فمن القرن الثالث:
1- كتاب الجمل للواقدي المتوفى سنة 207هـ وهذا بتوسط الشافي للمرتضى.
2- أخبار الدولة العباسية، مجهول المؤلف من القرن الثالث يميل المحققان له أنّه لابن النطّاح المتوفى سنة 252هـ(1).
3- تاريخ اليعقوبي المتوفى سنة 292هـ.
4- كتاب الفتن لنعيم بن حماد المتوفى سنة 229هـ.
ومن القرن الرابع:
1- تاريخ الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى سنة 314هـ.
2- العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي المتوفى سنة 328هـ.
3- البدء والتاريخ لأبي زيد البلخي المتوفى سنة 343هـ(2).
4- مروج الذهب للمسعودي المتوفى سنة 346هـ.
5- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي المتوفى سنة 363هـ.
____________
(1) أخبار الدولة العباسية /15 المقدمة ط دار الطليعة بيروت.
(2) قال كاتب جلبي في كشف الظنون: وهو كتاب مفيد مهذب عن خرافات العجائز وتزاوير القصاص لأنه تتبع فيه صحاح الأسانيد... أقول: وقد طبع في باريس سنة 1916 ميلادية بعناية كليمان هوار، وكتب في صفحة العنوان المنسوب إلى أبي زيد أحمد بن سهل البلخي وهو لمطهر بن طاهر المقدسي.
ومن القرن الخامس:
1- الشافي للشريف المرتضى المتوفى سنة 436هـ.
2- تلخيص الشافي للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460هـ.
3- اختيار الرجال له أيضاً.
ومن القرن السادس:
1- مصباح الأنوار للشيخ هاشم بن محمّد المتوفى بعد سنة 552هـ.
ومن القرن السابع:
1- الجوهرة في نسب النبيّ وأصحابه العشرة لمحمّد بن أبي بكر بن عبد الله بن موسى الأنصاري التلمساني المشهور بالبرّيّ.
2- الحدائق الوردية لحميد بن أحمد المحلي الشهيد المتوفى سنة 652هـ.
3- تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654هـ.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي الحنفي المتوفى سنة 655هـ.
ومن القرن الثامن: ..........
ومن القرن التاسع:
1- شرح صحيح مسلم للأبي المالكي المتوفى سنة 827هـ.
ومن القرن العاشر: ..........
ومن القرن الحادي عشر: ..........
1- سمط النجوم العوالي للعصامي المكي المتوفى سنة 1111هـ.
2- بحار الأنوار للشيخ المجلسي المتوفى سنة 1111هـ.
3- الدرجات الرفيعة للسيد عليّ خان المدني الشيرازي المتوفى سنة 1120هـ.
ومن القرن الثالث عشر:
1- شعب المقال لأبي القاسم النراقي المتوفى سنة 1319هـ.
2- أعيان الشيعة ج3 ق2 للسيد الأمين.
3- أحاديث أم المؤمنين عائشة للسيد مرتضى العسكري من المعاصرين.
4- عائشة والسياسة لسعيد الأفغاني من المعاصرين.
ولمّا كانت مصادر القرون المتأخرة مصادر ثانوية، خصوصاً القرون 10، 11، 12، 13، 14 فإنّها تستقي معلوماتها من المصادر الأولى لتصريح أربابها بذلك، إذن لا حاجة بنا إلى الرجوع إليها. إلاّ إذا دعت الحاجة إلى تصحيح المعلومة فيها، كما سيأتي منا في محاسبة سعيد الأفغاني على ذلك.
أمّا مصادر القرون الأولى من الثالث وحتى التاسع فبعضها يروي المحاورة بسند متصل وقد يختلف عن سند الآخرين، كما أنّ رواية المحاورة تتفاوت قليلاً أو كثيراً، وذلك مسؤولية الرواة ولا ضير، وبمقارنة بين النصوص المتشابهة يجعلنا أكثر إطمئناناً بما ورد في خصوص مصادر القرنين الثالث والرابع.
