الصفحة 197
منى غدا بأسيافنا؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك ولذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم.

فرجعوا إلى مضاجعهم. فلما قدموا المدينة أظهروا الاسلام بها وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك. وكان أهل بيعة العقبة الآخرة ثلاثة وسبعين رجلا و امرأتين وهم:

أسيد بن حضير النقيبأبو الهيثم بن التيهان النقيبسلمة بن سلامة الأشهلي
ظهير بن رافع الخزرجيأبو بردة بن نيار بن عمرونهير بن الهيثم الحارثي
سعد بن خيثمة النقيبرفاعة بن عبد المنذر النقيبعبد الله بن جبير بن النعمان
معن بن عدي بن الجلدعويم بن ساعدة الأوسيأبو أيوب خالد الأنصاري
معاذ بن الحارث الأنصاريأسعد بن زرارة النقيبسهيل بن عتيك النجاري
أوس بن ثابت الخزرجيأبو طلحة زيد بن سهلقيس بن أبي صعصعة النجاري
عمرو بن غزية الخزرجيسعد بن الربيع النقيبخارجة بن زيد الخزرجي
عبد الله بن رواحة النقيببشير بن سعد الخزرجيخلاد بن سويد الخزرجي
عقبة بن عمرو الخزرجيزياد بن لبيد الخزرجيفروة بن عمرو الخزرجي
خالد بن قيس الخزرجيرافع بن مالك النقيبذكوان بن عبد قيس الخزرجي
عبادة بن قيس الخزرجيالحارث بن قيس الخزرجيالبراء بن معرور النقيب
بشر بن البراء الخزرجيسنان بن صيفي الخزرجيالطفيل بن النعمان الخزرجي
معقل بن المنذر الخزرجييزيد بن المنذر الخزرجيمسعود بن يزيد الخزرجي
الضحاك بن حارثة الخزرجييزيد بن خزام الخزرجيجبار بن صخر الخزرجي
الطفيل بن مالك الخزرجيكعب بن مالك الخزرجيسليم بن عمرو الخزرجي
قطبة بن عامر الخزرجييزيد بن عامر الخزرجيكعب بن عمرو الخزرجي
صيفي بن سواد الخزرجيثعلبة بن غنمة السلميعمرو بن غنمة السلمي
عبد الله بن أنيس السلميخالد بن عمرو السلميعبد الله بن عمر النقيب
جابر بن عبد الله السلميثابت بن ثعلبة السلميعمير بن الحارث السلمي
خديج بن سلامة بن الفرافرمعاذ بن جبل الخزرجيأوس بن عباد الخزرجي
عبادة بن الصامت النقيبغنم بن عوف الخزرجيالعباس بن عبادة الخزرجي


الصفحة 198

أبو عبد الرحمن بن الخزرجيعمرو بن الحرث الخزرجيرفاعة بن عمرو الخزرجي
عقبة بن وهب الجشميسعد بن عبادة النقيبالمنذر بن عمرو النقيب
عوف بن الحارث الأنصاريمعوذ بن الحارث الأنصاريعمارة بن حزم الأنصاري
عبد الله بن زيد مناة الخزرجي       

نبأ الهجرة

فلما عتت قريش على الله عز وجل، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم، وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال فنزل قوله تعالى: أذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا الآية. ثم أنزل الله تعالى: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب وتابعه هذ الحي من الأنصار على الاسلام والنصرة له ولمن اتبعه، وأوى إليهم من المسلمين، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ومن معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحوق بإخوانهم من الأنصار، وقال: إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها. فخرجوا أرسالا وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، فهاجر بنو جحش فغلقت دورهم هجرة تخفق أبوابها يبابا، ليس فيها ساكن خلاء من أهلها. وكان بنو غنم بن دودان أهل.

إسلام قد أو عبوا إلى المدينة هجرة نساءهم ورجالهم، ثم تتابع المهاجرون وفيهم.

