5 ـ الانسان
أخبر اللّه تعالى عن بدء خلق الانسان وقال سبحانه في:
أ ـ سورة الصافات:
(إنَّا خَلَقناهُم مِن طينٍ لازِب) (الاية 11).
ب ـ سورة الحجر:
(وَلَقد خَلَقنا الانسانَ مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسنون) (الاية 26).
ج ـ سورة الرحّمن:
(خَلقَ الانسان مِن صَلصالٍ كَالفَخَّار) (الاية 14).
ج ـ سورة السجدة:
(الَّذي أَحسنَ كُلَّ شَيء خَلَقَهُ وَبدأَ خَلقَ الانسانِ مِن طِين* ثُمَّ جعلَ نَسلهُ مِن سُلالةٍ مِن ماء مَهين* ثُمَّ سَوّاهُ وَنفخَ فيهِ مِن رُوحهِ وَجعلَ لَكُم السَّمعَ وَالابصارَ وَالافئدةَ قَليلا ما تَشكرُون) (الايات 7 ـ 9).
هـ ـ سورة الحج:
(يا أَيُّها النّاسُ إن كُنتمُ في رَيبٍ مِنَ البَعثِ فَإنّا خَلَقناكُم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطفةٍ ثُمَّ مِن عَلَقةٍ ثُمَّ مِن مُضغةٍ مُخَلَّقةٍ وغَير مُخلَّقةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُم وَنُقِرُّ في الارحامِ مَا نَشاء إلى أجلٍ مُسمى ثُمَّ نُخرِجُكم طِفلا ثُمَّ لِتَبلغوا أَشدَّكُم وَمِنكُم مَن يُتَوفَّى وَمِنكُم مَن يُرَدُّ إلى أرذلِ العُمُرِ لِكي لايَعلمَ مِن بَعدِ عِلمٍ شَيئا) (الاية 5).
و ـ سورة المؤمنون:
(وَلَقَد خَلَقنا الانسانَ مِن سُلالةٍ مِن طِين* ثُمَّ جَعلناهُ نُطفةً في قَرارٍ مَكِين* ثُمَّ خَلَقنا النُّطْفَةَ عَلَقةً فَخَلقنا العَلقةَ مُضغةً فَخَلقنا المُضغةَ عِظاما فَكَسونا العِظامَ لَحما ثُمَّ أَنشَأناهُ خلقا آخَرَ فَتباركَ اللّهُ أَحسنُ الخالقين* ثُمَّ إنَّكم بَعدَ ذلكَ لَميِّتون* ثُمَّ إنَّكم يَومَ القيامةِ تُبعثُون) (الايات 12 ـ 16).
ز ـ سورة غافر:
(هُوَ الّذِي خَلقكُم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطفةٍ ثُمَّ مِن عَلَقةٍ ثُمَّ يُخرِجكُم طِفلا ثُمَّ لِتَبْلُغوا أشُدَّكُم ثُمَّ لِتَكونوا شُيوخا وَمِنكُم مَن يُتوفّى مِن قَبلُ وَلِتَبلغوا أجلا مُسمَّىً وَلَعلَّكم تَعقِلون) (الاية 67).
ح ـ سورة الطارق:
(فَليَنظُر الانسانُ مِمَّ خُلِق* خُلِقَ مِن ماء دافق* يَخرجُ مِن بَينِ الصُّلبِ وِالتَّرائب) (الايات 5 ـ 7).
ط ـ سورة الزمر:
(خَلقكُم مِن نَفسٍ وَاحدةٍ ثُمَّ جَعلَ مِنها زَوجهَا) (الاية 6).
ى ـ سورة الانعام:
(وَهُوَ الّذي أَنشأَكُم مِن نَفسٍ واحدةٍ فَمُستقَرُّ وَمُستَودَع) (الاية 98).
وشأن انتقال آدم وحواء وابليس من حال إلى حال قال اللّه سبحانه في:
أ ـ سورة طه:
(وَلقد عَهِدنا إلى آدمَ مِن قَبلُ فَنَسِيَ وَلَم نَجِد له عَزما* وَإذا قُلنا لِلملائكةِ اسجُدوا لاَِّدمَ فَسجدوا إلاّإبليسَ أَبى* فَقُلنا يَا آدمُ إنَّ هذا عَدوٌ لَكَ وَلِزوجِكَ فَلا يُخرِجَنَّكُما مِنَ الْجنَّةِ فَتَشقى* إنَّ لَكَ أَلاّ تَجوعَ فيها وَلا تَعرى* وَأَنّكَ لا تَظْمَأُ فيها وَلا تَضحى* فُوسوسَ إليه الشّيطانَ قالَ يا آدمُ هَل أَدلُّكَ على شَجرةِ الخُلدِ وَمُلكٍ لاَ يَبلى* فَأكَلا مِنها فَبدَت لَهما سَوْءاتهما وَطَفِقا يَخصِفانِ عَلَيهِما مِن وَرَقِ الجنَّةِ وعَصى آدمُ رَبَّه فَغوى* ثُمَّ اجتَباهُ رَبُّهُ فَتاب عَليهِ وَهَدى* قالَ اهبِطا مِنها جَميعا بَعضُكم لِبعضٍ عَدُوُّ فَإمّا يَأْتِينَّكم مِنَّي هدىً فَمَنِ اتَّبعَ هُدايَ فَلاَ يَضلُّ وَلا يَشقى* وَمَن أَعرضَ عَن ذِكري فَإنَّ له مَعيشةً ضَنكا وَنَحشُرهُ يَومَ القيامةِ أَعمى) (الايات 115 ـ 124).
ب ـ سورة الاعراف:
(وَلَقد خَلَقنَاكم ثُمَّ صَوَّرناكُم ثُمَّ قُلنا لِلملائكةِ اسْجدوا لاَِّدمَ فَسَجدوا إلاّ إبليسَ لَم يَكُن مِنَ السّاجدِين* قالَ مَا مَنعكَ أَلا تَسّجدَ إذ أَمَرتكَ
قالَ أنا خَيرٌ مِنهُ خَلقتَني مِن نَارٍ وَخَلقتهُ مِن طين* قالَ فَاهبط مِنها فَما يَكونُ لَكَ أَن تَتَكبَّرَ فِيها فَاخرُج إنَّكَ مِنَ الصّاغِرين* قالَ أَنظِرني إلى يَومِ يُبعَثون* قالَ إنَّكَ مِنَ المُنظَرين* قالَ فَبِما أَغوَيتني لاَقعُدَنَّ لهم صِراطكَ المُستقيم* ثُمَّ لاتينَّهم مِن بَينِ أَيديهِم وَمِن خَلفِهم وَعَن أيمَانِهم وَعَن شَمَائِلهم وَلاَتجدُ أكثَرهُم شَاكِرين* قالَ اخرُج مِنها مَذْءوما مَدحُورا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنهُم لاَملانّ جهنَّمَ مِنكُم أَجمعِين* وَيا آدمُ اسكُن أنتَ وَزَوجُكَ الجنَّة فَكُلا مِن حَيثُ شِئتُما وَلا تَقرَبا هذهِ الشَّجَرةَ فَتَكونا مِنَ الظّالمين* فَوَسوسَ لَهُما الشَّيطانُ لِيُبديَ لَهُما مَا وُريَ عَنهُما مِن سَوءاتِهما وَقالَ مَا نهاكُما رَبُّكما عَن هذهِ الشَّجَرةِ إلاّ أن تَكُونا مَلَكَينِ أَو تَكونا مِنَ الخالدين* وَقاسَمَهما إِنَّي لَكما لَمِنَ النّاصحِين* فَدلاّهما بِغُرورٍ فَلمّا ذاقا الشَّجَرةَ بَدَت لَهما سَوءاتهما وَطفِقا يَخصفانِ عَلَيهما مِن وَرَقِ الجنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلم أنهَكُما عَن تِلكُما الشَّجَرةِ وَأَقُل لَكما إنَّ الشَّيْطانَ لَكما عَدوُّ مُبين* قالا رَبَّنا ظَلَمنا أَنفُسنا وَإن لَم تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنكُوننَّ مِنَ الخَاسرين* قالَ اهبِطوا بَعضُكُم لِبعضٍ عَدوُّ وَلكُم في الارضِ مُستَقرُّ وَمتاعٌ إلى حِين* قالَ فيها تَحيَونَ وَفِيها تَمُوتونَ وَمِنها تُخرَجون) (الايات 11 ـ 25).
