الصفحة 213
الآن نذكر شواهد أخرى على مدى أستعداده الفطري حتى كان شعلة ذكاء تتقد، ندر أن نجد نظيره فيمن هو في سنه - بل وحتى أكبر منه - مَن كان يسأل مثل مسائله وهي شواهد على ألمعيته حيث يتناول في مسائله ما كان للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من مقام قبل خلق الخلق، وآدم - أبو البشر - بعد في الجنة، وكيف تاب الله عليه؟ وبماذا أقسم فأبرّ قسمه، وفي فطنة غلام لم يتجاوز الحلم ويتسع فكره لأن يسأل عن مثل ذلك لدليل على ألمعيته.

وإلى القارئ بعض الشواهد:

1- أخرج السيوطي الشافعي في الدر المنثور(1)، وابن المغازلي المالكي في المناقب(2)، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة(3) واللفظ للأوّل: قال ابن عباس: «قال سألت رسول الله صلّى الله وعليه (وآله) وسلّم عن الكلمات الّتي تلقـّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ (قال: سأل بحق محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليَّ فتاب عليه) ».

2- أخرج ابن عساكر في تاريخه كما في تهذيبه: «قال ابن عباس: سألت رسول الله صلّى الله وعليه (وآله) وسلّم فقلت: فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: فتبسم حتى بدت ثناياه ثمّ قال: (كنت في صلبه وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في النار في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق أبواي قط على سفاح، ولم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلى الأرحام الطاهرة، مهذبّا لا يتشعب شعبان إلاّ كنت في خيرهما، قد أخذ الله بالنبوّة ميثاقي، وبالإسلام عهدي، وبشرّ بي، وفي التوراة

____________

(1) الدر المنثور 1/60 نقلاً عن ابن النجّار.

(2) مناقب ابن المغازلي /63.

(3) ينابيع المودة /97 و 238 ط اسلامبول سنة 1302.


الصفحة 214
والإنجيل ذكري، وبيّن كلّ نبيّ صفتي، تشرق الأرض بنوري، والغمام بوجهي، وعلّمني كتابه في سحابة، واشتقّ لي إسماً من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمّد، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر، وأن يجعلني أوّل شافع وأوّل مشفـّع، ثمّ أخرجني من خير قرن لأمتي، وهم الحمّادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) »(1).

فهذان السؤالان منه وهو بتلك السنّ يكشفان عن المعية نادرة ميّزته عن كثير من الصحابة ومرّ بنا نحو ذلك.

والآن لنأخذ من صحيح مرويّاته الّتي تميزّت بدقة الملاحظة وحضور الذاتية.

فمن ذلك ما ذكره ابن عبد ربّه في العقد الفريد تحقيق أحمد أمين ورفيقيه عنه فقال:

«وقال عبد الله بن عباس: أنشدت النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أبياتاً لاُمية بن أبي الصلت يذكر فيها حملة العرش وهي:


رجلٌ وثور تحت رجل يمينهوالنسر للاُخرى وليث مرصَد مُرصََد(2)
والشـمس تطلع كلّ آخر ليلةفـجـراً ويـصـبـح لـونـهـا يتوقّد
تـبدو فما تبدو لهم في وقتهاإلاّ مــعـذّبــة وإلاّ تــجــلــد

فتبسم النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم كالمصدّق له»(3).

____________

(1) تهذيب تاريخ ابن عساكر 1/349.

(2) قال الجاحظ في كتاب الحيوان 6/68: وقد جاء في الخبر إنّ من الملائكة من هو في صورة الرجال، ومنهم من هو في صورة الثيران، ومنهم من هو في صورة النسور، ويدل على ذلك تصديق النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لاُمية بن أبي الصلت. ثمّ ذكر البيت. واُنظر الأغاني 4/148 ط دار الكتب المصرية.

(3) العقد الفريد 5/277.


