1 ـ فإنّا لا نقول: إنّ أمير المؤمنين أوّل من آمن وإن كان هو أوّل من وافق الرسول على مبدأ الإسلام لمّا صدع بالأمر، ولكنّا نقول: متى " كفر " علي حتّى يؤمن!! وإنّما كان هو وصاحب الدعوة الإلهية عارفين بالدّين وتعاليمه، معتنقين له، منذ كيانهما في عالم الأنوار قبل خلق الخلق، غير أنّ ذلك العالم مبدأ الفيض الأقدس ووجودهما الخارجي مجراه، فمحمّد نبيّ وعلي وصيّ وآدم بين الماء والطين صلّى اللّه عليهم أجمعين.
2 ـ على أنّ نبيّ الإسلام، وهو العارف بأحكامه، والذي خطّط لنّا التكاليف قبل إسلام ابن عمِّه، وأنجز له جميع ما وعده به من الإخوّة والوصاية والخلافة، يوم أجاب دعوته وآزره على هذا الأمرّ وقد أُحجم عنه عندما نزلت آية: { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ }(1).
____________
(1) الشعراء: 214. وحديث الإنذار ورد في مصادر متعدّدة، وبأسانيد لابأس بها، فورد بلفظ: " إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوه " في: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 211، شواهد التنزيل للحسكاني 1: 486، تفسير البغوي 3: 400، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 49، مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي لابن مردويه الاصفهاني: 290، تاريخ الطبري 2: 63 ـ وقد حذفه في تفسير فقال في جامع البيان 19: 149: " فأيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي وكذا وكذا "!! وكذلك فعل ابن كثير في البداية والنهاية 3: 53 ـ، الكامل في التاريخ لابن الأثير 2: 63.
وبلفظ: " فأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي.. " في: مسند أحمد 1: 159، مجمع الزوائد للهيثمي 8: 302 وقال: " رواه أحمد ورجاله ثقات "، السنن الكبرى للنسائي 5: 126، خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 86، تفسير ابن كثير 3: 363، الطبقات الكبرى لابن سعد 1: 187، تهذيب الكمال المزي 9: 147، أمتاع الاسماع للمقريزي 5: 178.
وإنّما قابله بكلّ ترحيب، وخوّله ما لا يخوّل أحداً صحة إسلامه عنده، بحيث كان على أساس رصين، فاتخذه ردءاً، كمن اعتنق الدين عن قلب شاعر، ولبّ راجح، وعقلية ناضجة يغتنم بذلك محاماته ومرضاة أبيه في المستقبل:
وإذا أكبرنا النّبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كلّ مداهنة ومصانعة، فلا نجد مسرحاً في المقام لأيّ مقال إلاّ أن نقول: إنّ إسلام علي (عليه السلام)كان عن بصيرة وثبات مقبول عند اللّه ورسوله وكان ممدوحاً منهما عليه.
كما تمدّح بذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) غير مرّة وهو أعرف الأُمّة بتعاليم الدّين بعد النّبي الكريم فقال: " أنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي الاّ كاذب مفتر، صلّيت مع رسول اللّه قبل الناس بسبع سنين "(1).
____________
(1) سنن ابن ماجه 1: 44، وقال محقق السنن الشيخ محمّد عبد الباقي: " في الزوائد: إسناده صحيح. رواه الحاكم في المستدرك عن المنهال، وقال: صحيح على شرط الشيخين "، المستدرك للحاكم 3: 112، المصنف لابن أبي شيبة 7: 498، كتاب السنة لابن أبي عاصم: 584، السنن الكبرى للنسائي خصائص أمير المؤمنين للنسائي: 46، تفسير الثعلبي 5: 85.
ومن يقول بأن علياً أسلم صغيراً؟!
نرد عليه فنقول: قد رووا كما في صحيح مسلم 1: 133، وفتح الباري 10: 354 أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزلت عليه (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)قريشاً وقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار..
يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإنّي لا أملك لكم من اللّه شيئاً.. " مع أن فاطمة سلام اللّه عليها كانت صغيرة، إذ هذه الآية في بدء الدعوة العلنية، وفاطمة سلام اللّه عليها لا يتجاوز عمرها ثمان سنين، ومع ذلك دعاها النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)إلى الإسلام وهي لم تكلف بعد، وتصحيح دعوتها بإعتبار كونها مميزة تفهم فلذلك خاطبها، فكذلك علي بن أبي طالب فاسلم وهو يعرف ما يقول فلذلك يصح إسلامه ويكون أوّل المسلمين، وإلاّ أن رفض ذلك، فيلزم سقوط رواية الصحاح حول فاطمة سلام اللّه عليها، إذ كيف يقبل مخاطبتها ودعوتها إلى الإسلام وهي صغيرة، ولا يقبل إسلام علي ابن أبي طالب لكونه صغيراً، فإنّ ذلك قسمة ضيزى.
ومن هذا تندفع جميع الإشكالات الموجودة على صغر إسلام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
كما مدحته الصحابة بذلك، وهم أبصر من غيرهم يوم كانوا يغترفون من مستقى العلم ومنبع الدين.
وعلى هذا الأساس تظافر الثناء عليه من العلماء والمؤلّفين والشعراء وسائر طبقات الأُمّة بأنّه أوّل من أسلم، لكن هناك ضالع في سيره حسب شيئاً فخانته هاجسته وهوى إلى مدحره الباطل فقال: إنّ علياً أسلم وهو صغير!! يريد بذلك الحطّ من مقامه وليس هناك.
3 ـ ولو تنازلنا عن جميع ذلك فمن أين علمنا أن اشتراط البلوغ في التكليف كان مشروعاً في أوّل البعثة، فلعلّه كبقية الأحكام التدريجية نزل به الوحي فيما بعد، ولقد حكى الخفاجي
____________
(1) الأمالي للشيخ الصدوق: 25.
4 ـ على أنَّا معاشر الإمامية نعتقد في أئمة الدّين بأنّهم
____________
(1) هامش مصباح الفقاهة للسيد الخوئي 2: 511.
(2) السيرة الحلبية 1: 435 وقال عقيب هذا الكلام: " وقد ذكروا أنّ الزبير بن العوام أسلم وهو ابن ثمان سنين، وقيل: ابن خمس عشرة سنة، وقيل: ابن اثنتي عشرة شنة، وقيل: ابن ستة عشرة سنة.
وممّا يدل للأوّل ما جاء عن بعضهم كان علي والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ولدوا في عام واحد..
وممّا يدلّ ـ أيضاً ـ ما جاء في كلام بعض آخر: أسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وهما ابنا ثمان سنين، وإجماعهم على أنّ علياً لم يكن يبلغ الحلم برد القول بأنّ عمره كان إذ ذاك عشر سنين، أي بناءً على أنّ سن إمكان الاحتلام تسع سنين كما تقول به أئمتنا.
ثمّ قال: أقول: قال بعض متأخري أصحابنا: وإنّما صحت عبادة الصبي المميز ولم يصح إسلامه ; لأنّ عبادته نفل والإسلام لا يتنفل به، وعلى هذا مع ما تقدّم يشكل ما في الامتاع.
وأمّا علي بن أبي طالب فلم يكن مشركاً باللّه أبداً ; لأنّه كان مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في كفالته، كأحد أولاده، يتبعه في جميع أُموره، فلم يحتج أن يدعي الإسلام، فيقال: أسلم.
ثُمّ رأيت في الحديث ما يدلّ لما في الامتاع وهو: ثلاثة ما كفروا باللّه قط: مؤمن آل ياسين، وعلي بن أبي طالب، وآسية إمرأة فرعون.
والذي في العرائس روي عن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا باللّه طرفة عين: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب ياسين، وعلي بن أبي طالب ـ رضي اللّه تعالى عنهم ـ وهو أفضلهم.. ".
