1 ـ ان عهـد البخاري كان يقارب عهد الامام الصادق (ع) وانه قد توفي بعد الامام بقرن واحد، لان الامام الصادق (ع) توفي سنة 148 هـ. وتوفي البخاري سنة 256 هـ.
2 ـ كانت المدينة المنورة مركزا لتدريس الامام الصادق (ع) وقد استوطنها البخاري مدة ست سنوات ياخذ من علمائها الحديث، وقد تكررت رحلاته الى مركزالتشيع يومذاك بغداد والكوفة بحيث نسي عددها لكثرتها(1)، وكانت الحجاز والعراق في ذاك العصر غاصتان باصحاب الامام الصادق (ع) بحيث يصعب احصاهم، وكان صيت الامام الصادق (ع) وشهرته قد فاقت ارجا العالم الاسلامي يومذاك حتى ان علماء اهل السنة في ذاك العهد قد سمعوا بها، ولم يكن بوسع احد يدعي الفقاهة والرواية ان يقول انه لم يسمع عن مقام الامام (ع) العلمي.
3 ـ ان البخاري خرج احاديث عمن اخذوا العلم عن الامام الصادق (ع) مثل عبدالوهاب الثقفي، حاتم بن اسماعيل، مالك بن انس، ووهب بن منبه، وهؤلاء هم من مشايخ البخاري في الحديث(2)، ولكن البخاري ابى ان يروي تلك الاحاديث التي رواها هؤلاء المشايخ عن الامام الصادق (ع).
تبرير ابن تيمية:
واما بالنسبة الى عدم رواية البخاري الحديث عن الامام الصادق (ع) وقدكان معاصرا له (ع)، فقد برر ابن تيمية ذلك قائلا: وقد استراب البخاري في بعض حديثه الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام(3).
ذكر ابن تيمية هذا التبرير في لفافة واكتفى فيه بكلام من يحيى بن سعيد.
____________
1- راجع ص.
2- الجمع بين رجال الصحيحين راجع الترجمات رقم 264 و757 و1138 و1275.
3- منهاج السنة 7: 534.
والحال ان شخصية الامام الصادق (ع) لم تكن دانية وضعيفة في مرتبتها حتى تضمحل وتتهاوى بمجرد قول احد او جرح آخر اياه، وتسقط قيمتها العلمية والمعنوية بادنى كتمان.
ومن جهة اخرى ان البخاري كان ذا مهارة تامة، واطلاع كاف، ومتخصصا في فن الرجال كتابه «التاريخ» لمعرفة الرجال والرواة كما قال هو: قل اسم في التاريخ الا وله عندي قصة، الا اني كرهت تطويل الكتاب التاريخ(1).
وبنا على ما ذكرنا فهل يمكن ان يكون هناك سببا آخر غير عناد البخاري وعداوته للامام الصادق (ع)؟ حيث انه لم ينقل عنه حتى حديثا واحدا وهل يمكن تفسير اعراضه عن اهل البيت (ع) سوى منابذته وخصومته لهم (ع)؟
عداء عريق وظاهر!!
يتحتم علي ان الفت نظر القارئ المنصف الى حقيقة اخرى غير التي ذكرناهاسابقا لينكشف تعصب البخاري ومسلم ونصبهما العداوة لال بيت رسول اللّه (ص) اكثرويعلم ايضا ان تبرير ابن تيمية عن تصرف البخاري وموقفه تجاه اهل البيت (ع) لم يكن في محله.
يتضح لمن يراجع هذين الكتابين ويتمعن فيهما بدقة ان مؤلفي الصحيحين اللذين
____________
1- تاريخ بغداد 2: 7، ضحى الاسلام 2: 112.