وسوف نأتي بنص المحاورة نقلاً منها على اختلاف روايتها في القرون الأولى، ومنها:
نص المحاورة في مصادر القرن الثالث:
1- قال السيد المرتضى: «فإنّ الواقدي روى بإسناده عن شعبة عن ابن عباس قال: أرسلني عليّ (عليه السلام) إلى عائشة بعد الهزيمة وهي في دار الخزاعيين يأمرها أن ترجع إلى بلادها. قال: فجئتها فوقفت على بابها ساعة لا تأذن لي، ثمّ أذنت، فدخلت ولم يوضع لي وسادة ولا شيء أجلس عليه، فالتفت فإذا وسادة في ناحية البيت على متاع فتناولتها ووضعتها ثمّ جلست عليها. فقالت عائشة: يا بن عباس أخطأت السنّة تجلس على متاعنا بغير إذننا، فقلت لها: ليست بوسادتك، تركتِِ متاعك في بيتك الّذي لم يجعل الله لكِ بيتاً غيره. فقالت: والله ما أحب أنّي أصبحت في منزل غيره.
قلت: أمّا حين اخترتِ لنفسكِ فقد كان الّذي رأيتِ.
فقالت: أيّها الرجل أنت رسول فهلمّ ما قيل لك؟
قال: فقلت إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يأمرك أن ترحلي إلى منزلكِ وبلدكِ.
فقالت: ذاك أمير المؤمنين عمر.
قال ابن عباس: فقلت: أمير المؤمنين عمر والله يرحمه وهذا والله أمير المؤمنين.
فقالت: أبيتُ ذلك.
فقلت: أما والله ما كان إلاّ فواق ناقة غير غزير حتى ما تأمرين ولا تنهين كما قال الشاعر الأسدي:
ما زال إهداء القصائد بيننا | شتم الصديق وكثرة الألقاب |
حتى تركتِ كأنّ أمركِ فيهم | في كل ناحية طنينُ ذباب(1) |
قال ابن عباس: فوالله يعلم لبكت حتى سمعت نشيجها. فقالت: أفعل، ما بلد أبغض إليَّ من بلد لصاحبك مملكة فيه، وبلد قتل فيه أبو محمّد وأبو سليمان - تعني طلحة بن عبيد الله وابنه -.
فقلت: أنتِ والله قتلتهما. قالت: وأجلهما إلى سباق.
قلت: لا ولكنكِ لما شجّعوكِ على الخروج خرجتِ، فلو أقمتِ ما خرجا.
قال: فبكت مرة أخرى أشد من بكائها الأوّل. ثمّ قالت: والله لئن لم يغفر الله لنا لنهلكن، نخرج لعمري من بلدك، فأبغض بها والله بلداً إليَّ وبمن فيها.
فقلت: والله ما هذا جزاؤنا وما هي بأيدينا عندك ولا عند أبيك، لقد جعلنا أباكِ صدّيقاً وجعلناكِ للناس أمّاً.
فقالت: أتمنّون عليَّ برسول الله.
قلت: إي والله لأمنّن بهِ عليكِ والله لو كان لكِ لمننتِ به.
قال ابن عباس: فقمت وتركتها، فجئت عليّاً (عليه السلام) فأخبرته خبرها وما قلت لها.
فقال (عليه السلام): {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(2)»(3).
____________
(1) ما أستشهد به الحبر ابن عباس من أبيات للحضرمي بن عامر الأسدي وقد ذكرها ابن دريد في المجتنى /104 بتفاوت يسير، وأولها:
ما زال إهداءالضغائن بيننا | شتم الصديق وكثرة الألقاب |
حتى تركت كأن أمرك فيهم | في كلّ مجمعة طنين ذباب |
أهلكت جندك من صديق فالتمس | جنداً تعيش به من الأوغاب |
... الخ.
(2) آل عمران /34.
(3) الشافي /292 ط حجرية.
2- أخبار الدولة العباسية قال: «لمّا فرغ عليّ رحمة الله عليه ورضوانه من قتال أهل البصرة، بعث ابن عباس إلى عائشة (رضي الله عنها) وهي في ذكر شيء (والصواب في دار بني خلف) خلف الستر، فأتاها ابن عباس فاستأذن في الدخول فلم تأذن له، فدخل من غير إذن، فلم تطرح له شيئاً يقعد عليه، فأخذ وسادة فجلس عليها.
فقالت: أخطأت السنّة يا بن عباس، دخلتَ علينا من غير إذن، وجلستَ على مقرمتنا من غير أمرنا.
