ثالثا ـ بدء الخلق:

جاء ذكر بدء خلق السموات والارض في آيات متعدّدة، ولا بدَّ من أخذ تفسيرها ممن قال اللّه في شأنه في سورة النحل:

(وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذَّكرَ لِتُبيّنَ لِلنّاسِ مانُزِّلَ إلَيهِم) (الاية 44).

وقد رويت أحاديث كثيرة في بيان بدء الخلق عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، غير أنّ تلك الاحاديث لم تُدْرَس من قبل العلماء سندا ومتنا؛ مثل أحاديث الاحكام وآيات الاحكام، ولا يتسع المجال هنا لدراستها.

وإذا اقتصرنا في دراسة بدء الخلق على ما يفهم من ظواهر الايات مع الاستفادة ممّا تطمئنّ النفس إلى صحّته من الروايات، أو ما يغلب على الظنّ صحّتها، نستعين اللّه ونقول:

بدء الخلق

وصف اللّه سبحانه وتعالى بدء الخلق وما كان بعده بقوله في:

أ ـ سورة هود:

(وَهوَ الّذي خَلقَ السَّمواتِ وَالارضَ في ستَّةِ أَيّامٍ وَكانَ عَرشهُ على الماء) (الاية 7).

ب ـ سورة يونس:

(إنَّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذي خَلقَ السَّمواتِ وَالارضَ في ستَّةِ أيّامٍ ثُمَّ استَوى على العرشِ يُدبِّرُ الامر) (الاية 3).

ج ـ سورة الفرقان:

(الَّذي خَلقَ السَّمواتِ وَالارضَ وَمَا بَينَهما في ستَّةِ أيّامٍ ثُمَّ استَوى على العرشِ الرّحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبيرا) (الاية 59).

د ـ سورة الانبياء:

(أوَلَم يَرَ الّذينَ كَفروا أَنَّ السّمواتِ وَالارضَ كانَتا رَتقا فَفَتَقناهُما وَجعَلنا مِنَ الماء كُلَّ شَي‌ء حيٍّ أَفلا يؤمِنُون) (الاية 30).

هـ ـ سورة البقرة:

(هُوَ الّذي خَلقَ لَكُم مَا في الارضِ جَميعا ثُمَّ استَوى إلى السَّماء فَسَوِّاهنَّ سبعَ سَمُواتٍ وَهوَ بِكُلِّ شَي‌ء عَليم) (الاية 29).

و ـ سورة فصّلت:

(قُل أَئِنَّكُم لتَكفُرُونَ بِالَّذي خَلقَ الارضَ في يَومَين وَتَجعلونَ له أندادا ذلكَ رَبُّ العالمين* وَجعَلَ فيها روَاسِيَ مِن فَوقها وَباركَ فيها وَقَدَّر فيها أَقواتَها فيِ أربعةِ أيّامٍ سَواء لِلسّائِلين* ثُمَّ استوى إلى السَّماء وَهيَ دُخانٌ فقَالَ لَها ولِلارضِ ائتِيا طَوعا أو كَرْها قالَتا أَتينا طائعين* فَقضاهُنَّ سَبعَ سَمواتٍ في يَومينِ وَأَوحى في كُلّ سَماء أَمرَها وَزَيَّنَّا السّماء الدُّنيا بِمصابيحَ وَحِفظا ذلكَ تَقديرُ العَزيِز العَليم) (الايات 9 ـ 12).

ز ـ سورة الطلاق:

(اللّهُ الّذي خَلقَ سَبعَ سَمواتٍ وَمِنَ الارضِ مِثلَهُنَّ...) (الاية 12).

ح ـ سورة النازعات:

(ءأنتُم أَشَدُّ خَلقَا أمِ السّماء بَناها* رَفعَ سَمكَها فَسَوّاها* وَأَغطشَ لَيلَهَا وأَخرجَ ضُحاها* وَالارضَ بَعدَ ذلِكَ دَحاها* أخرَجَ مِنها ماءها وَمَرعاها* وَالجِبالَ أَرساها* مَتاعا لَكُم وَلانعامِكُم) (الايات 27 ـ 33).

ط ـ سورة الشمس:

(وَالسّماء وَما بَناها* وَالارضِ وَما طَحاها) (الايتان 5 ـ 6).

ي ـ سورة الحجر:

(وَالارضَ مَدَدناها وَأَلقَينا فيها رَواسيَ وَأَنبَتنا فيها مِن كُلّ شَي‌ء مَوزونٍ* وَجعلنَا لكُم فيها مَعايشَ وَمَن لَستُم لهُ بِرازقين) (الايتان 19 ـ 20).

ك ـ سورة طه:

(الّذي جعلَ لكمُ الارضَ مَهدا وَسَلكَ لَكم فيها سُبلا وَأنَزلَ مِنَ السّماء ماء فَأخرَجْنا بِهِ أزواجا مَن نَباتٍ شَتّى* كُلُوا وَارعَوا أَنعامَكُم إِنَّ في ذلك لاياتٍ لاولي النُّهَى* مَنها خَلَقناكُم وَفيها نُعِيدُكُم وَمَنها نُخرِجُكُم تارَةً أُخرى) (الايات 53 ـ 55).

ل ـ سورة البقرة:

(الَّذي جَعلَ لَكمُ الارضَ فِراشا وَالسَّماء بِناء وَأَنزَلَ مِنَ السَّماء ماء فَأخرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمراتِ رِزقَا لَكُم فَلا تَجعَلوا للّهِ أَندادَا وَأَنتُم تَعلَمُون) (الاية 22).

م ـ سورة نوح:

(أَلَم تَرَوا كَيفَ خَلقَ اللّهُ سَبعَ سَمواتٍ طِباقا) (الاية 15).

(وَاللّهُ جعلَ لَكمُ الارضَ بِساطا* لِتسلُكوا مِنها سُبُلا فِجاجا) (الايتان 19 ـ 20).

ن ـ سورة الغاشية:

(أَفَلا يَنظُرونَ إلى الابِلِ كَيفَ خُلِقت* وَإلى السَّماء كَيفَ رُفِعت* وَإلى الجِبالِ كَيفَ نُصِبَت* وَإلى الارضِ كَيفَ سُطِحت) (الايات 17 ـ 20).

س ـ سوره النمل:

(أَمَّن خَلقَ السَّمواتِ وَالارضَ وَأنَزلَ لكُم مِنَ السَّماء ماء فَأنبَتنا بَهَ حَدائقَ ذاتَ بَهجةٍ ما كانَ لَكم أن تُنبتوا شَجَرها ءإلهٌ مَعَ اللّهِ بَل هُم قَومٌ يَعدِلون* أَمَّنْ جَعلَ الارضَ قَرَارا وَجعلَ خِلاَلها أنهارا وَجَعلَ لَها رَوَاسيَ وَجَعلَ بَينَ البَحرينِ حاجِزا ءإلهٌ مَعَ اللّهِ بَل أَكثَرهم لاَ يَعلمُون) (الايتان 60 ـ 61).

ع ـ سورة الانبياء:

(وَجَعلنا في الارضِ رَوَاسيَ أن تَميدَ بِهم وَجَعلنا فيها فِجَاجا سُبلا لَعَلَّهُم يَهتُدون* وَجَعَلنا السَّماء سَقفَا مَحفُوظا وَهُم عَن آياتها مُعرِضون) (الايتان 31 ـ 32).

ف ـ سورة المرسلات:

(ألَم نَجعَلِ الارضَ كِفاتا* أحياء وَأَمواتا* وَجَعلنا فيها رَواسيَ شامِخات...) (الايات 25 ـ‍ 27).

ص ـ سورة يونس:

(هُوَ الَّذي جعلَ الشَّمسَ ضِياء وَالقمرَ نُورا وَقَدَّرهُ مَنازلَ لِتَعلمُوا عَدَدَ السِّنينَ وَالحِسابَ ماخلقَ اللّهُ ذلكَ إلاّ بِالحقِّ يُفصِّلُ الاياتِ لِقَومٍ يَعلمُون* إنَّ في اختِلافِ اللّيلِ وَالنَّهارِ وَما خلقَ اللّهُ في السَّمواتِ وَالارضِ لاياتٍ لِقومٍ يَتَّقُون*) (الايتان 5 ـ 6).

شرح الكلمات

أ ـ اليوم:

يأتي اليوم بمعنى الزمن المُمْتد من طلوع الفجر أو الشمس إلى غروبها.

وكذلك الزمان المقرون به حدث من الاحداث؛ ومنها أيام الحروب وإن أمتدّت إلى أيّام مثل يوم الخندق، ويوم صفّين.

