الصفحة 447
الآخرة من نصيب، باللّسان كبّ أهل النار في النار وباللّسان اُعطي أهل النور النور فاحفظوا ألسنتكم واشغلوها بذكر الله، أخبث الأعمال ما ورت الضلال وخير ما اكتسب أعمال البرّ، إيّاكم وعمل الصور فتُسألوا عنها يوم القيامة، إذا أخذت منك قذاة فقل: أماط الله عنك ما تكره، إذا قال لك أخوك وقد خرجت من الحمّام: طاب حمّامك وحميمك فقل: أنعم الله بالك، إذا قال لك أخوك: حيّاك الله بالسلام فقل: وأنت فحيّاك الله بالسلام وأحلّك دار المقام، لا تَبُل على المحجّة ولا تتغوّط عليها، السؤال بعد المدح فامدحوا الله ثم اسألوا الحوائج، أثنوا على الله عزّ وجلّ وامدحوه قبل طلب الحوائج، يا صاحب الدعاء لا تسأل ما لا يكون ولا يحلّ.

إذا هنّيتم الرجل عن مولود ذكر فقولوا: بارك الله لك في هبته وبلّغه أشدّه ورزقك برّه، إذا قدم أخوك من مكّة فقبّل بين عينيه وفمه الذي قبّل به الحجر الأسود الذي قبّله رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعين التي نظر بها إلى بيت الله عزّ وجلّ وقبّل موضع سجوده ووجهه وإذا هنّيتموه فقولوا: قبل الله نسكك ورحم سعيك وأخلف عليك نفقتك ولا جعله آخر عهدك ببيته الحرام، احذروا السفلة فإنّ السفلة من لا يخاف الله عزّ وجلّ فيهم قتلة الأنبياء وفيهم أعداؤنا، إنّ الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا اُولئك منّا وإلينا.

ما من الشيعة عبد (شيعتنا أحد) يقارف أمراً نهيناه عنه فيموت حتّى يبتلي ببلية تمحّص بها ذنوبه أمّا في مال وأمّا في ولد وأمّا في نفسه حتّى يلقى الله عزّ وجلّ وما له ذنب وإنّه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدّد به عليه عند موته.

الميّت من شيعتنا صدّيق شهيد، صدّق بأمرنا وأحبّ فينا وأبغض فينا يريد بذلك وجه الله عزّ وجلّ مؤمن بالله وبرسوله، قال الله عزّ وجلّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا

الصفحة 448
بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}(1).

افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الاُمّة على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنّة، من أذاع سرّنا أذاقه الله بأس الحديد، اختنوا أولادكم يوم السابع لا يمنعكم حرّ ولا برد فإنّه طهور للجسد وأنّ الأرض لتضجّ إلى الله من بول الأَغلف، السكر أربع سكرات: سكر الشراب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك، إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خدّه الأيمن وانّه لا يدري أينتبه من رقدته أم لا، أحبّ للمؤمن أن يطلي في كلّ خمسة عشر يوماً من النورة، أقلّوا من أكل الحيتان فإنّها تذيب البدن وتكثر البلغم وتغلّظ النفس، حسو اللبن شفاء من كلّ داء إلاّ الموت، كلوا الرّمان بشحمه فإنّه دباغ للمعدة في كلّ حبّة من الرّمان إذا استقرّت في المعدة حياة للقلب وإنارة للنفس وتمرض وسواس الشيطان أربعين ليلة، نعم الإدام الخلّ يكسر المرّة ويحيي القلب، كلوا الهندباء فما من صباح إلاّ وعليه قطرة من قطر الجنّة، اشربوا ماء السماء فإنّه يطهّر البدن ويدفع الأسقام، قال الله تبارك وتعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانَ وَلْيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الاَْقْدَامَ}(2)، ما من داء إلاّ وفي الحبّة السوداء منه شفاء إلاّ السام.

لحوم البقر داء وألبانها دواء وأسمانها شفاء، ما تأكل الحامل من شيء ولا تتداوى به أفضل من الرطب، قال الله عزّ وجلّ لمريم: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تَسَّاقِط عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}(3)، حنّكوا أولادكم بالتمر فهكذا فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين، إذا أراد أحدكم أن يأتي زوجته فلا

____________

1- الحديد: 19.

2- الأنفال: 11.

3- مريم: 25-26.


