الصفحة 240
الورد، فيتمرّغ فيه فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه، ثمّ يصفر به الثانية، فيطير الطائر حتّى يقع في جام المسك، فيحمل ما في الجام بريشه وجناحيه، ثمّ يصفر به الثالثة فيطير الطائر على تاج الملك فينفض ريشه وجناحيه على رأس الملك.

فلمّا نظر(1) الملك إلى ذلك عتا(2) وتجبّر وادّعى الربوبية من دون الله عزوجل، قال: فدعا إلى ذلك وجوه قومه، فكلّ من أطاعه على ذلك أعطاه وحباه وكساه، وكلّ من لم يتابعه قتله، فاستجاب له اُناس فاتّخذ لهم عيداً في كلّ سنة مرّة(3)، فبينما هم ذات يوم في عيدهم والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن شماله إذا ببطريق من بطارقته قد أخبره انّ عساكر الفرس قد غشيته، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً حتّى سقط التاج عن ناصيته(4).

فنظر إليه أحد الفتية الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يقال له "تمليخا" فقال في نفسه: لو كان دقيانوس إلهاً كما يزعم ما كان يغتمّ ولا كان يفزع، ولا كان يبول ولا يتغوّط، ولا كان ينام ولا كان يستيقظ، وليس هذا من فعل الآلهة.

قال: وكان الفتية الستّة كلّ يوم عند أحدهم يأكلون ويشربون، وكان ذلك اليوم يوم(5) تمليخا، فاتّخذ لهم من أطيب الطعام وأعذب الشراب، فطعموا وشربوا ثمّ قال: يا اخوتاه قد وقع في نفسي شيء قد منعني الطعام والشراب والمنام، قالوا: وما ذلك يا تمليخا؟ قال: أطلت فكري في هذه السماء فقلت: من رفع سقفها محفوظاً بلا علاقة من فوقها ولا دعائم من تحتها؟ ومن أجرى فيها شمساً وقمراً نيّران مضيئان(6)؟ ومن زيّنها بالنجوم؟

____________

1- في "ب": رأى.

2- في "ب" و "ج": طغى.

3- في "ب": مرّتين.

4- في "ج": رأسه.

5- في "ج": وكانوا في ذلك اليوم عند تمليخا.

6- في "ج": آيتين مبصرتين.


الصفحة 241
ثمّ أطلت الفكر في هذه الأرض فقلت: من سطحها على صميم الماء الزاخر؟ ومن حبسها بالجبال أن تميد على كلّ شيء، وأطلت فكري في نفسي فقلت: من أخرجني جنيناً من بطن اُمّي؟ ومن غذّاني؟ ومن ربّاني في بطنها؟ انّ لهذا صانعاً ومدبراً غير دقيانوس الملك، وما هو إلاّ ملك الملوك وجبّار السماوات.

فأكبّت(1) الفتية على رجليه يقبّلوهما ويقولون له: قد هدانا الله من الضلالة إلى الهدى بك فأشر علينا، قال: فوثب تمليخا فباع تمراً من حائط له بثلاثة دراهم(2) وصرّها في كمّه وركبوا على خيولهم وخرجوا من المدينة، فلمّا ساروا ثلاثة أميال قال تمليخا: يا اخوتاه ذهب ملك الدنيا وزال أمرها انزلوا عن خيولكم، وامشوا على أرجلكم [لعلّ الله يجعل لكم من أمركم فرجاً ومخرجاً، فنزلوا عن خيولهم](3)، ومشوا سبع فراسخ في ذلك اليوم، فجعلت أرجلهم تقطر دماً.

قال: فاستقبلهم راع فقالوا: يا أيّها الراعي هل من شربة لبن؟ هل من شربة ماء؟ فقال الراعي: عندي ما تحبّون ولكن أرى وجوهكم وجوه الملوك، وما أظنّكم إلاّ هرابا من دقيانوس الملك، فقالوا: يا أيّها الراعي لا يحلّ لنا الكذب، أفينجينا معك الصدق؟ قال: نعم، فأخبروه بقصّتهم، فأكبّ الراعي على أرجلهم يقبّلها وقال: يا قوم لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم، ولكن امهلوني حتّى أردّ الأغنام على أربابها وألحق بكم، فوقفوا له فردّ الأغنام وأقبل يسعى يتبعه كلب له.

فقال اليهودي: يا عليّ ما كان اسم الكلب وما لونه؟ قال عليّ عليه السلام: يا أخا اليهود أمّا لون الكلب فكان أبلق بسواد، وأمّا اسمه فكان قطمير، فلمّا نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم لبعض: إنّا نخاف أن يفضحنا هذا الكلب بنباحه،

____________

1- في "ج": قال: فانكبّت.

2- في "ج": بثلاثة آلاف درهم.

3- أثبتناه من "ج".