الصفحة 215
فهذا الخبر كما يكشف عن ألمعية ابن عباس دلنا على حفظه للشعر مبكراً، واستحضاره له منشداً ومستفهماً، وبالتالي حصل على ما يبتغيه من إنشاده للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من تبسمه أنّه كالمصدّق له. وهذا غاية في الاحتياط في الرواية، إذ لم يزد على ما روى ورأى وفهم.

وله سماعات نبوية فيما يخص فضائل أهل البيت مجتمعين ومنفردين نسوق طائفة منها:

1- أخرج الطبراني بسنده عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: «خرجت أنا والنبيّ صلّى الله وعليه (وآله) وسلّم وعليّ (رضي الله عنه) في حُشّان المدينة، فمررنا بحديقة فقال عليّ (رضي الله عنه): ما أحسن هذه الحديقة يا رسول الله، فقال: (حديقتك في الجنة أحسن منها) ثمّ أومأ بيده إلى رأسه ولحيته ثمّ بكى حتى علا بكاؤه قيل: ما يبكيك؟ قال: (ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني) »(1). فهذا الحديث حفظ فيه ابن عباس - وهو ابن ثلاث عشرة سنة أو دونها - خصوصيات المكان والزمان والسبب والمسبّب والصفة والموصوف.

2- أخرج ابن مردويه في المناقب وعنه السيوطي في الدر المنثور في تفسير آية التطهير وغيرهما قال ابن عباس: «شهدنا رسول الله صلّى الله وعليه (وآله) وسلّم تسعة أشهر يأتي كلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) عند وقت كلّ صلاة فيقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(2) الصلاة رحمكم الله) كلّ يوم خمس مرات».

____________

(1) المعجم الكبير 11/60 ط الموصل.

(2) الأحزاب /33.


الصفحة 216
ففي هذا الحديث نجد حبر الأمة ضبط في الحَدَث مدة الزمان والمكان بدقة مع توفر عنصر المشاهدة وهذا ما يعني قوة الملاحظة عنده، ولقد روي أيضاً عنه حديث نزول هذه الآية في أهل البيت خاصة بلفظ أوفى ممّا مرّ، فيما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل(1)، والحكيم الترمذي، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي وأبو نعيم في كتابيهما (دلائل النبوة)، وعنهم السيوطي في الدر المنثور(2)، ولعله لا يقل دلالة عما سبق في دقة الملاحظة وقوة الحافظة الّتي تميّز بها في حفظ الحديث في مروياته، ورواية الحدَث بتمام خصوصياته. ما يخصّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

وإلى القارئ نبذة منه:

1- فمن ذلك ما أخرجه أحمد في المناقب عن ابن عباس قال: «بعثني رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى عليّ بن أبي طالب فقال له: (أنت سيد في الدنيا، سيدٌ في الآخرة، من أحبّك فقد أحبّني، وحبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، الويل لمن أبغضك) »(3).

2- ومن ذلك ما أخرجه الخطيب في تاريخه، وأخرجه أبو الخير الحاكمي وعنه المحب الطبري في الرياض النضرة(4)، وابن حجر في الصواعق(5)، الحديث

____________

(1) شواهد التنزيل 2/29.

(2) الدر المنثور 5/199.

(3) أنظر الرياض النضرة 2/166 نقلاً عن أحمد.

أقول: ورواه الحاكم في المستدرك 3/127 بتفاوت بسيط وقال: صحيح على شرط الشيخين، كما رواه الخطيب في تاريخ بغداد 4/41 بعدة طرق وغيرهم.

(4) الرياض النضرة 2/168.

(5) الصواعق المحرقة /93.


الصفحة 217
بلفظ الأوّل بسنده إلى عبد الله بن عباس قال: «كنت أنا وأبي العباس بن عبد المطلب جالسَين عند رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذ دخل عليّ بن أبي طالب فسلّم فردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم السلام وبشَر به وقام إليه واعتنقه وقبّل بين عينيه وأجلسه عن يمينه. فقال العباس: يا رسول الله أتحبّ هذا؟ فقال النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: (يا عم رسول الله والله لله أشدّ حباً له مني. انّ الله جعل ذرية كلّ نبيّ في صلبه وجعل ذريتي في صلب هذا) »(1).