ب ـ ثمّ:

ثمّ: يدلّ على تأخّر ما بعده عمّا قبله بالزمان أو المرتبة أو المكان.

فالاول: مثل قوله تعالى في سورة الحديد:

(وَلقَد أَرسَلنا نُوحا وَابراهيمَ وَجعَلنا في ذرّيَتهِما النُّبوَّةَ والكتاب...* ثُمَّ قَفَّينا على آثارِهمِ بِرُسلنا وَقفّينا بِعيسى ابنِ مَريَم) (الايتان 26 ـ 27).

والثاني: مثل ما جاء في جوابِ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجلٍ سأله وقال:

من أَبَرُّ؟ قال: أمَّكَ.

قال: ثُمَّ مَنْ؟

قالَ: أُمَّكَ.

قالَ: ثُمَّ مَنْ؟

قالَ: أَبَاكَ.

والثالث: قولك: ذهبت من بغداد إلى كربلاء ثُمّ النجف.

ج ـ الدخان:

الدُّخان: ما يكون مع لهيب النار، وقد يقال للبخار وما على صورته: الدخان.

د ـ استوى:

استوى عليه: استولى عليه، واستوى إليه: انتهى إليه، ويأتي مزيد بيان لمعناه ومعنى (الرَّحمن) و(العَرْش) و(سَوّاه) في بحث صفات الرّبّ بُعيد هذا إن شاء اللّه تعالى.

هـ ـ الرَّتْقُ:

الرتق: الضّم والالتئام.

و ـ جَعَلَ:

تأتي جعل بمعنى خلق وأوجد، مثل قوله تعالى:

أ ـ في سورة المائدة:

(اذكُروا نَعمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذ جَعلَ فيكُم أنبياء) (الاية 20).

ب ـ في سورة النحل:

(وَجعلَ لَكم سَرابيلَ تَقيكمُ الحرَّ) (الاية 81).

وبمعنى صيّره، مثل قوله تعالى في سورة البقرة:

(الَّذي جعلَ لكمُ الارضَ فِراشا) (الاية 22).

وبمعنى شرع وحكم وقدّر، مثل قوله تعالى في سورة المائدة:

(لِكُلٍّ جَعَلنا مَنكم شِرعةً وَمِنهاجا) (الاية 48).

وبمعنى سخّر: أي هداه تسخيرا، مثل قوله تعالى في سورة الانعام:

(وَجَعلنا الانهارَ تَجري مِن تَحتِهم) (الاية 6).

أي وهدينا الانهار تسخيريّا لتجري من تحتهم (1) .

ز ـ الرَّواسي:

الرّواسي: مفرده الراسي: الجبل الثابت الراسخ.

وأرساه: أثبته وأرسخه في موضعه.

ح ـ قضاهنّ:

قَضاهُنَّ: هنا بمعنى قدّرهنّ وأتّم خلقهنّ.

ط ـ أَوحى في كلّ سماء أمرها:

علَّم ملائكة كلّ سماء الامر الذي خلقهم من أجل القيام به. وسخّر سائر ما خلق فيها أن يَسِرْنَ وفق النظام الذي قدّره لهنَّ.

ي ـ بناها:

بنى البيت: أقامه.

وفي الاية: خلقها مسوَّاة محكمة.

ك ـ السَّمك:

السمك: السقف، ومسافة الشي‌ء من أسفله إلى أعلاه، وإذا قصد ذكر المسافة من الاعلى إلى الاسفل قيل: العمق.

ل ـ سَوّى:

سوّاه: جعله على كمال واستعداد لما أُنشئ من أجله.

م ـ أَغطَشَ:

أَغطَشَها: أظلمها.

ن ـ الضُّحى:

الضُّحَى: طلوع الشمس وصفاء ضوئها، وارتفاع النهار.

وأخرج ضحاها: أبرز نهارها.

س ـ دحاها:

دحا الشَّي‌ء: أزاله عن موقعه، بسطة ومهَّده. والارضَ دَحاها: بسطها ومهّدها للسكنى والتقلّب في أقطارها.

ع ـ طَحاها:

طحاها: بسطها.

ف ـ مَدَدْناهَا:

مَدَّ: بسط في طول واتصال. وفي الاية: بسطناها ومهَّدناها للعيش عليها.

ص ـ موزون:

الوَزْنُ: تقدير الاجسام بما يعادله في الثقل أو في الطول والعرض أو في الحرارة والبرودة.

وَوَزَنَ الشَّي‌ء: قدره بما يعادله، فهو موزون. والمعنى في: وأنبتنا فيها من كلّ شي‌ء موزون أي:

أنبتنا في الارض من كلّ شي‌ء ما يتناسب مع محيطه ولما خُلق من أجله، وعلى قدر الحاجة إليه، وبما تقتضيه الحكمة في ذلك.

تفسير الايات

معنى الايات حسب ظواهر معاني ألفاظها، واللّه أعلم:

إنّ اللّه تعالى، قبل أن يخلق السموات والارض، كان قد خلق ماء، لا يعرف حقيقته غيره، وكان عرشه على ذلك الماء وحده، أي انّ الملائكة الذين يعملون بأمره كانوا على ذلك الماء، ولمّا اقتضت مشيئته وحكمته ـ تبارك وتعالى ـ أن يخلق ما عداه، بدأ خلق الارض من ذلك الماء قبل أن يخلق السماء، ثُمّ بدأ خلق السماء من بخار الارض ولهيبها، وتصاعد ذلك البخار أو الدخان من الارض، وكذلك فتق اللّه السماء من الارض (2) ـ واللّه أعلم ـ بعد أن كانتا رتقا، أي مُنْظَمَّتَينْ، وصار ذلك الدخان أو البخار للارض سماء، وفتق تلك السمأ وجعلها سبع سماوات طباقا.

ونجد هذا التفسير في كلام الامام عليّ (ع)، حيث قال:

(جَعَلَ مِنْ مَاء الْبَحْرِ الزّاخِر... يَبَسَا جامِدَا، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقَا، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاواتٍ بعد ارتتاقِهَا)(3) .

وأتّم اللّه خلق السموات والارض في ستة أيام: أي ستة مراحل عملٍ كالاتي بيانه:

أوّلا ـ خلق الارض:

خلق اللّه الارض في يومين وجعل فيها جبالا راسيات، وفي تمام الاربعة أيّام خلق الشمس في جوّ السماء، وأجرى الماء على وجه الارض، ثُمّ قدّر سائر الاقوات من النبات وغيره؛ أي جعل في طبيعة الماء وطبيعة كلّ ذي حياة أن يخلق من الماء، ثُم استوى إلى السماء؛ أي بدأ خلق السماء بعد خلق الارض، وكانت السماء دخانا أو بخارا، فارتفع ذلك البخار من بحار الارض، أو ذلك اللهيب من براكين الارض، وفتق اللّه السماء عن الارض بعد أن كانتا رتقا، ورفع سمك السماء على الارض ـ واللّه أعلم ـ ثُمّ قال لتلك السماء والارض:

(ائتيا طَوعا أَو كَرها، قالَتا أَتَينا طائعين).

فأتت السماء بما فيها من المجرات وكواكب المجرات، وغيرها، مما اللّه بها عليم، ثُمّ دحا الارض؛ أي أبعدها من قرب السماء وبسطها وجعل فيها الانهار والاشجار وسائر النباتات ثمّ الحيوانات.

وقضى؛ أي جعل السماء الّتي كانت بعد فتقها عن الارض، فوق الارض، سبع سموات في يومين، وأوحى في كلّ سماء أمرها: أي نظام سيرها لادامة بقائها. وزيّن سماء الدنيا بمصابيح وهي الكواكب، وجعل من الكواكب ما يحفظها من استراق سمع الشياطين، كما يأتي بحثه، إن شاء اللّه تعالى.

وجعل الشمس مضيئة والقمر منيرا، وقدّر القمر منازل في مسيره؛ ينزل كلّ ليلة منزلا غير ما نزله في الليلة السابقة، ويبتعد عن الشمس حتى يوافيها من الجانب الاخر في شهر قمري كامل؛ وبذلك تتكون الشهور والسنون ليعلم الناس عدد السنين والحساب. وأنبت في الارض من كلّ شي‌ء موزون،

وجعل الارض مهدا للانسان يجمع فيها أحياءه وأمواته، ومنها يحشره يوم القيامة.

