الصفحة 74
لقد ورد في كتاب أخبار الدولة العباسية أبيات شعر قالها المسور بن مخرمة الزهري في تصديق ذلك:


أدنى النبيّ ابن عباس وقال لهقولاً فقـُدس فيه الأهل والـولد
والعلم والسلم كانا رأس دعوتهما مثلُ هذا بما يُرجى له أحـد
وقبلها دعـوة كانت مباركـةًثم الظهور بما فيهم وما ولـدوا
كم دعوة سبقت فيهم مبـاركةٍفيها افتخارٌ وفيها يكثر العدد(1)

أقول: وأنا أشك في صحة نسبة الأبيات إلى المسور لأنّه مات سنة 64 كما ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء(2)، والأبيات فيما يبدو من نسج شاعر عباسي متزلفٌ.

تحقيق في تاريخ زمان ومكان الولادة:

لا نشك في مكان وزمان الولادة، وأنها كانت في الشعب في آخر سني الحصار، بل وفي أخريات أيامه، فإذا كان مبدأ الحصار ليلة هلال المحرم سنة سبع من حين نبئ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعرفنا أنّ خروج بني هاشم كان في السنة العاشرة، وكان مدة مكثهم ثلاث سنين(3)، فتكون ولادته في أحد أشهر الحج (شوال، ذي القعدة، ذي الحجة)، وما روي من أقوال أخرى في سنة ولادته من خلال تعيين سنّه عند وفاة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا تثبت عند التمحيص.

____________

(1) أخبار الدولة العباسية /26 (لمؤلف مجهول تحقيق الدكتور عبد العزيز الدوري والدكتور عبد الجبار المطلبي) ط دار الطليعة.

(2) سير أعلام النبلاء 4/481.

(3) أنــساب الأشـراف (ترجـمة ابن عـباس) 1ق1/269 ب، (مصــور بمكـتبة الأمـام أمـير المؤمنين (عليه السلام)).


الصفحة 75
وقد وهنّها غير واحد من المحدثين، فلا حاجة بنا إلى الإطناب بنقلها ومناقشتها لأنّها غير معتبرة عند الأئمة من أهل العلم، ونكتفي بما قاله الواقدي وأبو عمر في الاستيعاب.

فقد قال الواقدي: «لا خلاف عند أئمتنا انه ولد في الشعب حين حصرت قريش بني هاشم، وانه كان له عند موت النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثلاث عشرة سنة»(1).

وقال أبو عمر: «لا أختلاف عند أهل العلم عندنا: انّ ابن عباس ولد في الشعب وبنو هاشم محصورون قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين»(2).

وبناءً على ذلك فتكون ولادته في الشهور الأخيرة من السنة الثالثة لحصارهم ولما كان فك الحصار في أول المحرم، فلعل ولادته كانت في أيام شهور الحج.

وقد يؤيد ذلك بما رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد - واللفظ له -: «من حديث مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال: مررت في حجة الوداع على حمارٍ أنا والفضل وقد راهقت يومئذٍ الاحتلام، والنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يصلي... الخ»(3).

وهذا حديث احتج به غالب أصحاب السنن والصحاح في باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي مستدلّين على جوازه بحديث ابن عباس هذا، فإن حجة الوداع كانت في السنة العاشرة للهجرة، وإذا أضفنا إليها ثلاث سنين قبلها فتكون ثلاث عشرة سنة، فإبنها مراهق للإحتلام.

____________

(1) الاصابة 2/330.

(2) أنظر ترجمته في الاستيعاب.

(3) أنظر ذخائر المواريث 2/40 ط 1الأزهرية 1352.


الصفحة 76
قال الواقدي: «وهذا أثبت ممّا روى هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير في سنّه»(1) - يعني قول ابن عباس: توفي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأنا ابن عشر حجج -.

كنيته ولقبه:

قال ابن الأثير: «إنّما جيء بالكنية لاحترام المكنى بها، واكرامه وتعظيمه، كيلا يصرّح في الخطاب باسمه ومنه قول الشاعر:


أكنيه حين أناديه لأكرمهولا ألقـّبه والسوءة اللقبا

وقال أيضاً: ولمّا كان أصل الكنيَة أن تكون بالأولاد تعيّن أن يكون بالذين ولدوهم، كأبي الحسن في كنية عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فمن لم يكن له ابن وكان له بنت كنّوه بها...