الصفحة 449
يعجّلها فإنّ للنساء حوائج، إذا رأى أحدكم إمرأة تعجبه فليأت أهله فإنّ عند أهله مثل ما رأى ولا يجعلنّ للشيطان إلى قلبه سبيلا وليصرف بصره عنها فإن لم تكن له زوجة فليصلّ ركعتين ويحمد الله كثيراً ويصلّي على النبي وآله ثمّ ليسأل الله من فضله فإنّه يبيح له برأفته مايغنيه، إذا أتى أحدكم زوجته فليقلّ الكلام فإنّ الكلام عند ذلك يورث الخرس، لا ينظرنّ أحدكم إلى باطن فرج إمرأته لعلّه يرى ما يكره ويورث العمى، إذا أراد أحدكم مجامعة زوجته فليقل: اللّهمّ إنّي استحللت فرجها بأمرك وقبلتها بأمانتك فإن قضيت لي منها ولداً فاجعله ذكراً سويّاً ولا تجعل للشيطان فيه نصيباً ولا شريكاً، ألحُقنة من الأربع التي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ أفضل ما تداويتم به الحقنة وهي تعظم البطن وتنفي داء الجوف وتقوّي البدن، استعطوا بالبنفسج (فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو يعلم الناس ما في البنفسج لحسّوه حسواً)، وعليكم بالحجامة، اذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فليتوقّ أول الأهلة وأنصاف الشهور فإنّ الشيطان يطلب الولد في هذين الوقتين والشياطين يطلبون الشرك فيهما فيجيؤون ويحيلون، توقّوا الحجامة والنورة يوم الأربعاء يوم نحس مستمرّ وفيه خلقت جهنّم، وفي يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيها أحد إلاّ مات(1).


بيـان:

قال المجلسي (رحمه الله) : اعلم أنّ أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء، وإن لم يكن صحيحاً لزعم المتأخّرين، واعتمد عليه الكليني (رحمه الله) وذكر أكثر أجزائه متفرّقة في أبواب الكافي، وكذا غيره من أكابر المحدّثين.

وقال في تحف العقول مرسلا مثله بتغيّر ما، وإنّما اعتمدنا على ما في الخصال; لأنّه كان أصحّ سنداً ونسخةً، وفيه قال صلوات الله عليه: "إذا أراد أحدكم الخلاء فليقل: بسم الله اللّهمّ أمِط عنّي الأذى وأعذني من الشيطان الرجيم،


____________

1- خصال الصدوق، باب علّم أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه أربعمائة باب: 603; تحف العقول، في باب آدابه (عليه السلام) لأصحابه وهي أربعمائة: 66; البحار 10: 89.


الصفحة 450

وليقل إذا جلس: اللّهمّ كما أطعمتنيه طيباً وسوغتنيه فاكفنيه، فإذا نظر بعد فراغه إلى حدثه فليقل: اللّهمّ ارزقني الحلال وجنّبني الحرام، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من عبد إلاّ وقد وكّل الله به ملكاً يلوي عنقه إذا أحدث حتّى ينظر إليه، فعند ذلك ينبغي له أن يسأل الله الحلال، فإنّ الملك يقول: يا ابن آدم هذا ما حرصت عليه اُنظر من أين أخذته وإلى ماذا صار.

وقال أعلى الله مقامه: ورأيت رسالة قديمة قال فيها: حدّثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (رحمه الله) ، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف، قال: حدّثنا أحمدبن أبي الله البرقي، ومحمّد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، وحدّث أيضاً عن أبيه، ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن القاسم بن يحيى بن حسن بن راشد، عن جدّه، عن أبي بصير، ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام قال: حدّثنا أبي، عن جدّي، عن آبائه (عليهم السلام)، وساق الحديث نحوه باختلافات يسيرة.



الصفحة 451

الباب الثامن:

ما جاء في إصابته وشهادته (عليه السلام)

8642/1 ـ المفيد، قال: أخبرنا أبو بكر محمّد بن عمر الجعابيّ، قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن سعيد الهمداني، قال: حدّثنا أبو عوانة موسى بن يوسف العطّار الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن سليمان المقري الكندي، عن عبد الصمد بن علي النوفلي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال: لمّا ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عدونا عليه نفر من أصحابنا، أنا والحرث وسويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي (عليه السلام) فقال: يقول لكم أمير المؤمنين انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، واشتدّ البكاء من منزله فبكيت، فخرج الحسن فقال: ألم أقل لكم انصرفوا، فقلت: لا والله يا بن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتّى أرى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: فلبثت، فدخل ولم يلبث أن خرج فقال لي: اُدخل، فدخلت على أمير المؤمنين (عليه السلام) فإذا هو مستند

الصفحة 452
معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه واصفرّ وجهه، ما أدري وجهه أصفر أو العمامة، فأكببت عليه فقبّلته وبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنّها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك إنّي أعلم والله إنّك تصير إلى الجنّة، وإنّما أبكي لفقداني إيّاك يا أمير المؤمنين، جعلت فداك حدّثني بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنّي أراني لا أسمع منك حديثاً بعد يومي هذا أبداً، فقال: نعم، يا أصبغ دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً فقال لي: يا علي انطلق حتّى تأتي مسجدي ثمّ تصعد على منبري، ثمّ تدعو الناس إليك، فتحمد الله عزّ وجلّ وتثني عليه، وتصلّي عليّ صلاة كثيرة، ثمّ تقول:

أيّها الناس إنّي رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم: ألا لعنة الله ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادّعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً آجره، فأتيت مسجده (صلى الله عليه وآله) وصعدت المنبر، فلمّا رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت الله وأثنيت عليه وصلّيت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة كثيرة، ثمّ قلت: أيّها الناس إنّي رسول رسول الله اليكم وهو يقول لكم: ألا لعنة الله ولعنة ملائكته المقرّبين وأنبيائه المرسلين، ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه، أو ظلم أجيراً آجره، (قال:) فلم يتكلّم أحد من القوم إلاّ عمر بن الخطّاب فإنّه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن، ولكنّك جئت بكلام غير مفسّر، فقلت: اُبلّغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرجعت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأخبرته الخبر، فقال: ارجع إلى مسجدي حتّى تصعد منبري، فاحمد الله وأثنِ عليه، وصلِّ عليّ ثمّ قل: أيّها الناس ما كنّا لنجيئكم بشيء إلاّ عندنا تأويله وتفسيره، ألا وإنّي أنا أبوكم، ألا وإنّي أنا مولاكم، ألا وإنّي أنا أجيركم(1).

8643/2 ـ كتاب (الروضة): بالإسناد، يرفعه إلى الأصبغ قال: لمّا ضُرِبَ أمير

____________

1- أمالي الشيخ المفيد، المجلس 42: 216; أمالي الطوسي، مجلس 5: 122 ح191; تفسير البرهان 3: 275; البحار 42: 204; بشارة المصطفى: 260.


الصفحة 453
المؤمنين (عليه السلام) الضربة التي كانت وفاته فيها، اجتمع الناس إليه بباب القصر، وكان يريدون قتل ابن ملجم لعنه الله قال: فخرج الحسن (عليه السلام) وقال: معاشر الناس إنّ أبي أوصاني أن أترك قاتلة إلى يوم وفاته، قال: فإن كان له الوفاة وإلاّ نظر هو في حقّه، فانصرفوا يرحمكم الله، قال: فانصرف الناس ولم أنصرف، قال: وخرج ثانية وقال: يا أصبغ أما سمعت قولي عن قول أمير المؤمنين؟ قلت: بلى ولكنّي رأيت حاله فأحببت أن أنظر إليه فاسمع منه حديثاً، فاستأذن لي رحمك الله، فدخل ولم يلبث أن خرج وقال: اُدخل، فدخلت فإذا أمير المؤمنين صلوات الله عليه معصّب بعصابة صفراء وقد علت صفرة في وجهه على تلك العصابة، فإذا هو يرفع فخذاً ويضع أخرى من شدّة الضربة وكثرة السم، فقال لي: يا أصبغ أما سمعت قول الحسن عن قولي؟ قلت: بلى يا أمير المؤمنين ولكنّي رأيتك في حالة فأحببت النظر إليك وأن أسمع منك حديثاً، فقال لي: اُقعد فلا أراك تسمع منّي حديثاً بعد يومك هذا.

إعلم يا أصبغ إنّي أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عائداً كما جئت الساعة، فقال لي: اُخرج يا أبا الحسن فناد بالناس الصلاة جامعة واصعد منبري وقم دون مقامي بمرقاة، وقل للناس: ألا من عقّ والديه فلعنة الله عليه، ألا من أبق من مواليه فلعنة الله عليه، ألا من ظلم أجيراً اُجرته فلعنة الله عليه، يا أصبغ فقلت ما أمرني به حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقام من أقصى المسجد رجل فقال: يا أبا الحسن تكلّمت بثلاث كلمات وأوجزتهنّ فاشرحهنّ لنا، فلم أردّ جواباً حتّى أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقلت له ما قال الرجل.

قال الأصبغ: ثمّ أخذ بيدي وقال: يا أصبغ اُبسط يدك فبسطت يدي، فتناول اصبعاً من أصابع يدي وقال: يا أصبغ كذا تناول رسول الله (صلى الله عليه وآله) اصبعاً من أصابع يدي كما تناولت اصبعاً من أصابعك، ثمّ قال: يا أبا الحسن، ألا وإنّي وأنت أبوا هذه الاُمّة فمن عقّنا فلعنة الله عليه، ألا وإنّي وأنت مَوليا هذه الاُمّة فعلى من أبق عنّا

الصفحة 454
فلعنة الله عليه، ألا وإنّي وأنت أجيرا هذه الاُمّة فمن ظلمنا اُجرتنا فلعنة الله عليه، قال: فقل آمين، فقلت: آمين. (ويقول مؤلف الكتاب حسن علي القبانچي: آمين).