وبناء على ما ذكرنا، نستنبط من الايات المذكورة أنّ الارض متقدمة زمانا على السماوات ومقدّمة رتبة ـ أيضا ـ على ما عداها مما خلق اللّه، بما خلق عليها من الانبياء والاوصياء والاولياء، وأنّ اللّه تعالى قد خلق جميع ما في السماوات والارض لنفع أهل الارض لمقام أوليائه عليها، فقد قال سبحانه في:

أ ـ سورة لقمان:

(أَلَم تَرَوْا أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكم مَا في السَّمواتِ وَما في الارض) (الاية 20)

ب ـ سورة الجاثية:

(وَسَخّرَ لَكم ما في السَّمواتِ وَما في الارضِ جَميعا...) (الاية 13).

ونستنبط من الايات المذكورة ـ أيضا ـ أنّ خلق أقوات الانسان من الماء واللّحوم والنبات متقدّم على خلق الانسان، كما صرّحت الايات بأنّ الجنّ خلقوا من نار السموم قبل خلق الانس من الطين، وكذلك الملائكة خلقوا قبل الانسان، لانّه سبحانه وتعالى قال في سورة الحجر:

(وَلقَد خَلَقنا الانسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَأٍ مَسنون* وَالجانَّ خَلقناهُ مِن قَبلُ مِن نارِ السَّمومِ* وَإذا قالَ رَبُّكَ لِلملائكَةِ إنّي خالِقٌ بَشرا من صَلصال) (الايات 26 ـ 28).

ثانيا ـ الكواكب

أخبر اللّه تعالى عن البروج والكواكب والشهب فقال في:

أ ـ سورة الحجر:

(وَلقَد جَعَلنا في السَّماء بُروجا وَزَيَّنَّاها لِلناظِرين* وَحفظناها مِن كُلِّ شَيطانٍ رَجيم* إِلاّ مَنِ استَرَقَ السَّمعَ فأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبين) (الايات 16 ـ 18).

ب ـ سورة الصافّات:

(إنّا زَيَّنَّا السمَّاء الدُّنيا بزينةٍ الكواكب * وحِفظا مِن كُلَّ شَيطانٍ مارد

* لا يسمَّعونَ إلى الملا الاعلى ويُقذفونَ مِن كُلِّ جانِب * دُحورا وَلهُم عذابٌ واصب * إلاّ مَن خَطِفَ الخَطفةَ فَأَتبَعَهُ شِهابٌ ثاقِب) (الايات 6 ـ 10).

ج ـ سورة الفرقان:

(تَباركَ الَّذي جعلَ في السَّماء بُروجا وَجعل فيها سِراجا وَقَمرا مُنيرا) (الاية 61).

د ـ سورة يونس:

(هُوَ الَّذي جعلَ الشَّمسَ ضِياء وَالقمرَ نُورا وَقَدَّرَهُ مَنازلَ لِتَعلموا عَدَدَ السِّنينَ وَالحِساب...)(الاية 5).

هـ ـ سورة نوح:

(وَجعلَ القمرَ فيهِنَّ نورا وَجعلَ الشَّمسَ سِراجا) (الاية 16).

و ـ سورة التوبة:

(إنَّ عِدَّةَ الشُّهورِ عِندَ اللّهِ اثنا عَشَرَ شَهر في كتابِ اللّهِ يَومَ خَلقَ السَّمواتِ وَالارضَ مِنهَا أِربعةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظلِموا فِيهنَّ أِنفسكُم وَقاتِلوا المشرِكينَ كافّةً كَما يُقاتلُونَكُم كافّةً وَاعلَموا أَنَّ اللّهَ مَعَ المُتَّقين) (الاية 36) (4) .

ز ـ سورة النحل:

(وَعَلاماتٍ وَبالنَّجمِ هُم يَهتَدون) (الاية 16).

ح ـ سورة الانعام:

(وَهُوَ الّذي جعلَ لَكُمُ النُّجومَ لِتَهتدوا بِها في ظُلماتِ البَرِّ وَالبَحر...) (الاية 97).

شرح الكلمات

أ ـ البُروجُ: واحدها البرج، وهي على الارض: القصر والحصن. وفي السماء: مجموعة نجوم يمر بها القمر والشمس وغيرهما من الكواكب والنجوم. ومنها مجموعة نجوم لو رسمناها على الورق ـ مثلا ـ‍

ورسمنا بينها خطا لشابهت العقرب، وهي من منازل القمر.

وللقمر في مايُرى من سيره اثنا عشر برجا حسب اصطلاح المنجّمين، وسنتحدّث في آخر البحث ـ‍ إن شاء اللّه ـ عن مخاطبة القرآن للناس بما يشاهدونه ويرونه عيانا.

ب ـ رَجيم:

الرَّجيم: المطرود عن الخيرات أو عن منازل الملا الاعلى، أو الملعون.

ج ـ الشِّهاب: الشِّهاب: شعلة في الجو ترى هابطة، والجمع: الشهب، ويأتي مزيد بيان له في بحث الجنّ الاتي إن شاء اللّه تعالى.

د ـ المارِد:

المارد والمريد من شياطين الجن والانس: الطاغية المتعرّي عن الخيرات، والمتمادي في الشرّ والاثم.

هـ ـ دُحورا:

دحره دحرا ودحورا: دفعه وطرده وأبعده.

و ـ النُّجُوم: النُّجُوم: هي النيّرات التي لها ضوء مثل الشمس كما قال اللّه: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياء)، (وَجعلَ الشَّمسَ سِراجا).

ز ـ الكَواكِب:

الكَواكِبُ: هي الاجسام التي تكتسب النور من النجوم، ويقال لعامّة الاجسام المنيرة في السماء:

الكواكب، كما قال اللّه سبحانه:

(اِنّا زَيَّنّا السَّماء الدُّْنْيَا بِزِينَةٍ الكواكب) (الصافّات 6).

ح ـ واصِب:

وَصَبَ: دام ولزم، فهو واصب.

ط ـ خَطَفَ:

خَطَفَ الشَّي‌ء خَطْفا: أخذه واختلسه بسرعة، والخطفة: المرّة من الخطف، والمرّة من استماع الشيطان للملائكة في السموات.

ي ـ الثاقِب:

ثَقَب الشَّي‌ء ثَقْبا: خرقه بآلة الثقب فهو ثاقب.

ووُصِف الشهابُ بالثاقب لنفاذه في الظلماء كأنّه يثقبها بضوئه.

تفسير الايات

يفهم من الايات التي ذكرناها في بحث السموات والكواكب: أنّ سماء الدنيا مكانها فوق جميع الكواكب والنجوم في جميع المجرّات بجميع أبعادها الضوئية، وفوقها مكانا السماء الثانية، وفوق الثانية الثالثة، وفوق الثالثة الرابعة، وهكذا حتى السابعة، وأنّ ارتفاع بعضها على بعض مكانُّي بخلاف العرش الذي ارتفاعه معنوي، كما يأتي بيانه في محلّه ـ إن شاء اللّه تعالى‌ـ، ويوجّه إلى ما أشرنا سؤالان كالاتي:

1 ـ لماذا ذكر اللّه تعالى من فوائد النجوم أمثال قوله تعالى في سورة الانعام:

(جعلَ لَكمُ النّجومَ لِتَهتدوا...) (الاية 97).

ممّا يعلمه الناس أجمعون ولم يخبر عن آثارها وصفاتها التي اكتشفها العلماء بعد عصر القرآن الكريم؟

2 ـ إنّ اللّه تعالى أخبر في سورة الصافّات وقال:

(إنّا زَيَّنّا الْسَّمَاء الدُّنيا بِزِينَةٍ الكَواكِبِ).

وإذا كانت الكواكب زينة للسماء الدنيا فإنّه يدل على أنّ مواقع جميع الكواكب تحت السماء الدنيا، مع أنّ علماء النجوم والفلك ـ المنجّمين ـ سابقا كانوا يقولون: إنّ مواقع أكثر النجوم فوق السماء الدنيا. فما رأي العلم في عصرنا في هذا الامر؟

وفي الجواب عن السؤالين نقول بحوله تعالى:

الجواب عن السؤال الاوّل:

إنّ اللّه ـ جلَّ اسمه ـ أرسل خاتم أنبيائه بالقرآن الكريم ليهدي جميع الناس إلى الدين الذي شرّعه لهم كما قال سبحانه في:

أ ـ سورة الاعراف:

(قُل يَا أَيُّها النّاسُ إنّي رَسُولُ اللّهِ إلَيكُم جَميعا...) (الاية 158).

ب ـ سورة الانعام:

(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآن لاِنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ...) (الاية 19).

