الصفحة 212
فتسامع الناس فجاؤا حتى ملأوا المسجد، فمن قائل: أحسنت، ومن قائل ما للنساء ولهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال»(1).

وقال البلاذري في حديثه: «إنّ عائشة أغلظت لعثمان، وأغلظ لها وقال: وما أنتِ وهذا؟ إنما أَمرتِ أن تقرّي في بيتكِ. فقال قوم مثل قوله، وقال آخرون: ومن أولى بذلك منها، فاضطربوا بالنعال، وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(2).

3- موقفها من حادثة ضرب عمّار حتى أغمي عليه وفاتته أربع صلوات فبلغ ذلك عائشة فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وثوباً من ثيابه ونعلاً من نعاله ثمّ قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعده. كما مرّ في ذكر عمّار من الساخطين.

4- موقفها من حصار عثمان فقد روى البلاذري وقال: «وحاصر الناس عثمان وأجلب محمّد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله، وكانت عائشة تقرصه كثيراً»(3).

5- موقفها وقد استنجد بها عثمان وهو محصور فارسل إليها مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فأتياها وهي تريد الحج فقالا لها: لو أقمت فلعلّ الله يدفع بك عن هذا الرجل، فقالت: قد قرّبت ركابي وأوجبت الحج على نفسي والله لا أفعل. فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول:


حتى إذا أضطرمت أجذماوحرّق قيس عليّ البلاد

____________

(1) الأغاني 4/180.

(2) أنساب الأشراف 1ق4/522.

(3) أنساب الأشراف 1ق4/557.


الصفحة 213
فقالت عائشة: يا مروان وددت والله انّه في غرارة من غرائري هذه، وأني طـُوّقت حمله حتى ألقيه في البحر. هذا ما رواه البلاذري في الأنساب(1).

إلاّ أنّ ابن سعد روى في الطبقات أن عائشة قالت: «أيّها المتمثـّل عليّ بالأشعار وددت انّك وصاحبك هذا الّذي يعنيك أمره في رجل كلّ واحد منكما رحىً وأنكما في البحر، وخرجت إلى مكة»(2).

6- موقفها مع ابن عباس وقد ولاه عثمان الموسم، فقد روى البلاذري في الأنساب قال: «ومرّ عبد الله بن عباس بعائشة - وقد ولاه عثمان الموسم - وهي بمنزل من منازل الطريق فقالت: يا بن عباس إن الله قد آتاك عقلاً وفهماً وبياناً، فإيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية»(3).

وفي حديث الطبري في تاريخه قال: «فمرّ بعائشة في الصلصل فقالت: يا ابن عباس أنشدك الله فإنك قد أعطيت لساناً إزعيلاً - أي ذلقاً - أن تخذل عن هذا الرجل وأن تشكك فيه الناس، فقد بانت لهم بصائرهم، وأنهجت ورفعت لهم المنار، وتحلّبوا عن البلدان لأمر قد حمّ. وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح، فان يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر.

قال: يا أمه لو حدث بالرجل حدثٌ ما فزع الناس إلاّ إلى صاحبنا.

فقالت: إيهاً عنك، إنّي لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك»(4).

7- موقفها في مكة المكرمة: قال البلاذري في الأنساب: «وكانت عائشة تؤلب على عثمان فلمّا بلغها أمره وهي بمكة أمرت بقبتها فضربت في

____________

(1) نفس المصدر /565.

(2) طبقات ابن سعد 5/25.

(3) أنساب الأشراف 1ق4/565.

(4) تاريخ الطبري 4/407.


الصفحة 214
المسجد الحرام وقالت: إنّي أرى عثمان سيشأم قومه كما شأم أبو سفيان قومه يـوم بـدر»(1).

8- وأخيراً موقفها في شراف في الطريق عند عودتها من الحجّ وقد بلغها مقتل عثمان فقالت: «بُعداً(2) لنعثل وسحقاً، وقالت: أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلامٍ للعبيد(3) وقالت: أبعده الله قتله ذنبه وأقاده الله بعمله. يا معشر قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود...»(4)، إلى غير ذلك من المواقف الّتي أثارت الغضب على عثمان حتى أنّها فيما روى الرواة قالوا: «أوّل من سمى عثمان نعثلاً عائشة وكانت تقول: اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً»(5).

