ومنها:
بعث الدهر جنده وبعثنا * نحوه دعوة الإله جنودا
يا عميد الزمان إن الليالي * كدن يتركن كل قلب عميدا
حادثات أردن إحداث هدم * لعلاه فأحدثت تشييدا
وله من أخرى قوله:
سلام عليها إن عيني عندما * أشارت بلحظ الطرف تخضب عندما
37 - أبو بكر يوسف بن محمد بن أحمد الجلودي الرازي له قصيدة صاحبية
منها قوله:
رياض كأن الصاحب القرم جادها * بأنوائه أو صاغها من طباعه
يجلي غيابات الخطوب برأيه * كما صدع الصبح الدجى بشعائه
ومنها:
سحاب كيمناه وليل كبأسه * وبرق كماضية وخرق كباعه
38 - أبو طالب عبد السلام بن الحسين المأموني، قال فريد وجدي في (دائرة
المعارف) 6 ص 20: مدح الصاحب بقصايد فأعجبه نظمه توفي سنة 383.
39 - أبو منصور الجرجاني، كتب إلى الصاحب قوله:
قل للوزير المرتجى * كافي الكفاة الملتجى
إني رزقت ولدا * كالصبح إذ تبلجا
لا زال في ظلك ظل * المكرمات والحجى
فسمه وكنه * مشرفا متوجا
فوقع الصاحب تحتها بقوله:
هنئته هنئته * شمس الضحى بدر الدجا
فسمه محسنا * وكنه أبا الرجا
40 - الأوسي مدح الصاحب ببائية أنشدها بين يديه فلما بلغ إلى قوله
لما ركبت إليك مهري أنعلت * بدر السماء وسمرت بكواكب
قال له الصاحب. لم أنثت المهر؟ ولم شبهت النعل بالبدر ولا يشبهه؟ ولو
شبهته بالهلال لكان أحسن فإنه علي هيئته فقال: الأوسي: أما تأنيث المهر فلأني عنيت
المهرة؟ وأما تشبيهي النعل ببدر السماء فلأني أردت النعل المطبقة.
41 - إبراهيم بن عبد الرحمن المعري مدح الصاحب بقصيدة منها:
قد ظهر الحق وبان الهدى * لمن له عينان أو قلب
مثل ظهور الشمس في حجبها * إذ رفعت عن نورها الحجب
بالملك الأعظم مستبشر * شرق بلاد الله والغرب
42 - محمد بن يعقوب أحد أئمة النحو كتب إلى الصاحب كما في (دمية القصر) 1
ص 301:
قل للوزير أدام الله نعمته * مستخدما لمجاري الدهر والقدر
أردت عبدا وقد أعطيته ولدا * فسمه بأسم من بالعرب مفتخر
وإن وصلت له تشريف كنيته * جمعت بالطول بين الروض والمطر
لا زال ظلك ممدودا ومنتشرا * فإنه خير ممدود ومنتشر
هنيته ابنا يشيع الأنس في البشر * هنيت مقدم هذا الصارم الذكر
43 - محمد بن علي بن عمر أحد أعيان الري قرأ على الصاحب ومدحه برائية.
والأدباء يعبرون عن المترجم وأبي إسحاق الصابي بالصادين كما وقع في قول
الشيخ أحمد البربير المتوفى سنة 1226 في كتابه (الشرح الجلي) ص 283 يمدح
كاتبا مليحا.
لله كاتبا الذي أنا رقه * وهو الذي لا زال قرة عيني
في ميم مبسمه ولام عذاره * ما بات ينسخ بهجة الصادين
شعره في المذهب
وللصاحب مراجعات ومراسلات مع مادحيه تجدها في الكتب والمعاجم، وشعره
كما سمعت كثير مدون ونحن نقتصر من نظمه الذهبي بما عقد سمط جمانه في المذهب
ذكر له الثعالبي في [يتيمة الدهر] ج 3 ص 247:
حب علي بن أبي طالب * هو الذي يهدي إلى الجنة
إن كان تفضيلي له بدعة * فلعنة الله على السنة
وذكر له في الكتاب:
ناصب قال لي: معاوية خالك * خير الأعمام والأخوال
فهو خال للمؤمنين جميعا * قلت: خال لكن من الخير خالي
وذكر له فقيه الحرمين الكنجي الشافعي المتوفى سنة 658 في (كفاية الطالب)
ص 81، والخوارزمي في (المناقب) ص 69.