ولهذا السبب يخاطب جميع الناس في محاوراته بقوله: (يَا أَيُّها النّاسُ)، إذا لابد من أن يذكر من أصناف الخلق حسب الحاجة في المحاورة ما يفهمه جميع الناس في كل زمان ومكان، ويقول ـ مثلا ـ‍

في سورة الغاشية في مقام إقامة البرهان على توحيد الالوهية:

(أَفَلا يَنظُرونَ إلى الاِبلِ كَيفَ خُلِقت* وَإلى السَّماء كَيفَ رُفِعَت* وَإلى الجِبالِ كَيفَ نُصِبت* وَإلى الارضِ كَيفَ سُطِحت* فَذَكِّر إنَّما أَنتَ مُذَكِّر* لَستَ عَلَيهِم بِمُصَيطِر) (الايات 17 ـ 22).

وقال في سورة الواقعة في مقام إقامة البرهان على توحيد الربوبية:

(أفرَأيتُمُ الماء الَّذي تَشربون* ءأَنتم أَنْزَلتموهُ مِنَ المُزنِ أَم نَحنُ المُنزلون* لَو نَشاء جَعَلناهُ أُجاجا فَلَولا تَشكُرُون*... فَسَبِّح بِاسمِ رَبِّكَ العَظيم) (الايات 68 ـ 70 و74).

ولو فعل خلاف ذلك وذكر ـ في مقام الاستدلال ـ نظام سيرة بلايين الكواكب في ملايين المجرّات في السماء، أو ذكر من الانسان وحده: عينه وملايين الخويطات فيها، ودمه وملايين الكريّات البيض والحمر فيه، ودماغه وملايين خلاياه، وجهازه الهضمي و... و...الخ، وأنواع أمراضها وعلاجها كما تساءل البعض مني عن سبب عدم ذكر اللّه هذه العلوم في كتابه وهو خالقها، وزعمها نقصا في كتاب اللّه المجيد ـ معاذ اللّه ـ.

يا ترى لو جاء ذكر خصائص ما خلق اللّه كما ذكرناه فمن من الناس كان يفهمها قبل عصر اكتشافها؟ وماذا كانت تقول الامم لانبيائها لو قالوا لهم ـ مثلا ـ: إنّ الارض التي نحن عليها تدور حول الشمس، والشمس تبعد عن الارض 23 مليون ميل، وهي بمجموعتها تقع في طرف مجرّة تسمى درب التبّانة، وفي هذه المجرّة ثلاثون مليارا من النجوم، ويوجد وراء هذه المجرّة مئات الالوف من عوالم السدوم، و...الخ.

يا ترى لو كانت الامم تسمع من أنبيائها أمثال هذه الاقوال ماذا كانت تقول لانبيائها؟ في حين أنها نسبت إليهم الجنون لانّهم دعوهم إلى غير المألوف عندهم من توحيد الاله، فمثلا قال قوم نوح لنوح (ع) كما أخبر سبحانه في سورة القمر وقال:

(كَذَّبَت قَبلَهُم قَومُ نُوح... وَقالُوا مَجنُون) (الاية 9).

وأخبر عن الامم مع أنبيائها وقال سبحانه في سورة الذاريات:

(كَذلكَ ما أَتى الَّذينَ مِن قَبِلِهم مِن رَسُولٍ إلاّ قالوا ساحرٌ أَو مَجنُون) (الاية 52).

وأخبر عن قريش مع خاتم الرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) في سورة القلم فقال:

(... وَيَقولونَ إِنَّهُ لمجنُون) (الاية 51).

يا ترى ماذا كانت تقول الامم لانبيائها لو سمعت منهم أمثال هذه الاقوال؟

وكم من الناس الذي يخاطبهم القرآن كان يفهم هذه الحقائق العلمية التي أكتشفها العلماء حتى عصرنا الحاضر وبعد اكتشافها!؟

وفي كم موسوعة علميّة كان ينبغي أن تدوّن كلّ الاكتشافات العلمية التي اكتشفها العلماء حتى عصرنا الحاضر!؟

ثمَّ إنّ اللّه أنزل القرآن على خاتم رسله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاب هداية يعلِّم الناس كيف يعبدون اللّه ربّهم ويطيعون أوامره ونواهيه، وكيف يتعاملون مع سائر الخلق، وكيف ينتفعون ممّا خلق لهم وسخّر ليبلغوا درجة الكمال الانساني ويسعدوا في الدارين.

ولم ينزل القرآن ليعلِّم الناس خصائص الهواء والماء والارض والحيوان والنبات، بل جعل ذلك من وظيفة العقل الذي وهبهم إيّاه ليهديهم إلى كلّ ذلك حسب حاجاتهم في الازمنة المتعاقبة وحالاتهم المختلفة.

ومع وجود العقل الموهوب لهم لم يكن الناس بحاجة ـ مثلا ـ إلى أن يعلِّمهم اللّه في كتابه المجيد كيف يفلقون الذرة، وانّما هم بحاجة إلى أن يهديهم فيه كيف يستعملون هذه الطاقة وأمثالها ـ بعد أن سيطروا عليهاـ لما ينفعهم، ولا يستعملونها في ما يضرّهم ويبيدون الخلق إنسانا وحيوانا ونباتا!

إذا كان من الحكمة أن يأتي القرآن الكريم بذكر أصناف الخلق كما جاء، ولا ينافي ما ذكرناه أن تأتي في القرآن الكريم أحيان إشارة إلى حقائق علمية ممّا أكتشفها العلماء ويكتشفونها بعد عصر نزول القرآن الكريم، كي يكون من الايات المتجدِّدة الدالّة على أن القرآن الكريم نزل من عند خالق العالمين وربِّهم: «ولا تفنى عجائبه» (5) كما قال وصيُّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن عجائبه أنّه لم يأتِ فيه من ذكر خصائص الخلق ما يخالف حقائق العلم التي اكتشفها العلماء بعده قرنا بعد قرن.

الجواب عن السؤال الثاني:

إنّ صنفا من العلماء في بعض العصور أوَّلوا بعض ما جاء ذكره في القرآن الكريم ببعض النظريات الخاطئة التي كانت تعتبر في عصرهم من حقائق العلم، مثل تأويلهم السموات السبع بالافلاك السبعة المشهورة عند العلماء سابقا، حسب نظرية بطليموس (عاش نحو 90 ـ 160م) وقوله:

إنّ السموات والارض أجسام كروية بعضها فوق بعض مثل طبقات البصل، مركزها الارض التي يتكّون ثلاثة أرباعها من الماء وفوقها الهواء وفوق الهواء النار، ويسمونها بالطبائع الاربع، وفوقها فلك القمر وهو الفلك الاول، ثمّ فلك عطارد، ثمّ الزهرة، ثمّ الشمس، ثمّ المريخ، ثمّ المشتري، ثمّ زحل، ويسمّون كواكبها: بالسبعة السيّارة، وأنّه يحيط بها فلك الكواكب الثابتة ويسمّونها بفلك البروج، ثمّ الفلك الاطلسي الذي لا كوكب فيه، ويؤولون السموات السبع بأفلاك السيارات السبع عندهم، والكرسي بفلك البروج، والعرش بالفلك التاسع(6) .

وكذلك أوَّلوا ما جاء في القرآن والحديث حول بعض المصطلحات الاسلامية بالمشهور في عصرهم من آراء فلسفية وفلكية ونظريّات خاطئة.

ولما كان في تلك النظريات ما يخالف صريح القرآن حاولوا الجمع بين ما جاء في القرآن الكريم وتلك النظريات كما أخبر عنه المجلسي وقال:

(واعلم أنّ ههنا إشكالا مشهورا، وهو أنّه اتفق أصحاب الهيئة على أنّه ليس في السماء الاولى سوى القمر، وسائر السيّارات كلّ في فلك، والثوابت كلّها في الثامن، والاية الكريمة تدلّ على أنّ كلّها أو

أكثرها في السماء الدنيا، وأجيب عنه بوجوه) (7) .

وسيأتي ذكر الاية وتفسيرها بعيد هذا ان شاء اللّه تعالى، ونترك ذكر الوجوه التي نقلها المجلسي هاهنا كي لا يطول البحث في ما لا ينفع، ونقتصر على إيراد قول كبير فلاسفة عصره؛ ميرداماد في تأويل حديث في هذا الباب:

قال المجلسي؛:

(بيان وتأويل عليل:

قال السيد الداماد ـ؛ـ في بعض تعليقاته على كتاب من لا يحضره الفقيه: العرش هو فلك الافلاك. وإنّما حكم (ع) بكونه مربّعا لانّ الفلك يتعيّن له بالحركة المنطقة والقطبان، وكلّ دائرة عظيمة منصفة للكرة، والفلك يتربّع بمنطقة الحركة والدائرة المارة بقطبيها، والعرش وهو الفلك الاقصى والكرسي وهو فلك الثوابت يتربّعان بمعدل النهار ومنطقة البروج والدائرة المارّة بالاقطاب الاربعة، وأيضا دائرة الافق على سطح الفلك الاعلى يتربّع بدائرة نصف النهار ودائرة المشرق والمغرب، فيقع منها بينها أرباعها، ويتعيّن عليها النقاط الاربع: الجنوب، والشمال، والمشرق، والمغرب.