ج ـ سورة الاسراء:
(قالَ ءأَسجدُ لَمِن خَلَقتَ طِينا* قالَ أَرأيتَكَ هذا الّذي كَرَّمتَ عَليَّ لَئِن أَخَّرتَنِ إلى يَومِ القِيامةِ لاَحتَنِكنَّ ذُرِّيَّتهُ إلاّ قَليلا* قالَ اذهَب فَمَن تَبِعَكَ مِنهُم فَإنَّ جهنَّمَ جَزاؤُكُم جَزاء مَوفُورا* وَاستَفزِز مَنِ استطَعتَ مِنهُم بِصَوتكَ وَأَجِلب عَلَيهم بِخيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكهُم في الاموالِ وَالاولادِ وَعِدْهُم وَما يَعِدُهم الشّيطانُ إلاّ غُرورا* إنَّ عِبادي لَيسَ لَك عَلَيهِم سُلطانٌ وَكَفى بِربكَ وَكيلا) (الايات 61 ـ 65).
د ـ سورة الحجر:
(قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيتَني لاُزَيِّنَنَّ لَهم في الارضِ وَلاُغْويَنَّهم أَجمَعين* إلاّ عبادَكَ مِنهُمُ المُخلَصِين* قالَ هذا صِراطٌ عَليَّ مُستقيم* إِنَّ عِبادي لَيسَ لك عَلَيهِم سُلطانٌ إلا مَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الغاوين* وَإنَّ جهنَّمَ لَموعِدُهم أَجمَعين) (الايات 39 ـ 43).
شرح الكلمات
أ ـ لازِب:
لَزَبَ الطِّينُ: اشتدّ وتماسكت أجزاؤه فهو لازب.
ب ـ صَلْصال:
صَلْصَل الشيء: صوَّت صوتا فيه ترجيع. يقال: صلصل الجرس، وصلصل الرعد. والصلصال كل ما جفّ من طين قبل أن تصيبه النار ويصير فخارا وخزفا.
ج ـ حَمَأ:
الحَمَأ: الطين الاسود المنتن.
د ـ مَسْنُون:
سنَّ الشيء: تغيّرت رائحته، صب في قالب فهو مسنون.
هـ ـ مُخَلَّقَة:
خَلَّقَ العود: سوّاه فالعود مخلّق، والخشبة مخلّقة، ومخلقة وغير مخلقة: أي تامّة الخلق وغير تامّة.
و ـ الصلبُ والترائب:
صُلْبُ الرَّجُلِ: عظام ظهره الفقارية، وترائب المرأة عظام صدرها العلوية.
واكتشف ذلك العلم في عصرنا، وأشار إليه المجلسي؛ في البحار(1) .
ز ـ وسوس ووسوسة:
الوَسْوَسَةُ: الخطوة الرديئة، الدعوة للقيام بأمر بصوت خفي، حديث النفس وهو ما يخطر بالبال ويهجس بالضمير، وإغراء الشيطان الانسان بالشرّ. تفسيره في قوله تعالى:
أ ـ (وَزيَّنَ لَهمُ الشَّيطانُ مَا كانوا يَعمَلون). (الانعام 43).
ب ـ (زيَّنَ لَهمُ الْشَّيطَانُ أَعمالَهُم) (الانفال 48 والنحل 63 والنمل 24 والعنكبوت 38).
ح ـ السوءة:
ما يقبح إظهاره وينبغي ستره، والسوءات؛ هنا كناية عن عورة الانسان.
ط ـ عَزْما:
العَزْمُ: الصبر، يقال: مالي عنك عزم: أي صبر، ومنه الجد، والعزم ـ أيضا ـ: عقد القلب على إمضاء الامر.
ي ـ الجَنَّةُ:
الجَنَّةُ: كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الارض. وقد جاء بهذا المعنى في قوله تعالى في:
أ ـ سورة الاسراء:
(وَقالوا لَن نُؤمِنَ لك حتّى تَفْجُرَ لنا مِنَ الارضِ يَنبوعا* أَو تَكونَ لك جنَّةٌ مِن نَخيل وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الانهارَ خِلالها تَفجيرا* أَو تُسقِطَ السَّماء كَما زعَمتَ عَلَينا كِسَفا...) (الايات 90 ـ 92).
ب ـ سورة سبأ:
(لَقَد كانَ لِسَبَأٍ في مَسكَنهِم آيةٌ جَنَّتانِ عَن يَمينٍ وَشمالٍ كُلوا مِن رِزقِ رَبِّكم وَاشكُروا لَه...* فَأَعرَضوا فَأَرسَلنا عَلَيهِم سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلناهُم بِجَّنَتيهم جَنَّتَينِ ذَواتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيء مِن سِدْرٍ قَليل* ذلكَ جَزَيناهُم بِما كَفَروا وَهَل نُجازي إلاّ الكَفُور) (الايات 15 ـ 17).
ك ـ الخَمْطُ:
الخَمْطُ: هو كلّ نبت له طعم مرّ أو حموضة تعافه النفس.
ل ـ أَثلٍ:
الاثَل: شجر طويل مستقيم جيد الخشب، كثير الاغصان، متعدد العقد، دقيق الورق طويله، وثمره حب أحمر لا يؤكل.
وَسُمِّيتِ الجنَّة في الاخرة جَنَّة: لشبهها بالجنة في الارض وإن كان بينهما بون شاسع، وتوصف جَنَّة الاخرة بجَنَّة الخلد لانّ الداخل فيها مخلّد، ولذلك يصف اللّه أهل الجنّة بالخالدين. كما جاء في قوله تعالى في:
أ ـ سورة الفرقان:
(قُل أَذلكَ خَيرٌ أَم جنَّةُ الخُلدِ الّتي وُعِدَ المُتَّقون...* لَهُم فيها ما يَشاءون خالدِين) (الايتان 15 و16).
ب ـ سورة البقرة:
(وَالّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الْصّالحاتِ أولئكَ أَصحابُ الجَنَّةِ هُم فيها خالِدُون) (الاية 82).
وكذلك وجدنا الجَنَّة استعملت في القرآن الكريم بكلا المعنيين.
أما الجَنَّة التي أسكن اللّه آدم (ع) فيها ثمّ أهبطه منها بعد أكله من الشجرة التي نهاه عنها فقد كانت من جنان الدنيا، كما سنذكر ذلك بُعَيْدَ هذا في بحث (أين كانت جَنَّة آدم «ع» ؟) إن شاء اللّه تعالى:
م ـ تَضْحى:
ضَحى الرَّجُلُ: أصابه حر الشمس.
ن ـ غَوى:
من معانيه: فسد عيشه، وهو المقصود في الاية.
س ـ طَفِقا:
طفق يفعل كذا: أخذ يفعله.
ع ـ يَخْصِفانِ:
خَصَفَ الشَّيء على الشَّيء: ألصقه به.