فقال: ما أنتِ والسنّة، نحن علّمناكِ وأباكِ السنّة، ونحن أولى بها منكِ، والله ما هو بيتكِ، وإنّما بيتكِ الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فخرجتِ منه ظالمة لنفسكِ، فأوردتِ من بنيكِ ممّن أطاعكِ موارد الهلكة، ولو كنتِ في بيتكِ الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لم ندخله إلاّ بإذنكِ، إن أمير المؤمنين يأمرك بتعجيل الرحلة إلى المدينة وقلّة العرجة.
قالت: أردت عمر بن الخطاب؟ قال: عليّ والله أمير المؤمنين وإن تربّدت فيه وجوه، وأرغمت فيه أنوف (معاطس) والله إن كان إباؤك لعظيم الشؤم، ظاهر النكد، وما كان مقدار طاعتك إلاّ مقدار حلب شاة، حتى صرتِ تأمرين فلا تطاعين، وتدعين فلا تجابين، وما مثلكِ إلاّ كما قال أخو بني أسد:
ما زال يهدي والهواجر بيننا | شتم الصديق وكثرة الألقاب |
حتى تركتِ كأنّ صوتك فيهم | في كل ناحية طنينُ ذباب |
فانتحبت حتى سُمع حنينها من وراء الستر، ثمّ قالت: والله ما في الأرض بلدة أبغض إليَّ من بلدة أنتم بها معاشر بني هاشم.
قالت: أتمنّون عليَّ برسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم؟
قال: إي والله أمّن عليكِ بمن لو كان فيكِ قلامةٌ منه مننتِ به على الخلق، وإنما نحن دمه ولحمه، وأنتِ حشية من تسع حشايا خلّفهنّ رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، والله ما أنتِ بأطولهنّ طولاً، ولا أنضرهنّ عوداً.
فانصرف ابن عباس وأخبر عليّاً بالّذي جرى. فقال: أنا كنت سديد الرأي حيث أرسلتك إليها»(3).
____________
(1) كان منادي عبد الله بن جدعان على مائدته وأجرته أربعة دوانيق ـ المنمق لمحمّد بن حبيب /465، وإرشاد القلوب بتوسط سفينة البحار (قحف).
(2) اختلف مترجموها مع الصحابة في نسبها وفي أسمها وفي وفاتها، وربّما هناك علة أخرى أغفلوها إكراماً لابنتها، وإلا فلا معنى لتعبير ابن عباس لها بأمها فيقول لها: وأنت بنت أم رومان. وأكد ذلك تعيير محمّد بن الحنفية لعبد الله بن الزبير بها في المسجد الحرام على رؤوس الأشهاد فلم يردّ عليه. فقد روى اليعقوبي في تاريخه 3/8 ط النجف، والمسعودي في مروج الذهب 3/80 ط دار الأندلس واللفظ له: قال: خطب ابن الزبير فنال من عليّ: فبلغ ذلك ابنه محمّد بن الحنفية فجاء حتى وضع له كرسي قدّامه فعلاه وقال: يا معشر قريش شاهت الوجوه أينتقص عليّ وأنتم حضور؟ ان عليّاً كان سهماً صادقاً (صارماً) احد مرامي الله على أعدائه يقتلهم لكفرهم... فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن الحنفية؟ فقال محمّد: يا بن ام رومان وما لي لا أتكلم...الخ. وقبل هذين العلمين - ابن عباس ومحمّد بن الحنفية - كان تعيير أبيها لها كما في مسند أحمد 4/271 - 272 فقد روى النعمان بن بشير قال جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأذن له فدخل فقال يا ابنة أم رومان وتناولها...
فأم رومان التي عيّروا عائشة بها هي غير التي في رواية جابر عند الدارقطني والبيهقي وغيرهما، ان امرأة ارتدت عن الإسلام يقال لها (أم رومان) فبلغ أمرها إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فأمر أن تستتاب فإن تابت وإلاّ قتلت كما في المجموع للنووي 19/226 ط دار الفكر، والاقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع 2/206، ونيل الأوطار 8/3 ومصادر أخرى.
(3) أخبار الدولة العباسية /125 تح ـ د عبد العزيز الدوري ود عبد الجبار المطلبي ط دار الطليعة بيروت.