فإذن، لا مساغ لأيّ أحد البحث في المسألة.
هذه هي السلسلة الذهبية التي تحلّى بها أبو الفضل وهي (آباؤه الأكارم)، وقد اتحد مع كُلّ حلقة منها الجوهر الفرد، لاثارة الفضائل، فما منهم إلاّ من أخذ بعضادتي الشرف، وملك أزمة المجد والخطر، قد ضَمّ إلى طيب المحتد عظمة الزعامة، وإلى طهارة العنصر نزاهة الإيمان، فلاترى أيّاً منهم إلاّ منارَ هدىً، وبحرَ ندىً، ومثالَ تُقىً، وداعية إلى التوحيد وإلى بسالة وبطولة وإباء وشمم، وهم الّذين عرقوا في سيّدنا العبّاس (عليه السلام) هذه الفضائل كُلّها، وإن كان القلم يقف عند انتهاء السلسلة إلى أمير المؤمنين، فلا يدري اليراع ما يخطّ من صفات الجلاّلّ والجمالّ، وأنه كيف عرّقها في ولدِهِ المحبوب (قمر الهاشميين).
الأعمام
هلمّ معي أيّها القارئ لنقرأ صحيفة بيضاء مختصرة من حياة أعمام أبي الفضل، الّذين هُم أغصان تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، فإنّ للعمّومة عِرقاً يضرب في نفسيّات المولّود من فضائل وفواضل، وقد جاء في الحديث: " الولّد كما يشبه أخواله يشبه أعمامه "(1).
____________
(1) ورد في كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: 314، حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن ـ رضي اللّه عنهما ـ قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه.. عن أبي جعفر الثاني محمّد بن علي (عليه السلام) قال: " أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات يوم ومعه الحسن بن علي وسلمان الفارسي (رضي الله عنه)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) متكىء على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئه واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فرد عليه السلام فجلس ثُمّ قال:
يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم ولا في آخرتهم، وإن تكن الأخرى علمت أنّك وهم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): سلني عمّا بدا لك؟
فقال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمّد الحسن فقال: يا أبا محمّد أجبه، فقال: أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنّ روحه متعلّقة بالريح والريح متعلّقة بالهواء إلى وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإن أذن اللّه عزّ وجلّ يرد تلك الروح إلى صاحبها جذبت تلك الروح الريح، وجذبت تلك الريح الهواء، فرجعت الروح، فاسكنت في بدن صاحبها...
وأمّا ما ذكرت من أمر المولود الذي يشبه أعمامه وأخواله ; فإنّ الرجل إذا أتى أهله فجامعها بقلب ساكن، وعروق هادئة، وبدن غير مضطرب، فاسكنت تلك الروح النطفة في جوف الرحم خرج الولد يشبه أباه وأُمّه، وإن هو أتاها بقلب غير ساكن وعروق غير هادئة وبدن مضطرب أضطربت تلك النطفة فوقعت في حال إضطرابها على بعض العروق، فإنّ وقعت على عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه، وإن وقعت على عرق من عروق الأخوال أشبه الرجل أخواله ".
وما أدراك ما حمزة؟ وما هو! وهل تعلم ماذا عنى نبيّ العظمة من وصفه " بأسد اللّه وأسد رسوله "(1)؟ وهل أنّه أراد الشدّة والبسالة فحسب؟!
لا ; لأنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أفصح من نطق بالضّاد، وكلامه فوق كلام البلغاء، فلو كان يريد خصوص الشجاعة لكان حق التعبير أن يأتي بلفظ " الأسد " مجرّداً عن الإضافة إلى اللّه سبحانّه وإلى رسولّه، كما هو المطّرد في التشبيه به نظماً ونثراً.