وقال أيضاً: وكذلك فعلوا في اضافة الأبناء والبنات اكراماً واحتراماً لهم باضافتهم إلى آبائهم مع ترك أسمائهم، فقالوا ابن عباس وابن عمر لما كان اشرف من ابنيهما، وكذلك كانوا يقولون للحسين بن عليّّ يابن بنت رسول الله كرامة له بأمه... اه»(2)ـ هذا عن الكنية أمّا عن اللقب فقد تطور في الاستعمال، فبعد أن كان مشعراً بالسوءة كما مر في قول الشاعر، وورد ذلك المعنى في القرآن الكريم حيث قال سبحانه:{وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}(3)، لكنه تطوّر بعد ذلك، ففي تفسير الآية الكريمة المراد ما يكره من الأسماء والأوصاف لكن بتطور

____________

(1) طبقات ابن سعد 1/114 تحـ د محمّد بن صامل السُلمي.

(2) المرصع لابن الأثير /41 - 43.

(3) الحجرات /11.


الصفحة 77
الاستعمال صار اللقب مشعراً برفعة المسمّى، ولعل في غلبة استعمال (اللقب) في المدح، واستعمال (النبز) في الذم ما يشير إلى ذلك التطور. ومهما يكن فإنّ الألقاب المستحسنة كانت ولا تزال تشعر عن مكانة الملقّبينَ ورفعتهم، قال الشاعر:


وقلّما أبصرت عيناك من رجلإلا ومعناه إن فكّرت في لقبه(1)

ويرى الفقهاء في استعمال الألقاب المستحسنة والمستحبة الجواز، بخلاف استعمال النبز والألقاب القبيحة(2)، وكان لحبر الأمة عبد الله بن عباس كنىً متعددة، كما له ألقاب عديدة.

فمن كناه: (ابن عباس) وهي التي أشتهر بها، حتى طغت على باقي كناه والقابه، بل وحتى على أسمه، فكاد أن لا يعرف إلا بها، وقد اختصت به، فلا يعرف بها عند اطلاقها غيره حتى من أخوته على كثرتهم إلاّ بقرينة حالية أو مقالية. قال ابن الأثير: «غلبت عليه بنوة أبيه - ابن عباس - دون باقي أخوته»(3).

وبتلك الكنية كان يعبّر عنه الرواة وأهل الحديث في كتب التفسير والسنةـ غالباً، وحتى كتب الأدب واللغة والتاريخ، بخلاف كنيته الأخرى (أبو العباس) إذ وكان له ولد أسمه العباس ويلقب بالأعنق، وكان أكبر ولده(4) وإن لم يكن أشهرهم ولا أفضلهم.

____________

(1) لطائف المعارف للثعالبي /45.

(2) أنظر الجامع لأحكام القرآن 16/330.

(3) المرصّع /248.

(4) جاء في تاريخ الخلفاء ط موسكو سنة 1967 سلسلة الآثار الشرقية: وكان العباس بن عبد الله أكبر أولاده، وبه كان يكنى ولا عقب له، وقارن طبقات ابن سعد 1/111 من الطبقة الخامسة تحـ محمّد صامل السُلمي، وفي الرياض النضرة 2/280 في ترجمة الزبير: ان العباس هذا خلف عليّ هند بنت الزبير فأولدها عوناً.


الصفحة 78
وكنيته بأبي العباس، كانت شائعة الاستعمال، فقد وردت في جملة من الآثار دعاه بها سيد أهله الإمام أمير المؤمنين كما في قوله: (يا أبا عباس إذا صليت العشاء الآخرة فالحقني إلى الجبانة...)(1)، ودعاه الناس أيضاً بها.

فعن مجاهد قال: «كان ابن عباس لا يدري ما فاطر السموات؟ حتى جاءه اعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: يا أبا عباس بئري وأنا فطرتها؟ فقال: خذها يا مجاهد، فاطر السموات»(2).

