمثلاً ما نجده في بعض كتب التفسير والصحاح والسنن، ونتخيّل لأول وهلة أنّ ما أخرجه أصحابها إنّما هو القول الفصل، وليس إلى الخدش فيه من سبيل، خصوصاً إذا كان في مثل صحيح البخاري الذي قيل عنه أنه أصح كتاب بعد كتاب الله؟ أو في أمثاله من الصحاح والسنن. فضلاً عن كتب التاريخ والأدب ممّا دسّ فيها الشعوبيون أو غيرهم من قصص ونوادر، لا ينبغي لنا أن نقيم عليه صرحاً، ونجعله ميزاناً في تقييم الأمم والشعوب، بل لكل أمة حسناتها كما أنّ عليها سيئاتها، والكمال هو لله وحده سبحانه وتعالى.
____________
(1) التوبة /97.
(2) تاج العروس 1/371 (عرب).
شعوبية بغيضة:
ولست الآن في صدد الخوض عن العروبة وما لها وما عليها، بل كفانا ذلك القرآن الحكيم الذي دعا أولاً الناس كافة بقوله:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ}، ثم خاطب المؤمنين بعد انتشار الإسلام بقولـه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، ولم يرد فيه أيّ نداء لأمة حسب هويّتها القومية. وإنّما الذي دعاني إلى تقديم ما ذكرت ما قد يجده القارئ من آيات أو أحاديث - مدحاً أو ذماً - للعرب، وهو يتخيّل أنّ ذلك لجميع العرب، ولم يفرق بين العرب والأعراب من جهة، كما أنه قد يُخدع بما يجده في مثل صحيح البخاري مثلاً حين يقرأ باب قصة زمزم وجهل العرب ثم لا يجد فيه إلاّّ الحديث التالي:
أخرج البخاري في صحيحه كتاب المناقب (باب قصة زمزم وجهل العرب) - فالعنوان إن دل على شيء إنما يدل على شعوبية بغيضة - بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إذا سرّك أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إلى قوله:{قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}(1)»(2).
فيتخيّل القارئ أنّ ذلك القول - إن صحت نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنه - هو عن كل العرب وليس ذلك بصحيح.
____________
(1) الأنعام /140.
(2) صحيح البخاري 4/185 ط سنة 1314 الأميرية بولاق، وانظر شرح فتح الباري لابن حجر 7/362، وشرح إرشاد الساري للقسطلاني 6/8.
فإنّ هذه الأقوال وأمثالها - إن صحت - فإنما هي عن الأعراب، لا العرب.
يقول المرحوم الدكتور جواد علي في كتابه (المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام): «الحق اننا إذا أردنا البحث عن مورد يصوّر لنا أحوال الحياة الجاهلية، ويتحدث لنا عن تفكير أهل الحجاز عند ظهور الإسلام، فلا بدّ لنا من الرجوع إلى القرآن الكريم، ولا بدّ لنا من تقديمه على سائر المراجع الإسلامية، وهو فوقها بالطبع، ولا أريد أن أدخله فيها، لأنّه كتاب مقدّس، لم ينزل كتاباً في التاريخ أو اللغة أو ما شاكل ذلك، ولكنه نزل كتاباً عربيّاً، لغته هي اللغة العربية التي كان يتكلم بها أهل الحجاز، وقد خاطب قوماً فوصف حالتهم، وتفكيرهم وعقائدهم، ونصحهم وذكّرهم بالأمم والشعوب العربية الخالية(2) وطلب منهم(3) ترك ما هم عليه، وتطرّق إلى ذكر تجاراتهم وسياساتهم وغير ذلك. وقد مثّلهم أناس كانت لهم صلات بالعالم الخارجي، واطلاع على أحوال من كان حولهم، وفيه تفنيد لكثير من الآراء المغلوطة التي نجدها في المصادر العربية الإسلامية، فهو مرآة صافية للعصر الجاهلي، وهو كتاب صدق لا سبيل إلى الشك في صحة نصّه.
____________
(1) سنن الدارمي 1/4 مط الاعتدال بدمشق سنة 1349.
(2) سورة هود /95، سورة الحج /42، سورة الشعراء /141، سورة الحاقة /4، سورة ق /14، سورة الدخان /37، سورة الفيل /1، سورة البروج/4. (تنبيه: حذفنا أرقام السور التي ذكرها المؤلف).
(3) وطلب اليهم.