بقي الكلام عن موقف طلحة، وهذا سيأتي في قائمة الصحابة الذين حظوا من عثمان بالحباء والعطاء ولم يحسنوا له الجزاء.

أمّا الكلام عن موقف الإمام عليّ (عليه السلام) فكذلك يأتي في موقف بني هاشم من عثمان.

وهذه هي الأسماء الواردة في قول سعيد بن المسيب، أمّا ما ورد عند غيره، فقد عرفنا من خلال معرفة مواقف ابن مسعود وأبي ذر وعمّار وعائشة الآنفة الذكر مجموعة أسماء وقبائل سخطت ولاية عثمان وولاته.

فقد عرفنا أنّ بني هذيل وبني زهرة وبني غفّار وأحلافها كلّها غضبت لما جرى على ابن مسعود وأبي ذر.

____________

(1) أنساب الأشراف 1ق4/583.

(2) أنظر شرح النهج لابن أبي الحديد 2/77.

(3) نفس المصدر.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر.


الصفحة 215
وعرفنا أن بني مخزوم كذلك حنقت على عثمان لحال عمّار حتى قالوا لئن مات عمّار لنقتلن به رجلاً من بني أمية. وكانوا يعنون به عثمان.

وعرفنا سخط الشهود الوافدين من الكوفة يشهدون على الوليد أفعاله المنكرة وما لحقهم من وعيد عثمان حتى استجاروا بعائشة.

وعرفنا ثمة سبعمائة وفد أهل مصر جاؤا يشكون ما يلقون من ظلم ابن أبي سرح.

وعرفنا ثمة أناس من أهل المدينة أيّدوا عائشة في استنكارها فعل عثمان مع أهل العراق، واضطربوا بالنعال مع أنصار عثمان وكان ذلك أوّل قتال بين المسلمين.

وعرفنا سخط بني تيم وغيرهم ممن أجلب بهم محمّد بن أبي بكر، وأعانه طلحة بن عبيد الله ومن ورائهما عائشة حيث كانت تقرص عثمان كثيراً.

وعرفنا أنّ المهاجرين اجتمعوا على عثمان فأنكروا عليه صنعه مع عمّار.

وعرفنا أنّ خمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار كتبوا أحداث عثمان وما نقموا عليه، منهم المقداد وطلحة والزبير.

وأخيراً عرفنا أنّ الناس استقبحوا ما فعله بعمّار وشاع فيهم فاشتد إنكارهم له.

ولم يكن الساخطون من ذكرناهم فقط، بل هناك آخرون كثيرون حتى جاء في حديث للواقدي: ولا ينكر ما يقال فيه إلاّ نُفَير. وجاء في حديث المسعودي: وغير هؤلاء ممّن لا يحمل كتابنا ذكره، فلنقرأ ما قاله الواقدي والمسعودي.


الصفحة 216
قال الواقدي بإسناده: «لمّا كانت سنة 34 كتب أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعضهم إلى بعض يتشاكون سيرة عثمان وتغييره وتبديله، وما الناس فيه من عمّاله ويكثرون عليه، ويسأل بعضهم أن يقدموا المدينة إن كانوا يريدون الجهاد. ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدفع عن عثمان، ولا ينكر ما يقال فيه (إلاّ نفير منهم)(1) زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك بن أبي كعب من بني سلمة من الأنصار وحسان بن ثابت الأنصاري»(2).

وقال المسعودي في مروج الذهب في حديث حصار الثوار ومقتل عثمان بداره: «وأحدقوا بداره بالسلاح وطالبوه بمروان، فأبى أن يتخلى عنه، وفي الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود لأنّه كان من أحلافها، وهذيل لأنّه كان منها، وبنو مخزوم وأحلافها لعمّار، وغفار وأحلافها لأجل أبي ذر، وتيم بن مرّة مع محمّد بن أبي بكر وغير هؤلاء ممّن لا يحمل كتابنا ذكره»(3).

قال طه حسين في كتابه الفتنة الكبرى عثمان: «فسياسة عثمان في العزل والتولية لم تكن ملائمة للعهد الّذي أعطاه، وليس من شك في أنّ الذين ضاقوا بهؤلاء العمّال وثاروا عليهم ونقموا من عثمان توليتهم لم يكونوا مخطئين»(4).