وفي حديث خالد بن المهاجر بن خالد المخزومي أخبر: أنّه بينما هو جالس عند ابن عباس جاءه رجل، فاستفتاه في المتعة، فأمره ابن عباس بها، فقال له ابن أبي عمرة الأنصاري: مهلاً يا أبا عباس، فقال ابن عباس: ما هي والله لقد فعل- نكاح المتعة- في عهد إمام المتقين(3).

وخاطبه بها عمر بن الخطاب حين قال له: «يا أبا عباس قد طرأت علينا أقضية عضل فأنت لها ولأمثالها»(4).

وخاطبه بذلك معاوية في حديثه معه بعد وفاة الإمام الحسن (عليه السلام) فقال له: «آجرك الله أبا عباس في أبي محمّد الحسن بن عليّ»(5).

____________

(1) سعد السعود لابن طاووس /285.

(2) الكنى والاسماء للدولابي 1/82 ط حيدر آباد سنة 1322.

(3) المعرفة والتاريخ 1/373 وسيأتي الحديث عن فتياه في المتعة في فقهه.

(4) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل برقم 1913ط مؤسسة الرسالة 1403.

(5) البيان والتبيين 4/71 تحـ. هارون، وسيأتي ذكر ما جرى في ذلك المجلس في محاوراته واحتجاجاته.


الصفحة 79
وفي حديث آخر له فقال: «يا أبا العباس هل تكون لكم دولة؟»(1).

كما سيأتي في حديث خروج الحسين من مكة إلى العراق وممانعة ابن عباس في ذلك قال له الحسين: «أبا العباس إنك شيخ قد كبُرت»(2)، وفي حديث أبي الزبير عن طاووس قال: «... فقلت: يا أبا عباس»(3).

أمّا ألقابه فكثيرة تتفاوت ظهوراً وخفاءً في شياع الاستعمال وعدمه، ولعل أشهرها هو لقبه (حبر الأمة) اللقب الذي كان يلقبّه به جماعة من الصحابة والتابعين، أمثال أبي بن كعب وهو احد أصحاب القراءات، ومحمد بن الحنفية التابعي الجليل، وأبي نجيح أحد علماء التابعين ورواتهم ومن تلاميذ ابن عباس، وغيرهم.

وربما كان سبب شهرته ما أضفي عليه من قداسته، حيث روى البلاذري في كتابه أنساب الأشراف في أول ترجمته (عبد الله بن عباس) رواية عن ولادته في الشعب ومباركة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له عندما أتاه عمه العباس بوليده، وأنه قال: (يا عم هذا عن قليل (حبر أمتي) وفقيهها والمؤدي لتأويل التنزيل)(4)، وسواء صحت هذه الرواية أم لا فإنّ معناها قد حصل وكان ابن عباس (حبر الأمة) وفقيهها والمؤدي لتأويل التنزيل.

____________

(1) المعرفة والتاريخ 1/535، والبداية والنهاية 6/ 245 و 10/50، وسيأتي ذكر ما جرى في صفحات احتجاجاته.

(2) طبقات ابن سعد (ترجمة الحسين (عليه السلام)) تحـ الطباطبائي ط مؤسسة آل البيت، و ص 450 (ترجمة الحسين (عليه السلام)) الطبقة الخامسة من الصحابة تحـ محمّد صامل السلمي ط الأولى سنة 1414هـ.

(3) الكنى والأسماء للدولابي 1/82.

(4) الانساب، نسخة مصورة بمكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة في النجف وعنها مخطوطة بمكتبتي.


الصفحة 80
ومن ألقابه: (حبر العرب) ويقال: إنّ أول من لقـّبه به هو جرجير ملك المغرب بافريقية، وسيأتي تفصيل ذلك في حضور الحبر غزاة أفريقية.

وقد جرى عليه هذا اللقب حتى كان أخص تلامذته يعبر به عنه أحياناً. فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سعيد بن جبير قال: «سألني يهودي من الحيرة أيّ الأجلين قضى موسى (عليه السلام)؟ قلت: لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله، فقدمت فسألت ابن عباس، فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا قال فعل»(1). وقال الجاحظ: «وكان يُسمّى البحر وحبر قريش»(2).

وقد اختلف اللغويون في ضبط (الحبر) فقال بعضهم: بالكسر: حِـبر، وقال بعضهم: بالفتح: حَبر، ومهما كان اختلافهم فانهم لا يختلفون في أنّه الرجل العالم.