نعم، ان مسلم والبخاري لم يخرجا حتى حديثا واحدا عن احد من اهل البيت (ع)، مثل: الامام الحسن المجتبى، والامام موسى بن جعفر، والامام على بن موسى الرضا، والامام محمد الجواد، والامام الهادي، وخاصة الامام الحسن العسكري (ع) الذي كان معاصرا للبخاري(4) كذلك لم يرويا حديثا واحدا عن احد من ابنائهم، مثل: زيد بن على بن الحسين الشهيد، والحسن بن الحسن المثنى، والعشرات من ابنا ائمة اهل البيت (ع) الذين كانوا رواة الحديث واصحاب مصنفات في الحديث(5).
____________
1- اشترك البخاري ومسلم في التخريج عن كثير من هؤلاء وانفردا في عدد يسير منها.
2- كمامر عليك في دراسة عمران بن حطان، وراجع ص 97.
3- لقد صنف العلامة الشيخ العطاردي كتابا سماه «مسند الامام الرضا (ع») جمع فيه الروايات التي رواها الامام علي بن موسى الرضا، وقد طبع مكررا في مجلدين، وله ايضا كتاب باسم مسند الامام الكاظم (ع) يقع في ثلاث مجلدات طبع في ايران سنة 1409.
4- كانت شهادة الامام الهمام ابي محمد الحسن بن علي العسكري في سنة 260 هـ اي اربع سنوات بعد وفاة البخاري 256 هـ.
5- جمع ما روي عن الشهيد زيد بن علي زين العابدين (ره) في كتاب مستقل باسم «مسندزيد» وطبع عدة مرات.
ويبدو ان البخاري ومسلم لم يجدا احاديث نقلت عن آل الرسول (ع) غير هذين الحديثين لكي يخرجاهما في صحيحيهما، وكانما لم ينقل عنهم اي مسالة علمية وشرعية، الا ما نقله البخاري ومسلم من ان اخا الرسول (ص) الامام على وبضعته وفلذة كبده فاطمة الزهرا (ع) لم يستيقظا لصلاة الفجر، وان هارون هذه الامة، وابا شبروشبير، وباب مدينة علم النبي (ص) كان اكثر شي جدلا، وان سيد الشهدا واسد اللّه واسد الرسول (ص) الذي كبر الرسول على جنازته سبعين تكبيرة كان ياكل الميتة ويعاقر الخمر ويسامر الراقصات
الدليل الثالث: الفترة الزمنية بين صدور الحديث وتدوينه
واليك الدليل الثالث على سقم احاديث الصحيحين ووهنها، فقد ذكرنا في المقدمة خلاصة تاريخ وكيفية تدوين الحديث وجهاته، فتارة من حيث حظر النقل والتدوين، واخرى من حيث اسباب وضع الحديث وجعله منذ زمن وفاة رسول اللّه (ص) حتى خلافة عمر بن عبدالعزيز وهنا نطرح سؤالا على الصحيحين والقائلين بصحة جميع ما ورد فيهما، وهو:
____________
1- الكهف: 54.
2- صحيح البخاري 6: 110 كتاب التفسير باب تفسير سورة الكهف وسوف نوافيك بالبحث حول هاتين الروايتين اللتين دلسوهما على اهل بيت رسول اللّه (ص) في المجلد الثالث من كتابنا هذا.
ففي هذه الفترة الطويلة التي اخذ فيها الخلف عن السلف، والابنا عن الاباوالاجداد، مسائل كثيرة وعنونوهـا باسم الحديث، ومن ثم شكلت الاساس والجذرالاعتقادي واصول الاحكام الدينية وفروعها عندهم دون ان يتعرفوا على مصدرهاوصحتها وسقمها.
هذا هو السؤال الذي يواجهه الصحيحان واولئك الذين ينادون بصحة كل ماورد فيهما، وما زال هذا السؤال باقيا بدون جواب مقبول وقانع.
وقد عالج بعض كتاب اهل السنة مسالة الفترة الزمنية فطرح مسالة الذاكرة بدلاعن الكتابة والتاليف(1).
ولكن هذا الجواب مردود:
اولا: انه لا ريب ان الذاكرة مهما كانت قوية لا يمكن الاعتماد عليها للحلول محل الكتابة والتقييد.