فالآن إلى معرفة مواقف عثمان من الساخطين:

ونقتصر أوّلاً على ذكر موقفه من الصحابة، ثمّ نتبعه بموقفه من بني هاشم، أمّا موقفه من سائر الناس الساخطين فسيأتي عند ذكر مأساة الحصارَين.

____________

(1) في الطبري وابن الأثير والنويري.

(2) أنساب الأشراف 1ق4/549، وتاريخ الطبري 4/336.

(3) مروج الذهب 2/353 تح ـ محمّد محي الدين عبد الحميد ط مصر.

(4) الفتنة الكبرى 1/189 ط دار المعارف.


الصفحة 217

مواقف سنمّارية من بعض الصحابة:

لقد كان من أسباب السخط على عثمان عزله كبار الصحابة عن مراكزهم القيادية، وتوليتها أحداث بني أمية، فنقم الناس ذلك عليه، وزاد في الكراهية انقطاع درّ الحلوبة عمّن كانوا يرتضعونها حيث وفرة العطاء والإقطاع على حساب المسلمين، ولمّا كان إحسان عثمان لمن أغدق عليهم في غير محلـّه، لذلك انقلب الحباء والعطاء إلى سخط وجفاء، فقوبل على ذلك بعدم الوفاء وهكذا تكون الخدمات مهدورة، ما دامت الصحبة على غير تقى.

والآن إلى معرفة من حباهم وأعطاهم، ثمّ قلاهم وبتعبير أصحّ هم كافئوه شرّ مكافأة:

أوّلاً ـ أبناء عمر بن الخطاب (عبيد الله - عبد الله - حفصة):

ذكر ابن سعد في الطبقات: «فلمّا ظن - عمر - أنّه الموت قال: ياعبد الله ابن عمر أنظر كم عليّ من الدين؟ قال: فحسبه، فوجده ستة وثمانين ألف درهم، قال: يا عبد الله إن وفـّى لها مال آل عمر فأدّها عني من أموالهم، وإن لم تف أموالهم فاسأل فيها بني عدي بن كعب، فان لم تفِ من أموالهم فاسأل فيها قريشاً ولا تعدهم إلى غيرهم»(1).

وكان عمر إذا احتاج |إلى صاحب بيت المال فأستقرضه فربما أعسر فيأتيه صاحب بيت المال يتقاضاه فيلزمه فيحتال له عمر، وربما خرج عطاؤه فقضاه(2).

____________

(1) راجع طبقات ابن سعد 3ق1/244، تاريخ اليعقوبي 2/137 ط الغري، سير أعلام النبلاء 2/528 ط دار الفكر بيروت، وتاريخ الخلفاء للسيوطي/91 ط المنيرية وغيرها، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/ ط مصر الأُولى، والفتوح لابن أعثم 2/91.

(2) تاريخ ابن الأثير 3/24 ط بولاق.


الصفحة 218
فهذه الديون الّتي استدانها وأوصى ابنه بوفائها، لم يذكر أن ابنه وفاها إلى بيت المال، بل المذكور في المصادر ذكر وصية عمر بها، أمّا الوفاء فبقي في الخفاء، ولا أظن إلاّ أنّ عثمان أغضى عن المطالبة، فإنّ من يغضي عن دم عبيد الله بن عمر يهون عليه الإغضاء عن مال بذمة عمر. مع ان عمر - كما في الفتوح لابن أعثم - قال لابنه: «واجعل ذلك في بيت المال، فإن سألك الخليفة من بعدي أن لا تأتيه بذلك المال فلا تفعل فإن وهبه لك فلا تقبل واذهب به حتى تضعه في بيت المال كما أخذته منه»(1).

لقد مرّ بنا في أوّل مخالفات عثمان لأحكام الشريعة، درؤه الحد عن عبيد الله بن عمر، ومرّ بنا استنكار المسلمين لذلك فلم يعبأ عثمان بذلك ولم يكتف بدرء الحد عنه، بل أنزله الكوفة وأقطعه داراً عرفت باسم (كويفة بن عمر) وفي ظني أن هناك تزوج بحرية بنت هاني المرادي، الّتي كانت معه حتى في صفين يوم قتل، وهي الّتي استوهبت من جيش الإمام جثته، فأعطوها وحملتها إلى معاوية فصلّى عليها ودفنها.