ثمّ قال الأصبغ: ثمّ اُغمي عليه (عليه السلام)، ثمّ أفاق، فقال لي: أقاعدٌ أنت يا أصبغ؟ قلت: نعم يا مولاي، فقال: أزيدك حديثاً آخر؟ قلت: نعم زادك الله من مزيد خير، قال: يا أصبغ لقيني رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض طرقات المدينة وأنا مغموم قد تبيّن الغم في وجهي، فقال لي: يا أبا الحسن أراك مغموماً ألا اُحدّثك بحديث لا تغتمّ بعده أبداً؟ قلت: نعم، قال: اذا كان يوم القيامة نصب الله لي منبراً يعلو منابر سائر النبيين والشهداء، ثمّ يأمرني الله أن أصعد فوقه، ثمّ يأمرك الله أن تصعد دوني بمرقاة، ثمّ يأمر الله ملكين فيجلسان دونك بمرقاة، فإذا استقللنا على المنبر لا يبقى أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ يرانا، فينادي الملك الذي دونك بمرقاة: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اُعرّفه بنفسي، أنا رضوان خازن الجنان، ألا إنّ الله بمنّه وكرمه وفضله وجلاله أمرني أن أدفع مفاتيح الجنّة إلى محمّد، وأنّ محمّداً أمرني أن أدفعها إلى عليّ بن أبي طالب (فاشهدوا لي عليه)، ثمّ يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة منادياً يسمع أهل الموقف: معاشر الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اُعرّفه بنفسي، أنا مالك خازن النيران، ألا إنّ الله بفضله ومنّه وكرمه (وجلاله) قد أمرني أن أدفع مفاتيح النار إلى محمّد، وأنّ محمّداً قد أمرني أن أدفعها إلى عليّ بن أبي طالب، فاشهدوا لي عليه، انّه قد أخذ مفاتيح الجنان والنيران.

ثمّ قال: يا علي فتأخذ بحجزتي، وأهل بيتك يأخذون بحجزتك، وشيعتك يأخذون بحجزة أهل بيتك، قال: وصفّقت بكلتا يديّ إلى الجنّة يا رسول الله؟ قال: إي وربّ الكعبة. قال الأصبغ: فلم أسمع من مولاي غير هذين الحديثين، ثمّ توفّي

الصفحة 455
صلوات الله عليه(1).

8644/3 ـ عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: دخلت على أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو يجود بنفسه لمّا ضربه ابن ملجم فجزعت لذلك، فقال لي: أتجزع؟ فقلت: كيف لا أجزع وأنا أراك على حالك هذه، فقال صلوات الله عليه: ألا اُعلّمك خصالا أربع إن أنت حفظتهنّ نلت بهنّ النجاة، وإن أنت ضيّعتهنّ فاتك الداران: يا بني لا غنًى أكبر من العقل، ولا فقر مثل الجهل، ولا وحشة أشدّ من العجب، ولا عيش ألذّ من حسن الخلق(2).

8645/4 ـ عن صعصعة بن صوحان، أنّه دخل على أمير المؤمنين صلوات الله عليه لمّا ضرب، فقال: يا أمير المؤمنين أنت أفضل أم آدم أبو البشر؟ قال علي (عليه السلام): تزكية المرء نفسه قبيح، لكن قال الله تعالى لآدم: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ تَقْرَبَا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}(3) وأنا أكثر الأشياء أباحها لي وتركتها وما قاربتها.

ثمّ قال: أنت أفضل يا أمير المؤمنين أم نوح؟ قال علي (عليه السلام): إنّ نوحاً دعا على قومه، وأنا ما دعوت على ظالمي حقي، وابن نوح كان كافراً وإبناي سيّدا شباب أهل الجنّة.

قال: أنت أفضل أم موسى؟ قال (عليه السلام): إنّ الله تعالى أرسل موسى إلى فرعون، فقال: إنّي أخاف أن يقتلوني، حتى قال الله تعالى: {لاَ تَخَفْ إنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}(4) وقال: {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}(5) وأنا ما خفت

____________

1- الروضة في الفضائل: 21; البحار 40: 44.

2- كشف الغمة 2: 194; البحار 78: 111.

3- البقرة: 35.

4- النمل: 10.

5- القصص: 33.


الصفحة 456
حين أرسلني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتبليغ سورة براءة أن أقرأها على قريش في الموسم، مع إنّي كنت قتلت كثيراً من صناديدهم، فذهبت إليهم وقرأتها عليهم وما خفتهم.

ثمّ قال: أنت أفضل أم عيسى بن مريم؟ قال (عليه السلام): عيسى كانت اُمّه في بيت المقدس، فلمّا جاء وقت ولادتها سمعت قائلا يقول: اُخرجي هذا بيت العبادة لا بيت الولادة، وأنا اُمّي فاطمة بنت أسد لمّا قرب وضع حملها كانت في الحرم فانشقّ حائط الكعبة وسمعت قائلا يقول: اُدخلي فدخلت في وسط البيت وأنا وُلدت به، وليس لأحد هذه الفضيلة لا قبلي ولا بعدي(1).

