الصفحة 12
بلا علم وبصيرة في أمرها.

ثم زيف الكتب الأربعة المذكورة بما فيها من الآحاد، واشتمال بعض أسانيدها برجال قذفهم بأشياء هم برءاء منها، وآخرين لا يقدح انحرافهم المذهبي في ثقتهم في الرواية، وأحاديث هؤلاء من النوع الذي تسميه الشيعة بالموثق، وهاك أناس يرمون بالضعف لكن خصوص رواياتهم تلك مكتنفة بإمارات الصحة، وعلى هذا عمل المحدثين من أهل السنة والشيعة في مدوناتهم الحديثية، فالرجل جاهل بدراية الحديث وفنونه، أو: راقه أن يتجاهل حتى يتحامل بالوقيعة، ولو راجع مقدمة (فتح الباري) في شرح صحيح البخاري لابن حجر، وشرحه للقسطلاني، وشرحه للعيني، وشرح مسلم للنووي وأمثالها لوجد فيها ما يشفي غلته، وكف عن نشر الأباطيل مدته (1).

4 - قال: يروي [الطوسي] عن ابن المعلم وهو يروي عن ابن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزورة، ويروي عن المرتضى أيضا. وقد طلبا العلم معا وقرءا على شيخهما محمد بن النعمان، وهو أكذب من مسيلمة الكذاب، وقد جوز الكذب لنصرة المذهب. ص 57.

ج - إن صاحب التوقيع الذي حسبه الرجل رقعة مزورة هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (بالبائين الموحدتين لا المصدرة بالميم) وهو الصدوق الأول توفي 329 قبل مولد الشيخ المفيد ابن المعلم بسبع أو تسع سنين، فإنه ولد سنة 336 / 8 فليس من الممكن روايته عنه، نعم له رواية عن ولده الصدوق أبي جعفر محمد بن علي وليس هو صاحب التوقيع.

وليتني علمت من ذا الذي أخبر الآلوسي بأن شيخ الأمة المفيد [المدفون في رواق الإمامين الجوادين صاحب القبة والمقام المكين] أكذب من مسيلمة الكذاب الكافر بالله؟!.

ما أجرأه على هذه القارصة الموبقة!؟ وكيف أحفه؟! (2) وهذا اليافعي يعرفه في مرآته ج 3 ص 28 بقوله: كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة

____________

(1) المدة: غمس القلم في الدواة مرة للكتابة.

(2) أحف الرجل: ذكره بالقبح.

الصفحة 13
شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضا، البارع في الكلام والجدل والفقه، و كان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة. والعظمة في الدولة البويهية، وقال ابن أبي طي: كان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس.

وقول ابن كثير في تأريخه 12 ص 15: كان مجلسه يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف. ينم عن أنه شيخ الأمة الإسلامية لا الإمامية فحسب، فيجب إكباره على أي معتنق بالدين.

أهكذا أدب العلم والدين؟ أفي الشريعة والأخلاق مساغ للنيل من أعراض العلماء والوقيعة فيهم والتحامل عليهم بمثل هذه القارصة؟ أفي ناموس الاسلام ما يستباح به أن يحط بمسلم إلى حضيض يكون أخفض من الكافر مهما شجر الخلاف واحتدم البغضاء؟! فضلا عن مثل الشيخ المفيد الذي هو من عمد الدين وأعلامه، و من دعاة الحق وأنصاره، وهو الذي أسس مجد العراق العلمي وأيقظ شعور أهليها وماذا عليه؟ غير أنه عرف المعروف الذي أنكره الآلوسي، وتسنم ذروة من العلم والعمل التي تقاعس عنها المتهجم.

وليته أشار إلى المصدر الذي أخذ عنه نسبة تجويز الكذب لنصرة المذهب إلى الشيخ المفيد من كتبه أو كتب غيره، أو إسناد متصل إليه، أما مؤلفاته فكلها خالية عن هذه الشائنة، ولا نسبها إليه أحد من علمائنا، وأما الاسناد فلا تجد أحدا أسنده إليه متصلا كان أو مرسلا، فالنسبة غير صحيحة، وتعكير الصفو بالنسب المفتعلة ليس من شأن المسلم الأمي فضلا عن مدعي العلم.