يا أمير المؤمنين المرتضى * إن قلبي عندكم قد وقفا
كلما جددت مدحي فيكم * قال ذو النصب: نسيت السلفا (1)
من كمولاي علي زاهد * طلق الدنيا ثلاثا ووفى؟!
من دعي للطير أن يأكله؟ * ولنا في بعض هذا مكتفى
من وصي المصطفى عندكم؟ * ووصي المصطفى من يصطفى
وذكر الفقيه الكنجي في الكتاب ص 192، وسبط ابن الجوزي في (تذكرة
خواص الأمة) ص 88، والخوارزمي في (المناقب) ص 61.
حب النبي وأهل البيت معتمدي (2) إن الخطوب أساءت رأيها فينا
أيا ابن عم رسول الله أفضل من * ساس الأنام وساد الهاشميينا
يا ندرة الدين يا فرد الزمان أصخ * لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا
هل مثل سيفك في الاسلام لو عرفوا؟ * وهذه الخصلة الغراء تكفينا
هل مثل علمك إذ زالوا وإذ وهنوا * وقد هديت كما أصبحت تهدينا؟
هل مثل جمعك للقرآن نعرفه * لفظا ومعنى وتأويلا وتبيينا؟
هل مثل حالك عند الطير تحضره * بدعوة نلتها دون المصلينا؟
هل مثل بذلك للعاني الأسير وللطفل * الصغير وقد أعطيت مسكينا؟
هل مثل صبرك إذ خانوا وإذ ختروا * حتى جرى ما جرى في يوم صفينا؟
هل مثل فتواك إذ قالوا مجاهرة * لولا علي هلكنا في فتاوينا؟
يا رب سهل زياراتي مشاهدهم * فإن روحي تهوى ذلك الطينا
____________
(1) تسب السلفا. الخوارزمي
(2) هذه الأبيات المحكية عن الكتب الثلاث لم توجد في (أعيان الشيعة) سوى ثلاثة منها.
يا رب صير حياتي في محبتهم * ومحشري معهم آمين آمينا
وذكر ابن شهر آشوب من هذه القصيدة بعد البيت الثاني من أولها:
أنت الإمام ومنظور الأنام فمن * يرد ما قلته يقمع براهينا
هل مثل فعلك في ليل الفراش وقد * فديت بالروح ختام النبيينا؟
هل مثل فاطمة الزهراء سيدة * زوجتها يا جمال الفاطميينا؟
هل مثل برك في حال الركوع وما * بر كبرك برا للمزكينا؟
هل مثل فعلك عند النعل تخصفها * لو لم يكن جاحدوا التفضيل لاهينا؟
هل مثل نجليك في مجد وفي كرم * إذ كونا من سلال المجد تكوينا؟
وله في مناقب الخطيب الخوارزمي ص 105، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي
ص 243، وتذكرة خواص الأمة ص 31، ومناقب ابن شهر آشوب، وغيرها قصيدة
ولوقوع الاختلاف فيها نجمع بين رواياتها ونشير إلى ما روته رجال العامة ب (ع):
بلغت نفسي مناها * بالموالي آل طه
برسول الله من * حاز المعالي وحواها
وببنت المصطفى من * أشبهت فضلا أباها
(ع) من كمولاي علي * والوغى تحمي لظاها؟
(ع) من يصيد الصيد فيها * بالظبى حتى انتظاها؟
يوم أمضاها عليهم * ثم أمضاها عليهم فارتضاها
(ع) من له في كل يوم * وقعات لا تضاهي؟
(ع) كم وكم حرب ضروس * سد بالمرهف فاها؟
(ع) اذكروا أفعال بدر * لست أبغي ما سواها
(ع) اذكروا غزوة أحد * إنه شمس ضحاها
(ع) اذكروا حرب حنين * إنه بدر دجاها
(ع) اذكروا الأحزاب قدما " * إنه ليث شراها
(ع) اذكروا مهجة عمرو * كيف أفناها شجاها؟
(ع) اذكروا أمر براءة * واخبروني من تلاها؟
(ع) اذكروا من زوج الزهراء * قد طاب ثراها (1)
(ع) اذكروا بكرة طير * فلقد طار ثناها؟
(ع) اذكروا لي قلل العلم * ومن حل ذراها
(ع) حاله حالة هارون * لموسى فافهماها
(ع) أعلى حب علي * لامني القوم سفاها؟!