8646/5 ـ أبو منصور السكري، حدّثنا جدي عليّ بن عمر، حدّثني محمّد بن محمّد الباغندي، حدّثنا أبو ثور هاشم بن ناجية، حدّثنا عطاء بن مسلم الخفاف، قال: سمعت الوليد بن يسار يذكر، عن عمران بن ميثم، عن أبيه ميثم، قال: شهدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يجود بنفسه، فسمعته يقول: يا حسن، قال الحسن: لبّيك يا أبتاه، قال: إنّ الله تعالى أخذ ميثاق أبيك، وربّما قال: أعطى ميثاقي وميثاق كلّ مؤمن على بغض كلّ منافق أو فاسق، وأخذ ميثاق كلّ منافق أو فاسق على بغض أبيك(2).

يقول العلامة السيد محسن الأمين: (أقول:) هذا بمعنى ما ورد لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق، وأخذ الميثاق على المنافق والفاسق فيه نوع تجوز ومسامحة.

8647/6 ـ الصدوق، حدّثنا أبي (قدس سره) قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي حمزة الثمالي، عن حبيب بن عمر، قال:

____________

1- أنوار النعمانية 1: 28.

2- أعيان الشيعة 10: 224.


الصفحة 457
دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه في مرضه الذي قبض فيه فحل عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس، فقال لي: يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة، فبكيت عند ذلك، وبكت اُمّ كلثوم وكانت قاعدة عنده، فقال لها: ما يبكيك يا بنيّة؟ فقالت: ذكرت يا أبة أنّك تفارقنا الساعة فبكيت، قال لها: يا بنيّة لا تبكين فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت (بكيتي)، قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا حبيب أرى ملائكة السماوات والأرضين والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفاً إلى أن تتلقوني، وهذا أخي محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس عندي يقول: أقدم فإنّ أمامك خير لك مما أنت فيه، قال: فما خرجت من عنده حتّى توفّي صلوات الله عليه(1).

8648/7 ـ عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق السبعي، عن عمرو بن الحمق، قال: دخلت على عليّ (عليه السلام) حين ضُرِب الضربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس إنّما هو خدش، قال: لعمري إنّي مفارقكم، ثمّ قال: إلى السبعين بلاء، قالها ثلاثاً، قلت: فهل بعد البلاء رخاء؟ فلم يجبني واُغمي عليه، فبكت اُمّ كلثوم فلمّا أفاق قال: لا تؤذيني يا اُمّ كلثوم فإنّك لو ترين ما أرى لم تبك، إنّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيّين يقولون لي انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين إنّك قلت إلى السبعين بلاء فهل بعد السبعين رخاء؟ قال: نعم، وإنّ بعد البلاء رخاء {يَمْحُو اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ}(2)(3).

8649/8 ـ عن أبي الحسن البكري، في حديث طويل في وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام)

____________

1- أمالي الصدوق، المجلس 52: 262; روضة الواعظين، باب وفاة أمير المؤمنين 1: 124; البحار 42: 201; غاية المرام: 488; اثبات الهداة 4: 477.

2- الرعد: 39.

3- الخرائج والجرائح 1: 178; تفسير العياشي 2: 217; البحار 4: 120; تفسير البرهان 2: 300; البحار أيضاً 42: 223; تفسير نور الثقلين 2: 513.


الصفحة 458
إلى أن قال الراوي: وكان من كرم أخلاقه (عليه السلام) إنّه يتفقّد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة يرحمك الله، الصلاة المكتوبة عليك، ثمّ يتلو (عليه السلام): {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ}(1) ففعل ذلك كما كان يفعله على جاري عاداته مع النائمين في المسجد، حتّى بلغ الى الملعون فرآه نائماً على وجهه، قال له: يا هذا قم من نومتك هذه فإنّها نومة يمقتها الله وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نَم على يمينك فإنّها نومة العلماء، أو على يسارك فإنّها نومة الحكماء، ونَم على ظهرك فإنّها نومة الأنبياء (عليهم السلام)(2).

8650/9 ـ عبد الله بن جعفر، عن السندي بن محمّد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما قتله ابن ملجم، قال:

احبسوا هذا الأسير وأطعموه وأحسنوا أساره، فإن عشت فأنا أولى بما صنع بي، إن شئت استقدت، وإن شئت عفوت، وإن شئت صالحت، وإن متّ فذلك اليكم، فإن بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به(3).

