وكتب في أسفل الكتاب:
عليك سلام الله قيس بن عامر | ورحمته ما شاء أن يترحّما |
تحية من أهدى السلام لأهله | إذا شطّ داراً عن مزارك سلّما |
فما كان قيس هلكه هلك واحدٍ | ولكنه بنيان قومٍ تهـدّمـا(3) |
وكتب إلى الوليد بن عُقبة: يا بن عُقبة كن الجيش، وطيب العيش أطيب من سفع سموم الجوزاء عند اعتدال الشمس في أفقها، ان عثمان أخاك أصبح بعيداً منك، فاطلب لنفسك ظِلاًّ تستكنّ به، إني أراك على التراب رَقودا، وكيف بالرقاد بك؟ لا رقاد لك، فلو قد أستتبّ هذا الأمر لمريده ألفيت كشريد النعام، يفزع من ظلّ الطائر، وعن قليل تشرب الرنَق، وتستشعر الخوف، أراك فسيحَ الصدر، مسترخيَ اللبَبَ، رخوَ الحِزام، قليل الأكتراث، وعن قليل يُجتثّ أصلَك، والسلام.
____________
(1) وندب السوط أثره في البدن.
(2) الهناء القطران يطلى به البعير، والنقب هو أوّل الجَرب.
(3) الأبيات لعبدة بن الطيّب يرثي قيس بن عاصم المنقري ـ الشعر والشعراء /707.
أخترتَ نومك إن هبت شآمية | عند الهجير وشرباً بالعشيّات |
على طلابك ثأراً من بني حَكَمٍ | هيهاتَ من راقد طلاّب ثارات |
وكتب إلى يعلى بن أميّة:
حاطك الله بكلاءته، وأيّدك بتوفيقه، كتبت إليك صبيحة ورد عليّ كتاب مروان بخبر قتل أمير المؤمنين، وشرح الحال فيه، وإنّ أمير المؤمنين طال به العُمر حتى نقصت قواه، وثقلت نهضتُه، وظهرت الرعشة في أعضائه، فلمّا رأى ذلك أقوام لم يكونوا عنده موضعاً للإمامة والأمانة وتقليد الولاية، وثبوا به، والّبوا عليه، فكان أعظم ما نقموا عليه وعابوه به، ولايتك اليمن وطولِ مدّتك عليها، ثمّ ترامى بهم الأمر حالاً بعد حال، حتى ذبحوه ذبح النطيحة(1) مبادَرا بها الفوت، وهو مع ذلك صائم معانقٌ المصحف، يتلو كتاب الله، فيه عظُمت مصيبة الإسلام، بصهر الرسول، والإمام المقتول، على غير جُرم سفكوا دمه، وانتهكوا حرمته، وأنت تعلم أن بيعته في أعناقنا، وطلب ثاره لازم لنا، فلا خير في دنيا تعدل بنا عن الحقّ، ولا في أمرة توردُنا النار، وان الله جل ثناؤه لا يرضى بالتحذير في دينه، فشمّر لدخول العراق.
فأمّا الشام فقد كفيتُك أهلَها، وأحكمتُ أمرَها، وقد كتبتُ إلى طلحة بن عبيد الله أن يلقاك بمكة حتى يجتمع رأيكما على إظهار الدعوة، والطلب بدم عثمان أمير المؤمنين المظلوم، وكتبت إلى عبد الله بن عامر يمهّد لكم العراق، ويسهّل لكم حزونة عِقابها(2).
____________
(1) النطيحة: الشاة المنطوحة.
(2) العِقاب: بالكسر جمع عقبة المرقى الصعب من الجبال.
