(9)
[الكشف عن أن الحواريّين نسخوا
أحكام التوراة العلمية]
لايخفى أن التوراة الرائجة ـ التي أتفق النصارى واليهود على أنها كتاب وحي الله وكلامه لرسوله موسى عليه السلام ـ قد جاء فيها أحكام كثيرة، وواجبات كثيرة، ومحرّمات كثيرة، مثل أحكام الكهنة والعشور والسبت والأعياد والذبائح، وأحكام النجاسة في الحيض والنفاس ومسّ الميت، ونجاسة المشركين وحرمة الأكل من ذبائحهم، وتنجيس كثير من الحيوانات والطيور وتحريم أكلها، وتحريم أكل الدم والمخنوق وما ذبح للأوثان، وغير ذلك.
فانظر إلى بعض ذلك في الأصحاح 20 و 22 و 23 من سفر الخروج، و11 و 12 من سفر اللاويّين، و 14 15 من سفر التثنية.
كما لا يخفى من الأناجيل أن المسيح كان عاملاً بهذه الأحكام، ويأمر بالعمل بها وعدم نقضها، كما في الأصحاح الخامس من إنجيل متّي، في العدد السابع عشر إلى العشرين; ويوصي بحفظها، كما في الأصحاح الثالث والعشرين من إنجيل متّي، من العدد الأوّل إلى الثالث.
هذا، وقد جاء في العهد الجديد عن بطرس والتلاميذ وبولس إبطال شرائع التوراة، في تحريم الأكل لكثير من الحيوانات،
كما جاء عنهم أنهم لمجرّد الاستحسان وجلب الناس للانقياد إلى التنصّر، رفعوا أحكام التوراة، وتحريم ماهو محرم فيها إلاّ تحريم أربعة أشياء، تحريم الزنا، وأكل الدم، والمخنوق، وما ذبح للأوثان، كما في الأصحاح الخامس عشر من كتاب الأعمال، في العدد التاسع عشر إلى الثلاثين!
ثمّ جاء في الرسائل المنسوبة إلى بولس إباحة أكل الدم والمخنوق وما ذبح للأوثان، وجرى على ذلك عمل النصارى إلى الآن.
ومن جملة ما جاء، هو ما في الأصحاح الرابع من رسالة تيموثاوس الأولى، في العدد الرابع، وهو هكذا: " لأنّ كلّ خليقة الله جيّدة، ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر ".
وفي الأصحاح الأوّل من رسال تيطس، في العدد الرابع عشر والخامس عشر: " لا يصغون إلى خرافات يهودية ووصايا أُناس مرتدين على الحق، كل شيء طاهر للطاهرين ".
وفي الأصحاح الثاني من رسالة كولوسي، من العـدد العشرين إلى الثالث والعشرين: " تفرض عليكم فرائض: لا
وفي الأصحاح الثاني أيضاً، في العدد السادس عشر: " فلا يحكم عليكم أحد في أكل ولا شرب، أو من جهة عيد أو سبت أو هلال ".
وفي الاصحاح العاشر من رسالة كورنتوش الأولى، في العدد التاسع والعشرين والعدد الثلاثين، في إباحته لأكل ما يذبح للأوثان، يقول: " لماذا يحكم في حرّيتي من ضمير آخر، أنا أتناول بشكر فلماذا يفترى عليّ لأجل ما أشكر عليه ".
أيها القارئ، ولأجل ما ذكرنا لك من التوراة وكتب العهد الجديد قال صاحب "إظهار الحق"(1) في مبحث النسخ جدلا للنصارى: "إن الحواريين نسخوا أحكام التوراة العملية غير الأربعة، وإن بولس نسخ حرمة الثلاثة منها: يعني: حرمة أكل الدم، والمخنوق، وما ذبح للأوثان.
وإن شئت أن تعجب فاعجب، فإن جمعية كتاب "الهداية" والمرسّلين الأمريكان ـ الذين طبع الكتاب بمعرفتهم ـ هذا
____________
1- لرحمة الله بن خليل الرحمن الهندي، والكتاب عبارة عن مناظرة في مسألتي النسخ والتحريف جرت بين المؤلف وبين قسيس، طبع في إسلامبول سنتي 1284 و1305هـ، وفي مصر سنتي 1309 و 1317 هـ.