8651/10 ـ عن بعض كتب المناقب، برواية أبي الحسن البكري، عن لوط بن يحيى في خبر طويل في كيفية مقتله (عليه السلام) وفيه: ثمّ صلّى (عليه السلام) حتّى ذهب بعض الليل، ثمّ جلس للتعقيب، ثمّ نامت عيناه وهو جالس، ثمّ انتبه مرعوباً، قالت اُمّ كلثوم: كأنّي به وقد جمع أولاده وأهله وقال لهم: في هذا الشهر تفقدوني، إنّي رأيت في هذه الليلة رؤياً هالتني واُريد أن أقصّها عليكم، قالوا: وما هي؟ قال: إنّي رأيت الساعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وهو يقول: يا أبا الحسن إنّك قادم إلينا عن قريب يجيء

____________

1- العنكبوت: 45.

2- مستدرك الوسائل5: 115 ح466; دار السلام 3: 80; البحار 42: 281; الخصال، حديث الأربعمائة.

3- قرب الاسناد: 143 ح515; البحار 42: 206; الجعفريات: 53; وسائل الشيعة 19: 96.


الصفحة 459
إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وأنّك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلمّ إلينا فما عندنا خير لك وأبقى(1).

8652/11 ـ عن بعض كتب المناقب، عن علي صلوات الله عليه لمّا خرج إلى المسجد في ليلة شهادته، تبعه إبنه الحسن (عليه السلام) فلحق به قبل أن يدخل الجامع، فقال: يا أباه ما أخرجك في هذه الساعة وقد بقي من الليل ثلثه؟ فقال: يا حبيبي ويا قرّة عيني خرجت لرؤياً رأيتها في هذه الليلة هالتني وأزعجتني وأقلقتني، فقال له: خيراً رأيت وخيراً يكون فقصّها عليّ، فقال (عليه السلام): يا بُني رأيت كأنّ جبرئيل (عليه السلام) قد نزل من السماء على جبل أبي قبيس فتناول منه حجرين ومضى بهما إلى الكعبة وتركهما على ظهرها، وضرب أحدهما على الآخر فصارا كالرميم، ثمّ ذراها في الريح، فما بقي بمكة ولا بالمدينة بيت إلاّ ودخله من ذلك الرماد، فقال له: يا أبتِ وما تأويلها؟ فقال (عليه السلام): يا بُني إن صدقت رؤياي فإنّ أباك مقتول، ولا يبقى بمكّة ولا بالمدينة بيت إلاّ ويدخله من ذلك غمّ ومصيبة من أجلي(2).

8653/12 ـ عن عليّ بن الحسين (عليه السلام) قال: لمّا ضرب ابن ملجم ـ لعنه الله ـ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وكان معه آخر، فوقعت ضربته على الحائط، وأمّا ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على رأسه، على الضربة التي كانت، فخرج الحسن والحسين عليهما السلام وأخذا ابن ملجم وأوثقاه، واحتُمل أمير المؤمنين فاُدخل داره، فقعدت لبابة عند رأسه وجلست اُمّ كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه فنظر إليهما فقال: الرفيق الأعلى خير مستقرّاً وأحسن مقيلا، ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك، ثمّ عرق ثمّ آفاق فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرني بالرواح إليه عشيّاً

____________

1- دار السلام 1: 61; البحار 42: 276.

2- دار السلام 1: 61; البحار 42: 277.


الصفحة 460
ثلاث مرّات(1).

8654/13 ـ محمّد بن يحيى، عن عليّ بن الحسن، عن عليّ بن إبراهيم العقيلي يرفعه، قال: لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين (عليه السلام) قال للحسن: يا بني إذا أنا متّ فاقتل ابن ملجم واحفر له في الكناسة، ثمّ ارم به فيه، فإنّه واد من أودية جهنّم(2).

8655/14 ـ الخوارزمي، قال: لمّا ضرب علي (عليه السلام) تحامل وصلّى بالناس الغداة، وقال: عليّ بالرجل، فاُدخل عليه، فقال: أي عدوّ الله ألم أحسن إليك؟ قال: بلى، قال: فما حملك على هذا؟ قال: شحّذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شرّ خلقه، قال علي (عليه السلام): فلا أراك إلاّ مقتولا به، وما أراك إلاّ من شرّ خلق الله عزّوجلّ(3).

8656/15 ـ روي انّ علياً (عليه السلام) سهر في تلك الليلة، فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت وإنّها الليلة التي وُعدتُ بها، ثمّ يعاود مضجعه، فلمّا طلع الفجر أتاه ابن التيّاح ونادى الصلاة، فقام فاستقبله الأوز فصحن في وجهه، فقال: دعوهنّ فإنّهنّ صوائح تتبعها نوائح، وتعلّقت حديدة على الباب في مئزره، فشدّ إزاره وهو يقول:


اُشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكاولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديكا
فقد أعرق أقواماً وإن كانوا صعاليكامساريع إلى الخير وللشرّ متاريكا(4)

____________

1- أمالي الطوسي، المجلس 13: 365 ح768.