فعثمان بعد أن كان من أشدّ المنكرين لجريمة عبيد الله لم يعاقبه ثمّ لم يرضَ بذلك حتى أكرمه بإقطاعه في الكوفة ومع هذا الإحسان فلم نسمع عنه حضوراً فاعلاً في الكوفة أو في المدينة نفع به عثمان. فأين كان؟ ولماذا سكت؟

أمّا أخوه عبد الله بن عمر فهذا كان مع عثمان حتى يوم الدار، ولكنه لم يغن عنه شيئاً، إذ لم يعرف المصلحة على حقيقتها - على أحسن تقدير - إذ غشه - على أسوء تقدير - حين استشاره فيما أشار به المغيرة بن الأخنس، وإليك

____________

(1) الفتوح 2/91.


الصفحة 219
حديثه يقول: «قال لي عثمان وهو محصور في الدار: ما ترى فيما أشار به عليَّ المغيرة بن الأخنس؟ قال: قلت: وما أشار به عليك؟ قال: قال: إن هؤلاء القوم يريدون خلعي، فان خَلعتُ تركوني، وإن لم أخلع قتلوني.

قال: قلت: أرأيت إن خلعت تترك مخلداً في الدنيا؟ قال: لا، قال: فهل يملكون الجنة والنار؟ قال: لا: قال: فقلت: ارأيت ان لم تخلع هل يزيدون على قتلك؟ قال: لا.

قال: فقلت: فلا أرى أن تسنّ هذه السنّة في الإسلام، فكلـّما سخط قوم أميرهم خلعوه. لا تخلع قميصاً قمصكّه الله...اهـ»(1).

ولولا أنّ ابن عمر لقـّن عثمان حجة قميص الله، لمّا كان في التاريخ قميص عثمان. فلو أنّه أخذ برأي المغيرة - وكان له من الناصحين - فخلع نفسه لتفادى القتل، وجنّب المسلمين ما حاق بهم من شرور الفتنة الكبرى. ولتغير وجه التاريخ. غير ان ابن عمر أشار عليه أن لا يخلع نفسه ولقـّنه حجته لا تخلع قميصاً قمّصكه الله، فكان عثمان يقول: «لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله (عزّ وجلّ)»(2).

وليتني كنت أدري كيف لم يعِ قول أبيه في قتل الحاكم إذا جنف! روى الطبري بسنده عن موسى بن عقبة يحدّث أن رهطاً أتوا عمر فقالوا: «كثر العيال واشتدت المؤونة فزدنا في أعطائنا قال: فعلتموها، جمعتم بين الضرائر، واتخذتم الخدم في مال الله? (عزّ وجلّ)! أما والله لوددت أنّي وإياكم في سفينة في لجة البحر، تذهب بنا شرقاً وغرباً، فلن يُعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم، فان استقام اتبعوه وإن جنَفَ قتلوه، فقال طلحة: وما عليك لو قلت: إن تعوّج عزلوه! فقال: لا، القتل أنكل لمن بعده.

____________

(1) طبقات ابن سعد 3ق1/45.

(2) تاريخ الطبري 4/375 ط دار المعارف.


الصفحة 220
احذروا فتى قريش وابن كريمها الّذي لا ينام إلاّ على الرضا، ويضحك عند الغضب، وهو يتناول مَن فوقه ومَن تحته»(1).

روى الذهبي قال: «ودخل ابن عمر على عثمان وهو محصور فقال: ما ترى؟ قال: أرى أن تعطيهم ما سألوك من وراء عتبة بابك غير أن لا تخلع نفسك فقال: دونك عطاءَكَ - وكان واجداً عليه - فقال: ليس هذا يوم ذاك، ثمّ خرج ابن عمر إليهم - الثوار - فقال: إياكم وقتل هذا الشيخ... ولقد رأيتنا وأصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متوافرون نقول: أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان»(2).

وهكذا بدأ ابن عمر يحتل مكانة عند الأمويين فينفحونه بعطاياهم وينفحهم هو على بلاياهم. ألم يرسل إليه معاوية مائة الف لما أراد البيعة لأبنه يزيد(3)، فكانت هذه النفحة من معاوية هي الّتي أخرجت النفحة من ابن عمر فقال في بيعة يزيد: «إن كان خيراً رضينا وإن كان بلاءً صبرنا»(4).