ثانيا: لو كانت الوسائط والاسناد بين النقل والكتابة قصيرة وقليلة لكان للركون الى الحافظة في الجواب على السؤال وجه مقبول، ولكن ما نستنتجه ونراه بعد التحقيق في الصحيحين ان الاحاديث خرجت بوسائط متعددة عن رسول اللّه (ص)، وهذا التعدد
____________
1- مقدمة صحيح البخاري المطبوع في مكة عام 1376 بقلم ابو كمال عبد الغني عبدالخالق.
الدليل الرابع: تقطيع الحديث
وهذا دليل آخر وهو رابع الادلة على عدم الوثوق والطمانينة بما ورد من الحديث في صحيح البخاري.
وهذا العمل او بالاحرى هذه الخيانة تقطيع الحديث التي صدرت من البخاري ناجمة عن روح التعصب والتطرف الذي كان يكنه تجاه امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، ولذلك تراه يسقط ويقطع اى حديث فيه منقبة من مناقب على (ع) او يكشف عن منقصة وجهالة لاحد من الخلفا، فيحذف صدر الحديث او ذيله، او يعمد الى قطعه من وسطه حتى تخفي تلك المنقبة او المنقصة.
وهذا العمل يعتبره علماء الحديث تدليسا وخيانة في امانة نقل الرواية وان البخاري كمحدث او مفسر او مؤرخ لم يلتزم في نقله الحديث بمسؤوليته في بيان الحقائق كاملة كما هي، بل عمد الى حذف ما يخالف هواه مما في الحديث وضبط ما تستسيغه نفسه وذوقه، وهذا التدليس والتقطيع يعد من اعظم الخيانات التي يقترفها المحدث، لانه تعتيم للحقائق وتزوير للواقع وتضليل للافكار والاذهان، وهذا ان دل على شي فانه يدلنا على حقيقة هامة وهي ان شطرا كبيرا وعددا ضخما من الاحاديث والروايات الصحيحة كانت بحيازة البخاري، وحيث انها لا تتلام وهواه فلم يدونها في صحيحه ومن ثم اندرست شيئا فشيئا، ومن البين ان من يقوم بالتدليس فى كل ما يريد تدوينه فان مصير سائر الاحاديث المخالفة لهواه تكون التشويه اوالنسيان.
ونورد لك ايها القارئ الكريم ـ امثلة ونماذج من تدليسات البخاري
1 ـ حكم الجنابة: سال رجل عمر بن الخطاب: اني اجنبت ولم اجد ماءاً فما العمل؟ قال عمر: لا تصل فكان في المجلس عمار بن ياسر فقام معترضا على عمر في فتواه وذكره بحكم التيمم الذي سمعاه معا من رسول اللّه (ص).
ولا يخفى ان فتوى الخليفة بترك الصلاة حين الجنابة مخالفة صريحة لنص القرآن وسن ة رسول اللّه (ص)، وهذا مما يدل على جهل الخليفة بحكم التيمم، وعدم احاطته بالاحكام الشرعية، وغفلته عما هو عامة الابتلا، ولكن البخاري قام بتقطيع الحديث فحذف منه اجابة الخليفة: لا تصل، وذلك حفظا لكرامة الخليفة من ان تنال.
ولكي تتجلى الحقيقة للقارئ اكثر نورد نص الحديث اولا عن البخاري ثم نردفه بما رواه كل من مسلم والنسائي وابن ماجة:
اخرج البخاري: حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، حدثنا الحكم، عن ذر، عن سعيدبن عبدالرحمن بن ابزى، عن ابيه قال: جاء رجل الى عمر بن الخطاب فقال: اني اجنبت، فلم اصب الما فقال عمار بن ياسر لعمر بن الخطاب: اما تذكر انا كنا في سفر انا وانت، فاما انت فلم تصل، واما انا فتمعكت فصليت، فذكرت للنبي (ص)، فقال النبي (ص): انماكان يكفيك هكذا، فضرب النبي (ص) بكفيه الارض، ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه(1).