ظلّ الخليفة محصوراً يناشدهم | بالله طَورا وبالقرآن أحيانا |
وقد تألّف أقوامٌ على حَنقَ | عن غير جُرم وقالوا فيه بهتانا |
فقام يذكرهم وعد الرسول له | وقوله فيه إسراراً وإعلانا |
فقال كفّوا فإني معتبٌ لكمُ | وصارفٌ عنكم يَعلى ومرونا |
فكذّبوا ذاك منه ثم ساوَره | من حاص لَبّته ظلماً وعدوانا(1) |
قال: فكتب إليه مروان جواباً عن كتابه:
أمّا بعد: فقد وصل كتابك، فنعم كتاب زعيم العشيرة، وحامي الذمار، وأخبرك أن القوم على سنَنَ استقامة إلاّ شظايا شعب، شتّتَ بينهم مقولي على غير مجابهة، حسب ما تقدّم من أمرك، وإنّما كان ذلك رسيس(2) العصاة، ورمي أخدر من أغصان الدوحة، ولقد طويت أديمهم على نغل يحلم(3) منه الجلد، كذبت نفس الظان بنا ترك المظلمة وحبّ الهجوع، إلاّ تهويمة الراكب العجل، حتى تُجذ جماجم وجماجم جذّ العراجين المهدّلة حين إيناعها، وأنا على صحة نيتي وقوة عزيمتي وتحريك الرَحمِ لي، وغليان الدم مني غيرُ سابقك بقول، ولا متقدّمك بفعل، وانت ابن حرب، طلاّب الترات، وآبى الضيم.
____________
(1) حاص لبّته: حام حولها، واللبّة موضع القلادة من الصدر.
(2) الرسيس: الشيء الثابت يريد ان ذلك دأبهم وعادتهم.
(3) الحَلَم: دودة تقع في الجلد فتأكله.
وكتب في أسفل الكتاب:
أيقتل عثمانٌ وترقأ دموعُنا | ونرقد هذا الليل لا نتفزّع |
ونشرب برد الماء ريّاً وقد مضى | على ظمأ يتلو القُرانَ ويركع |
فإني ومَن حجّ الملّبونّ بيته | وطافوا به سعياً وذو العرش يسمع |
سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذّة | من العيش حتى لا يُرى فيه مطمع |
وأقتل بالمظلوم من كان ظالماً | وذلك حكمُ الله ما عنه مدفع |
وكتب إليه عبد الله بن عامر: أمّا بعد، فان أمير المؤمنين كان لنا الجناح الحاضنة تأوي اليها فراخُها تحتها، فلمّا أقصده(1) السهم صرنا كالنعام الشارد، ولقد كنت مشترك الفكر، ضالّ الفهم، التمس دريئة استجنّ بها من خطأ الحوادث، حتى وقع اليّ كتابك، فانتبهت من غفلة طال فيها رقادي، فأنا كواجد المحجّة، كان إلى جانبها حائراً، وكأني أعاينُ ما وصفتَ من تصرّف الأحوال.
والّذي أخبرك به أن الناس في هذا الأمر تسعة لك وواحد عليك، ووالله للموتُ في طلب العزّ أحسن من الحياة في الذلّة، وأنت ابن حرب فتى الحروب، ونُضار(2) بني عبد شمس، والهمم بك منوطة، وأنت منهضها، (فإذا نهضت فليس حين قعود) وأنا اليوم على خلاف ما كانت عليه عزيمتي من طلب العافية، وحبّ
____________
(1) أقصده السهم: أصابه.
(2) النُضار: الخالص من كلّ شيء.
وكتب في أسفل الكتاب:
لا خير في العيش في ذلٍّ ومنقصة | والموتُ أحسنُ من ضيمٍ ومن عار |
انا بنو عبد شمس معشرٌ أُنُفٌ | غرٌّ جحاجحةٌ طُلاّب أو تار |
والله لو كانَ ذميّا مجاوُرَنا | ليطلب العز لم نقعد عن الجار |
فكيف عثمان لم يدفن بمزبلة | على القمامة مطروحاً بها عار |
فازحف إلي فإني زاحفٌ لهم | بكل أبيض ماضي الحدّ بتّار |
وكتب إليه الوليد بن عُقبة: أمّا بعد، فإنك أسدّ قريش عقلا، وأحسنهم فهماً، وأصوبهم رأياً معك حسن السياسة، وأنت موضع الرياسة، توردُ بمعرفة، وتُصدِر عن منهل روّي، مناوئك كالمنقلب عن العيّوق(1) يهوي به عاصف الشمال إلى لجّة البحر.