2- الكافي 1: 300.

3- المناقب للخوارزمي: 383 ح401; البحار 42: 244.

4- مناقب ابن شهر آشوب، باب مقتله (عليه السلام) 3: 310; البحار 42: 238; اثبات الهداة 4: 582; ارشاد المفيد: 15.


الصفحة 461
8657/16 ـ محمّد بن الحسن، بإسناده عن محمّد بن أحمد بن داود، عن محمّد بن بكّار النقّاش، عن الحسين بن محمّد الفراري، عن الحسن بن علي النحّاس، عن جعفر بن محمّد الرمّاني، عن يحيى الحمّاني، عن محمّد بن عبيد الطيالسي، عن مختار التمّار، عن أبي مطر، قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له الحسن (عليه السلام): أقتله؟ قال: لا، ولكن احبسه، فإذا متّ فاقتلوه، وإذا مِتّ فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخويّ هود وصالح(1).

8658/17 ـ المفيد، عن إسماعيل بن زياد، قال: حدّثتني اُمّ موسى خادمة علي (عليه السلام)، وهي حاضنة إبنته فاطمة، قالت: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول لابنته اُمّ كلثوم: يا بنيّة إنّي أراني قلّ ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه؟ قال: إنّي رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول: يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك، قالت: فما مكث إلاّ ثلاثاً حتى ضُرِب تلك الضربة، فصاحت اُمّ كلثوم، فقال: يا بنيّة لا تفعلي فإنّي أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشير إليّ بكفّه ويقول: يا علي هلمّ إلينا فإنّ ما عندنا هو خيرٌ لك(2).

8659/18 ـ وعنه، عن عبّاد بن يعقوب الرواجني، قال: حدّثنا حبّان بن علي العنزي، قال: حدّثني مولى لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قال: لما حضرت أمير المؤمنين صلوات الله عليه الوفاة، قال للحسن والحسين عليهما السلام: إذا متّ فاحملاني على سريري ثمّ أخرجاني، واحملا مؤخّر السرير فإنّكما تكفيان مقدّمه، ثمّ أتيا بي الغريين فإنّكما

____________

1- وسائل الشيعة 10: 308; تهذيب الأحكام 6: 33; فرحة الغري، الباب 3: 38.

2- ارشاد المفيد: 14; كشف الغمة، في باب قتله (عليه السلام) ومدة خلافته 2: 60; دار السلام 1: 60; المناقب للخوارزمي: 387 ح402.


الصفحة 462
ستريان صخرة بيضاء تلمع نوراً، فاحتفرا فيها فإنّكما تجدان فيها ساجة فادفناني فيها، قال: فلمّا مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخّر السرير ونكفي مقدّمه، وجعلنا نسمع دويّاً وحفيفاً حتّى أتينا الغريين فإذا صخرة بيضاء، يلمع نورها فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها هذه ممّا ادّخرها نوح لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فدفنّاه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله عزّ وجلّ لأمير المؤمنين(1).

8660/19 ـ أبو بكر الشيرازي في كتابه، عن الحسن البصري، قال: أوصى علي (عليه السلام) عند موته للحسن والحسين قال لهما عليهما السلام: إن أنا متّ فإنّكما ستجدان عند رأسي حنوطاً من الجنّة وثلاثة أكفان من استبرق الجنّة، فغسّلوني وحنّطوني بالحنوط، وكفّنوني، قال الحسن (عليه السلام): فوجدنا عند رأسه طبقاً من الذهب عليه خمس شمّامات من كافور الجنّة، وسدراً من سدر الجنّة، فلمّا فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير فحملوه على البعير بوصيّة منه، وكان قال: فسيأتي البعير إلى قبري فيقف عنده، فأتى البعير حتّى وقف على شفير القبر، فوالله ما علم أحد من حفره فألحد فيه بعد ما صلّي عليه، وأظلّت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض، فلمّا دفن ذهبت الغمامة والطيور(2).

8661/20 ـ السيد عبد الكريم بن طاووس، عن المدائني، عن أبي زكريّا، عن أبي بكر الهمداني، عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة وعبد الله بن محمّد، عن عليّ بن اليماني، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام، والقاسم بن محمّد المقري، عن عبد الله بن زيد، عن المعافي بن عبد السلام، عن أبي عبد الله الجدلي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل، إنّه قال للحسن (عليه السلام) لمّا حضرته الوفاة: ثمّ احفر لي قبراً في موضعه إلى منتهى كذا وكذا، ثمّ

____________

1- ارشاد المفيد: 19; روضة الواعظين، باب وفاة أمير المؤمنين 1: 136; اثبات الهداة 4: 583.

