ولا يهمّه السهام حاشا | من همّه سقاية العطاشى |
فجاد باليمين والشمال | لنصرة الدين وحفظ الآل |
قام بحمل راية التوحيد | حتّى هوى من عمد الحديد |
والدين لمّا قطعت يداه | تقطّعت من بعده عراه |
وانطمست من بعده أعلامه | مذ فقدت عميدها قوامه |
وانصدعت مهجة سيّد البشر | لقتله وظهر سبطه انكسر |
وبان الإنكسار في جبينه | فانكدت الجبال من حنينه |
وكيف لا وهو جمال بهجته | وفي محياه سرور مهجته |
كافل أهله وساقى صبيته | وحامل اللوا بعالي همّته |
واحدة لكنّه كلّ القوى | وليث غابة بطفّ نينوى |
ناح على أخيه نوح الثكلى | بل النبيّ في الرفيق الأعلى |
وانشقّت السما وأمطرت دما | فما أجلّ رزأه وأعظما |
بكاه كالهطال حزناً والده | وكيف لا وبان منه ساعده |
بكاه صنوه الزكي المجتبى | وكيف لا ونور عينه خبا |
ناحت بنات الوحي والتنزيل | عليه مذ أمست بلا كفيل |
ناحت عليه الحور في قصورها | لنوح آل البيت في خدورها |
ناحت عليه زمر الأملاك | مذ ناحت العقائل الزواكي |
فمَن لتلك الخفرات الطاهرة | مذ سبيت حسرى القناع سافرة |
أين ربيب المجد أمّاً وأباً | عن أخواته وهنّ في السبا |
وأين عن ودائع النبوّة | ممثّل الغيرة والفتوّة |
وأين عنها ربّ أرباب الإبا | إذ هجم الخيل عنهن الخبا |
فأصبحت نهباً لكلّ مارق | مسوّدة المتون والعواتق |
فيها اشتفى العدوّ من ضغائنه | فأين حامي الظعن عن ظعائنه |
أين فتى الفتيان يوم الملحمة | عن فتياته بأيدي الظلمة |
فليته يرى بعين الباري | عزائز اللّه على الأكوار |
يهدي بها من بلد إلى بلد | وهنّ في أعظم كرب وكمد |
وللعلاّمة الشيخ حسن ابن الشيخ محسن مصبّح الحلّي(1) من قصيدة في الحسين (عليه السلام):
فهناك هبّ ابن الوصيّ إلى الوغى | بهمّة ليث لم يرعه قتامها |
أبو الفضل حامي ثغرة الدين جامع | فرائده إن سلّ منها نظامها |
نضى لقراع الشوس غضباً بحدّه | ليوم التنادي يستكنّ حمامها |
____________
(1) آل مصبّح أُسرة في الحلّة اشتهرت بالعلم والأدب، منهم: شيخ حسين جدّ المترجم، وابنه الشيخ محسن والد المترجم، كان من العلماء الأفاضل، رثاه السيّد حيدر في قصيدة مثبتة في ديوانه، ومنهم المترجم ولد في الحلّة وهاجر إلى النجف لطلب العلم ولمّا يبلغ العشرين من عمره ورجع بعد استكمال الفضيلة، وحجّ مكّة المكّرمة خمساً وعشرين مرّة تطوعاً تارة، ونائباً ومعلّماً أخرى، جمع ديوانه في حياته وهو حسن جدّاً يناهز العشرة آلاف بيتاً، وجلّ شعره في أهل البيت مدحاً ورثاءً، توفّي عن عمر تجاوز السبعين سنة 1317 هـ، وحمل إلى النجف (البابليّات للخطيب الأستاذ الشيخ محمّد علي اليعقوبي).