الصفحة 242
فألحّوا عليه بالحجارة، فلمّا نظر الكلب إليهم قد ألحّوا عليه بالطرد أقعى على ذنبه وتمطى، ونطق بلسان طلق ذلق وهو ينادي: يا قوم لِمَ تطردوني(1) وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له؟ ذروني أحرسكم عن عدوّكم، قال: فجعلوا يبتدرونه فحملوه على أعناقهم.

قال: فلم يزل الراعي يسير بهم حتّى علا بهم جبلا، فانحطّ بهم على كهف يقال له "الوصيد" فإذا بازاء الكهف عين وأشجار مثمرة، فأكلوا من الثمرة وشربوا من الماء، وجنّهم الليل فآووا إلى الكهف، فأوحى الله جلّ جلاله إلى ملك الموت أن يقبض أرواحهم، ووكّل الله عزوجل بكلّ رجل منهم ملكين يقلبانهم ذات اليمين إلى ذات الشمال ومن ذات الشمال إلى ذات اليمين، فأوحى الله إلى خزّان الشمس وكانت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشمال.

فلمّا رجع دقيانوس من عيده سأل عن الفتية فاُخبر انّهم خرجوا هرابا، فركب في ثمانين ألف حصان، فلم يزل يقفو أثرهم حتّى علا الجبل وانحطّ إلى الكهف، فلمّا نظر إليهم إذا هم نيام، فقال الملك: لو أردت أن اُعاقبهم بشيء ما عاقبتهم بأكثر ما عاقبوا به أنفسهم ولكن ائتوني بالبنائين، وسدّ باب الكهف بالكلس(2) والحجارة، ثمّ قال لأصحابه: قولوا لهم يقولون لإلههم الذي في السماء يذهب بهم(3) إن كانوا صادقين أن يخرجهم من هذا الموضع.

ثمّ قال عليّ عليه السلام: يا أخا اليهود فمكثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فلمّا أراد الله أن يحييهم أمر اسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح، قال: فنفخ فقاموا من رقدتهم، فلمّا أن بزغت الشمس قال بعضهم لبعض: قد غفلنا هذه الليلة عن عبادة

____________

1- في "ب": أتطردوني.

2- الكِلْسُ: مثل الصاروج يُبنى به، وقيل: الكلس ما طُلي به حائط أو باطن قصر شبه الجِصّ من غير آجر. (لسان العرب)

3- في "ج": لينجيهم ممّا بهم.


الصفحة 243
إله السماوات، فقاموا فإذا العين قد غارت والأشجار قد جفّت، فقال بعضهم لبعض: إنّ في أمرنا لعجباً، مثل تلك العين الغزيرة قد غارت في ليلة واحدة، ومثل تلك الأشجار قد جفّت في ليلة.

قال: ومسّهم الجوع فقالوا: ابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيّها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه، وليتلطّف ولا يشعرنّ بكم أحداً، فقال لهم تمليخا: لا يذهب في حوائجكم غيري، ولكن ادفع إليّ أيّها الراعي ثيابك، قال: فدفع الراعي ثيابه إليه ومضى إلى المدينة، فجعل يرى مواضع لا يعرفها وطرقاً هو منكرها حتّى أتى باب المدينة، وإذا عليه علم أخضر مكتوب عليه بصفرة: "لا إله إلاّ الله عيسى رسول الله [وروحه](1)".

قال: فجعل ينظر إلى العلم ويمسح عينيه ويقول: كأنّي نائم، ثمّ دخل المدينة حتّى أتى السوق، فإذا رجل خبّاز فقال: أيّها الخبّاز ما اسم مدينتكم هذه؟ قال: اقسوس، قال: وما اسم ملككم؟ قال: عبد الرحمن، قال: يا هذا حرّكني كأنّي نائم، فقال الخبّاز: أتهزأ بي؟ تكلّمني وأنت نائم، فقال تمليخا للخبّاز: فادفع إليّ بهذا الورق طعاماً.

قال: فتعجّب الخبّاز من ثقل الدرهم ومن كبره، قال: فوثب اليهودي وقال: يا عليّ وما كان وزن كلّ درهم؟ قال عليّ عليه السلام: يا أخا اليهود كان وزن كلّ درهم منها عشرة دراهم وثلثي درهم، فقال له الخباز: يا هذا انّك أصبت كنزاً؟ فقال تمليخا: ما هذه إلاّ ثمن تمرة بعتها منذ ثلاث، وخرجت من هذه المدينة وتركت الناس يعبدون دقيانوس الملك، فغضب وقال: ألا تعطيني بعضها وتنجو، تذكر رجلا خمّاراً(2) كان يدّعي الربوبية قد مات أكثر من ثلاثمائة سنة.

____________

1- أثبتناه من "ج".

2- في "ب": جبّاراً.


الصفحة 244
قال: فتثبت بتمليخا حتّى أدخله على الملك فقال: ما شأن هذا الفتى؟ قال الخباز: هذا الرجل أصاب كنزاً، قال له الملك: يا فتى لا تخف فإنّ نبيّنا عيسى بن مريم عليه السلام أمرنا أن لا نأخذ من الكنوز إلاّ خمسها، فأعطني خمسها وامض سالماً.