ف ـ ضَنْكا:
ضَنَكَ عَيشُهُ: ضاق.
ص ـ وُرِيَ:
واراه مواراةً: ستره وأخفاه.
ق ـ دَلاّهُما:
دلَّى الشيء في المهواة: أرسله فيها، ودلاّه بغرور: أوقعه فيما أراد من تغريره.
ر ـ لاَحتنك الفرس: جعل في حنكه ـ فمه ـ اللّجام.
ش ـ اهْبِطُوا:
الهبوط في الانسان: يكون على سبيل الاستخفاف، بخلاف الانزال، فقد ذكره اللّه فيما نبّه على شرفه كإنزال الملائكة والقرآن الكريم والمطر.
يقال: هبط في الشر: وقع فيه، وهبط فلان: ذلَّ واتَّضع، وهبط من حال الغنى إلى حال الفقر، وهبط من منزلته: سقط.
ت ـ استفزز:
الاستِفْزازُ: الازعاج والاستنهاض بخفة وإسراع.
ث ـ بِصَوتِكَ:
صوّت فلان بفلان: إذا دعاه إلى الشر.
والمعنى: اسْتَنْهِضْ منهم للمعصية من استطعت أن تستنهضه من ذريّة آدم بوسوستك.
خ ـ وأجلب عليهم:
الاجلابُ: السوق من السائق.
والجَلَبَةُ: شدّة الصوت.
ذ ـ بخيلك وَرَجِلِكَ:
بفرسانك. ورجِل اسم جمع للراجل، اي: اجمع عليهم ما قدرت عليهم من مكائدك وأعوانك.
ض ـ وشاركهم في الاموال والاولاد:
وشاركهم في الاموال المكتسبة من الحرام والاولاد من الزنا.
ظ ـ وَعِدْهُم:
وعدهم الباطل كنفي البعث.
غ ـ سلط:
سلط: السّلاطة: التمكّن من القهرة والغلبة والقدرة. ويُقال لذي السّلاطة السلطان.
ويأتي بمعنى: الحجّة والبرهان كما في قوله تعالى: (أتُجادِلونني في أسماء سَمَّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطان) (الاعراف 71).
والمعنى في (إنّ عِباديَ لَيسَ لكَ عليهم سلطان) أي ليسَ لك القدرة والقهر والغلبة عليهم.
تفسير الايات
أخبر اللّه سبحانه في الايات الماضية أنّه تعالى بدأ خلق الانسان ـ الانسان الاوّل ـ من طين أسود نتن الرائحة صلب متماسك الاجزاء
كالفخار له صليل من صلابته، ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة، ثمّ خلقه علقة وخَلَقَ من العلقة مضغة وخلق من المضغة عظاما وكسا العظام لحما، ثمّ أنشأه خلقا آخر ونفخ فيه من روحه، وجعل له السمع والبصر والفؤاد، فتبارك اللّه أحسن الخالقين، ثمّ أخرجه طفلا ليبلغ أشدّه، وعندئذ جعل منه الزوجين الذكر والانثى وجعلهما من نفس إنسانية واحدة وإن تفاوتت وظائفهما في الحياة الدنيا، ثمّ ليبلغا الشيخوخة وأرذل العمر، ثمّ يميتهما ويُدخَلان الارض، ثمّ يُخْرَجان من الارض يوم القيامة إلى المحشر لِيُجْزَيا بعملهما وفق حكمة الربّ العزيز العليم.
أوّلا ـ امتحن اللّه الملائكة ومعهم إبليس بالسجود لادم (ع) خليفته في الارض، ويشعر كلام الملائكة أنّهم فهموا أن المخلوق الارضي
يسفك الدماء لما سبق ذلك من مخلوق كان على الارض وأمرهم اللّه بإهلاكه، كما ورد ذلك في الروايات (2) .
ولمّا أعلمهم اللّه بما منح هذا المخلوق من العلم وأمرهم بالسجود له سجدت الملائكة لادم (ع) وأبى إبليس واستكبر عن السجود واحتجّ بأن اللّه خلقه من نار وخلق آدم من طين. فأخفق في الامتحان.
خلق اللّه لادم (ع) زوجه حواء، وأسكنهما جنة لم تكن بجنة الخلد وقال لهما: كُلا من هذه الجنّة حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، وأخبر آدم أنّه لا يجوع في تلك الجنّة ولا يعرى، وحذّره من إبليس وقال له: إنّ هذا عدوّ لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنّة فتشقى، فزيّن لهما الشيطان أكل الشجرة المنهي عنها ليبدي ما أخفي من سوءاتهما ـ عورتيهما ـ، وأوهمهما أنّهما إن ذاقا الشجرة تغيّرت حالهما إلى حال الملائكة وأصبحا من الخالدين، وحلف لهما باللّه على ذلك، وظنّ آدم وحواء أنّ أحدا لا يقدر على الحلف باللّه كاذبا، فأوقعهما في الباطل وذاقا الشجرة فبدت سوءاتهما، وأخذا يستران عورتيهما بورق أشجار الجنّة، فناداهما ربّهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنّ الشيطان لكما عدو مبين؟ قالا: ربّنا ظلمنا أنفسنا وإنْ لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
أخبر اللّه سبحانه أنّه جاعل خليفة في هذه الارض، ومن أديم هذه الارض أخذ التراب الذي خلق منه آدم، وكذلك على هذه الارض أمر الملائكة بالسجود لادم، وأبى إبليس السجود لادم وكذلك أدخل آدم جنة في هذه الارض ولم ينقل آدم من هذه الارض إلى مكان آخر بعد خلقه منها، وأمر الملائكة بالسجود له في ذلك المكان، ولم ينقله من هذه الارض إلى جنّة الخلد ليكون إخراجه من جنّة الخلد إلى هذه الارض.
ودليلنا على ذلك بالاضافة إلى ما يدلّ عليه ظاهر الايات أن الذي يدخل جنّة الخلد يخلد فيها ولن يخرج منها كما تصرّح بذلك الروايات (3) .
ونرى أنّ تلك الجنّة كانت في العراق من الجزيرة العربية وأنّه صحّ ما نقله صاحب كتاب قاموس الكتاب المقدس عن كثرة من العلماء أنّ الجنّة كانت في أرض الفرات (4) .
ويؤيّد ذلك أنّ التوراة نصّت على تفرّع نهر جنّة آدم إلى أربعة فروع، هي: نهر الفرات ودجلة وجيحون وفـيشـون (5) .
وجاء في كتاب قاموس الكتاب المقدّس إنّ بعض الباحثين يحتمل أنّ جيحون وفيشون في بابل (6) .
إذن ليس المقصود من جيحون نهر جيحون الّذي يصبّ في بحيرة بالقرب من بلدة خوارزم والذي ذكره ياقوت الحَمَوي في معجم البُلدان.
ولمّا هبط آدم (ع) من الجنّة سكن بابل الفرات، ولما توفّي دفنه شيث في مغارة في جبل أبي قبيس في مكة، ثمّ حمل نوحٌ عظامه في سفينته (7) ودفنه بعد نزوله من السفينة في النجف (8) .
وبناء على ذلك نرى أنّ خروج آدم (ع) كان من جنّة كانت بالعراق، ولما هبط منها، تحوّل إلى أرض قريبة منها في العراق، وأنّه أخذ معه من أشجار تلك الجنة أغراسا ومن حبوبها بذورا غرس بها الاشجار وزرع بها الحبوب، بتعليم اللّه أيّاه كما صرّحت الروايات بذلك (9) .