واما ما اخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة: عن شعبة قال: حدثني الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبدالرحمن بن ابزى، عن ابيه: ان رجلا اتى عمر، فقال: اني اجنبت فلم اجد ماءاً، فقال: لا تصل عمار: اما تذكر يا أمير المؤمنين اذ انا وانت في سرية فاجنبنا فلم نجد ما، فاما انت فلم تصل، واما انا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي (ص): انما كان يكفيك ان تضرب بيديك الارض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك
____________
1- صحيح البخاري ج1: 92 كتاب التيمم باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟.
فكما ترى ايها القارئ العزيز ان هذين الحديثين من حيث السند والمتن سواولا فرق بينهما الا في جملة «لا تصل» حيث اسقطها البخاري واثبتها مسلم.
2 ـ رجم المجنونة: ورد في صحيح البخاري وشروحه والمصنفات المعتمدة عند اهل السنة حديث بنصوص مختلفة وخلاصته: ان امراة مجنونة زنت فاتي بها الى عمر فحكم عليها بالرجم، فعلم أمير المؤمنين علي (ع) بالقصة والحكم فمنع من اجرائه، ولما استفسر عمر من علي (ع) عن سبب نقضه وابرامه الحكم قال (ع): اما علمت ان القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ؟(2).
ولتوضيح القصة اكثر نذكر النص المقطع الذي اخرجه البخاري وبعده ناتي بما اخرجه ابو داود:
روى البخاري: قال على لعمر: اما علمت ان القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبى حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ؟(3).
وروى ابو داود عن ابن عباس قال: اتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها اناسا فامر بها عمر ان ترجم، فمر بها على بن ابي طالب (ع) فقال: ما شان هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فامر بها عمر ان ترجم قال: فقال: ارجعوا بها، ثم اتاه، فقال: يا امير المؤمنين، اما علمت ان القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرا، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يعقل؟ قال: بلى قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شي،
____________
1- صحيح مسلم 1: 280 كتاب الطهارة باب «28» باب التيمم ح368، سنن النسائي 1: 165 كتاب الطهارة باب التيمم في الحضر، سنن ابن ماجة 1: 188 كتاب الطهارة وسننها باب «91» باب ما جا في التيمم ضربة واحدة ح569.
2- ارشاد الساري 10: 9، سنن ابي داود 4: 140 كتاب الحدود باب في المجنون يسرق اويصيب حدا ح 4402.
3- صحيح البخاري 7: 58 كتاب الطلاق باب الطلاق في الاغلاق والكرة والسكران والمجنون، وج8: 204 كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة.
وذكر احمد بن حنبل هذا الحديث في مسنده(2)، وكذا نقله ابن عبد البر في استيعابه، وزاد في آخره هذه الجملة: «فكان عمر يقول: لولا علي لهلك عمر»(3).
والجدير بالذكر ان البخاري اخرج هذا الحديث في موضعين من صحيحه، ولكنه حفظا على مقام الخليفة وسترا على جهل الخليفة وعدم فهمه وازهاقاللحق وتحريفا للحقيقة التي تقول بان عليا (ع) حكم بما يخالف رأي عمر وبعض الصحابة، ولما كان حكمه (ع) مطابقا للواقع وما امر به رسول اللّه (ص)، ترى البخاري يكتفي بذكر ذيل الحديث فيذكر الحديث في كلا الموردين ناقصا ويسقط منه السندوالصدر.
3 ـ حد الخمر: حسبما ورد في صحيح مسلم وسائر الصحاح كان حد شرب الخمر على عهد رسول اللّه (ص) تعزيرا، وانه (ص) جلد الشارب اربعين ضربة(4) وتبعه في ذلك ابو بكر في مدة خلافته فجلد شارب الخمر اربعين سوطا واما عمر لما تقلدالخلافة بعد ابي بكر، ترك الحكم النبوي ولجا في حد شارب الخمر الى رأي الاخرين، وافتى براي عبدالرحمن بن عوف فجلد ثمانين جلدة.