قال أبو عبيد: «والذي عندي انه الحَبر: بالفتح، ومعناه العالم بتحبير الكلام والعلم وتحسينه، وقال: وهكذا يرويه المحدثون كلهم بالفتح»(3).

ومن ألقابه (ترجمان القرآن) وهو أشرف ألقابه نسبة وأفضلها معنى، وثانيها شهرة، وإن صح ما رواه بعض المؤرخين من «انّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سماه به أيضاً يوم مولده في الشعب»(4) فإنّ ذلك يضفي عليه نوعاً من القداسة، لأنّ تسمية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن صحت، لا تخلو من نبوءة وفراسة.

____________

(1) صحيح البخاري 3/181.

(2) البيان والتبيين 1/331.

(3) تاج العروس 3/117 (حبر).

(4) أخرجه الديار بكري في تاريخ الخميس 1/167 نقلاً عن الطائي.


الصفحة 81
ومهما كان نصيب الرواية من الصحة، فقد كان هذا اللقب لابن عباس معروفاً بين الصحابة امتدحه به غير واحد منهم: منهم الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان يكثر من قول: «نعم ترجمان القرآن ابن عباس»(1)، ومنهم الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الذي كان يطريه بقولـه: «نعم ترجمان القرآن»(2)، «لو أدرك أسنانا ما عاشره منا أحد»(3) وفي لفظ ما عشـّره منا أحد(4) وفسروه: أي ما بلغ علمنا معشار علمه. وسيأتي العديد من شواهد ذلك.

ومن ألقابه (البحر) كما مرّ عن الجاحظ قريباً، وقال الصفدي: «وكان يسمى البحر لكثرة علومه»(5)، وقد ورد التعبير به في بعض الأحاديث، فهذا الحكم بن عمرو الغفاري يقول في حديث له: «ولكن أبى ذلك البحر، يريد به ابن عباس» كما في كتاب الذبائح آخر باب لحوم الحمر الانسية من صحيح البخاري(6).

وهذا جابر بن زيد يقول: «سألت البحر عن لحوم الحمر»(7)، وهذا مجاهد يقول: «كان عبد الله بن عباس يسمى البحر لكثرة علومه»(8)، وهذا عطاء كان يقول: «قال البحر كذا. يعني ابن عباس»(9).

____________

(1) تاريخ بغداد 1/185.

(2) الاستيعاب 3/935، وطبقات ابن سعد الطبقة الخامسة 1/148 تحـ محمّد صامل السُلمي، ومقدمة تفسير الطبري 1/40 من عدة طرق، ومستدرك الحاكم 3/537 وصححه.

(3) مستدرك الحاكم 3/537، والاصابة ترجمة ابن عباس.

(4) طبقات ابن سعد 2ق2/120، المعرفة والتاريخ 1/495، عيون الأخبار لابن قتيبة 1/229.

(5) الوافي بالوفيات 17/122.

(6) صحيح البخاري 7/96 ط مصر سنة 1314.

(7) الاصابة 4/148 تحـ البجاوي، والمعرفة والتاريخ 1/496، وتاريخ بغداد 1/174.

(8) نفس المصدر.

(9) أنساب الأشراف (ترجمة ابن عباس) 1ق 2/271 أ مصور بمكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) العامة.


الصفحة 82
ومن ألقابه: (رباني الأمة)، قال الثعالبي: «ربّاني الأمة: هو عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب كان يقال له: ربانيّ الأمة، وحبرها، وترجمان القرآن»(1)، وقد سماه بذلك كل من محمّد بن الحنفية وعمرو بن دينار(2).

والآن فقد رأينا مداليل ألقابه كلها مشعرة برفعة المسمّى وسمّوه فكان أولها أشهرها وآخرها أشرفها، فإن معنى الرباني هو المتأله العارف بالله تعالى كما عن الثعالبي والفيروزأبادي، وشديد التمسك بدين الله وطاعته، كما في الكشاف وغيره، أو هو الذي يربّي أمور الناس بتدبيره واصلاحه، كما ذكره الطبرسي، وقال ثعلب: إنّما قيل للفقهاء الربانيون، لأنهم يربّون العلم أي يقوّمونه(3).