أمّا سكناه في العراق فقد جاء في مادة (بابليون) من معجم البلدان: (فذكر أهل التوراة أنّ مقام آدم (ع) كان ببابل) وبابل أراضٍ كانت بين الفرات ودجلة، وفي مادّة بابل من قاموس الكتاب المقدّس ما موجزه كانت المياه ـ مياه الفرات ودجلة ـ تجري في جميع أراضيها، لذلك كانت أراضيها مشهورة بالخصب وتنتج أنواع الفواكه والحبوب، وكان اسمها القديم شنعار (سفر التكوين: الاصحاح 10 و11) ومادّة شنعار من قاموس الكتاب المقدّس.
وفي مادة بابل من معجم البلدان أنّ بعضهم قال: انّ بابل هي الكوفة وانّ نوحا بعد أن خرج من السفينة سار هو ومن معه في طلب الدفء وسكنوا بابل وكثروا بها من بعد نوح.
وأمّا دفن آدم فقد جاء في روايات مدرسة الخلفاء أنّ نوحا دفنه ببيت المقدس وفي روايات مدرسة أهل البيت أنّه دفنه في النجف في المكان الذي دفن فيه جثمان الامام عليّ بعد ذلك وإن نوحا (ع) ـ أيضا ـ دفن هناك، ويؤيّد كون سكن آدم في العراق ما جاء في الروايات الاتية:
أوّلا ـ إنّ آدم (ع) حجّ إلى مكّة ووقف بالمشاعر، وإنّ توبته قبلت في عرفة، وإنّه التقى بعد ذلك بحواء في مكة وإنّ اللّه أمره ببناء البيت، ويستبعد أن يؤمر بالحج من قارة بعيدة مثل الهند، كما جاء ذلك في بعض الروايات التي لم تثبت لديّ صحتها(10) .
ثانيا ـ جاء في روايات أخرى أنّه دفن في الغريّ من أرض النجف (11) ، وقد ورد في روايات دفن خاتم الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم): أنّ كلّ نبي يدفن في المكان الذي قبض فيه (12) .
من مجموع ما ذكرناه يتأيّد لنا؛ أنّ جنّة آدم (ع) كانت في أراضي الفرات، وأنّه لمّا أُخرج منها هبط قريبا منها، وعندئذ أيبس اللّه تلك الجنة، وأزالها من الوجود، وأحيا آدم (ع) مكانا آخر بالغرس والزرع، واللّه أعلم.
كانت الملائكة ومعهم إبليس يعبدون اللّه ويطيعونه في ما يأمرهم في السموات والارض ولا يعصوه طرفة عين. حتّى أخبرهم تعالى بأنّه جاعل في الارض خليفة فاستعلموه عن الحكمة في خلقه، فلما أنبأهم بالحكمة في أمره وأمرهم بالسجود له أطاعوه كما كان شأنهم في طاعة سائر أوامره، ماعدا إبليس الذي كان يطيع اللّه في سائر أوامره اللاتي كانت لا تخالف هوى نفسه ولا تصطدم بكبريائه. أمّا في أمر السجود لادم (ع) فقد أطاع هوى نفسه وعصى أمر ربّه وبذلك انتقل بمحض اختياره من درجة: من لا يعصون اللّه ما أمرهم وهم بأمره يعملون، إلى درجة:
من يصغي إلى هوى نفسه ويعصي اللّه، فكان جزاء عمله: أن أهبطه اللّه تعالى من درجة الملائكة، وقال له:
(فَاهْبِط مِنها فَما يَكونُ لَك أن تَتكبَّر فيها) (الاعراف 13).
وفي هذه المنزلة لم يندم على معصيته للربّ ولم يتب إليه ولم يطلب منه المغفرة بل هوى بمحض اختياره إلى أدنى من هذه المنزلة حيث طلب من اللّه وقال:
(أنظِرني إلى يَومِ يُبْعَثونَ* قالَ إنّكَ مِنَ المُنظَرين). (الاعراف 14 ـ 15).
وبعد تحصيله الوعد بِقضاء حاجته حدّد اللّعين منزلته أمام بارئه بمحض اختياره وقال: أرأيت هذا الّذي كرَّمتَ علَيَّ لاجعلَنَّ اللّجامَ في حنك ذريّته ولاتينهم من بين أيدِيهم ومن خلفهم وعن أَيمانهم وعن شمائلهم ولاُزيننَّ لهم أَعمالهم ـ السيئة ـ ولا تجد أكثرهم شاكرين.
قال اللّه سبحانه وتعالى:
(إذهَبْ فَمَن تَبِعكَ مِنهُم فَأنَّ جَهَنّمَ جَزاؤُكم جَزاء مَوفورا) (الاسرأ 63).
هكذا انتقل إبليس بمحض اختياره من درجة الملائكة الذين لا يعصون اللّه ما أمرهم، إلى درجة من يعصون اللّه ما أمرهم.
ولم يذهب في هذه الدرجة مع من يندمون على المعصية ويتوبون إلى ربّهم بل انحدر بمحض اختياره إلى درجة الحضيض درجة من يُضِلُّ الخلق ويُصِرُّ على إضلالهم أبد الدهر.
بعد أن أتمّ اللّه خلق آدم وأسجد له الملائكة وخلق حوّاء ثمّ أسكنهما الجنّة.
ولا بدّ أن تكون تلك الجنّة على هذه الارض لانّ اللّه سبحانه خلق آدم من طين هذه الارض ومؤهّلا للحياة على هذه الارض ولم يرد نصُّ في الكتاب والسنّة انّ اللّه نقل آدم بعد خلقه من هذه الارض إلى جنّة في كوكب آخر، ثمّ أعاده مرّة ثانية إلى هذه الارض، فلا بدّ كما قلنا أن تكون تلك الجنّة على هذه الارض غير انّه يظهر انّ تلك الجنّة كانت فريدة في بابها وخاصّة بتلك المرحلة من مراحل تكوين آدم وحوّاء وانتهى وجودها ـ واللّه أعلم ـ بانتهاء تلك المرحلة، وامتازت تلك الجنّة بما أخبر اللّه عنها وقال لادم:
إنّ لك إلا تجوع في الجنّة ولا تعرى، ولا تظمأ فيها ولا يصيبك حرّ الشمس.
وقال له ولحواء:
كُلا من هذه الجنّة حيث شِئتُما ولا تَقْربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين لنفسيكما.
وعهد إلى آدم أنّ الشيطان عدو له ولزوجه فلا يخرجّنهما من الجنّة.
فنسي آدم عهد اللّه بما كرر له الشيطان اليمين باللّه أنّه ناصح له وأصغى هو وحوّاء بمحض اختيارهما إلى وسوسة الشيطان فانتقلا مختارين من حالة الاعتصام بقول اللّه إلى حالة التأثّر بالوسوسة، وكان جزاء عملهما الهبوط من الجنّة إلى هذا العالم عالم حياة الكدح
والتعب والتكليف والتهيُّؤ للانتقال إلى عالم الخلد، في نعيم الجنّة أو عذاب الجحيم.
وكذلك قبل الانسان حمل الامانة التي أخبر اللّه سبحانه وتعالى عنها وقال في سورة الاحزاب:
(إنّا عَرَضنا الامانَةَ على الْسَّمواتِ وَالارضِ وَالجِبالِ فَأبَينَ أن يَحمِلنَها وَأشفَقنَ مِنها وَحَمَلها الانسانُ إنّهُ كانَ ظَلوما جَهولا* لِيُعَذِّبَ اللّهُ المنافقينَ وَالمُنافقاتِ وَالمُشرِكينَ وَالمُشرِكاتِ وَيَتوبَ اللّهُ على المؤمنينَ وَالمؤمناتِ وَكانَ اللّهُ غَفورا رَحيما) (الايتان 72 ـ 73).