وحيث أضافه الرسول إلى ذات الجلاّلة والرسالة فلا بدّ أن يكون لغاية هناك أُخرى، وليست هي إلاّ إفادة أنّ ما فيه من كرّ وإقدام وبطش وتنمّر مخصوص في نصرة كلمة اللّه العليا ودعوة
____________
(1) الكافي للكليني 1: 224، ح2، كامل الزيارات لابن قولويه: 62، الأمالي للشيخ الصدوق: 547، المستدرك للحاكم 2: 119 و3: 198، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 268 وقال: " ورجاله إلى قائله رجال الصحيح "، فتح الباري 7: 286 بلفظ: " إنّ حمزة مكتوب في السماء أسد اللّه وأسد رسوله " وغيرها من المصادر الكثيرة.
يشهد له ما في كتاب " الطرف " للسيد ابن طاووس: أنّ رسول اللّه قال لحمزة في الليلة التي أُصيب في يومها: " إنّك ستغيب غيبة بعيدة، فما تقول لو سألك اللّه عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان "؟
فبكى حمزة وقال: أرشدني وفهّمني.
فقال النّبي: " تشهد للّه بالوحدانية، ولمحمّد بالرسالة، ولعليّ بالولاية، وأنّ الأئمة من ذرية الحسين، وأنّ فاطمة سيدة نساء العالمين، وأنّ جعفر الطيار مع الملائكة في الجنّة ابن أخيك، وأنّ محمّداً وآله خير البريّة ".
قال حمزة: آمنت وصدّقت.
ثُمّ قال رسول اللّه: " وتشهد بأنّك سيّد الشهداء، وأسد اللّه وأسد رسوله ".
فلمّا سمع ذلك حمزة أدهش وسقط لوجهه، ثُمّ قبّل عيني رسول اللّه وقال: أشهدَك على ذلك وأُشهِدُ اللّه وكفى باللّه شهيداً(1).
____________
(1) بحار الأنوار 65: 395.
وهناك مرتبة أُخرى لا يبلغ مداها أحد، وهي اعتراف حمزة وشهادته بأنّه سيّد الشهداء، وأنّه أسد اللّه وأسد رسوله، وأنّ ابن أخيه الطيار مع الملائكة في الجنّة. وهذه خاصّة لم يكلّف بها العباد فوق ما عرفوه من منازل أهل البيت المعصومين، وإنمّا هي من مراتب السلوك والكشف واليقين.
وإذا نظرنا الى إكبار الأئمة لمقامه ـ وهم أعرف بنفسيات الرجال، حتّى إنّهم احتجوا على خصومهم بعمومته وشهادته دون الدين، كما احتجّوا بنسبتهم إلى الرسول الأقدس، مع أنّ هناك رجالاً بذلوا أنفسهم دون مرضاة اللّه تعالّى. استفدنا درجة عالّية تقرب من درجاتهم (عليهم السلام) فهذا أمير المؤمنين يقول: " إنّ قوماً استشهدوا في سبيل اللّه من المهاجرين، ولكلّ فضل، حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل: سيّد الشهداء، وخصّه رسول اللّه بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه "(1).
____________
(1) الاحتجاج 3: 259، بحار الأنوار 22: 272 و23: 58 و78: 348، نهج السعادة للمحمودي 4: 192، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 15: 181، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب: 372، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي 3: 446.
وقال الإمام المجتبى في بعض خطبه: " وكان ممّن استجاب لرسول اللّه عمّه حمزة وابن عمّه جعفر، فقتلا شهيدين في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول اللّه، فجعل حمزة سيّد الشهداء "(2).
وقال سيّد الشهداء أبو عبد اللّه يوم الطفّ: " أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّ أبي "(3)؟!