وزاد في نفحته حين دعا بنيه وجمعهم وذلك عند خلع أهل المدينة ليزيد فقال: «إنا بايعنا هذا الرجل - ويعني به يزيد -... فلا يخلعنّ أحدٌ منكم يزيد ولا يسرعنّ أحدٌ منكم في هذا الأمر، فتكون الصيلم بيني وبينه»(5).

إذن فابن عمر لم ينصر عثمان بما ينفعه يوم الدار فينجيه من القتل، بل على أحسن تقدير كانت مشورته على عثمان بأن لا يخلع نفسه هي الّتي أودت بحياة عثمان، ولا يبعد سيء الظن به في التقدير، لو قال إنّه غشه في ذلك التدبير.

____________

(1) نفس المصدر 4/213.

(2) سير أعلام النبلاء 3/604 ط دار الفكر.

(3) أُنظر طبقات ابن سعد 4ق1/134.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر.


الصفحة 221
وأمّا أختهما حفصة بنت عمر فحسبنا أن نعرف أنّها كانت المحرّضة لأخيها عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة كما مرّ في مخالفات أحكام الشريعة، ثمّ إنّها هي الّتي أنكرت على عثمان ما كان منه من مخالفات.

فقد روى عبد الرزاق في المصنف من حديث أبي كعب الحارثي وهو ذو الأداوة(1) قال: «ثمّ أقيمت الصلاة فتقدم عثمان فصلـّى فلمّا كبّر قامت امرأة من حجرتها فقالت: أيها الناس اسمعوا: قال: ثمّ تكلـّمت فذكرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما بعثه الله به، ثمّ قالت تركتم أمر الله وخالفتم رسوله. أو نحو هذا. قال: ثمّ صمتت. فتكلمت أخرى مثل ذلك، فإذا هي عائشة وحفصة قال: فلمّا سلم عثمان اقبل على الناس فقال: إن هاتان الفتآنتان فتنتا الناس في صلاتهم، وإلاّ تنتهيان أو لأسبنّكما ما حلّ لي السباب وإنّي لأصلِكما لعالِم. فقال له سعد بن أبي وقاص أتقول هذا لحبائب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قال: وفيما أنت وما ها هنا؟...الخ»(2).

ثانياً ـ الزبير بن العوام:

كان حيناً من الدهر من أصهار عثمان على أخته لأمه اُم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط وتعدّ هذه من المردفات من قريش، وإليك حديث هذه المصاهرة فهو غير معروف لدى كثير من الباحثين، فضلاً عن غيرهم.

قال المدائني: «تزوّجها - أم كلثوم - زيد بن حارثة، ثمّ خلف عليها الزبير ابن العوام فحملت، وكان الزبير شديداً على النساء، فأقام عندها سبعة أيام،

____________

(1) تاريخ الطبري 4/375 ط دار المعارف.

(2) المصنف لعبد الرزاق 11/355 هكذا النص والصواب: هاتين الفتّانتين... إن لا تنتهيا،وقارن شرح النهج لابن أبي الحديد 2/394 ط مصر الأُولى ففيه إنّ هاتين لفتانتان.


الصفحة 222
فولدت له أبنة، وقالت له حين ضربها المخاض، طيّب نفسي بتطليقة فطلـّقها وخرج إلى الصلاة، فلحقه رجل فقال: قد ولدت أم كلثوم، فقال: خدعتني خدَعَها الله: ولم يكن له عليها رجعة، وخطبها فأبت أن تزوّجه، ويقال: أتى النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره، فقال: قد مضى فيه القرآن، ولكن إن شئت خطبتها إلى نفسها. قال: لا ترجع إليَّ أبداً.

قال المدائني وابنتها من الزبير: زينب»(1).

هذا بعض حديث المصاهرة ممّا يتعلق بالزبير وسيأتي تمامه في عبد الرحمن بن عوف وعمرو بن العاص.

وإذ عرفنا انّ الزبير كان حيناً من الدهر من أصهار عثمان فلا غرابة إذا قرأنا إنّ عثمان قضى له في خصومة له مع رافع بن خديج في مواليه أشترى الزبير أباهم ثمّ أعتقه ليخرج أبناءه من مال رافع ويجعلهم في ماله، فاختصم إلى عثمان فقضى له بولائهم(2).