أبو سلمة بن عبد الأسدعامر بن ربيعة الكعبيعبد الله بن جحشعبد بن جحش أبو أحمد
عكاشة بن محصنشجاع بن وهبعقبة بن وهبعربد بن حمير
منقذ بن نباتةسعيد بن رقيشمحرز بن نضلةيزيد بن رقيش
قيس بن خابرعمرو بن محصنمالك بن عمروصفوان بن عمرو
ثقف بن عمروربيعة بن أكثمالزبير بن عبيدةتمام بن عبيدة
سخبرة بن عبيدةمحمد بن عبد الله بن جحشعمر بن الخطابعياش بن أبي ربيعة
زيد بن الخطابعمرو بن سراقةعبد الله بن سراقةخنيس بن حذافة
إياس بن البكيرعاقل بن البكيرعامر بن البكيرخالد بن البكير


الصفحة 199

طلحة بن عبيد اللهحمزة بن عبد المطلبصهيب بن سنانزيد بن حارثة
كنار بن حصينعبيدة بن الحارثالطفيل بن الحارثالحصين بن الحرث
مسطح بن أثاثةسويبط بن سعدطليب بن عميرخباب مولى عتبة
عبد الرحمن بن عوفالزبير بن عوامأبو سبرة بن أبي رهممصعب بن عمير
أبو حذيفة بن عتبةسالم مولى أبي حذيفةعتبة بن غزوانعثمان بن عفان
أنسة مولى رسول اللهأبو كبشة مولى رسول الله       

وأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهما حتى إذا كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله صلى الله عليه وسلم في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري قومه، وما كان يعلم بخروجه صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق وآل أبي بكر، أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعد مكة، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم.

فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج فخرج ومعه أبو بكر ثم عمدا إلى غار بثور جبل بأسفل مكة فدخلاه فأقام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ومعه صاحبه.

ثم خرج بهما دليلهما عبد الله بن أرقط سلك بهما أسفل مكة ثم مضى بهما على الساحل أسفل من عسفان (1) ثم سلك بهما على أسفل أمج (2) ثم استجاز بهما حتى عارض بهما الطريق بعد أن جاز قديدا (3) ثم أجاز بهما من مكانه ذلك فسلك بهما الخرار (4) ثم سلك بهما ثنية (5) المرة، ثم سلك بهما لقفا (6)، ثم استبطن بهما مدلجة

____________

(1) بضم الأول ثم السكون: محل من مكة على مرحلتين.

(2) بفتح الهمزة والميم: بلد من اعراض المدينة.

(3) بضم الأول وفتح الدال: موضع فيه ماء بين مكة والمدينة. بها منازل خزاعة.

(4) بفتح المعجمة وتشديد الراء: موضع قرب الجحفة.

(5) ثنية المرة مخفف الراء.

(6 و) يقال: لقف بالتحريك وبفتح اللام وسكون الفاء. وبكسر اللام وسكون الفاء

الصفحة 200
مجاج (1) ثم سلك بهما مرجح مجاج ثم تبطن بهما مرجح (2) من ذي العضوين - الغضوين - ثم بطن ذي كشر (3) ثم أخذ بهما على الجداجد (4) ثم على الأجرد (5) ثم سلك بهما ذا سلم بن بطن أعدا مدلجة تعهن (6) ثم على العبابيد (7) ثم أجاز بهما الفاجة (8) ثم هبط بهما العرج (9) فحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أسلم يقال له: أوس بن حجر على جمل له يقال له: ابن الرداء. إلى المدينة وبعث معه غلاما له مسعود بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية العائر (10) عن يمين ركوبه (11) حتى هبط بهما بطن رئم (12) ثم قدم بهما قباء (13) على بني عمرو بن عوف حين اشتد الضحاء وكادت الشمس تعتدل.