5 - قال تحت عنوان [تعبد الإمامية بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر] نعم: إنهم أخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من الرقاع المزورة التي لا يشك عاقل في أنها افتراء على الله، والعجب من الروافض أنهم سموا صاحب الرقاع بالصدوق وهو الكذوب، بل: إنه عن الدين المبين بمعزل.

كان يزعم أنه يكتب مسألة في رقعة فيضعها في ثقب شجرة ليلا فيكتب الجواب عنها المهدي صاحب الزمان بزعمهم، فهذه الرقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم، فتبا...


الصفحة 14
واعلم أن الرقاع كثيرة منها: رقعة علي بن الحسين بن موسى بن مابويه القمي فإنه كان يظهر رقعة بخط الصاحب في جواب سؤاله ويزعم أنه كاتب أبا القاسم بن أبي الحسين ابن روح أحد السفرة على يد علي بن جعفر بن الأسود أن يوصل له رقعته إلى الصاحب [أي المهدي] وأرسل إليه رقعة زعم أنها جواب صاحب الأمر له.

ومنها: رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري أبو جعفر القمي، كاتب صاحب الأمر سأله مسائل في الشريعة قال: قال لنا أحمد بن الحسين: وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور، ذكر تلك الأجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتابه (الغيبة) وكتاب (الاحتجاج).

والتوقيعات خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة، وقد رجحوا التوقيع على المروي بإسناد صحيح لدى التعارض، قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في [باب الرجل يوصي إلى الرجلين]: هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد ابن الحسن بن علي، وفي الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق، ثم قال: لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خط الحسن بن علي.

ومنها: رقاع أبي العباس جعفر بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي.

ومنها: رقاع أخيه الحسين ورقاع أخيه أحمد.

وأبو العباس هذا قد جمع كتابا في الأخبار المروية عنه وسماه [قرب الاسناد إلى صاحب الأمر].

ومنها: رقاع علي بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي، فإنه كان يدعي المكاتبة أيضا ويظهر الرقاع.

هذه نبذة مما بنوا عليه أحكامهم ودانوا به، وهي نغبة من دأماء، (1) وقد تبين بها حال دعوى الرافضي في تلقي دينهم عن العترة. إلخ. ص 58، 61.

ج - كان حقا علي الرجل نهي جمال الدين القاسمي عن أن يظهر كتابه إلى غيره،

____________

(1) النغبة: الجرعة. الدأماء: البحر.

الصفحة 15
كما كان على السيد محمد رشيد رضا أن يحرج على الشيعة بل أهل النصفة من قومه أيضا أن يقفوا على رسالته، إذ الأباطيل المبثوثة في طيهما تكشف عن السوئة، وتشوه السمعة، ولا تخفى على أي مثقف، ولا يسترها ذيل العصبية، ولا تصلحها فكرة المدافع عنها، مهما كان القارئ شريف النفس، حرا في فكرته وشعوره.

كيف يخفى على الباحث؟! أن الإمامية لا تتعبد بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر، وكلام الرجل ومن لف لفه كما يأتي عن القصيمي في [الصراع بين الاسلام والوثنية] أوضح ما هناك من السر المستسر في عدم تعبدهم بها، وعدم ذكر المحامدة الثلاثة (1) مؤلفي الكتب الأربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الإمامية في تلكم التآليف شيئا من الرقاع والتوقيعات الصادرة من الناحية المقدسة، وهذا يوقظ شعور الباحث إلى أن مشايخ الإمامية الثلاثة كانوا عارفين بما يؤل إليه أمر الأمة من البهرجة وإنكار وجود الحجة، فكأنهم كانوا منهيين عن ذكر تلك الآثار الصادرة من الناحية الشريفة في تآليفهم مع أنهم هم رواتها وحملتها إلى الأمة، وذلك لئلا يخرج مذهب العترة عن الجعفرية الصادقة إلى المهدوية، حتى لا يبقى لرجال العصبية العمياء مجال للقول بأن مذهب الإمامية مأخوذ من الإمام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم، وأنهم يتعبدون بالرقاع المزورة في حسبانهم، وهذا سر من أسرار الإمامة يؤكد الثقة بالكتب الأربعة والاعتماد عليها.