والحكماء نزّلوا الفلك منزلة إنسان مستلق على ظهره، رأسه إلى الشمال، ورجلاه إلى الجنوب، ويمينه إلى المغرب، وشماله إلى المشرق. وأيضا التربيع والتسديس أول الاشكال في الدائرة على ما قد استبان في مظانه، إذ التربيع يحصل بقطرين متقاطعين على قوائم، والتسديس بنصف قطر، فإنّ وتر سدس الدور يساوي نصف القطر، وربع الدور قوس تامة، وما نقصت عن الربع فمتممها إلى الربع تمامها، وأيضا الفلك الاقصى له مادة، وصورة، وعقل هو العقل الاول ويقال له عقل الكلّ، ونفس هي النفس الاولى ويقال لها نفس الكلّ، فيكون مربّعا وأول المربّعات في نظام الوجود.

وهنالك وجوه أخرى يضيق ذرع المقام عن بسطها فليتعرف (انتهى) ولا يخفى عدم موافقتها لقوانين الشرع ومصطلحات أهله) (8) .

انتهى ما ذكره المجلسي.

بالاضافة إلى ماذكرناه فسّر بعض العلماء القرآن بروايات إسرائيلية، وبعضهم فسّره بروايات مفتراة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) دون تمحيص، وعلى أثر كلّ ذلك، التبس أمر فهم القرآن والمصطلحات الاسلامية والالفاظ اللغوية على قارئ القرآن والحديث، كما ذكرنا بعضها في كتاب (القرآن في عصر الرسول وما بعده).

خلاصة البحث

أوّلا ـ السماء:

السماء في اللغة:

كلّ شي‌ء أظلّلك فهو سماء، وسماء كلّ شي‌ء أعلاه، وجاء ذكر السماء في القرآن الكريم بلفظ الواحد وأُريد بها تارة: الجوّ الذي يحيط بالارض مثل قوله تعالى:

أ ـ(... الْطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ في جَوِّ الْسَّماء).

ب ـ(وَأنزل من السماء ماء).

وأُخرى أُريد بها: ماعلا الارض من الكواكب والسموات السبع مثل قوله تعالى:

(ثُمَّ استَوى إلى السَّماء فَسَوّاهُنَّ سَبعَ سَموات).

وجاءت بلفظ الجمع؛ وأُريد بها السموات السبع مثل ما جاء في الاية الماضية.

ثانيا ـ بدء الخلق:

أخبر اللّه سبحانه أنّ الماء كان مخلوقا قبل السموات والارض، ونفهم من الايات أنّه خلق الارض من ذلك الماء، والسموات من بخار ذلك الماء وتلك الارض، وانّه أتّم خلقهما وخلق بعض الموجودات فيهما ومن ضمنها ما يحتاجه الانسان في حياته في ستّة مراحل.

وأنّه جعل كلّ النجوم بأبعادها الضوئية تحت السماء الدنيا.

وأنّ اللّه سبحانه اخبر عمّا خلق بقدر ما في الاخبار عنه حاجة لهداية الناس، ولم تكن عقول الناس تتحمّل من بيان بدء الخلق وحقيقة الكواكب أكثر من ذلك.

وأنّ بعض العلماء أجهدوا أنفسهم وأوّلوا بعض ما جاء في القرآن من وصف السموات والكواكب بما كان معروفا عنها في عصرهم؛ مثل تأويل معنى السموات بالافلاك السبعة التي كانوا يعتقدون أنّها حقيقة علمية.

وكذلك فسّروا بعض الايات بروايات إسرائيلية كانت ولا تزال متداولة بين المسلمين، ومن ثمّ انتشرت رؤية غير صحيحة عن بدء الخلق وحقيقة السموات والكواكب وغيرهما من أصناف الخلق بين المسلمين. وسوف ندرس بعضها في البحوث الاتية إن شاء اللّه تعالى.

3 ـ‍ الدّوابّ

قال سبحانه وتعالى في:

أ ـ سورة النور:

(وَاللّهُ خلقَ كُلَّ دابَّةٍ مِن ماء فَمِنهُم مَن يَمشي على بَطنِهِ وَمِنهُم مَن يَمشي على رجلَينِ وَمَنهُم مَن يَمشي على أَربعٍ يَخلقُ اللّهُ مايَشاء إنّ اللّهَ على كُلّ شَي‌ء قَدير) (الاية 45).

ب ـ سورة الانعام:

(وَما مِن دابَّةٍ في الارضِ وَلا طائرٍ يَطيرُ بِجَناحيهِ إلاّ أُمَمٌ أَمثالُكم ما فَرَّطنا في الكتَابِ مِن شَي‌ء ثُمَّ إلى رَبِّهم يُحشَرون) (الاية 38).

ج ـ سورة النحل:

(وَللّهِ يسجُدُ ما في السّمواتِ وما في الارضِ من دابّة) (الاية 49).

شرح الكلمات

دبّ دبيبا فهو دابّ: سار سيرا خفيفا كسير النملة.

والدابّة: كلّ ما دبّ على الارض من صنف الحيوان، والمقصود من الدابّة في الاية: كلّ ذي حياة يدبُّ على وجه الارض.

تفسير الايات:

إنّ اللّه خلق كلّ ذي حياة يدبّ ويتحرّك من الماء، وما من حياة في الارض، ولا طائر يطير بجناحيه في الجوّ إلاّ وهم أمم أمثالكم؛ فالنمل اُمّة لها نظام حياة كما للانسان نظام حياة، وكذلك السمك في الماء والزواحف على وجه الارض والحشرات في بطنها، إلى أمثالها من ذوي الحياة الحيوانية أُمم أمثال الانسان؛ لكلّ نوع منه نظام حياة، وسوف ندرس إن شاء اللّه تعالى في البحث الثالث من (هداية ربّ العالمين) الاتي كيف هدى اللّه تلكم الاُمم من الدّوابّ إلى نظام حياتها.

4 ـ‍ الجنّ والشّياطين

أ ـ الجنّ والجان

جنَّ يجنُّ جنَّا: استتر، وجنَّ الشي‌ء وعلى الشي: ستره، كما قال سبحانه:

(فَلَمّا جَنَّ عَليهِ اللّيْلُ) (الانعام / 76).

أي فلمّا ستره الليل. والجنّ والجان خلق مستتر لايُرى، وقد أخبر اللّه سبحانه عنهم وقال:

أ ـ عن أصلهم في سورة الرحمن:

(وَخلقَ الجانَّ مِن مَارجٍ مِن نار) (الاية 15).

وفي سورة الحجر:

(وَالجانَّ خَلَقناهُ مِن قَبلُ مِن نارِ السَّمُوم) (الاية 27).

ب ـ وأنّهم أُمم مثل الانسان، في سورة فصّلت:

(في أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبِلهم مِنَ الجِنِّ وَالانْس) (الاية 25).

ج ـ وأنّ سليمان (ع) استخدمهم، في سورة سبأ:

(وَمِنَ الجِنَّ مَن يَعملُ بَين يَديَه بِإذنِ رَبِّه وَمَن يَزغْ مِنهُم عَن أَمرِنا نُذقهُ مِن عَذابِ السَّعيرِ* يَعمَلونَ لَه مايَشاء مِن مَحارِيبَ وَتَماثيلَ وجِفانٍ كالجَوابِ وَقُدُورٍ راسِيات) (الايتان 12 ـ 13).

د ـ وأنّه كان في جنود سليمان من يستطيع أن يذهب من فلسطين إلى اليمن ويرجع قبل أن يقوم سليمان من مقامه، في سورة النمل:

(قالَ عِفرِيتٌ مِنَ الجنِّ أَنا آتيكَ بِهِ قَبلَ أَن تَقومَ مِن مَقامِكَ وَإنّي عَلَيهِ لَقوِيُّ أَمين) (الاية 39).

هـ ـ وعن عدم علمهم بالغيب، في سورة سبأ:

(فَلَمِّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الَموْتَ مَا دَلَّهُم عَلَى مَوتِهِ إلاّ دَابَّةُ الارْضِ تَأٌكُلُ مِنْسأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَو كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فيِ الْعَذَابِ الْمُهِين) (الاية 14).