ولما دنوا من قباء بعثوا رجلا من أهل البادية إلى أبي أمامة وأصحابه من الأنصار فثار المسلمون إلى السلاح واستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فوافوه وهو مع أبي بكر في ظل نخلة، ثم قالوا لهما: اركبا آمنين مطاعين. فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف بن الاثنين ويوم الثلثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده وقد يقال كما في سنن أبي داود 1

____________

(1) بفتح الميم وكسره بجيمين وصححه بعض بفتح الميم ثم المعجمة وآخره مهملة.

(2) بفتح الميم وسكون الراء بعدها معجمة مكسورة وآخره مهملة.

(3) بفتح الكاف وسكون الشين وآخره مهملة.

(4) بالمعجمتين والمهملتين بينهما ألف. من الآبار القديمة.

(5) اسم جبل هناك.

(6) تعهن بكسر أوله وهائه وتسكين العين وآخره نون: اسم عين ماء سمى به على ثلاثة أميال من السقيا بين مكة والمدينة، ويقال في ضبطه غير هذا.

(7) ويقال: العبابيب، ويقال: العثيانة.

(8) ويقال: الفاحة بالمهملة. والقاحة. مدينة على ثلاثة مراحل من المدينة.

(9) بفتح العين وسكون الراء: عقبة بين مكة والمدينة.

(10) قال محمد يحيى الدين المصري في حاشية سيرة ابن هشام 2: 108: لم يذكر ياقوت العائر لا بالعين المهملة ولا بالغين المعجمة. أقول: ذكره في العين المهملة 6 ص 103 وقال: جبل بالمدينة. وفي حديث الهجرة: ثنية العائر عن يمين ركوبه. ويقال: ثنية الغائر بالغين المعجمة. ا ه‍ ملخصا

(11) بفتح الراء: ثنية صعبة عند العرج.

(12) بكسر الراء المهملة موضع على أربعة برد من المدينة وقيل: ثلاثة برد.

(13) بضم أوله: قرية على ميلين من المدينة.

الصفحة 201
ص 74: إنه أقام في قباء أربعة عشر ليلا، وحكى موسى بن عقبة اثنين وعشرين ليلة. وقال البخاري: بضع عشرة ليلة، وبقباء كانت منازل الأوس والخزرج.

ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء، فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة.

قال عبد الرحمن بن عويم: حدثني رجال من قومي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا (1) قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة.

فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى الجمعة أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول الله! أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة - يعني ناقته - فخلوا سبيلها فانطلقت، حتى إذا وازنت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة ابن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله! هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها. فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحرث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة. قال: خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت، حتى إذا مرت بدار بني عدي بن النجار اعترضها سليط بن قيس، وأبو سليط أسيرة بن أبي خارجة في رجال من بني عدي فقالوا: يا رسول الله! هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة. قال:

خلوا سبيلها فإنها مأمورة. فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار

____________

(1) استشعرناه وانتظرناه.

الصفحة 202
بركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مربد (1) لغلامين يتيمين من بني النجار:

سهل وسهيل ابني عمرو، فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلى خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت (2) ورزمت (3) ووضعت جرانها (4) فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا رسول الله! لسهل و سهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا.

راجع سيرة ابن هشام 2 ص 31 - 114، تاريخ الطبري 2: 233 - 249، طبقات ابن سعد 1 ص 201 - 224، عيون الأثر 1: 152 - 159، الكامل لابن الأثير 2: 38. 44 تاريخ ابن كثير 3: 138 - 205، تاريخ ابن الفدا ج 1: 121 - 124، الامتاع للمقريزي ص 30 - 47، السيرة الحلبية 2: 3 - 61.

- 11 -
أبو بكر أسن من النبي

عن يزيد (5) بن الأصم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: أنا أكبر أو أنت؟ قال: لا بل أنت أكبر مني وأكرم وخير مني، وأنا أسن منك.

أخرجه ابن الضحاك، وذكره أبو عمر في الاستيعاب 2: 226، والمحب الطبري في الرياض النضرة 1 ص 127، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 72 نقلا عن خليفة بن خياط، وأحمد بن حنبل، وابن عساكر.