والمراد بالامانة هنا ـ واللّه أعلم ـ التكاليف الالهيّة للانسان والتي يلزمها التحلّي بقوى النفس الانسانية.
والمراد بعرضها على السموات والارض عرضها على غير المكلفين من الخلق، وكان ذلكما العرض والقبول مقدّمة لاتخاذ المخلصين للّه والمصطفين من الناس.
وعلى هذا فإنّ معصية آدم كانت في حمله الامانة التي كان من آثارها التأثّر بوسوسة الشيطان؛ وقد كان كلّ ذلك في مرحلة من مراحل خلق آدم (ع) لا تشبه المرحلة الاخيرة من خلقه في عالمنا الارضي وقبل هبوطه المعنويّ من تلك الجنّة الفريدة والخاصّة بتلك المرحلة إلى خارجها من هذه الارض في سلسلة مراحل التكوين والانشاء. والانبياء معصومون عن إتيان المعصية في هذا العالم وإنّ آدم (ع) هبط إلى هذا العالم الذي خلق له بمحض اختياره، وعليه فإنّ معصية آدم (ع) تجسيد لذلك الامر المعنوي واللّه أعلم.
6 ـ شرح الايات وتفسيرها من الروايات
أوّلا ـ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
روى أحمد وابن سعد وأبو داود والترمذي بسندهم عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال:
إنّ اللّه تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الارض، فجاء بنو آدم على قدر الارض، فجاء منهم: الاحمر والابيض والاسود،
وبين ذلك... الحديث (13) .
روى ابن سعد عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ما موجزه:
لمّا رَكِبَ آدمُ الخَطيئةَ بَدَت عَورتُه فَكانَ لا يَراها قَبلَ ذلك (14) .
عن الصدوق في الخصال بسنده عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّما كانَ لَبْثُ آدمَ وَحَوّاء في الجنَّةِ حَتّى أُخْرِجا مِنها، سَبعَ سَاعاتٍ مِن أَيّامِ الدّنيا، حَتّى أهْبَطهما اللّهُ مِن يَومهما ذلك (15) .
قال الامام عليّ بن أبي طالب (ع) في بدء الخلق ما يأتي:
في البحار قال (ع):
وَملائِكةٌ خَلَقتَهُم وَأَسكَنتَهُم سَماواتِكَ، فَلَيسَ فيهِمْ فَتْرَةٌ، وَلا عِندَهم غفْلَةٌ، وَلاَفِيهم مَعِصيةٌ، هُم أَعلُم خَلقكَ بِكَ، وَأَخوفُ خَلقكَ مِنكَ، وَأَقربُ خَلقكَ إليكِ، وَأعمَلهُم بِطاعتِكَ، وَلاَ يَغشاهُم نَومُ العُيُونِ، وَلاَ سهو العُقولِ، وَلاَ فَتْرَةُ الابدانِ، لَم يَسكُنوا الاصلابَ، وَلم تَضُمَّهم الارحامُ، وَلَم تَخلُقهُم مِن ماء مَهين، أَنشَأتَهُم إنشاء، فَأسكَنْتَهم سَماواتِكَ، وَأكرَمْتَهم بِجِوارِك، وَائتمنْتَهُم على وَحيكَ، وَجَنَّبَتُهم الافاتِ، وَوَقَيتهُم البَليّات، وَطَهَّرتَهُم مِنَ الذّنوبِ، وَلَولا تَقويَتُكَ لَم يَقوُوا، وَلَولا تَثْبِيتُكَ لَم يَثبُتوا، وَلَولا رَحمتكَ لَم يُطيعوا، وَلَولا أَنتَ لَم يَكُونوا، أَما إنَّهُم على مَكانَتِهِم مِنكَ، وَطَواعِيَتِهم إيّاكَ وَمَنزلتِهِم عِندكَ، وَقِلَّةِ غَفلَتِهم عَن أَمرِكَ، لَو عَايَنوا ما خَفِيَ عَنهم مِنكَ، لاحْتَقَروا أَعْمالَهم، وَلازرَوا على أنفسهم، وَلَعَلِموا أَنَّهم لَم يَعبُدوك حَقَّ عِبادتِك، سُبحانَكَ خالقا وَمَعبودا ما أَحسنَ بلاءكَ عِند خَلقِك. (16) .
وقال الامام علي في خطبته عن بدء الخلق ما تفسيره بايجاز:
إنّ اللّه سبحانه خلق الاجواء وخلق في أعلاها ماء متلاطما تيّاره، يمتدّ ويرتفع بعضه فوق بعض، وحمله على متن ريح عاصفة تموّجه تمويجا شديدا كما يُحرّك اللبن في السقاء ليتمخّض منه الزبد فرمى الماء بالزبد ـ الزبد: ما يعلو الماء من الرغوة وحطام الاشياء ـ فرفع الزبد في هواء منبسط وجوّ مفتوح واسع فسوّى منه سبع سموات، جعل سفلاهنَّ موجا ممنوعا من السيلان وعلياهنّ سقفا محفوظا بلا دعامة ولا مسامير يشد بعضها ببعض، وزيّن السماء الدنيا بزينة الكواكب، ثمّ فتق ما بين السماوات العلا ـ أي التي فوق السماء الدنيا ـ فملاهنّ أنواعا من ملائكته، منهم سجود لا يركعون وركوع لا ينتصبون، وصافّون ـ أقدامهم ـ لا يتزايلون من مواقفهم، ومسبّحون لا يسأمون ولا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فترة الابدان ولا غفلة النسيان، منهم أمناء على وحيه وألسنة إلى رسله، ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة لعباده والسدنة لابواب جنانه، ومنهم الثابتة في الارضين السفلى أقدامهم والمارقة من السماء العليا أعناقهم... لا يتوهّمون ربّهم بالتصوير ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالاماكن ولا يشيرون إليه بالنظائر.
ثمّ جمع سبحانه من حَزْنِ الارض وسهلها، وعذبها وسَبَخِها تُربةً سنّها بالماء حتى خلصت، ولاطها بالبلة حتى لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصولٍ وأعضاء وفصولٍ، أجمدها حتى استمسكت، وأصلدها حتى صلصلت، لوقتٍ معدودٍ، وأجلٍ معلومٍ.
ثمّ نفخ فيها من رُوحِه فتمثّلت إنسانا ذا أذهان يُجِيلُها، وفكرٍ يتصرّفُ بها، وجوارح يختدِمُها، وأدواتٍ يُقَلِّبها، ومعرفةٍ يفرّق بها بين الحقّ والباطل، والاذواق والمشام، والالوان والاجناس، معجونا بطينته الالوان المختلفة، والاشباه المؤتلفة، والاضداد المتعادية، والاخلاط المتباينة، من الحرِّ والبرد، والبلةِ والجمود، والمساءة والسرورِ (17) .
د ـ في خَلْقِ الجان والشيطان وإبليس:
في البحار أيضا عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال:
إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا أحبّ أن يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى للجنّ والنسناس في الارض سبعة آلاف سنة، قال: ولمّا كان من شأن اللّه أن يخلق آدم للّذي أراد من التدبير والتقدير لما هو مكوّنه في السماوات والارض وعلمه لما أراده من ذلك كلّه، كشط عن أطباق السماوات، ثمّ قال للملائكة: أُنْظُروا إلى أَهلِ الارضِ مِن خَلْقي مِنَ الجِنِّ وَالنِّسناس.
فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الارض بغير الحقّ، عظم ذلك عليهم وغضبوا للّه وأسفوا على أهل الارض ولم يملكوا غضبهم أن قالوا: ياربّ أنت العزيز القادر الجبّار القاهر العظيم الشأن، وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلّبون في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام، لا تأسف، ولا تغضب، ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك.
