[ المقدّمة ](1)
لله تـحت قـباب العرش طائفة | أخفاهم عن عيون الناس إجلالا |
هم السلاطين في أطمار مسكنة | جـرّوا على الفلك الدوّار أذيالا |
هذى المكارم لا ثوبان من عدن | خـيطا قميصاً فعادا بعد اسمالا |
هذى المكارم لا قـعبان من لبن | شيـبا بـماء فـعادا بعد أبوالا |
مرفوعاً إلى أبي الجارود قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: يا ابن رسول الله هل تعرف مودّتي لكم، وانقطاعي إليكم، وموالاتي إيّاكم؟ قال: فقال: نعم، قال: فقلت: إنّي أسألك عن مسألة تجيبني فيها، فإنّي مكفوف البصر، قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين.
قال: هات حاجتك، قلت: أخبرني بدينك الذي تدين به أنت وأهل بيتك لأدين الله به، قال: إن كنت اقتصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة، والله لأعطينّك
____________
1- ليست هذه المقدّمة ـ على الظاهر ـ من أصل الكتاب، لأنّها أوّلا: لم ترد في نسخة "ج"، وثانياً: فيها أبيات للحافظ رجب البرسي، وهو من علماء المائة التاسعة، فيكون متأخّراً عن المؤلّف رحمه الله، والظاهر أنّها من اضافة النسّاخ، والله العالم.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّا نجد الرجل يحدّث، فلا يخطئ بلام ولا واو، خطيباً مصعقاً، وقلبه أشدّ ظلمةً من الليل المظلم، ونجد الرجل لا يستطيع يعدّ عمّا في قلبه بلسانه، وقلبه يزهر كما يزهر المصباح.
مرفوعاً إلى يحيى بن زكريّا الأنصاري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سرّه أن يستكمل الايمان كلّه فليقل: القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمد في جميع ما أسرّوا، وفيما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم، وفيما لم يبلغني(2).
مرفوعاً إلى جابر قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للايمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم، وعرفتموه فاقبلوه. وما اشمأزّت منه قلوبكم وأنكرتموه، فردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى القائم من آل محمد، وإنّما الهلاك أن يحدّث أحدكم بشيء فلا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا، والله ما كان هذا، والانكار هو الكفر(3).
مرفوعاً إلى بعض أصحابنا قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام: جعلت فداك ما معنى قول الصادق عليه السلام "حديثنا لا يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للايمان".
فجاء الجواب: إنّما معنى قول الصادق عليه السلام، أي لا يحتمله ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن، انّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملك غيره، والنبي
____________
1- الكافي 2: 21 ح10; عنه البحار 69: 14 ح15.
2- مختصر بصائر الدرجات: 93; عنه البحار 25: 364 ح2.
3- الكافي 1: 401 ح1; وبصائر الدرجات: 40 ح1 باب 11; عنه البحار 2: 189 ح21.
شعراً لبعضهم:
أينشق قيصوم الحجاز وشيخه | فتى لم يكن قدمن فيه ينادي |
ومن لم يجد يوماً سعاد وحسنها | فيعذر وإن لم يهو حسن سعاد |
شعراً لمولانا رجب رحمه الله:
هم القوم آثار النبوّة منهم | تلوح وأعلام الإمامة تلمع |
مهابط وحي الله خزّان علمه | وعندهم غيب المهيمن مودع |
إذا جلسوا للحكم فالكلّ أبكم | وإن نطقوا فالدهر اذن ومسمع |
وإن ذكروا فالكون ندّ ومندكّ | له أرج من طيبهم يتضوّع |
وإن بادروا فالدهر يخفق قلبه | لسطوتهم والأسد في الغاب تجزع |
وإن ذكر المعروف والجود في الورى | فبحر نداهم زاخر يتدفّع |
أبوهم سماء المجد والاُمّ شمسه | نجوم لها برج الجلالة مطلع |
وجدّهم خير البريّة أحمد | نبيّ الهدى الطهر الشفيع المشفّع |
فيا نسب كالشمس أبيض واضح | ويا شرف من هامة النجم أرفع |
فمن مثلهم إن عدّ في الناس مفخر | أعد نظراً يا صاح إن كنت تسمع |
ميامين قوّامون عزّ نظيرهم | ولاة هداة للرسالة منبع |
فلا فضل إلاّ حين يذكر فضلهم | ولا علم إلاّ عنهم حين يرفع |
ولا عمل ينجي غداً غير حبّهم | إذا قام يوم البعث للخلق مجمع |
فيا عترة المختار يا راية الهدى | إليكم غداً في موقفي أتطلّع |
مددت يدي بالذلّ في باب عزّكم | فحاشاكم أن تدفعوها وتمنعوا |
____________
1- معاني الأخبار: 188 ح1; عنه البحار 2: 184 ح6 نحوه.