كتبتَ إليّ تذكر طيب الخيش ولين العيش، فملأ بطني عليّ حرام إلاّ مسكة الرمق حتى أفري أوداج قتلة عثمان فري الأهب(2) بشفاة الشفار، وأمّا اللين فهيهات إلاّ خيفة المرتقب يرتقب غفلة الطالب إنا على مداجاة، ولما تبدُ صفحاتنا بعدُ، وليس دون الدم بالدم مزحل(3) إنّ العار منقصة، والضعف ذلّ، إن يخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا، ويسقَون بَرد المعين، ولمّا يمتطوا الخوف،
____________
(1) نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن، يتلو الثريا لا يتقدّمها.
(2) الأهب جمع إهاب وهو الجلد ما لم يدبغ، وشفاة الشفار: حد السيف.
(3) يقال: (إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل) أي مُنقدح.
وكتب في أسفل الكتاب:
نومي عليّ محرّم إن لم أقم | بدم ابن أمي من بني العلاّت |
قامت عليّ إذا قعدتُ ولم أقم | بطلاب ذاك مناحة الأموات |
عذْبت حياض الموت عندي | بعد ما كانت كريهة مورد النّهلات |
وكتب إليه يعلى بن أمية: إنا وأنتم يا بني أمية كالحجر لا يبنى بغير مدَر، وكالسيف لا يقطع إلاّ بضاربه، وصل كتابك بخبر القوم وحالهم، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بُودر بها الموت لينحرنّ ذابحُه نحر البَدنَة وافى بها الهدي الأجل، ثكلتني مَن انا ابنها إن نمت عن طلب وتر عثمان، أو يقال: لم يبق فيه رمق، إني أرى العيش بعد قتل عثمان مرّا، إن أدلج القوم فإني مدلج، وأمّا قصدهم ما حوته يدي من المال، فالمال أيسر مفقود إن دفعوا إلينا قتلة عثمان، وإن أبوا ذلك أنفقنا المال على قتالهم، وان لنا ولهم لمعركة نتناحر فيها نحر القُدار النقائع(1) عن قليل تصل لحومها.
وكتب في أسفل الكتاب:
____________
(1) القدار: الجزّار، والنقائع جمع نقيعة وهي ما نحر من إبل النهب.
لمثل هذا اليوم أوصى الناس | لا نُعط ضيماً أو يخرّ الرأسُ |
قال: فكل هؤلاء كتبوا إلى معاوية يُحرّضونه ويُغرونه ويحرّكونه ويهيّجونه، إلاّ سعيد بن العاص فانه كتب بخلاف ما كتب به هؤلاء، كان كتابه:
أمّا بعد، فإنّ الحزم في التثبّت، والخطأ في العجلة، والشؤم في البدار، والسهمُ سهمك ما لم ينبض به الوتر، ولن يردّ الحالبُ في الضرع اللبنَ، ذكرتَ حق أمير المؤمنين علينا وقرابتنا منه، وانه قتل فينا، فخصلتان ذكرهما نقص والثالثة تكذّب، وأمرتنا بطلب دم عثمان، فأي جهة تسلك فيها أبا عبد الرحمن، رُدِمت الفجاج، وأحكم الأمرُ عليك وولي زمامَه غيرُك، فدع مناواة من لو كان افترش فراشه صدر الأمر لم يُعدل به غيرُه. وقلت: كأنا عن قليل لا نتعارَف، فهل نحن إلاّ حيّ من قريش، إن لم تنلنا الولاية لم يضق عنا الحقّ، إنها خلافة مُنافية، وبالله أقسم قسماً مبروراً، لئن صحّت عزيمتك على ما ورد به كتابك، لألفينّك بين الحالين، طليحاً(1) وهبني أخالُك بعد خوض الدماء تنال الظفر، هل في ذلك عوض عن ركوب المأثم ونقص الدين.
أمّا أنا فلا على بني أمية ولا لهم، اجعل الحزم داري، والبيت سجني، وأتوسّد الإسلام واستشعر العافية، فاعدل ابا عبد الرحمن زمامَ راحلتك إلى محجة الحقّ، واستوهب العافية لأهلك، واستعطف الناس على قومك، وهيهات من قبولك ما أقول، حتى يفجّر مروان ينابيع الفتن، تاجّج في البلاد، وكأني بكما عند ملاقاة الأبطال تعتذران بالقَدر، ولبئس العاقبة الندامة، وعمّا قليل يضح لك الأمر والسلام.