(ع) أهملوا قرباه جهلا * وتخطوا مقتضاها
(ع) أول الناس صلاة * جعل التقوى حلاها
(ع) ردت الشمس عليه * بعد ما غاب سناها
(ع) حجة الله على الخلق * شقى من قد قلاها
وبحبي الحسن البالغ * في العليا مداها
والحسين المرتضى * يوم المساعي إذ حواها
ليس فيهم غير نجم * قد تعالى وتناهى
عترة أصبحت الدنيا * جميعا في حماها
ما تحدث عصب البغي * بأنواع عماها
أردت الأكبر بالسم وما كان كفاها
وانبرت تبغي حسينا * وعرته وعراها
منعته شربة والطير قد أروت صداها
فأفاتت نفسه * ياليت روحي قد فداها
بنته تدعوا أباها * أخته تبكي أخاها
لو رأى أحمد ما * كان دهاه ودهاها
لشكا الحال إلى الله * وقد كان شكاها (2)
وله في مناقبي ابن شهر آشوب والخطيب الخوارزمي ص 233 قصيدة نجمع بينهما
____________
(1) في لفظ أهل السنة:
اذكروا من زوج * الزهراء كيما تتباهى
(2) غير واحد من الأبيات لا يوجد في (أعيان الشيعة).
لاختلافهما في عدد الأبيات ألا وهي:
ما لعلي العلى أشباه * لا والذي لا إله إلا هو
مبناه مبنى النبي تعرفه * وابناه عند التفاخر إبناه
إن عليا علا إلى شرف * لو رامه الوهم ذل مرقاه
(1)أيا غداة الكساء لا تهني * عن شرح علياه إذ تكساه
يا ضحوة الطير تنبئي شرفا * فاز به لا ينال أقصاه
براءة استعملي بلاغك من * أقعد عنه ومن تولاه؟!
يا مرحب الكفر قد أذاقك من * من حد ما قد كرهت ملقاه؟!
يا عمرو من ذا الذي أنالك من * حارة الحتف حين تلقاه؟!
لو طلب النجم ذات أخمصه * علاه والفرقدان نعلاه
أما عرفتم سمو منزله؟! * أما عرفتم علو مثواه؟!
أما رأيتم محمدا حدبا * عليه قد حاطه ورباه؟!
واختصه يافعا وآثره * واعتامه مخلصا وآخاه
زوجه بضعة النبوة إذ * رآه خير امرئ وأتقاه
يا بأبي السيد الحسين وقد * جاهد في الدين يوم بلواه
يا بأبي أهله وقد قتلوا * من حوله والعيون ترعاه
يا قبح الله أمة خذلت * سيدها لا تريد مرضاه
يا لعن الله جيفة نجسا * يقرع من بغضه ثناياه
وله دالية ذكرها الخوارزمي في (المناقب) ص 223، وابن شهر آشوب في
مناقبه ونجمع بين الروايتين وهي:
هو البدر في هيجاء بدر وغيره * فرايصه من ذكره السيف ترعد
علي له في الطير ما طار ذكره * وفامت به أعداؤه وهي تشهد
علي له في هل أتى ما تلوتم * على الرغم من آنافكم فتفردوا
____________
(1) هذا البيت وما بعده إلى أربعة أبيات لا توجد في مناقب ابن شهر آشوب بل رواها
الخوارزمي.