قال الأميني: أو لا تعجب من أكذوبة تعد أكرومة؟ متى تصح رواية يزيد بن الأصم عن النبي صلى الله عليه وآله ولم يدركه، فإن الرجل توفي سنة 101 / 3 / 4 وهو ابن ثلاث و

____________

(1) بكسر الميم وفتح الباء بينهما مهملة ساكنة أصله الموضع الذي يجفف فيه التمر.

(2) تحلحلت: تحركت. وقد يقال: تلحلحت. أي لزمت مكانها.

(3) وعند ابن الأثير: أرزمت. أي رغبت ورجعت في رغائها.

(4) الجران، ككتاب: قال السهيلي: أي عنقها. وقال غيره: الجران. ما يصيب الأرض من صدرها وباطن حلقها.

(5) في الرياض: زيد. والصحيح: يزيد.

الصفحة 203
سبعين سنة فولادته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله بدهر.

ثم متى كان أبو بكر أسن من النبي وقد ولد صلى الله عليه وآله في عام الفيل، وولد أبو بكر بعد عام الفيل بثلاث سنين. وقال سعيد بن المسيب: استكمل أبو بكر بخلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وهو بسن النبي صلى الله عليه وآله ابن ثلاث وستين سنة. راجع:

المعارف لابن قتيبة ص 75 فقال: إتفقوا على أن عمره ثلاث وستون سنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسن من أبي بكر بمقدار سني خلافته. ا ه‍. صحيح الترمذي 2: 288 وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين سنة، سيرة ابن هشام 1 ص 205، تاريخ الطبري 2: 125 و ج 4: 47، الاستيعاب م 1: 335 وقال: لا يختلفون أن سنه انتهت إلى حين وفاته ثلاثا وستين سنة إلا ما لا يصح وأنه استوفى بخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله سن رسول الله صلى الله عليه وآله وقال في الجزء الثاني ص 626 بعد ذكر حديث يزيد الأصم: هذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الاسناد، وأحسبه وهما لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون: إن أبا بكر استوفى بمدة خلافته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ] الكامل 1: 185 و ج 2: 176. أسد الغابة 3: 223، مرآة الجنان 1: 65، 69، مجمع الزوائد 9: 60، عيون الأثر 1: 43، الإصابة 2: 341، 344، السيرة الحلبية 3: 396.

نعم: هذه المسائلة وقعت بينه صلى الله عليه وآله وبين سعيد بن يربوع المخزومي كما رواها البغوي وابن مندة (1) وابن يربوع توفي سنة 54 وله 120 سنة. وقيل: وزيادة أربع.

ولما كانت شيبة أبي بكر وكبر سنه هي الحجة الوحيدة على مخالفيه يوم السقيفة فأيدها المغالون في فضائله بأمثال هذه المخاريق المفتعلة، وتحريف التاريخ عن مواضعه. والله يعلم أنهم لكاذبون.

- 12 -
إسلام أبي بكر قبل ولادة علي

عن شبابة عن فرات بن السائب قال: قلت لميمون بن مهران: أبو بكر الصديق أول إيمانا بالنبي صلى الله عليه وسلم أم علي بن أبي طالب؟ قال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم

____________

(1) الإصابة 2: 51.

الصفحة 204
زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.

وعن ربيعة بن كعب (1) قال: كان إسلام أبي بكر شبيها بالوحي من السماء وذلك أنه كان تاجرا بالشام فرأي رؤيا فقصها على بحيرا الراهب فقال له: من أين أنت؟ فقال:

من مكة فقال: من أيها؟ قال: من قريش. قال: فأي شئ أنت: قال: تاجر. قال:

إن صدق الله رؤياك فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته. فأسر ذلك أبو بكر في نفسه حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فجاء فقال: يا محمد ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام فعانقه وقبل بين عينيه وقال:

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.

وقال الإمام النووي: كان أبو بكر أسبق الناس إسلاما، أسلم وهو ابن عشرين سنة.