إلى غير ذلك ممّا جاء عنهم في الإشادة بذكره حتّى إنّ رسول اللّه لم يزل يكرّر الهتاف بفضله، ويعرّف المهاجرين والأنصار بما امتاز به أسدُ اللّه وأسد رسوله من بينهم، كي لا يقول قائل ولا يتردّد مسلم عن الإذعان بما حبا اللّه تعالّى سيّد الشهداء من الكرامة، فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم):
" يا معشر الأنصار، يا معشر بني هاشم، يا معشر بني عبد
____________
(1) الخصال للشيخ الصدوق: 555، الأمالي للشيخ الطوسي: 554، بحار الأنوار 22: 280، المناقب للخوارزمي: 314، الدر النظيم: 33، كتاب الولاية لابن عقدة: 163، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف لابن طاووس: 412، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 434، ميزان الاعتدال للذهبي 1: 442، لسان الميزان لابن حجر 2: 157، وغيرها من المصادر.
(2) الأمالي للشيخ الطوسي: 563، حلية الأبرار للبحراني 2: 74، بحار الأنوار 10: 141 و22: 283، كتاب الولاية لابن عقدة: 185.
(3) الإرشاد للشيخ المفيد 2: 97، مثير الأحزان للحلي: 37، تاريخ الطبري 4: 322، الكامل في التاريخ لابن الأثير 4: 62، الدر النظيم: 552.
والغرض من هذا ليس إلاّ التعريف بخصوص فضلّ عمّه وابن عمّه، فلذلك لم يتعرّض لخلق الأئمة، بل ولا شيعتهم المخلوقين من فاضل طينتهم ـ كما في صحيح الآثار ـ وإنّما ذكر نفسه ووصيّه لكونهما من أُصولّ الإسلام والإيمان.
كما أنّ أمير المؤمنين يوم فتح البصرة لمّا صرّح بفضل سبعة من ولد عبد المطلب قال: " لا ينكر فضلهم إلاّ كافر، ولا يجحده إلاّ جاحد، وهم: النّبي محمّد، ووصيّه، والسبطان، والمهدي، وسيّد الشهداء حمزة، والطيّار في الجنان جعفر "(2)، لم يقصد
____________
(1) الأمالي للشيخ الصدوق: 275، التوحيد للشيخ الصدوق: 204، الأمالي للشيخ الطوسي: 410، بحار الأنوار 11: 380 و22: 374، غاية المرام للبحراني 5: 117.
(2) الكافي 1: 450، ح34، عنه بحار الأنوار 22: 282، ح41.
والمؤلّف نقل مضمون الرواية ونصّ الرواية كالتالي: " عن أصبغ بن نباته الحنظلي، قال: رأيت أمير المؤمنين (عليه السلام) يوم افتتح البصرة، وركب بغلة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثُمّ قال: " أيّها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم اللّه "؟
فقام إليه أبو أيوب الأنصاري فقال: بلى يا أمير المؤمنين حدّثنا، فإنّك كنت تشهد ونغيب.
فقال: " إنّ خير الخلق يوم يجمعهم اللّه تعالّى سبعة من ولد عبد المطلب، لا ينكر فضلهم إلاّ كافر، ولا يجحد به إلاّ جاحد ".
فقام عمّار بن ياسر (رحمه الله) فقال: يا أمير المؤمنين، سمّهم لنا لنعرفهم!
فقال: " خير الخلق يوم يجمعهم اللّه الرُسّل، وإنّ أفضل الرسل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّ أفضل كُلّ أُمة بعد نبيّها وصيّ نبيّها حتّى يدركه نبي، ألا وإنّ أفضل الأولياء وصيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ألاّ وإنّ أفضل الخلق بعد الرسل الشهداء، ألاّ وإنّ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب وجعفر ابن أبي طالب، له جناحان يطير بهما في الجنّة، لم ينحل أحد من هذه الأُمّة جناحان غيره. شيء أكرم اللّه به محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم)وشرّفه، والسبطان الحسن والحسين والمهدي (عليهم السلام)، يجعله اللّه من شاء منّا أهل البيت ". ثُمّ تلا هذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً) النساء: 69.