قال تمليخا: انظر أيّها الملك في أمري ما أصبت كنزاً، أنا من أهل هذه المدينة، فقال له الملك: أنت من أهلها؟ قال: نعم، قال: فهل تعرف بها أحداً؟ قال: نعم، قال: فسمّ، قال: فسمّى تمليخا نحواً من ألف رجل لا يعرف منهم رجل واحد، قال(1): ما هذه الأسماء أسماء أهل زماننا، قال: فهل لك في هذه المدينة دار؟ قال: نعم، اركب أيّها الملك معي.

قال: فركب الناس معه فأتى بهم أرفع باب دار بالمدينة، فقال تمليخا: هذه الدار داري، فقرع الباب فخرج إليهم شيخ كبير قد وقع حاجباه على عينيه من الكبر فقال: ما شأنكم؟ فقال له الملك: أتينا بالعجب، هذا الغلام يزعم انّ هذه الدار داره، فقال له الشيخ: من أنت؟ فقال: أنا تمليخا قسطيطين(2).

قال: فأكبّ الشيخ على رجليه يقبّلها ويقول: هذا جدّي وربّ الكعبة، فقال: أيّها الملك هؤلاء الستّة الذين خرجوا هرابا من دقيانوس الملك، قال: فنزل الملك عن فرسه وحمله على عاتقه، وجعل الناس يقبّلون يديه ورجليه، فقال: يا تمليخا ما فعل أصحابك؟ فأخبرهم انّهم في الكهف ـ وكان يومئذ بالمدينة واليها ملكان: ملك مسلم وملك نصراني ـ فركبا أصحابهما.

فلمّا صاروا قريباً من الكهف قال لهم تمليخا: يا قوم إنّي أخاف أن يسمع أصحابي أصوات حوافر الخيل فيظنّوا أنّ دقيانوس الملك قد جاء في طلبهم، ولكن

____________

1- زاد في "ج": قال: ما اسمك؟ قال: اسمي تمليخا، قال:....

2- في "ج": تمليخا بن قسطين.


الصفحة 245
أمهلوني حتّى أتقدّم فاُخبرهم، قال: فوقف الناس وأقبل تمليخا حتّى دخل الكهف، فلمّا نظروا إليه اعتنقوه وقالوا: الحمد لله الذي نجّاك من دقيانوس.

قال تمليخا: دعوني عنكم وعن دقيانوس، كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، قال تمليخا: بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين، وقد مات دقيانوس وذهب قرن بعد قرن، وبعث الله عزوجل نبيّاً يقال له المسيح عيسى بن مريم، ورفعه الله عزوجل إليه، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه، قالوا: يا تمليخا أتريد أن تجعلنا فتنة للعالمين؟ قال تمليخا: فما تريدون؟ قالوا: تدعو(1) الله وندعوه معك أن يقبض أرواحنا، ويجعل عشانا عنده في الجنّة.

قال: فرفعوا أيديهم وقالوا: إلهنا بحقّ ما اُتينا(2) من الدين فمر بقبض أرواحنا، فأمر الله عزوجل بقبض أرواحهم، وطمس الله عزوجل على باب الكهف عن الناس، وأقبل الملكان يطوفان على باب الكهف سبعة أيّام لا يجدان للكهف باباً، فقال الملك المسلم: ماتوا على ديننا أبني على باب الكهف مسجداً، قال النصراني: لا بل ماتوا على ديني أبني على باب الكهف ديراً، فاقتتلا فغلب المسلم النصراني وبنى على باب الكهف مسجداً.

ثمّ قال عليّ عليه السلام: سألتك بالله يا يهودي أيوافق ما في توراتكم؟ فقال اليهودي: والله ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمداً رسول الله، وأنّك يا أمير المؤمنين وصيّ رسول الله، فأسلم، وهذا ما انتهى إلينا من حديث أهل الكهف، والحمد لله حقّ حمده وصلّى الله على محمد وآله(3).

____________

1- في "ج": اُدع.

2- في "ج": آتيناه.

3- راجع عرائس المجالس: 371; وكشف اليقين: 431; وقصص الأنبياء للراوندي: 255 ح300; عنه البحار 14: 411 ح1; وتفسير البرهان 2: 460 ح2; والتحصين: 642 باب 27.


الصفحة 246

[في إجابته عليه السلام عن مسائل قيصر]

بحذف الاسناد قال: لمّا جلس عمر في الخلافة جرى بين رجل من أصحابهيقال له الحارث بن سنان الأزدي وبين رجل من الأنصار كلام ومنازعة، فلم ينتصف له عمر فلحق الحارث بن سنان بقيصر وارتدّ عن الإسلام، ونسى القرآن كلّه إلاّ قوله عزوجل: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}(1).

فسمع قيصر هذا الكلام قال: سأكتب إلى ملك العرب بمسائل فإن أخبرني بتفسيرها(2) أطلقت مَنْ عندي مِن الاُسارى، وإن لم يخبرني بتفسير مسائلي عهدت إلى الاسارى فعرضت عليهم النصرانية، فمن قبل منهم استعبدته ومن لم يقبل قتلته.