وهذه المسالة هي من اوضح القضايا بحيث لا تحتاج الى تبيين وتفسير، وخاصة لمن قلد نفسه الخلافة، واستحل محل رسول اللّه (ص) فكيف يخفى عليه حكم مسالة قد عمل به مدة طويلة فيلجا الى رأي الاخرين ويترك العمل بسنة رسول اللّه (ص) وما تقيد به من سبقه بالخلافة؟
____________
1- سنن ابي داود 4: 140 كتاب الحدود باب في المجنون يسرق او يصيب حدا ح4399.
2- مسند الامام احمد بن حنبل 1: 154.
3- الاستيعاب 3: 1102 ترجمة الامام علي بن ابي طالب (ع) رقم 1855.
اقول: هذه المقولة وغيرها من الاعترافات التي ادلى بها عمر بن الخطاب لبيان جهله بالاحكام الاسلامية قد وردت في كثير من الكتب والمصنفات المعرب.
4- ذكر في هذه المسالة فتوى اهل السنة المستنبطة من مصادرهم الموثوقة ولم يشر فيها الى رأي المذهب الشيعي.
وعلى كل حال لما كان هذا الحديث على خلاف مذاق البخاري ومذهبه بادرورعاية لمقام الخليفة الى تقطيعه بنقل اوله الذي بين فيه حكم رسول اللّه (ص) بالتعزيرومتابعة ابي بكر لرسول اللّه (ص) في ذلك، واسقط ذيله الذي فيه استشارة عمر لبعض الاصحاب.
واليك نص الحديث وندع الحكم والمقايسة للقارئ.
اخرج البخاري: عن انس بن مالك ان النبي (ص) ضرب في الخمر بالجريدوالنعال وجلد ابوبكر اربعين(1).
عن انس قال: جلد النبي (ص) في الخمر بالجريد والنعال وجلد ابو بكر اربعين(2).
وفي صحيح مسلم: عن ابن مالك: ان النبي (ص) اتي برجل قد شرب الخمرفجلده بجريدتين نحو اربعين قال: وفعله ابوبكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبدالرحمن بن عوف: اخف الحدود ثمانين، فامر به عمر(3).
4 ـ معنى الاب: اخرج البخاري: عن ثابت عن انس قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف(4).
____________
1- صحيح البخاري 8: 196 كتاب الحدود باب ما جا في ضرب شارب الخمر.
2- صحيح البخاري8: 196 كتاب الحدود باب الضرب بالجريد والنعال.
3- صحيح مسلم3: 1330 كتاب الحدود باب «8» باب حد الخمر ح1706.
4- صحيح البخاري 9: 118 كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لايعنيه.
ولم يخف ذلك على كثير من الحفاظ والعلما الاخرين الذين نقلوا الحديث بكامله وبتمام الفاظه، وازاحوا قناع الخيانة والتدليس الذي وضعه البخاري عليه، فهذا ابن حجر بعد ان ذكر نص الحديث من رواية اخرى في شرحه لصحيح البخاري قال:
ان رجلا سال عمر بن الخطاب عن قوله: (وفاكهة وابا)(1) ما الاب؟ فقال عمر: نهينا عن التعمق والتكلف.
ان هذا الحديث ورد بسندين عن ثابت ثم قال: ورد هذا الحديث بطرق اخرى عن ثابت وهو اولى مما ورد لثابت عن انس لان يكمل به الحديث الذي اخرجه البخاري(2).