ولو لم تكن لسيّد الشهداء حمزة وابن أخيه الطيار كلّ فضيّلة سوى شهادتهما للأنبيّاء بالتبلّيغ وأداء الرسالة، لكفى أن لا يتطلب الإنسان غيرهم.
قال أبو عبد اللّه الصادق (عليه السلام): " إذا كان يوم القيامة وجمع اللّه ـ تبارك وتعالّى ـ الخلائق كان نوح (صلّى اللّه عليه) أوّل من يدعى به فيقال له: هل بلّغت؟
فيقول: نعم.
فيقال له: من يشهد لك؟!
فيقول: محمّد بن عبد اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: فيخرج نوح (صلّى اللّه عليه) ويتخطّى الناس حتّى يأتي إلى محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو على كثيّب المسّك، ومعه علي (عليه السلام)، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا }(1)، فيقول نوح لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): يا محمّد إنّ اللّه ـ تبارك وتعالّى ـ سألني هل بلغت؟ فقلت: نعم، فقال: من يشهد لك؟ قلت: محمّد! فيقول: يا جعفر، يا حمزة اذهبا واشهدا أنّه قد بلّغ.
فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) فحمزة وجعفر هما الشاهدان للأنبياء (عليهم السلام) بما بلّغوا ".
____________
(1) الملك: 27.
فقال: هو " أعظم منزلة من ذلك "(1).
وهذه الشهادة لا بدّ أن تكون حقيقية، بمعنى أنّها تكون عن وقوف بمعالّم دين نوح (عليه السلام) وأديان الأنبياء الّذين هما الشاهدان لهم بنصّ الحديث، وإحاطة شهودية بها، وبمعارفها، وبمواقعها، وبوضعها في الموضع المقرّر له، وإلاّ لما صحّت الشهادة. وهذا المعنى هو المتبادر إلى الذهن من الشهادة عند إطلاقها، فهي ليست شهادة علميّة، بمعنى حصول العلم لهما من عصمة الأنبياء بأنّهم وضعوا ودائع نبواتهم في مواضعها، ولو كان ذلك كافياً لما طُولبوا بمن يشهد لهم، فإنّ جاعل العصمة فيهم ـ جلّ شأنه ـ أعرف بأمانتهم، لكنّه لضرب من الحكمة أراد سبحانه وتعالّى أن يجري الأمر على أُصول الحكم يوم فصل القضاء.
ثُمّ إنّ هذه الشهادة ليست فرعيّة، بمعنى إنّهما يشهدان عن شهادة رسول اللّه، فإنّ المطلوب في المحاكم هي الشهادة الوجدانية فحسب.
فإذا تقرّر ذلك فحسب حمزة وجعفر من العلم المتدفق خبرتهما بنواميس الأديان كُلّها، والنواميس الإلّهية جمعاء، أو وقوفهما بحقِّ اليقين، أو بالمعايّنة في عالم الأنوار، أو المشاهدة في عالم الأظلة والذكر لها في عالم الشهود والوجود، ومن المستحيل بعد تلك الإحاطة أن يكونا جاهلين بشيء من نواميس الإسلام.
____________
(1) الكافي للكليني 8:267، ح 392، وعنه بحار الأنوار للمجلسي 7:283، ح4.
طالب
إنّ الثابت عند المحقّقين إسلام طالب بن أبي طالب من أوّل الدعوة، فإنّ المتأمّل إذا نظر بعين البصيرة إلى أبي طالب، وقد ضَمّ أولاده أجمع والنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم، لا يفارقونه في جميع الأحوال، مع ما يشاهدونه منه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الآيات الباهرات ; لا يرتاب في صدق الدعوى، وقد أفصح عنه شعره(1):
إذا قِيلَ مَنْ خَيرُ هذا الوَرى | قَبيِلاً وأكرَمَهم أُسرَة |
أناف بعَبِدِ مُناف أبٌ | وفَضلّه هَاشِمٌ الغَرة |
لَقَد حَلّ مَجدُ بَنِي هَاشِم | مَكانَ النَعائِمِ والنَثرةِ |
وخَيرُ بَنِي هَاشِم أحمد | رَسولُ الإلهِ عَلى فَترة |
وإنّ في حديث جابر الأنصاري ما يفيد منزلة أرقى من مجرّد الإسلام يقول قلت لرسول اللّه: أكثر الناس يقولون: إنّ أبا طالب مات كافراً؟
____________
(1) إيمان أبي طالب للشيخ المفيد: 35، بحار الأنوار 35: 165، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14: 78.