وقيل: خمس عشر سنة.

راجع الرياض النضرة 1: 51، 54، أسد الغابة 1: 168، تاريخ ابن كثير 9: 319، الصواعق المحرقة ص 45، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 24، الخصايص الكبرى 1: 29، نزهة المجالس 2: 182.

قال الأميني: هلم معي ننظر إلى هذه المراسيل هل توجد فيها مسحة من الصدق؟

أما رواية ابن مهران سندا:

1 - فشبابة بن سوار (2) أبو عمر والمدائني قال أحمد: تركته لم أكتب عنه للأرجاء وكان داعية، وقال ابن خراش: كان أحمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث وقال الساجي وابن عبد الله وابن سعد والعجلي وابن عدي: إنه كان يقول بالارجاء.

وقبل هذه كلها يظهر مما رواه أبو علي المدائني: إنه كان يبغض أهل بيت النبي صلوات الله عليهم. وضربه الله بالفالج لدعاء من دعا عليه بقوله: أللهم إن كان شبابة يبغض أهل نبيك فاضربه الساعة بالفالج. ففلج في يومه ومات. ميزان الاعتدال 1: 440، تهذيب التهذيب 4: 302.

____________

(1) في الخصايص الكبرى عن كعب. وهو الصحيح.

(2) في ميزان الاعتدال: سواد.

الصفحة 205
2 - فرات بن السائب الجرري. قال البخاري: منكر الحديث وقال يحيى ابن معين: ليس بشئ، منكر الحديث. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال أحمد بن حنبل: قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون يتهم بما يتهم به ذاك. ومحمد بن زياد هو اليشكري أحد الكذابين الوضاعين كما مر في ج 5: 258 ط 2، ففرات عند إمام الحنابلة كذاب وضاع. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال الساجي: تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم. ذاهب الحديث وقال ابن عدي: له أحاديث غير محفوظة وعن ميمون مناكير.

[ ميزان الاعتدال 2: 325، لسان الميزان 4: 430 ]

3 - ميمون بن مهران حسبه ما مر في رواية فرات عنه، أضف إلى ذلك قول العجلي: إنه كان يحمل على علي كما في تهذيب ابن حجر 10: 391. هب إنه وثقة من وثقه، فما قيمته وقيمة حديثه بعد تحامله على علي أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

ثم قد أتى ميمون في حديثه بأمرين: إسلام أبي بكر زمن بحيرا. واختلافه في زواج رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة. أما اختلافه بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبين خديجة فلم ينبأ عنه قط خبير. وليس من الجايز أن يكون الوسيط في قران رجل عظيم كمحمد وامرأة من بيت مجد وسؤدد ورياسة كخديجة، شاب حدث ابن اثنتين وعشرين سنة وللزوج أعمام أشراف أعاظم كالعباس وحمزة وأبي طالب وهو بينهم وفي بيتهم، وكان عمه أبو طالب كما يأتي يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده مثله، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ويخرجه معه حين يخرج (1) وكان هو الذي كلم خديجة حتى وكلت رسول الله صلى الله عليه وآله بتجارتها، كما في الامتاع للمقريزي ص 8.

والذي جاء في السير والتاريخ في أمر هذا القران أن خديجة بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ورغبت في زواجه لقرابته وأمانته وحسن خلقه وصدق حديثه، وعرضت نفسها عليه صلى الله عليه وآله، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأعمامه فخرج معه عمه حمزة وفي لفظ ابن الأثير: خرج معه حمزة وأبو طالب وغيرهما من عمومته. حتى دخل على خويلد بن أسد، أو على عمرو بن أسد عم خديجة فخطبها إليه فتزوجها عليه وآله الصلاة

____________

(1) يأتي تفصيل ذلك في الكلام عن أبي طالب عليه السلام.