فلمّا سمع اللّه عزّ وجلّ ذلك من الملائكة، قال: (إنّي جاعِلٌ في الارضِ خَليفةً) لي عليهم فيكون حجّة في أرضي على خلقي، فقالت الملائكة: سُبْحانَكَ! (أَتَجْعَلُ فيها مَن يُفسدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماء وَنَحنُ نُسَبّحُ بِحَمدكَ وَنُقدِّسُ لك)، وقالوا: فَاجعلْهُ مِنّا فَإنّا لا نُفسِدُ في الارضَ ولا نَسفِكُ الدِّماء.
قال اللّه جلّ جلاله: يا ملائكتي: (إنّي أَعلمُ ما لا تَعلَمُون) إني أريد أن أخلق خلقا بيدي أجعل ذرّيّته انبياء مرسلين، وعبادا صالحين، وأئمة مهتدين، أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي، ينهونهم عن المعاصي، وينذرونهم عذابي، ويهدونهم إلى طاعتي، ويسلكون بهم طريق سبيلي، وأجعلهم حجّة لي عذرا أو نذرا، وأُبين النّسناس من أرضي فأطهّرها منهم، وأنقل مردة الجن العصاة عن بريّتي وخلقي وخيرتي، وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الارض، لا يجاورون نسل خلقي، وأجعل بين الجنّ وبين (18) خلقي حجابا، ولا يرى نسل خلقي الجنّ ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي، أسكنتهم مساكن العصاة، وأوردتهم مواردهم ولا أُبالي، فقالت الملائكة: ياربّ افعل ما شئت: (لا عِلمَ لَنا إلاّ ما عَلّمتنا إنّكَ أنْتَ العليمُ الحَكيم)، الخبر (19) .
قال الامام علي (ع) ما موجزه:
الروح ليس هو جبرئيل، جبرئيل من الملائكة، والروح غير جبرئيل. لقول اللّه لنبيه:
(يُنزِّلُ الملائكةَ بالرُّوحِ مِنْ أَمرهِ على مَن يشاء مِن عِباده) (النحل 2). فالروح غير الملائكة، وقال:
(لَيلةُ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهر* تَنَزَّلُ الملائكةُ وَالرُّوحُ فيها بإذنِ رَبِّهم). (القدر 3 ـ 4) وقال:
(يَومَ يَقومُ الرّوحُ والملائكةُ صَفّا). (النبأ 38).
وقال للملائكة في آدم وجبرئيل يومئذ مع الملائكة:
(إنّي خالِقٌ بَشَرا مِن طين* فإذا سَوَّيتُه وَنَفَختُ فيهِ مِن روُحي فَقَعُوا لَه ساجِدين) (ص 71 ـ 72). فَسَجَدَ جِبرائيل مَعَ الملائكةِ للرّوحِ.
وقال لمريم:
(فَأَرسَلنا إليها رَوحَنا فَتَمَثَّلَ لها بَشَرا سَوِيّا) (مريم 17).
وقال لمحمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلَّم:
(نَزَلَ به الرّوحُ الامين* على قَلْبِكَ).
ثمّ قال: (لِتَكونَ مِنَ المنذرين* بلسانٍ عِربيٍّ مُبين) (الشعراء 193 ـ 195).
فالروح واحدة والصور شَتّى (20) .
إذا يكون الروح ـ واللّه أعلم ـ ما نفخ في آدم (ع)، وما حمله الملك الذي تمثّل لمريم (ع)، وكذلك ما يحمله الملك الذي ينزل بالوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحيانا يأتي الروح الامين اسما للملك الذي يحمل الوحي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك هو روح القدس الذي أيّد اللّه به عيسى بن مريم، ويوم القيامة يقوم الروح بنفسه صفّا مع الملائكة. وهو الذي قال اللّه عنه:
(وَيَسألونكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبيّ) (الاسراء / 85).
اللّهمّ أحفظنا من الخطأ في الفهم والزلل في القول.
و ـ معنى سجود الملائكة لادم (ع):
قال الامام علي (ع) ما موجزه:
لَمْ يَكُن سُجودُ الملائكةِ لادمَ سُجودَ طاعَةٍ، وَأنّهم عَبَدوا آدمَ مِن دونِ اللّهِ عزَّ وَجلَّ، وَلكن اعترافا لادمَ بِالفَضيلةِ وَرَحمةً مِنَ اللّهِ لَه (21) .
شرح الكلمات:
والاجواء جمع جَوّ: الفضاء الذي بين الارض وسائر الكواكب.
ماء متلاطما، تَيَّاره
مُتَلاطما: تَلاطَم الماء: ضرب بعضه بعضا.
والتَّيّار: موج البحر وشدّة جريان الماء، والمتراكم: المجتمع بعضه فوق بعض.
إنّ الامام (ع) جعل الملائكة أربعة أقسام:
الاوّل: أرباب العبادة، ومنهم الراكع، والساجد، والصافّ، والمسبّح. وقوله «صافّون» أي: قائمون صفوفا. لا يتزايلون أي: لا يتفارقون.
والقسم الثاني: الامناء على وحي اللّه لانبيائه، والالسنة الناطقة في أفواه رسله، والمختلفون بالاقضية إلى العباد: بهم يقضي اللّه على من شاء بما شاء.
والقسم الثالث: حفظة العباد، كأنهم قوى مودعة في أبدان البشر ونفوسهم، يحفظ اللّه الموصولين بها من المهالك والمعاطب، ولولا ذلك لكان العطب ألصق بالانسان من السلامة، ومنهم سدنة الجنان، جمع سادن: وهو الخادم، والخادم يحفظ ما عهد إليه وأقيم على خدمته.
والقسم الرابع: حملة العرش، ولعلّهم هم المأمورون بتدبير أمر العالم من إنزال المطر وإنبات النبات وأمثالها ممّا يتعلّق بربوبيّة ربّ العالمين لعوالم المخلوقات.
وقوله «المارقة من السماء»: المروق الخروج، وقوله «الخارِجَة مِنَ الاقطارِ أركانَهم». والاركان: الاعضاء والجوارح، والتمثيل في الكلام لا يخفى على أهل البصائر.
الضمير في «دونه» للعرش كالضمير في «تحته».
ومتلفّعون: من تلفّعت بالثوب، إذا التحفت به.
الحَزْن ـ بفتح فسكون ـ: الغليظ الخشن، والسهل ما يخالفه، والسبَخ: ما مَلُحَ من الارض. وأشار باختلاف الاجزاء التي جبل منها الانسان إلى أنّه مركّب من طباع مختلفة، وفيه استعداد للخير والشر، والحسن والقبيح.
سَنَّ الماء: صبّه، والمراد صبّ عليها، أو «سنّها» هنا بمعنى ملسها كما قال الشاعر:
ثمّ خاصرتها إلى القبّة الخضــراء تمشي في مرمر مسنون
وقوله «حتى خلصت» أي: صارت طينة خالصة. لاطها: خلطها وعجنها. ملطة وَطيَّنَه بِهِ، والبَلّة من البلل. ولَزُبَ: تداخل بعضه في بعض، وصلبً لَزُبْ: بمعنى التصق وثبت واشتد.
الاحناء: جمع حِنْو، وهو: كل ما فيه اعوجاج من البدن كعظم الحِجاج، واللحي، والضلع، أو هي الجوانب مطلقا. وجَبَلَ: أي خَلَقَ.