فقال: يا محمّد، هذا عبد المطلب، وهذا أبو طالب، وهذا أبوك عبد اللّه، وهذا أخوك طالب.
فقلت: إلهي وسيدي، فِيم نالوا هذه الدرجة؟
قال: بكتمانهم الإيمان والصبر على ذلك حتّى ماتوا "(1).
وروى الكليني في روضة الكافي عن الصادق (عليه السلام): " كان طالب مسلماً قبل بدر، وإنّما أخرجته قريش كرهاً، فنزل رجَّازوهم يرتجزوُن، ونزل طالب يرتجز:
يا ربِّ إمّا يغزونَ بطالب | في مقنب منَ هذهِ المقانبِ |
في مَقنَب المُحاربِّ المُغالبِ | يَجعلهُ المَسلُوبَ غَيرَ السالبِ(2) |
وروى محمّد بن المثنى الحضرمي أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لقي
____________
(1) روضة الواعظين: 81، وعنه في بحار الأنوار 35: 16، ح12، الدر النظيم للعاملي: 234.
(2) روضة الكافي للكليني 8: 375، عمدة الطالّب لابن عنية: 30، وعن الكافي في بحار الأنوار 19: 294، ح38، المجدّ في أنساب الطالبيين للعلوي: 318، تاريخ الطبري 2: 144، الكافي في التاريخ 2: 121، الوافي بالوفيات 16: 222، البداية والنهاية 3: 325، السيرة النبّوية لابن هشام الحميري 2: 451، السيرة النبوية لابن كثير 2: 400.
ويشهد له ما رواه ابن جرير أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم بدر: " إنّي لأعرف رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً منهم فلا يقتله، ومن لَقِيَ العبّاس بن عبد المطلب فلا يقتله، إنّما خرج مستكرهاً "(2).
وقد اختلف في موت طالب فقيل: إنّه لمّا خرج إلى بدر فُقد ولم يعرف خبره، وقيل: أقحمه فرسه في البحر فغرق. وليس من البعيد أنّ قريشاً قتلته حينما عرفت منه الإسلام، وعرفت مصارحته بالتفاؤل بمغلوبيتهم، وكان حاله كحال سعد بن عبادة لمّا رماه الجن
____________
(1) الأُصول الستة عشر من الأُصول الأولية: 259، وفي مجمع الزوائد للهيثمي 7: 10: " عن ابن عباس ـ رضي اللّه عنهما ـ قال: كان ناس من أهل مكة قد أسلموا، وكانوا مستخّفين بالإسلام، فلمّا خرج المشركون إلى بدر أخرجوهم مكرهين..
قلت: أخرج البخاري بعضه، رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير محمّد بن شريك، وهو ثقة " أقول: وفي إخفاء الأسماء عادة قديمة عند القوم، ولهم تضلّع كبير فيها يعرفها من سير كلماتهم، ولاحظ أقوالهم. وللّه مع ما يسمّون بـ (أهل السنّة والحديث) شؤون لا تخفى.
(2) بحار الأنوار 19: 304، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14: 183، تفسير القرطبي 8: 49، تفسير ابن كثير 2: 340، الطبقات الكبرى لابن سعد 4: 10، تاريخ الطبري 2: 151، الكامل في التاريخ 2: 128، تاريخ الإسلام 2: 58 و120، البداية والنهاية 3: 348، السيرة النّبوية لابن هشام الحميري 2: 458، السيرة النّبوية لابن كثير 2: 436، سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي 4: 49، السيرة الحلبية للحلبي 2: 413.