الصفحة 206
والسلام وخطب أبو طالب عليه السلام خطبة النكاح، فقال:

الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضئ معد، و عنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فإن كان في المال قل؟ فإن المال ظل زايل، و أمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي كذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل. فزوجها.

راجع طبقات ابن سعد 1: 113، تاريخ الطبري 2: 127، أعلام الماوردي ص 114، الصفوة لابن الجوزي 1: 25 الكامل لابن الأثير 2: 15، تاريخ ابن كثير 2: 294، تاريخ الخميس 1: 299، عيون الأثر 1: 49، أسد الغابة 5: 435، الروض الأنف 1: 122، تاريخ ابن خلدون 2: 172، المواهب اللدنية 1: 50، السيرة الحلبية 1: 149، 150، شرح المواهب للزرقاني 1: 200، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1: 114.

فأين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر؟

وأما إسلام أبي بكر قبل ولادة علي أمير المؤمنين زمن " بحيرا " الراهب فإنه مأخوذ مما أخرجه ابن مندة (1) من طريق عبد الغني بن سعيد الثقفي عن ابن عباس: إن أبا بكر الصديق صحب النبي وهو ابن ثمان عشرة سنة والنبي ابن عشرين وهم يردون الشام في تجارة حتى إذا نزل منزلا فيه سدرة قعد في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب يقال له: بحيرا يسأله عن شيئ الخ.

هذه الرواية ضعفها غير واحد من الحفاظ. قال الذهبي في ميزان الاعتدال 2: 243: عبد الغني ضعفه ابن يونس. وأقر ضعفه ابن حجر في لسانه 4: 45، وقال في الإصابة 1: 177: أحد الضعفاء المتروكين.

وذكره السيوطي في الخصايص الكبرى 1: 86 فقال: سند ضعيف وضعفه

____________

(1) أبو عبد الله محمد بن إسحاق الاصبهاني الحافظ الرجال المتوفى 355.


الصفحة 207
القسطلاني في المواهب 1: 50، والحلبي في السير النبوية 1: 130.

وأفظع من هذا رواية أخرجها الحفاظ من طريق أبي نوح قراد عن يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى قال: خرج أبو طالب إلى الشام ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب - يعني بحيرا - هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت إليهم قال: فنزل وهم يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، إلى أن قال.

فبايعوه وأقاموا معه عنده، فقال الراهب: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا:

أبو طالب. فلم يزل يناشده حتى رده، وبعث معه أبو بكر بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت.

أخرجه الترمذي في صحيحه 2: 284 فقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والحاكم في المستدرك 2: 616، وأبو نعيم في الدلائل 1: 53، والبيهقي في الدلائل، والطبري في تاريخه 2: 195، وابن عساكر في تاريخه 1: 267، وابن كثير في تاريخه 2: 284، نقلا عن الحافظ أبي بكر الخرائطي والحفاظ المذكورين، وابن سيد الناس في عيون الأثر 1: 42، والقسطلاني في المواهب 1: 49.

* (رجال الرواية) *

1 - أبو نوح قراد عبد الرحمن بن غزوان، قال عباس الدوري: ليس في الدنيا أحد يحدث بهذا الحديث غير قراد أبي نوح وقد سمعه منه أحمد ويحيى لغرابته و انفراده " تاريخ ابن كثير 2: 285 ".

وقال الذهبي في الميزان 2: 113: كان يحفظ، قوله مناكير، وأنكر ما له حديث عن يونس " وذكر شطرا من الحديث " فقال: ومما يدل على أنه باطل قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا، وبلال لم يكن خلق، وأبو بكر كان صبيا.

وقال في تلخيص المستدرك تعليقا على تصحيحه قلت: أظنه موضوعا فبعضه باطل وقال ابن حجر في التهذيب 6: 248: ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان

الصفحة 208
يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصة المماليك. وقال أحمد: هذا " يعني حديث المماليك " باطل مما وضع الناس. وقال الدارقطني: قال أبو بكر: أخطأ فيه قراد.