انظر: معجم المطبوعات العربية والمعرّبة ـ ليوسف إليان سركيس ـ 1/929، وفهرست مشار: 68. (م).
فماذا تقول لهؤلاء إذا أنكروا ما يقرؤه كل قارئ من كتب وحيهم؟!
فهل بقي نوع من الكذب يخجل الإنسان منه؟! وهل بقي نوع من المكابرات وإنكار الحق المحسوس ما يصدّ عنه شرف الإنسانية؟! وأمّا الورع والدين فيقرئانك السلام!!
(10)
[الكشف عن أن النصارى يضعّفون ويعيبون
الشريعة الموسوية]
وجاء في الرسائل المنسوبة إلى بولس في توهين التوراة وأحكامها، في الأصحاح السابع من الرسالة إلى العبرانيّن، في العدد الثامن عشر [ والتاسع عشر ]:
" فإنه يصير إبطال الوصية السابقة(1) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس(2) لم يكمّل شيئاً ".
وفي الإصحاح الثامن، في العدد السابع: "فإنّه لو كان ذلك الأوّل بلا عيب لما طلب موضع لثان ".
وفي الأصحاح الرابع من الرسالة إلى أهل غلاطية، في العدد التاسع والعاشر والحادي عشر، في صرف أنظار الغلاطيّين عن أحكام التوراة: " فكيف ترجعون أيضاً إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد؟! أتحفظون أيّاماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين؟! أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثاً! ".
____________
1- يعني التوراة.
2- وهو التوراة.
ولكن، قالت جمعية كتاب "الهداية" المطبوع بمعرفة المرسّلين الأمريكان، في الجزء الأوّل من الطبعة الثانية، في صحيفة 273، ما لفظه ونصّه هكذا: " قلنا: إنّ الرسـول بولس لم يقـل: إن الشريعة الموسوية ضعيفة معيبة غير نافعة ".
ولا يخفى عليك أن هؤلاء، وكل النصارى، يقولون: إن الرسائل المنسوبة إلى بولس في العهد الجديد كلّها من قول بولس، فقل: إذن فمن ذا هو الذي قال الأقوال التي ذكرناها من رسائل بولس؟! ولماذا يكون من هذا اللفيف التبشيري مثل هذا الجحود الكاذب، بمثل هذا الكذب الذي لا يخفى على كل من يقرأ في الكتب؟!!
____________
1 و 2) راجع صفحة 77. (م).
(11)
[الردّ على افترائهم على الرسول الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله)
بزواجه من امرأة ابنه المزعوم]
وأيضاً، إن جمعية كتاب " الهداية " المطبوع بمعرفة المرسّلين الأمريكان، قد كثر افتراؤهم على رسول الله صلى الله عليه وآله، وأفحشوا في الجرأة!!
ولنذكر بعض افترائهم المتكرّر، ونشير إلى جرأتهم الفاحشة، بالإشارة إلى محلها، لئلاّ تتدنّس الأوراق بذلك البذاء القبيح!!
فقالوا في الجزء الرابع، صحيفة 169:
" وماذا نقول فيمن ادّعى أن الله أجاز له أن يتخذ امرأة ابنه زوجة، وجعل ذلك قانوناً، ويا حبّذا لو نسخ هذا القانون، لأنه يسوغ الاقتران بزوجة الابن ".
وقال أيضاً في الجزء الثالث، صحيفة 48 في قصّـة تزوّجـه صلى الله عليه وآله بزينب بنت جحش، ما هذا لفظـه: " وحاشـا لله أن يسوغ للناس نكاح نساء أولادهـم ".
وقالوا في الجزء الأوّل، صحيفة 66، في العنوان، ما هذا لفظه: " تزوّجـه امرأة ابنه "...
وانظر في الكلمات المذكورة في الصحائف المشار إليها، وأعجب من جرأتهم القبيحة على قدس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، زيادة على ما ذكرناه من الافتراء المتكرر.