فليعرف القارئ المنصف: اننا قد علمنا من قول ابن حجر المذكور ومن مقارنة للحديثين المنقولين في صحيح البخاري وشرحه فتح الباري: ان هذا الحديث كسائرالاحاديث التي لم تتماش مع هوى البخاري ومذهبه، وحيث انه لم يتمكن من ان يوام بين الحديث وبين تقديسه الخليفة عمر بن الخطاب راى ان الحل الوحيد في ذلك هوان يحذف صدر الحديث ويسقط منه الفقرات المهمة والحساسة التي تمس شان الخليفة حتى يكون قد خدم ـ بفعله هذا مذهبه وادى ما عليه تجاه مسلكه وعقيدته وذلك لان القارئ لو قرا هذا الحديث قبل التدليس واسقاط اوله وآخره يتبادرهذا السؤال الى مخيلته وهو: لو كان التعرف واستنباط معنى كلمة من كلمات القرآن يعتبر تعمقا وتكلفا فعلى هذا لا يجوز الاستفسار عن اية مسالة دينية اخرى ولا يحق التفكر فيها.
____________
1- عبس: 31.
2- فتح الباري 13: 230.
وكيف يجوز لمن يكون جوابه لسؤال بسيط ان يقول: «نهينا» يتزعم قيادة الامة الاسلامية ويتربع على عرش الخلافة؟
ولا ريب ان مثل هذه الاسئلة هي التي فرضت على البخاري والجاته الى ان يقتطع الحديث ويدلسه عند اخراجه له.
وهذا الحديث على اختلاف نصه ومتنه اخرجه المفسرون المشهورون كالسيوطي، ابن كثير، الزمخشري، الخازن، البغوي، والحاكم النيسابوري في مستدركه ضمن تفسير سورة عبس، وكذا رواه شراح الصحيح كابن حجر(1) والعيني(2) والقسطلاني(3)، ومن اللغويين: ابن اثير في نهايته(4).
وسوف نتطرق الى البحث حول هذه الاحاديث الاربعة بتفصيل واسهاب في فصل الخلافة ان شاء اللّه.
5 ـ قصة عثمان واسامة بن زيد: ومن فلتات البخاري انه قام بالتعتيم والتغطية على بعض الاحاديث عن طريق تغيير الاسم العلم باسم الاشارة او التعبير بالكناية واتيان بكلمة «فلان» بدلا عن الاسم الظاهر.
ونذكر هنا موردين منها حتى يتبين دها البخاري في التعتيم وتغطية الحقائق:
الاول: ما اخرجه مسلم عن اسامة وانه انتقد عثمان وشجب اعماله وتصرفاته،
____________
1- فتح الباري 13: 230.
2- عمدة القاري 25: 35 ح64.
3- ارشاد الساري 10: 311.
4- النهاية 1: 13 انظر باب الهمزة مع البا مادة ابب.
عن شقيق، عن اسامة بن زيد قال: قيل له: الا تدخل على عثمان فتكلمه؟ فقال: اترون اني لا اكلمه الا اسمعكم؟ واللّه لقد كلمته فيما بيني وبينه دون ان افتتح امرا لا احب ان اكون اول من فتحه، ولا اقول لاحد يكون علي اميرا، انه خير الناس بعد ماسمعت رسول اللّه (ص) يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق اقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع اليه اهل النار فيقولون: يا فلان بالمعروف ولا آتيه، وانهى عن المنكر وآتيه(1).
تلاحظ ايها المطالع ان هذه الرواية صريحة وواضحة في ان اسامة بن زيد قدانتقد عثمان، واسامة هو تلك الشخصية المعروفة الذي اعطاه الرسول (ص) راية الاسلام عند وفاته وقلده امارة عسكر المسلمين وامره على كبار الصحابة، ولعن الرسول (ص) كل من تخلف عن جيش اسامة فترى ان اسامة استدل في انتقاده لعثمان بحديث رسول اللّه (ص) وشبهه بحمار الرحى الدوار ومن الذين تتدلق اقتاب بطنه واحشاه في النار، وهو في الاخرة يلاقي عذابا اليما.