وزاد ابن حجر نقلاً عن كنوز المطالب في روايته لما سبق: «أنّه إذا كان يوم القيامة دُعي الناس بأسماء أمهاتهم ستراً عليهم إلاّ هذا وذريته فإنهم يدعون بأسمائهم لصحة ولادتهم».

وممّا رواه وفيه ذاتية الحضور ممّا يتعلق بالسيدة فاطمة الزهراء وأمها خديجة ومريم وآسية (عليهن السلام):

1- أخرج الحاكم بسنده عن ابن عباس قال: «خطّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم أربعة خطوط ثمّ قال: (أتدرون ما هذا؟)، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: (إن أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم) ». قال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد(2).

وممّـا رواه ورآه ممّـا يتعلـق بالسيـدة الزهـراء (عليها السلام) وولديـها الحـسن والحـسين (عليهما السلام):

____________

(1) تاريخ بغداد 1/316.

(2) مستدرك الحاكم 2/497، ورواه أحمد في مسنده 1/293 و 316 و 322، وابن حجر في الإصابة 8/158، وابن عبد البر في الاستيعاب 1/750، والهيثمي في مجمع الزوائد 9/223، وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح.


الصفحة 218
1- ما أخرجه الملا في سيرته وغيره، وعنهم المحب الطبري قال: وعن ابن عباس قال: «بينما نحن ذات يوم مع النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إذا أقبلت فاطمة سلام الله عليها تبكي فقال لها رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: (فداكِ أبوكِ ما يبكيكِ؟) قالت: انّ الحسن والحسين خرجا ولا أدري أين باتا؟ فقال لها رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: (لا تبكي فإن خالقهما ألطف بهما مني ومنك)، ثمّ رفع يديه فقال: (اللّهم أحفظهما وسلّمهما)، فهبط جبريل وقال: يا محمّد لا تحزن فإنهما في حظيرة بني النجار نائمين وقد وكّل الله بهما ملكاً يحفظهما، فقام النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم ومعه أصحابه حتى أتى الحظيرة فإذا الحسن والحسين معتنقين نائمين، وإذا الملك الموكّل بهما قد جعل أحد جناحيه تحتهما والآخر فوقهما يظللهما، فأكبّ النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم عليهما يقبّلهما حتى أنتبها من نومهما، ثمّ جعل الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر، فتلقاه أبو بكر وقال: يا رسول الله ناولني أحد الصبيّين أحمله عنك فقال صلّى الله عليه (وآله) وسلّم: (نعم المَطي مطيّهما ونعم الراكبان هما وأبوهما خير منهما)، حتى أتى المسجد فقام رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم على قدميه وهما على عاتقيه ثمّ قال: (معاشر المسلمين ألا أدلّكم على خير الناس جداً وجدّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الحسن والحسين جدهما رسول الله خاتم المرسلين وجدتهما خديجة بنت خويلد سيدة نساء أهل الجنة، ألا أدلكم على خير الناس عماً وعمّة؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب وعمتهما أم هانيء بنت أبي طالب، أيها الناس: ألا أدلكم على خير الناس خالاً وخالة؟)

الصفحة 219
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الحسن والحسين خالهما القاسم بن رسول الله وخالتهما زينب بنت رسول الله)، ثمّ قال: (اللّهم إنك تعلم أنّ الحسن والحسين في الجنة وعمهما في الجنة وعمتهما في الجنة ومن أحبّهما في الجنة ومن أبغضهما في النار) »(1).