وقد توافقوا في هذه الجرأة وهذه الافتراء مع هاشم العربي في صحيفة 65 من الطبعة الأولى لتذييله لمقالة "سايل" في الإسلام!
هذا، وإن الغافل من الاورباويّين والأمريكيّين وغيرهم ليغتّر بسمعه التبشير والمبشرين فيحب أن يسأل أن هذا الابن ـ الذي يذكره هذا اللفيف من المبشرين والكاتبين ـ هل هو ابن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم وولده البكر، أو هو المتوسط، أو الصغير؟! وهل أُمه خديجة أو غيرها من أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ويا ليتهم يعلمون أن هذا الذي يذكر المبشرون أنه ابن رسـول الله صلى الله عليه وآله وسـلم وولده، ويلهجـون بذلك، إنما هو زيـد بن حارثة، وهو عبد اشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وجاء أبوه حارثة فخيّره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المكث عنده وبين الرجوع مع أبيه، فاختار المقام عند رسـول الله صلى الله عليه وآله وسـلم، فجزاه رسول الله صلى الله
وإن جمعية الهداية والمرسلين الأمريكان والشرقيين في أجيالهم ليعرفون ذلك، ولكن المبشرين حملتهم بواعثهم أن يكذبوا ويقولوا مكرّراً أنه ابن رسول الله وولده، لكي يقوموا بحقّ القداسة والأمانة في التبشير، ولكن (لكلّ امرئ من دهره ما تعوّدا)(1).
____________
1- صدر بيت للمتنبّي، وتمامه:
......................................... | وعاداتُ سيف الدولة الطعن في العِدا |
انظر: ديوان المتنبّي 2/281. (م).
(12)
[الردّ على مزعمة النصارى أن الله لم يعط
اليهود أحكاماً صالحة]
وجاء في الأصحاح الثامن عشر من سفر اللاويّين، في العدد الخامس، عن قول الله لبني إسرائيل في تمجيد شريعة التوراة والأمر بحفظ أحكامها:
" فتحفظون فرائضي وأحكامي التي إذا فعلها الإنسـان يحيا بهـا ".
وفي الاصحاح الرابع من سفر التثنية، في العدد الثامن: " أي شعب هو عظيم له فرائض وأحكام عادلة مثل هذه الشريعة التي أنا واضع أمامكم ".
وفي المزور المائة والتاسع عشر، في العدد الثالث والتسعين: "إلى الدهر لا أنسى وصاياك لأنك بها أحييتني".
وفي الأصحاح العشرين من كتاب حزقيال، في العدد الحادي عشر، عن قول الله في شأن اليهود: "وأعطيتهم فرائضي وأحكامي التي إن عملها الإنسان يحيا ".
ونحوه في العدد الثالث عشر والحادي والعشرين.
وفي الأصحاح التاسع من كتاب نحميا، في العـدد الثالث
وفي الأصحاح الثاني من كتاب ملاخي، في العدد الخامس، عن قول الله في تمجيد شريعة موسى عليه السلام: " كان معه للسلام والحياة ".
فهذه كتب وحيهم تقول: إن شريعة موسى صالحة وعادلة للسلام والحياة، إذا عملها الإنسان يحيا بها.
ولكن عبد المسيح الكندي في رسالته(1) وجرجي سايل في مقالته في الإسلام، صحيفة 226 من الطبعة الأولي، قالا ما هذا لفظه: " إن الله تساهل مع اليهود فأعطاهم أحكاماً غير صالحة وفرائض لا يحيون بها ".
ولا يخفى عليك أن الذي ذكرناه من كتب وحيهم ليشهد بأن الكلام المنسوب لعبد المسيح وجرجي سايل إنما هو كذب وافتراء على الله وعلى شريعته، ودع عنك شهادة العقل وجلال الله على ذلك، تعالى الله عما يقولون.
دع هؤلاء، ولكن انظر وتحيّر واندهش من كتب العـهدين
____________
1- في صحيفة 110 من رسالته المطبوعة مع رسالة عبد الله الهاشمي، في إحدى طبعاتها سنة 1912، في المطبعة الإنگليزية الأمريكانية بالقاهرة.