وكم خبر في خيبر قد رويتم * ولكنكم مثل النعام تشردوا
وفي أحد ولى رجال وسيفه * يسود وجه الكفر وهو مسود
ويوم حنين حن للغل بعضكم * وصارمه عضب الغرار مهند
تولى أمور الناس لم يستغلهم * ألا ربما يرتاب من يتقلد
ولم يك محتاجا إلى علم غيره * إذا احتاج قوم في قضايا تبلدوا
ولا سد عن خير المساجد بابه * وأبوابهم إذ ذاك عنه تسدد
وزوجته الزهراء خير كريمة * لخير كريم فضلها ليس يجحد (1)
وبالحسنين المجد مد رواقه * ولولاهما لم يبق للمجد مشهد
تفرعت الأنوار للأرض منهما * فلله أنوار بدت تتجدد
هم الحجج الغر التي قد توضحت * وهم سرج الله التي ليس تخمد
أو إليكم يا آل بيت محمد * فكلكم للعلم والدين فرقد
وأترك من ناواكم وهو هتكه * ينادى عليه مولد ليس يحمد
وذكر له الحموئي صاحب (فرايد السمطين) في السمط الثاني في الباب الأول:
منايح الله جاوزت أملي * فليس يدركها شكري ولا عملي
لكن أفضلها عندي وأكملها * محبتي لأمير المؤمنين علي
وذكر العلامة المجلسي في (البحار) ج 10 ص 264 نقلا عن بعض الكتب القديمة
من قصيدة طويلة له:
أجروا دماء أخي النبي محمد * فلتجر غزر دموعنا ولتهمل
ولتصدر اللعنات غير مزالة * لعداه من ماض ومن مستقبل
وتجردوا لبنيه ثم بناته * بعظايم فاسمع حديث المقتل
منعوا الحسين الماء وهو مجاهد * في كربلاء فنح كنوح المعول
منعوه أعذب منهل وكذا غدا * يردون في النيران أوخم منهل
أيجز رأس ابن النبي وفي الورى * حي أمام ركابه لم يقتل؟
وبنو السفاح تحكموا في أهل حي * على الفلاح بفرصة وتعجل
____________
(1) هذا البيت رواه الخوارزمي ولا يوجد فيما جمع له السيد في (أعيان الشيعة)
نكت الدعي بن الدعي ضواحكا * هي للنبي الخير خير مقبل (1)
تمضي بنو هند سيوف الهند * في أوداج أولاد النبي وتعتلي
ناحت ملائكة السماء لقتلهم * وبكوا فقد اسقوا كؤوس الذبل
فأرى البكاء على الزمان محللا * والضحك بعد الطف غير محلل
كم قلت للأحزان: دومي هكذا * وتنزلي في القلب لا تترحلي
هذه نبذة من شعره في الأئمة عليهم السلام، وفي مناقب ابن شهر آشوب منه
نبذ منثورة على أبواب الكتاب جمعها السيد في [أعيان الشيعة] ولمثول الكتابين
للطبع وانتشارهما ضربنا عن ذكر جميعها صفحا، ولم نذكر هاهنا إلا الخارج عن الكتابين
ولو في الجملة.
قال السيد في (الدرجات الرفيعة): إن الصاحب رحمه الله قال قصيدة معراة
من الألف التي هي أكثر الحروف دخولا في المنثور والمنظوم وأولها:
قد ظل يجري صدري * من ليس يعدوه فكري
وهي في مدح أهل بيت عليهم السلام في سبعين بيتا فتعجب الناس، وتداولتها
الرواة فسارت مسير الشمس في كل بلدة، وهبت هبوب الريح في البر والبحر،
فاستمر الصاحب على تلك الطريقة، وعمل قصايد كل واحدة منها خالية من حرف
واحد من حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون خالية من الواو فانبرى صهره
أبو الحسين علي لعملها وقال قصيدة ليست فيها واو ومدح الصاحب بها وأولها:
برق ذكرت به الحبائب * لما بدى فالدمع ساكب
كان للصاحب خاتمان نقش أحدهما هذه الكلمات:
على الله توكلت * وبالخمس توسلت
ونقش الآخر:
شفيع إسماعيل في الآخرة * محمد والعترة الطاهرة
ذكره الشيخ في المجالس وأشار إليه شيخنا الصدوق في أول (عيون الأخبار)
____________
(1) لم يذكر سيدنا الأمين في أعيان الشيعة من القصيدة إلا هذا البيت.
