الصفحة 364

ولا يهمّه السهام حاشامن همّه سقاية العطاشى
فجاد باليمين والشماللنصرة الدين وحفظ الآل
قام بحمل راية التوحيدحتّى هوى من عمد الحديد
والدين لمّا قطعت يداهتقطّعت من بعده عراه
وانطمست من بعده أعلامهمذ فقدت عميدها قوامه
وانصدعت مهجة سيّد البشرلقتله وظهر سبطه انكسر
وبان الإنكسار في جبينهفانكدت الجبال من حنينه
وكيف لا وهو جمال بهجتهوفي محياه سرور مهجته
كافل أهله وساقى صبيتهوحامل اللوا بعالي همّته
واحدة لكنّه كلّ القوىوليث غابة بطفّ نينوى
ناح على أخيه نوح الثكلىبل النبيّ في الرفيق الأعلى


الصفحة 365

وانشقّت السما وأمطرت دمافما أجلّ رزأه وأعظما
بكاه كالهطال حزناً والدهوكيف لا وبان منه ساعده
بكاه صنوه الزكي المجتبىوكيف لا ونور عينه خبا
ناحت بنات الوحي والتنزيلعليه مذ أمست بلا كفيل
ناحت عليه الحور في قصورهالنوح آل البيت في خدورها
ناحت عليه زمر الأملاكمذ ناحت العقائل الزواكي
فمَن لتلك الخفرات الطاهرةمذ سبيت حسرى القناع سافرة
أين ربيب المجد أمّاً وأباًعن أخواته وهنّ في السبا
وأين عن ودائع النبوّةممثّل الغيرة والفتوّة
وأين عنها ربّ أرباب الإباإذ هجم الخيل عنهن الخبا
فأصبحت نهباً لكلّ مارقمسوّدة المتون والعواتق


الصفحة 366

فيها اشتفى العدوّ من ضغائنهفأين حامي الظعن عن ظعائنه
أين فتى الفتيان يوم الملحمةعن فتياته بأيدي الظلمة
فليته يرى بعين الباريعزائز اللّه على الأكوار
يهدي بها من بلد إلى بلدوهنّ في أعظم كرب وكمد

وللعلاّمة الشيخ حسن ابن الشيخ محسن مصبّح الحلّي(1) من قصيدة في الحسين (عليه السلام):


فهناك هبّ ابن الوصيّ إلى الوغىبهمّة ليث لم يرعه قتامها
أبو الفضل حامي ثغرة الدين جامعفرائده إن سلّ منها نظامها
نضى لقراع الشوس غضباً بحدّهليوم التنادي يستكنّ حمامها

____________

(1) آل مصبّح أُسرة في الحلّة اشتهرت بالعلم والأدب، منهم: شيخ حسين جدّ المترجم، وابنه الشيخ محسن والد المترجم، كان من العلماء الأفاضل، رثاه السيّد حيدر في قصيدة مثبتة في ديوانه، ومنهم المترجم ولد في الحلّة وهاجر إلى النجف لطلب العلم ولمّا يبلغ العشرين من عمره ورجع بعد استكمال الفضيلة، وحجّ مكّة المكّرمة خمساً وعشرين مرّة تطوعاً تارة، ونائباً ومعلّماً أخرى، جمع ديوانه في حياته وهو حسن جدّاً يناهز العشرة آلاف بيتاً، وجلّ شعره في أهل البيت مدحاً ورثاءً، توفّي عن عمر تجاوز السبعين سنة 1317 هـ، وحمل إلى النجف (البابليّات للخطيب الأستاذ الشيخ محمّد علي اليعقوبي).


الصفحة 367

عليه انطوت في حلبة الطعن فانطوىعليه الفضا منه وضاق مقامها
وخاض بها جرّاً يرفّ عبابهضباً ويد الأقدار جالت سهامها
فحلأها عن جانب النهر عنوةوولّت عواديها يصل لجامها
ودمدم ليث الغاب يعطو بسالةإلى الماء لم يكبر عليه ازدحامها
ثنى رجله عن صهوة المهر وامتطىقرى النهر واحتلّ السقاء همامها
وهبّ إلى نحو الخيام مشمّراًلري عطاشا قد طواها أوامها
ألّمت به سوداء يخطف برقهاالبصائر من رعب ويعلو قتامها
جلاها بمشحوذ الغرارين أبلجيدبّ به لدار عين حمامها
فلولا قضاء اللّه لم يبق منهمحسيس ولم يكبر عليه اتّصامها
بماضية الأقدار جدّت يسارهوثنت بيمنى منه طاب التثامها
وفي عمد حتم القضا شجّ رأسهترجّل وانثالت عليه لئامها