____________
(1) الطليح: حيوان القُراد، وزيدٌ بعيره أتعبه كأطلحه وطلّحه فيهما وهو طَلحٌ وطِلحٌ وطليح.
أقول: لقد تبيّن من تلك الرسائل المتبادلة الضمائر الحاقدة الّتي استفزّها مجيء الإمام للحكم فتعاوت لقص جناحِها، وتعاورت بسموم رياحها، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب. {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(2).
قال طه حسين في كتابه: «وكذلك استقبل عليّ خلافة المسلمين بما لم يستقبلها أحد من الذين سبقوه... ثمّ هو لم يطلب إلى الناس أن يبايعوه على ما كان يرى لنفسه من حق في الخلافة، وإنما استكرهه الناس على البيعة استكراهاً، استكرهه الثائرون بعثمان ليأمنوا بعض عواقب ثورتهم، واستكرهه المهاجرون والأنصار ليقيموا للناس إماماً ينفّذ فيهم أمر الله... ولم يكن يستطيع أن يبقى في المدينة منتظراً حتى يغزوه فيها معاوية وأهل الشام، ولا أن يبقى في المدينة منتظراً حتى يبلغ طلحة والزبير العراق فيجتازا ما وراءه من الثغور وفيها من الفيء والخراج، ثمّ يكرّان عليه بعد ذلك ليغزواه في المدينة، لم يكن له بُدّ إذا من أن يستعد للخروج إلى الشام حين أبى معاوية عليه البيعة، وحجته على معاوية ظاهرة، فقد بايعته الكثرة الكثيرة من المسلمين في الحجاز والأقاليم وأصبحت طاعته لازمة.
وكان الحقّ على معاوية لو أنصف وأخلص نفسه للحق أن يبايع كما بايع الناس ثمّ يأتي إلى عليّ مع غيره من أولياء عثمان فيطالبون بالإقادة ممّن قتله.
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 2/579 ط الاُولى بمصر.
(2) سورة الصف /8.
ولم تكن حجة عليّ على طلحة والزبير وعائشة أقلّ ظهوراً من حجته على معاوية، فقد بايع طلحةُ والزبيرُ وكان الحقّ عليهما أن يَفيا بالعهد ويُخلصا للبيعة الّتي أعطياها، فإن كرها الإذعان لعليّ أو معونته على بعض ما كان يريد، فقد كانا يستطيعان أن يعتزلا كما اعتزل سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد ومحمّد بن مسلمة وغيرهم... فلا ينصبا حرباً، ولا يدفعا الناس إليها، ولا يفرّقا المسلمين على هذا النحو المنكر الّذي ستراه.
وأمّا عائشة فقد أمرها الله فيمن أمر من نساء النبيّ أن تقرّ في بيتها. وكان عليها أن تفعل أيام عليّ كما كانت تفعل أيام الخلفاء من قبله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر دون أن تخالف عما أُمرت به من القرار في بيتها لتذكر ما كان يتلى عليها من آيات الله والحكمة ولتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة كما فعل غيرها من أمهات المؤمنين.
ولو قد أبت أن تبايع عليّاً أو تؤمن له بالخلافة لما وجدت منه شيئاً تكرهه فهي أم المؤمنين... وكان من الطبيعي أن تلقى من عليّ مثل ما لقي المعتزلون على أقل تقدير. وآية ذلك أنها لم تلق منه بعد يوم الجمل إلاّ الكرامة والإكبار.
وقد يقال: إنّ القوم لم يكونوا يغضبون لعثمان فحسب، وإنّما كانوا يريدون أن يختار الخليفة عن مشورة بين المسلمين، وكانوا يكرهون أن يفرض الثائرون بعثمان عليهم إماماً بعينه، ولكن أبا بكر لم يبايع بالخلافة عن مشورة المسلمين وإنّما كانت بيعته فلتة، وقى الله المسلمين شرّها كما قال عمر، كما أنّ عمر نفسه
وقال العلائلي في كتابه تاريخ الحسين: «حملت عائشة راية الثورة من جديد، كما حملت راية الأستفزاز على عثمان، والتاريخ لا يحدثنا لماذا خرجت على عليّ (عليه السلام) ولم تر بعدُ من سياسته شيئاً ما، ودعوى أنّها خرجت طلباً بدم عثمان توهيم، لأنها لم تكن جاهلة بالشريعة الّتي تقضي.