وجرى بينهما كلام موضعه في غير هذا من الكتاب(؟)»(1).
4- كتاب الفتن لنعيم بن حماد عن ابن عباس قال: «دخلت على عائشة فقلت: السلام عليك يا أمهُ قالت: وعليك يا بُني قال: قلت لها: ما أخرجك علينا مع منافقي قريش؟ قالت: كان ذلك قدراً مقدوراً»(2).
نص المحاورة في مصادر القرن الرابع:
1- كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي المتوفى نحو سنة 314 هـ (ذكر ما جرى من الكلام بين عبد الله بن عباس وبين عائشة لمّا أنفذه إليها برسالته عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم».
قال: «ثمّ دعا عليّ (رضي الله عنه) بعبد الله بن عباس فقال له: اذهب إلى عائشة فقل لها أن ترتحل إلى المدينة كما جاءت ولا تقيم بالبصرة، فأقبل إلى عائشة فاستأذن عليها، فأبت أن تأذن له، فدخل عبد الله بغير إذن، ثمّ التفت فإذا راحلة عليها وسائد فأخذ منها وسادة وطرحها ثمّ جلس عليها، فقالت عائشة: يا بن عباس أخطأت السنّة، دخلتَ منزلي بغير إذني.
فقال ابن عباس: لو كنتِ في منزلكِ الّذي خلّفك فيه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم لما دخلت عليك إلاّ بإذنكِ، وذلك المنزل الّذي أمركِ الله (عزّ وجلّ)
____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2/159.
(2) كتاب الفتن لنعيم بن حماد نسخة مصورة عن متحف لندن بمكتبتي (47 من المطبوع بتحقيق سهيل زكار حديثاً).
فقالت عائشة: رحم الله أمير المؤمنين ذاك عمر بن الخطاب.
فقال ابن عباس: وهذا والله أمير المؤمنين وإن رغمت له الأنوف، وأربدّت له الوجوه.
فقالت عائشة: أبيتُ ذلك عليكم يا بن عباس.
فقال ابن عباس: لقد كانت أيّامك قصيرة المدة، ظاهرة الشؤم، بيّنة النكد، وما كنتِ في أيامكِ إلاّ كقدر حلب شاة حتى صرتِ ما تأخذين وما تعطين ولا تأمرين ولا تنهَين وما كنت إلاّ كما قال اخو بني أسد حيث يقول:
ما زال إهداء القصائد بيننا | شتم الصديق وكثرة الألقاب |
حتى تُركتِ كأن قولكِ عندهم | في كل محتفل طنين ذباب |
قال: فبكت عائشة بكاءً شديداً ثمّ قالت: نعم والله أرحل عنكم، فما خلق الله بلداً هو أبغض إليّ من بلد أنتم به يا بني هاشم.
فقال ابن عباس: ولم ذلك؟ فوالله ما هذا بلاؤنا عندك يا بنت أبي بكر.
فقالت عائشة: وما بلاؤكم عندي يا بن عباس؟
قال: بلاؤنا عندكِ إنّا جعلناكِ للمؤمنين أماً وأنتِ بنت أم رومان، وجعلنا أباك صدّيقاً وهو ابن أبي قحافة، وبنا سُمّيت أم المؤمنين لا بتيم وعديّ.
فقالت عائشة: يا بن عباس أتمنّون عليّ برسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم؟
فقالت عائشة: يا بن عباس ما باذل لك عليّ بن أبي طالب؟
فقال ابن عباس: أما والله أقرّ له وهو أحق به مني وأولى، لأنه أخوه وابن عمه، وزوج الطاهرة ابنته وأبو سبطيه، ومدينة علمه، وكشاف الكرب عن وجهه، وأمّا أنتِ فلا والله ما شكرتِ نعماءَنا عليكِ وعلى أبيكِ من قبلكِ.
ثمّ خرج وسار إلى عليّ فأخبره بما جرى بينه وبين عائشة من الكلام.
فدعا عليّ ببغلة رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فاستوى عليها، وأقبل إلى منزل عائشة، ثمّ استأذن ودخل، فإذا عائشة جالسة وحولها نسوة من نساء أهل البصرة وهي تبكي وهنّ يبكين معها، قال: ونظرت صفية بنت الحارث الثقفية امرأة عبد الله بن خلف الخزاعي إلى عليّ، فصاحت هي ومن كان معها هناك من النسوة وقلن بأجمعهنّ: يا قاتل الأحبة، يا مفرّق بين الجمع، أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله بن خلف.