وكتب إلى عمر بن الخطاب بمسائل أحدها سؤاله عن تفسير الفاتحة، وعن الماء الذي ليس من الأرض ولا من السماء، وعمّا يتنفّس ولا روح فيه، وعن عصى موسى ممّ كانت وما اسمها وما طولها، وعن جارية بكر لأخوين في الدنيا وفي الآخرة لواحد، فلمّا وردت هذه المسائل على عمر لم يعرف تفسيرها ففزع في ذلك إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام، فكتب إلى قيصر:

"من عليّ بن أبي طالب صهر محمد، ووارث علمه، وأقرب الخلق إليه، ووزيره، ومن حقّت له الولاية، وأمر الخلق بالبراءة من أعدائه، قرّة عين رسول الله، وزوج ابنته وأبو ولده(3) إلى قيصر ملك الروم، أمّا بعد فإنّي أحمد الله الذي لاإله إلاّ هو، عالم الخفيّات، ومنزل البركات، من يهدي الله فلا مضلّ له، ومن يضلل الله

____________

1- آل عمران: 85.

2- في "ج": عنها.

3- في "ب": ولديه.


الصفحة 247
فلا هادي له.

ورد كتابك وأقرأنيه عمر بن الخطاب، فأمّا سؤالك عن اسم الله فإنّه اسم فيه شفاء من كلّ داء وعون على كلّ دواء، وأمّا الرحمن فهو عون لكلّ من آمن به وهو اسم لم يتسمّ به غير الرحمن تبارك وتعالى(1)، وأمّا الرحيم فرحيم(2) من عصى وتاب وآمن وعمل صالحاً، وأمّا قوله: الحمد لله ربّ العالمين، فذلك ثناء منّا على ربّنا تبارك وتعالى بما أنعم علينا.

وأمّا قوله: {مالك يوم الدين}، فإنّه يملك نواصي الخلق يوم القيامة، وكلّ من كان في الدنيا شاكّاً أو جبّاراً أدخله النار، ولا يمتنع من عذاب الله عزوجل شاك ولا جبّار، وكلّ من كان في الدنيا طائعاً مديماً محا خطاياه وأدخله الجنّة برحمته.

وأمّا قوله: {إيّاك نعبد}، فإنّا نعبد الله ولا نشرك به شيئاً. وأمّا قوله: {وإيّاك نستعين}، فإنّا نستعين بالله عزوجل على الشيطان لا يضلّنا كما أضلّكم، وأمّا قوله: {اهدنا الصراط المستقيم}، فذلك الطريق الواضح من عمل في الدنيا عملا صالحاً فإنّه يسلك على الصراط إلى الجنّة، وأمّا قوله: {صراط الذين أنعمت عليهم}، فتلك النعمة التي أنعمها الله عزوجل على من كان قبلنا من النبيّين والصدّيقين، فنسأل الله ربّنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم.

وأمّا قوله عزوجل: {غير المغضوب عليهم}، فاُولئك اليهود بدّلوا نعمة الله كفراً فغضب عليهم، فجعل منهم القردة والخنازير، فنسأل الله ربّنا أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم، وأمّا قوله: {ولا الضالين}، فأنت وأمثالك يا عابد الصليب الخبيث ضللتم من بعد عيسى بن مريم، نسأل الله ربّنا أن لا يضلّنا كما ضللتم.

____________

1- في "ب": غيره هو الله تبارك وتعالى.

2- في "ب": فرحم.


الصفحة 248
وأمّا سؤالك عن الماء الذي ليس من الأرض ولا من السماء، فذلك الذي بعثه بلقيس إلى سليمان بن داود عليه السلام، وهو عرق الخيل إذا جرت في الحروب، وأمّا سؤالك عمّا يتنفّس ولا روح له فذلك الصبح إذا تنفّس، وأمّا سؤالك عن عصى موسى ممّا كانت وما طولها وما اسمها وما هي، فإنّها كان يقال لها البرنية، وتفسير البرنية الزائدة(1)، وكان إذا كانت فيها الروح زادت وإذا خرجت منها الروح نقصت، وكانت من عوسج، وكانت عشرة أذرع، وكانت من الجنّة أنزلها جبرئيل عليه السلام على شعيب عليه السلام.

وأمّا سؤالك عن جارية تكون في الدنيا لأخوين وفي الآخرة لواحد، فتلك النخلة هي في الدنيا لمؤمن مثلي ولكافر مثلك ونحن من ولد آدم، وفي الآخرة للمسلم دون المشرك وهي في الجنّة ليست في النار، وذلك قوله عزوجل: {فيهما فاكهة ونخل ورمان}(2).