أقول: لقد أخرج الطبراني هذا الحديث في معجمه الكبير والأوسط وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد(2)، والمتقي في كنز العمال(3)، وفيهما زيادة قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (ألا أخبركم بخير الناس أباً وأماً؟ أمهما فاطمة بنت رسول الله وأبوهما عليّ بن أبي طالب). وهذا يدل على سقط في نسخة الذخائر.

وهكذا نجد من الشواهد على حضوره المشاهد الّتي حفظها ودلت على دقة الملاحظة وقوة الحافظة حتى رواها كما رآها.

وقد جمع محمّد بن عابد بن أحمد الأنصاري السندي(4) كتابه (كشف البأس عمّا رواه ابن عباس مشافهة عن سيد الناس) ونسخته مخطوطة في الخزانة التيمورية بمصر. لم يتيسر لي الإطلاع عليهما ربّما يجد فيه الباحث كثيراً من تلك الشواهد، ولإبراهيم الحربي (مسند عبد الله بن عباس)(5)، وسيأتي مزيد ايضاح حول مروياته في تاريخه العلمي.

ولمّا كانت بعض المشاهد النبوية وقعت فيها أحداث ذات دلالات خاصة مميّزة وقد تأثر بها حبر الأمة حتى وضحت معالمها في تاريخه، من خلال تبيّن

____________

(1) ذخائر العقبى /130.

(2) مجمع الزوائد 9/184.

(3) كنز العمال 6/221 ط الاُولى و 13/103 ط الثانية حيدر آباد.

(4) أنظر الأعلام للزركلي 7/49.

(5) أنظر الفهرست لابن النديم /287 ط محققة.


الصفحة 220
آثارها في نفسه، فكان له من التعقيب عليها بعد روايتها ما يدل على مدى تأثيرها فيه تأثيراً بالغاً ولابدّ لنا ونحن نتلمّس تاريخ حبر الأمة عبد الله بن عباس في تلك الفترة من الوقوف عند محطات ثلاث عايش فيها أحداثاً متتابعة طفحت بطابعها المميّز أكثر من غيرها، لذلك فهي لا تنسى ولن تنسى مهما طال الزمن، كما كان لبعضها من بالغ الأثر ما غيّرت أحداثها صفحات من تاريخ المسلمين.

وتلك المحطات الثلاث هي:

1- حجة الوداع: وهي حجة الإسلام كما كان يسمّيها ابن عباس (رضي الله عنه).

2- بيعة الغدير: وهي الّتي يقول عنها ابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم.

3- مرض الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحديث الكتف والدواة: وهو الّذي يقول عنه ابن عباس (رضي الله عنه) الرزية كلّ الرزية.

فعلينا أن نقرأها بروايته، دون أن نستجوب غيره من رواة الحديث والسيرة، ففيما يرويه كفاية عن غيره.


الصفحة 221

أوّلاً: حجة الوداع «حجة الإسلام»


وإلى القارئ ما ورد عنه في تلك الحجة بدءاً من تسميتها، ومروراً بالمشاعر وأحكامها، وانتهاءاً برجوع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة بعد انقضائها، ويصح منا تسمية ذلك بمنسك ابن عباس كما رواه عنه أصحاب المصادر التالية:

1- أخرج ابن سعد بسنده عن طاووس عن ابن عباس أنّه كره أن يقول حجة الوداع، قال: فقلت: حجة الإسلام؟ قال: نعم حجة الإسلام(1).

2- اخرج ابن كثير في السيرة النبوية نقلاً عن أحمد بسنده عن سعيد بن جبير قال: «قلت لعبد الله بن عباس: يا أبا العباس عجباً لاختلاف أصحاب رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم في إهلال رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حين أوجب؟! فقال: إنّي لأعلم الناس بذلك، إنّما كانت من رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا.