ابن عباس في خَلقِه وخُلُقِه:

ما دامت صفات الإنسان - الخَلقِـية والخُلقية - فيها دلالة على تمامية التعريف، فلا بد لنا إذن من الإلمام بشيء من صفات الحبر ابن عباس (رضي الله عنه) بما تيسر لنا من معرفته، فانها تحكي لنا بعض مميزاته وخصائصه، وقد قال ابن عباس (رضي الله عنه): «الناس يتفاضلون في الدنيا بالشرف والبيوتات والإمارات والغنى والجمال والهيئة والمنطق، ويتفاضلون في الآخرة بالتقوى واليقين، فأتقاهم أحسنهم يقيناً، وأزكاهم عملاً، وأرفعهم درجة»(4).

____________

(1) ثمار القلوب /113.

(2) ستجد هذه الكلمات منسوبة إلى مصادرها فيما يأتي بعنوان ـ جمل الثناء والإطراء.

(3) ثمار القلوب /113، وتفسير الكشاف، ومجمع البيان في تفسير قوله تعالى:{كُونُوا رَبَّانِيّ} آل عمران 79، والقاموس (ربب).

(4) المحاسن والأضداد للجاحظ /123، والمحاسن والمساوي للبيهقي 1/76.


الصفحة 83
وقد حاز ابن عباس تلك المفاخر الدنيوية في شرفه الرفيع وبيته المنيع، كما حاز الإمارة وأوتي من الغنى فضلاً كثيراً، وكل ذلك سنقرأه في سيرة حياته.

أمّا الجمال والهيئة والمنطق فقد كان ابن عباس (رضي الله عنه) - كما يصفه المؤرخون-: أبيضاً مشرّباً بشقرة أو بصفرة(1) جسيماً، يأخذ مقعد رجلين إذا جلس(2) وسيماً، صبيح الوجه، طلق المحيا، فائق الحسن، له وفرة، يخضب بالحِناء، إذ كان يصفـّر لحيته، وقيل يخضبها بالسواد(3) حتى قال مسروق عنه: «أجمل الناس وأفصحهم»(4)، وقال عطاء: «ما رأيت البدر إلا ذكرت وجه ابن عباس لحسنه وجماله وبهائه»(5)، وشهد له عمر بأنه أصبح الفتيان وجهاً (6)، وقال أبو إسحاق: «رأيت ابن عباس رجلاً جسيماً قد شاب مقدم رأسه وله جمة»(7)، وكان طويلاً، والطول من كمال الجسم وجمال البسطة فيه، قال المبرّد: «والعرب تمدح بالطول وتضع من القِصَر»(8)، وكان الطول في بني هاشم صفة غالبة، حتى لقد

____________

(1) قال ابن كثير في البداية والنهاية 8/306: ولما عمي أعترى لونه صفرة يسيرة أهـ ولا غرابة في ذلك لأنه عمي وهو في سن الشيخوخة ولكن من الغريب ما ذكره الجاحظ في رسالته: فخر السودان على البيضان (الرسالة الرابعة من مجموع رسائل الجاحظ /209 تحـ عبد السلام محمّد هارون) ان ابن عباس (رضي الله عنه) كان أدلم ضخماً، والأدلم: الشديد السواد. وهذا ممّا انفرد به أبو عثمان الجاحظ فيما أعلم، كما انفرد في قوله: وكان ولد عبد المطلب العشرة السادة دُلـُماً ضُخماً؟ وفي قوله: وآل أبي طالب أشرف الخلق، وهم سودٌ وأدمٌ ودُلـُم؟

(2) البداية والنهاية 8/306.

(3) ولا منافاة بين الفعلين، فربما كان يفعل هذا مرة وذلك أخرى، وكل راوٍ حدث بما رأى. الاصابة 4/91.

(4) الاصابة 2/333.

(5) تاريخ الإسلام للذهبي 3/31.

(6) البداية والنهاية 8/299.

(7) أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه كما في الاصابة 4/91.

(8) الكامل للمبرد 1/92 تحـ أبو الفضل إبراهيم والسيد شحاته.