ثمّ طوى الكتاب وأنفذه، فلمّا قرأه قيصر عمد إلى الاُسارى واختارهم ودعا أهل مملكته إلى الإسلام والايمان بمحمّد صلى الله عليه وآله، فاجتمعت عليه النصارى وهمّوا بقتله، فجاء بهم(3) فقال: يا قوم إنّي أردت أن اُجرّبكم، وإنّما أظهرت منه ما أظهرت لأنظر كيف تكونون، فقد حمدت الآن أمركم عند الاختبار، فسكنوا(4) واطمأنّوا فقالوا: كذلك الظنّ بك.

وكتم قيصر اسلامه حتّى مات وهو يقول لخواص أصحابه ومن يثق به: إنّ عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، ومحمد صلى الله عليه وآله نبيّ بعد عيسى، وانّ عيسى بشّر أصحابه بمحمد صلى الله عليه

____________

1- في "ج": الزابدة.

2- الرحمن: 68.

3- في "ج": فأجابهم.

4- في "ج": فسكتوا.


الصفحة 249
وآله ويقول: من أدركه منكم فليقرأه منّي السلام، فإنّه أخي وعبد الله ورسوله.

ومات قيصر على القول مسلماً، فلمّا مات وتولّى بعده هرقل أخبروه بذلك، قال: اكتموا هذا وأنكروه ولا تقرّوا فإنّه إن ظهر طمع ملك العرب، وفي ذلك فسادنا وهلاكنا، فمن كان من خواص قيصر وخدمه وأهله على هذا الرأي كتموه، وهرقل أظهر النصرانية وقوى أمره، والحمد لله وحده وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وسلّم(1).

[خبر الراهب مع خالد بن الوليد]

بحذف الاسناد قال سهل بن حنيف الأنصاري: أقبلنا مع خالد بن الوليد فانتهينا(2) إلى دير فيه ديراني فيما بين الشام والعراق، فأشرف علينا وقال: من أنتم؟ قلنا: نحن المسلمون اُمّة محمد صلى الله عليه وآله، فنزل إلينا فقال: أين صاحبكم؟ فأتينا به خالداً، فسلّم على خالد فردّ عليه السلام، قال: وإذا بشيخ كبير، فقال له خالد: كم أتى(3) عليك؟ قال: مائتا سنة وثلاثون سنة.

قال: منذ كم سكنت ديرك هذا؟ قال: سكنته منذ نحو ستّين سنة، قال: هل لقيت أحداً لقى عيسى بن مريم عليه السلام؟ قال: نعم لقيت رجلين، قال: وما قالا لك؟ قال: قال لي أحدهما: انّ عيسى عبد الله ورسوله وروح الله وكلمته ألقاها إلى مريم أمته، وانّ عيسى مخلوق غير خالق، فقبلت منه وصدّقته، وقال لي الآخر: إنّ عيسى هو ربّه، فكذبّته ولعنته.

قال خالد: انّ ذا لعجب، كيف يختلفا(4) وقد لقيا عيسى عليه السلام؟ قال

____________

1- عنه البحار 10: 60 ح4.

2- في "ج": فأتينا.

3- في "ج": مضى.

4- في "ب": مختلفان، وفي "ج": اختلفا.


الصفحة 250
الديراني: اتّبع هذا هواه وزيّن له الشيطان سوء عمله، واتّبع ذلك الحق وهداه الله عزوجل، قال: هل قرأت الانجيل؟ قال: نعم، قال: فالتوراة؟ قال: نعم، قال: فآمنت بموسى؟ قال: نعم، قال: فهل لك في الإسلام أن تشهد أنّ محمداً رسول الله، وتؤمن به وبما جاء به؟ قال: آمنت به قبل أن تؤمن به وإن كنت لم أسمعه ولم أره.

قال: فأنت الساعة تؤمن بمحمد وبما جاء به؟ قال: وكيف لا اُؤمن به وقد قرأته في التوراة والانجيل، وبشّرني به موسى وعيسى عليهما السلام، قال: فما مقامك في هذا الدير؟ قال: فأين أذهب وأنا شيخ كبير، ولم يكن لي أمراً(1) انهض به، وبلغني مجيئكم فكنت أنتظر أن ألقاكم واُلقي إليكم اسلامي(2) واُخبركم انّي على ملّتكم، فما فعل نبيّكم؟ قالوا: توفّى صلى الله عليه وآله.

قال: فأنت وصيّه؟ قال: لا، ولكن رجل من عشيرته وممّن صحبه، قال: فمن بعثك إلى هاهنا وصيّه؟ قال: لا ولكن خليفته، قال: غير وصيّه؟ قال: نعم، قال: فوصيّه حيّ؟ قال: نعم، قال: فكيف ذلك؟ قال: اجتمع الناس على هذا الرجل، وهو رجل من عشيرته ومن صالح الصحابة، قال: فما أراك إلاّ أعجب من الرجلين اللذين اختلفا في عيسى وقد لقياه وسمعا به، وهو ذا أنتم قد خالفتم نبيّكم وفعلتم مثل ما فعل ذلك الرجل.