انظر إلى هذه الكتب وما فيها من نسبة الكذب إلى من يزعمون أنهم أنبياء ورسل الله، مع زعمهم أن تلك الكتب المشتملة على الكذب هي كتب وحي إلهي!
فانظر كيف تنسب الكذب والتحريف إلى أنبياء الله ورسله الهداة المقدّسين، فتلوّث قدسهم برذيلة الكذب وخسة الافتراء والمخادعة.. أو تنسب الكذب والافتراء إلى من تزعم أنهم أنبياء ومرسلون، وأن المشتمل على الكذب هو كتاب وحي إلهي...
ويا ليت هذه الكتب لم تتعدّ إلى قدس الله وجلاله، وماذا يفيد التمنّي؟! وها هي الكتب المذكورة قد أفرطت في الجرأة، فنسبت الكذب والخداع والتعليم بالكذب إلى جلال الله، تعالى عمّا يقولون.
(13)
[ردّ مزعمة أن الله قال لعيسى: أنت ابني،
أنا اليوم ولدتك]
هذا بولس الذي يعدّه النصارى من كبار الرسل الموحى إليهم; وعلى تعليمه اعتمادهم في النصرانية، وينسبون إليه كتاباً ورسائل يجعلونها من الوحي الإلهي ; يذكر عنه في الأصحاح الثالث عشر من كتاب أعمال الرسل، في العدد الثالث والثلاثين، أنه قال هكذا:
" إذ أقام يسوع كما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك ".
ولا يخفى على القارئ أنّ هذه العبارة جاءت في العدد السابع من المزمور الثاني من قول داود، هكذا: " أخبر الحقّ، الله قال لي: ابني أنت، أنا اليوم ولتك " فداود يخبر في وحي المزامير أن الله قال هذا الكلام له، يعني أنه منحه النبوة والوحي ; ولأجل ما حصل لحياته من مجد النبوة والوحي كان ذلك اليوم كأنه يوم ولادته، بل هو اللائق بأن يعدّ أوّل أيام حياته.
فيا للعجب من الانتهاب العلنيّ! هب أنّا فرضنا أنّ هذا الكلام غير صريح في كونه خطاياً لداود، ولكن متى كانت لعيسى ولادة حينما أوحي المزمور الثاني لداود؟! أليست ولادة عيسى من
وجاء في رسالة العبرانيين، في الأصحاح الخامس، في العدد الخامس، ما نصّه: " كذلك المسيح لم يمجّد نفسه ليصير رئيس كهنة، بل الذي قال له: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك ".
وإن كاتب الرسالة يريد بذلك ما ذكرناه عن المزمور الثاني لكي يحتجّ به على اليهود.. وقد عرفت الكذب في انتهاب ذلك من داود للمسيح!
ولم تكتف رسالة العبرانيّين بهذا الانتهاب، بل قالت في الأصحاح الأول، في العدد الخامس، في الاحتجاج على اليهود لمجد المسيح وتفضيله على الملائكة بما جاء في كتبهم في العهد القديم، وهذا نصّ ما قالته: " لمن من الملائكة قال فيما مضى: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك ; وأيضاً: أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً ".
فأما قول الرسالة أنّ قوله: "أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك " قد قيل في المسيح، فقد عرفت أنه كذب وانتهاب وغصب لحقّ داود وما قيل فيه.
وأما دعوى الرسالة أنه قيل في المسيح أيضاً في العهد القديم:
فقد تكرّر في نقل العهد القديم أن الله قال هذا القول في شأن سليمان بن داود، وهذا نصّه في الأصحاح الثامن والعشرين من أخبار الأيّام الأول، في العدد السادس من قول داود عن وحي الله: " وقال لي: إن سليمان ابنك هو يبني بيتي ودياري، لأني أخترته لي ابناً، وأنا أكون له أباً ".
وفي الأصحاح الثاني والعشرين من أخبار الأيام الأول أيضاً، من العدد السابع إلى الحادي عشر، في خطاب داود مع سليمان بكلام الله لداود في شأن سليمان، هكذا: "لأنّ اسمه يكون سليمان، فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه، هو يبني بيتاً لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباً ".