عليه انطوت في حلبة الطعن فانطوى | عليه الفضا منه وضاق مقامها |
وخاض بها جرّاً يرفّ عبابه | ضباً ويد الأقدار جالت سهامها |
فحلأها عن جانب النهر عنوة | وولّت عواديها يصل لجامها |
ودمدم ليث الغاب يعطو بسالة | إلى الماء لم يكبر عليه ازدحامها |
ثنى رجله عن صهوة المهر وامتطى | قرى النهر واحتلّ السقاء همامها |
وهبّ إلى نحو الخيام مشمّراً | لري عطاشا قد طواها أوامها |
ألّمت به سوداء يخطف برقها | البصائر من رعب ويعلو قتامها |
جلاها بمشحوذ الغرارين أبلج | يدبّ به لدار عين حمامها |
فلولا قضاء اللّه لم يبق منهم | حسيس ولم يكبر عليه اتّصامها |
بماضية الأقدار جدّت يساره | وثنت بيمنى منه طاب التثامها |
وفي عمد حتم القضا شجّ رأسه | ترجّل وانثالت عليه لئامها |
به انتظمت سمر القنا وتشاكلت | وكم فيه يوم الروع حلّ نظامها |
دعا يا حمى الإسلام يا بن الذي به | دعائم دين اللّه شدّ قوامها |
جرى نافذ الأقدار في من تحمه | سراعاً فإنّ النفس حان حمامها |
فشدّ مجيباً دعوة الليث طالباً | تراب به الأعداء طال اجترامها |
طواها ضراباً سلّ فيه نفوسها | وحلّق فيها للبوار اخترامها |
وأحنى عليه قائلا هتك العدى | حجاب المعالي واستحلّ حرامها |
أخي بمن أسطو وإنّكَ ساعدي | وعضبي إذا ما ضاق يوماً مقامها |
أخي فمَن يُعطي المكارم حقّها | ومَن فيه إعزازاً تطاول هامها |
أخي فمن للمحصنات إذا غدت | بملساء يذكي الحائمات رغامها |
أخي لمن أُعطي اللواء ومَن به | يشقّ عباب الحرب إن جاش سامها |
أخي فمن يحمي الذمار حفيظة | إذا ما كبا بالضاريات اعتزامها |
كفى أسفاً أنّي فقدت حشاشتي | بفقدكَ والأرزاء جدّ احتدامها |
فوالهفتا والدهر غدر صروفه | عليكَ وعفواً ناضلتني سهامها |
إلى اللّه أشكو لوعة لو أبثّها | على شامخات الأرض ساخ شمامها |
على أنّني والحكم للّه لاحق | بأثرك والدنيا قليل دوامها |
فقام وقد أحنى الضلوع على جوى | يئنّ كما في الدوح أنّ حمامها |
حسبتك للأيتام تبقى ولم أخل | تجرّ عليّ الداهيات طغامها |
للعلاّمة الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق العاملي(1):
بكر الردى فاجتاح في نكبائه | نور الهدى ومحاسنا سيمائه |
ودهى الرشاد بناسف لأشمّه | وبخاسف أواه بدر سمائه |
ورمى فأصمى الدين في نفاذه | وارحمتاه لمنتهى أحشائه |
____________
(1) ولد في النجف الأشرف في شهر صفر سنة 1279 هـ وتوفّى 12 ذي الحجّة سنة 1361، ودفن في مقبرة بجنب الحسينيّة التي أسّسها في (النبطيّة).
يوماً به قمر الغطارف هاشم | صكّت يد الجلى جبين بهائه |
سيم الهوان بكربلاء فطار للعزّ | الرفيع به جناح آبائه |
أنّى يلين إلى الدنيّة ملمساً | أو تنحت الأقدار من ملسائه |
هو ذلك البسام في الهيجاء | (والعبّاس) نازلة على أعدائه |
من حيدر هو بضعة وصفيحة | من عزمه مشحوذة بمضائه |
واسى أخاه بموقف العزّ الذي | وقفت سواري الشهب دون علائه |
ملك الفرات على ظماه وأُسوة | بأخيه مات ولم يذق من مائه |
لم أنسه مذكّر منعطفاً وقد | عطف الوكاء على معين سقائه |
ولوى عنان جواده سرعان نحو | مخيّم يطفي أوار ظمائه |
فاعتاقه السدان من بيض ومن | سمر وكلّ سدّ رحب فضائه |
فانصاع يخترق الصوارم والقنا | لا يرعوي كالسهم في غلوائه |
يفري الطلا ويخيط أفلاذ الكلا | بشباة أبيضه وفي سمرائه |
ويجول جولة حيدر بكتائب | ملأ الفضا كالليل في ظلمائه |
حتّى إذا ما حان حين شهادة | رقمت له في لوح فضل قضائه |
حسمت مذربة الحسام مقلة | لسقائه ومجيلة للوائه |
أمن العدى فتكاته فدنا له | من كان هياباً مهيب لقائه |
وعلاه في عمد فخر لوجهه | ويمينه ويساره بأزائه |
نادى أخاه فكان عند ندائه | كالكوكب المنقصّ في جوزائه |
وافى عليه مفرّقاً عنه العدى | ومجمعاً ما أنبثّ من أشلائه |
وهوى يقبّله وما من موضع | للثم إلاّ غارق بدمائه |
ويميط عن حرّ المحيا حمرة | علقية صبغت لجين صفائه |
يا مبكياً عين الإمام عليك | فلتبك الأنام تأسّيساً ببكائه |
ومقوّساً منه القوام وحانياً | منه الضلوع على جوى برحائه |
فلننحني حزناً عليك تأسّياً | بالسبط في تقويسه وحنائه |
أنتَ الحريّ بأن تقيم بنو الورى | طرى ليوم الحشر سوق عزائه |
هذا آخر ما وقفنا عليه من حياة قمر الهاشميّين، واللّه وليّ التوفيق، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الهداة الميامين، ونسأله سبحانه الهداية لما يرضيه والزلفى لديه تعالت آلآؤه.