الصفحة 368

به انتظمت سمر القنا وتشاكلتوكم فيه يوم الروع حلّ نظامها
دعا يا حمى الإسلام يا بن الذي بهدعائم دين اللّه شدّ قوامها
جرى نافذ الأقدار في من تحمهسراعاً فإنّ النفس حان حمامها
فشدّ مجيباً دعوة الليث طالباًتراب به الأعداء طال اجترامها
طواها ضراباً سلّ فيه نفوسهاوحلّق فيها للبوار اخترامها
وأحنى عليه قائلا هتك العدىحجاب المعالي واستحلّ حرامها
أخي بمن أسطو وإنّكَ ساعديوعضبي إذا ما ضاق يوماً مقامها
أخي فمَن يُعطي المكارم حقّهاومَن فيه إعزازاً تطاول هامها
أخي فمن للمحصنات إذا غدتبملساء يذكي الحائمات رغامها
أخي لمن أُعطي اللواء ومَن بهيشقّ عباب الحرب إن جاش سامها
أخي فمن يحمي الذمار حفيظةإذا ما كبا بالضاريات اعتزامها


الصفحة 369

كفى أسفاً أنّي فقدت حشاشتيبفقدكَ والأرزاء جدّ احتدامها
فوالهفتا والدهر غدر صروفهعليكَ وعفواً ناضلتني سهامها
إلى اللّه أشكو لوعة لو أبثّهاعلى شامخات الأرض ساخ شمامها
على أنّني والحكم للّه لاحقبأثرك والدنيا قليل دوامها
فقام وقد أحنى الضلوع على جوىيئنّ كما في الدوح أنّ حمامها
حسبتك للأيتام تبقى ولم أخلتجرّ عليّ الداهيات طغامها

للعلاّمة الحجّة الشيخ عبد الحسين صادق العاملي(1):


بكر الردى فاجتاح في نكبائهنور الهدى ومحاسنا سيمائه
ودهى الرشاد بناسف لأشمّهوبخاسف أواه بدر سمائه
ورمى فأصمى الدين في نفاذهوارحمتاه لمنتهى أحشائه

____________

(1) ولد في النجف الأشرف في شهر صفر سنة 1279 هـ وتوفّى 12 ذي الحجّة سنة 1361، ودفن في مقبرة بجنب الحسينيّة التي أسّسها في (النبطيّة).


الصفحة 370

يوماً به قمر الغطارف هاشمصكّت يد الجلى جبين بهائه
سيم الهوان بكربلاء فطار للعزّالرفيع به جناح آبائه
أنّى يلين إلى الدنيّة ملمساًأو تنحت الأقدار من ملسائه
هو ذلك البسام في الهيجاء(والعبّاس) نازلة على أعدائه
من حيدر هو بضعة وصفيحةمن عزمه مشحوذة بمضائه
واسى أخاه بموقف العزّ الذيوقفت سواري الشهب دون علائه
ملك الفرات على ظماه وأُسوةبأخيه مات ولم يذق من مائه
لم أنسه مذكّر منعطفاً وقدعطف الوكاء على معين سقائه
ولوى عنان جواده سرعان نحومخيّم يطفي أوار ظمائه
فاعتاقه السدان من بيض ومنسمر وكلّ سدّ رحب فضائه
فانصاع يخترق الصوارم والقنالا يرعوي كالسهم في غلوائه


الصفحة 371

يفري الطلا ويخيط أفلاذ الكلابشباة أبيضه وفي سمرائه
ويجول جولة حيدر بكتائبملأ الفضا كالليل في ظلمائه
حتّى إذا ما حان حين شهادةرقمت له في لوح فضل قضائه
حسمت مذربة الحسام مقلةلسقائه ومجيلة للوائه
أمن العدى فتكاته فدنا لهمن كان هياباً مهيب لقائه
وعلاه في عمد فخر لوجههويمينه ويساره بأزائه
نادى أخاه فكان عند ندائهكالكوكب المنقصّ في جوزائه
وافى عليه مفرّقاً عنه العدىومجمعاً ما أنبثّ من أشلائه
وهوى يقبّله وما من موضعللثم إلاّ غارق بدمائه
ويميط عن حرّ المحيا حمرةعلقية صبغت لجين صفائه
يا مبكياً عين الإمام عليكفلتبك الأنام تأسّيساً ببكائه


الصفحة 372

ومقوّساً منه القوام وحانياًمنه الضلوع على جوى برحائه
فلننحني حزناً عليك تأسّياًبالسبط في تقويسه وحنائه
أنتَ الحريّ بأن تقيم بنو الورىطرى ليوم الحشر سوق عزائه

هذا آخر ما وقفنا عليه من حياة قمر الهاشميّين، واللّه وليّ التوفيق، والحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله الهداة الميامين، ونسأله سبحانه الهداية لما يرضيه والزلفى لديه تعالت آلآؤه.