ونحو هذا أيضاً جاء في الأصحاح السابع من سفر صموئيل الثاني، من العدد الثاني إلى الخامس عشر.
فراجع المقامات المذكورة تجد هذا الكلام صريحاً في شأن سليمان وبنائه لبيت المقدس.
ويا للعجب ـ مع هذه التصريحات ـ كيف يجترئ أحد من الناس وينتهب هذا الكلام من سليمان، ويجعله مقولا في المسيح عيسى بن مريم؟!
(14)
[ردّ مزعمة أن بولس وأهل كورنتوش لا يموتون]
في الاصحاح الخامس عشر من رسالة كورنتوش الأولى، في العدد الحادي والخمسين والثاني والخمسين، بعد ذكر قيامة الأموات، جاء عن قول بولس ووحيه ما هذا نصّه:
" هو ذا سرّ أقوله لكم، لا نرقد كلّنا (أو: كلّنا لا نرقد) في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيبوّق ويقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغيّر ".
والمراد: لا نموت كلّنا، أو: كلّنا لا نموت، كما تشهد به التراجم بغير العربية.
ويا للعجب! أين صار هذا الوعد السرّي الغيبي الذي قاله بولس بالوحي لأهل كورنتوش؟!
أليس قد مات بولس وأهل كورنتوش ورقدوا في مضاجع الأموات، وطحنهم البلى، ومضى على موتهم أكثر من ألف وثمان مائة سنة؟!
فيا للأسف على هذا الوعد والسرّ الغيبي الصادر عن الوحي!!
(15)
[ردّ مزعمة أن بولس وأهل تسالونيكي لا يموتون]
وفي الأصحاح الرابع من رسالة تسالونيكي الأولى، من أول العدد الخامس عشر إلى الثامن عشر، جاء ما هذا نصّه:
" فإنّا نقول لكم هذا بكلمة الربّ: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الربّ، لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الربّ في الهواء ".
ويا للأسف لأهل تسالونيكي وبولس! أي حيّ منهم بقي إلى مجيء المسيح وقيامة الأموات؟!
وأين الأحياء الباقون لكي يخطفون في السحب مع الأموات القائمين من الموت في القيامة؟!
نعم، ها هو بولس وأهل تسالونيكي، قد اختطفهم الموت بقبور البلا، فدُرِست رممهم ; وها هم منذ ثمانية عشر قرناً إلى الآن يختطفهم الموت إلى البِلى والاندراس!
فيا للأسف على هذا القول المقول بكلمة الربّ، بل يا
(16)
[الكشف عن أن بطرس يكذب ويرائي في دينه]
وفي الأصحاح الثاني من الرسالة إلى أهل غلاطية، من العدد الحادي عشر إلى نهاية الثالث عشر، عن قول بولس ما نصّه:
"ولمّا أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوماً، لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم(1)ولكن لمّا أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه(2)، وراءى معه اليهود أيضاً، حتى أن برنابا انقاد إلى ريائهم " انتهى.
ويا للأسف إذا كان بطرس ـ خليفة المسيح عندهم ـ يكذب ويرائي في دينه!! وحاشاه.
____________
1- أي: على خلاف شريعة التوراة. لأن الأمم كانوا وثنيّين.
2- أي: يرائي ويظهر أنه يتنجس من الأمم ولا يأكل معهم.
(17)
[ردّ مزعمة أن يعقوب وجميع المشايخ
أمروا بولس أن يرائي]
وفي الاصحاح الحادي والعشرين من كتاب أعمال الرسل، من العدد الثامن عشر إلى السابع والعشرين، ما حاصله:
إن يعقوب وجميع المشايخ(1) أمروا بولس أن يرائي ويعمل بأحكام التوراة رياءً لليهود وتمويهاً، لإبطال المشايخ والتلاميذ لشريعة التوراة.
فانظر هذا المقام من كتاب أعمال الرسل، ويا للأسف!!
____________
1- يعني تلاميذ المسيح ورؤساء الديانة المسيحية.