(أ) بترك الأمر إلى الحاكم المركزي، فإن لم يكن فلوليّ القتيل، وليست من أوليائه.
(ب) بأخذ المباشر دون المسبّب. إذن فلم تخرج عائشة طلباً بدم عثمان، بل لشيء آخر، وهو ما لم يذكره التاريخ بصراحة»(2).
وأكد في الحلقة الأولى من كتابه (سمو المعنى في سمو الذات) على أنّ إقامة الحدود من شأن السلطات لا الأفراد ولا الجماعات، وإلا جرّ ذلك إلى
____________
(1) عليّ وبنوه /33 ـ 35.
(2) تاريخ الحسين /267 ط العرفان.
فكان الّذي يؤخذ من الناس، قتلة عثمان الذين باشروا القتل بالنفس وهم ثلاثة فقط، لا أن يؤخذ بدمه أهل المدينة والكوفة والبصرة ومصر، وبعبارة أخرى الأمة بأسرها، ومن ثَم تظهر مغالطة الذين نادوا بدم عثمان وطالبوا به. وليست الشريعة جاهلية تقوم على الأنتقام والثأر... اهـ»(1).
أقول: ومن السذاجة أن نوافق على جميع ما مرّ في كلام طه حسين وجميع ما مرّ في كلام العلائلي ففي كلام كلّ منهما بعض فجوات لا تخفى على الناقد البصير. ومع ذلك فقد أتينا بهما كشاهدين غير متهمين على رموز الناكثين والقاسطين المطالبين بدم عثمان من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).
ونضيف إليهما أيضاً أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه (دول العرب وعظماء الإسلام) فقد خاطب الإمام بقوله:
يا جبلاً تأبى الجبال ما حمل | ماذا رمت عليك ربّة الجمل |
أثأر عثمان الذي شجاها | أم غصةٌ لمْ ينتزع شجاها |
قضية من دمه تبنيها | هبّت لها واستنفرت بنيها |
ذلك فتق لم يكن بالبال | كيد النساء موهن الجبال |
وإنّ أم المؤمنين لامرأة | وإن تك الطاهرة المبرأة |
أخرجها من كنّها وسنّها | مالم يُزل طول المدى من ضغنها |
وشرّ من عداك مَن تقيه | وملتقي السلاح تلتقيه(2) |
____________
(1) سمو المعنى في سمو الذات /55 ط العرفان.
(2) دول العرب وعظماء الإسلام /54 ط مصر 1933.
ذكر الثعالبي في كتابه ثمار القلوب في المضاف والمنسوب: «وكان يقال: لو كان أبناء أبي بكر كبناته لعزّ على عمر نيل الخلافة، لأن عائشة صاحبة يوم الجمل، وأسماء هي الّتي حضت ابنها عبد الله بن الزبير على صدق القتال والجد في المكافحة والتحصن بالكعبة...»(1).
نـُذُر الشر في بوادر الخلاف:
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه (دول العرب وعظماء الإسلام) مخاطباً الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):
ما لك والناسَ أبا تراب | ليس الذئابُ لك بالأتراب |
هم طّردوا الكليم كلّ مطردِ | وأتعبوا عصاه بالتمرّد |
وزُيّن العجل لهم لما ذهب | وافتتنوا بالسامريّ والذهب |
وبابن مريم وشوا ونمّوا | واحتشدوا لصَلبه وهمّوا |
وأخرجوا محمداً من أرضه | وسرّحت ألسنهم في عِرضه(2) |
ليتني أدري هل كان شوقي حسّان زمانه، فنطق روح القدس على لسانه، فشبّه الذين ناصبوا الإمام بالعدا، ونازعوه الحكم بـ(الذئاب)؟ فكانت التسمية
____________
(1) ثمار القلوب في المضاف والمنسوب /294 تح ـ محمّد أبو الفضل إبراهيم ط دار نهضة مصر للطبع والنشر سنة 1384هـ.
(2) دول العرب وعظماء الإسلام /58.