الصفحة 84
ورد في حديث ولادة الزهراء (عليها السلام): (إنّ أمها خديجة لمّا أحسّت بالطلق فأرسلت إلى نساء من قريش فأبين الحضور وقلن لها أنتِ عصيتنا وتزوجت يتيم أبي طالب، قالت: دخلت عليَّ أربع نسوة سمر طوال كأنهنّ من نساء بني هاشم)(1).

وفيما حدثت به تلك العجوز التي رأت عليّ بن عبد الله بن عباس يطوف وقد فرع الناس كأنه راكب وهم مشاة، فقالت: من هذا الذي فرع الناس؟ فأعلمت، فقالت: لا إله إلا الله انّ الناس ليرذلون عهدي بالعباس يطوف بهذا البيت كأنه فسطاط أبيض(2)، ويروى أنّ عليّاً كان إلى منكب عبد الله، وعبد الله إلى منكب العباس، والعباس إلى منكب عبد المطلب(3).

وقد ذكر المبرد جماعة كانوا من مقبلي الظعن لطولهم، فقد بذوا الناس طولاً وجمالاً، وكان أحدهم يسعه أن يقبّل المرأة في هودجها لطوله وعد منهم العباس وابنه عبد الله(4).

ووصفه عليّ بن أبي طلحة قال: «كان عبد الله بن عباس مديد القامة، جيّد الهامة، مستدير الوجه جميله أبيضه، وليس بالمفرط البياض سبط اللحية، في أنفه قنا، معتدل الجسم، وكان أحسن عينا قبل أن يكفّ بصره، وكفّ قبل موته بست سنين أو نحوها»(5).

____________

(1) بحار الأنوار 43/3 ط الاسلامية، أمالي الصدوق /532 ط الحيدرية، ومصباح الأنوار (مخطوط).

(2) المعارف لأبن قتيبة /289 ط ليدن، وربيع الأبرار للزمخشري باب الخلق وصفاتها الرضوية، ونسخة الأوقاف ببغداد، وفي المطبوع 1/848، وكامل المبرد 1/93، والاعلاق النفيسة /225، ولطائف المعارف /112.

(3) نفس المصدر.

(4) الكامل للمبرد 2/117.

(5) أنساب الأشراف (ترجمة ابن عباس) برقم 124 نسخة مخطوطة بقلمي.


الصفحة 85
وكانت له عناية خاصة بمظهره، فهو في تزيين جسمه يعنى بالخضاب حين تبدّى الشيب في كريمته، فكان يخضب بالسواد(1)، وبالحناء(2)، وثالثة يصفـّر لحيته(3)، وأظنه إنّما فعل ذلك لما أثر عنه في ذلك من الحديث: (من أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مرّ عليه رجل قد خضب بالحناء فقال: ما أحسن هذا. ثم مرّ عليه آخر وقد خضب بالحناء والكتم فقال: ما أحسن هذا. ثم مرّ عليه آخر وقد خضب بالصفرة فقال: هذا أحسن من هذا كله)(4).

ويُعنى بالطيب حتى قال عكرمة مولاه: «كان يطلي جسده بالمسك»(5)، حتى رآه بعضهم وقد أحرم والغالية على طلعته كأنها الربّ (6). وقالوا: أنه إذا مرّ في الطريق ق‍‍لن النساء عل‍‍ى الحيطان أمرّ ابن عباس أم مرّ المسك(7)، وفي لفظ: «قال الناس: لطيمة مسك أو ابن عباس»(8).

وهو في ملبسه كان يُعنى ويتأنق حتى كان يلبس الرداء وقيمتـه ألف(9)، وقالوا: كان يلبس المطرف الخز المنصوب الحوافي بمزالف(10)، ويأخذه

____________

(1) ذخائر العقبى /227.

(2) سير أعلام النبلاء 4/442.

(3) تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/275 ط المنيرية بمصر.

(4) المعجم الكبير للطبراني 11/20 برقم 10922، وأبو داود في سننه برقم /4193، وابن ماجة في سننه برقم /3627.

(5) عيون الأخبار لأبن قتيبة 1/304.

(6) نفس المصدر 1/303.

(7) نفس المصدر 1/304، وسير أعلام النبلاء للذهبي 4/442.

(8) غرر الخصائص للوطواط /40.

(9) عيون الأخبار لأبن قتيبة 1/298، وسير أعلام النبلاء 4/454.

(10) المزالف: المراقي.