أصلدها: جعلها صلبة ملساء متينة، وصلصلت: يبست حتى كانت تسمع لها صلصلةٌ إذا هَبَّتْ عليها رياحٌ، وذلك هو الصلصال، كأنّه قال: حتى يبست وجفت مُعَدَّةً لوقتٍ معلوم. ويمكن أن تكون بمعنى: جبل من الارض هذه الصورة ولايزال يحفظها لوقتٍ معدود ينتهي بيوم القيامة.
مَثُلَ، كَكَرُمَ: قامَ منتصبا. والاذهان: قوى التعقل، ويجيلها: يحركها في المعقولات.
مختدمها: يجعلها في مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم في خدمتك في شؤونك كلها، والادوات: جمع أداة، وهي الالة، وتقليبها: تحريكها في العمل بها فيما خلقت له.
معجونا: صفة «إنسانا» والالوان المختلفة: الضروب والفنون، وتلك الالوان هي التي ذكرها من الحر والبرد والبلةِ والجمودِ.
استأدى الملائكة وديعته: طلب منهم أداءها، والوديعة هي عهده إليهم بقوله:
(إنّي خالِقٌ بَشَرا مِنْ طينٍ، فإذا سوَّيتُهُ وَنفَخْتُ فيه مِنْ روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ).
الشِّقوة: ما حتم عليه من الشّقاء، والشقاء: ضِدّ السعادة، وهو النَّصَب الدائم والالم الملازم، وتعززه بخلقة النار: استكباره مقدار نفسه بسبب أنّه خلق من جنس لطيف ومادة أعلى من مادةِ الصّلصال، والصّلصال: الطّين الحُرّ خلط بالرمل أو الطِّين ما لم يُجْعَل خَزفا. والمراد من الصلصال هنا مادّة الارض التي خَلقَ آدمَ (ع) منها، وجنس ما خَلق منه الجن ـ وهم من الاجناس اللطيفة ـ أعلى من جنس ما خلق منه الانسان، وهو مجبول من عناصر الارض، والنظرة ـ بفتح فكسر ـ: الانتظار به حيّا، ما دام الانسان عامرا.
ثالثا ـ عن الامام محمّد الباقر(ع):
قال في معنى: (وَنَفختُ فيهِ مِن رُوحي):
رُوحٌ اختارَهُ اللّهُ، وَاصطَفاهُ، وَخَلقهُ، وَأَضافَهُ إلى نَفْسِهِ، وَفَضَّلهُ عَلى جميعِ الارواح (22) .
وفي رواية أخرى عنه أنّه قال:
إنّما أَضافَه إلى نفسه لانّه اصطفاهُ على سائِرِ الارواحِ، كما اصطَفى بَيتا مِنَ البيُوتِ، فقال: بيتي، وقال لِرَسُولٍ مِنَ الرُّسُلِ: خَليلي، وأشباه ذلك، وكلّ مخلوق، ومصنوع، محدّث مربوب مُدَبَّر (23) .
وفي رواية أخرى قال الراوي:
سألت أبا جعفر عن الروح التي في آدم والتي في عيسى ماهما؟
قال: روحان مخلوقان، اختارهما، واصطفاهما: روح آدم، وروح عيسى، صلوات اللّه عليهما (24) .
رابعا: عن الامام جعفر الصادق (ع):
انّه قال في قوله تعالى: (فَبَدَت لهما سَوءاتُهُما) (طه 121)، قال (ع):
كانت سَوءاتهما لا تبدو لهما فبدت يعني كانت من داخل (25) .
وفي محاورة جبرئيل لادم قال (ع):
لمّا خرج آدم من الجنّة نزل عليه جبرئيل (ع) فقال: يا آدم أليس اللّه خلقك بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وزوّجك حوّاء أمته، وأسكنك الجنّة، وأباحها لك، ونهاك مشافهة؛ أن لا تأكل من هذه الشجرة، فأكلت منها وعصيت اللّه؟
فقال آدم (ع): يا جبرئيل إنّ إبليس حلف لي باللّه إنّه لي ناصح، فما ظننت أنّ أحدا من خلق اللّه يحلف باللّه كاذبا (26) .
وفي توبة آدم قال (ع):
إنّ اللّه تبارك وتعالى لما أراد أن يتوب على آدم عليه السلام أرسل إليه جبرئيل، فقال له: السلام عليك يا آدم الصابر على بليّته، التائب عن خطيئته، إنّ اللّه تبارك وتعالى بعثني إليك لاعلمك المناسك التي يريد أن يتوب عليك بها، وأخذ جبرئيل بيده وانطلق به حتى أتى البيت، فنزل عليه غمامة من السماء فقال له جبرئيل (ع): خطّ برجلك حيث أظّلك هذا الغمام، ثمّ انطلق به حتى أتى به منى فأراه موضع مسجد منى فخطّه، وخطّ الحرم بعد ما خطّ مكان البيت، ثمّ انطلق به إلى عرفات فأقامه على العرف وقال له: إذا غرب الشمس فاعترف بذنبك سبع مرات، ففعل ذلك آدم (27) .
قال في معنى قوله عزّ وجلّ: (خَلَقتُ بِيِدَيَّ) (ص / 75). يعني بقدرتي وقوّتي(28) .
وفي عصمة الانبياء عندما سأله المأمون:
يا ابن رسول اللّه أليس من قولك: إنّ الانبياء مَعصومون ؟
قال: بلى.
قال: فما معنى قول اللّه عزّ وجلّ: (وَعصى آدمُ رَبَّه فَغَوى) (طه 121).
فقال (ع): إنَّ اللّه تبارك وتعالى قال لادم (ع): (اسكُن أنتَ وَزَوجكَ الجنّةَ فَكُلا مِنها حيثُ شِئتُما وَلا تَقْرَبا هذه الشَّجَرة) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة، (فَتَكونا مِنَ الظّالِمين) ولم يقل لهما: لا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجرة، وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما وقال: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة، وإنّما نهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الاكل منها: (إلاّ أن تَكونا مَلَكين أو تَكونا مِنَ الخالدين* وَقاسمهما إنّي لكما لِمَنُ النّاصحين) (الاعراف 20 و21).
ولم يكن آدم وحواء شاهدا قبل ذلك من يحلف باللّه كاذبا: (فَدَلاّهُما بِغُرورٍ) فأكلا منها ثقة بيمينه باللّه، وكان ذلك من آدم قبل النبوّة (29) .
وتأتي تتمة الروايات عن بدء الخلق في الملاحق بآخر الكتاب إن شاء اللّه تعالى.
إن الاصناف الخمسة من خلق اللّه واللاّتي بحثنا عنها آنفا تنقسم بلحاظ أنواع هداية ربّ العالمين إلى الاصناف الاربعة الاتية في بحث الربوبية إن شاء اللّه تعالى.
خلاصة البحث
إنقسام الخلق بحسب نوع الهداية إلى أربعة أصناف:
ينقسم خلق اللّه المذكورون في الفصلالاوّل من هذا البحث إلى الاصناف الاربعة الاتية:
1 ـ من له حياة وموت وإرادة وإدراك كامل، وليست له نفس أمّارة بالسوء، وهم جنود اللّه الملائكة.
2 ـ من له حياة وموت وإرادة ونفس مدركة تمام الادراك أمّارة بالسوء، وينقسم هذا الصنف إلى نوعين:
أ ـ من خلق من التراب، وهم أبناء آدم (الانسان).
ب ـ من خلق من نار السموم، وهم الجان.
3 ـ من له حياة وموت وإرادة وليست له نفس مدركة، ولا تعقل، وهم صنف الحيوان.
4 ـ من ليست له حياة الحيوان وإدراكه وإرادته من الخلق، مثل النباتات، والمياه، والشمس، والقمر، وسائر النجوم.