هذا ثقة الاسلام الكليني مع أن بيئته (بغداد) تجمع بينه وبين سفراء الحجة المنتظر الأربعة، ويجمعهم عصر واحد، وقد توفي في الغيبة الصغرى سنة 323، و ألف كتابه خلال عشرين سنة، تراه لم يذكر قط شيئا من توقيعات الإمام المنتظر في كتابه (الكافي) الحافل المشتمل على ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا، مع أن غير واحد من تلك التوقيعات يروى من طرقه، وهو يذكر في كتابه كثيرا من توقيعات بقية الأئمة من أهل بيت العصمة سلام الله عليهم.

وهذا أبو جعفر بابويه الصدوق مع روايته عدة من تلك الرفاع الكريمة

____________

(1) أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.

الصفحة 16
في تأليفه [إكمال الدين] وعقده لها بابا فيه ص 266 لم يذكر شيئا منها في كتابه الحافل [من لا يحضره الفقيه].

نعم: في موضع واحد منه [على ما وقفت] يذكر حديثا في مقام الاعتضاد من دون ذكر وتسمية للإمام عليه السلام وذلك في ج 2 ص 41 ط لكهنو قال: الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه.

وبعدهما شيخ الطايفة أبو جعفر الطوسي فإنه مع روايته توقيعات الأحكام الصادرة من الناحية المقدسة إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب (الغيبة) ص 184 - 214 و 243 - 258 لم يورد شيئا منها في كتابيه [التهذيب والاستبصار] اللذين يعدان من الكتب الأربعة عمد مصادر الأحكام.

ألا تراهم؟ أجمعوا برواية توقيع إسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدسة ورواه أبو جعفر الصدوق عن أبي جعفر الكليني في الاكمال ص 266، والشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده عن الكليني أيضا في كتاب (الغيبة) ص 188، وفيه أحكام مسائل ثلاث عنونوها في كتبهم الأربعة واستدلوا عليها بغير هذا التوقيع وليس فيها منه عين ولا أثر ألا وهي:

1 - حرمة الفقاع

عنونها الكليني في الكافي 2 ص 197. والشيخ في التهذيب 2 ص 313. وفي الاستبصار 2 ص 245. وتوجد في الفقيه 3 ص 217، 361، ولها عنوان في الوافي جمع الكتب الأربعة في الجزء الحادي عشر ص 88. وتوجد من أدلة الباب خمسة توقيعات للإمامين: أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الثاني. وليس فيها عن التوقيع المهدوي ذكر.

2 - تحليل الخمس للشيعة

عنونها الكليني في الكافي 1 ص 425. والشيخ في التهذيب 1 ص 256 - 259

الصفحة 17
والاستبصار في الجزء الثاني ص 33 - 36 وذكرها الصدوق في الفقيه في الجزء الثاني ص 14، وهي معنونة في الوافي في الجزء السادس 45 - 48، ومن أدلة الباب مكاتبة الإمامين: أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الجواد عليهما السلام، وليس فيها ذكر عن توقيع الحجة.

3 - ثمن المغنية.

المسألة معنونة في الكافي 1 ص 361. وفي التهذيب 2 ص 107 وفي الاستبصار ج 2 ص 36. وتوجد في الفقيه 3 ص 53: وهي معنونة في جمعها الوافي في الجزء العاشر ص 32. ولا يوجد فيها إيعاز إلى توقيع الإمام المنتظر.

فكلمة الآلوسي هذه أرشدتنا إلى جانب مهم، وعرفتنا بذلك السر المكتوم، وأرتنا ما هناك من حكمة صفح المشايخ عن تلكم الأحاديث الصادرة من الإمام المنتظر وهي بين أيديهم وأمام أعينهم. فأنت جد عليم بأنه لو كان هناك شيئ مذكور منها في تلكم الأصول المدونة لكان باب الطعن على المذهب الحق (الإمامية) مفتوحا بمصراعيه، ولكان تطول عليهم ألسنة المتقولين، ويكثر عليهم الهوس والهياج ممن يروقه الوقيعة فيهم والتحامل عليهم.