اخرج مسلم هذا الحديث من طريقين وسندين وقد ذكر في كليهما اسم عثمان، وكذا البخاري اخرجه في موضعين، ولكن بزيادة في الفاظه، وحيث ان داب البخاري هو التدليس والتزييف، فانه قام بحذف اسم عثمان من الحديث الذي كان محلا لنقدحديث الرسول (ص) واعتراض اسامة اياه، وانه حرف الحديث في كلا الموردين فمرة جاء باسم الاشارة ومرة اخرى اكتفى بكلمة (فلان) بدلا من التصريح باسم عثمان كماجا في نقل مسلم واخرج الحديثين على النحو التالي ففي احدهما:
قيل لاسامة: الاتكلم هذا؟
____________
1- صحيح مسلم 4: 2290 كتاب الزهد والرقائق باب «7» باب عقوبة من يامر بالمعروف ح2989.
6 ـ قصة عمر وسمرة بن جندب: اخرج مسلم في صحيحه واحمد بن حنبل في مسنده قصة بيع سمرة بن جندب «والي عمر على البصرة» الخمر وقد جاء اسمه فيهماصريحا مرتين فاقرا:
عمرو بن دينار قال: اخبرني طاووس انه سمع ابن عباس يقول: بلغ عمران سمرة باع خمرا، فقال:
قاتل اللّه سمرة، الم يعلم ان رسول اللّه (ص) قال: قاتل اللّه اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها؟(2).
واما البخاري الذي اخرج هذا الحديث في صحيحه كذلك فانه حرفه وعبر عن سمرة بلفظة «فلان» فاقرا ما اخرجه فقال: بلغ عمر ان فلانا باع خمرا، فقال: قاتل اللّه فلانا، الم يعلم؟ الحديث(3).
وصرح بذلك اكثر شارحي صحيح البخاري وكذا النووي في شرح صحيح مسلم عند شرحهم لهذا الحديث واشاروا الى خيانة البخاري وتحريفه للحديث ولم تخف عليهم هذه المبادرة البخارية.
الدليل الخامس: البخاري والنقل بالمعنى.
ومما يسلب الاطمئنان والاعتماد على صحيح البخاري وعدم الوثوق به ان قسما من احاديثه قد رويت بالمعنى، ولم ينقلها مؤلف الصحيح بنفس اللفظ حسب ما سمعها من ناقليها.
____________
1- صحيح البخاري 4: 147 كتاب بد الخلق باب صفة النار وانها مخلوقة، وج9: 69 كتاب الفتن باب الفتنة التي تموج كموج البحر.
2- صحيح مسلم 3: 1207 كتاب المساقاة باب «13» باب تحريم بيع الخمر والميتة ح72، مسند احمد بن حنبل 1: 25 باب مسانيد عمر بن الخطاب.
3- صحيح البخاري 3: 107 كتاب البيوع باب لا يذاب شحم الميتة ولا يباع.
قال ابن حجر: وهذا من نوادر ما وقع في البخاري انه يخرج الحديث تاما باسنادواحد بلفظين كما في حديث سحر النبي (ص)(2).
فلو تتبعنا وفحصنا في الاحاديث التي رواها البخاري في صحيحه لوجدنا ان البخاري اتبع اسلوب النقل بالمعنى في كثير منها، وما ذكره ابن حجر فانه من باب التمثيل لا الحصر.
وعليه فهل يمكن لقارئ ان يعتمد على كتاب وضعه مؤلفه في مدة ستة عشرسنة، كما اعترف البخاري انه خرج وضبط فيه تلك الاحاديث التي سمعها في بلد، وبعدمدة من الزمن كتبها وهو في بلد آخر؟
ولا ريب ان هذه الفترة الزمنية التي فصلت بين سماع الحديث وبين تدوينه، سوف تنسيه الفاظ الحديث، وياتي مكانها بالفاظ اخرى غيرها، اى يكون النقل فيه نقلا بالمعنى، وبهذا يفقد الحديث شانه واعتباره، واضف الى ذلك احتمال ان تمحى الكثير من دقائق الفاظ الحديث الاول عندما يروى بالمعنى.
ولهذا السبب جعلنا موضوع النقل بالمعنى الذي اتبعه البخاري في تخريجه للاحاديث في صحيحه دليلا على ضعف احاديثه.