ونشاهد لكلّ نوع من كلّ صنف من أولئكم الخلق نظاما متقنا في حياته الخاصة به يبلغه درجة الكمال في وجوده.
فمن هو الذي قدّر لكلّ نوع منهم نظام حياته؟ وما اسمه؟
هذا ما سندرسه في بحوث الربوبية الاتية، إن شاء اللّه تعالى.
1 ـ الرّبُّ
2 ـ وما ربُّ العالمين.
3 ـ أنواع هداية ربِّ العالمين لاصنافِ الخَلق.
أ ـ في لغة العرب.
ب ـ في المصطلح الاسلامي.
من أهمّ المصطلحات الاسلامية: مصطلح الربّ، وإدراك معناه بوضوح، ضروري لابحاثنا الاتية، كما يتوقّف على فهم معناه بوضوح فهم كثير من آيات القرآن الكريم عامة، وتتوقف على معرفته: معرفة اللّه عزّ اسمه خاصة، ومعرفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصي ـ الامام ـ ويوم القيامة، وكذلك معرفة الموحِّد من المشرك، وسندرس في ما يأتي بحوله تعالى معناه اللغوي أوّلا، ثمّ الاصطلاحي:
أ ـ في لغة العرب.
رَبَّهُ يُرَبِّه: أي ربّاه يربِّيه ويدبّر أمره.
والرّبّ: يأتي بمعنى الراب أي المربّي و ـ أيضا ـ يأتي بمعنى المالك، وربّ البيت: مالكه، وربّ الضيعة: مدبّر أمرها أو مالكها، وربّ الفرس: مربّيها أو مالكها.
ب ـ في المصطلح الاسلامي:
الربّ: من أسماء اللّه الحُسنى، واسم لخالق الخلق ومالكهم. ومشرِّع النِّظام لحياتهم ومربّيهم حالا بعد حال حتى يبلغ كلّ منهم درجة الكمال في وجوده (30) .
وقد جاء في القرآن الكريم بالمعنى اللُّغوي مع وجود قرينة تدلّ على أنَّ المقصود معناه اللُّغوي، مثل قوله تعالى في حكاية قول يوسف (ع) لصاحبيه في السجن، من سورة يوسف:
1 ـ (ءأَربابٌ مُتفرِّقونَ خَيرٌ أم اللّهُ الواحدُ القهّار) (الاية 39).
2 ـ (وَقالَ لِلّذي ظنَّ أنَّه ناجٍ منهما اذكُرني عِنَد رَبِّك) (الاية 42).
ومتى جاء (رَبُّ) مطلقا ودون إضافة إلى غيره قصد منه اللّه تعالى كما جاء في القرآن الكريم:
(بَلدةٌ طَيِّبةٌ وَربُّ غَفور) (سبأ 15).
وبناء على ما ذكرناه فإنّ الرَّب جاء في لغة العرب والمصطلح الاسلامي بمعنى: المالك والمربِّي، وأضيف إلى المربِّي في المصطلح الاسلامي: مشرّع نظام الحياة لمن يربِّيه حالا بعد حال حتى يبلغ درجة الكمال (31) ، وبذلك تمّ معنى المربِّي وأصبح للربَّ معنيان، أو لمعناه جزءان:
وقال الراغب في مادّة (القرء):
إنّ كلّ اسم: موضوع لمعنيين، يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد، كالمائدة التي هي اسم للخوان وللطعام معا، ثمّ قد يسمّى كلّ واحد منهما بالخوان.
وكذلك معنى الربَّ، في لغة العرب يأتي بمعنى المالك وأحيانا بمعنى المربِّي، وفي المصطلح الاسلامي يأتي أحيانا بمعنى المالك المربِّي، وأحيانا يأتي في جزء معناه: المشّرع لنظام الحياة، مثل قوله تعالى:
(اتَّخَذوا أحبارَهم وَرهبانَهم أربابا مِن دونِ اللّهِ) (التوبة 31).
____________
(1) راجع تفسير الاية بتفسير سيد قطب والبحار للمجلسي؛.
(2) ستأتي الاشارة إليه في روايات بدء الخلق عن الاوصياء.
(3) ستأتي الاشارة إليه في روايات بدء الخلق عن الاوصياء.
(4) قاموس الكتاب المقدّس، مادّة: عدن.
(5) كتاب العهد العتيق (التوراة) طبعة ريچارد واطس لندن 1839، سفر التكوين. الاصحاح الثاني، العدد: 10 ـ 14.
(6) قاموس الكتاب المقدّس، مادّة: جيحون وفيشون.
وقد كتب إليّ الاُستاذ البحّاثة سامي البدري في بحثه المخطوط عن جنّة آدم:
إنّ الانهار الاربعة الانفة الذكر فروع للفرات، وقد ذكر أنّه استند في بحثه على الترجمات الارامية للتوراة العبرية والسامرية وعلى متابعة أسماء فروع الفرات والمدن الواقعة عليها في التراث المسماري والهيروغليفي مضافا إلى دراسة الواقع الجغرافي لفروع نهر الفرات وأسمائها في بلدانيات الاسلاميين.
(7) البحار 11 / 267.
(8) البحار 11 / 268).
(9) البحار 11 / 210 و211.
(10) البحار 11 / 170، 180، 205، 210، 211.
(11) البحار 11 / 268.
(12) إبن سعد 2 / ق، 2 / 71، وسنن الترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قتلى أُحد، 4 / 235.
(13) سنن الترمذي، 11 / 16، ح: 1، من تفسير سورة البقرة، وسنن أبي داود، كتاب السنة، باب في القدر، ح 4693، 4 / 222. ومسند أحمد: 4 / 400 وطبقات ابن سعد، ط أروبا: 1 / ق 1 / 5 و6. واللفظ للترمذي.
(14) طبقات ابن سعد ط أوروبا، 1 / ق، 1 / 10.
(15) البحار للمجلسي 11 / 142.
(16) البحار للمجلسي 59 / 175 ـ 176. نقلا عن تفسير القمي، ص: 583.
(17) شرح النهج لابن أبي الحديد، تحقيق محمّد أبو الفضل ابراهيم 1 / 96 ـ 97.
(18) كذا في البحار. والنّسناس لم نقف على حقيقته.
(19) البحار للمجلسي 63 / 82 ـ 83. عن علل الشرائع، 1 / 98.
(20) الغارات للثقفي، ط. بيروت عام: 1407هـ. ص: 107 ـ 108.
(21) البحار 11 / 139.
(22) البحار للمجلسي 4 / 11.
(23) البحار للمجلسي 4 / 12، نقلا عن معاني الاخبار وتوحيد الصّدوق.
(24) البحار للمجلسي 4 / 13.
(25) البحار للمجلسي، 11 / 160، نقلا عن تفسير القمي، ص: 213.
(26) البحار للمجلسي، 11 / 163.
(27) البحار للمجلسي، 11 / 167.
(28) البحار للمجلسي، 1 / 10.
(29) البحار للمجلسي، 11 / 164، نقلا عن عيون الاخبار للشيخ الصدوق، ص: 108 ـ 109.
(30) قد خلط الراغب في مادة (الرَّب) بين المعنى الاصطلاحي والمعنى اللُغوي ولم يفرِّق بينهما، فإنّ مربِّي الشَّي حالا بعد حال حتى يبلغ درجة الكمال من معاني الرَّب في المصطلح الاسلامي خاصَّة، بينما ذكره الراغب في معنى الرَّب عامَّة.
(31) شأنه في ذلك شأن الصلاة التي كانت في لغة العرب بمعنى: عامّة الدعاء وخصّص في الشرع الاسلامي بمعنى: الصَلاة المعروفة.