إذن فهلم معي نسائل الرجل عن همزه ولمزه بمخاريقه وتقولاته وتحكماته وتحرشه بالوقيعة نسائله متى أخذت الإمامية غالب مذهبهم من الرقاع وتعبدوا بها؟

ومن الذي اعترف منهم بذلك؟ وأنى هو؟ وفي أي تأليف اعترف؟ أم بأي راو ثبت عنده ذلك؟.

وأنى للصدوق رقاع؟ ومتى كتبها؟ وأين رواها؟ ومن ذا الذي نسبها إليه؟ و قد جهل الرجل بأن صاحب الرقعة هو والده الذي ذكره بقوله: منها رقعة علي بن الحسين.

وما المسوغ لتكفيره؟ وهو من حملة علم القرآن والسنة النبوية، ومن الهداة إلى الحق ومعالم الدين، دع هذه كلها ولا أقل من أنه مسلم يتشهد بالشهادتين، و يؤمن بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل إليه واليوم الآخر، أهكذا قرر أدب الدين. أدب العلم. أدب العفة. أدب الكتاب. أدب السنة؟ أم تأمره به أحلامه؟ أبهذا السباب المقذع، والتحرش بالبذاء والقذف، يتأتى الصالح العام؟ وتسعد الأمة الاسلامية؟

الصفحة 18
وتجد رشدها وهداها؟.

ثم من الذي أخبره عن مزعمة الصدوق بنيل حاجته من ثقب الأشجار؟ و الصدوق متى سأل؟ وعماذا سأل؟ حتى يكتب ويضع في ثقب شجرة أو غيرها ليلا أو نهارا ويجد جوابه فيها. ومن الذي روى عنه تلك الأسئلة؟ ومن رأى أجوبتها؟ ومن حكاها؟ ومتى ثبتت عند الرافضة حتى تكون من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم؟ نعم: فتبا...

وليتني أقف وقومي على تلك الرقاع الكثيرة وقد جمعها العلامة المجلسي في المجلد الثالث عشر من (البحار) في اثنتي عشرة صحيفة من ص 237 - 249 والتي ترجع منها إلى الأحكام إنما تعد بالآحاد ولا تبلغ حد العشرات، فهل مستند تعبد الإمامية من بدء الفقه إلى غايته هذه الصحايف المعدودة؟ أم يحق أن تكون تلك المعدودة بالآحاد هي مأخذ غالب مذهبهم؟. أنا لا أدري لكن القارئ يدري، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله:

وليته كان يذكر رقعة علي بن الحسين بن بابويه بنصها حتى تعرف الأمة أنها رقعة واحدة ليست إلا، وليس فيها ذكر من الأحكام حتى تتعبد بها الإمامية، وإليك لفظها برواية الشيخ في كتاب (الغيبة).

كتب علي بن الحسين إلى الشيخ أبي القاسم حسين بن روح على يد علي بن جعفر أن يسأل مولانا الصاحب أن يرزقه أولادا فقهاء. فجاء الجواب: إنك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين (1). أترى هذه الرقعة مما يؤخذ منه المذهب؟! أو فيها مسة بالتعبد؟

وأما رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري التي توجد في كتابي (الغيبة) و (الاحتجاج) فليست هي إلا رقاعا أربعا ذكر الشيخ في (الغيبة) منها اثنتين في ص 244 - 250 تحتوي إحداهما تسع مسائل والأخرى خمسة عشر سؤالا، وزادهما الطبرسي في (الاحتجاج) رقعتين، ولو كان المفتري منصفا لكان يشعر بأن عدم إدخال الشيخ هذه المسائل في كتابيه: [التهذيب والاستبصار] إنما هو لدحض هذه الشبهة، وقطع

____________

(1) وقد ولد له أبو جعفر محمد وأبو عبد الله الحسين من أم ولد.

الصفحة 19
هذه المزعمة.

وقد خفي على الرجل أن كتاب (الاحتجاج) ليس من تآليف الشيخ الطوسي محمد بن الحسن وإنما هو للشيخ أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي.

وفي قوله: والتوقيعات... إلخ. جناية كبيرة وتمويه وتدجيل فإنه بعد ما ادعى على الإمامية ترجيح التوقيع على المروي بالإسناد الصحيح لدى التعارض استدل عليه بقوله: قال ابن مابويه في الفقه: بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في باب [الرجل يوصي إلى رجل]: هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد ابن الحسن بن علي إلخ.