الصاحب ومذهبه
إن كون الصاحب من علية الشيعة الإمامية مما لا يمتري فيه أي أحد من
علماء مذهبه الحق، كما يشهد بذلك شعره الكثير الوافر في أئمة أهل البيت عليهم
السلام ونثره المتدفق منه لوايح الولاية والتفضيل وهو يهتف بقوله:
فكم قد دعوني رافضيا لحبكم * فلم ينثني عنكم طويل عوائهم
وقد نص على مذهبه هذا السيد رضي الدين ابن طاووس في كتاب (اليقين)
ومر عن المجلسي الأول أنه من أفقه فقهاء أصحابنا، واقتفى أثره ولده في مقدمات
البحار فصرح بأنه كان من الإمامية، وعده القاضي الشهيد في مجالسه من وزراء
الشيعة، ويقول شيخنا الحر في أمل الآمل. إنه كان شيعيا إماميا، وعده ابن شهر آشوب
في المعالم من شعراء أهل البيت المجاهرين، وشيخنا الشهيد الثاني من أصحابنا، و
في (معاهد التنصيص): إنه كان شيعيا جلدا كآل بويه معتزليا، وقبل هذه الشهادات
كلها شهادة الشيخين العلمين رئيس المحدثين الصدوق في (عيون أخبار الرضا)،
وشيخنا المفيد فيما حكاه عنه ابن حجر في (لسان الميزان) 1 ص 413، ورسالته
في أحوال عبد العظيم الحسني المندرجة في خاتمة (المستدرك) 3 ص 614 (1) من جملة
الشواهد أيضا، وفي (لسان الميزان) 1 ص 413: كان الصاحب إمامي المذهب و
أخطأ من زعم أنه كان معتزليا، وقد قال عبد الجبار القاضي لما تقدم الصلاة عليه
: ما أدري كيف أصلي على هذا الرافضي. وعن ابن أبي طي: إن الشيخ المفيد شهد
بأن الكتاب الذي نسب إلى الصاحب في الاعتزال وضع على لسانه ونسب إليه
وليس هو له.
وهناك نقول متهافتة يبطل، بعضها بعضا تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارة
وتمذهبه بالشافعية أخرى، وبالحنفية طورا، وبالزيدية مرة، وفي القاذفين من
يحمل عليه حقدا يريد تشويه سمعته بكل ما توحي إليه ضغاينه كأبي حيان التوحيدي
ومن حكي عنه طرفي نقيض كشيخنا المفيد الذي ذكرنا حكاية ابن حجر عنه بوضع
ما نسب إلى الصاحب من الكتاب الذي يدل على الاعتزال، ونقل عنه أيضا نسبته
____________
(1) نقلا عن نسخة بخط بعض بني بابويه مؤرخة بسنة 516.
إلى جانب الاعتزال.
وهذا التهافت في النقل يسقط الثقة بأي النقلين وإن كان النص على تشيعه
معتضدا بكلمات العلماء قبله وبعده، والسيد رضي الدين الذي عرفت النص عنه
بتشيعه في كتاب (اليقين) فقد نقل عنه حكايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدى نسبته
إلى الاعتزال، وأنت تعلم أن نصه الأول هو معتقده وهذه حكاية محضة، وقد
عرفت حال المحكي عن الشيخ المفيد، وأما السيد المرتضى فالظاهر أن منتزع هذه
النسبة إليه هو رده على الصاحب في تعصبه للجاحظ الذي هو من أركان المعتزلة،
غير أنا نحتمل أن هذا التعصب كان لأدبه لا لمذهبه كتعصب الشريف الرضي للصابي.
وما وقع إلينا في المحكي عن رسالة (الابانة) للصاحب من إنكار النص على
أمير المؤمنين عليه السلام فهو حكاية محضة عمن يقول بذلك بل ما في (الابانة) يكفي بمفرده
في إثبات كونه إماميا وإليك نص كلامه مشفوعا " بمقاله في (التذكرة) حول الإمامة.
قال في (الابانة): زعمت العثمانية وطوائف الناصبية أن أمير المؤمنين عليه السلام
مفضول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير فاضل واستدلت بأن أبا بكر وعمر وليا عليه
وقالت الشيعة العدلية: فقد ولى النبي عليه السلام عليهما عمرو بن العاص في غزوة ذات
السلاسل فليقولوا: إنه خير منهما، فقالت الشيعة: علي عليه السلام أفضل الناس بعد النبي
فلذلك آخى بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر فلم يكن ليختار لنفسه إلا
الأفضل، وقد ذكر ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. ثم إنه
لم يستثن إلا النبوة وفيه قال: أللهم آتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير.