خرج رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حاجاً، فلمّا صلّى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه، أوجب في مجلسه، فأهلّ بالحجّ حين فرغ من ركعتيه، فسمع ذلك منه قوم، فحفظوا عنه، ثمّ ركب، فلمّا أستقلت به ناقته أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك إن الناس إنّما كانوا يأتون إرسالاً، فسمعوه حين أستقلت به ناقته يُهلّ، فقالوا: إنّما أهلّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حين أستقلـّت

____________

(1) طبقات ابن سعد 2ق1/135.


الصفحة 222
ناقته. ثمّ مضى رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، فلمّا علا شرَف البيداء(1) أهلّ، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا: إنّما أهلّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم حين علا شرّف البيداء. وأيم الله لقد أوجب في مصلاّه، وأهلّ حين علا شرف البيداء»(2).

3- أخرج ابن سعد بسنده عن ابن عباس قال: «انّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (لبيك اللّهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) » (3).

4- أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال: «انطلق النبيّ صلّى الله عليه (وآله) وسلّم من المدينة بعد ما ترجّل وادهن ولبس إزاره ورداءه، هو وأصحابه ولم ينه عن شيء من الأردية والأزر تُلبس، إلاّ المزعفرة الّتي تردع على الجلد، فأصبح بذي الحليفة، ركب راحلته حتى أستوى على البيداء أهلّ هو وأصحابه، وقلّد بدنَه، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة. فقدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، ولم يحلّ من أجل بُدنه لأنّه قلـّدها، ثمّ نزل بأعلى مكة عند الحجون، وهو مهلٌ بالحجّ، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة، وأمر أصحابه أن يطوفوا بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثمّ يقصّروا من رؤوسهم ثمّ يَحلـّوا، وذلك لمن لم يكن معه بدَنَة قلـّدها، ومَن كانت معه أمرأته فهي له حلال، والطيب والثياب»(4).

____________

(1) البيداء: موضع امام ذي الحليفة، سمي بذلك لأنّه ليس فيه بناء ولا أثر.

(2) السيرة النبوية 4/230 ـ 231.

(3) طبقات ابن سعد 2ق2/127.

(4) صحيح البخاري 1/197 ط بولاق، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر.


الصفحة 223
5- أخرج الطبراني في معجمه الكبير بسنده عن جابر وابن عباس قالا: «قدمنا مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا نريد إلاّ الحجّ، فأهللنا بالحجّ، وطاف رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على راحلته يستلم الركن بمحجن كان معه، ثمّ عدل إلى السقاية، فقال: (اسقوني منها)، فقال العباس: يا رسول الله ألا نسقيك من شراب قد مسّـته الأيدي، قال: (لا اسقوني منها)، ثمّ شرب، ثمّ عدل إلى زمزم فقال: (انزعوا لي منها)، فنزعوا له دلواً، فأخذ حسوة فمضمض ثمّ مجّه في الدلو، ثمّ قال: (أعيدوه فيها)، فقال: (يا بني هاشم إنكم على عمل صالح، لولا أن تُغلبوا أو تُتخذ سنّة لأخذت معكم)، ثمّ أتى منزله فخطب أصحابه وقال: (انّ العمرة دخلت في حجكم فحلّوا، إلاّ من كان معه هدي)، وقال: (لولا أنّ معي هدياً لكثرتكم)، فقام سراقة بن مالك فقال: يا رسول الله ألعامنا أم للأبد؟ قال: (لا بل للأبد)، وكان يعجبهم ما وافق صنيعهُم صنيعَ أهل الجاهلية. وكان أهل الجاهلية يقولون: إذا انسلخ صفر، وعفا الوَبر، وبرأ الدَبر، فقد حلت العمرة لمن أعتمر»(1).

6- أخرج ابن كثير في السيرة النبوية نقلاً عن البخاري والترمذي عن ابن عباس قال: «طاف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالبيت على بعير، فلمّا أتى الركن أشار إليه - وفي حديث آخر - أستلمه بمحجن، فلمّا فرغ من طوافه أناخ فصلّى ركعتين»(2).