فإنك لا تجد في الباب المذكور من الفقيه توقيعا واحدا ورد من الناحية المقدسة فضلا عن التوقيعات، وإنما ذكر في أول الباب توقيعا واحدا عن أبي محمد الحسن العسكري، وقد جعله الرجل أبا محمد بن الحسن ليوافق فريته ذاهلا عن أن كنية الإمام الغائب أبو القاسم لا أبو محمد، فلا صلة بما هناك لدعوى الرجل أصلا، وها نحن نذكر عبارة الفقيه حتى يتبين الرشد من الغي.

قال في الجزء الثالث ص 275: باب الرجلين يوصى إليهما؟؟ فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة.؟؟ كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن ابن علي عليهما السلام: رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف؟ فوقع عليه السلام: لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ويعملان على حسب ما أمرهما إنشاء الله. وهذا التوقيع عندي بخطه عليه السلام.

وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحسن الميثمي عن أخويه محمد وأحمد عن أبيهما عن داود بن أبي يزيد عن بريد بن معاوية قال: إن رجلا مات وأوصى إلى رجلين فقال أحدهما لصاحبه: خذ نصف ما ترك و اعطني النصف مما ترك. فأبى عليه الآخر، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال:

ذاك له. قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: لست أفتي بهذا الحديث، بل: أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي عليه السلام. ا هـ. إقرأ واحكم.

وأما رقاع أبي العباس والحسين وأحمد وعلي فإنها لم توجد قط في مصادر

الصفحة 20
الشيعة، ولا يذكر منها شيئ في أصول الأحكام، ومراجع الفقه الإمامية، ولعمري لو كان المفتري يجد فيها شيئا منها لأعرب عنه بصراخه.

وأبو العباس كنيه عبد الله بن جعفر الحميري وهو صاحب (قرب الاسناد) لا جعفر بن عبد الله كما حسبه المغفل، وإنما جعفر ومحمد الذي ذكره قبل [ولم يعرفه] والحسين وأحمد إخوان أربعة أولاد أبي العباس المذكور، ولم ير في كتب الشيعة برمتها لغير محمد بن عبد الله المذكور أثر من الرقاع المنسوبة إليهم، ولم يحفظ التاريخ لهم غير كلمة المؤلفين في تراجمهم: إن لهم مكاتبة. هذه حال الرقاع عند الشيعة وبطلان نسبة ابتناء أحكامهم عليها.

وهناك أغلاط للرجل في كلمته هذه تكشف عن جهله المطبق وإليك ما يلي:

موسى بن مابويه (في غير موضع) والصحيح: موسى بن بابويه

أبا القاسم بن أبي الحسين والصحيح: أبا القاسم الحسين

مالك الحريري. الفقه والصحيح: مالك الحميري. الفقيه

أبي العباس جعفر بن عبد الله والصحيح: أبي العباس عبد الله

سليمان بن الحسين والصحيح: سليمان بن الحسن

أبو الحسن الرازي والصحيح: أبو الحسن الزراري

عجبا للرجل حين جاء ينسب وينقد ويرد ويفند وهو لا يعرف شيئا من عقايد القوم وتعاليم مذهبهم، ومصادر أحكامهم، وبرهنة عقايدهم، ولا يعرف الرجال وأسماءهم، ويجهل الكتب ونسبها، ولا يفرق بين والد ولا ولد، ولا بين مولود و بين من لم يولد بعد، ولو كان يروقه صيانة ماء وجهه لكف القلم فهو أستر لعورته.

6 - ذكر في ص 64، 65 عدة من عقايد الشيعة، جملة منها مكذوبة عليهم كشتمهم جمهور أصحاب رسول الله وحكمهم بارتدادهم إلا العدد اليسير، وقولهم: بأن الأئمة يوحى إليهم (1). وإن موت الأئمة باختيارهم. وإنهم اعتقدوا بتحريف القرآن ونقصانه وإنهم يقولون. بأن الحجة المنتظر إذا ذكر في مجلس حضر فيقومون

____________

م - (1) يأتي البحث عن هذا وما يليه في الجزء الخامس إنشاء الله تعالى)

الصفحة 21
له (1) وإنكارهم كثيرا من ضروريات الدين.