الدليل السادس: الاخرون يتممون الصحيح
ومما يدل على ضعف احاديث البخاري ووهنها هو ان الاخرين قاموا باتمام
____________
1- تاريخ بغداد 2: 11.
2- فتح الباري 10: 186.
قال القسطلاني: وقد وقع في بعض نسخ الكتاب ضم باب لم يذكر فيه حديث الى حديث لم يذكر فيه باب، ويقع في كثير من ابوابه احاديث كثيرة وفي بعضها حديث واحد وفي بعضها لاشي فيه البتة.
فاشكل بعضهم، لكن ازال الاشكال الحافظ ابو ذر الهروي بما رواه عن ابي اسحاق المستملي مما ذكره ابو الوليد الباجي قال:
استنسخت كتاب البخاري من اصله الذي كان عند الفربري فرايت اشيا لم تتم، واشيا مبيضة فيها تراجم لم يثبت بعدها شيئا، واحاديث لم يترجم لها فاضفنا بعض ذلك الى بعض(1).
وهنا يتبادر سؤال وهو: ان الكتاب الذي تم تنظيمه وتكميله وتبوبيه بواسطة الاخرين، وبالرغم من هذا التكميل فما زال التشويش وعدم النسق والترتيب ملاحظافي ابوابه واحاديثه، فيا ترى ايها القارئ الكريم كيف كان وضع هذا الكتاب قبل ان يتم ترتيبه وتكميله؟ ومن هو الذي قام بعملية التتميم والترتيب؟ وهل ان المكمل والناظم للصحيح استعمل في عملية الترتيب ذوقه ورايه الخاص به، كما كان البخاري يستعمل ذلك في تدوين الحديث، فحذف احاديثا كثيرة من صحيحه عملا برايه، او انه اسقط او زاد في احاديث اخرى، وغير ذلك؟
هذه هي المسائل التي لا تزال خفية ومجهولة لدينا ولكن القدر المتيقن والبين ان اي كتاب له ظروف مماثلة للصحيح الذي قام الاخرون بتصحيحه وتكميله وان كان خاليا من المؤاخذات والاشكالات فهو ساقط عن الاعتبار والاهمية ومسلوب الصحة ولا يمكن الوثوق والاعتماد على ما يحتويه، لانه يستلزم الشك والترديد في قرارة
____________
1- ارشاد الساري 1: 23، هدى الساري مقدمة فتح الباري: 6.
الاستنتاج:
نستنتج من المواضيع التي طالعناها معا ووافيناها لقارئنا العزيز ما ملخصه:
اننا قد علمنا حال هذين الكتابين اللذين اشتهرا بالصحيحين وتبينت لناشخصية رواتهما ورجالهما، واتضح بعد ارتفاع الستار عما كان عليه مؤلفيهما من العصبية العميا، وفهمنا كيف قام البخاري بتقطيع وتسقيط للاحاديث ونقله بالمعنى، وقد اثبتنا ذلك بالادلة والشواهد المسلمة، وعرفنا ايضا مدى اعتبار الصحيحين من حيث الاسناد وشخصية مؤلفيهما.
وفي هذا الحال كيف يتصور ان يسمى كتابان بالصحيح وكيفيتهما كما رايت وقرات؟ وكيف يتصور ان النبي (ص) ايد احاديث هذا الكتاب اجمع من اوله الى آخره من دون استثنا بين احاديثه؟
وكيف يعقل بان الرسول ايد كتابا مشحونا بالعصبيات الافراطية والاعمال المغرضة وصحح كتابا مليئا بانواع التقطيع والاسقاط والتزييف وفيه الرواية بالمعنى؟
وهل يعقل ان الرسول (ص) جعل هذا الكتاب بمثابة كتابه وشجع الناس على قراته؟
واما الجواب على هذه الاسئلة فهو منوط بعاتق القارئ البحاث والحر الذي يحمل بين جنبيه الفكر السليم ليجيب عليها.
هذه براهين جلية وشواهد واضحة على الاضطرابات التي تركزت في بعض احاديث الصحيحين واثبتت ضعفها وسقمها.