و ـ وعن ما كانوا عليه قبل بعثة خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، في سورة الجنّ:

1 ـ (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفيهُنَا عَلَى اللّهِ شَطَطَا) (الاية 4).

2 ـ (وَأَنَّهُم ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُم أَن لَن يَبْعثَ اللّهُ أَحَدَا) (الاية 7).

3 ـ (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الانْسِ يَعُوذون بِرجالٍ مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهم رَهَقَا) (الاية 6).

ز ـ وعن استراقهم للسمع بعد بعثة خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)، في سورة الجنّ:

(وَأَنَّا لَمَسْنا السَّمَاء فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسا شَدِيدا وَشُهُبا) (الاية 8).

(وأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلْسَمْعِ، فَمَن يَسْتَمِع الانَ يَجِدْ لَهُ شِهَابا رَصَدا) (الاية 9).

ح ـ وعن إسلامهم، في سورة الجنّ:

1 ـ (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَدا) (الاية 11).

2 ـ (وَأَنّا مِنّا المُسلِمونَ وَمِنّا القاسِطونَ فَمَن أَسلمَ فَأُولئكَ تَحَرَّوْا رَشدا) (الاية 14).

ب ـ الشَّيْطان:

الشيطان اسم لكلّ عات متمرِّد من الانس والجنِّ والحيوان.

قال سبحانه في:

أ ـ سورة الحجر:

(وَلَقد جَعَلنا في السَّماء بُروجا وَزَيناها لِلنَاظرين* وَحَفِظناها مِن كُلِّ شَيطانٍ رَجيم* إلاّ مَنِ اسْترقَ السَّمعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِين) (الايات 16 ـ 18).

ب ـ سوره الصافّات:

(إنّا زَيّنّا السَّماء الدُّنيَا بِزِينَةٍ الكَواكب* وَحِفظَا مِن كُلَّ شَيطَانٍ مارِد* لا يَسَّمَّعونَ إلى المَلاِ الاَعلَى وَيُقذَفونَ مِن كُلِّ جَانِب* دُحورا وَلَُهم عَذابٌ واصِب* إلاّ مَن خَطِفَ الخَطفةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِب) (الايات 6 ـ 10).

ج ـ سورة الملك:

(وَلَقد زَيّنّا السمَاء الدُّنيا بِمَصَابيحَ وَجَعَلنَاها رُجُوما لِلشَّيَاطينِ وَأَعْتَدنا لُهم عَذَابَ السَّعير) (الاية 5).

د ـ سورة الانعام:

(وَكَذلكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبيٍّ عَدُوّا شَياطينَ الانسِ وَالجِنِّ يُوحِي بَعضُهُم إلى بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرُورا وَلَو شاء رَبُّكَ مَا فَعلوهُ فَذَرهُمْ وَما يَفْتَرُون* وَلِتَصْغى إلَيهِ أَفئدةُ الّذينَ لا يؤمنُونَ بِالاخرةِ وَليَرْضوْه وَلِيَقْتَرِفوا مَا هُم مُقْتَرِفون) (الايتان 112 ـ 113).

هـ ـ سورة الاعراف:

(إنّا جَعَلنا الشَّياطينَ أَولياء لِلَّذينَ لا يؤمنُون) (الاية 27).

و ـ سورة الاسراء:

(إنَّ المُبذِّرِينَ كانوا إخوانَ الشَّياطينِ وَكانَ الشَّيطَانُ لِربِّهِ كَفورا) (الاية 27).

ز ـ سورة البقرة:

(وَلا تَتَّبِعوا خُطواتِ الشَّيطانِ إنَّهُ لَكم عَدوٌ مُبين* إِنَّما يَأمُرُكم بالسُّوء وَالفحشاء وَأَن تَقولوا على اللّهِ مَالا تَعلمون) (الايتان 168 ـ 169).

(الشَّيطانُ يَعِدكم الفَقرَ وَيَأمُرُكم بِالفَحشاء وَاللّهُ يَعِدُكم مَغفرةً مِنهُ وَفَضلا وَاللّهُ واسعٌ عَليم) (الاية 268).

ح ـ سورة النساء:

(وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيطانَ وَلِيّا مِن دُونِ اللّهِ فَقَد خَسِرَ خُسرانا مُبِينا* يَعِدُهم وَيُمَنِّيِهم وَما يَعِدُهم الشَّيطانُ إِلاّ غُرورا) (الايتان 119 ـ 120).

ط ـ سورة المائدة:

(إنَّما يُرِيدُ الشَّيطانُ أَن يُوقِعَ بَينكمُ العَداوَةَ وَالْبَغضاء في الخَمرِ وَالمَيسِرِ وَيَصُدَّكم عَن ذِكرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهون) (الاية 91).

ي ـ سورة الاعراف ـ أيضا ـ:

(يابَني آدَمَ لاَيَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أَخرجَ أَبَوَيكُم مِنَ الجَنَّةِ يَنْزعُ عَنهما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْءاتِهِما إنَّهُ يَراكُم هُوَ وَقَبيلُهُ مِن حَيثُ لاَتَرَونهُم) (الاية 27).

ج ـ إبليس

1 ـ في اللّغة:

أَبْلَسَ يُبْلِسُ مُبْلِس: حزن، تحيّر، يئس، سكت غمّا، انقطع في حجّته، ومنه قوله تعالى في سورة الروم:

(وَيَومَ تَقومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ المُجرمون) (الاية 12).

2 ـ في القرآن الكريم:

إبليس: اسم علم للشيطان الذي استكبر وأبى أن يسجد لادم (ع)، والمقصود من لفظ الشيطان إذا جاء في القرآن الكريم بلفظ المفرد ومع الالف واللاّم هو إبليس.

وقد جاء أخبار ابليس في القرآن الكريم بلفظ ابليس في قوله تعالى في:

أ ـ سورة الكهف:

(وَإذ قُلنا لِلمَلائكةِ اسْجُدوا لادَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبليسَ كانَ مِنَ الجِنَّ فَفسقَ عَن أَمرِ رَبِّهِ أَفتَتَّخِذونهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَولياء مِن دُوني وهمْ لَكُم عَدوُّ بِئسَ لِلظالمينَ بَدَلا) (الاية 50).

ب ـ سورة سبأ في قصة أهل سبأ:

(وَلَقد صَدَّقَ عليهم إبليسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعوهُ إلاّ فَريقا مِن المُؤمنين* وَما كانَ لَهُ عَلَيهم مِن سُلطان...) (الايتان 20 ـ 21).

وجاء بلفظ الشَيطان في قوله تعالى في:

أ ـ سورة الاعراف في قصة آدم (ع):

(فَوسوسَ لَهُما الشَّيطانُ لِيُبدِيَ لَهما ماوُرِيَ عَنهما مِن سَوءاتِهِما...* وَناداهُما رَبُّهما أَلم أَنهَكُما عَن تِلكما الشَّجرةِ وَأَقُل لَكُما إنَّ الشَّيطانَ لَكما عَدوُّ مُبين) (الايتان 20 و22).

ب ـ سورة يس:

(أَلَم أَعهَدْ إليكُم يا بَني آدمَ أَن لاَتَعْبدوا الشَّيْطان إنَّهُ لَكُم عَدوُّ مُبين) (الاية 60).

ج ـ سورة فاطر:

(إنَّ الشَّيطانَ لَكُم عَدُوُّ فَاتَّخِذوهُ عَدُوّا إنّما يَدعُو حِزبُه لِيَكونوا مِنْ أَصحابِ السَّعير) (الاية 6).

شرح الكلمات

أ ـ المارِج:

المَرْج: الخلط.

والمارج: اللهيب المختلط بسواد النار.

ب ـ السموم:

الرِّيح الحارّة غالبا بالنّهار، سُمِّيت بذلك لانّها تنفذ في مسام الجسم وتؤثّر فيه تأثير السّم.

ج ـ يَزِغْ:

زاغ الانسان يزيغ: مال عن القصد وانحرف عن الحقّ، وعن أمر اللّه.

ومن يزغ منهم عن أمر اللّه: من ينحرف منهم عن أمر اللّه.

د ـ مَحاريب:

مفرده المحراب: صدر المجلس أو أكرم موضع فيه.

والموضع الذي ينفرد فيه الملك فيتباعد عن الناس.

والغرفة التي فيها مقدم المعبد.

والمساجد يُتعبَّد فيها.

هـ ـ جِفان:

جمع جَفنة كالقصعة وزنا ومعنىً، والجفنة خصّت بوعاء الاطعمة.

و ـ الجَواب:

أوانٍ للطعام كأحواض الماء في الكبر والسِّعة.

ز ـ راسيات:

جمع راسية: ثابتة الاصل راسخة، وجمعها راسيات.