وقد قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه: وعاد من عاداه.
إلى آخر الدعاء.
وبعد: فالفضيلة تستحق بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاما وقد قال الله تعالى:
السابقون السابقون أولئك المقربون، وبالجهاد وهو لم يغمد حساما، ولم يقصر
إقداما، كشاف الكروب، وفراج الخطوب، ومسعر الحروب، وقاتل مرحب، وقالع
باب خيبر، وصارع عمرو بن عبد ود، ومن قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأعطين الراية غدا
رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. كرارا غير فرار، وقد قال الله تعالى:
فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما. وبالعلم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا
مدينة العلم وعلي بابها. وأثر ذلك بين لأنه عليه السلام لم يسئل من الصحابة أحدا
وقد سألوه، ولم يستفتهم وقد استفتوه، حتى أن عمر يقول: لولا علي لهلك عمر،
ويقول: لا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو الحسن، وقد قال الله تعالى: قل هل يستوي
الذين يعلمون والذين لا يعلمون. وبالزهد والتقوى والبر والحسنى فإذا كان
أعلمهم فهو أتقاهم وقال الله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء. وبعد: فهو الذي آثر
المسكين واليتيم والأسير على نفسه مخرجا قوته كل ليلة إليهم عند فطره حتى أنزل الله
تعالى: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا. فأخبر نبيه وعده
عليه الجنة. والحديث طويل وفضله كثير، وهو الذي تصدق بخاتمه في ركوعه حتى
أنزل الله فيه: إنما وليكم الله ورسوله.
وزعمت طائفة من الشيعة ذاهلة عن تحقيق الاستدلال أن عليا عليه السلام كان في تقية
فلذلك ترك الدعوة إلى نفسه. وزعمت أن عليه نصا جليا لا يحتمل التأويل، وقالت
العدلية: هذا فاسد، كيف تكون عليه التقية في إقامة الحق وهو سيد بني هاشم؟ وهذا
سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الأنصار لم يخش مانعا ودافعا وخرج إلى حوران
ولم يبايع، ولو جاز خفاء النص الجلي عن الأمة في مثل الإمامة لجاز أن يتكتم صلاة
سادسة وشهر يصام فيه غير شهر رمضان فرضا، وكلما أجمع عليه الأمة من أمر الأئمة
الذين قاموا بالحق وحكموا بالعدل صواب، وأما من نابذ عليا عليه السلام وحاربه وشهر
سيفه في وجهه فخارج عن ولاية الله إلا من تاب بعد ذلك وأصلح إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين. ا هـ.
المراد على ما يفهم من جواب العدلية أن دعوى تقية علي عليه السلام وتركه الدعوة
إلى نفسه مع ادعاء النص الجلي عليه زعم فاسد، وإن الاعتقاد بترك الدعوة لا
يوافق مع القول بالنص الجلي إذ لو كان لأبان وما ترك الدعوة، والمدعي ذاهل
عن تحقيق الاستدلال بما ذكر من الكتاب والسنة فإنه عليه السلام دعا إلى نفسه واحتج
بأدلة أوعزت إليها، فنسبة إنكار النص الجلي إلى المترجم بهذه العبارة كما فعله غير واحد في
غير محله جدا.