ولا غرابة أيضاً لو قرأنا أن عثمان نفحه أيام خلافته بستمائة ألف فنزل على أخواله بني كاهل فقال: أيّ المال أجود؟ فقالوا: مال اصبهان قال: أعطوني من مال أصبهان(3). فلا غرابة في ذلك فقد كان عثمان سخياً مع أقربائه وأنسبائه، كما لا غرابة في تصديقه له ولصهره الآخر عبد الرحمن بن عوف في زعمه أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا.

____________

(1) نوادر المخطوطات. كتاب المردفات من قريش للمدائني 1/61 تح ـ عبد السلام هارون ط مصر سنة 1370 الأُولى.

(2) المصنف لعبد الرزاق 9/41.

(3) طبقات ابن سعد 3ق1/75 ط أفست ليدن.


الصفحة 223
وقد اشترى الزبير نصيب آل عمر فقال عثمان: عبد الرحمن بن عوف جائز الشهادة له وعليه(1).

ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء: «انّ الزبير قدم الكوفة وعليها سعيد بن العاص فبعث إلى الزبير سبعمائة ألف فقبلها، ولكن سرعان ما انقلبت الأحوال حتى آلت إلى شر مآل»(2).

فقد روى البلاذري في أنساب الأشراف عن ابن عباس قال: «تدارأ(3) عثمان والزبير في شيء، فقال الزبير: أنا ابن صفية.

فقال عثمان: هي أدنتك من الظل ولولا هي كنت ضاحياً»(4).

وروى أيضاً أنّ عثمان نازع الزبير فقال الزبير: «إن شئت تقاذفنا. فقال عثمان: بماذا؟ بالبعر يا أبا عبد الله.

قال: لا والله ولكن بطبع خبّاب وريش المقعد.

قال: وكان خبّاب يطبع السيوف، وكان المقعد يريش السهام»(5).

وروى أيضاً: «انّ الزبير جاء إلى عثمان فقال له: أنّ في مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جماعة يمنعون من ظلمك ويأخذونك بالحقّ، فاخرج فخاصم القوم إلى أزواج النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فخرج معه، فوثب الناس عليه بالسلاح.

فقال: يا زبير ما أرى أحداً يأخذ بحقّ ولا يمنع من ظلم. ودخل ومضى الزبير إلى منزله»(6).

____________

(1) الرياض النضرة للطبري 2/285 نقلاً عن أحمد.

(2) سير أعلام النبلاء 4/519 ط دار الفكر.

(3) تدارأ القوم تدارأوا تدافعوا في الخصومة واختلفوا (قطر المحيط ـ درأ).

(4) أنساب الأشراف 1ق4/488 تح ـ إحسان عباس.

(5) نفس المصدر /499.

(6) نفس المصدر /567.


الصفحة 224
وكانت للزبير مواقف في خذلان عثمان وتأليب الناس عليه لعل من آخرها وأقساها قوله يوم الدار للثوار: «اقتلوه فقد بدّل دينكم. فقالوا: إن ابنك يحامي عنه بالباب. فقال: ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدئ بابني، إنّ عثمان لجيفة على الصراط غداً»(1).

ثالثاً ـ طلحة بن عبيد الله:

1- روى البلاذري عن موسى بن طلحة قال: «أعطى عثمان طلحة في خلافته مائتي ألف دينار»(2).

2- وعن موسى بن طلحة أيضاً قال: «كان لعثمان على طلحة خمسون ألفاً، فخرج عثمان يوماً إلى المسجد فقال له طلحة قد تهيأ مالك فاقبضه قال: هو لك يا أبا محمّد معونة لك على مروءتك»(3)، وفي ذيل هذا عند ابن أبي الحديد نقلاً عن الطبري: «فكان عثمان يقول وهو محصور: جزاء سنمار».

3- روى البلاذري بإسناده قال: «ولم يزل عثمان مكرماً لطلحة حتى حصر فكان طلحة أشد الناس عليه»(4).

4- روى الطبري بسنده عن حكيم بن جابر قال: «قال عليّ لطلحة: أنشدك الله إلاّ رددت الناس عن عثمان، قال: لا والله حتى تعطي بنو أمية الحقّ من أنفسها»(5).

____________

(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/404 ط مصر الأولى.

(2) أنساب الأشراف 1ق4/490 تح ـ إحسان عباس.

(3) تاريخ الطبري 4/405.

(4) أنساب الأشراف 1ق4/506 تح ـ إحسان عباس.

(5) تاريخ الطبري 4/405 ط محققة، ومصنف ابن أبي شيبة 15/210 ط باكستان.