2 - يونس بن أبي إسحاق. ضعف أحمد حديثه عن أبيه، وقال: حديثه عن أبيه مضطرب. وقال أبو حاتم: كان صدوقا إلا أنه لا يحتج بحديثه. وقال: أبو أحمد الحاكم ربما وهم في روايته. " تهذيب التهذيب 11: 434 ".

3 - أبو إسحاق السبيعي. قال: ابن حبان: مدلس، وذكره الكرابيسي في المدلسين، وقال معن: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق التدليس " تهذيب التهذيب 8: 66 " وقال أبو حاتم: صدوق لا يحتج به: وقال ابن خراش. في حديثه لين. وقال ابن حزم في المحلى: ضعفه يحيى وأحمد جدا، وقال أحمد:

حديثه مضطرب " ميزان الاعتدال 3: 339 ".

4 - أبو بكر بن أبي موسى توفي سنة 106، ضعفه ابن سعد، وقال أحمد:

لم يسمع من أبيه. تهذيب التهذيب 12 ص 41 ".

5 - أبو موسى الأشعري المتوفى سنة 42 / 50 / 51 / 53 وهو ابن 63 سنة بلا خلاف أجده وقد وقعت الواقعة بعد عام الفيل بتسع سنين أو اثني عشر عاما قبل ولادة أبي موسى الأشعري 17 / 22 / 23 / 25 عاما، فإن كان أبو موسى هو الشاهد للقصة قبل مولده فحبذا؟ وإن كان يرويها عمن شاهدها فمن هو؟ حتى ننظر في حاله.

هذا شأن الرواية سندا، أهذه كلها تخفى على مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ فيحكمون فيها بالحسن؟ أو بالصحة كما فعله ابن حجر والحلبي؟ أنا لا أدري. نعم: الحب يعمي أو يصم.

وأما متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها إذ سفر أبي طالب عليه السلام إلى الشام و أخذه معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان وقد مضى من عمره صلى الله عليه وآله سلم تسع سنين على ما قاله أبو جعفر الطبري والسهيلي وغيرهما، أو اثنى عشر عاما على ما قاله آخرون (1) وكان

____________

(1) طبقات ابن سعد 1: 102، تاريخ الطبري 2: 195، تاريخ ابن عساكر 1: 2، 269، تاريخ ابن كثير 2: 285، الروض الأنف: 1: 118، امتاع المقريزي ص 8، عيون الأثر 1: 43، شرح المواهب للزرقاني 1: 196.

الصفحة 209
أبو بكر يوم ذاك ابن ست أو تسع سنين: فأين كان هو؟ وماذا كان يصنع بالشام؟ وأي اختيار كان له بين شيوخ قريش؟ ولم تكن تنعقد نطفة بلال يوم ذاك أخذا بقول من قال:

إنه توفي سنة 25 وله بضع وستون سنة (1) أو إنه ولد في تلكم السنين أخذا بقول ابن الجوزي في الصفوة 1 ص 174 من أنه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة. كأن أبو بكر ولد وهو شيخ وبلال عتيقه، وكان معه من أول يومه، وكان من يوم ولد له الحل والعقد.

ثم أي بيعة كانت يوم ذاك؟ وما معنى قول أبي موسى الأشعري: فبايعوه و أقاموا معه عنده؟ وأي إيمان وإسلام على زعم رواة هذه الأفيكة، وكان قبل البعثة بإحدى وثلاثين سنة، أو ثمانية وعشرين عاما، أو اثنين وعشرين، أو سبعة عشرة سنة على زعم النووي؟ ولم تكن للنبي صلى الله عليه وآله يومئذ دعوة، ولا كلف أحدا بالإيمان به، فلا يقال لمن عرف شيئا من إرهاصات النبوة إنه أسلم يوم عرف وإلا لكان " بحيرا " الراهب و " نسطور " وأمثالهما من الرهبان والكهنة أقدم إسلاما من أبي بكر، وكم هنالك أناس عرفوا أمر الرسالة قبلها وبشروا بها ثم بعد البعثة عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشركا، ومنهم من أدركته الهداية بعد حين كما يأتي في كعب الأحبار بعيد هذا. و كيف أثبت ذلك اليوم إيمانا لأبي بكر وصار بذلك أقدم الناس إسلاما ولم يثبت لأبي طالب لا ذاك ولا غيره؟ وأبو موسى لم يستثن أبا طالب من أولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراء أبي بكر وبلال الخيالي.