ح ـ العفريت: أقوى الجنّ وأخبثه.

ط ـ رصَدا:

رَصَدَهُ رَصْدا ورصَدا: قعد له على الطريق، وتهيّأ لمراقبته، فهو راصد.

والرَّصَد: الحَرَسُ.

وفي الاية رَصَدا: أي راصِدا له.

ي ـ طرائق:

جمع طريقة: الحال والسيرة؛ حسنة كانت أو سيئة.

ك ـ قِدِدا:

القِدَّةُ: الجماعةُ المختلفةُ آراؤها، وجمعها: قِدَدٌ.

وطرائق قِدَدا: أي جماعات اختلفت أهواؤهم ومشاربهم.

ل ـ القاسطون:

قَسَطَ: جار وحاد عن الحق فهو قاسط أي ظالم، والقاسطون من الجِنّ: الظالمون منهم الّذين لم يَسْلِمُوا.

وأَقْسَطَ: عَدَلَ.

م ـ رَشَدا:

أي سددا وبُعدا عن الغي والضلال.

ن ـ السَّفيهُ:

الجاهل في الدين او النَزِق الخفيف عقله.

س ـ شَطَطا:

شَطَّ: بعد وافرط في البعد، وشطّ عليه: جار عليه.

والشَطَط: الافراط في البعد والتجاوز عن الحد.

وقلنا على اللّه شططا: أي قلنا على اللّه جورا وبعدا عن الحقّ بافراط.

ع ـ يعوذون:

يعوذ به: يلتجى‌ء إليه ويتعلّق به.

ف ـ رَهَقا:

رَهِقَ رَهَقا: سَفِهَ وطغى.

ورهِقَهُ المكروه: غَشِيه، ورهقته الذلّة: غشيته الذلّة.

وَزادُوهُمْ رَهَقا: زادوهم طغيانا وسفها وذلّة.

ص ـ دَابَّةُ الاَرْضِ:

دبّ دبّا ودبيبا: مشى مشيا رويدا خفيفا.

والدّابَّةُ: اسم لكل حيوان ذكرا كان أو انثى عاقلا أو غير عاقل، وغُلّب على غير العاقل.

والمراد من دابة الارض هنا: الارضة التي تأكل الخشب.

ق ـ مِنْسَأَتَهُ:

نَسَأَ الدّابة: زجرها وحثّها على السير.

والعصا التي يُنْسَأُ بها الدابّة: المنسأة.

ر ـ الغَيْب:

الغَيْب: ما لا يدرك بالحواس، وما ستر عن الحواس.

ومثال مالا يدرك بالحواس وجود الاله الخالق والربِّ المربيِّ الذي يتعلّمه الانسان بعقله، وإعماله التدبّر في الاسباب والمسبّبات.

وكذلك بعض صفات اللّه وعوالم ما بعد الموت اللاتي يتعلّمها الانسان بإخبار الانبياء عنها.

ومثال المستور عن حواس الناس: الحوادث الكائنة في المستقبل أو الواقعة فعلا في مكان بعيد عن الانسان والّتي تصل إلى الانسان بإخبار الانبياء عن كليهما، أو بإخبار الناس عمّا وقع في مكان بعيد

عن الانسان.

ش ـ رُجُوما:

مفرده الرَّجم، والرُّجم: وهو ما يُرجم به.

ت ـ زُخْرُف:

زَخْرَفَ القول: زيَّنة بالكذب.

ث ـ يوحي:

الايحاء بمعنى: الوسوسة.

خ ـ غُرُورا:

غَرَّهُ غُرُورا: خدعه وأطمعه بالباطل.

ذ ـ يَقْتَرِفُ وَمقْتَرِفُون:

يقترف الحسنة أو السيئة: يعملها فهو مقترف.

ض ـ مُبذّرين:

بذَّرَ المالَ تَبْذيرا: ضيَّعه تضييعا، وفرّقه إسرافا ووضعه في ما لا ينبغي أن يضعه فيه، فهو مبذّر، وهم مبذّرون.

ظ ـ خُطُوات الشيطان:

خطا إلى الشي‌ء: مشى إليه.

والخُطْوَة: مسافة ما بين القدمين.

ولا تتّبعوا خطوات الشيطان: أي لا تقتفوا آثاره وتعملوا بوساوسه.

غ ـ الفَحْشَاء:

الفَحْشَاء: ما عظم قبحه من الافعال والاقوال، ويستعمل في المصطلح الاسلامي أحيانا في الذنوب القبيحة.

آ ـ المَيْسِر:

القِمار، وكان قمار العرب في الجاهلية بالازلام والقداح.

والازلام: جمع زَلَم: قطع من الخشب مثل السهام كانوا يكتبون على أحدها أمرني ربّي، وعلى الثاني نهاني ربّي، وكان الثالث غفلا لا كتابة عليه، فإذا خرج ما عليه الامر فعلوا، وما عليه النهي، امتنعوا، والغفل أجالوا الازلام مرّة أخرى.

وكانت الازلام لقريش في الجاهلية تضعها في الكعبة يقوم بها سدنة البيت.

والقِداح: جمع قدح: قطعة من الخشب طول المتر أو دونه، تعرض قليلا وتسوّى لا أو نعم أو يغفل ويقرع بها.

با ـ سَوْءاتُهما: عوراتهما.

جا ـ القَبيل: الصنف المماثل، والجيل، والجماعة، والاتباع.

حا ـ فَسَقَ:

أ ـ في اللغة:

فسقت الرطبة من قِشْرها: إذا خرجت، وفسق فلان ماله إذا أنفقه وأهلكه.

ب ـ في المصطلح الاسلامي:

الفِسْقُ: الافحاش في الخروج عن طاعة اللّه وحدود شرعه.

والفحْشُ: ما عظم قبحه من الاعمال والاقوال، والفسق يعم الكفر والنفاق والضلال، كما قال سبحانه:

أ ـ (وَما يَكفُرْ بِها إِلاّ الفاسقُون). (البقرة / 99).

ب ـ (إنَّ المنافقينَ هُم الفاسِقُون). (التوبة / 67).

ج ـ (فَمنهُم مَهتدٍ وَكثيرٌ مِنهُم فَاسقُون). (الحديد / 26).

ويقابل الايمان كما قال تعالى:

(مِنهُم المُؤمِنون وَأَكثَرُهُم الفاسقُون). (آل عمران / 110).

الجنّ في التفسير بالمأثور:

روى السيوطي في تفسير سورة الجنّ وقال:

(لم تحرس الجنّ في الفترة بين عيسى ومحمّد، فلما بعث اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه وسلّم حرست السماء الدنيا ورميت الجن بالشهب، فاجتمعت إلى إبليس فقال: لقد حدث في الارض حدث فتعرَّفوا فأخبرونا ما هذا الحدث؟

فبعث هؤلاء النفر إلى تهامة وإلى جانب اليمن وهم أشراف الجن وسادتهم، فوجدوا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يصلي صلاة الغداة بنخلة فسمعوه يتلو القرآن، فلما حضروه قالوا أنصتوا، فلّما قضى (يعني بذلك أنّه فرغ من صلاة الصبح) وَلَّوا إلى قومهم منذرين مؤمنين لم يشعر بهم حتى نزل (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنّهُ استَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ)، يقال: سبعة من أهل نصيبين) (9) .

***

كان ذلكم بعض ما جاء من امر الجن والشياطين وابليس في القرآن الكريم، وجاء في الروايات ما يأتي:

أ ـ عن الامام الباقر (ع)، أنّه قال في سليمان (ع):

إنّ سليمان بن داود، قال ذات يوم لاصحابه: إنّ اللّه تبارك وتعالى قد وهب لي ملكا لاينبغي لاحد من بعدي، سخّر لي الريح، والانس، والجن، والطير، والوحوش، وعلّمني منطق الطير، وآتاني من كلّ شي‌ء، ومع جميع ما أُوتيت من الملك ما تمّ لي سرور يوم إلى الليل، وقد أحببت أن أدخل قصري في غد، وأصعد أعلاه، وأنظر إلى ممالكي، فلا تأذنوا لاحد عليّ لئلاّ يرد عليّ ما ينغص عليّ يومي، قالوا: نعم.

فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد إلى أعلى موضع من قصره، ووقف متكئا على عصاه ينظر إلى ممالكه مسرورا بما أوتي، فرحا بما أعطي، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه واللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره.