(18)
[الكشف عن أن بولس استعمل الرياء وختن تيموثاوس]
وفي الأصحاح السادس عشر من كتاب أعمال الرسل، من العدد الأول إلى الرابع ما حاصله:
إن بولس استعمل الرياء وختن تيموثاوس على خلاف تعليمه، لكي يرائي ويظهر كذباً أنه يعمل بأحكام التوراة وخصـوص الختان!
(19)
[الكشف عن أن بولس كذب وخالف وعده للمسيح]
تذكر الأناجيل أنه لما قبض اليهود على المسيح وأخذوه إلى رئيس الكهنة، تبعه بطرس، فقال بعض اليهود: إنّ هذا(1) من أصحاب المسيح ; فأنكر بطرس بقسم قائلا: لست أعرف الرجل(2)...
ثم قيل له ثانياً، فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجـل..
وتقول الأناجيل: إن المسيح أنذره في تلك الليلة وأخبره بأنه ينكره ثلاث مرات، فقال له بطرس: ولو اضطررت إلى أن أموت معك لا أنكرك..
فانظر إلى ذلك في الأصحاح السادس والعشرين من إنجيل متّى في العدد 34 و 35 و69 إلى آخر الأصحاح المذكور، وانظر إلى الأصحاح الرابع عشر من مرقس.
وليت كاتب الإنجيل يخبرنا صـريحاً أنه لمن صار
____________
1- يعني بطرس.
2- يعني المسيح.
دع هذا، ولكن هلّم الخطب فيما تنسبه الأنجيل من الكذب والتحريف إلى قدس المسيح!
(20)
[الردّ على مزعمة أن المسيح من المتنبّئين الكذبة]
في الأصحاح الثاني عشر من إنجيل متّى، في العدد الثامن والثلاثين إلى الحادي والأربعين، عن قول المسيح ما هذا نصّه:
" وقال(1) لهم: جيل شرير يطلب آية ولا تعطي له آية، إلاّ آية يونان النبيّ(2) لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيـام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان(3) في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال ".
والمراد: أن معجزته أن يموت ويدفن في القبر، ويبقى فيه ميتاً ثلاثة أيّام وثلاث ليال، ثم بعدها يحيا ويقوم من الموت ويخرج من القبر..
هذا، ولكن الأناجيل تكذّب هذا الخبر، وتصرّح بأنه عند المساء من يوم الجمعة ـ الذي يسمّيه اليهود يوم الاستعداد للسبت ـ جاء رجل وطلب جثّة المسيح من الحاكم، ودفنه ليلة السبت.
____________
1- يعني المسيح.
2- أي: يونس بن متّى.
3- يعني نفسه.
فانظر إلى أواخر الأصحاح السابع والعشرين، وأوائل الثامن والعشرين من إنجيل متّى.
وإلى أواخر الأصحاح الخامس عشر، وأوائل السادس عشـر من إنجيل مرقس.
وإلى أواخر الأصحاح الثالث والعشرين، وأوائل الرابع والعشرين من إنجيل لوقا.
وإلى آخر الأصحاح التاسع عشر، وأوّل العشرين من إنجيل يوحـنا.
وحاصل الأمر: أنّ الأناجيل قد اتفقـت على أنّ المسيح لم يبق في قبل الأرض إلاّ سواء ليلتين: ليلة السبت وليلة الأحد، مع بياض يوم واحد وهو يوم السبت.. فأين تكون الثلاثة أيام والثلاث ليالي؟!
وهل تدري ماذا فعلت الأناجيل في هذا المقام في قدس المسيح؟!
فإنها جعلت المسيح ـ وحاشاه ـ بحكم التوراة وعلامتها، وصيّرته من المتنبّئين الكذبة، الذي يقتلون لأجل كذبهم بطغيانهم على الله.
فالأناجيل تقول: إن المسيح أخبرنا باسم الله ـ في إعطائه للآية ـ أنه يبقى في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي ; وتقول أيضاً: إنه لم يبق في بطن الأرض إلاّ بياض يوم واحد وسواد ليلتين!
وحاصل ذلك: أنه لم يقع ما أخبر به باسم الله، بل وقع خلافه، فيجري عليه ما أعطته التوراة من العلامة الموافقة لحكم العقل لكذب المتنبّئ!