____________
(1) لم يُعرف حال طالب بن أبي طالب بشيء، غير ذكر له من خرج مكرها من بني هاشم إلى معركة بدر، وأمّا حاله بعدها فهو مجهول عند المحدّثين والمؤرّخين.
قال ابن سعد في الطبقات الكبرى 1: 121: " كان اسم أبي طالب عبد مناف، وكان له من الولد طالب بن أبي طالب، وكان المشركون أخرجوه وسائر بني هاشم إلى بدر كرهاً.. فلمّا انهزموا لم يوجد في الأسرى، ولا في القتلى ولا رجع إلى مكة، ولا يدرى ما حلّ به، وليس له عقب ".
ومثله في تاريخ الطبري 2: 143، والكامل في التاريخ لابن الأثير 2: 121.
وقال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 2: 817: " وذكروا أنّ ثلاثة نفر ذهبوا على وجوههم فهاموا، ولم يوجد ولم يسمع لهم بأثر: طالب بن أبي طالب ".
ومثله في أُسد الغابة 3: 112، وغيرها من المصادر الكثيرة التي اتفقت على جهالة حال طالب بعد معركة بدر، وهذا شيء غريب ملفت للنظر، خصوصاً وأنّ المؤرّخين ركزوا على بني هاشم وذكر أخبارهم وسيرهم.
ثُمّ إنّ المؤلّف شبهه ـ على بعد ـ بسعد بن عبادة الأنصاري، المعروف في وقعة السقيفة، وموقفه من أبي بكر وعمر، من معارضته وعدم مبايعته لهم، وهذا الصحابي اختلف في موته.
قال ابن عبد البرّ في الاستيعاب 2: 599: " ولم يختلفوا أنّه وجد ميتاً في مغتسله، وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتّى سمعوا قائلاً ـ ولا يرون أحداً ـ:
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده | رميناه بسهم فلم يخطئ فؤاده |
ويقال: إن الجنّ قتلته " قال السيّد الأمين في أعيان الشيعة 7: 225: " وقيل: إن الذي رماه المغيّرة بن شعبة، وقيل: شخصاً غيره، رماه كلّ واحد بسهم. وأُشيع أنّ الجنّ رمته وقالت البيتين، ويحكى عن بعض الأنصار أنه قال:
وما ذنب سعد أنه بال قائماً | ألاّ ربما خفقت فعلك بالغدر |
يقولون سعد شقت الجنّ بطنه | ولكن سعداً لم يبايع أبا بكر |
وفي الاستيعاب: لم يختلفوا أنه وجد ميتاً في مغتسله وقد أخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلاً يقول ـ ولا يرون أحد ـ: نحن قتلنا.. البيتين، ويقال: إنّ الجن قتله اهـ.
وياليت شعري وما ذنبه إلى الجن حتّى تقتله الجنّ؟!
وينقل عن محمّد بن جرير الطبري، وكأنه الشيعي، وفي مؤلّفه عن أبي علقمة، قلت لابن عبادة، وقد مال الناس إلى بيعة أبي بكر: ألا تدخل فيما دخل فيه المسلمون؟
قال: إليك عنّي، فواللّه لقد سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " إذا أنا مت تضلّ الأهواء ويرجع الناس على أعقابهم، فالحقّ يومئذ مع علي "، وكتاب اللّه بيده، لا نبايع أحداً غيره فقلت له: هل سمع هذا الخبر أحد غيرك من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: أناس في قلوبهم أحقاد وضغائن.
قلت: بل نازعتك نفسك أن يكون هذا الأمر لك دون الناس؟
فحلف أنه لم يهم بها ولم يردها، وأنّهم لو بايعو علياً لكان أول من بايعه ".