قال: فالتفت خالد إلى من يليه وقال: هو والله ذلك، اتّبعنا هوانا والله وجعلنا رجلا مكان رجل، ولولا ما كان بيني وبين عليّ من الخشونة على عهد النبي صلى الله عليهوآله ما مالأت(3) عليه أحداً، فقال له الأشترالنخعي ـ مالك بن الحارث ـ: ولم كان ذلك بينك وبين عليّ ما كان؟

____________

1- في البحار: لم يكن لي عمر....

2- في "ج": سلامي.

3- في "ج": ما واليت.


الصفحة 251
قال خالد: نافسته في الشجاعة ونافسني فيها، وكان له من السوابق والقرابة ما لم يكن لي، فداخلني حمية قريش فكان ذلك، ولقد عاتبتني في ذلك اُمّ سلمة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وهي لي ناصحة فلم أقبل منها، ثمّ عطف على الديراني فقال: هلم(1) حديثك وما تخبر(2)، قال: اُخبرك انّي كنت من أهل دين كان جديداً فخلق حتّى لم يبق منهم من أهل الحق إلاّ الرجلان أو الثلاثة، ويخلق دينكم حتّى لا يبقى منه إلاّ الرجلان أو الثلاثة.

واعلموا انّ بموت نبيّكم قد تركتم من الإسلام درجة، وستتركون بموت وصيّ نبيّكم من الإسلام درجة اُخرى إذ لم يبق أحد رأى نبيّكم صلى الله عليه وآله أو صحبه، وسيخلق دينكم حتّى تفسد صلاتكم وحجّكم وغزوكم وصومكم، وترتفع الأمانة والزكاة منكم، ولن تزال فيكم بقية ما بقي كتاب ربّكم عزوجل فيكم، وما بقي فيكم أحد من أهل بيت نبيّكم، فإذا رفع هذان منكم لم يبق من دينكم إلاّ الشهادتان: شهادة التوحيد وشهادة انّ محمّداً رسول الله صلى الله عليه وآله، فعند ذلك تقوم قيامتكم وقيامة غيركم، ويأتيكم ما توعدون، ولم تقم الساعة إلاّ عليكم لأنّكم آخر الاُمم، بكم تختم الدنيا وعليكم تقوم الساعة.

قال له خالد: قد أخبرنا بذلك نبيّنا، فأخبرنا بأعجب شيء رأيته منذ سكنت ديرك هذا وقبل أن تسكنه، قال: لقد رأيت ما لا اُحصي من العجب، وأفنيت ما لا اُحصي من الخلق، قال: فحدّثنا ببعض ما تذكره، قال: نعم، كنت أخرج بين الليالي إلى غدير كان في سفح الجبل أتوضّأ منه وأتزوّد من الماء ما أصعد به معي إلى ديري، وكنت أستريح إلى النزول فيه بين العشائين، فأنا عنده ذات ليلة إذا أنا برجل قد أقبل، فسلّم فرددت عليه السلام، فقال: هل مرّ بك قوم معهم غنم

____________

1- في "ج": هات.

2- في "ب": وما الخبر.


الصفحة 252
وراعي أو حسستهم؟ قلت: لا.

قال: إنّ قوماً من العرب مرّوا بغنم وفيها مملوك لي يرعاها، فاستاقوها وذهبوا بالعبد معها، قلت: وممّن أنت؟ قال: أنا رجل من بني اسرائيل(1)، قال: فما دينك؟ قلت: أنت فما دينك؟ قال: ديني اليهوديّة، فقلت: أنا ديني النصرانيّة، وأعرضت عنه بوجهي، قال لي: ما لك فإنّكم أنتم ركبتم الخطأ ودخلتم فيه وتركتم الصواب، فلم يزل يحاورني فقلت له: هل لك أن نرفع أيدينا فنبتهل؟ فأيّنا كان على الباطل دعونا الله عليه أن ينزل عليه ناراً تحرقه من السماء.

فرفعنا أيدينا فما استتمّ الكلام حتّى نظرت إليه يلتهب وما تحته من الأرض، فلم ألبث أن أقبل رجل فسلّم، فرددت عليه فقال: هل رأيت رجلا من صفته كيت وكيت؟ قلت: نعم وحدّثته، قال: كذبت ولكنّك قتلت أخي يا عدوّ الله ـ وكان مسلماً ـ فجعل يسبّني فجعلت أردّه عنّي بالحجارة، وأقبل يشتمني ويشتم المسيح ومن هو على دين المسيح، فبينما هو كذلك إذ نظرت إليه يحترق وقد أخذته النار التي أخذت أخاه، ثمّ هوت به النار في الأرض.

فبينما أنا كذلك قائماً أتعجّب إذ أقبل رجل ثالث: فسلّم فرددت عليه السلام، فقال: هل رأيت رجلين من حالهما وصفتهما كيت وكيت؟ قلت: نعم وكرهت أن اُخبره كما أخبرت أخاه فيقاتلني، فقلت له: هلمّ اُريك أخويك، فانتهيت به إلى موضعهما، فنظر إلى الأرض يخرج منها الدخّان، فقال: ما هذه؟ فأخبرته، فقال: والله لئن أجابني أخواي بتصديقك لأتّبعك(2) في دينك، ولئن كان غير ذلك لأقتلنّك أو تقتلني.