أتيتكم مستردفاً من نوالكم | بحقّكم يا ساداتى لا تضيّعوا |
ووحدة لحدي آنسوها بنوركم | فعبدكم من ظلمة القبر يجزع |
ولو أنّ عبداً جاء في الله جاهداً | بغير ولاء آل العبا ليس ينفع |
خذوا بيد الأبدال عبد ولائكم | فمَن غيركم يوم القيامة يشفع |
جعلتكم يا آل طه وسيلتي | فنعم معاذ في المعاد ومفزع |
وكربة موتي فاحضروها وامنعوا | عدوّي أن يغتالني أو يروّع |
وإن خفّ ميزاني فإنّي بحبّكم | بني الوحي في رجح الموازين أطمع |
عليكم سلام الله يا راية الهدى | فويل لعبد غيرها جاء يتبع |
لأبي نواس:
لا تحسبيني هويت الطهر حيدرة | لفضله وعلاه في ذوي النسب |
ولا شجاعته في يوم معركة | ولا التلذّد في الجنّات من أرب |
ولا البراءة من نار الجحيم ولا | رجوت انّ ليوم الحشر يشفع بي |
لكن عرفت هو السرّ الخفيّ فإن | أذعته حلّلوا قتلي وكُفّر بي |
يصدّهم عنه داء لا دواء له | كالمسك يعرض عنه صاحب الكلب |
وقيل فيه أيضاً:
لا تلمني في ترك مدح عليّ | أنا أدرى بالحال منك وأخبره |
رجل ما عرفه إن رمت إلاّ الله | والمصطفى قل الله أكبر |
انّ أهل السماء والأرض في العجز | سواء عن حصر أوصاف قنبر](1) |
____________
1- إلى هنا تمّت المقدّمة، والتي نقلناها من "الف" و "ب".
[ باب ]
[ في فضائله عليه السلام ]
عن النبي صلّى الله عليه وآله أنّه قال: لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا تحصى كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها، غفر الله له ما تقدّم من ذنوبه(1)وما تأخّر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لذلك الكتاب رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفرت له ذنوبه التي اكتسبها بالسماع، ومن نظر إلى فضيلة من فضائله غفرت له ذنوبه التي اكتسبها بالنظر(2).
وقال صلّى الله عليه وآله: حبّ عليّ عبادة، والنظر إلى عليّ عبادة، ولا يقبل الله ايمان عبد إلاّ بولايته والبراءة من أعدائه(3).
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لو أنّ الغياض(4) أقلام، والبحر مداد،
____________
1- في "ج": ذنبه.
2- المناقب للخوارزمي: 32 ح2; عنه كشف الغمة 1: 109; وفي أمالي الصدوق: 119 ح9 مجلس 28; عنه البحار 38: 196 ح4; وأيضاً في مائة منقبة: 154 رقم 100; ونهج الحق: 231.
3- المناقب للخوارزمي: 32 ذيل حديث 2; عنه كشف الغمة 1: 109.
4- الغياض: جمع غيضة، وهي الشجر الملتفّ. (لسان العرب)
ولا شك أنّ فضائله وحاله في الشرف والكمال، لا يعرفه إلاّ الله سبحانه ورسوله صلّى الله عليه وآله، كما قال صلّى الله عليه وآله: "ما عرفك يا علي حقّ معرفتك إلاّ الله وأنا" ولهذا السبب سمّي النبيّ وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام بالخمسة الأشباح، لأنّ الناس لا يعرفون ماهيّتهم وصفاتهم لجلال شأنهم، وارتفاع منازلهم، كالشبح الذي لا تعرف حقيقته.
وقال بعض الفضلاء ـ وقد سئل عن علي عليه السلام ـ فقال: ما أقول في شخص أخفى فضائله أعداؤه حسداً له، وأخفى أولياؤه فضائله خوفاً وحذراً على أنفسهم، وظهر فيما بين هذين فضائل طبقت الشرق والغرب، {يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله الاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون}(2).
وقد اشتهرت فضائله عليه الصلاة والسلام حتّى رواها المخالف والمؤالف(3)، وقد أحببت أن اُورد هذه الفضائل من طريقهم مع أنّها مشهورة من طريقنا، لتأكيد الحجّة عليهم، وكما قال:
ومليحة شهدت بها ضرّاتها | والحسن ما شهدت به الضرّات(4) |
____________
1- المناقب للخوارزمي: 32 ح1; عنه كشف الغمة 1: 109; وفي كنز الفوائد: 128 و129; عنه البحار 40: 70 ح105; وابن شاذان في المائة منقبة: 153 رقم 99.
2- التوبة: 32.
3- ولنعم ما قيل:
ما زلتَ في درجات المجد مرتقياً | تسمو وينمي بك الفرعان من مضرا |
حتّى بهرت فلا تحفى على أحد | إلاّ على أحد لا يبصر القمرا |
وكما قيل:
أعد ذكر نعمان لنا انّ ذكره | هو المسك ما كرّرته يتضوّع |
4-
هو الفتى إن تصف أدنى خلائقه | فيا لها قصة في شرحها طول |
[ومناقب شهد العدو بفضلها | والفضل ما شهدت به الأعداء](1) |
وقد روي عن أخطب خوارزم ـ وهو من أعظم مشايخ أهل السنّة ـ عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: لمّا خلق الله تعالى آدم ونفخ فيه من روحه عطس فقال: الحمد لله، فأوحى الله تعالى: حمدني عبدي، وعزّتي وجلالي لولا عبدان اُريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك.