فنظر إليها عليّ فعرفها فقال: أما إنّي لا ألومك أن تبغضيني وقد قتلت جدك في يوم بدر، وقتلت عمك يوم أحد، وقتلت زوجك الآن، ولو كنت قاتل الأحبة كما تقولين لقتلت مَن في هذا البيت ومن في هذه الدار.
قال: فأقبل عليّ على عائشة فقال: ألا تنحين كلابك هؤلاء عني، أما إنني قد هممت أن أفتح باب هذا البيت فأقتل مَن فيه، وباب هذا البيت فأقتل مَن فيه، ولولا حبّي للعافية لأخرجتهم الساعة، فضربت أعناقهم صبراً.
قال: ثمّ أقبل على عائشة فجعل يوبّخها ويقول: أمركِ الله أن تقرّي في بيتك وتحتجبي بستركِ ولا تبرّجي، فعصيته وخضّبت الدماء، تقاتليني ظالمة، وتحرضين عليّ الناس، وبما (وبنا / ظ) شرّفك الله وشرّف أباك من قبلك وسمّاك أم المؤمنين، وضرب عليكِ الحجاب، قومي الآن فارحلي، واختفي في الموضع الّذي خلّفكِ فيه رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلى أن يأتيكِ فيه أجلكِ. ثمّ قام عليّ فخرج من عندها.
قال: فلمّا كان من الغد بعث اليها ابنه الحسن، فجاء الحسن فقال لها: يقول لك أمير المؤمنين: أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لئن لم ترحلي الساعة لأبعثنّ عليك بما تعلمين.
قال: وعائشة في وقتها ذلك قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر، فلمّا قال لها الحسن ما قال وثبت من ساعتها وقالت: رحلوني.
فقالت لها امرأة من المهالبة: يا أم المؤمنين جاءك عبد الله بن عباس فسمعناك وأنت تجاوبينه حتى علا صوتك ثمّ خرج من عندك وهو مغضب، ثمّ جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقكِ وقد كان أبوه جاءكِ فلم نرَ منكِ هذا القلق والجزع؟
فقالت عائشة: إنما أقلقني لأنه ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم، فمن أحب أن ينظر رسول الله صلّى الله عليه (وآله) وسلّم فلينظر إلى هذا الغلام، وبعد فقد بعث إليّ أبوه بما قد علمت ولابدّ من الرحيل.
فقالت لها المرأة: سألتك بالله وبمحمّد صلّى الله عليه (وآله) وسلّم إلاّ أخبرتني بماذا بعث إليكِ عليّ (رضي الله عنه)؟
2- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي المتوفى سنة 328: «عكرمة عن ابن عباس قال: لمّا انقضى أمر الجمل دعا عليّ بن أبي طالب بآجرتين فعلاهما، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: يا أنصار المرأة، وأصحاب البهيمة، رغا فجئتم، وعقر فهُزمتم، نزلتم شرّ بلاد، أبعدها من السماء، بها مغيض كلّ ماء، ولها شر
____________
(1) التحريم /5.
(2) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي 2/334 ـ 338 ط أفست دار الندوة الجديدة عن الطبعة الاُولى بحيدر آباد.
قال ابن أبي الحديد في شرح النهج 4/234: وقد قيل ان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فوّض أمر نسائه بعد موته وجعل إليه أن يقطع عصمة أيّهنّ شاء إذا رأى ذلك، وله من الصّحابة جماعة يشهدون له بذلك فقد كان قادراً على أن يقطع عصمة ام حبيبة ويبيح نكاحها الرجال عقوبة لها ولمعاوية اخيها فانها كانت تبغض عليّاً كما يبغضه أخوها ولو فعل ذلك لانتهش لحمه، وهذا قول الإمامية وقد رووا عن رجالهم انه (عليه السلام) تهدد عائشة بضرب من ذلك. وقارن مناقب ابن شهر اشوب 1/397 ط الحيدرية كلام عائشة في ذلك وقول خطيب خوارزم:
عليّ في النساء له وحي | أمين لـم يمانع بالحجاب |