2- مناقب ابن شهر آشوب، باب ما ظهر بعد وفاته 2: 348.


الصفحة 463
شقّ لحداً فإنّك تقع على ساجة منقورة، ادّخرها لي أبي نوح (عليه السلام) وضعني في الساجة، ثمّ ضع عليّ سبع لِبَن كبار، ثم ارقب هنيئة، ثم انظر فإنّك لن تراني في لحدي(1).

8662/21 ـ وعنه، عن ابن بن بابويه،عن الحسن بن محمّد بن سعيد، عن فرات بن إبراهيم، عن عليّ بن حامد، عن إسماعيل بن علي بن قدامة، عن أحمد بن علي بن ناصح، عن جعفر بن محمّد الأرمني، عن موسى بن سنان الجرجاجي، عن أحمد بن علي المقري، عن اُمّ كلثوم بنت علي (عليه السلام) قالت: آخر عهد أبي إلى أخويّ عليهما السلام أن قال: يا بنيّ حنّطاني وسجّياني على سريري، ثمّ انتظرا حتّى إذا ارتفع لكما مقدّم السرير فاحملا مؤخّره، قالت: فخرجتُ اُشيّع جنازة أبي حتّى إذا كنّا بظهر الغريّ ركن المقدّم فوضعنا المؤخّر، ثمّ برز الحسن (عليه السلام) بالبردة التي نُشّف بها رسول الله وفاطمة (عليها السلام) فنشّف بها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ثمّ أخذ المعول فضرب ضربة فانشقّ القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة مكتوب عليها سطران بالسريانية: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا قبر ادّخره نوح النبي لعليّ وصيّ محمّد قبل الطوفان بسبعمائة عام، قالت اُمّ كلثوم: فانشقّ القبر فلا أدري غار سيدي في الأرض أم اُسري به إلى السماء، إذ سمعت ناطقاً لنا بالتعزية: أحسن الله لكم العزاء في سيّدكم حجة الله على خلقه(2).

8663/22 ـ ذكر المؤيد في مناقبه: لمّا ضُرِبَ علي (عليه السلام) تلك الضربة قال: فما فعل ضاربي؟ أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي، فإن عشت فأنا أولى بحقّي، وإن متّ فاضربوه ضربةً ولا تزيدوه عليها، ثمّ أوصى الحسن فقال: لا تغال في كفني فإنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا تغالوا في الكفن وامشوا بين المشيتين، فإن كان

____________

1- مستدرك الوسائل 2: 331 ح2113; فرحة الغري، الباب 3: 37.

2- البحار 42: 216; فرحة الغري، باب 2: 34.


الصفحة 464
خيراً عجّلتموني، وإن كان شرّاً ألقيتموني عن أكتفافكم(1).

8664/23 ـ البيهقي، أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا بحر، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني أنس بن عيّاض، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، أنّ عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يخرج الصبح وفي يده درّة يوقظ الناس، فضربه ابن ملجم، فقال علي (رضي الله عنه): أطعموه واسقوه وأحسنوا أساره، فإن عشت فأنا وليّ دمي أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت(2).

8665/24 ـ الأصبغ بن نباتة في خبر: أنّ عليّاً (عليه السلام) قال: لقد ضُربتُ في الليلة التي قُبض فيها يوشع بن نون ولاُقبض في الليلة التي رُفع فيها عيسى بن مريم (عليه السلام) (3).

8666/25 ـ ذكر الفقيه محمّد بن معدّ الموسوي، قال: رأيت في بعض الكتب الحديثية القديمة ما صورته: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عبدالعزيز بن عامر الدّهان (الدهقان)، قال: حدّثنا علي بن عبد الله الأنباري، قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن عيسى ابن أخي الحسن بن يحيى، قال: حدّثني محمّد بن الحسن الجعفري، قال: وجدت في كتاب أبي وحدّثتني اُمّي، عن اُمّها، أنّ جعفر بن محمّد حدّثها أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر إبنه الحسن (عليه السلام) أن يحفر له أربع قبور في أربع مواضع: في المسجد، وفى الرحبة، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، وإنّما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره(4).

8667/26 ـ أحمد، حدّثنا أسود بن عامر، أنبأنا أبو بكر، عن الأعمش، عن سلمة ابن كهيل، عن عبد الله بن سَبَع قال: خطبنا علي فقال: والذي فلق الحبّة وبرأ

____________

1- كشف الغمة، في ذكر قتله ومدّة خلافته 2: 60; روضة الواعظين، باب وفاة أمير المؤمنين 1: 137; المناقب للخوارزمي: 388 ح403.

2- سنن البيهقي 8: 56.

3- سنن البيهقي 8: 313.

4- البحار 42: 214; فرحة الغري، الباب 2: 31.