قال الأميني: نعم: الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع، ولا يقولون إلا بما جاء فيهم في الكتاب والسنة وسنوقفك على تفصيله في النقد على كتاب (الصراع بين الاسلام والوثنية). وأما بقية المذكورات فكلها تحامل ومكابرة بالإفك، ثم جاء بكلمة عوراء، وقارصة شوهاء، ألا وهي قوله في ص 65، 66:

وما تكلم (يعني السيد محسن الأمين) به في المتعة يكفي لإثبات ضلالهم، و عندهم متعة أخرى يسمونها [المتعة الدورية] ويروون في فضلها ما يروون، وهي: أن يتمتع جماعة بامرأة واحدة، فتكون لهم من الصبح إلى الضحى في متعة هذا، ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا. ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا، ومن العشاء إلى نصف الليل في متعة هذا، ومن نصف الليل إلى الصبح في متعة هذا. فلا بدع ممن جوز مثل هذا النكاح أن يتكلم بما تكلم به ويسميه (الحصون المنيعة) إلخ (2)

نسبة المتعة الدورية وقل: الفاحشة المبينة إلى الشيعة إفك عظيم تقشعر منه الجلود، وتكفهر منه الوجوه، وتشمئز منه الأفئدة، وكان الأحرى بالرجل حين أفك أن يتخذ له مصدرا من كتب الشيعة ولو سوادا على بياض من أي ساقط منهم، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة، أو سماع عن أحد لهج به، أو وقوف منه على عمل ارتكبه أناس ولو من أوباش الشيعة وأفنائهم، لكن المقام قد أعوزه عن كل ذلك لأنه أول صارخ بهذا الإفك الشائن، ومنه أخذ القصيمي في [الصراع بين الاسلام والوثنية] وغيره.

وليت الشيعة تدري متى كانت هذه التسمية؟ وفي أي عصر وقعت؟ ومن أول من سماها؟ ولم خلت عنها كتب الشيعة برمتها؟. أنا أقول (وعند جهينة الخبر

____________

(1) قيام الشيعة عند ذكر الإمام ليس لحضوره كما زعمه الآلوسي وإنما هو لما جاء عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السلام من قيامهما عند ذكره وهو لم يولد بعد، وليس هو إلا تعظيما له كالقيام عند ذكر رسول الله المندوب عند أهل السنة كما في (السيرة الحلبية) 1 ص 90.

م - (2) يوافيك بسط القول في المتعة في الجزء السادس إنشاء الله تعالى.

الصفحة 22
اليقين): هو هذا العصر الذهبي، عصر النور، عصر الآلوسي، وهو أول من سماها بعد أن اخترعها، والشيعة لم تعلمها بعد.

وليت الرجل ذكر شيئا من تلك الروايات التي زعم أن الشيعة ترويها في فضل المتعة الدورية، وليته دلنا على من رواها، وعلى كتاب أو صحيفة هي مودعة فيها، نعم: الحق معه في عدم ذكر ذلك كله لأن الكذب لا مصدر له إلا القلوب الخائنة، والصدور المملوكة بالوسواس الخناس.

وأما العلم الحجة سيدنا المحسن الأمين (صاحب الحصون المنيعة) الذي يزعم الرجل أنه يجوز مثل هذا النكاح ففي أي من تآليفه جوز ذلك؟ ولمن شافهه به؟ ومتى قاله؟ وأنى نوه به؟ وها هو حي يرزق (مد الله في عمره) وهل هو إلا رجل هم (1) علم من أعلام الشريعة، وإمام من أئمة الاصلاح. لا يتنازل إلى الدنايا، و لا يقول بالسفاسف، ولا تدنس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش؟.

هذه نبذة يسيرة من الأفائك المودعة في رسالة (السنة والشيعة) وهي مع أنها رسالة صغيرة لا تعدو صفحاتها 132 لكن فيها من البوائق ما لعل عدتها أضعاف عدد الصفحات، وحسبك من نماذجها ما ذكرناه.


إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم
بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم
والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم

سورة النور: 11

____________

(1) أي ذو همة يطلب معالي الأمور.