7- أخرج ابن كثير نقلاً عن مسلم وأبي داود، والطبراني في معجمه(3)، وغيرهم عن أبي الطفيل قال: «قلت لابن عباس: يزعم قومك أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد رَمَل بالبيت وان ذلك من سنّـته؟ قال: صدقوا وكذبوا، فقلت: ما صدقوا وما

____________

(1) المعجم الكبير 11/33 ط الموصل.

(2) السيرة النبوية 4/316 ـ 317.

(3) المعجم الكبير 10/268 ط الموصل.


الصفحة 224
كذبوا؟ قال: صدَقوا رَمَل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكذبوا ليس بسنّة، إنّ قريشاً قالت زمن الحديبية، دعوا محمداً وأصحابه حتى يموتوا موت النغف(1) فلمّا صالحوه على أن يحجوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمشركون من قبل قيقعان(2) فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأصحابه: أرملوا بالبيت ثلاثاً. وليس بسنّة.

قلت: يزعم قومك انّ رسول الله طاف بين الصفا والمروة على بعير، وأن ذلك سنّة؟

قال: صدقوا وكذبوا. قلت: ما صدقوا وما كذبوا؟

قال: صدقوا قد طاف رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليس بسنّة، كان الناس لا يُدفعون عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا يُصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم.

قلت: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكباً أسنّة هو؟ فإن قومك يزعمون أنّه سنة.

قال: انّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كثر عليه الناس يقولون هذا محمّد هذا محمّد، حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يُضرب الناس بين يديه، فلمّا كثر عليه الناس ركب.

قال ابن عباس: والمشي والسعي أفضل»(3).

____________

(1) النغف: الدود، وهو مثل يضرب للمستحقـَر.

(2) قيقعان: جبل مشرف على مكة من جهة الثنية السفلى الّتي بني عليها باب مكة المعروف بباب الشبيكة وهو ممتد من حارة الباب إلى الشامية (شفاء الغرام للفاسي /277 متناً وهامشاً) ط سنة 1956 بمصر.

(3) السيرة النبوية 4/324 ـ 325.


الصفحة 225
8- أخرج ابن كثير نقلاً عن البخاري بسنده عن عطاء عن جابر وعن طاووس عن ابن عباس قالا: «قدم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه صُبح رابعة من ذي الحجة يهلّون بالحجّ لا يخلطه بشيء، فلمّا قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة، وأن نحلّ إلى نسائنا، ففشت في ذلك المقالة»(1).

9- أخرج ابن كثير نقلاً عن الترمذي بسنده عن ابن عباس قال: «صلّى بنا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمنى الظهر العصر والمغرب والعشاء والفجر ثمّ غدا إلى عرفات»(2).

10- أخرج ابن كثير نقلاً عن الصحيحين عن ابن عباس قال: «سمعت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب بعرفات: (من لم يجد نعلين فليلبس الخفـّين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل للمحرم) »(3).

11- أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن عطاء قال: «دعا عبد الله بن عباس الفضل بن عباس إلى الطعام يوم عرفة، فقال: إني صائم، فقال عبد الله: لا تُصم فإنّ رسول الله قـُرّب إليه حِلاّب(4) فيه لبن يوم عرفة فشرب منه، فلا تُصم فإنّ الناس يستنّون بكم»(5).

12- أخرج الطبراني بسنده عن ابن عباس: «انّ أم الفضل أرسلت إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلبن فشرب وهو يخطب بعرفة»(6).

____________

(1) نفس المصدر 4/332.

(2) نفس المصدر 4/339.

(3) نفس المصدر 4/342.

(4) الحلاّب: القعب الّذي يحلب فيه اللبن.

(5) السيرة النبوية 4/345.

(6) المعجم الكبير 10/326 ط الموصل.