فلمّا بصر به سليمان (ع) قال له: من أدخلك إلى هذا القصر وقد أردت أن أخلو فيه اليوم؟ فبإذن من دخلت؟ فقال الشاب: أدخلني هذا القصر ربّه وبإذنه دخلت، فقال: ربّه أحقّ به مني، فمن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قال (ع): وفيما جئت؟ قال: جئت لاقبض روحك، قال: إمض لما أمرت به، فهذا يوم سروري أبى اللّه عزّ وجلّ أن يكون لي سرور دون لقائه، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه.

فبقي سليمان متكئا على عصاه وهو ميت ما شاء اللّه والناس ينظرون إليه وهم يقدّرون أنّه حي، فافتتنوا به واختلفوا، فمنهم من قال: إنّ سليمان قد بقي متّكئا على عصاه هذه الايام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب؟ أنّه لربّنا الذي يجب علينا أن نعبده، وقال قوم: إنّ سليمان ساحر، وإنّه يرينا أنّه واقف متكئ على عصاه يسحر أعيننا وليس كذلك، فقال المؤمنون: أنّ سليمان هو عبد اللّه ونبيّه يدبّر اللّه أمره بما يشاء.

فلمّا اختلفوا بعث اللّه عزّ وجلّ الارضة فدبّت في عصاه، فلمّا أكلت جوفها انكسرت العصا وخرّ سليمان من قصره على وجهه، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ:

(فَلمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أن لَو كانوا يَعلمونَ الغَيبَ مالَبِثوا في العَذابِ المَهين) (10) (سبأ 14).

ب ـ عن الامام الصادق (ع):

عندما سئل: لاي علّة خلق اللّه عزّ وجلّ آدم عليه السلام من غير آب ولا أم؟ وخلق عيسى (ع) من غير أب؟ وخلق سائر الناس من الاباء والامهات؟

قال: «لِيَعلمَ النّاسُ تَمامَ قُدرتَه وَكَمالها، وَيَعلموا أنّه قادرٌ على أن يَخلقَ خَلقا مِن أنثى مِن غَيرِ ذكَر، كَما هُو قادرٌ على أن يَخلقهُ مِن غَيرِ ذَكَرٍ وَلا أنثى، وَأنّهُ عزَّ وجلَّ فعلَ ذلكَ لِيُعْلَمَ أنّه على كُلِّ شي‌ء

قَدير»(11) .

وفي قصص الانبياء قال:

أُمر إبليس بالسجود لادم، فقال: يارب وعزّتك إن أعفيتني من السجود لادم لاعبدنك عبادة ما عبدك أحد قط مثلها، قال اللّه جلّ جلاله، إنّي أحب أن أطاع من حيث أريد... الحديث (12) .

وسئل عن إبليس:

أكان إبليس من الملائكة أم من الجنّ؟

فقال: كانت الملائكة ترى أنّه منها، وكان اللّه يعلم أنّه ليس منها، فلمّا أمر بالسجود، كان الذي كان(13)

وسُئِلَ عن جنّة آدم فقال:

جنّة من جنان الدنيا يطلع عليها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الخلد ما خرج منها أبدا (14) .

وقال في قوله تعالى: (فَبَدَتْ لَهما سوءاتُهمُا) (طه 121). كانت سَوآتُهُما لا تُرى فَصارَت تُرى بارِزَة(15) .

سأل الزنديق أبا عبد اللّه (ع)، قال:

فمن أين يصل الكهانة؟ ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟

قال (ع): إنّ الكهانة كانت في الجاهلية في كلّ فترة من الرسل، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم، فيخبرهم بأشياء تحدث، وذلك في وجوه شتى، من فراسة العين، وذكاء القلب، ووسوسة النفس وفطنة الروح، مع قذف في قلبه، لانّ ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة، فذلك يعلمه الشيطان ويؤدّيه إلى الكاهن ويخبره بما يحدث في المنازل والاطراف.

وأمّا أخبار السماء؛ فأنّ الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك وهي لا تحجب ولا ترجم بالنجوم، وإنّما منعت من استراق السمع لئلاّ يقع في الارض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء، ويلبّس على أهل الارض ما جاءهم عن اللّه لاثبات الحجّة ونفي الشبهة.

وكان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من اللّه في خلقه فيختطفها ثمّ يهبط بها إلى الارض فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده فيختلط الحقّ بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر ممّا كان يخبر به فهو ما أدّاه إليه شيطانه ممّا سمعه، وما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة.

واليوم: إنّما تؤدّي الشياطين إلى كهّانها أخبارا للناس ممّا يتحدّثون به وما يحدثونه، والشياطين تؤدّي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث؛ من سارق سرق، ومن قاتل قتل، ومن غائب غاب، وهم بمنزلة الناس أيضا صدوق وكذوب.

فقال: كيف صعدت الشياطين إلى السماء وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (ع) من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟

قال (ع): غلظوا لسليمان كما سخروا، وهم خلق رقيق غذاؤهم التنسّم، والدليل على ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلاّ بسلّم أو سبب (16) .

وقال الامام الصادق في الاباء:

الاباء ثلاثة: آدم؛ ولد مؤمنا، والجانّ ولد كافرا، وإبليس ولد كافرا، وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ وولده ذكور ليس فيهم إناث (17) .

وسُئِلَ (ع) عن إبليس:

أكان من الملائكة؟ وهل كان يلي من أمر السماء شيئا؟

قال (ع): لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي من السماء شيئا. كان من الجنّ وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة تراه أنّه منها، وكان اللّه يعلم أنّه ليس منها، فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان (18) .

خلاصة البحث

الجنّ والشيطان وابليس:

أ ـ الجنُّ:

جنّ الشي‌ء وجنّ عليه: ستره، والجنُّ والجانُّ: خلق مستور لا يُرى. وأخبر اللّه في كتابه الكريم أنّه تعالى خلقم من لهيب النار المختلط بالسواد.

ب ـ الشَّيْطان:

الشيطان اسم لكلّ عاتٍ متمرّد من الانس والجنّ والحيوان. والمقصود من الشيطان في هذا البحث شياطين الجنّ.

ج ـ إبْليس:

أَبْلَسَ: حزن، تحيّر، يئس، سكت غمّا، انقطع في حجته. وابليس في هذا البحث هو المخلوق الجنّي الذي أبى أن يسجد لادم.

وأخبر اللّه عن الجنّ انّه سخّرهم لسليمان فعملوا له تماثيل ومحاريب وقدورا كبيرة، وكان فيهم من يستطيع أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى الشام قبل أن يقوم سليمان من مقامه، وأشرف عليهم متّكئا على عصاه، فتوفّاه اللّه وبقي كذلك بعد الموت والجانّ دائبون في عملهم لم يعلموا بذلك، حتى أكلت الارضة جوف عصاه فسقط، وبذلك عُلِمَ أنّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا معذّبين في عملهم كلّ تلك المّدة.

وأخبر تعالى عن الشياطين أنّهم من الجنّ وانّهم كانوا يقعدون مقاعد لاستماع حوار الملائكة، ثمّ منعهم اللّه من ذلك برمي الملائكة ايّاهم بشهب تحرقهم. وكان ذلك بعد بعثة خاتم الانبياء.

وأخبر عن إبليس أنّه وسوس لادم وحواء حتّى أخرجهما من الجنّة. كما يأتي تفصيله في البحث الاتي بحوله تعالى

____________

(1) سندرس هداية الانواع الاربعة في البحث الاتي

(2) شرح نهج البلاغة الخطبة 209 وسيأتي مزيد بيان له من الروايات. والدر المنثور للسيوطي 1 / 444 والبحار 104 / 58.

(3) شرح نهج البلاغة الخطبة 209 وسيأتي مزيد بيان له من الروايات. والدر المنثور للسيوطي 1 / 444 والبحار 104 / 58.

(4) ان المشهور عبارة عن زمان حركات بعض الكواكب في مسارات خاصة.

(5) نهج البلاغة / الخطبة: 18.

(6) البحار، 58 / 75.

(7) البحار، 58 / 74.

(8) البحار، 58 / 5 ـ 6.

(9) تفسير الدر المنثور 6 / 270.

(10) البحار للمجلسي، ط. طهران، 14 / 136 ـ 137 عن علل الشرائع، ص: 36، وعيون أخبار الرضا، ص: 146.

(11) البحار للمجلسي، 11 / 108.

(12) البحار للمجلسي، 11 / 145.

(13) البحار للمجلسي، 11 / 144.

(14) البحار للمجلسي، 11 / 143.

(15) البحار للمجلسي، 11 / 145.

(16) البحار للمجلسي، 63 / 76 ـ 77، عن الاحتجاج، ص: 185.

(17) الخصال للشيخ الصدوق، 1 / 152.

(18) البحار للمجلسي، 11 / 119.