فصاح به: يا دانيال أحق ما يقول هذا الرجل، قال: نعم يا هارون، فصدّقه

____________

1- هكذا في "الف" والبحار، لكن زاد في "ب" و "ج": فمن أنت؟ قلت: أنا رجل من بني اسرائيل.

2- في "ب": لاتّبعتك.


الصفحة 253
فقال: أشهد انّ عيسى بن مريم روح الله وكلمته وعبده ورسوله، قلت: الحمد لله الذي قد هداك، قال: فإنّي أجبتك(1) في الله وانّ لي أهلا وولداً وغنماً ولولاهم لسحت في الأرض، ولكن بقياي(2) عليهم شديدة، وأرجو أن أكون في القيامة بهم مأجوراً، ولعلّي أنطلق فآتي بهم فأكون بالقرب معك.

فانطلق فغاب عنّي ليالي ثمّ انّه أتاني فهتف بي ليلة من الليالي، فإذا هو قد جاء ومعه أهله وغنمه، فضرب له خيمة هاهنا بالقرب منّي، فلم أزل أنزل إليه في آناء الليل وأتعاهده واُلاقيه [وأقعد عنده](3)، وكان لي أخ صدق في الله، فقال لي ذات ليلة: يا هذا إنّي قرأت في التوراة فإذا فيها صفة محمد النبيّ الأمين(4)، فقلت: وأنا قرأت صفته في التوراة والانجيل فآمنت به، وعلمته من الانجيل وأخبرته بصفته في الانجيل، فآمنّا به ـ أنا وهو ـ وأحببناه وتمنّينا لقاءه.

قال: فمكث كذلك زماناً وكان من أفضل ما رأيت وكنت أستأنس إليه، وكان من فضله انّه يخرج بغنمه يرعاها، فينزل بالمكان المجدب(5) فيصير ما حوله أخضر من البقل، وكان إذا جاء المطر جمع غنمه حوله فيصير حول غنمه وخيمته مثل الاكليل من أثر المطر ولم يصب خيمته ولا غنمه منه شيء، وإذا كان الصيف كان على رأسه أينما توجّه سحابة، وكان بيّن الفضل كثير الصوم والصلاة.

قال: فحضرته الوفاة فدعيت إليه فقلت له: ما كان سبب مرضك ولم أعلم به؟ قال: انّي ذكرت خطيئة فارقتها في حداثتي فغشي عليّ ثمّ أفقت، ثمّ ذكرت خطيئة اُخرى فغشي عليّ فأورثني ذلك مرضاً، فلست أدري ما حالي، ثمّ قال: فإن

____________

1- في "ج": أحببتك في الله، وفي البحار: فإنّي اُواخيك في الله.

2- في "ج": محنتي بقيامي، وفي البحار: مفارقتي.

3- أثبتناه من "ج".

4- في البحار: النبيّ الاُمّي.

5- المِجْدابُ: الأرض التي لا تكاد تُخْصِبُ. (القاموس)


الصفحة 254
لقيت(1) محمّداً صلى الله عليه وآله نبيّ الرحمة فاقرأه منّي السلام، وإن لم تلقه ولقيت وصيّه فاقرأه منّي السلام، وهي حاجتي إليك ووصيّتي، قال الديراني: وإنّي مودعكم إلى وصيّ أحمد منّي ومن صاحبي السلام.

قال سهل بن حنيف: فلمّا رجعنا إلى المدينة لقيت علياً عليه السلام فأخبرته خبر الديراني وخبر خالد، وما أودعنا إليه الديراني من السلام منه ومن صاحبه، قال: فسمعته يقول: وعليهما وعلى من مثلهما السلام، وعليك يا سهل بن حنيف السلام، وما رأيته اكترث بما أخبرته من خالد بن الوليد وما قال، وما ردّ عليّ شيئاً غير انّه قال: يا سهل بن حنيف انّ الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله فلم يبق في الأرض شيء إلاّ علم انّه رسول الله إلاّ أشقى الثقلين وعصاتهما، قال سهل: وما في الأرض من شيء داحره(2) إلاّ شقيّ الثقلين وعصاتهما.

قال سهل: فعبرنا(3) زماناً ونسيت ذلك، فلمّا كان من أمر عليّ ما كان توجّهنا معه، فلمّا رجعنا من صفين نزلنا أرضاً قفراء ليس بها ماء فشكونا ذلك إلى عليّ، فانطلق يمشي على قدميه حتّى انتهى إلى موضع كأنّه يعرفه، فقال: احفروا هاهنا، فحفرنا فإذا صخرة صماء عظيمة، قال: اقلعوها، قال: فجهدنا أن نقلعها فما استطعنا، قال: فتبسّم أمير المؤمنين عليه السلام من عجزنا عنها، ثمّ أهوى بيديه جميعاً كأنّما كانت في يده كرة فإذا تحتها عين بيضاء كأنّها من شدّة بياضها اللجين المجلو، قال: دونكم فاشربوا واسقوا وتزوّدوا ثمّ آذنوني بها.