الصفحة 226
13- أخرج ابن كثير نقلاً عن البخاري بسنده عن ابن عباس قال: «بينما رجل واقف مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصنه(1) فقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اغسلوه بماء وسدر، وكفنّوه في ثوبين، ولا تُمِسّوه طيبا، ولا تخمّروا رأسه، ولا تحنطّوه، فإنّ الله يبعثه يوم القيامة ملبّيا) »(2).

14- أخرج ابن كثير نقلاً عن الطبراني في مناسكه بسنده عن ابن عباس قال: «كان فيما دعا به رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حجة الوداع: (اللّهم إنّك تسمع كلامي، وترى مكاني، وتعلم سرّي وعلانيتي، ولا يخفى عليك شيء من أمري، أنا البائس الفقير، المستغيث المستجير، الوجل المشفق، المقرّ المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، من خضعت لك رقبتُه، وفاضت لك عبرَتُه، وذلّ لك جَسَدُه، ورغم لك أنفـُه، اللّهم لا تجعلني بدعائك ربّ شقياً، وكن بي رؤفاً رحيماً يا خير المسؤولين، ويا خير المعطين) »(3).

15- أخرج ابن كثير نقلاً عن البيهقي بسنده عن ابن عباس قال: «رأيت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدعو بعرفة، يداه إلى صدره كاستطعام المسكين»(4).

16- أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس قال: «لما أفاض رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من عرفات أوضَعَ الناس(5) فأمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) منادياً ينادي: (أيها

____________

(1) الوقص: وقصت الناقة براكبها ركمت به فدَقـّت عنقه (المصباح المنير).

(2) السيرة النبوية 4/346.

(3) السيرة النبوية 4/351، وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 3/252 نقلاً عن الطبراني في الكبير والصغير.

(4) السيرة النبوية 4/350.

(5) الإيضاع: أوضع البعير أسرع في سيره (المنجد).


الصفحة 227
الناس ليس البرّ بإيضاع الخيل ولا الركاب)، قال: فما رأيت من رافعة يديها غادية حتى نزل جَمعاً. وقال: لم ينزل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من عرفات وجَمع إلاّ أريق الماء»(1).

17- أخرج ابن كثير في السيرة النبوية، والبلاذري نقلاً عن البخاري بسنده عن ابن عباس قال: «أنا ممّن قدّم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة المزدلفة في ضَعفَة أهله»(2).

18- أخرج ابن كثير نقلاً عن أحمد بسنده عن ابن عباس قال: «قدّمنا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أغيلمة بني عبد المطلب على حُمراتنا فجعل يلطخ - يضرب ببطن كفه - أفخاذنا بيده ويقول: اَبَنيَّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس، قال ابن عباس ما أخال أحداً يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس»(3).

19- أخرج ابن سعد بسنده عن ابن عباس قال: «قال لي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) غداة العقبة (إلقط لي)(4) فلقطت له حصى الحذف، فلمّا وضعتهنّ في يده قال: (نعم بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلوّ إنّما هلك مَن كان قبلكم بالغلوّ في الدين) »(5).

____________

(1) السيرة النبوية 4/358.

(2) السيرة النبوية 4/362، وانساب الاشراف (ترجمة ابن عباس).

(3) السيرة النبوية 4/362.

(4) لقد مرّ ان ابن عباس (حبر الأمة) ممّن قدّمه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليلة العقبة مع أغيلمة بني عبد المطلب وضعفة أهله إلى منى وأوصاهم أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس، فكيف يصح ما رواه ابن سعد عنه ان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال له غداة العقبة القط لي - يعني حصى الحذف - والالتقاط انما يستحب أن يكون من المزدلفة؟ فربّما كان المراد بابن عباس في هذا الحديث هو الفضل بن العباس الّذي سيأتي ما يدل على أنّه بقي مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وروى عنه ما قاله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للناس حين دفعوا من المزدلفة وروى ذلك عنه أخوه حبر الأمة. أو أن الألتقاط كان بمنى، والأول هو الأقرب.

(5) طبقات ابن سعد 2ق1/130.