قال الحافظ الدمياطي: في هذا الحديث وهمان: الأول: قوله: فبايعوه وأقاموا معه. والثاني: قوله: وبعث معه أبو بكر بلالا. ولم يكونا معه، ولم يكن بلال أسلم لا ملكه أبو بكر، بل كان أبو بكر حينئذ لم يبلغ عشر سنين، ولم يملك أبو بكر بلالا إلا بعد ذلك بأكثر من ثلاثين سنة وكذا ضعفه الذهبي (2).

وقال الزركشي في الاجابة ص 50: هذا من الأوهام الظاهرة لأن بلالا إنما اشتراه أبو بكر بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن أسلم بلال وعذبه قومه ولما خرج

____________

(1) تهذيب التهذيب 1: 503.

(2) حياة الحيوان للدميري 2: 275، تاريخ الخميس 1: 292.

الصفحة 210
النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبي طالب كان له من العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وأيام. ولعل بلالا لم يكن بعد ولد. ا ه‍

وقال ابن كثير في تاريخه 2: 285: إن قوله: وبعث أبو بكر معه بلالا إن كان عمره عليه الصلاة والسلام إذ ذاك اثنتى عشرة سنة فقد كان عمر أبي بكر إذ ذاك تسع سنين أو عشرة، وعمر بلال أقل من ذلك، فأين كان أبو بكر إذ ذلك؟ ثم أين كان بلال، كلاهما غريب، أللهم إلا أن يقال: إن هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرا، إما بأن يكون سفره بعد هذا أو إن كان القول بأن عمره كان إذ ذاك اثنتي عشرة سنة غير محفوظ فإنه إنما ذكره مقيدا بهذا الواقدي، وحكى السهيلي عن بعضهم أنه كان عمره على الصلاة والسلام إذ ذاك تسع سنين والله أعلم.

قال الأميني: إن ابن كثير غض البصر عما في الرواية من خرافة البيعة كأن لم يكن شيئا مذكورا. ثم أتى في تصحيح بعث أبي بكر بلالا بما لا يخفى على فساده، إذ لم يزد سفر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مع أبي طالب عليه السلام على المرة الواحدة، و كون عمره صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر عاما محفوظ عند ابن سعد وابن جرير وابن عساكر و ابن الجوزي، ولم ينحصر بالواقدي كما حسبه. وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الشام مرة ثانية سنة خمس وعشرين من عام الفيل مع ميسرة غلام السيدة خديجة سلام الله عليها وليس هناك أي ذكر من " بحيرا " وإنما فيه قضية " نسطور " الراهب. (1).

وقال ابن سيد الناس في عيون الأثر 1: 43 مثل مقالة الدمياطي المذكورة وكذلك الحلبي في السيرة النبوية 1 ص 129، والحديث أخرجه ابن الجوزي في صفة الصفوة 1: 21، من طريق داود بن الحصين وليس فيه أثر من الوهمين ولا ذكر من أبي بكر.

* (نظرة في حديث كعب) *

وأما رواية كعب فإني لم أجدها في أصل من أصول الحديث، ولم أر لها سندا قط، وفي ذكر كعب وهو كعب الأحبار من رجال

____________

(1) تاريخ ابن عساكر 1: 267، 272، دلائل النبوة لأبي نعيم 1: 54، الصفوة لابن الجوزي 1: 24، تاريخ ابن الفدا ج 1: 114، الاجابة للزركشي ص 50، تاريخ الخميس 1. 262.