قال: ففعلنا ثمّ أتينا، فأقبل يمشي إليها بغير رداء ولا حذاء، فتناول الصخرة بيده ثمّ دحا بها في فم العين فألقمها إيّاها، ثمّ حثا بيده التراب عليها، وكان ذلك بعين

____________

1- في "ج": رأيت.

2- دَحَرَهُ يَدْحَرُهُ دَحْراً ودُحُوراً: دفعه وأبعده. (لسان العرب) وجاء في "ج": (ما في الأرض من شيء ذي حسرة)، وفي البحار: (... من شيء فاخره).

3- في "ج": فعمرنا.


الصفحة 255
الديراني، وكان بالقرب منها ومنّا يرانا ويسمع كلامنا.

قال: فنزل فقال: أين صاحبكم؟ فانطلقنا به إلى عليّ عليه السلام، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله وأنّك وصيّ محمد صلى الله عليه وآله، ولقد كنت أرسلت بالسلام عنّي وعن صاحب لي مات ـ كان أوصاني بذلك ـ مع جيش لكم منذ كذا وكذا من السنين، قال سهل: فقلت: يا أمير المؤمنين هذا الديراني الذي كنت أبلغتك عنه وعن صاحبه السلام، قال: وذكر الحديث يوم مررنا مع خالد، فقال له عليّ عليه السلام: وكيف علمت انّي وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله؟

قال: أخبرني أبي ـ وكان قد أتى عليه العمر مثل ما أتى عليّ ـ عن أبيه، عن جدّه، عمّن قاتل مع يوشع بن نون وصيّ موسى عليه السلام حين توجّه فقاتل الجبّارين بعد موسى بأربعين سنة، انّه مرّوا بهذا المكان وانّ أصحابه عطشوا، فشكوا إليه العطش فقال: اما انّ بقربكم عيناً نزلت من الجنّة استخرجها آدم عليه السلام، فقام إليها يوشع بن نون فنزع عنها الصخرة، ثمّ شرب وشرب أصحابه وسقوا، ثمّ قلب الصخرة وقال لأصحابه: لا يقلبها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ.

قال: فتخلّف نفر من أصحاب يوشع بعدما مضى فجهدوا الجهد على أن يجدوا موضعها فلم يجدوه، وإنّما بني هذا الدير على هذه العين وعلى بركتها وطلبتها، فعلمت حين استخرجتها انّك وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كنت أطلب، وقد أحببت الجهاد معك، قال: فحمله على فرس وأعطاه سلاحاً، فخرج مع الناس وكان ممّن استشهد يوم النهر(1).

قال: وفرح أصحاب عليّ بحديث الديراني فرحاً شديداً، قال: وتخلّف قوم بعدما رحل العسكر وطلبوا العين فلم يدروا أين موضعها فلحقوا بالناس، قال

____________

1- في "ج": النهروان.


الصفحة 256
صعصعة بن صوحان: وأنا رأيت الديراني يوم نزل إلينا حين قلب [عليّ عليه السلام الصخرة عن](1) العين وشرب منها الناس وسمعت حديثه لعليّ، وحدّثني ذلك اليوم سهل بن حنيف بهذا الحديث حين مرّوا مع خالد(2).

تمّ الحديث والحمد لله وحده، وصلّى الله على سيّدنا محمد النبي وآله وسلّم.

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قام عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: انّك لا تزال تقول لعليّ: "أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبيّ بعدي" وقد ذكر الله هارون في القرآن ولم يذكر علياً، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا عمر(3) يا غليظ! أما سمعت قول الله عزوجل: {هذا صراط عليّ مستقيم}(4)(5).

[إخباره عليه السلام بما يقول الناقوس]

بحذف الاسناد عن الحارث الأعور قال: بينما أنا أسير مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الحيرة إذا نحن بديراني يضرب الناقوس، قال عليّ عليه السلام: يا حارث أتدري ما يقول هذا الناقوس؟ قلت: الله ورسوله وابن عمّ رسوله أعلم.

قال: انّه يضرب مثل الدنيا وخرابها ويقول: لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، صدقاً صدقاً، انّ الدنيا قد غرّتنا وشغلتنا واستهوتنا واستغوتنا، يا ابن الدنيا مهلا مهلا، يا

____________

1- أثبتناه من "ب" و "ج".

2- عنه البحار 10: 62 ح5.

3- في "ج": يا أعرابي.

4- الحجر: 41.

5- مناقب ابن شهر آشوب 3: 107; فصل في تسميته بعلي والمرتضى... ; عنه البحار 35: 58; مائة منقبة لابن شاذان: 139 ح85; وفي فرايد السمطين 2: 258; وشواهد التنزيل 1: 60 قطعة منه.