قال: الهي فيكونان منّي؟ قال: نعم، يا آدم ارفع رأسك وانظر، فرفع رأسه فإذا مكتوب على العرش: "لا إله إلاّ الله، محمد نبيّ الرحمة، وعليّ مقيم الحجة، من عرف حق عليّ زكى وطاب، ومن أنكر حقّه لعن وخاب، أقسمت بعزّتي وجلالي أن اُدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني، وأقسمت بعزّتي وجلالي أن اُدخل النار من عصاه وإن أطاعني"(2).
وروي أيضاً عن أخطب خوارزم، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عبد الله أتاني ملك فقال: يا محمد سل من أرسلنا قبلك من رسلنا على ما بعثوا، قال: قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب(3).
وروى أيضاً باسناده إلى ابن عباس قال: سئل النبي صلّى الله عليه وآله عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال: سأله بحقّ محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ، فتاب عليه(4).
ومن كتاب المناقب لأهل السنّة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
____________
1- أثبتناه من "ج".
2- المناقب للخوارزمي: 318 ح320; عنه كشف اليقين: 7; وفي البحار 27: 10 ح22.
3- المناقب للخوارزمي: 312 ح312; عنه كشف اليقين: 6; وفي البحار 26: 307 ح70.
4- عنه كشف اليقين: 14; ومناقب ابن المغازلي: 63 ح89; وفي البحار 24: 183 ح20; ينابيع المودّة: 283.
ثمّ أخرجه من صلب عبد المطلب وقسّمه قسمين، قسم في صلب عبد الله وقسم في صلب أبي طالب، فعليّ منّي وأنا منه، لحمه لحمي، ودمه دمي، فمن أحبّه فيحبّني، ومن أبغضه فيبغضني وأبغضه(1).
وروى صاحب كتاب بشائر المصطفى صلّى الله عليه وآله، عن يزيد(2) بن قعنب، قال: كنت جالساً مع العباس بن عبد المطلب، وفريق من بني عبد العزى بازاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد اُمّ أمير المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملا به تسعة أشهر، فأخذها الطلق، فقالت: يا ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي ابراهيم الخليل عليه السلام، وإنّه بنى البيت العتيق، فبحقّ الذي بنى هذا البيت، والمولود الذي في بطني إلاّ ما يسّرت عليّ ولادتي.
قال يزيد بن قعنب: فرأيت البيت قد انشقّ من ظهره، فدخلت وغابت عن أبصارنا، وعاد إلى حاله، فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا انّ ذلك من أمر الله تعالى.
ثمّ خرجت في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ثمّ قالت: إنّي فضّلت على من تقدمني من النساء، لأنّ آسية بنت مزاحم عبدت الله سرّاً في موضع لا يحب الله أن يُعبد فيه إلاّ اضطراراً، وانّ مريم بنت
____________
1- المناقب للخوارزمي: 145 ح170; عنه كشف اليقين: 11; ونحوه كفاية الطالب: 315; وفي البحار 35: 33 ح30.
2- هكذا في المصادر ونسخة "ج"، وفي "الف" و "ب": زيد.
يقول: شققت اسمه من اسمي، وأدّبته بأدبي، وأوقفته على غامض علمي، وهو الذي يكسر الأصنام في بيتي، ويؤذّن فوق ظهر بيتي، ويقدّسني ويمجّدني، فطوبى لمن أحبّه وأطاعه، وويل لمن أبغضه وعصاه(1).
قال: فولدت عليّاً عليه السلام يوم الجمعة الثالث عشر من رجب، سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام سواه، اكراماً له من الله عزّ اسمه، واجلالا لمحلّه في التعظيم.
وكان يومئذ لرسول الله صلّى الله عليه وآله من العمر ثلاثين سنة، فأحبّه رسول الله صلّى الله عليه وآله حبّاً شديداً، وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي، وكان صلّى الله عليه وآله يتولّى أكثر تربيته، وكان يطهّر عليّاً في وقت غسله، ويوجره اللبن عند شربه، ويحرّك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويحمله على صدره، ويقول: هذا أخي ووليّي وناصري وصفيّي وخليفتي وكهفي وظهري ووصيّي وزوج كريمتي، وأميني على وصيّتي، وكان يحمله على كتفه دائماً، ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها.
واعلم انّ هذه الفضائل التي حصلت له قبل الولادة وحين الولادة، وأمّا الفضائل التي حصلت له بعد ولادته إلى حين وفاته فلا يمكن حصرها، ولا التعبير عنها لأنّها غير متناهية، فلابد أن نذكر منها شيئاً يسيراً، وتقرير ذلك أن نقول: قد ثبت عند العلماء انّ اُصول الفضائل أربعة: العلم، والعفّة، والشجاعة، والعدالة،
____________
1- بشارة المصطفى: 7و8; عنه كشف اليقين: 18; وكشف الغمة 1: 61; ونحوه في روضة الواعظين: 76; ومعاني الأخبار: 62 ح1; وأمالي الصدوق: 114 ح9 مجلس 27; عنه البحار 35: 8 ح11.