وقال في ذيل كتابه [التذكرة] ذكر الصاحب رحمه الله في آخر كتاب: (نهج
السبيل): إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام أفضل الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستدل عليه
بأن الأفضلية تستحق بالسابقة والعلم والجهاد والزهد فوق جميعهم، فلا شك أنه
متقدمهم وغير متأخر عنهم، وقد سبقهم بمنازلة الأقران، وقتل صناديد الكفار وأعلام
الضلالة، وهو الذي آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر، و
رضيه كفوا لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليهم، ودعا الله أن يوالي من
والاه ويعادي من عاداه، وأخبرنا أنه منه بمنزلة هارون من موسى لفضل فيه، وقال
عليه السلام: أللهم ائتني بأحب الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر، ولا يكون أحبهم إلى
الله إلا أفضلهم، وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، وقال: أنا ما سألت الله شيئا إلا سألت لعلي
مثله حتى سألت له النبوة فقيل: لا ينبغي لأحد من بعدك، ولم يكن يسألها إلا لفضله. ولهذا
استثنى النبوة في حديث: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. فصبر على المحن، وثبت
على الشدايد، ولم ترده أيام توليته إلا خشونة في الدين، وأكله للجشب (1) ولبسا
للخشن، يستقون من علمه، وما يستقي إلا ممن هو أعلم، خير الأولين وخير الآخرين،
عهد إليه في الناكثين والقاسطين والمارقين، وقتل بين يديه عمار بن ياسر المشهود له بالجنة
لبصيرته في أمره، وشبهه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيسى بن مريم عليه السلام كما شبهه بهارون،
لا تضرب الأمثال إلا بالأنبياء، وتصدق بخاتمة في ركوعه حتى أنزل فيه: إنما
وليكم الله ورسوله. الآية، وآثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه حتى أنزل
فيه: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا، وقال تعالى: إنما أنت
منذر ولكل قوم هاد. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنا المنذر وأنت يا علي الهادي، وقال تعالى: و
تعيها أذن واعية وقال صلى الله عليه وآله وسلم: هي أذن علي عليه السلام وجعله الله في الدنيا فصلا بين الإيمان
والنفاق حتى قيل: ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ببغضهم عليا
عليه السلام، وأخبر أنه في الآخرة قسيم الجنة والنار، وقال ابن عباس: ما أنزل الله في القرآن
يا أيها الذين آمنوا إلا وعلي سيدها وأبوها وشريفها، وأعلى من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
علي يعسوب المؤمنين، وله ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صابرا
____________
(1) جشب الطعام: غلظ.
على ما كان يتوقع من الذبح صحبة إسحاق ذبيح الله حين صبر على ما ظن أنه نازل به
من الذبح، وقال فيه مثل عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر، ولا أعاشني الله لمشكلة
ليس لها أبو الحسن. ودهره كله إسلام وزمانه أجمع إيمان، لم يكفر بالله طرفة عين،
عاش في نصرة الاسلام حميدا، ومضى لسبيله شهيدا، جعلنا الله ممن آثر المحبة في
القربى، وهدانا للتي هي أحسن وأولى، وحسبنا الله منزل الغيث وفاطر النسم (1).
وقد أبان عن مذهبه الحق [الإمامية] في شعره بقوله:
بالنص فاعقد إن عقدت يمينا * كل اعتقاد الاختيار رضينا
مكن لقول إلهنا تمكينا *: واختار موسى قومه سبعينا
وقال في قصيدته البائية التي مرت:
لم تعلموا أن الوصي هو الذي * آتي الزكاة وكان في المحراب
لم تعلموا أن الوصي هو الذي * حكم (الغدير) له على الأصحاب
وله قوله:
إن المحبة للوصي فريضة * أعني أمير المؤمنين عليا
قد كلف الله البرية كلها * واختاره للمؤمنين وليا
وما في (لسان الميزان) من اشتهاره بذلك المذهب (الاعتزال) وإنه كان داعية
إليه فيدفعه تخطأته أولا من زعم أنه من معتنقيه، وما نقله عن القاضي عبد الجبار من أنه
لما تقدم للصلاة عليه قال: ما أدري كيف أصلي على هذا الرفضي، وما تكرر في
شعره من قذف أعدائه له بالرفض، إلا أن يريد ابن حجر الاشتهار المحض دون الحقيقة
فليلتئم مع قوله الآخر.
والذي أرتأيه ويساعدني فيه الدليل أن الصاحب كغيره من أعلام الإمامية
كان يوافق المعتزلة في بعض المسائل كمسألة العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة
فيها على مجابهة الأشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحق تعالى، وإن افترقا من
ناحية أخرى في باب التفويض وأمثال هذه، فقد كان يصعب على الباحث التمييز بين
____________
(1) كل ما ذكره الصاحب من الأحاديث في فضل مولانا أمير المؤمنين ثابت وصحيح
عند القوم مبثوث في أجزاء كتابنا بأسانيده، أخرجه بها الحفاظ في الصحاح والمسانيد.